قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة ثمانية

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة ثمانية

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة ثمانية

اجتمعوا ولأول مرة على الطاولة لتناول الطعام، الصمت يسود الاجواء الا من نظرات خوف وترقب بين عمر وآية لما قد يحدث بين (العتاولة)، وخاصة حينما لمح له عدي بحديث ماكر:
الجاسوس اللي بيبلغك ببعض المعلومات فهي بطبيعة الحال تافهة، لأن مش معقول هيقدر يلخصلك شغل ميفهموش الا اللي دارس..
لم يزحزح حديثه طبقة البرود التي تحاوط من يرتشف قهوته بثباتٍ تام، نهاه حينما قال كلماته المختصرة:.

انعكاس قراراتك هو اللي هيبان بالنهاية، خلينا نشوف قرارك هياخدك لفين!
وجذب حاسوبه ثم اتجه ليجلس على الأريكة المنفردة بعيدة عنهم، ومازالت نظرات عدي تراقبه في صمتٍ، فمال عليه عمر ثم همس له:
مش لازم كل ما تشوفه تفكره بالتحدي المنيل اللي بينكم، احنا في عرض البحر الله يكرمك عايزين نروح بخير انا عايز اكون جنب مراتي اللي خلتوها انت والشباب تولد بدري عن معادها دي، ذنبي ايه بخطتكم انا معرفش..

واسترسل وهو يراقب ابيه بحذرٍ:
بالك لما يعرف ان نور مبتولدش وكل ده مقلب عشان عيد جوازه هيعمل فيا ايه؟
انتقلت نظراته الحادة تجاهه، فابتلع ريقه بتوترٍ:
أنا بقول بس كنا لقينا اي حجة تانية.
قال بحدةٍ:
صاح بانفعالٍ:
مش كنت مرتب مع الشباب، دلوقتي قلبت على بطريق!
عدل من ياقة قميصه وهو يدعي اللا مبالاة:
أنا جامد اوي خد بالك.
نظرة استحقار جعلته يرتخي بمقعده سريعًا وهو يهمس له بخوفٍ:.

بس اي حاجه ليها علاقة بياسين باشا ممكن اقلب ما أقل من بطريق عادي..
كور المنشفة الورقية عن يديه ثم القاها على الطاولة وهو يردد بغضبٍ:
جبان.
وتركه واتجه للطابق العلوي يراقب لوحة التحكم، وقرر الجلوس بالاعلى ليتفادى اي اصطدام قد يعرضه للمواجهة مع أبيه بذلك الوقت.

نهض عمر عن الطاولة بتوترٍ وارتباك لما قد سيفعله لحين العودة، وحينما لم يجد اي اقتراحات كاد بالهبوط للغرفة، ولكنه توقف محله حينما ناداه ياسين بحزمٍ:
عمر.
اتجه اليه وقدميه تكاد تتوقف من فرط ارتجافه، فقال ببسمة تحلى بها:
حضرتك نادتتي.
ابعد عسلية عينيه عن حاسوبه، ثم شمله بنظرةٍ متفحصة قبل أن يصوب حديثه تجاهه:
من ساعة ما وصلت وانت مش على بعضك، في أيه؟
ازدرد حلقه الجاف بصعوبةٍ بالغة:.

آآ، أنا بس خايف على نور لان زي ما حضرتك عارف ولادتها في حلا مكنتش سهلة.
ضيق اهدابه بنظرة جعلت الرعب دب بأواصاله، بالرغم من أن حديثه كان يلطف الاجواء:
متقلقش نور هتبقى كويسة.
ثم أشار له على المقعد المجاور له:
اقعد.
جلس وعينيه تراقب ما سيقوله بتوترٍ، فعاد ليعبث بازرار الحاسوب بثباتٍ قاتل، وبعد لحظات من الصمت قطعه حينما قال:
أنا ويحيى قررنا نفتح مستشفى خيري كبير، هتكون شاملة كل حاجة مش هنكتفي بتخصص واحد.

ورفع عينيه عن الحاسوب وهو يوجهه بحديثه:
أنت اللي هتدير المستشفى دي وهتختار فريقها بنفسك.
واسترسل حديثه ومازال يتطلع اليه:
شغلك فيها كإداري مش هيعطلك عن المقر زي ما كنت بتمارس مهنتك.

تلألأت حدقتيه بفرحةٍ يعرفها ياسين جيدًا، فبعدما تحطمت احد احلامه، عاد ليمنحه ما فاق كل تلك الاحلام، مشفى ضخم سيجهز على أعلى مستوى لاستقبال جميع الحالات، ليس كالمشفى الخاص به لاستقبال الحالات المحدودة، فقال بحماسٍ تغلب عليه:
ده كرم كبير من حضرتك، بس لو تسمحلي أشارك بمبلغ بسيط فيه.
رفع عينيه تجاهه ثم منحه ابتسامة ماكرة:
ما انت بالفعل شريك معانا بالادارة، بس لو عايز تبقى شريك بالأجر مش هقدر أمنعك.

اتسعت ابتسامته وقال بامتنانٍ:
شكرًا لحضرتك.
اكتفى بايماءة بسيطة من رأسه، ثم عاد ليتابع عمله من جديدٍ، وفي ذاك الوقت دنت منهما آية بعدما أعدت بعض التسالي والفواكه، اسرع تجاهها عمر فحمل عنها ما تحمله وهو يردد:
عنك يا ست الكل.
جلست آية جواره ثم قالت بفضول:
بتتكلموا في أيه؟

جلس عمر محله بعدما وضع الصينية عن يديه، فابعد ياسين عينيه عن حاسوبه ليسلطها بحدة تجاه من يعود ليجلس جوارها، ابتعد عمر عن المقعد الذي يتسع فردين وذهب ليجلس بمفرده على الذي يليه وهو يردد بخوفٍ من نظراته:
آسف مخدتش بالي!
وهمس بداخله:
أول مرة تحصل في التاريخ دي، دي امي!

وكأنها قرأت ما يردده فتعالت ضحكاتها بصورة جنونية جعلت ياسين يلقيها باحد نظراته فسيطرت على ذاتها وكمحاولة للهروب من هذا النزال الشرس تساءلت:
أمال عدي فين؟
كاد عمر بأن يجيبها ولكن ردها أتى سريعًا حينما اندفع عدي من الاعلى بداخل المياه، فاسرعت آية وعمر ليتفحصوا ما يحدث، فوجدوه يسبح بمهارة من خلف اليخت المتحرك، فرددت بصدمةٍ:
نزل المياه واحنا بنتحرك ده وقت سباحة!
قال عمر ومازال يراقب اخيه:.

شخصين متعلقيش على افعالهم جوه عيلة الجارحي، ياسين باشا والمحروس ابنك اللي ساعات بحس نفسي أعقل منه!
راقبت آية المسافة بينهما وبين الشط فكانت تبعد كثيرًا عن مسيرة ساعة ونصف، فتمتمت بخفوتٍ:
ده بيهزر!
ثم اشارت لعمر بعصبيةٍ:
وقف اليخت يا عمر..
هز رأسه ثم اسرع بتلبيه طلبها، وقبل ان يصعد الدرج الجانبي اوقفه ياسين حينما ردد بصرامة:
هنكمل طريقنا.
اندهشت مما قال، فابتعدت عن الحامل المعدني واتجهت اليه تعاتبه:.

ازاي بس يا ياسين مش هيعرف يطلع واليخت بيتحرك!
قال وهو يتابع عمله بتركيزٍ:
زي ما نزل هيطلع.
انتهى النقاش السريع بينهما، فاسرعت آية للحامل الحديدى مجددًا تتابعه بنظراتٍ متلهفة، فبدأ قلبها يطمئن قليلًا حينما وجدته يسبح بسرعةٍ فائقة، ويتبع اليخت بانتظامٍ، وكلما غاب لاسفل المياه لثوانٍ كان قلبها ينتزع عدة مرات، فوقف عمر لجوارها وقال ليطمئنها:.

متقلقيش الوحش سباح عالمي، هو بس حابب يودع المية قبل ما نرجع، هو قرار متأخر شوية بس بالنهاية احنا مفيش حاجة بنعملها الا احترام القرارات!
ضحكت على حديثه، فوقفت لجواره يراقبونه ويتسامران الحديث، فقالت بلهفةٍ:
طمني على حلا، عاملة أيه؟
ذم شفتيه بسخطٍ:
حلا كويسة بس ام حلا مش كويسة.
عقدت جبينها باستغرابٍ:
ليه بس؟
قال بضيقٍ:.

مش طايقة حب البنت ليا، مصممة تدخلها في مقارنات غبية كل دقيقتين تروح تجبها وتقعدها قدامنا وتقولها نفس الجملة الشهيرة بتحبي مين فينا اكتر يا حبيبتي ..
والبنت يا روحي بتبقى نفسها تجبر بخاطرها بس احنا عودناها على الصراحة والصدق فبتختارني بمنتهي الشفافية.
واستطرد بسخطٍ:
عايز ابقى اعلمها درس جبر الخواطر عشان اخلص من طفولة نور الغريبة دي!

قهقهت عاليًا كلما استمعت اليه وهو يقص عن حفيدته وبينما يتبادلاون الحديث تفاجئت آية بابتعاد عدي عن اليخت كثيرًا، فارتعبت وتوقف قلبها لثوانٍ وهي تتساءل:
فين عدي؟
راقب عمر المياه جيدًا وقد بدا على وجهه هو الآخر حينما لم يجده أمام عينيه، فقال بفزعٍ:
مش عارف، كان هنا من شوية اختفى فجأة ازاي!

وتركها وهرع للطابق العلوي عل الرؤيا تكون أكثر وضوحًا فلحقت به آية بقلقٍ كاد بأن يفقدها عقلها، كانت الرؤيا من الطابق الاخير اكثر وضوحًا، فصعق كلا منهما حينما وجدوا عدى يحاول أن يطوف على سطح المياه، وكأن هناك ما يعيق ساقيه ويمنعه من ممارسة السباحة ليتخلص من تلك البقعة، انقبض صدرها واختنق مجرى تنفسها وهي تردف بكلمات شبه مفهومة:
ابني!

خلع عمر قميصه وصعد للأعلى وقبل أن يقذف نفسه باحضان المياه، توقف مندهشًا حينما رأى أبيه يكاد يقترب من عدي!

قفز ياسين بالمياه من اللحظة التي بدأت آية بالحديث عن الامر وقبل أن يصعد عمر للاعلى كان ياسين قريبًا منه للغاية، شعوره بأنه قد تعرض لشيءٍ ما كان يجعله يسبح بسرعةٍ فائقة لا تتناسب مع عمره، كاد بتلك اللحظة بأن يشق المياه من فرط قلقه على ابنه الأكبر، وتمكن أخيرًا من الوصول اليه، فحمله ليصعد به على سطح المياه ليتمكن الاخير من التقاط أنفاسه وقبل أن يراقب من يحاول نجدته، ارتخى على كتفيه ليلتقط أنفاسه قليلًا ظنًا من انه عمر، وخاصة بأنه أشار له حينما وجده يراقبه من الأعلى، تفحص ياسين جسده فتأكد بأن قدميه اليسري هي من تعيقه عن السباحة، فخمن بأنه تعرض لتشنج نتيجة لسباحته المهلكة التي قام بها بعرض البحر في هذا التوقيت وكل تلك المسافة، لف ياسين ذراعيه حول عنقه ثم سبح به عائدًا لليخت وعدي يحاول تحريك قدميه ليعاون اخيه كما افترض، وحينما وصل لليخت وجد عمر يقابل ذراعيه ليجذبه من المياه، فصعق بشدةٍ واستدار للخلف ليجد أن من قام بانقاذه ليس سوى ابيه، ياسين الجارحي، الرجل الغامض الغير مفهوم إليه بالمرة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة