نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم كاملة
مقدمة النوفيلا
اعتدلت في جلستها على المقعد بالطائرة العائدة بها إلى أرض الوطن، لقد انتهت من دراستها وحان وقت العودة إلى منزل العائلة الكبير، أدارت "ديلارا" رأسها نحو نافذة الطائرة لتحدق في تلك الغمائم التي تغلف جناحها الأيسر، تنهدت مطولاً وهي تمني نفسها بقضاء وقت طيب مع أقربائها الذين اشتاقت لهم؛ خاصة والديها الحبيبين، قاومت رغبة ملحة في الاستسلام لتستمع بلحظاتها الأخيرة وهي محلقة في السماء الملبدة بالغيوم، أمسكت بعد ذلك بهاتفها المحمول تتطلع إلى الصور الفوتوغرافية التي التقطتها مؤخرًا وهي تبتسم.
احتوت الصور على أهم اللقطات المميزة التي جمعتها مع رفيقاتها ورفاقها في الجامعة، تمنت لو تضمنت تلك الألبومات صورًا تجمعها مع حبيب يعشقها حد الجنون يقود مشاعرها إلى مناطق لم تطأها من قبل، هي قرأت عن الحب من أول نظرة، وحلمت أن تعيشه مع من يغرقها في بحوره العميقة، رسمت "ديلارا" في خيالها صورة لفارسها المنتظر جسدت فيها مواصفاته الجسمانية وسماته الرجولية، خرجت من تفكيرها الحالم على صوت المضيفة الصادح عبر المذياع الداخلي:
برجاء غلق الهواتف والتزام الأماكن وربط الأحزمة لقرب الوصول إلى المطار.
تهدل كتفيها بتعب وقامت بتنفيذ ذلك بهدوء واضح عليها، نفضت "ديلارا" خصلات شعرها المنساب على جبينها للخلف، واستندت بكفها على طرف ذقنها حتى أحست بتلك الرجة الخافتة، تشبثت جيدًا بالمقعد حابسة أنفاسها بترقب وهي تشعر ببدن الطائرة يهبط على المدرج المصمم للإقلاع والهبوط، أغمضت جفنيها متذكرة ما كانت تشعر به من خوف ممزوج بالأدرينالين المتحمس وهي تلهو مع رفاقها في الملاهي، تنفست الصعداء مع تلامس عجلاتها للأرضية الإسفلتية لتشعر بتلك الاهتزازات المتتالية حتى هدأت وبدأت حركتها تخبو لتتوقف بعدها الطائرة وتستعد هي لمغادرتها.
استقبلتها عائلتها بترحاب ودود، فالجميع يعشق تلك الفتاة العشرينية المجتهدة، لا تختلف ملامح وجهها عن والدتها "بُشرى"، هي تمتلك نفس زوج الأعين العسلية والشعر الذهبي، بالإضافة إلى بشرتها البيضاء، كما اكتسبت من والدها "ماهر" سماته الشخصية كعزة النفس والكبرياء، ركضت نحوها ابنة عمها الوحيدة "جوانا" تحتضنها هاتفة بتلهفٍ:
افتقدتك كثيرًا
ردت عليها "ديلارا" بابتسامة صغيرة:
وأنا أيضًا.
أخرجت من صدرها تنهيدة عميقة تحوي مشاعرًا كثيرة، تلفتت حولها تتأمل المكان بنظرات متفحصة وهي تكمل حديثها:
كم أشتاق لكل شيء هنا، افتقدتُ الدفء والهدوء
ردت عليها "جوانا" بعبثٍ:
لا تتوقعي أن أكف عن مضايقتك، سنلهو كثيرًا، فأنا أجيد الخروج والسهر
ضحكت "ديلارا" قائلة بتأكيد وهي تغمز لها:
بالطبع، فأنتِ خير مثال على ذلك.
صاحت بهما "بشرى" وهي تلوح بيدها من نافذة السيارة:
هيا يا صغيرات، لنتحرك، لن نبقى هنا طوال اليوم
عبست "ديلارا" بوجهها قائلة بتذمرٍ مبرر:
أمي! لم أعد كذلك، لقد تخرجت وعما قريب سأعمل و...
قاطعتها بإصرار دون أن تختفي ابتسامتها الصافية عن ثغرها:
بل ستظلِ هكذا حتى لو صار لديكِ عشرات الأطفال
كركرت ضاحكة وهي ترد مستسلمة أمام أمومتها الزائدة:
حسنًا يا أمي!
تأبطت "جوانا" في ذراعها، ثم مالت عليها لتهمس لها في أذنها بلؤم عابث:
حاولي أن ترتاحي اليوم لأن غدًا سنحتفل بكِ ولكن بطريقة خاصة!
نظرت لها ابنة عمها بارتياب محاولة تفسير ما قالته، لكن ظلت الأخيرة محافظة على ذلك الغموض الذي غلف حديثها، فكما باحت لها فإن الغد سيحمل في طياته الكثير من المفاجآت.
فصول نوفيلا ديلارا
- نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الأول
- نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الثاني
- نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الثالث
- نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع
- نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والأخير
تمت