قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل الأول

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل الأول

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل الأول

جلست بقرب ولدها ذو التسع أشهر، رمقته بضيق لتقول: سكت يا أستاذ أنس بطل زن يا زنان..
حول الصغير بصره نحوها وهو يعبث بلعبته التي أخيرًا استحوذت على انتباهه، جذبت هاتفها تقرأ محتوى الرسالة التي بعثها زوجها على أحد وسائل الاتصال الاجتماعي ما يسمى واتس اب رفعت حاجبيها وهي تكتب بسرعة وتقول بهمس: يعني إيه مش هاتعرف تيجي يا فارس!

انتظرت ثوان، تحرك ساقيها بعنف تنتظر أجابته، ظهر أخيرًا رسالته ( معرفتش احجز طيران، تتعوض بقى، صوريلي أنس وحشني).
هتفت بغيظ وهي تنظر للهاتف: وحشك برص..
أغلقت الهاتف ووضعته بجانبها بضيق، شردت بتفكير في تهرب فارس من حضوره، قطع شرودها صراخ الصغير نظرت له بحنق: أنت ليه يا حبيبي زنان زي أبوك.

حملته برفق وبدأت في تحريكه يَمَنِيًّا ويسارًا لعله يصمت عن صراخه، ولكن لا فائدة فقالت بأرهاق: خلاص هاقوم اتنيل واعملك رضعة، يابني اسكت..
وضعته بمقعدة بحرص، ثم ذهبت صوب المطبخ تعد طعامه سريعًا، زفرت بارتياح وهي تحرك بسرعة تلك الزجاجة الصغيرة التي تحتوي على حليبه، خرجت من المطبخ قائلة: سكت ليه يا انس، جبتلك الرضعة أهو..

صرخة خرجت منها، انتفض قلبها برعب عندما وجدت زوجها المجنون يقف ويرفع أنس عاليًا والآخر تتسع عيناه بخوف لتلك الحركات المجنونة..
حرام عليك يا فارس أنت عاوز تموتني..
لم ينتهي من أفعاله المجنونة بالصغير بل زاد من سرعتها قائلًا: إيه رأيك في المفاجأة الجامدة دي.
اقتربت منه قائلة بعبوس: أوعى هات أنس مخضوض منك.

ارتفع صراخ الصغير مجددًا برعب، فقال فارس بغيظ: أبدًا يا كلب لازم تتربى بدام ما أنت فضحنا كده بعياطك ده.
أخذت منه الصغير بقوة قائلة بغضب: حرام عليك الواد هايموت من الخوف..
التوى فمه بتهكم ليقول: مش ده أنس اللي كل يوم مجنناني بيه في التليفون، الحقني يا فارس أنس مبقتش عارفة اعمل منه حاجة، تعال بقى شيل عني شوية..

احتضنت الصغير بقوة قائلة بضيق: مالكش دعوة بيه تاني، أنت أب أنت!، دي طريقة تسلم على ابنك اللي بعدت عنه شهر يا مفتري، المفروض تاخده في حضنك، تقوم ترفعه عشر متر لفوق إيه عاوز تلزقه في السقف..
اقترب منها وهو يقوم برفع خصلاته المتمردة دائمًا فوق جبينه قائلًا بمكر: إيه ده يعني انتي بتكذبي عليا، وأنس ولد شطور وجميل، يعني انتي كنتي هاتموتي وارجع علشان بتحبيني وعاوزني أكون جنبك..

صاحبت جملته الأخيرة غمزة وقحة أرسلها لها، لم يتغير حتى بعدما أصبح أبًاًّ صفاته وحديثه لم يخلو أبدًا من وقاحته، زمت شفتاها بضيق قائلة بحنق: عمرك ما تغيرت، زي ما أنت، بس أنا تغيرت وبقيت هبلة، أوع من وشي أنا وابني..
أوقفها بيده قائلًا بمكر: انتي رايحة فين، يمين الله م انتهى متحركة، ده انتي بقالك شهر بعيدة عني، هاتي أنوس حبيب بابا..

ابتعدت خطوة للخلف متشبثة أكثر بولدها قائلة بِتَحَدٍّ يحمل رفض قاطع: أنس مش هاتطلعه عند ندى فوق يا فارس كفاية فضايح، مالك جاي انهاردة لو شافه هايرميه على باب الشقة.
أرسل إليها ابتسامة سمجة قائلًا: يبقى يقدر يعمل كده، وبعدين ده الخال والد.
أخذ منها الصغير واتجه صوب باب الشقة، ذهبت خلفه تمنعه قائلة: متبعدش ابني عني، وبعدين مفيش حد بيستحمل ابن حد، وابنك زنان.

فتح باب الشقة والتقط منها الزجاجة قَائِلاً: أهو انتي قولتي ابنك زنان، سلام لغاية ما أرجعلك..
أرسل لها ابتسامة وقبلة في الهواء قبل أن يغلق الباب، دبدبت في الأرض بقدماها قائلة بغيظ وَتَحَدٍّ: ماشي يا فارس، على طول فضحني كده قدام مالك وندى طب والله لأضايقك...

اتجهت صوب غرفتهم بسرعة وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح، جلست على حافة الفراش وهي تنظر للباب بِتَحَدٍّ، لا تعلم هي تتحدى من، قلبها أم هو، ذلك القلب اللعين الذي يتراقص فرحًا لرؤيته يجعلها في حالة لا توصف بكلمات قط، تلك المشاعر التي تتدفق بداخلها تجعل من خلايا قلبها عنفوان غريب يثور كحمم البركان داخله، فيصدر عنها أفعال هي تتعجب لها!

رغم شعورها بالغضب منه، إلا أنها لم تستطع الا أن تنهدم نفسها، وترتدي ثياب رائعة حتمًا ستخطف أنفاسه عندما تقع عيناه عليها، فكرت للحظات سيشعر بالفرح عندما يعرف بأمر قصها لشعرها أم سيحزن ويعاتبها، كثيرًا ما أخبرها بحبه له حتى هي شعرت بذلك من خلال يديه التي لا تفارق شعرها وحديثه ولمعة عيناه وهو يتغزل بها، ولكن في الآونة الأخيرة شعرت أنها تريد التغير بشيء ما، ووقع اختيارها عليه، حركة مجنونة وقد تكون متهورة بالفعل ولكن منظرة هكذا وكثافته وهو قصير أعطاها منظر جذاب وجميل، نثرت عبقها المفضل له، ثم جذبت أحمر شفاها ترسمه ببراعة فوق شفتيها، صدح قرع جرس الباب جعدت جبينها للحظات وأدركت أنه ليس زوجها، مسحت شفتاها برقة ثم ارتدت إسدالها وتقدمت صوب الباب، وجدت الصغيرة ترفع نفسها وتحاول فتح الباب، اتجهت بسرعة منها قائلة: نودي مش قلنا كده عيب..

هتفت الصغيرة بعبوس: ده دادي.
أبعدتها ندى عن طريقها قائلة وهي تفتح الباب: لا ده مش دادي، شوفتي أنس وانكل فارس..
اعطها فارس الصغير قائلًا: عمال يعيط عاوز ندى الصغيرة، وكمان يارا مصدعة.
احتضنته ندى بحنان قائلة بعتاب: ازيك يا انكل فارس وحشت نودي خالص..
عض على شفتيه السفلى قائلًا بحرج: احم اسف، المعفن ده مخلنيش اسلم عليكوا...
تقدمت الصغيرة منه ورفعت يداها قائلة: وحشتني..

رفعها فارس وعانقها قائلًا: وانتي وحشتيني، ليه ياربي ميكنش عندي بنت قمر وهادية كده زيك، مش زي الاهبل ده..
ضحكت ندى قائلة: حرام عليك، والله أنس عسل اوي، وانا وندى بنحبه ولما بيقعد معانا مبيعيطش خالص...
حولت بصرها نحو الصغير قائلة: مش صح يا أنس..

ابتسم الصغير لها ومد يده نحو وجهها، فحركت ندى وجهها بيده تقبله قبلات صغيرة، انزل فارس الصغيرة قائلاً: بس انا اسيبكوا وهو هادي كده، والحق اطمن على يارا بقى، باي يا أنس يا حبيبي واقعد ساكت.
ودعه فارس، واغلقت ندى الباب قائلة: حبيبي يا أنس نورت..
وضعت الصغير بجانب ابنتها، ثم نزعت اسدالها فظهر شعرها وقصره شهقت الصغيرة برقة، وضعت يدها على شعر والدتها قائلة: شعرك مامي..
ابتسمت ندى بسعادة: ايه حلو، صح..

هزت الصغيرة رأسها بعبوس: لأ.
قابلت ندى عبوس ابنتها بعبوس أكبر قائلة: العبي مع أنس.
صدح رنين هاتفها اجابت على الفور بعدما طالعت اسم المتصل: خالتو ازيك.
ايه يا ندوش خلصتي.
هزت ندى رأسها وكأن خالتها امامها قائلة: آه متتأخروش بليل بقى وتعالوا بدري.
حاضر، مالك كان هنا بيسلم عليا، وزمانه في الطريق جايلكوا..
ابتسمت ندى بسعادة قائلة: تمام، سلميلي على تيتة وليلة وعمرو..
من عنيا، سلام..

اغلقت الاتصال وشردت بذهنها لما حدث منذ عامين في عيد ميلاد ابنتها الاول عندما فاجأهم خالها وقرر الاستقرار نهائيًا في مصر، لم تشعر بالراحة أبدًا في وجوده، ولم يفشل هو أبدًا في تعكير مزاجها وصفوها، دائمًا ما يضايقها بنظراته وحديثة المبطن، تحملت الكثير منه، احيانًا تخبر مالك بما تشعر به واحيانًا تفضل الصمت، ولكن تلك الليلة التي استمعت بدون قصد حديثه مع جدتهااا، كانت بمثابة محور مهم لتتخذ اهم واجرأ قرار في حياتها...

( فلاش باااك).
أنا لغاية دلوقتي مش مصدقة نفسي، أخيرًا أنت هاتستقر معانا هنا، يا زين ما عملت يابني..
ابتسم أحمد ساخرًا: زين ما عملت إيه، أنا هاموت من جوايا بس غصب عني، مش قادر أكمل هناك لوحدي، تعودت على وجودك في حياتي..
هتفت والدته بهدوء: وان شاء الله تتعود على وجود ماجي وعيالها وندى في حياتك، العيلة سند حلو أوي، وأنت محتاجه في حياتك..

هتف بنبرة تحذيرية: بقولك إيه أتعود على ماجي وعيالها ماشي، بس دي أنا أصلا مش طايق نفسي وأنا قاعد هنا معها في مكان واحد، لولا أنك تعبتي وزن ماجي عليا أني اقعد، كنت مشيت من هنا أصلًا..
هتفت والدته بحزن: طب ليه يابني ده البت غلبانة وقلبها أبيض آوي وبتسامح أي حد، طب أنت شوفت بنتها دي البت الصغيرة بتحبك آوي..

حول بصره نحو الاتجاه الآخر خوفًا أن تفضحه عيناه ليقول: وأنا كمان بحب البنت الصغيرة جِدًّا بس بحبها علشان بنت مالك بس...

وضعت يديها على فمها تمنع خروج شهقاتها للعلن، انتقلت بسرعتها نحو غرفتها، دلفت وأطلقت العنان لنفسها، ظلت تبكي وتبكي فقط، إلى متى ستظل هكذا، بعدما كان يشعرها هذا المنزل بالراحة والأمان بدأت جدرانه تخنقها، بدأت تزهق روحها، انتفضت على فتح الباب، مسحت دموعها، ولكن رأها مالك فقال بقلق: إيه ده بتعيطي ليه!
وقفت امامة قائلة بنبرة مرتعشة: مفيش، أجبلك عشا..

احتضن وجهها بيده قائلًا: في إيه، بتعيطي ليه، حد ضايقك، هو مفيش غيره أنا نازل أتكلم معاه..
أوقفته قائلة برجاء: لو سمحت يا مالك مش عاوزه مشاكل، ولا عاوزه يكرهني أكتر من الأول.
هتف بنبرة غاضبة: ما يكرهك يا ندى، اعمله إيه يعني، أنا مش هاستحمل كل ما أدخل بيتي الاقيكي بالمنظر ده...
قاطعته برجاء أخر: لو سمحت اهدا، أنا هاكون كويسة..

زفر بحنق على خاله وما يفعله بحبيبته: طيب، بس توعديني أنك متعيطيش تاني ولا تتعبي نفسك كده.
‏لاحت بذهنها فكرة، ترددت كثيرًا عليها في الآونة الأخيرة، تشجعت وقالت: مالك نفسي اطلب منك طلب.
‏قبل ثغرها بحنان ليقول بنبرة هامسة: قولي اللي نفسك فيه.

‏ عاوزه نروح شقتنا نقعد فيها، أنا وأنت وندى، طول ما هو هنا مش هايبطل يجرحني، عاوزه أبعد علشان أقدر أكمل حياتي، نظراته ليا بترجعني لحاجات أنا بحاول أنساها، عارفة أنك مش حابب تبعد عن مامتك وأخواتك، بس..

صمتت ولم تجد حديث يعبر عن ما بداخلها، عم الصمت المكان فرفعت بصرها ترمقه برجاء، اغلق عينيه بحزن ليس من طلبها ولكن لما وصلت له حبيبته تبدلت كانت كالوردة التي تزدهر في أوانها، ولكن تلك العاصفة المفاجئة اقتلعت روحها وجعلتها تذبل رويدًااا، فتح عيناه وهو يجذبها نحوه قائلًا بحنان: اعملي في حسابك هانروح شقتنا، أنا مش قلقان على أمي معها عمرو وليلة وجدتي وهي هاتفهم موقفي، المهم انتي عندي ترجعي ندى اللي الضحكة مبتفارقش وشك.

( بااااك )..

عادت من شرودها مبتسمة برضا وهي تتأمل ذاتها، منذ أن استقرت هنا بدأت في لملمة شتات نفسها التي بعثرتها أشياء كثيرة، ولكن عشق مالك جعلها عادت كالوردة التي تخطف أنظارك من الوهلة الاولى لجمالها ورونقها، جميل أن تبني كيانًا وحدك، وتضع أساسه فتشعر بالنصر عندما ترى ملامحه بدأت في الظهور، ذلك المنزل هو كيانها وستحافظ علية بكل قوتها، خرجت تنهيدة بسيطة من صدرها تنم عن راحتها وشعورها بالرضا الذي بدأ يملؤها، انتبهت لصوت باب الشقة نهضت بسرعة وهي تبعثر خصلات شعرها حول وجهها لتبدو بمظهر مغري ويدها الأخرى تنهدم ثيابها، استمعت لصوت حذائه الذي كان يطرق بالأرض بخفة، فازدادت ضربات قلبها، وحدها تلك الابتسامة تعرف طريقها ترتسم ببراعة فوق ثغرها، فتعطيها هالة وجمال فوق جمالها البريء، تلك اللمعة احتلت عيناها مجددًا عندما وقع بصرها عليه يقف بهيئته التي مازالت تأسرها وتجعلها في حالة من العشق لا تنتهي، همسة باسمه خرجت من شفتاها كالترنيمة لتعبر عن اشتياقها مع نطقها لكل حرف في اسمه في عشق وحب كبير، اسمه الذي حفر بقلبها واستطاع هو حفره بكل براعة، فأصبح قلبها المسكين ملكًا لمالك واحد فقط، الا وهو مالك الحبيب والزوج والصديق وكل شيء، شعور جميل أن يستطيع الرجل أن يلخص معنى السعادة لدى زوجته فيه هو، هو فقط وليس أحد غيره، كلما التفت تراه، كلما تغمض عيناها تراه، لا يهتم قلبها أو عقلها إلا به هو، هو العائلة والسند، هو الحب والمودة، هو كل شيء...

استفاقت من حالة الحب والهيام التي غرقت بها على لمسة يده لها وصوته الأجش الذي مازال يأسرها وكأنها لأول مرة تسمع: وحشتيني آوي..
خرجت نبرتها ضعيفة وهي تتأمل ملامح وجهه بهدوء: وأنت كمان يا مالك..
مد يده نحو شعرها يمسد عليه كعادته وابتسامته تتسع، ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامته قائلًا بصدمة: إيه ده!
تراجع خطوة واحدة للخلف واحتقن وجهه من فعلتها تلك، فازدادت نبرته قوة ليقول: بقول إيه ده!.

قصيت شعري، أنت زعلان كده ليه!
رفع أحد حاجبيه قائلًا بنبرة تهكمية: زعلان كده ليه؟!، أنتي بتستعبطي يا ندى أزاي تعملي كده، أزاي متسألنيش الأول..
قطبت ما بين حاجبيها لتقول باستهجان: أسألك الأول!، ليه بقى ده شعري وأنا حرة فيه، إيه اللي أنت بتقوله ده.

ارتفعت نبرة صوته فقال بعصبية: بقول إيه وزفت إيه، ما أنا بتهبب بقولك أنا بحب شعرك وبحبه طويل كده، ليه تعملي حاجة زي دي، انتي عارفة ده معناه إيه، معناه أنك مش مهتمة بكلامي، ولا مهتمة أصلًا بحب فيكي إيه و إيه اللي مبحبوش، متشكر..
ألقى أشيائه بعصبية على الأريكة فانتفضت الصغيرة والصغير، ارتفع بكاء أنس تدريجِيًّا، فعقد مالك حاجبيه قائلًا وهو يشير على الصغير: مين جاب أنس هنا..

تجاهلت حديثة ومنعت دموعها من الهبوط بأعجوبة، التفت بكبرياء أنثى قد جرحت كرامتها توا، ذهبت بخطوات مسرعة نحو غرفتهم، أغلقت الباب خلفها بقوة، جذبت ثياب أخرى ودلفت للمرحاض تُبدل ثيابها وهي تبكي بصمت، انتهت من ذلك اتجهت صوب الصنبور فتحته وألقت بالماء فوق صفحات وجهها، مسحت زينتها بالكامل، ثم عكصت شعرها وخرجت وكأن شيئا لم يكن وجدته يقف بمنتصف الغرفة يخلع سترته بضيق بالغ، تقابلت أعينهم للحظات، قاطعها مالك عندما ابتعد بنظراته نحو الاتجاه الآخر، خرج صوت ساخرًا منها ورمقته بغضب ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها بقوة مرة أخرى، ارتفع صوته ليقول بنبرة حادة: ندى متتكررش تاني حركه الباب دي..

ألقى بسترته بعنف ثم اتجه للمرحاض حتى يأخذ حمامًا ساخنًا ويخلد للنوم قليلًا قبل مجيء عائلته مقررًا خصامها حتى تعترف بأخطائها...

حرك المقبض بعصبية قائلًا: يابنتي الله يهديكي افتحي الزفت ده.
هتفت بعند قائلة: لا يا فارس، اطلع جيب ابني من فوق الاول.
زفر بحنق ليقول: انتي هبلة محسساني ان انا راميه في الشارع، ده في بيت خاله.
تحركت خلف الباب قائلة بعتاب: انت قلبك حجر ده المفروض تاخدني انا وابنك في حضنك لما جيت من السفر، ده انت غايب عننا بقالك شهر.

شدد على خصلات شعره القصيرة من غبائها فقال بنفاذ صبر: طيب افتحي واخد امه الاول في حضني، حضني ميسعش الا واحد بس، انتي وبعدين ابن الزنانة ده.
نهرته بضيق قائلة: متشتمنيش انا مش زنانة، انا طول عمري طفلة هادية ومحدش بيسعملي صوت.
هتف ساخرًا: على يدي، انتي هاتقوليلي، افتحي يلا.
هتفت بتحدِ: جيب أنس الاول...
صمت لبرهة ليقول باستسلام: طيب هاطلع ولما اجيبه متكلمنيش خالص.

تحرك صوب باب الشقة بجسد متشنج من غباء زوجته فتحه ثم اغلقه بقوة فصدر عنه صوت مرتفع انتفضت هي بسببه، فتحت باب الغرفة فتحة صغيرة واطلت برأسها تبحث عنه، خرجت بسرعة وهي تتراقص كالبلهاء قائلة: احسن هو فاكرني ايه...
ارتفعت ضحكاتها لانتصارها عليه، ولكن لم تدم سعادتها طويلًا بسبب صوته الذي ظهر في ارجاء المكان، اتسعت عيناها بصدمة والتفت لمصدر الصوت...
فاكرك مراتي اللي وحشتني والبعيدة مبتفهمش.

جزت فوق أسنانها بضيق بعدما استفاقت من صدمتها لتقول: يا كداااب...
ركضت بأقصى سرعتها نحو الغرفة، فسبقها هو وجذبها بكل قوته، اصطدمت بصدره العريض، تلوت كالغزال بين يده، رافضة الخنوع له، ولكن ذلك الصياد الماهر لن يقبل الا بالتهام فريسته، وخاصة ان اشتاق قلبه لها، ومجددًا اندلعت نيران عشقه بصدره، يريد اطفائها بقبلة واحدة من شفتاها، ظلت تتلوى هكذا دون جدوى، حتى اشتد بقبضته عليها فهمس بأذنها: وحشتيني...

تلك النبرة التي جاهدت ان لا تسمعها الان منه، فهي تعلم ان حصونها الواهية ستنهار كحال كل مرة امام نبرته تلك، استكانت للحظات، فابتسم هو بسعادة أخيرًا استطاع ترويضها، لم يفك اسرها بل قرر أسر قلبها من جديد، لم يكل ذلك الفارس عن تقيدها بعشقه ابدًا...
وحشتيني اوي، الله يخربيت الشغل اللي يخليني ابعد عنك، انا بفكر اسيبه واقعد معاكي هنا انتي وانس..

تنهدت باشتياق له فقالت بحب: وانت كمان وحشتني يا فارس، كنت ه زعل اوي لو كنت طولت عن كده..

أدارها نحوه فتقابلت نظراتهم في حديث طويل، حديث لم يعرف مذاقه الا العاشقين، حديث حتمًا ستكون نهايته قبلات عديدة لا مثيل لها، ليس من الضروري ان نعرف مصدر تلك القبلات منه هو او هي، ولكن الاهم ان العاشقين استسلموا لتلك الهالة وغرقوا بها بمحض ارادتهم متناسين اي شيء قد يقطع حلاوة صفوتهم حتى وان كان ذلك أنس الباكي دومًا...

تحرك في الفراش بغضب، حتى تلك الراحة التي يصرخ جسده للحصول عليها، صراخ وبكاء أنس ابن أخته يفسدها عليه، وضع الوسادة فوق رأسه، وسادتين!، لا فائدة انتفض بغضب وخرج من الغرفة باحثًا عنه فقال: ندى...
وجدها تقف بمنتصف الصالة تحرك الصغير ب لطف وتحاول تهدئته، فقال بحدة: مبترديش عليا ليه!
رمقته بضيق وأعطته ظهرها قائلة: مخاصمك.
رفع أحد حاجبيه ليقول بسخرية: والله!

هزت كتفيها بلامبالاة لحديثه، تحرك نحوها ووقف أمامها ثم جذب الصغير منها قائلًا: هاتي أوديه لامه، هو بيعيط عاوزها.
هتفت برفض: لا سيبه هي عندها صداع وتعبانة منه، أنا هاريحها شوية.
هتف بحدة: الواد بيقطع نفسه من العياط عاوز أمه.
زفرت بخفة حتى لا تستمع الصغيرة لحديثهم وجذبته من مرفقه جانبًا تحت نظراته المعترضة فقالت بهمس: فارس جابه وعاوزه يلعب مع ندى شوية، وهو كان مسافر بقاله شهر، سيبه يقعد معانا..

هتف بتهكم: وأنا قلقاسة، يعني أنا اللي مكنتش متنيل وغايب شهر بردوا..
هتفت بتعال: احنا متخاصمين...
ضغط على شفتيه السفلى بغيظ وهو ينظر لها، رمقته بعتاب، تجاهل نظراتها وجذب الصغير منها ليقول باستفزاز: معلش بقى أنا خال جاحد، يالا يا حبيبي على أبوك اللي معندوش ريحة الدم..
اتجه صوب باب الشقة فاعترضته الصغيرة وندى، توقف والتفت نحوهم قائلًا بحدة وصوت قوي: الله، اللي أقوله يتنفذ..

غادر الشقة، فبكت ندى وابنتها من غضبة الغير مبرر..
أما هو فهبط بسرعة الدرج ثم وصل أمام شقة صديقة وطرق الباب بعنف، انتفض فارس ويارا على أثره، جمع ثيابه بقلق وارتدى بسرعة أما هي فابتلعت ريقها بخوف قائلة: دي خبطه بوليس..
هتف بتهكم وهو يرتدي سترته: أكيد بوليس الآداب...
اتجه بسرعة نحو باب الشقة يفتحه بعجالة، وجد مالك يقف وملامح وجهه تحتد أكثر ف أكثر...
إيه ده يا مالك، إيه خبطه المخبرين دي ياعم..

رمقه مالك بسخرية من رأسه إلى أخمص قدميه ليقول: ابنك خده ومطلعوش عندي تاني يا بارد...
التقطه فارس منه وهو يربت على ظهر الصغير قائلًا: معش يا روحي، خالك عملك إيه، خالك المفتري..
انهى حديثة وهو ينظر لصديقة شزرًا عن فعلته تلك، هتف مالك بتهكم: كهربته من رجليه...
ضيق فارس عينيه ليقول: أنت خال أنت، ده حتى بيقولوا الخال والد..
ابتسم مالك بسماجة قائلًا: أكيد مش والد لابن الزنان ده..

إيه ده مالك تعال أتفضل معلش كنت مشغولة في المطبخ مسمعتش صوتك، وحشني آوي.
رفع فارس أحد حاجبيه عندما وجدها تقف بإسدال الصلاة وتمسك بيدها ملاعق المطبخ الكبيرة، هدأت نبرة مالك من حدتها فقال: عادي يا حبيبتي، الله يكون في عونك، شوفي أنس بقي بيعيط كتير..
جذبته من فارس وهي ترمقه بضيق بسبب إحراجها أمام أخيها، ودلفت للداخل، أما فارس فالتفت قائلًا: تدخل تاكل معانا، ولا تتفضل وتطلع فوق.

تحرك مالك نحو المصعد وفتح بابه قَائِلاً: لا هاطلع وأنت أبقى أعدل تيشترك، لابسه بالمقلوب..
نظر فارس لنفسه بصدمة، استفاق على صوت يارا الذي ظهر فور صعود المصعد...
ربنا يسامحك يا فارس فضحتني قدام اخويااا..
التفت لها وهو يغلق باب الشقة: دلوقتي فضحتني ومن دقيقة جوا بحبك يا فارس، ستات نكارة الرومانسية، وبعدين يا أزكي أخواتك طالعة والمعلقة نضيفة وبتبرق، طب حطي عليها أي حاجة..

دبدبت في الأرض بقدامها اعتراضًا على سخريته منها، فقالت بغيظ: متتريقش عليا لو سمحت.
حرك يده بلامبالاة واتجه صوب غرفته بضيق بالغ من صديقه وابنه وزوجته البلهاء..

‏دلف لشقته يبحث عنهم، استمع لصوت بكائهم في غرفة الصغيرة فوقف ليقول بتهكم: الاتنين بيعيطوا والمفروض إن أنا أصالحهم.
‏دلف الغرفة وجدهم يجلسون يعانقون بعضهم، وكأنهم يواسوا بعضهم في عزاء مثلًا، اتجه نحوهم وجذب الصغيرة لأحضانه مقبلًا إياها: زعلانه من دادي ليه..
‏ارتعش صوتها قائلة: أنت زعقتي آوي...
‏ زعقتي!، مش عيب لما أبقى بابا، وراجل وظابط ويتقلي زعقتي دي، يابنتي اسمها زعقت..

‏ظهرت شهقاتها المتتالية، فرق قلبه لها: متزعليش مني، أنا كنت عاوز انزله علشان هو عاوز مامته، والعب معاكي أنا وأنتي براحتنااا.
‏مسحت دموعها برقه قائلة: خلاص أنا حلوة أهو.
‏طبع قبلة فوق جبينها قائلًا: أنتي قمر على طول..

‏نهض من مكانه وهو يحمل الصغيرة وغادر الغرفة تحت نظرات ندى المصدومة لم يعير انتباه حتى لبكائها لهذه الدرجة هانت عليه، انفطر قلبها لمعاملته تلك، لأول مرة يقسى مالك عليها، هل شعرها أغلى منها هي شخصِيًّا لم تجد له أي مبرر على انفعالاته تلك، غادر الحزن ملامحها وزار الغضب قسمات وجهها، قررت معاقبته، نظرت للباب بحقد وهي تردد بداخلها تتجاهلني وكأنك تريد معاقبتي، إذن لم تجرب مرارة عقاب الأنثى وخاصة عندما تتجاهل رفيقهااا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة