قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني والعشرون

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني والعشرون

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني والعشرون

هناك لحظة معينة ستمر بحياة كل شخص فينا. لحظة ستكون فيها مجبراً أن تختار شيء من بين ثمينين، وحياة ستخسر فيها شيء كان عزيزاً على قلبك لتحافظ على عزيز اخر. هذه هي القرارات الصعبة التي نسمع غالباً عنها!
وقف يحدق بعينا مازن بجمود بعد سؤاله الاخير له. هناك انكسار خلف تلك النظرات المقتضبة التي يحدق بها بوجهه بينما ينتظر إجابته. شيء من الترجي قابع خلف ملامحه أن لا يكون ما يتوقعه صحيح.

حدق بذات نظراته الباردة نحو ليلى التي تغط بعالم اخر. يا ترى أي حلم يترآى لها الان؟ وهل يضمه هو أم مازن؟ يتمنى لو يتجاهل مازن الان ويذهب باتجاهها ليضمها بين يديه بقوة الى أن تستيقظ ويكون هو بجوارها والأحق بها من غيره. ولكنه أضعف من أن يفعل ذلك بمازن!
نظر اليه من جديد وقال بهدوء كي لا يشعر بتوتره من هذا السؤال:
- لم تكن ليلى في شقتي. بل أنا من ذهبت اليهم!

قطب مازن حاجبيه بتساؤل وكأنه يطلب التفسير فأكمل يزن بذات هدوئه:
- ذهبت اليهم كي أبلغهم بأمر خطوبتي وأدعوهم على الحفلة. لا يجوز أن أتركك أنت تبلغهم. نحن جيران منذ سنين لذلك كان من المفترض أن أذهب اليهم بنفسي. وحن وصلت وجدت ليلى هناك عند باب دارهم كانت على وشك الخروج. ما أن ألقيت التحية عليها وكدت أن أسال عن والديها حتى سقطت فاقدة لوعيها فأحضرتها الى هنا.

فرد مازن، ورغم هدوئه، ولكن لاحظ يزن بعض التهكم يكتنف نبرته:
- كلفت نفسك القدوم على هنا تحملها ولم تكلف نفسك أن تطرق الباب لتخبرهم؟
- لا، لم أفعل ذلك. كنت أشعر بالارتباك لا سيما أن الفتاة كانت عاجزة عن التنفس. ماذا كان سيفعل أبويها غير نقلها للمستشفى؟ لذلك أمر أخبارهم كان سيأخذ وقت وسيؤخرنا أكثر وربما نفقدها. لذلك أحضرتها وأجلت أمر أخبارهم!

لم تتغير ملامح مازن المقتضبة ولم يقنعه هذا الحديث. تقدم اليه حتى أصبح على مقربة منه وهمس له بغضب: - هل يا ترى اقتنعت أنا بكلامك الان؟ لا. لم أفعل!
ثم زفر بضيق وأكمل: -ولكني سأجبر نفسي أن أصدق لأن الظروف التي نحن فيها لا تسمح لي أن أعاقب نفسي على سذاجتي وطيبتي حين كنت أصدق كل ما يُقال لي.

كاد أن يرد يزن بشيء ولكن مازن قاطعه وهو يرفع أصبعه أمام وجهه وهو يقول بتهديد: - هناك جزء صغير جداً بداخلي يا يزن يصدق هذه السخافة التي تقولها. ولكن حين اتأكد ويمحى هذا الجزء فسأجعلك تندم أقسم لك ولن تكون صديقي ولن أعرفك.
ثم نظر نحو ليلى وعاد لينظر مجدداً نحو يزن المكتفي بالصمت وقال: - أبقى معها لحين تستيقظ.

ثم تحركت قدماه يريد الخروج من الغرفة ولكنه وقف مجدداً بجانبه يحدق به بينما يزن يحدق أمامه وأكمل بشيء من السخرية المدثرة بألم: - كي تخبرها بما أخبرتني به. لا أريدها أن تقول قصة مختلفة وتجعلني أقلب الدنيا رأساً على عقب. على الأقل ليس وهي بحالة كهذه!

نظر اليه يزن بغضب وقال بأمتعاض: - سأتغاضى عن كل هذه التراهات التي تهذي بها فقط لأني أقدر الوضع المزري الذي أنت فيه الان، ولكن أقسم أن لم تغلق فمك يا مازن فأنا من سأقلب الدنيا رأساً على عقب الان!
حدق به مازن وقلبه يعتصر بأسى. يتمنى حقاً أن يصدق أن لا شيء يربط هذين الاثنين. ولكنه عاشق ويعرف جيداً كيف يكون العشاق وكيف يكون جنونهم ببعض والمفضوح حتى من نظراتهم ورد فعلهم!

اكتفى بالصمت وخرج من الغرفة ففتحت ليلى عيناها في الحال واستندت بيداها بضعف لتنهض فركض اليها يزن بلهفة يحاول أسنادها. ولكن قبل أن يلمسها دفعت يده كالملسوعة ونظرت له بغضب ونفور وهي تقول بانفاسها المجهدة:
- أياك أن تلمسني. أياك!
بقي ينظر لها بانكسار ودموعه تجتمع داخل مقلتيه بينما هي دموعها تساقطت في الحال. أبعدت جهاز الاستنشاق عن وجهها فحاول أن يعترض وهو يقول:
- ليلى هذا.
فقاطعته فوراً وهي تصرخ به:.

- لا شأن لك. حتى وأن مت فلا شأن لك!
أغمضت عيناها للحظات وهي تحاول استنشاق انفاسها المخنوقة ثم نظرت اليه مجدداً بذات عصبيتها وقالت:
- لقد سمعت السيناريو الذي ألفته من أجل مازن. لذا يمكنك الخروج الان. فقد حفظت دوري وأعرف الذي سأقوله له. يمكنك أن.

وقطعت عباراتها فوراً بارتباك وهي تشاهده يبكي بصمت ويتهاوى جالساً على السرير بجانبها ليسحبها بين يديه ويضمها بقوة ليرتفع صوت بكائه ويزيد من ضغط يديه حولها وهو يتمتم متأسفاً مرة ومرتين وخمسة!
أغمضت عيناها الباكية بألم واسترخى جسدها بين يديه ولكن دون أن ترفع يديها لتضمه اليها وقالت بوجع:.

- آسف؟ على ماذا؟ على عدد المرات التي بعتني؟ على عدد المرات التي فضّلت الجميع علي؟ على تركك لي؟ على مغادرة البلد لسنة؟ آسف لجعلي أبدو كالغبية أتمسك بحبك كلما نفيتني بعيداً عنك؟ اسف على ماذا يا يزن؟ كلمة من ثلاث حروف أي شيء ستخمده بداخلي وأي جرح ستقطبه وأي ألم ستنسيني؟ ألم فراقك؟ أم ارتباطك بغيري؟ أم حياتي التي لم يعد بها أي معنى؟!
نظر اليها وقال بحسرة:.

- أنا مت يا ليلى في الوقت الذي كنت أحاول فيه قتلكِ!
أكمل بينما يطلق أنفاسه المرتجفة بغصة:
- لم أحبها في يوم يا ليلى. أقسم لكِ إني لم افعل! غايتي كانت كلها هو فقط لجعلكِ تغارين من وجودها كي أشعركِ بما أشعر به حين آراك مع مازن. كانت أنانية عاشق فحسب.
تبسمت بسخرية وقالت:.

- ولِما لا تستمر بهذا؟ لِما تعترف لي الان؟ هل شعرت بتأنيب الضمير على فجأة؟ أجل بالتأكيد ستشعر بتأنيب الضمير على الفتاة الشابة المصابة بالسرط.
قطع حروفها فوراً وهو يضع يده بقوة على فمها ويقول بفزع كالمجنون:
- لستِ مصابة به. ستكونين بخير، لن يحصل لكِ شيء. هل فهمتِ؟!
أحاط وجهها بكلتا يديه وهزها بخوف وهو يكمل:
- لن يحصل لكِ شيء. صحتكِ جيدة وستكونين بخير، هل سمعتني؟ قولي لي إني محق!

بكت على منظره ورفعت يديها بضعف لتتلمس بحب ذقنه الملتحي واستقرت بجبينها فوق جبينه وتلامس أنفها من أنفه لتختلط أنفاسهما معاً وهي تقول ببكاء:
- أيها المجنون الأحمق! ما الذي فعلته بي أيها الغبي؟!
ضمها بقوة اليه مرة اخرى واستقر أنفه بين عنقها وشعرها ليستنشق رائحتها وهو يقول:
- أنا اسف. أعلم أنها لا تقارن بأي شيء. ولكني أسف حقاً يا ليلى!

وضعت أنفها وفمها على كتفه وبكت بصمت لعدة لحظات تحاول أفراغ كل ما يعتمر بدخلها قبل أن تعاود الرجوع لوحدتها وعالمها الأسود، سحبت نفسها من بين يديه وقالت له برجاء من وسط دموعها:.

- أخرج يا يزن. أخرج أتوسل أليك! أن كنت سأموت أو أعيش فبكلتا الحالتين لا أريد قضاء ما تبقى لي معك. لقد عذبتني بما فيه الكفاية ودمرتني أكثر مما دمرني جدي حتى. كنت أنت والأقدار ضدي فلم يعد عندي مكان أهرب أليه حين تضيق بي الحياة. لذلك لا تتمسك بي الان بعد أن تهاويت الى القاع. فقد ارتطمت بالأرض وانتهى. مما أخاف أكثر؟ لذلك أرحل أرجوك!
- ليلى.

- يزن أرجوك، أن كان لا يزال هنالك القليل من الحب بداخلك اتجاهي فاتركني أتوسل اليك!
أغمض عيناه بألم من عبارتها ومنحها قبلة دافئة فوق جبينها وهو يهمس لها:
- الكثير يا ليلى وليس القليل!
وقعت دمعته ولكنه مع ذلك تركها وخرج فوراً دام هذه هي رغبتها، أحياناً مهما بلغ حبنا لأحدهم ولكننا نتركه. فما فائدة وجود لا شيء معه سوى دموع وأذى؟

كانت روان تقف عند استشارة قسم الطوارئ توقع بعض الاوراق حين لمحت مازن يتخطاها ليخرج نحو الحديقة الجانبية للمستشفى. منحها نظرة خاطفة تحمل كل امتعاضه وغضبه فأدركت أن هناك ما يعتمر بداخله يريد قوله...
ترددت للحظات وزفرت أنفاسها لتتماسك ثم تركت القلم من يدها وخرجت تتبعه.
كان يقف في نهاية الحديقة يقطعها ذهاباً واياباً كالملسوع من كل مكان وسيزيده الوقوف الماً فقط!

ما أن وقفت خلفه على مقربة منه وشعر بوجودها حتى التفت اليها بعيون محمرة وأنفاس قوية ورفع أصبعه مهدداً وهو يقول:
- سأسألك وأياكِ أن تكذبي علي. وإلا بحق كل الحب الذي أحببته لكِ والذي لم أملك أغلى منه سأمحيكِ من عالمي يا روان ولن تعودي لا صديقة ولا حبيبة ولا حتى زميلة!
اومأت موافقة بضعف وقلة حيلة وهي تدرك من أين سيبدأ نقاشهما وأين سينتهي!
- منذ متى كنتِ تعرفين بمرضها؟!
أجابت بنبرة كانت تبدو مرهقة:.

- منذ اليوم الذي ذهبنا الى شقة يزن لنساعده.
- ولِما لم تقولي شيء؟!
- لقد رفضت ليلى أن أبوح به لأي أحد.
سألها مشككاً بسخرية:
- وأنتِ طاوعتها ببساطة؟!
- لم أكن أستطيع معارضة رغبتها. هي ليست طفلة!
- لم تستطيعي المعارضة أم كان الوضع لصالحكِ؟!
قطبت حاجبيها بعدم فهم فأكمل هو بعصبية:
- وجدتها فرصة ذهبية أليس كذلك؟ لا تقنعيني أنها لم تخبركِ بأمر قرارها بانفصالها عني لأرتبط بكِ مجدداً؟!

- نعم أخبرتني ولكن ما ربط هذا بمرضها؟!
ضحك بشدة رغم كل الألم المرتسم على وجهه ثم هتف بها بجنون يكاد يفترسها بين أسنانه:
- يا للبراءة! ما الربط؟ لا تعرفين ما الربط حضرة الطبيبة؟ حين توافقين فتاة مصابة بالسرطان أن تتخلى عن خطيبها - بل وتشجعيها - فقط لترضي أنانيتكِ ويعود لكِ مجدداً وتقولين لي ما الربط؟!
فهتفت فوراً باستنكار:
- ماذا؟ ما هذه السخافة؟ كنت ادرك قرار انفصالها قبل أن.

فقاطعها فوراً بذات نبرته الغاضبة دون أن يستمع لها:
- منذ متى وأنتِ حقيرة بهذا الشكل؟!
هنا توقف كل شيء بالنسبة لها وانقطعت حروفها وكأنها صُدمت معها. كانت ملامحها لا تزال مجعدة باستهجان ولم تتغير حتى بعد صمتها.

للأنثى قلب من زجاج. حين تحبك فستحبك بكل هذا النقاء الموجود في العالم. ولكن حين تكسرها فستجرحك بكل تلك الشظايا التي هشمتها بها. ستكرهك فجأة وكأنك لم تكن في يوم الأحب إليها، في قلوب النساء لا مجال للمساواة. أما أن تحبك أو تكرهك. لا يوجد مساحة عدم الشعور اتجاهك أن كنت تعني لها في يوماً ما كل شيء!

مر شريط السنين الاخيرة أمامها في لحظات. خطرت على بالها كل الكلمات الجارحة التي قالها بحقها وكل التصرفات عديمة الاحساس معها فقط لأنه متأكد أنها - وبكل سذاجة - لن تتخلى عن حبه وستبقى مخلصة له مهما أخطأ معها!
لم ترفع نبرة صوتها ولم تبكي في لحظتها بل تقدمت اليه وقالت بنبرة غاضبة وحادة ولكن هادئة:
- كيف تجرؤ؟!
ضحك ساخراً وقال:
- أنا الذي.
وقطعت له هي حروفه هذه المرة وهي تصرخ بوجهه بعنف:.

- من تظن نفسك يا مازن لتحدثني بهذه الطريقة؟!
ثم قالت بينما تتقدم خطوة اخرى ناحيته وترسم علامات الامتعاض والاستهجان على وجهها:
- أنت لم تعد تعني لي أي شيء. هل فهمت؟ ولا شيء! لِما قد تظن ولو للحظة إني سأستغل فتاة مصابة بالسرطان لأصل أليك؟ من تظن نفسك لتهب ذاتك هذه الأهمية؟
فقال بعصبية مماثلة:
- هل تنكرين إنكِ لا تعرفين بأمر تخطيطها؟!
- لا. هل تنكر أنت؟!
- لا ولكني لم أكن أعرف بمرضها!
- هل كان سيفرق؟!

- بالطبع!
تبسمت بسخرية وهي تقول:
- إذاً كنت ستبقى بجانبها فقط لأنك مشفق على حالها. بينما لو لم تكن مريضة ما كنت ستبالي بأمرها وكان سيسعدك العودة إلى وتركها.
ثم ضيقت عيناها بتساؤل بينما تقول:
- من منا الحقير بالضبط يا مازن؟
كاد أن يتحدث بذات عصبيته فقاطعته فوراً بنفور:.

- هذا يكفي! الى هنا وانتهى كل شيء بيننا يا مازن. لم أعد أمتلك أي طاقة لأتحملك في حياتي بعد الان. بقيت طوال الفترة الماضية أتحمل كل شيء يصدر منك بسبب خطأ واحد فقط اقترفته بحقك وهو ارتباطي بأياد والذي اخذت نصيبي من العقاب على هذا القرار سواء منك أو منه. كل هذا وبقيت طوال الوقت مخلصة لك وخاضعة وأتقبل كل ما تفعله بي وتقوله لي وأبتلعه على مضض رغم كل الجروح التي يسببها لي، فقط لأني أحبك.

ثم قالت فوراً بابتسامة ساخرة:
- عفواً. كنت أحبك!
ثم أكملت مع دمعة واحدة قررت أن تسقط من بين جفنيها المحلمة بالعشرات منها:
- ولكن الى هذا الحد ويكفي! لست مضطرة أن أتحمل كلماتك ودعسك على فقط لأنك متأكد إني لن أنهض لأسقطك وسأبقى طوال حياتي متشبثة بك وأتواجد بانتظارك حيث تركتني آخر مرة، ليس بعد الان!
لحظات صمتت فيها لتغتنم دموعها الفرصة لتتساقط فأكملت بنبرة مرتجفة:.

- أنا لم أعد أحبك بعد الان. لذلك ارحل بعيداَ عني، نعم بدأت أقتنع بالكلام الذي قلته لليلى حين أخبرتها أن لمرضها سبب، لربما كان سبب لجعلي أدرك في أي غباء ووهم أعيش أنا. مرضها منعني من أن أعود أليك لأقضي باقي حياتي معك، أدركت لتوي إني أستحق الأفضل منك بكثير!
جففت دموعها بأكمام مئزرها الطبي تحت نظراته المنكسرة بسرية تحت قناع جليدي خالي من التعابير وقالت بابتسامة مريرة وصوت مجهد:.

- ولكن أتعلم شيء يا مازن؟ لن تجد في يوم من تحبك كما فعلت أنا. حينها فقط ستدرك أنك لم تخسرني حين ارتبط بأياد. بل خسرتني من قبل ذلك بكثير بسبب سوء ظنك بي دائماً!.

استدارت تريد الرحيل عنه ولكنها وتوقفت لثواني وكادت أن تخبره. أن تقول له أن ليلى كانت تنوي التخلي عنه من قبل معرفتها بمرضها وأنها تنازلت عنه مسبقاً ما أن تتخرج وهي كانت تنتظر اللحظة التي ترميه ليلى بعيداً عن حياتها لتضمه بين ذراعيها، مهما اساء بحقها ستبقى تحبه وتجبر ما ستكسره ليلى به. ولكنها لم تفعل واكملت طريقها في الرحيل!

لا تعرف لما لم تفعل ذلك. هل لأنه يعز عليها أن تجرحه الان حين تبين له قساوة اتهامه بحقها؟ أم لأنها أدركت أنه سيعرف في يوم ما لذلك أرادت أن يجرحه الأمر أكثر كلما طال الوقت وهو يرسم صورة خاطئة في عقله عنها؟.
أحياناً تفكير المرأة لا تفهمه حتى هي بحد ذاتها. أنها تتصرف بالفطرة فتخرج القرارات مُحكمة من غير تخطيط!

دخل وشيء من التشوش يسيطر عليه. نعم هو كان غاضباً منها ومن نفسه ومن كل ما حوله. نعم أراد أن يفرغ كل غضبه بها عمّا فعلته. ولكنه لم يظن أن الأمور ستأخذ هذا المنحنى. لطالما افترقا لمرة ومرتين وثلاث. ولكن في كل مرة كان يشعر أن هناك شيء ما يربطهما وأنهما سيعودان لبعضهما في يوم ما وأنها لا تزال ملكه. ولكن فجأة هذا الشعور انقطع الان بينه وبينها وأدرك أن هذه هي النهاية. لا عودة الان بعد كل ما تفوه به بحقها وبعد ما اتخذته هي من قرارات بحقه. هو يعرفها جيداً. ستتخذ القرار مرتين لا أكثر. وحين يحين موعد اتخاذ القرار للمرة الثالثة فلن تتراجع عنه ابداَ!

قادته قدماه نحو ليلى كعادته حين تتكسر بقايا قلبه من روان، كان يدرك في لحظتها أنه كان - ولا يزال - يستغل قرب ليلى ليضمد ما جرحته روان به. اخبرته ليلى بهذا ذات مرة ولكنه لم يصدقه حينها. أما الان فقد فعل!

دخل الى الغرفة فوجدها تجلس على سريرها تكفكف ما تبقى من دموعها. نظر لها بانكسار واستغاثة فبادلته النظرات ذاتها بصمت. تقدم منها وجلس حيث جلس يزن قبل قليل ورفع يده الى خده لتستقر هنا وهو يقول لها بلوم عطوف:
- لِما لم تخبريني؟!
تنهدت بضيق وقالت بتوسل:
- مازن لا تبدأ أرجوك!
- ليلى أنا خطيبك!
- تعرف جيداً لماذا لم أخبرك.
قطب حاجبيها بانزعاج وهو يقول:
- من أجل روان؟!

- كنت أدرك أنك تحبها ولكنك ستتركها أن أشفقت على إذا أدركت مرضي!
زفر بضيق وانزل يده من خدها وقال بملامح حادة:
- انتهى كل شيء معها على اية حال. ما فعلته هذه المرة فاق حده! وكأنها واحدة اخرى لا أعرفها!
قطبت حاجبيها بقلق وهي تسأله:
- ماذا تعني ب انتهى؟!
فرد بعصبية:
- أي انتهى يا ليلى انتهى! لا أريد من شيء اخر أن يربطني بها!
فقالت فوراَ بصوت مرتجف يوشك على البكاء مرة اخرى:.

- هذا لم يكن اتفاقك معي يا مازن. وعدتني أن تعودا لبعضكما وأنا سأبقى كصديقة فقط. هذا ليس وعدك لي!
بكت وأكملت بجزع:
- لقد وعدتني أن تصلح كل شيء معها. كانت هذه هي فرصتي الوحيدة والأخيرة لأفعل شيء سيذكر بعد رحيلي يا مازن. أنت لا يمكنك أن تدرك ما الذي هدمته أنت الان بي!
- ليلى.
فقاطعته زاجرة:
- لا مازن لا، لقد كسرت وعدك لي!
عانقها رغم رفضها ومحاولاتها الضعيفة في دفعه وقال بينما يلف يديه بقوة حولها:.

- دعيني أنا وأنتِ فقط. أتوسل أليكِ!
- ولكن.
- أرجوكِ!
اغمضت عيناها بألم ورضخت للوقت الحالي على مضض لقراره، فلم تعد تملك الطاقة الكافية لخوض المناقشات فلقد انهكت قواها بما فيه الكفاية هذا اليوم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة