قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة تسعة

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة تسعة

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة تسعة

لحظة سريعة خطف منها نظرة لمن يدفعه بكل ما يملك من قوةٍ للأمام، جذبه عمر وقربت منهما آية أحد المقاعد، فجلس عدي وبات قبالة أباه وجهًا لوجه، انحنى عمر يتفحص ساقه بنظرةٍ قلق، ارتخت فور استكشافه للتشنجات التي تحيط بها، فاستقام بوقفته ثم أشار لوالدته:
ممكن حضرتك تحضريلي مية دافية، وأنا هحاول أشوف مرهم مناسب في علبة الإسعافات الأولية.

أومأت برأسها بلهفةٍ ساقتها حد الركض تجاه المطبخ، بينما هبط عمر للأسف لليبحث عما يريد، تاركًا من خلفه نظرات متبادلة بين كلًا من الأب وابنه، الصمت القاتل بينهما لم يتخذاه سبيلًا للمواجهة للمرة الأولى، استكشف ياسين بنظراته دهشة جعلت الأخير مذهول مما يلاقاه من الجميع، فقال بتريث وهو ينحني تجاهه:
أتمنى يكون اللي حصلك رجعلك عقلك.

والتقط ساقيه بين يديه فمرر إبهامه أسفل عروقه النابضة، وبحركاتٍ متتالية خففت التشجنات التي تستحوذ عليه، وبالطبع لم يكن الأمر سهلًا بالمرة، فكبت عدي تأوهاته بمهارةٍ، فانحنى للأسفل وهو يفرك قدميه الأخرى من شدةٍ الألم، استندت يده رغمًا عنه على كتف ياسين الذي مازال يتبع تمرينه البسيط لفك تشنجات ساقه، وحينما شعر بارتخاء جسده تيقن بأنها أتت بثمارها الطيب، فانتصب بوقفته الشامخة قبالته، رفع عدي عينيه التائهة تجاهه، ققابله الأخير بنظرةٍ مستهزئة اتبعها قوله الساخر:.

متقلقش أنا مش جوز أمك عشان أسيبك تموت في عرض البحر وأقف أشمت فيك وفي عنادك اللي وصلك لهنا!
ورمقه بنظرةٍ قاتمة قبل أن يتجه للدرج، فهبط لغرفته في سكونٍ كان يسود أوجه زوجته وابنه الذي يراقب ما يحدث أمامه بفرحةٍ، فاتجه لأخيه بينما انسحبت آية للأسفل خلفه.

توتر العلاقة بينه وبين ولي عهده يزرع بداخله التعاسة في كل مرة يحاول بها أن يكون سعيدًا، وكثيرًا ما يتساءل عن المدة التي سيظل بها يحارب حتى يغير من طباعه الشرسة، ولكنه يعلم جيدًا بأنه لم يخسر معركة من قبل حتى يخسرها الآن أمام ابنه، مازال بالبداية فقط، لم تجني خططه ثمارها بعد، شعوره الآن لم يملك الحق به، عليه أن يكون قويًا فيما سيخوضه، أغلق ياسين عينيه باستسلامٍ لراحة جسده على الشازلونج المريح، وقبل أن يغفو شعر بضمة رقيقة لكف يده الذي يحيط بعينيه معًا ليمنع الضوء من حجب غيمة الظلام التي صنعها لنفسه، فأبعد ذراعيه عنه ليتفاجئ بها تجلس أرضًا، تحتضن كف يده وتقبله بدموعٍ جرت لتتساقط على كفه المأسور بين راحتها، تجعد جبينه حينما زوى حاجبيه معًا، فاستقام بجلسته وجذبها عن الأرض لتجلس جواره وصوته الرجولي الخشن يتساءل باستغرابٍ:.

آية! أيه اللي بتعمليه ده؟!

تطلعت لعسلية عينيه الدافئة، وكأنها تلتمس أن تزيل البرودة التي تستحوذ على أطرافها من شدة الخضة التي خاضتها باختبار ابنها القصير للنجاة من الموت، فلم تنتظره إن يقربها لمحيطه الآمن مثلما كان يفعل، بل اندفعت من تلقاء ذاتها لصدره الذي تلقفها بحنانٍ وعشق عتيق، شدة فضمة فارتواء، هكذا هو قانون العشق الثلاثي، حيث لا مجال للأقاويل والعتاب واستجماع كل لحظة غضب دفنت بالماضي البعيد، وحيث ستجد المحال أمرًا واقعيًا، فربما تجد ياسين الجارحي رجلًا حازمًا لا يتخذ اللين طريقه، لطالما كان صارمًا، لا يتبع اسلوب المحايلة ولا سماع أي طرف يود الحديث إليه الا هي، فإن ظلت تتحدث لأبد عمره القصير سيسمعها بصدرٍ رحب، لو فاضت بدموعٍ العالم على صدره سيضمها برحبٍ وأصابعه لن تمل ابعاد دموعها عنها، ليس لأن النساء بطبعها نكدي ودمعاتها قريبة بينما يتهمن البعض، ربما لأنها تظن بأنها ضعيفة وهاشة حتى وإن كانت تمتلك القوة، فما تلجأ إليه كل مرة هو البكاء، قد ترغب في أن تظل ضعيفة لتريها أنت ما تمتلكه من حنانٍ، علك تكسر حاجز الجفاء بينكما فتضمها إليك وبالنسبة لها سينتهي كل شيء، ولتعلم إن هناك بعض المواقف التي إن لجئت بها للعتاب ستخسر كل شيء وأوله حبها لك، لذا كن حريصٍ باستخدام عفوك وقسوة عتابك!

ابعدها ياسين عنه وشملها بنظرةٍ تمعنت بها، فقال بابتسامةٍ عابسة:
عيونك شايلة نفس الحيرة اللي شوفتهل بعيون ابنك.
ابتلعت ريقها بقليل من التوترٍ اصطحبها كالظل بحديثها المرتبك:
اللي حصل لخبطني مش أكتر.
بالرغم من انكارها لما تود قوله، الا أنه تمكن من قراءة ما فشل لسانها بقوله، فابتسم وهو يخبرها:
كنتِ متوقعة اني هقف وأتفرج على ابني وهو بيغرق يا آية!
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تعترض:
لا، آأنا بس آآ.

قاطعها بنبرته الساكنة:
مفيش داعي للتبرير، مفيش أب بيكونله جميل أو شكر لانقاذ أولاده، لأن ده واجبه ومفروض عليه.
واستفاض بشرحه المتمهل:
يمكن أكون بقسى عليه كتير بس ده لاني بحبه وعايزه يتغير ويبقى أفضل عن طباعه الصعبة.
واقترب حتى اسند رأسها يين عنقه:
كل الصعب هيمر وهيعدي، مفيش غير السعادة والحلو اللي هيكون في حياتنا يا آية، طول ما انا جنبك اتطمني ومتحمليش هم حاجة.

وكأنه ينقل صورة كاملة لما يحدث في حضرته، شردت نظراته بهيئتها، فابتسم وهو يشير لها على ملابسها:
المية بهدلت هدومك!
انتبهت لما قال، فتعجبت للغاية حينما رأته مازال يرتدي نفس ثيابه، فتساءلت بدهشةٍ:
أنت ليه مغيرتش هدومك لحد دلوقتي؟
رفع أصابعه ليبعد عنها قطرات المياه اللامعة فوق خدها، وببسمةٍ مشاكسة قال:
يمكن عشان مستنيكي مثلًا!

نهضت من جواره على استحياء ثم دنت من الخزانة لتنقي له ما يلازمه، وحينما استدارت للخلف اندهشت حينما رأته يدنو منها حتى بات يحاصرها بين ذراعيه، انتفضت مشاعرها تأهبًا لقربها منه، وبارتباكٍ وتردد نطقت:
ياسين الاولاد بره!
رفع احد حاجبيه بسخطٍ:
أيه لسه بيرضعوا ومحتاجين عناية!

ضحكت رغمًا عنها، فاحاط خصرها بتمكنٍ ثم جذبها إليه فباتت تقاتل نظراته العاشقة التي تحوم على ملامحها الرقيقة، فألهب شعلة عشقهما المنطفئ، لتعوم لمجدها السابق بكل اعتزاز وتقبل للمساته الخبيرة بالتعامل معها كأنثى!

بالخارج.
انحنى عمر يتفحص قدميه، فانتشلها عدي منه بحدةٍ اتبعت لسانه السليط:
خلاص يا عم، بقيت كويس.
ضحك باستهزاءٍ خيم على نبرته:
لازم تبقى كويس مش ياسين الجارحي اللي عالجك لنفسه.
وجذب المقعد البعيد عنهما ثم جلس مقابله، فالقى له الملابس وهو يشير له:
غير هدومك بسرعة لتاخد برد، العملية مش ناقصة، عايزين نرجع القصر على خير.

حدجه بنظرةٍ مغتاظة قبل أن يلتقط ملابسه، فاتجه للحمام القريب منهما لينزع عنه ثيابه المبتلة..
جذب عمر هاتفه وحاول الاتصال بياسين ولكنه لم يجيبه، فحاول مجددًا الاتصال برائد وجاسم، واخرهم أحمد الذي أتاه صوته يجيبه على الفور:
أيوه يا عمر..
أيه يا ابني برن عليكم محدش بيرد..
فتح السماعات الخارجية للهاتف ورفع صوته قائلًا:
مشغولين بالترتيبات، تقدر تتكلم الشباب سامعينك.
رفع معتز من صوته ساخرًا مما يحدث:.

لحقنا نوحشك يا دوك ولا أيه؟
اجابه بتذمرٍ:
يا ابني اتقي شري واركن على جنب..
وتابع قائلًا:
المهم فين نور.
ردد ياسين بسخطٍ:
انت متصل بينا تسأل عن مراتك!
علل ذلك قائلًا:
حاولت اكلمها اكتر من مرة فاتصلت بمليكة وقالتلي انها بره معاكم!

تلقائيًا اتجهت نظراتهم لمن تعتلي الدرج القصير ببطنها المنتفخة، تحاول جاهدةٍ لصق صفوف موازية من البلون الأحمر، ومن أسفلها يحاول حازم نفخ البلونات بعدما انتزع جهازه، فبدى كمن يركض لأميال من المسافات حتى اختنق مجرى تنفسه، تسلل لعمر وعدي الذي انضم له صوت رائد وهو يردد بعصبيةٍ بالغة:
يا نور انا عايز افهم احنا مقصرين في أيه عشان تتشعلقي في السلم ببطنك دي، هتجبيلنا التهزيق لو جرالك حاجة انزلي!

وأمسك الدرج بحرصٍ حتى لا يختل توازنها، ليستطرد بنبرة شبه آمر:
انزلي حالا.
انصاعت إليه، وبدأت تهبط للأسفل ببطءٍ وحذرٍ، وما أن انتهت حتى وقفت قبالته تناطحه بغيظٍ:
كلها كام ساعة وهنلاقي انكل ياسين هنا ولسه لحد الآن بتنفخوا البلالين!
جحظت عينيه، وبصراخٍ مستشيط ردد:
بلالين أيه! انتوا مستغلين تضحيتي العظيمة وكدبتي على ياسين الجارحي اللي ممكن رأسي تطير فيها ومشغلين مراتي! ده انا هطلع بروحكم.

القى حازم البلون عن يديه بسخطٍ:
يا عم اتنيل دي هي اللي قاطعة نفسنا، الواحد بيصارع عما ينفخله بلونتين تلاتة وهي لزقتهم كلهم جنب بعض في غمضة عين..
وألقى ما بيديه وهو يصيح بغضبٍ:
انا خلاص فاض بيااا وتعبت.
وعلى صوته ينادي بحزمٍ لا يليق به:
يا عثمان، أنت يا عم عثمان..
اتاه رئيس الحرس يهرول من الخارج، فأسرع تجاهه وهو يتساءل باهتمامٍ:
تحت أمرك يا حازم باشا..

جذب حازم أحد الأكياس الموضوعة على الطاولة، ثم دفعها لصدر الاخير وهو يشير له بغضب وحدةٍ:
خد دول وانفخهم أنت والترلات اللي بره دي، بدل ما هما مش شاطرين غير في استعراض العضلات طول النهار قدام القصر وكأن في خلية ارهابية هتحاصرنا، ده الحرامي اللي يفكر يقربلنا هيفكر سبع مرات قبل ما يقدم على المهمة الانتحارية دي!
حانت منه نظرة متفحصة لما يحمله، فتساءل باستغرابٍ:
مش فاهم حضرتك عايز أيه!

قال بصرامةٍ مبالغ بها:
تنفخ البلالين انت والهياكل البشرية اللي معاك.
انكمشت تعابيره بصدمةٍ:
نعم!
صاح حازم بتريثٍ:
زي ما سمعت خلي ام الليلة دي تعدي انا مش عارف عيد جواز ايه اللي لسه هيحتفلوا بيه بعد العمر ده كله!

كبت ياسين ضحكاته بصعوبةٍ على هيئة عثمان المذعور مما يأمر به، وكأن احدهم اتنزع منه السلاح ومهاراته القتالية ويخبره بأن يصنع حفل زفاف ملائكي وهو لا يفقه عما سيتخذه من اجراءات شاقة بالنسبة له، فجذب عنه الكيس الذي يحمله ثم قال والابتسامة تنير وجهه الوسيم:
روح أنت يا عثمان، وسبلي الحيوان ده.
اومأ برأسه باحترامٍ:
اللي تؤمر بيه يا باشا.

وغادر على الفور لينجو من كارثة آل الجارحي المتنقلة، وبعد رحيله صاح الاخير بغضبٍ:
أنت بتهزأني قدام الواد عثمان يا ياسين، الحق عليا اني بوفرلكم الفلوس اللي بيلطشوها كل أول شهر!
ترك ياسين الجهاز الذي يعاونه على نفخ كميات هائلة من البلونات، ثم دنا من حازم، فقال بانفعال وعينيه تراقب الدرج:
ممكن توطي صوتك وأنت بتتكلم، بابا لو حس بينا هتضيع كل تعبنا يا غبي!

استغلت نور ما يحدث وجذبت مجموعة من البلونات ثم اتجهت للدرج واحاطتهم باللاصق في محاولةٍ لاحكامهم حوله جيدًا، انتبه لها معتز الذي يبدأ بتزين الدرج من الأعلى، فناداها بصوتٍ على الرغم من انه خافت الا انه كان مسموعًا:
تاني يا نور، عمر لسه على الفون!
ترك جاسم السكين عن يديه ثم أشار لها بضيقٍ:
الله يكرمك سيبي اللي في ايدك ده وادخلي ساعدي البنات في الجاتو والمشاريب احنا هنقوم بالواجب..

القت ما تحمله بيدها وهي تردد بحزنٍ:
أنا عايزة اساعدكم بحب أزين القصر!
اقترح عليها أحمد الذي يتابع ما يحدث بصمتٍ وملل قاتل:
خلاص يا نور رمضان داخل اهو هتكوني ولدتي بالسلامة ونوعدك هنسيبك تزيني القصر على مزاجك ومحدش هيتدخل خالص.
تساءلت بشكٍ:
ولا حازم؟
ضيق الاخير عينيه بغضبٍ ساقه للرد عليها، فأسرع ياسين بتكمم فمه وبابتسامة عريضة اجابها ليساعد احمد في قراره وحكمته المثالية في حل تلك المعضلة؛
ولا المغفل ده..

احتلت الابتسامة وجهها، فتركت ما بيدها ثم انسحبت للمطبخ، فترك ياسين يده عن حازم والتقط نفسًا مطولًا وكأنه تخلص من قنبلة مؤقتة كانت تهددهم بالهلاك، ومن ثم أشار لهم قائلًا:
على الشغل يا شباب، هانت.
شاركهم عمر الحديث ورأى بأن ما سيقوله سيبث الهمة والعزيمة بهم:
هموا يا شباب قبل ما نوصل، وادعولي لو قفش اني كداب هيقتلني، وصيتكم نور خلوا بالكم منها.
رفع رائد الهاتف عن الطاولة ثم صاح به باندفاعٍ:.

يا عم متقرفناش بقى نور تأخد بالها من مديرية..
اضاف جاسم ساخرًا
تعالى انت احمينا منها ومن الحزب اللي كل شوية تشكله وتترأسه!
صاح حازم بخبثٍ:
هو كل المصايب هتحدفوها عليها ولا أيه! انتوا اللي خناقتكم كترت ومبقتوش عارفين تلموها.
ضحك معتز باستهزاء:
الواد ده معاه حق، ولازم نحط راجع للموضوع ده قبل ما عمك اللي يحطلنا احنا دوافع وربنا يسترها.

كاد ياسين بالرد عليهما ولكنه تسمر محله من الصدمة التي رآها وجعلت من حوله يتطلعون لما يراه..
سلاح ضخم يحمله كتلة بشرية صغيرة لم يتبين معالمها بعد، أو لكناية من تنتمني، والابشع من كل تلك التخيلات بأن السلاح يخص ياسين الجارحي وبالاحرى مكتبه الخاص، وفجأة طل رأس الصغير من خلفه وعينيه تبحث عن أباه ليسأله باستياءٍ:
هو ده بيشتغل ازاي يا بابي!
هز حازم، رائد المصعوق محله، وهو يخبره:.

كلم ابنك قبل ما يخلص علينا كلنا، ابنك غبي ويعملها.
رمش بعينيه عدة مرات ليستعيد وعيه سريعًا قبل أن يلقى حتفه هنا وبتلك اللحظة، فدنا منه وهو يرسم بسمة شبه بلهاء:
آسر يا حبيبي سيب البتاع ده يا بابا وتعالى بسرعة قبل ما اطلع بروحك انت وامك النهاردة..
تراجع الطفل المشاكس للخلف فدنا منهما ياسين ليلكزه بضيق:
ده اللي ربنا قدرك عليه!
استدار بوجهه تجاهه وبسخرية قال؛
خش انت يا عم التفاهم الواد ده جاب أخر ما عندي.

رسم ياسين ابتسامة زائفة ثم قال:
حبيبي ده شيء مؤذي وممكن يأذيك ويأذينا كلنا..
ضيق الصغير عينيه بتفكيرٍ:
مهو ده المطلوب، ابنك يحيى مش سايب حلا في حالها ومش راضي يخليني العب معاها!
صعق مما استمع اليه، وبحدةٍ اشار لابيه:
خلص على الواد ده بسرعة، ابنك خطر على البشرية يا رائد!
اتاهم صوت صاخب:
اللي هيجي جنب بنتي هولع فيه، انتوا مش احفاد الجارحي انتوا شياطين الجارحي، البت لسه صغيرة وبتتقاسموا عليها من دلوقتي!

احتضن احمد رأسه الذي بدأ بالدوار، ثم دنا من الصغير ليفض ذاك النزاع الذي سيفتك برأسه:
آسر حبيبي، مينفعش تدخل مكان بدون استسأذن، اللي عملته غلطة كبيرة ومينفعش تكررها، ثم ان حلا اختكم الصغيرة وقولنالكم الف مرة العبوا مع بعض.
اعترض على اخر جملته:
يحيى مش راضي يلعبني معاهم ولا وتولين ورحمة ويارا مش راضين يلعبوني.
احتدت معالم معتز حينما ذكرت اسم بنته وابنة جاسم من امامه:
وانت مبتلعبش غير مع البنات!

اتبعه تعصب جاسم العنيف:
راىد لم ابنك انا متوتر خلقة من اللي بشوفه بالبيت ده!
كاد رائد بالاسراع اليه، فحال احمد بينهما وهو يتابع بنفس الابتسامة الهادئة:
طب ايه رايك تلعب مع ليان بنتي وأويس هو شبهك وهترتاحوا مع بعض.
ضيق عينيه بتفكيرٍ طال لدقيقة كاملة ثم اتخذ قراره، فوضع السلاح بيديه واخبره بضحكة شيطانية:
هشوفهم فين واروحلهم.
وركض الصغير من امام اعينهم فتنفس الجميع الصعداء وتبقى رائد محله يسأله بصدمة:.

حلت الكارثة دي ازاي، انا فاشل مع الواد ده.
رمقه بنظرة حارقة قبل ان يلقي السلاح بين يديه وغادر ليتابع عمله، فوجد حازم يدنو منه وهو يسأله بجدية قاتلة:
ايه رأيك انفخ البلون الابيض الاول وبعد كده ندخل على الاحمريكا لحسن شديد وبيقطع النفس.
جز على اسنانه وجذب السكين ليلوح به من أمامه:
انا عايزك تختفي من وشي، ارحمني لوجه الله.

ترك حازم ما يحمله وهرول للخارج سريعًا فهو يعلم بأن اخيه حينما يفقد السيطرة على اعصابه الباردة من وجهة نظره حينها سيقتله في الحال، جلس احمد على المقعد القريب من الطاولة ثم رفع الهاتف لاذنيه ليتساءل بجدية:
مصايبه كتيرة مش هقدر أتحمل أكتر من كده.
ثم رفع صوته ليكون مسموع للمتصل:
عمر احنا شبه خلصنا ارجوك ارجع انت وعدي هنا، الحيوان ده طول ما عدي بره بيستفرض بينا واحد واحد...
اتاه صوت عدي المجاور لعمر:.

متقلقش يا احمد ساعة وهنكون عندك، المهم تابع انت وياسين الدنيا لحد ما نوصل وبالاخص حازم.
اقترح جاسم بابتسامة شيطانية:
ايه رأيك نبعت الفيديو بتاعه لنسرين وأهي حاجة يتلهي فيها عما نخلص.
نفى ياسين اقتراحه:
البنت حامل حرام هيجرالها حاجة..
وبخبث استرسل:
احنا هنبعته بس لبابا مش لنسرين!
فكرة واهو يلمه فوق لحد ما نخلص.
قالها معتز وهو يعيد ارسال الفيديو ليحيى، ثم وضع الهاتف وهو يشير لهم بفرحة:.

كله تمام يا رجالة هنشتغل بمزاج..
منحوه نظرة مشككة قبل ان يعود كلا منهم لعمله.

بعد ساعتين متتاليتين رست السفينة على الشاطئ لتعلن عن انتهاء تلك الرحلة المميزة، فهبطوا جميعًا للاسفل، فاسرع تجاههم السائق ليحمل عنهم الحقائب، فتح عمر باب السيارة الامامي لوالدته، فاتجهت الاخيرة للصعود وقبل ان يصعد هو الاخير أغلق ياسين الباب ووقف قبالته، ابتلع ريقه بتوترٍ وهو يراقب انفعالاته فخرج صوته الثابت يخبره:
في عربية جاية من القصر هترجعك انت وأخوك واحنا ساعة وجاين وراكم.

بدون أي استفسار للاسئلة التي روادته أومأ برأسه، بينما تحرك عدي تجاههم وتساءل باستغراب:
ليه حضرتك مش راجع معانا؟
انتقلت نظراته الثابتة تجاهه، وتجاهل الرد عما سيكرره من جديد، فصعد لمقعد السائق الذي تنحى جانبًا فور اشارته، وقاد السيارة بذاته ليبتعد عن مكانهم، تابع عمر ابتعادهما وهو يردد بملل:
خدها وهرب تاني!
واشار لعدي قائلًا:
ما تتصرف يا وحش، هنرجع ازاي من غيرهم.

ابتسامة عابسة ارتسمت على طرفي شفتيه، فردد بمكرٍ:
أبوك اذكى مننا، عرف اللي عايزين نعمله وكعادته سابقنا بخطوة، مش حابب انها تتفاجئ بعيد جوازها من حد غيره.
وربت على كتفيه ليشير اليه للسيارة التي وصلت للتو:
يالا، هنسبقهم وهيحصلونا.
ذم عمر شفتيه واتبعه وهو يهمس:
مش فاهم اي حاجة!

تحرك السائق بهم للقصر سريعًا، بينما تحركت سيارة ياسين الجارحي لاخر رحلة ستختتم بها رحلته المميزة، حيث سيكون الاحتفال مميزًا حينما يضمهم معًا دون أن يشاركهما أحدًا، يود أن يختتم العشق بليلة أخيرة ستجمع ارواحهم بباحة الغرام العتيق!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة