قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة خمسة

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة خمسة

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة خمسة

كثيرًا ما نبحث عن الحقائق رغم علمك بأنها ستؤلمك بالنهاية، الا أنك مازلت تنبش لمعرفة ما غاب عنك، وكأنك تركض خلف وجعًا سيزيد كومة أوجاعك المهلكة، فتظن بأنك حينما تعلم سيهدأ فضولك وسيغيب عن عقلك التفكير بالأمر، علك ستكتشف بأنك مخطئ، الأمر يا عزيزي لا تملك أنت سلطانه، سيزداد السوء بك كونك علمت الجزء الذي لا تود العيش به، وربما ما يعتريها بتلك اللحظة كان قاسٍ للغاية، وبالرغم من ذلك مازالت ترسم قناع الهدوء والسكينة الزائفة، نعم لم يخبرها إلى الآن شيءٍ يستدعي حزنها وغيرتها، ولكن مجرد حديثه عنها جعل النيران تتسلل لتلتهم قلبها قبل أن تصل لداخلها، تدخله المختصر بانقاذ تلك الفتاة استجمع كل ذرة غيرة تمتلكها الانثى تجاه من أحببت!

احتبست تلك الدمعات المتمردة بصعوبةٍ، وتطلعت للفراغ تترقب سماعه، وفجأة توقف عن استكمال حديثه، وكأنها تظن بأن اخفاء دمعاتها سيجعله لا يشعر بها، نهض ياسين عن مقعده ثم انحنى على قدميه مقابلها، فتعمق بنظراته إليها حتى تصغى لما سيقوله جيدًا:
متحاوليش تخبي وجعك عني، لأن مشاعرك وقلبك ملكي وبقدر أحس بيهم كويس.
هوت دمعة خائنة على وجنتها، حررتها عن صمتها الكاذب، فهزت رأسها وهي تخبره ببكاءٍ:.

مش عايزة أعرف حاجه، أنا غلطت، اللي فات مش لازم أعرفه، أي حاجة بتربطك بأي واحدة غيري مش عايزة أعرفها ولا أسمع عنها يا ياسين.
ضمها إليه بقوةٍ، فمالت برأسها على صدره لوقتٍ طال بهما ومع ذلك لم يمل منها قط، وكأنها تلقي إليه كل حزن تعمق داخلها ويتلقفه هو بصدرٍ رحب، الدقائق تمر وتأبي أن تبتعد عن بقعة أمانها، فكلما يشتد بها ألم الغيرة تشعر بضمة يديه فتعلم بأنها لحظات ومضت، وهي الآن حاضره ومستقبله.

شعر بسكينتها بين يديه فقال وأصابعه تتغلل برفقٍ بين خصلات شعرها:
دخولها لحياتي مفرقش كتير يا آية، يمكن كانت بتكمل احتياجاتي كراجل، ويمكن اللي علقني بيها الفترة دي انها اتقتلت بطريقة خلتني أشك في أقرب ناس ليا، وبعد كل ده اكتشفت حقيقتها اللي كانت ممكن تكون نقطة ومفيش بعدها تكملة لأي علاقة ممكن تدخل حياة ياسين الجارحي..
وأبعدها عن أحضانه ليسترسل وعينيه تتطلعان لعينيها بهيامٍ:
عارفة ده محصلش ليه؟

هزت رأسها نافيًا للإجابة سؤاله الصعب، فقال بابتسامةٍ رسمت على، طرفي شفتيه:.

عشان في نفس التوقيت اللي اكتشفت فيه حقيقتها القذرة اللي كانت ممكن تدمر نظرتي لجنس الستات كنتي ظهرتي انتي في حياتي، كنتي جنبي بثبتيلي أنكم مختلفين مش زي بعض، في الوقت اللي كنت بشوفك فيه قريبة من ربنا كنت بخاف أقرب منك لإني مستحقش انسانة نقية زيك، أنا عمري ما ارتكبت ذنوب ولا الكبائر اللي الأغلب بيقع فيها بس كنت مقصر في كل حاجة خاصة بديني، على عكسك يا آية، كنت بحس إن وجودك جنبي ظلم ليكِ.

ابتسمت وهي تتابع حديثه بأعين يغرقها الدموع، فاستكمل ما تبقى:
في اللحظة اللي لقتني فيها واقف قدام عتمان الجارحي وبقوله إنك مراتي أكدتلي انك غيرها، كنت أقدر اعملك كده معاها واعلن جوازنا بس معملتش مش خوف من نفوذ جدي ولا من سلطته على الأملاك بس لاني كنت حاسس إن في حاجة جوايا ناقصة ومش مكتملة، أنتِ كملتي الفراغ ده..
واحتضن وجنتها بحبٍ وهو يسترسل:.

ادتيني كل حاجة اتحرمت منها، الحنان والطيبة اللي بشوفها في عيونك خلتني أحبك وأحب انك تكوني جنبي، تلقائيتك وحبك للناس حسستني إن مش بني آدم ومحتاجك جنبي عشان اتعلم منك يعني أيه إنسانية.
رسمت الصدمة بحرفيةٍ على تعابيرها، فابتسم بخبثٍ وهو يستطرد:
عارف إن طبعي صعب وإني مش بتكلم كتير بس اللي بينا تعبيره عمره ما كان كلام وبس، نظرة كفايا انها تعبرلك عن كل اللي جوايا ليكِ.

وعبث باحدى الخصلات المتمردة على عينيها وهو يخبرها بعشقٍ:
كنت محتاج للبيت الصغير اللي عملتيه جوه العالم اللي كنت تايه فيه، البيت اللي جمع عشقنا فيه وأولادنا التلاتة.

وفجأة نهض من جوارها، واقترب ليقف على مقربة من السور الحديدي الذي يطوف بأعلى اليخت، فاستند بجذعيه عليه، فقابلته نسمات باردة عبث بشعره البني فبعثرته على جبينه بفوضويةٍ، ودت لو ظل يتحدث عن تلك المشاعر التي اخفاها بداخله طوال هذا العمر، فنهضت لتلحق به، وقفت لجواره ونظراتها المتلهفة تتطالعه بكل اهتمامٍ لسماع المزيد، اما هو فنظراته كانت هائمة بأمواج المياه التي تتلاطم من أسفل اليخت فتمنحه حركة خافتة تستجيب لنسيمها المضطرب، وفجأة مزق صوته الرجولي العميق رداء الصمت الذي ينتهي فور اشارته هو، فقال بابتسامةٍ صافنة بالمياه وكأنها تنقله بعدساتٍ كالكاميرا ليرى ما يسرده:.

لسه فاكر أول لحظة شلت فيها عدي وعمر بين ايدي، كانت لحظة صعبة أوي، جسمي كان بينتفض بعنف وكأني أول مرة أشوف بيبهات صغيرين، قعدت ييهم وأنا مش قادر أبعد عيوني عنهم.
واتسعت بسمته وهو يضيف:
عمر كان هادي ومستكين بين ايديا على عكس عدي مكنش مبطل عياط لدرجة إني قلقت وخوفت عليه بالرغم من إن أكتر من دكتور شافه وطمني عليه، مش عارف ليه في اللحظة دي حسيت أن الولد ده هيكون غريب.

وزوى حاجبيه بضيقٍ جعلها تكبت ضحكاتها بصعوبةٍ:
بس طبعًا استبعدت كل البعد إنه هيكون شبهي أنا!
وبغرورٍ وعنجهية قال:
لإن حسب اعتقادي مفيش حد شبه ياسين الجارحي، بس يمكن لما وزنت الامور لقيت ان من المنطقي إن حد فيهم هيكون بيشبهني!
وعادت البسمة تحتل معالمه وهو يقول:.

وأخرهم مليكة، جوايا ليها معزة خاصة مش سببها إنها بنت وبس لا لأنها شبهك في كل حاجة، بحس اوقات إنك واقفة قدامي مش هي، يمكن عشان كده عمرها ما وجهت غضبي.
قطعت تلك الخطوات فيما بينهما، فوقفت قبالته تطالعه بكل حبٍ اتبع نبرتها الهامسة:
بحبك، وكل ما بعرفك بحبك أكتر.
حاوط خصرها بتملكٍ وهو يهمس لها:
اتحديت مرحلة الحب من زمان، أنا آآ..
وتعمد ان ينحني تجاه رقبتها لتلفح أنفاسه جلدها الرقيق:
بأعشقك..

انساقت خلف مشاعرها التي انجرفت تجاهه، ومع كل لمسة سقطت حصونها خلفها تدريجيًا حتى امتلكها قلبٍ وقالبًا..

عشقتك وانتهي الأمر، فقد غلبني الشوق في ساحة المعركة التي خضتها بكل عزة وكبرياء، هُدمت آمالي وتحطمت وأعلن انتصاري بكل جوارحي، انتصار حبك السامي وخلود عشقكِ، يا مهلكتي تمهلي فوالله لقد دعسني الحب ولم يضع أمامي أي أملٍ في النجاة، وحينما أكون بالقرب منكِ لا أجدني سوى عاشقًا يتفنن باستخدامٍ مهاراته لإيقاعك بحبي، وأنا على ثقة بأنكِ ستواجهين العناء والمشقة لتحمل غيراتي القاتلة، فقطرة المياه التي تبلل شفتيك من الزجاجة أرغب بعدها بأن أحطمها حتى لا يلمس أحدًا أخر ما لمسته شفتيك الرقيقة، حتى نسمة الهواء التي تداعب خصلات شعرك بحريةٍ أراها سجنٍ لي ومعتقل لنيراني القاتلة، فأود بتلك اللحظة أن أجعل حجابك يلزمك للأبد حتى وإن كنا بمفردنا، لا أبالي إن نعتوني بالمتملك أو المجنون، كل ما يعانيني هو أنتِ يا سلطانة قلبي البائس!

انقضت ساعة من النهار أخرى عليهما ومازال النوم يسيطر عليهما بعد انطفاء تلك الشرارة الملتاعة.

تململت بفراشها بانزعاجٍ، وحينما فتحت عينيها تدريجيًا وجدت الساعة تصرح لها بأن وقت صلاة المغرب قد أوشك ولما تأدي صلاة العصر بعد، نهضت آية مسرعة ثم اغتسلت وارتدت اسدالها، ثم هرعت لسجادتها الصغيرة وافترشتها لتودي صلاتها بانسجامٍ وخشوع تام، وما أن انتهت حتى جلست على سجادتها تردد بعض الأذكار والآيات القرآنية القصيرة، وفور انتهاء وقتها المحدد بالتلاوة والذكر نهضت واتجهت للمطبخ الصغير لتعود بتحضير الغداء الذي تركته دون اكماله، فشرعت بتجهيز طاولة الطعام من جديدٍ.

عبث بعينيه بضيقٍ، وكأنه يرى شيئًا مل من رؤياه، عاد ذلك الحلم يطارده من جديدٍ، فيجعله يبغض ذلك الجزء من جديد، الضباب الأسود القاتم، وأصوات العويل المقبض، وفجأة من وسط كل تلك الصخب يرى ابنه عدي يقف من أمامه ويحدجه بنظراتٍ شرسة وعنيدة، وفجأة يراه يرفع يديه بسلاحٍ تمكن ياسين من التعرف عليه لرؤيته مسبقًا، فبحث بعينيه بالاتجاه الآخر وكأنه يعلم من سيراه لرؤيته الحلم أكثر من مرة، وصدق حدسه حينما وجد عمر يجلس على قدميه مكنوس الرأس، ووجهه شاحب للغاية وكأنه خسر حياته وكل ما يمتلكه، تحرر زناد السلاح ومعه صرخات ياسين العنيفة وهو يردد:.

لا يا عدي، أخوك لأ!
فتح عينيه بفزعٍ وهو يهاجم عاصفة هذا الحلم الذي لم يتركه منذ أشهر، حتى مع تأكده بأن ابنه مستحيل أن يأذي أخيه أو أي فرد من عائلته، ولكن ما يثير قلقه تكرار الحلم مرارًا إليه، جذب ياسين كوب المياه المجاور لفراشه، فارتشفه على مهلٍ وثباتٍ زائف لا يناسب قلق حدقتيه، فسحب نفسًا مطولًا وهو يحاول تهدئة نفسه وبداخله يردد بأنه مجرد كابوس بشع سيمضي ويمر كالهفوة التي تمر..

قضى عشرة دقائق حتى اغتسل وأبدل ثيابه لبنطال أسود قصير يصل لبعد ركبته وتيشرت أسود اللون، ثم جذب حاسوبه وخرج ليجلس على المقعد القريب من المياه، تفحص ياسين الحاسوب فوجد عدة رسايل من يحيى، أولهم
«كله تمام يا ياسين الصفقتين بقوا معانا بس عرفني هتعمل أيه!»
والرسالة الأخرى بعدها بعدة ساعات.

«عدي عرف بالصفقتين يا ياسين ومصر يعرف التفاصيل وأنا مش عارف أعمل أيه ولا أتصرف ازاي، انت عارف انه ذكي ومش داخل عليه اننا هننافس السوق بصفقتين بينافسوا بعض!»
أجابه ياسين بكلمات مختصرة:
متشغلش بالك بيه، هانت وهرجع متقلقش.
ورسالة تليها:
المهم طمني اخبار القصر أيه؟
اتاه الرد سريعًا:
الامور كلها تمام، بس نور تعبت شوية وراحت مع عمر وملك للدكتور
=لو حصل حاجه بلغني.
تمام، متقلقش.

=أيه اخبار الشباب، ممشين المقر كويس ولا في مشاكل؟
مفيش حد عامل مشاكل غير حازم، وأخر مشكلة من ساعة تقريبًا مع حمزة وقالب الدنيا عليه وحالف ليطلع برقبته، أنا بحاول احل أنا ورعد بس صدقني خلاص جبنا أرضي احنا كبرنا ومعدناش وش بهدالة ارجع عشان العيال دي بتتربى من وجودك جوه القاهرة مش القصر نفسه..
ارتسمت بسمة ساخرة على وجهه، ورد عليه:
=ومين بيحميهم من غضبي!

أنا، بس افضل ادافع أحسن من اني اتخذ دور مش دوري، أنا فاشل اني أكون صارم بالتعامل معاهم حتى رعد كتيره ساعة ويركن وعز ربعاية ويندمج معاهم ولا كأنه له كلمة أساسًا وأنت عارف حمزة!
=بتترجاني ارجع ولما يحصل بترجع تترجاني ارحمهم!
هعمل أيه آل الجارحي ملهمش غير ملهم واحد.
ضحك ساخرًا ثم انهى المحادثة باقتضاب:
هفكر.
وأغلق الحاسوب ثم نهض ليتجه للطاولة التي تعدها آية، فجذب طبقه ثم شرع بتناوله بنهمٍ وهو يردد بلطفٍ:.

ريحة الأكل تجنن.
ابتسمت بحماسٍ والتقطت أحد قطع اللحم الساخن لتضعها أمامه بفرحةٍ:
بجد عجبك!
تناول القليل ثم توقف عن مضغ الطعام وهو يسألها باهتمامٍ:
حطيتي زيوت في أكلي!
بلعت ريقها بقليل من التوتر ثم قالت:
لا طبعًا أنا منستش نظام أكلك..
رفع أحد حاجبيه وهو يردد بشكٍ:
آية؟
زمت شفتيها وهي تخبره:
شوية صغيرين عشان يدي نكهة للأكل والله حتى البهارات مكترتش منها زي ما بتحب.

منحها ابتسامة صغيرة قبل أن يقرب الملعقة منه ليتناول ما بها من جديدٍ، فزفرت براحة بعد أن نجت من تحقيقاته الدقيقة عن الطعام وما يشمله لاهتمامه الزائد بنوعية المأكولات والاغذية التي تلزم جسده للحفاظ على تناسقه، تناولت طعامها بهدوءٍ غلبها فجعله يخمن ما يطوف بها، فاحتضن يدها التي تستند على الطاولة بشرودٍ، وسألها بلهفةٍ:
بتفكري في أيه يا حبيبتي؟
بدت مرتبكة عما تود قوله، ومع ذلك قالت والتوتر يتبعها:.

عايزة أكلم مليكة ورحمة عشان أطمن على نور، معاد ولادتها قرب وأكيد هتكون محتاجاني جنبها.
احتدت نظراته فعادت برأسها للخلف قليلًا، وخاصة حينما سحب يده عنها، واستكمل طعامه وهو يخبرها بلا مبالاة:
لو حصل حاجه يحيى هيبلغني، ولتالت مرة تكرري كلامك عن الرجوع مش فاهم منتظرة تسمعي مني أيه تاني!
امتعضت معالمها بضيقٍ من طريقته، وقالت بتذمر:
على الأقل اديني موبيلي أكلم حد.
أجابها بعصبيةٍ:.

لا، مفيش موبيل طول ما احنا هنا.
ودفع المقعد للخلف وهو ينهض عنه:
وبطلي تدوشي نفسك بمشاكل غيرك، ادي فرصة راحة لنفسك.
وترك الطعام والطابق بأكمله، ثم صعد للأعلى، فوزعت نظراتها بين المقعد وبين طبق الطعام وهي تردد بحزنٍ:
يعني كان لازم اتكلم بالموضوع ده وهو بيأكل أهو قام من غير ما يكمل أكله.

واستندت بوجهها على يدها، وكأنها تفكر بحل تلك المعضلة، وكل الحلول تنتهي فور تأملها طبق الطعام الخاص به، ينغز قلبها بنغزة مؤلمة حينما تتخيله يترك الطعام ويفضل الجلوس جائعًا بعيدًا عنها، لذا لم تتردد في حمل طبق الطعام وصعدت به للأعلى، فوجدته يجلس على حافة البسين الذي يحتل منتصف الطابق العلوي من اليخت، ويمدد قدميه بالمياه، أشمرت عن ساقيها ثم جلست لجواره ووضعت ساقيها بالمياه، والأخر يراقبها من طرف عسليته المهلكة ببرودٍ تامٍ، إلى أن قررت هي طوي صفحته، فجذبت الطبق الموضوع لجوارها ثم قربته منه وبندمٍ قالت:.

خد كل.
حدجها بنظرة باردة لحقت بنبرته الساخطة:
في واحدة محترمة بتحاول تصالح زوجها تقوله خد كل!
تهدل ذراعها عما تحمله، وانكست رأسها وهي تردد بيأسٍ:
أنت عارف اني مش بعرف اختار الكلام.
ابتسم وهو يراقبها بخبثٍ، فمال عليها وهو يهمس:
ممكن أتصالح بس على شرط.
اتسعت حدقتاها بحماسٍ سبقها:
أيه هو؟
غمز بعسلية عينيه بمشاغبةٍ:
تأكليني بايدك.

ابتسمت بخجل جعل يدها تهتز ارتباكًا حينما جذبت الملعقة وقربتها منه فخطف ما بها بفمه ثم هبط ليطبع قبلة على كف يدها والاخيرة تراقبه بصدمةٍ، وخاصة حينما مضغ طعامه وهو يخبرها بثباتٍ قاتل:
كل معلقة بحصة من الحلويات والا هكون مش مرضي وبالتالي مش هكمل الأكل اللذيذ ده وأنا حرفيًا واقع من الجوع.

غمست الملعقة بالطعام مجددًا ثم قدمته له بغيظٍ والآخر يبتسم بمكرٍ لانتصاره الساحق عليها، حتى انتهى من تناول طعامه فنهضت من جواره تزفر في راحةٍ تامة وهي تحمل الطبق فارغ على غير عادته، فاخفى خبث بسمته وهو يناديها قبل أن تهبط للأسفل:
آية
استدارت تقابله بنظراتها المشتعلة، فغمز لها وهو يشير بمكرٍ:
لسه جعان لو ممكن سلطة فواكه وتأكليني بايدك يبقى عظيم.

كزت على أسنانها بسخطٍ، وتركته يبتسم وهبطت للأسفل، فنهض ياسين عن المياه ثم جفف قدميه واتجه للطاولةٍ، فجذب الحاسوب إليه وهو يتابعه باهتمامٍ ازداد مع قراءة رسالة يحيى المرسالة اليه منذ ساعتين، وقبل أن يستكسف باقي حديثه كادت آذنيه بأن يصيبها الصم من اختراق صوت المرواحية لها، فرفع رأسه للأعلى وتفاجئ بوجود مروحية تحوم من فوق اليخت، وفجأة انسدل السلم الخشبي للأسفل، فهبط ياسين مسرعًا ليرى ماذا هناك؟

انتهت من تنظيف الطاولة من بقايا الطعام، ثم اتجهت للمطبخ لتعد سلطة الفواكه التي طلبها، وفجأة وهي مندمجة بتقطيع حبات الكرز الحمراء انتبهت لصوت الطائرة التي تصدح من مكانٍ قريبٍ منهما، بل إن لم تكن من أعلهما، خرجت آية من المطبخ واتجهت لحافة اليخت السفلي الممتد عن باقي الطوابق، فضيقت عينيها وهي تردد بذهولٍ:
عدي!
انتهى من هبوط الدرج الخشبي ليصبح من أمامها، فاحتضنها وهو يخبرها بابتسامةٍ مشرقة:.

قولتلك متقلقيش هعرف أوصلك يا ست الكل.
بالرغم من دهشتها من وجوده هنا ووصوله اليها الا أنها انجرفت خلف غريزتها الامومة، واحتضنتها بشوقٍ وابتسامة رسمت على وجهها بأكمله، وقالت بحنان:
وحشتني أنت وكل اللي بالقصر يا حبيبي.
وكادت بأن تطول بحديثها وإذا فجأة تحجر لسانها عن قول المزيد حينما رأت ياسين يراقبهما من الأعلى وبنظراتٍ شبه نارية وتحد صريح قال:
أنت وصلت لليخت ازاي؟

ترقب عدي فور هبوطه ثم وقف قبالة أبيه وجهًا لوجه وبثقةٍ قال:
حضرتك نسيت اني كنت ظابط ولا أيه!
ابتلعت آية ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة وهي توزع نظراتها بين ابنها وزوجها الذي دقت نظراته ناقوس الخطر من أوسع أبوابه، فأسرعت لتقف بينهما ثم قالت بابتسامة شبه مصطنعة:
كويس والله أنا حتى كنت بقول لبابا من شوية انكم وحشتونا وعايزين نرجع.

سُلطت النظرات النارية تجاهها، فارتدت للخلف تلقائيًا وتلك المرة وقفت محاذاة عدي الذي تلقفها قبل أن تسقط للخلف، ثم تعمد تجاهله وهو يسألها بلهفة:
المهم طمنيني انتي كويسة وضغط بقى مظبوط ولا لسه تعبانه؟
ربتت على يديه وهي تخبره:
انا بخير الحمد لله.
اشتعلت نظرات ياسين حتى كادت بحرقها هي ومن يقف لجوارها فهمست برعبٍ من بين نبرتها المرتجفة وهي تسحب كف يدها بعيدًا عن عدي:
ابني والله ابني، يعني شقوا بطني وطلعوه!

لم تهدأ نظراته بينما ضحك عدى بصوتٍ استفز ياسين للغاية، وقبل أن يصدر أي رد فعل منهما اتى صوت ثلاثي من الأعلى يردد بخوفٍ:
انت تقريبًا نستني فوق يا وحش، قولتلك ألف مرة أنا دكتور وماليش في جو الطيارات والصاعقة ده، أبوس ايدك نزلني الطيارة بتتحرك، يا آآ، يا وحش!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة