قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الأول

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الأول

نوفيلا ديلارا للكاتبة منال سالم الفصل الأول

انتزعت الستائر نزعًا لتتسلل أشعة الشمس القوية إلى غرفتها بعد أن تجاوز الوقت فترة الظهيرة بكثير، قضت ديلارا – منذ أن عادت لفيلا العائلة أغلب وقتها نائمة تحاول استعادة تلك الحيوية التي افتقدها جسدها مؤخرًا، لم تتحمل جوانا كسلها الزائد عن الحد فعمدت إلى إفاقتها بنفسها، قفزت على فراشها تسحب الغطاء عنها وهي تصيح بها بنبرة عالية مليئة بالحماس:
هيا، استيقظي!

جذبت ديلارا طرفه بيدها لتغطي وجهها محاولة إكمال نومها رغم استحالة حدوث ذلك بسبب وجودها، لم تسلم منها فهمست بصوتها الناعس مرددة بتذمر علها تتركها وشأنها:
ليس الآن
ردت عليه بعبوس وقد انزوى ما بين حاجبيها:
ديلارا، أنتِ سخيفة حقًا، وأنا التي نويت اصطحابك إلى أحد حفلات رفاقي
نفخت الأخيرة قائلة بضيقٍ:
لا أريد
استمرت في جذب الغطاء عنها هاتفة بإلحاحٍ:
هيا، قضيتِ يومان في الفراش، كفا كسلاً
دعيني لشأني.

لن يحدث، عمي ماهر طلب مني أن ألازمك، هيا سنبدأ بالاستعداد للحفل
فغرت شفتيها مرددة باندهاش:
الآن؟ مازال الوقت مبكرًا!
عبست ملامحها قائلة بجدية عجيبة:
أتمنى أن يكفي فقط، هيا حبيبتي!

لم تستطع التملص منها، فاستسلمت أمام إصرارها العنيد لتنهض بتثاقل عن الفراش، توجهت ناحية المرحاض لتغتسل، في تلك الأثناء أحضرت جوانا ثوبًا جديدًا قد اشترته مع زوجة عمها خصيصًا لها لتحتفل بقدومها، وضعته على طرف الفراش وانتظرت بترقبٍ متلهف بجواره لترى ردة فعلها، خرجت ديلارا من المرحاض تجفف وجهها بالمنشفة، قطبت جبينها متسائلة باستغراب وقد تجمدت أعينها على ذلك الثوب الموضوع في كيس بلاستيكي مغلف:
ما هذا؟

غمزت لها قائلة بعبثٍ مرح:
خمني.

اقتربت من الفراش تاركة المنشفة بإهمال على المقعد المجاور له، انحنت تتفحص ما بداخله، تجهمت تعبيرات وجهها للغاية، وتحولت نظراتها للاستياء بعد أن لمحت طرفه، لم تكن بحاجة للكشف عنه كليًا لتعرف ماهيته، إنه ثوب يليق بالحفلات المسائية، لونه أحمر ناري يكاد يصيب من يراه على أنثى بالجنون، بالطبع كان يحتاج لجسد مثالي ليبرز من ترتديه ك فينوس، وهي لا تحبذ تلك النوعية من الثياب، زمت شفتيها قائلة بامتعاضٍ:.

لا تقولي، إنه أحد تلك الأثواب القصيرة التي...
قاطعتها جوانا وهي تضع يدها على كتفها بهدوء مختلط بابتسامة شقية تتراقص مع نظرات عينيها:
ليس هكذا بالضبط
كتفت ديلارا ساعديها مرددة باعتراض واضح:
تعلمين أني أكره أن أرتدي ثيابًا كتلك، أبدو بشعة للغاية فيهم، لن أضعه عليّ، انسي حدوث ذلك!
مدت جوانا يدها لتضعها على كفها المعقود بساعدها ضاغطة عليه برفق، هتفت مؤكدة لها بثقة:.

لا تقلقي، إنها حفلة تنكرية، لن يتعرف إليكِ أحد!
نظرت لها نظرة حادة وهي تسألها بضيق:
هل تحاولين إقناعي؟
ديلارا، أنا أريدك أن تقضي وقتًا طيبًا، أن تنسي إرهاق الدراسة وغيره
لا أريد
إنها حفلة عادية، سنقضي فيها فقط وقتًا طيبًا، نمرح قليلاً، سأعرفك أيضًا على رفاقي، وإن مللت سنرحل فورًا، فما رأيك؟
ركزت نظراتها عليها وهي تسألها بجدية:
لن أهرب منك، صحيح؟
اتسعت ابتسامتها محركة رأسها بالإيجاب لتقول لها بثقة:.

نعم! ولا تقلقي، أحضرتُ الأقنعة، فلن يتعرف إليكِ أحد
أخرجت زفيرًا محبطًا من صدرها مرددة باستسلام بائس:
حسنًا، سأذهب لأجلكِ فقط
احتضنتها دون أي مقدمات قائلة بها بودٍ:
أحبكِ كثيرًا.

ارتجف بدنها وهي تنظر إلى انعكاس هيئتها في المرآة بعد أن ارتدت ذلك الثوب المغري، لم تتخيل ديلارا أن تبدو هكذا بكل ذلك الإغراء، حتى وقت قريب كانت تبدو كفتاة عادية، لا تحمل من مقومات الجمال إلا المشترك مع الكثيرات، لكنها الآن تنافس أكثرهن جمالاً وإغراءً، وضعت جوانا يدها على فمها لتكتم شهقة مصدومة وهي تلج إلى غرفتها لتتفقدها، مررت أنظارها ببطء على جسدها المنحوت فيه بطريقة مثيرة للغاية قائلة لها بإعجابٍ:.

حتمًا ستفتنين أحدهم الليلة
عضت ديلارا على شفتها السفلى بخجلٍ تسرب أيضًا إلى حمرة وجنتيها، التفتت ناحيتها قائلة بارتباك:
ليس لتلك الدرجة!
وقفت خلفها واضعة يديها على كتفيها قائلة بتأكيد:
بلي ستفعلين!
صمتت لثانية قبل أن تضيف:
لكن ينقصك شيء أخير
سألتها مهتمة:
ما هو؟
تحركت من خلفها لتقف بجوارها، أحنت جسدها قليلاً لتلتقط ذلك الشيء الفضي الموضوع على الجانب، التفتت نحوها قائلة:
أحمر الشفاه.

تراجعت ديلارا خطوة للخلف مرددة برفض حرج:
لا
أصرت قائلة بلهجة صارمة:
لا مجال للرفض، ستضعين القليل منه، هيا!
أمسكت بها من ذراعها لتجذبها برفق إليها لتكمل رسم تلك اللوحة الفنية المغرية بوضع اللمسات الناعمة من مساحيق التجميل ليزداد وجهها توردًا وإشراقًا.

خفق قلبها بقوة وهي تترجل من السيارة التي أقلتهم إلى ذلك القصر المهيب، شعرت برجفة باردة تصيب جسدها بالقشعريرة عندما وطأته بقدميها، لم تشعر بالارتياح لتلك النوعية من الحفلات الغريبة عنها، لكن أجبرت نفسها على الاعتياد مؤقتًا عليها ريثما يمر الوقت وتعود إلى الفيلا، تأكدت ديلارا من وجود القناع على وجهها رغم أنه لا يخفي إلا جزءًا قليلاً منه متضمنًا عينيها المتلألئتين بوميض آسر، ألقت نظرة خاطفة على الحدائق الغناء المزدانة بالإضاءات البسيطة التي أضفت سحرًا عجيبًا على المكان، بالطبع كان صوت الموسيقى الصاخب مرتفع في الأجواء، شعرت بقبضة يد جوانا على ذراعها فحركت رأسها في اتجاهها، هتفت الأخيرة بحماس علها تشجعها على تجاوز حاجز الخوف الوهمي الموجود بداخلها:.

سيبدأ المرح بالداخل
اكتفت بالابتسام لها، وظلت تتنفس بعمق لتضبط انفعالاتها المتوترة، تأهبت كليًا مع مرورها بأول مجموعة من الحضور الذين تعالت ضحكاتهم لتخبو فجأة مع تخطيها لهم، شعرت بأنظارهم تخترق جسدها من الخلف، بل ربما تفتك به إن صح التعبير، ابتلعت ريقها وواصلت السير بحذرٍ كي لا تتعثر في طرف ثوبها من فرط الارتباك، تركتها جوانا عند البهو قائلة بغموض:
سأعود.

تفاجأت بما فعلته فحاولت منعها هامسة بقلق ظهر في نبرتها:
جوانا، لا تفعلي!
ردت عليها بابتسامة متسعة:
تجولي في المكان، سأجدك، لا تقلقي!
ولكن...
ابتلعت باقي جملتها في جوفها مجبرة بسبب ابتعاد الأخيرة عنها لمسافة لم تتمكن فيها من سماعها، بالإضافة إلى ارتفاع أصوات الموسيقى، تصنعت الجمود وهي تعمد إلى إخفاء توترها، كزت على أسنانها هامسة في نفسها بضيق:
لقد أوقعتِ بي.

تلفتت حولها متابعة بحرج وهي تبدو كالغريبة في عالم لا تعرف عنه إلا القليل:
لن أمررها لكِ!

قامت ديلارا بالتجول في البهو متأملة أوجه الضيوف الذين كانوا متأنقين في أبهى صورهم، ورغم كونها حفلة تنكرية إلا أن الأغلب تسابق فيها لإظهار أناقته وثرائه، بحثت عن بقعة هادئة لتبتعد عن نظرات المحدقين بها التي كانت تفترسها باشتهاء واضح، ندمت في نفسها لإطاعتها لابنة عمها والموافقة على ارتداء ذلك الثوب، فإن رفضت من البداية لتجنبت أعينهم الجائعة، قادتها قدماها إلى الحديقة الخلفية المجاورة للمسبح، تنفست بارتياح لكونها قد نأت بنفسها عن أعينهم الشيطانية المتعطشة لنهش لحمها، اقتربت من أحد أحواض الزهور متأملة عن كثب ما به من ورود جميلة تزينه، لكنها لم تعرف ما الذي ينتظرها هناك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة