قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

لم يكن مؤمنًا بما يسمى بالحب من أول نظرة حتى التقاها، لكن حدث الأمر معه وأصابه بالجنون، لأيامٍ متعاقبة ظل يبحث عن تلك الفتاة الغامضة التي أتت إلى حفله فجأة واختفت فجأة لتتركه في حيرة مزعجة، تحول الأمر معه بمرور الوقت وعجزه عن إيجادها إلى هوس مريب، فمنذ أن رأها عاصي في حديقة قصره الخلفية وهي لم تفارق تفكيره، تذوق معها مذاقًا جديدًا للحب من على شفتيها، نقلته لحظيًا إلى عالم جميل تضاعفت فيه المشاعر والأحاسيس، هي لم تكن كسابقاتها من الفتيات، شغلت باله حتى عجز عن متابعة أعماله بذهنٍ صاف، ولج إليه رفيقه وليد في غرفة مكتبه متسائلاً:.

لقد أطلت غيبتك وأهملت عملك
سحب المقعد ليجلس عليه واضعًا ساقه فوق الأخرى وهو يتابع باهتمام:
لا تخبرني أن السبب في ذلك كنده
تقوس فم عاصي للجانب مرددًا بسخطٍ:
ليس لتلك الدرجة، هي انتهت بالنسبة لي
زوى حاجبيه متسائلاً:
إذًا أخبرني ماذا بك؟
سحب عاصي نفسًا مطولاً لفظه ببطء ليجيبه بعدها بامتعاض
لا أعلم بالضبط، تلك الفتاة أحدثت في شيء ما
رغم عفوية حديثه إلا أنه أثار فضول رفيقه، أكمل متسائلاً بجدية:
فتاة، عمن تتحدث؟

أجابه بمللٍ:
عن صاحبة الثوب الأحمر
بدا الاهتمام واضحًا على تعبيرات وجه الأخير، شبك كفيه معًا ليسندهما على سطح المكتب، أشار بحاجبه مضيفًا:
لقد فاتني الكثير، احكي لي يا صديقي
اعتدل في جلسته على المقعد مركزًا أنظاره عليه، أومأ برأسه قائلاً بجدية جلية:
حسنًا، ربما ستتمكن من مساعدتي.

سرد له بإيجاز لقائه القصير – و الذي امتلأ بالكثير مع صاحبة الثوب الأحمر، تلك التي لم يكتشف هويتها بعد، وتعب من تحريه اليائس عنها بلا جدوى، تعجب رفيقه من اهتمامه الزائد بها متسائلاً بفضول:
ولماذا هذا الاهتمام المفاجئ؟
أرجع عاصي ظهره للخلف قائلاً بضيق محبط:
صدقني لا أعرف، لكني سأجن!
فرك طرف ذقنه متابعًا بتساؤل جاد:
هل سألت عنها المتواجدين؟
عقد كفيه خلف رأسه مجيبًا إياه بفتورٍ:.

لم يرها أحد بعد صدامي معها
لوح له وليد بسبابته معاتبًا برفق:
أنت من تسرعت بتقبيلها
رد مبررًا:
اعتقدت في البداية أنها كنده
بالمناسبة هي تدعي تركها لك، وتقول أنها...
قاطعه غير مكترث:
لا يهمني ما تقوله، هي صفحة وانطوت من حياتي
تنهد عاصي مرة أخرى ليقول بشرودٍ:
السندريلا فقط من تشغل بالي.

صمت ثقيل ساد بينهما للحظات حاول كلاهما فيه التفكير في وسيلة للوصول إلى أي معلومة تخصها، هتف فجأة وليد بنزق بعد أن طرأ بباله شيء ما:
عاصي، هل تحريت الكاميرات الموجودة في قصرك؟
تأهب عقله بعد سؤاله المحفز لخلاياه مرددًا:
ماذا؟
تابع موضحًا بنفس اللهجة الجادة:
حتمًا ستكون إحداهم قد سجلت مجيئها مع أحد رفاقك، ربما بذلك سنكشف هويتها.

تحول الوجوم الذي كسا ملامحه إلى حماس عجيب، هتف عاصي بإعجاب وهو ينهض عن مقعده مادحًا رفيقه:
أنت حقًا عبقري، لماذا لم أفكر في ذلك الاقتراح من قبل؟!
رد وليد بغطرسة وغرور يستحقهما:
بالطبع، لم أحصل على المركز الأول من فراغ!
غمز له مؤكدًا:
سأكافئك إن وصلت إليها
في انتظارك رفيقي!

عكف بعدها عاصي على مراجعة الأشرطة التي قامت الكاميرات بتسجيلها ليلة الحفل، كانت الصدمة عندما رأى جوانا مع نفس الفتاة تلجان إلى قصره متأبطتان ذراع بعضهما البعض، ضرب جبينه بقبضة يده يلوم نفسه على إضاعة وقته هكذا، مرر أصابعه بين خصلات شعره محدثًا نفسه:
لقد وجدت أيتها الأميرة!

كانت تمارس رياضة العدو في المضمار المخصص لذلك بالنادي حينما أتاها اتصالاً هاتفيًا، توقفت جوانا عن الركض لتلتقط أنفاسها ثم سحبت الهاتف من جيب سروالها الرياضي لتنظر إلى اسم المتصل، اعتلت الدهشة تعبيراتها وهي تقرأ بين شفتيها اسم عاصي يضيء عليه، فقلما اتصل بها، لم تدع الأمر يحيرها كثيرًا، أجابت على اتصاله متسائلة بنعومة:
خيرًا يا سيد عاصي.

جففت عرقها بمنشفة صغيرة كانت معها، أصغت إلى نبرته الهادئة وهو يقول بلؤم:
جوانا، حلوتي، ألا يجوز الاتصال بكِ؟
ردت بابتسامة صغيرة:
نعم، ولكن الأمر غريب، فأنا أعرفك جيدًا
تنحنح بخشونة ليقول بجدية:
حسنًا لن أراوغ معك، أردت سؤالك عن شيء ما
أصبح وجهها خاليًا من التعبيرات وهي تتابع بترقب:
تفضل
سألها دون إضاعة وقتٍ وبدون أي مقدماتٍ:
أتذكرين الحفل التنكري الذي أقمته قبل فترة؟

اعتراها القليل من الدهشة وهي ترد على سؤاله بتساؤل حائر:
نعم، ماذا به؟
أجابها بسؤال أكثر جدية محاولاً ألا تظهر نبرته المتلهفة لها:
هل أتت بصحبتك فتاة ما ترتدي ثوبًا أحمر اللون؟
ردت بنزقٍ:
أتقصد ديلارا؟
ردد باندهاش:
اسمها ديلارا؟ أهي قريبتك؟
أجابته بدون أن تفكر مرتين:
نعم، إنها ابنة عمي، على ما أذكر هي رحلت مبكرًا، هل حدث شيء ما يخصها؟

وكأن جميع الأحجية قد حلت مرة واحدة لينكشف الغموض عنها، تهللت أساريره لمعرفة هويتها، إذًا تلك المثيرة الغامضة هي قريبتها، تحرج من كشف أمره عندما طال شروده، عمد إلى تغيير الموضوع قائلاً:
لا، لا، أنا فقط اتفقد شيء ما يخصني
استشعرت وجود ما يخيفه عنها، هكذا أنبئها حدسها النسائي، لذا سألته بفضول:
ألهذا علاقة ب كنده؟
رد بلهجة جادة:
لا تعبثي معي جوانا، لم يكن بيننا شيء
التقط أنفاسه ليواصل بحدة:.

لماذا يصر الجميع على وجود علاقة رسمية بيننا؟
تعجبت من انفعاله الزائد، ومع ذلك بررت اعتقادها قائلة:
ولكن هي من يقول ذلك، و...
قاطعها بنبرة متصلبة:
لا تصدقي أكاذيبها، مجرد علاقة عابرة وانتهت
فركت عنقها المرهق بأصابعها وهي ترد باقتضاب:
حسنًا
عادت نبرته للهدوء حينما تابع:
أخبريني، هل والدك بخير؟
التوت شفتاها بابتسامة صغيرة صافية وهي تجيبه:
نعم، هو لا يزال في جولته الترفيهية مع أمي
أتاها صوت ضحكته العابث قائلاً:.

يقضيان شهر عسل
تورد وجهها بخجل بائن من تلميحه الصريح، عضت على شفتها السفلى قائلة:
شيء من هذا القبيل
تابع مضيفًا بودٍ:
أرسلي سلامي لهم، وأخبري عمك أن سأزوره قريبًا
عقدت ما بين حاجبيها متسائلة باستغراب:
لماذا؟
للحديث عن العمل، وهل ورائنا شيء غيره يا جوانا
تنهدت قائلة بضجر:
أوه، نسيت!
سلام يا حلوة
اتسعت ابتسامتها مرددة بخجل أكبر:
أراك لاحقًا يا عاصي.

أنهت معه المكالمة وهي تتعجب من ذلك التعرق الزائد الذي انتابها لمجرد حديثها معه، فسرت الأمر لكونه الشاب الأكثر شهرة في الأوساط لمغامراته العاطفية وملاحقة الفتيات له، نهرت نفسها بجدية لاهتمامها المفاجئ به:
أفيقي جوانا، لا تنسي أنه يعاملك كأخته، فلا تحلقي بأحلامك عاليًا
تنهدت متابعة بإحباطٍ:
أه لو أقابل حب عمري!

ضحكت ساخرة من تفكيرها المحدود حاليًا حول إيجاد الزوج المناسب لها، لم تنتبه لخطواتها وهي تستأنف ركضها لتصدم دون قصد بأحد الأشخاص من ذوي الأجساد الرياضية الضخمة، أسندها من ذراعها برفق فتحرجت منه، اعتدلت في وقفتها معتذرة بخجل
أوه، أسفة!
رد بابتسامة صافية وهو يضبط وضعية حقيبته على كتفه:
بل أنا الأسف، كنت مشغولاً في هاتفي، هل أنتِ بخير؟
ابتسمت بخجل أكبر وقد تحولت بشرتها لحمرة كثيفة:.

لا تقلق، أنا في أحسن حال
مد يده لمصافحتها متابعًا:
معذرة، لم أقدم لكِ نفسي، أنا راجي لاعب كرة القدم
هتفت بحماسٍ وبعدم تصديق وهي ترمش بعينيها:
الظهير الرباعي في فريق النادي
ازدادت ابتسامته اتساعًا مع حماسها المرح ليقول لها وهو يشير إلى يده الممدودة نحوها:
نعم، يبدو أنكِ تعرفيني جيدًا
صافحته هي الأخرى مبررة اهتمامها:
بالطبع، أنا مهتمة بمتابعة أخبار اللاعبين و..

أدركت أن حماسها كان مبالغًا فيه، سحبت يدها من بين أصابعه مرددة بتردد مرتبك:
احم، لا تسيء فهمي، أنا شغوفة بالفريق
وضع يده أعلى رأسه يحكه قائلاً:
أتفهم مقصدك، لا تقلقي، ولكني لم أعرف اسمك بعد
عضت على شفتيها هامسة:
أنا جوانا
رحب بها بابتسامة صغيرة:
مرحبًا جوانا، سعيد بمقابلتك
وأنا كذلك
لم يعلق عليها، واكتفى بالابتسام له، تحرجت من تعطيلها له دون سبب مقنع، فردت بارتباك:
سأنصرف الآن
هز رأسه قائلاً بتفهم:.

تفضلي، وأتمنى أن نلتقي من جديد
أشرقت نظراتها هاتفة:
بالطبع، أنا أتواجد يوميًا هنا
أدركت أن لسانها يسبقها في التعبير بعفوية عن حماسها دون التفكير، اشتعل وجهها بحمرة قوية مرددة بتلعثم خجل:
أقصد أتمرن على الركض في نفس التوقيت، أنا، فرصة سعيدة، إلى اللقاء
فرت من أمامه وهي تلوم نفسها على تصرفاتها الطفولية معه، تمتمت من بين شفتيها المضغوطتين:
يا إلهي، كم أنا خرقاء.

تعلقت أنظار راجي بها رغم ابتعادها، فرك مؤخرة عنقه مرددًا لنفسه:
رائعة تلك الفتاة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة