قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

مر يومان على عيد ميلاد الصغيرة، ومازال مالك يبتعد عنها ومعاملته الجافة تزداد شيئًا فشيئًا، تتذمر أحيانًا، وأحيانًا تتجاهله، ولكن في هذه الساعة بدأت تتوتر وتزداد عصبيتها وخاصةً بعدما علمت من خديجة بأمر الرحلة التي يخطط لها زوجها، قضمت أظافرها بغيظ وهي تقول: والله عال وصلت أن آخر واحدة اعرف، لا أنا مش هاعديهاله..

فتحت باب غرفتهم بعصبية وخرجت تبحث عنه، وجدته يجلس بأريحية ويتابع شيئًا ما على جواله وابتسامة عريضة ترتسم فوق ثغرة، تقدمت بخطواتها السريعة ثم وقفت أمامه وهي تميل بنصف جسدها العلوي نحوه تحاول رؤية ما الذي يضحكه لهذه الدرجة، رفع بصره لها باستغراب شديد وخاصه عندما مالت عليه بهذه الطريقة، مدت يديها تشير له بإصبعها قائلة بنبرة تحمل الشك: إيه ده يا مالك، بتضحك لمين، وليه؟!

قرر أغاظتها أكثر فقال بلامبالاة وهو يغلق هاتفه: وأنتي مالك..
اتسعت عيناها قائلة بصدمة: يعني أية وأنا مالي بقى!
زفرت بقوة ثم نطقت أشياء غريبة بصوت خافت بعدما انتهت رفعت رأسها بطريقة غريبة ثم قالت بنبرة تحمل التعالي والكبرياء: مالك لو سمحت صالحني، وأنا هاسامحك.
هتف بتهكم: أصالحك!، أنتي اللي تصالحيني، بقى أنا أجاي يوم عيد ميلاد ندى بليل وأحاول أكلمك، تقوليلي تعبانه وعاوزه تنامي..

هزت رأسها بعصبية وفجأة تحولت نبرتها بحدتها لنبرة باكية: أيوة كان لازم اعمل كده، لأننا لو كنا تكلمنا كنا هنتخانق أكتر فقررت نعدي اليوم..
اعتدل مالك في جلسته وتحدث بعتاب: أنا مكنتش هاكلمك في حكاية شعرك، أنا كنت هاسألك ليه كنتي تايهة وخالي موجود، كنت عاوز اعرف زعلتي لما عزمته؟ كنت عاوز اخرج اللي جواكي، بس أنتي حكمتي قبل ما أتكلم.

شعرت بالحنق من نفسها، فتحول وجهها للون الأحمر من شدة إحراجها، رمشت بعيونها عدة مرات، وحاولت إيجاد كلمات تهرب بها من موقفها ذلك، نظراته تشعرها بالخزي من نفسها، سعلت بخفة وهي تحشر نفسها في تلك المسافة الصغيرة بجانبه لتقول بتلعثم: أنا يعني كنت زعلانه منك، أزاي متقوليش شعرك يجنن عليكي يا ندى، ، أزاي تحبطني!

التفت بوجهه نحوها ثم قال متعجبًا: أحبطك، ندى كل الحكاية إن أنا زعلت كان لازم تشاوريني الأول، لأن الحاجة اللي أنتي قصيتها دي أنا بحبها جِدًّا.
نظرت له باكية وهتفت بنبرة مهزوزة: يعني أنا وحشة كده.
لم يستطع تحمل نبرتها تلك، فجذبها لأحضانه مُرَبتًا فوق ظهرها بحنان: لا أنتي حلوة أصلًا في إي شكل واي تغيير، بس أنا كنت بحبه يا ندى، لو سمحت متعمليهاش تأني..

مسحت دموعها بِمَنْدِيل قائلة بعصبية خفيفة: أزاي ترتب أننا نروح كلنا إسكندرية وأنا معرفش، وأعرف من خديجة.
نظر لها متعجبًا من سرعة أخبار خديجة بمخططه ثم قال: سريعة آوي خديجة دي!
هزت كتفيها بدلال قائلة: على الأقل مبتخبيش زي ناس وحشة.

قطبت ما بين حاجبيها في آخر حديثها دليلًا منها على استيائها لما فعله دون الرجوع إليها، تجاهل انفعالاتها وقرر التحدث فيما يهمه ويشغل عقلة منذ يومين، فسألها مستفهمًا باهتمام: قوليلي في إيه مالك، من وقت ما خالي كان هنا...
قاطعته بحديثها الجاد وملامح وجهها تغيرت بسرعة البرق: طبيعي يا مالك أتوتر، وأبقى مش فاهمة حاجة، بس اللي متأكدة منه أنه عمره ما يأذيني!

رمقها بتعجب أكبر قائلًا: وإيه اللي يخليكي متأكدة من كده، وبعدين واحدة غيرك تخاف خصوصًا معاملته ليكي في عيد ميلاد بنتك مكنتش لطيفة.
ابتسمت بعذوبة قائلة: هو لو كان عاوز يأذيني كان أذاني بس هو معملش كده، هو كل اللي في ايدة يحاول يوصلي أنه يكرهني بكل الطرق بس قلبه ميوصلش أنه يأذيني...
قاطعها مالك بضيق ليقول بنبرة خشنة: وأصلًا مين هايسمحله أنه يأذيكي..

ابتسمت بحنان ثم اقتربت منه وحاوطت وجهه بيديها الصغيرتين مثلما تفعل ابنتها: كانو بيخبوني عنكم، خافيين تأخذوني، ميعرفوش أن الأمان والحنان ملقتهمش إلا منكو، حرموني من أيام وليالي حلوة كنت هاعيشها وسطكوااا..
قاطعها مُتَّهِكم: ليه في واو الجماعة، المفروض الحنان والحب والأمان يبقى فيا أنا بس.

حركت يديها أمام وجهها تحاول إيجاد الهواء الذي انقطع عنها بسبب كلماته العذبة وحلاوتها التي أذابت قلبها وكيانها بالكامل رغم سخريته في الحديث: ياربي هايغمى عليا من كلامه..
ارتفعت ضحكاته عاليًا لحركتها وحديثها، فغمز لها بطرف عيني: طب إيه يالا أغمي عليكي علشان افوقك...

رمشت عدة مرات تحاول إيجاد حديث لمجاراته ولكن كل مرة يسكتها بكلامه غير المقبول من وجهة نظرها لوقاحته، ورغم مرور أعوام على زواجهم، وجدت الحل الأمثل وكالعادة الأفضل للهرب منه، أن تلقي عليه بحديثها الذي يحفظه مالك ظهرًا عن قلب: أنا هاقوم أشوف ندى...

وينتهي الأمر بها بين يديه تنعم بدفئه ودفئ قبلاته الحنونة، وعذوبة كلماته التي تدغدغ قلبها المسكين، فيصبح ذلك القلب مقيدًا وللأبد بعشق أبدي، وكأن ذلك العشق تميمة صعبة الكسر، لا يقدر أحد منهما الهرب منها، وسيظل قلبهما رهن عشق أسطوري لا مثيل له...

نهضت بسعادة تتحرك كالطفلة في أرجاء الغرفة تمتم بكلمات متقطعة سعيدة: أخيرًا، هانسافر، أي مكان..
عاد فارس بظهره واستند بمرفقه فوق الوسادة باستغراب من حالتها تلك: إيه يا يارا هو أنا عمري ما فسحتك قبل كده!

توقفت عما تفعله ثم تقدمت منه، وجلست إمامة قائلة: لا بس حرفيًّا من وقت ما حملت في أنس وبعدين ولدته ولغاية دلوقتي أنا وأنت مروحناش في مكان، أنا كنت قربت أطق وأزهق من اللي أنا فيه، بس الحمد لله الواحد لقي مكان يفرفش فيه..

حول فارس بصره نحو طفله فوجوده مُسْتَلْقٍ على ظهره فاتحًا كلتا ذراعيه ونائمًا كالملائكة، هيئته مريحة للأعصاب وخاصةً أعصاب فارس، طريقته تلك واسترخائه وعلامات البراءة التي تنير وجهه تبعث على الاسترخاء، وجد نفسه يبتسم تِلْقَائِيًّا لظهور ابتسامة صغيرة فوق ثغره فأنارت وجهه أكثر وأكثر، انتبه لحديث يارا الذي أصابه بالدهشة والتهكم معاً: نعم قولي كده تاني!؟

عادت ما تقوله وهي تحاول كتم ضحكاتها: بقول إن هو كده بيحلم أن الديب بياكلك..
لم يقل تعجبه بل ازداد فسأل مستفهمًا أكثر: آه ده اللي هو أزاي.
هزت رأسها مؤكدة لتقول موضحة: والله ماما وتيته قالوا كده إن الطفل لما يضحك يحلم أن الديب أكل أبوه..
ابتسم ساخرًا: ولما بيعيط..

ما لبث أن انتهى من حديثه، حتى تبدلت ملامح الصغير من مبتسمة لأخرى حزينة، اقتربت يارا تربت فوق ساقه قائلة بصوت خافت: كده يحلم أن الديب هاياكلني أنا..
خرج اعتراض قوي من فمه، فرمقته يارا بتحذير: فارس في إيه!..
فارس في إيه، إيه اللي بتقوليه ده، لو كده فعلا هاخلى الديب يأكله هو، مش كفاية قرفنا ب زنه..
اعتدلت في جلستها لتقول بضحك: هو طالع زنان لمين مش ليك..

رفع جانب شفتاه لأعلى قائلًا بسخرية: هو أنا زنان في إيه بقي إن شاء الله!..
حاوطت رقبته لتقول بغنج: تنكر أنك فضلت تزن عليا علشان اتجوزك..
ظهرت ملامح الامتعاض على وجهه قائلًا: يااارووحي!، أنتي بتعكسي بقى!
ابتعدت تهتف وهي تشير على نفسها: أنا اللي زنيت علشان تتجوزني!
هز رأسه نافيًا ليقول: لا الحقيقة لا.

ارتاحت قسمات وجهها بعدما كانت قد أوشكت على الدخول في حرب معه، ولكن سرعان ما نظرت له شزرًا بسبب قوله...
بس قرفتي أمي حرفيًّا بفضولك علشان تعرفي سبب جوازي من كاميليا ده أنتي ورتيني أسود أيام حياتي.
ردت خلفه غير مصدقة ما يقوله: فضول، بقى علشان ادورلك على سبب تكسرني به أبقى فضولية!.
تجمعت الدموع بمقلتيها سريعًا فنهضت تبتعد عنه، أوقفها فارس قائلًا: شوفتي بتستفزيني وبقول كلام يزعلك، معلش حقك عليا..

جذبها لتجلس مرة ثانية وحاوطها هو هذه المرة قائلًا بمزاح: يعني مزعلتيش من أنك ورتيني أسود أيام حياتي..
حولت بصرها نحوه قائلة بحزن: لا مش هازعل لان ده فعلا اللي حصل، وأنا مورتكش ربع اللي كنت ناوية علية، ما هو كسرة قلبي مش بالساهل، وبلاش تفتح في مواضيع أنا قفلتها علشان هاتطلع خسران وغلطان..

لاح بنبرتها تحذير خفيف يصاحبه رفع حاجبها كحركة أصيلة في معظم الفتيات، ابتعد فارس عنها يصطنع الخوف قائلًا: يامي، الحقيني خفت، وبعدين أنتي المفروض تشكرينني بعد ما أنقذتك من اللي اسمه سراج.
انتابها حالة من الضحك المستمر، عندما تذكرت ما فعله فارس، شاركها فارس الضحك وهو يعيد عليها ما فعله وفي كل مرة يخبرها شيء جديد بتلك القصة، فتتسع عيناها تَدرِيجِيًّا لما فعله...
اعترف أنك بتموت فيا ومتقدرش تبعد عني...

قالتها بتعالي وفخر استحوذ على نبرتها، فعاد هو يحاوطها بقوة معتصرًا خصرها بين يديه: وأنا من أمتى أنكرت، ومن أمتى قولت إن أنا أقدر أبعد عنك، أنتي قاعدة هنا ومربعة...
اتسعت ابتسامتها وهي تحول بصرها نحو قلبه قائلة: بحمد ربنا كل يوم أن مبعدتش عنك ومتجوزتش سراج..
اقترب يلثم وجنتها بحب ليقول بتوبيخ: عبيطة فاكرني هابعد عنك بالساهل.

نظرت له بلؤم قائلة: بس هو أنت أصلًا وقعت مع واحد أهبل، افرض كنت وقعت مع واحد بنفس شخصيتك وكرزميتك، مين كان هاينتصر...
ابتعد أنشاً واحدًا عنها ثم قال بمكر: كنا هانتقاتل مع بعض..
ثم استكمل حديثة بغرور: مع أني متأكد أن مفيش حد زي، أنا واحد وبس، فارس الرشيدي واحد وبس..
كادت أن تجادله مثل كل مرة، بتر جملتها برجاء: يارا مرة واحدة متجادلنيش وقولي اللي جواكي.

صمتت برهة، تتأمل ملامحه في مشهد من المؤكد أنه لا يتكرر ثانية بنفس الهدوء سواء كان هدوء المكان حولهم، أو هدوء مشاعرهم، أنفاسهم الساخنة المختلطة كانت تلك الموسيقى التي زينت مشهدهم ووصلت بهم لأرقى أنواع الرومانسية والحب، هتفت بصوت يتملكه بحة غريبة بعدما مررت عيناها فوق ملامحه التي مازالت تثير مشاعر تتدفق بداخلها كشلالات المياه العذبة، فتترك بداخلها صفاء لا يعرف مذاقه إلا العاشقين فقط...

فعلا مفيش إلا أنت بس، وعمري ما ألاقي منك اتنين..
هتف مشاكسًا وهو يقترب أكثر منها: ولا تلاته!
كتمت ضحكاتها وهي تقول بعتاب بسيط: على طول بتبوظ لحظاتنا الرومانسية..

مد يده يحاوط وجهها، مقربًا وجه منها يحاول تقبيلها، حتى تطفئ مذاق شفتيها تلك النيران التي بدأت تتوهج بخلايا صدره، أغمضت عيناها بحب لتستقبل عاصفته بصدر رحب ولكن أنس كان له رأيا آخر حينما استيقظ وارتفاع صوت بكائه، ضغط فارس فوق لحم شفتيه من الداخل بغيظ مُحَرِّكاً يده بعصبية بوجهه، أما هي فكتمت ضحكاتها بصعوبة حتى لا تثير غضبه أكثر...

في اليوم التالي...
دلفت خديجة غرفتهم تخرج ثيابها من دولابها بعجالة، رفعت بصرها ترمق الساعة المعلقة فوق الحائط، اتسعت عيناها بصدمة عندما وجدت نفسها تأخرت على معادها مع ندى ويارا، جلبت ثيابها واتجهت صوب المرحاض بخطوات واسعة، مدت يدها نحو المقبض افتتح الباب فجأة فاصطدمت بجسد عمار، أرسلت له ابتسامة سريعة قائلة: أوع يا عمار تأخرت..
شاكسها بوقفته أمامها ومنعها من دخول المرحاض: اتأخرتي على إيه؟!.

ضيقت عينها تسأله بعجالة: يعني أنت متعرفش!
قلدها وهو يهتف بلؤم: لا...
مدت يدها الفارغة تبعده عن طريقها قائلة: لا بجد بطل هزار أنا ما صدقت سكت إيلين وسيف وأقنعتهم يقعدوا مع ماما...
أخذ ثيابها منها ثم ألقاها فوق الفراش قائلًا: دي فرصة عظيمة على فكرة، إيلين وسيف مش موجودين، حاجة عظيمة جِدًّا نستغلها بقى..

تشبثت بالأرض ورفضت التحرك خلفه قائلة برفض: أبدًا مش كل مرة هاقعد اعتذر، منظري بقي وحش أوي، وبعدين أنا محتاجة حاجات للرحلة، مايو لإيلين وكمان...
قاطعها مستفهمًا: مايو إيه!، لا طبعا مش ها يحصل!.
جعدت جبينها قائلة: ليه دي لسه صغيرة وعادي تلبس مايوو.

هتف بنبرة تحذيرية: خديجة، أنا بنتي مش عرضة، عاوزه تلبس مايو تمام في حاجات متقفلة متجبيش حاجات تبين جسمها وبعدين لو كبرت وتعودت أنها تداري جسمها هاتكبر كده، أما بقى لو كبرت تلبس حاجات تبين جسمها كل حاجة تبقى بالنسبالها عادي..
وقفت تعارضه قائلة: عمار على فكرة كده غلط ومينفعش نقولها كده، هي صغيرة ومن حقها تعيش سنها وبعدين يعني انا أكتر واحدة بهتم بيها وبتربيتهااا..

هز رأسه مؤكدًا ليقول بعصبية: آه وماله تعيشه وأنا أول واحد هاخليها تعيش سنها وتفرح، وأنا مش قولتلك تقولي لها كلامي، لا حضرتك المفروض تختاري حاجة مقفولة متبينش جسمها إيلين بتكبر، جيبي لها حاجة مناسبة ليها وقولي لها بصي جيبالك حاجة تجنن، صدقيني هاتفرح به آوي، وياريت مش عاوز اي نقاش، ولو جبتيه وشوفته ومش عجباني ايلين مش هاتلبسه...

ترك منشفته ثم خرج من الغرفة دون ان يتفوه بأي حديث أخر، تعجبت منه ولكن هي تعلم حاله وتفكيره، ليس من الشخوص التي يمكن مناقشتها ومعارضتها في وقت عصبيته او ضيقه، من الافضل ان تصمت وتختار الوقت المناسب فيما بعد حتى تحصل على مرادها...

تحركت بغير هدى بغرفتها وهي تتحدث في الهاتف بنبرة مرتفعة غير عابئة لأي شيء لقد طفح الكيل بها من تصرفاته وحديثة البارد، استمعت لصوته المرتفع قائلًا بنبرة تحذيرية: مريم صوتك ميعلاش..
هتفت بعصبية مماثلة له: لا هايعلى يا عمرو إيه البرود اللي أنت فيه ده!
ضغط فوق حروف حديثه ليقول بغيظ: متقوليلش كلمة برود دي، إيه قصدك إن أنا بارد..
هزت رأسها وكأنها أمامه لتقول: آه أنت بارد...

عم الصمت في الاتصال حتى هتف عمرو يسألها بغضب: أنتي بتشتميني، بتقوليلي يا بارد، بتشتمي جوزك!
لسة مبقتش جوزي!
تمام كده آخر كلام عندك يا مريم..
هتفت بِتَحَدٍّ: آه أخر كلام، لو جبتها معاك الرحلة يا عمرو اعتبر أن كل شيء انتهى وتطلقني ليك حرية الاختيار سلام..

أغلقت الهاتف دون أن تستمع لرده، قبضت بيدها الصغيرة فوق هاتفها وكأنها تقبض على مخاوفها وهواجسها، تلك الهواجس التي بدأت في السيطرة على عقلها ورسم سيناريوهات ستحرق روحها أن تحققت، هبطت دموعها بغزارة فوق صفحات وجهها، التفت برأسها نحو والدها عندما استمعت لصوته: وبعدين معاكي يا مريم.

مسحت دموعها بباطن يدها قائلة بنبرة مرتعشة: تصور يا بابا عاوز يجبها معانا الرحلة، ويقعد يهتم بيها قدامي ويقضي معها وقته وأنا أتحرق، دي مش صداقة أبدًا يا بابا...
جلس بجانبها وحاول تهدئتها: حبيبتي أي كان اللي بينهم، متتعصبيش آوي كده، أنتي اللي بقيالي، أنتي عاوزه يجرالك حاجة من كتر عياطك..
همست بخوف وهي تنظر أمامها: هو ممكن فعلا يكون بيخوني!

استشعر خوفها وقلقها، فقرر بداخله أن يضع حد لذلك الموضوع: لا عمرو بيحبك، وهو أكيد هايشتري خاطرك أنتي..
همست بتمني قائلة: يارب، علشان لو مشتراش خاطري بجد وقتها كل حاجة هاتتهدم..

زفر بعصبية قائلًا بغيظ: لا أخلص يا فارس أصل والله أرزعه في الحيطة.
التفت فارس حول نفسه يبحث بعينيه في أرجاء المطبخ متمتمًا بكلمات غير مفهومه، حتى صاح بصوت مرتفع ونبرة تحمل الراحة: أخيرًا لقيتها، بتّركب أزاي دي، يارا قالت بتركب أزاي.
تشنج جسد مالك بعصبية من الصغير عندما بدأ يصرخ باكيًا ويتحرك بعصبية بين يد مالك الممسكة به بقوة، رمقه مالك باستغراب: في إيه يابني بتعيط ليه كده؟!.

زفر فارس أخيرًا بارتياح وتقدم من مالك وهو يحرك الزجاجة التي تحتوي على طعام الصغير بسرعة كبيرة قائلًا: أهو يا أنس الرضعة أهي اقعد ساكت..
ابتعد الصغير برأسه للخلف رافضًا حديث والده وكأنه يفهمه، رفع مالك أحد حاجبيه وهتف بضيق: أنت ياله عمال تعيط وقارفنا في الأخر مش عاوز تاخد اللبن آمال عاوز إيه..
وضع فارس الزجاجة بعصبية بالغة فوق الطاولة: أنا زهقت آمال بيعيط ليه..

تعلقت عيون الصغير بندى الجالسة أرضًا تأكل الحلوى، حول مالك بصره نحو النقطة التي ينظر الصغير لها، فصاح متفهمًا: فارس، ده عاوز الشكولاتة والشبيسي اللي مع ندى.
رمقه فارس بغيظ: أنت عيل طفس ياض.
ضحك مالك قائلًا: ندى حبيبتي ممكن تجيب الشبيسي والشوكولاتة دي لانس علشان بيعيط آوي، وأنا هاجبلك تاني..
رفعت الصغيرة عينيها تنظر لوالدها ثم قالت: ماسي ماشي.

ابتسم مالك بفخر، فقال فارس مصطنعًا البكاء: ليه ياربي معنديش بنوته قمر كده، أحسن من الزنان ده.
ارتفعت ضحكات مالك، تقدم صوب الأريكة وضع أنس برفق، ثم جلب جميع الحلوى وأعطاها للصغير، فابتسم أنس بسعادة والتمعت عيونه نحو تلك الأشياء التي تحرمها والدته عليه، جلس فارس بجانبه قائلًا بضيق: يعني لازم ماجي هانم تصر تخرجهم انهارده، ما كنا نجيب احنا الطلبات دي!

لا هو غلط من يارا يا فارس أنها سابت انس، وهي عارفة ابنها على أيه.
ابتسم فارس ساخرًا: لا أزاي مش ندى مراتك سابت بنتك، ليه مكنش آب ايجايبي وزيك وأتولى مسؤولية ابني..
اخرج تنهيدة قوية من صدره ثم أكمل بتهكم: أنا نفسي معرفش أتولى مسؤولية نفسي.
حرك مالك رأسه نافيًا: لا أنا ندى لو مبتقعدش ساكتة مكنتش سبتها..
دادي..

حول مالك بصره نحوها، وجدها تشير نحو الصغير وتحاول اعتداله بلهفة، قطب مالك ما بين حاجبيه وهو يحاول فهم حركتها تلك، ولكن سرعان ما تبدلت ملامحه إلى الذعر صاحبه نبرة خافتة تحمل جميع معاني الخوف صدرت من أب يرى أمامه مشهد لابنه يحاول فيه التقاط أنفاسه، وعيون جاحظة تستنجد بأي شيء...
أنس..

حروف اسم ولده خرجت من شفتاه بصعوبة ثم بعدها ثقل الهواء الذي يخرج من ثغره وارتعشت يداه وهو يحمل ولده يحاول إسعافه، وعقله يحاول ترجمة ما يحدث في هذا الواقع الاليم، اما قلبه ينتفض برعب لرؤية ولده على هذا النحو...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة