قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

ظلت أنظاره تبحث عنها، عشيقته التي التصقت به مؤخرًا ليختبر معها مشاعره الرجولية، لم ينكر أنه تمتع معها كثيرًا، لكنه كان يتوقع أن يسقط قناعها الزائف وتنكشف حقيقتها، فمثيلاتها تجري وراء المشاهير وأصحاب الأموال الطائلة لتطلب المزيد في لحظة ما حرجة، مما يدفعه للرضوخ أمامها، ورغم ذلك لم يكن من تلك النوعية، أسند عاصي كأسه الذي فرغ من ارتشاف ما به في جرعة واحدة على الطاولة المجاورة له، ثم لوح بيده لأحد رفاقه الذي اقترب منه متسائلاً باستغراب:.

لماذا لا تضع قناعك؟
أجابه بوجه ممتقع وهو يشير بيده للنادل ليأتي له بكأس أخر:
لا أريد
تعجب وليد من حالة الفتور المسيطرة على رفيقه مرددًا:
عاصى، إنها حفلتك، أنت من دعوت لتنظيمها!
رد عليه بعدم اكتراث لما دفعه من مبلغ كبير لتخرج بذلك الشكل المبهج:
حفلة سخيفة، لا أرى أي داعٍ منها
لكنك...
قاطعه بجدية وقد قست تعبيراته:
لم يكن اقتراحي، إنه طلب كنده، رغبت في القليل من المرح
غمز له وليد هامسًا بنبرة ذات مغزى:.

الفاتنة اللعوب!
مط فمه ليبدي انزعاجه، ثم تحدث من زاويته قائلاً:
إنها هي، تجيد إجباري على تنفيذ رغباتها
سأله باستغراب:
ولماذا قبلت إذًا؟
رد عاصي باقتضاب وهو يدس في جوفه الشراب من جديد:
لأتسلى مثلها
تفرس وليد في تعبيرات وجهه المتصلبة متابعًا حديثه:
لكني أجدك بائسًا، اعذرني لصراحتي!
رد موضحًا بزفير مسموع:
لأن تلك المخادعة لم تظهر بعد، هي تتعمد اتلاف أعصابي قبل أن أراها
لكزه في جانب ذراعه غامزًا له:.

هي تجيد التلاعب بك
تقوس فمه بابتسامة باهتة وهو يرد:
نعم، لن أنكر أنها بارعة في ذلك!
ثم كركر ضاحكًا ناعتًا إياه بمكرٍ:
كنده صائدة الرجال
وافقه رفيقه الرأي، تلفت حوله مضيفًا بهدوءٍ:
ربما هي موجودة ولكنها تختبأ منك
رد عليه عاصي بنبرة عازمة وهو يستعد للسير:
سأبحث عنها
أوقفه وليد قبل أن يتحرك متسائلاً:
أتعرف ما الذي سترتديه؟ فالكل يرتدي أقنعة هنا و...
قاطعه غامزًا بلؤمٍ:.

ثوبًا أحمر اللون، لقد أعطتني تلميحًا ووعدتني بمفاجأة أخرى لم تفصح عنها
لم يستطع رفيقه إخفاء ضحكة ماجنة خرجت من جوفه وهو يرد بتلميح صريح:
حتمًا إنها ماهرة معك!
صحح له مقصده متمتمًا بغرور واثق:
بل أنا الأمهر يا صديقي، لا تنسى من أنا!
غمز له بطرف عينه قبل أن يناوله كأسه الفارغ ليتحرك باحثًا عنها بين ضيوفه الذين لم يدعوا أغلبهم، التقى في طريقه ب جوانا التي استقبلته مهللة بابتسامة مشرقة:.

أوه، سيد عاصي! دومًا تفاجئنا بحفلات تتحدث عنها الصحف لأيامٍ
مد يده ليداعب وجنتها قائلاً بغطرسة:
لأني لا أقبل إلا بالأفضل
مطت شفتيها المكتنزتين مرددة بإعجاب بائن في عينيها:
بالطبع
سألها مهتمًا وهو ينتصب في وقفته ليدس بعدها يديه في جيبي سرواله الأسود:
هل أتيتِ بمفردك أم بصحبة أحد من العائلة؟
أجابته بهدوء وهي تتلفت برأسها:
لا، بل مع...
قاطعها النادل متسائلاً بنبرة عملية:
سيد عاصي هل أحضر لك شرابك؟

رفع يده مشيرًا بصلابة:
لا، قدم للآنسة واحدًا
ابتسمت له بلطف معتذرة منه:
شكرًا لك عاصي، لقد شربت الكثير، سأذهب للبحث عن قريبتي
أشار لها براحة يده قائلاً بابتسامة لطيفة لكنها جادة:
تفضلي.

راقبها بأعينه وهي تسير بخطوات متهادية حتى اختفت عن أنظاره، استدار بجسده نحو المسبح ليسير بجواره متوقعًا وجود عشيقته هناك، لم يجدها في البداية فأكمل بحثه بملل، لمح إحداهن توليه ظهرها تنطبق عليها مواصفاتها من بعيد، ثبت حدقتاه على جسدها وهو يدنو منعها، تسلل إليه إحساسًا غريبًا لم يفهمه وهو يجوب بنظراته الدقيقة على تفاصيلها التي أثارت فيه شيء ما، وقف على مسافة جيدة منها يتأملها باهتمام، خاصة وأن الإضاءة الخافتة قد منحتها هالة سحرية تأسر الأعين نحوها، كانت مختلفة عن أي مرة وعدته فيها أن تبهره وتجعله يزداد رغبة فيها، ابتلع لعابه الذي سال مقتربًا أكثر منها.

كانت ديلارا تداعب وجنتها بأوراق وردة حمراء صغيرة اقتطفتها لتشعر بملمسها الناعم على بشرتها، أغمضت عينيها مستسلمة لذلك الإحساس المغري بالهدوء الممزوج بنغمات موسيقية ساحرة، انتفض جسدها مع تلك اللمسة الغريبة التي حاوطت خصرها فجأة، فتحت عينيها مصدومة، تخشب جسدها وتصلبت كليًا وهي تتراجع مبتعدة عمن تجرأ ووضع يده على جسدها بوقاحة غير متناهية، للحظة صدمت من تعبيرات وجهه التي طابقت تلك الصورة الخيالية التي رسمتها له، هوى قلبها في قدميها باندهاش غير مسبوق، استعادت زمام أمورها قبل أن تنفلت منها، انتصبت ديلارا في وقفتها، كما قست نظراتها نحوه، هو لم يبعد أعينه التي تلتهمها بشراهة عنها، هتفت بحدةٍ تنهره عن اقتحامه لخلوتها الاختيارية واستباحته لما ليس له:.

أجننت؟
رفع حاجبه للأعلى متعجبًا ردة فعلها الغريبة، اقترب خطوة منها فتراجعت مرتدة للخلف، سألها بجمود:
ماذا بكِ؟
اهتزت نبرتها وهي ترد متسائلة:
من أنت؟
رد على سؤالها المريب مستفهمًا:
أهي حيلة جديدة منك؟
شردت من جديد للحظة في ملامحه، أيعقل أن يكون التطابق بين الخيال والواقع لتلك الدرجة المخيفة؟ لم تنتبه لخطوته التالية نحوها، لف ذراعه حول خصرها ليضمها إليه وهو يقول:.

حسنًا لقد أثرتِ إعجابي حقًا تلك المرة بشكلك المثير
شهقت بتوترٍ من حركته الجريئة معها، واستندت بكفيها على صدره تدفعه عنها رافضة أن يلتصق جسدها به، صاحت تحذره:
إياك أن...

باغتها بانقضاضه على شفتيها يقبلها برغبة جامحة متأججة بداخله مانعًا إياها من التفوه بالمزيد من الحديث الذي لا يجدي نفعًا في مثل تلك المواقف الخطيرة، انحبست أنفاسها مع تعميقه لقبلته القوية والحسية تلك، تذوق مع قبلتها تلك طعمًا مختلفًا، لم يكن مثل كل مرة، قاومته ديلارا قدر استطاعتها لكنها في لحظة هوجاء استسلمت له ولخيالها الذي رسم ذلك المشهد عشرات المرات عبر صفحات الروايات المختلفة، بادلته نفس القبلة الحسية، لم يحررها عاصي إلا عندما انتهى منها، ابتعدت هامسًا لها بحرارة:.

هيا لنرقص سويًا
لهثت بخوفٍ ممزوج بالصدمة، أيعقل أن تكون أقدمت على ذلك بملء إرادتها، نبذت رعونة تفكيرها، ثم شحذت قواها لتصفعه بقوة على صدغه قبل أن تنجح في التملص منه متحركة للخلف وهي تصرخ فيه بعصبيةٍ:
أيها الحقير، ابتعد عني!

تفاجأ من صفعتها التي لم يتوقعها أبدًا، فعشيقته كنده تحب طريقته في اقتناص الحب عنوة منها، خاصة حينما يلتهم شفتيها ويبث لها أشواقًا تلهب حواسها وتحفزها لطلب المزيد، صدم مما فعلته، فقد تجاوبت معه باستمتاع قبل لحظات، صاح بغضبٍ ظهر في نظراته المحتقنة نحوها وكذلك صوته:
كنده، أتجرؤين؟
اضطرت ديلارا أن تنزع القناع الذي يخفي وجهها عنه لتنظر له بنفور مستنكرة وقاحته معها، رمقته بنظراتٍ عدائية وهي ترد منفعلة:.

أنا لا أعرفك
فغر فمه مدهوشًا من وجهها الذي لا يألفه، هو أخطأ حتمًا، هي ليست كما ظن عشيقته، بل واحدة أخرى تصرفت بتلقائية حينما قبلها هكذا بعنف، بالطبع كانت ردة فعلها طبيعية معه لكونه غريبًا عنها، لكن ما أثار ريبته هو تجاوبها معه، وإحساسها الذي وصله ولامس أعماق فؤاده، احتدت نظراته وقست إلى حد ما وهو يسألها بصوته المتشنج:
من أنتِ؟
واصلت تراجعها عنه وهي تعنفه بعصبية:
سأشكو عليك أصحاب الحفل.

أولته ظهرها لتشرع في التحرك صوب المسبح لكنه قبض على رسغها ليوقفها عنوة، خفق قلبها بقوة من إمساكه بها، شعرت بدقاتها تتسابق في صدرها، أدارها عاصي ناحيته ليغدو قبالتها، جمد أعينه على عينيها الخائفتين، توترت أنفاسها وتسارعت نبضات قلبها بقلقٍ ممزوج بالخوف، لا تعرف ما الذي أصابها لتظل هكذا جامدة محدقة فقط فيه، ما حلمت به يومًا يتجسد أمامها، بل يقف على قدميه يواجهها ويحاورها، سد عاصي بجسده الطريق عليها معيدًا سؤاله بهدوء وهو يتأمل صفحة وجهها الجميل:.

من أنتِ؟

توترت من نبرته المتحكمة رغم هدوئها، خشيت أن تنساق وراء مجهول لا تعرف توابعه لمجرد حلم في خيالها تمنت أن تكون البطلة فيه، تذكرت أمرًا كانت تقرأ عنه دومًا لتبدد أحلامها الوردية تمامًا؛ إنه عن حالات الاعتداء خلال بعض الحفلات الخاصة، حيث يصرف الشباب فيها في تناول الشراب المُسكر وبالتالي تبعات ما يأتي بعد ذلك تكون وخيمة، خافت أن تكون هي الضحية التالية، أن يحاول النيل منها رغمًا عنها، وهي لن تستطيع منعه بمفردها، جف حلقها وشعرت بضربات قلبها المتلاحقة تصم آذانها، تلوت ديلارا بمعصمها لتتخلص منه وهي تقول بخوفٍ:.

اتركني!
لا يعرف ما الذي حثه لعدم تركها، ارتجافة شفتيها المغريتين كانت تحمسه لنيل عدد لا نهائي من القبلات، قاوم غريزته الجامحة مرددًا بإصرار عنيد ومعمقًا من نظراته نحوها:
ليس قبل أن أعرف هويتك!

هنا قفز قلبها في قدميها متوقعة الأسوأ معه، تلاحقت أنفاسها وشحب لون بشرتها الطبيعي بخوف مضاعف، ظلت أنظارها المتوترة مسلطة على عينيه الحادتين اللاتين لم تكفا عن التحديق بها في دعوة خفية منهما للاستجابة للحظة جنون أخرى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة