قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن

- قبل اسابيع -
وقفت ليلى امام المرآة تحدق في وجهها وتتخيل نفسها في كفن ابيض وبوجه شاحب رغم ان وجهها مزين بمساحيق تجميل زادت من جمالها وارتدت فستان كأنه كان مصنوع خصيصاً لها. لم تكن اي بهجة في قلبها كتلك البهجة التي تملأ قلوب الفتيات في يوم كهذا او حتى البهجة التي تخيلت نفسها بها في يوم كهذا، لوكان العريس يزن بالطبع!

اغمضت عينيها وسحبت كمية من الهواء اثلجت بها صدرها لتطفئ النار التي تدفعها للبكاء في كل لحظة من شدة ألمها. وايضاً لاتريد ان تسمع تذمر بنات عمها فهذه هي المرة الرابعة التي يقومون بإصلاح المكياج لها بسبب بكائها.
دخلت عليها هُيام الى الغرفة فوجدتها تحدق في المرآة كصنم حجري لاتطرف بعينها حتى. تنهدت بأسى واقتربت لتحيط كتف ليلى بيديها وضمتها اليها كمواساة تعلم انها غير مجدية بينما تقول:.

لابأس عزيزتي. كل شيء سيكون بخير.
عند هذه اللحظة لم ينفع الهواء ليثلج صدرها واجهشت ببكاء جديد وهي تردد من دون وعي:
يزن، هُيام يزن. عشر سنوات كأنهم لم يكونوا ابداً، اليوم اسرتي قد قتلتني بما تفعله. يا ليتني اخترته. ياليتني تركتهم.
مسحت هيام دموعها برفق وكأنها تخشى خدش وجهها الملتهب من ملوحة الدموع وهي تقول:.

كفِ عن البكاء ارجوكِ. الضيوف على وشك الحضور ولانريد من احد ان يرى عينيك المتورمتين. ارحمي نفسك ياعزيزتي، انتِ منذ اسبوع ولم تكفي لحظة عن البكاء. ماالذي ستفعله الدموع لكِ؟ ماحصل قد حصل ولايمكننا فعل شيء الان. وكما قالت لكِ العمة جيهان انها مجرد خطوبة وليس امر ابدي غير قابل للحل.

وان انهيت الخطوبة مع هذا الشاب ماالذي سيحصل؟ أسيزوجوني ليزن؟ ام سيقدموني أضحية لشخص اخر؟ اليوم او غداً او بعد سنة. في الحالات كلها لن اكون له يا هُيام.

احاطت وجهها بين كفيها وخاطبتها كما لوكانت تخاطب طفلة صعبة الاستيعاب: ومن يدري؟ من منا يعلم قدره؟ طوال عشر سنوات والشيء الوحيد الذي كنا متأكدين انه لابد انك ستتزوجين يزن. ثم صدمنا جميعنا بقرار جدي وما كنا واثقين منه كان محض حلم لم يتحقق. أرايت كيف دار بك القدر؟ لربما سيدور مرة اخرى ويحصل شيء نتوقعه جميعاً...

لم يواسيها كلام هيام إلا قليلاً جعلها تعزي نفسها بهذا الحديث لتكف عن بكائها المرير هذا الذي لم ينقطع لحظة منذ اسبوع كامل منذ ان اعلمها جدها بقراره وحضر مازن واسرته لرؤيتها. وبالطبع من قد لا يعجب بجمالها الهادئ. لذلك وافق بكل ثقة ومن دون تردد عليها. وبالطبع لم يكن لليلى حق الموافقة او الرفض فهذه اشياء بيد جدها وهو قد وافق مسبقاً. واليوم قد تحدد موعد حفلة خطوبتها. بل. قد تحدد موعد يوم اعدامها...

نزلت بفستانها المشرق الذي يخفي تحته روح مطفأة وجلست مع ذاك الذي تسمعهم ينادوه خطيبها وتقبلت تعازي المهنئين لها في يوم مقتلها هذا الذي لاتعلم لما الجميع سعداء به وينظرون اليها بأبتسامة كما لوكانت لوحة ثمينة رغم انها تشعر بمدى رخصها وهي سلعة بأيديهم يتحكمون بها كيفيما شاؤوا.

لم تكلف نفسها رسم ابتسامة على وجهها. بل لم يكن عقلها وكيانها موجود. عادت بها ذكرياتها الى عالمها الابيض مع يزن قبل عشر سنوات مبتعدة بروحها عن هذا العالم الاسود الذي تعيشه الان. ارتسمت صورته امامها. تخيلته بين الضيوف. تخيلت نظرات خيبة الامل في عينيه، ينظر اليها كخائنة لم تخلص له وارتبطت بغيره بعد سنة وهو يعلم لما فعلت ذلك. ولما ينظر اليها كخائنة وهي ترى نفسها كذلك من الاساس؟ فجأة تشتت خياله من امامها وانتفض جسدها بفزع واقشعر شعر بدنها وهي تشعر يداً باردة -رغم دفئها- تمسكها من يدها. كانت يد خطيبها ساعدتها على النهوض ليلتقطوا صوراً معاً، فهذه احدى واجبات الاعدام. عفواً اعني الخطوبة.

حل الليل ولم تصدق ليلى انها انهت حفلة المجاملة تلك التي لم تكلف نفسها ان تجامل احد فيها ورمت بنفسها على فراشها الوثير ولملمت جسدها اليها حتى الصقت ركبتيها بصدرها كوضع الجنين ثم شرعت ببكاء جديد بالكاد سيطرت عليه في الحفلة رغم سقوط بعض الدمعات من عينيها وفضحها امام مازن إلا ان هُيام تعذرت له فوراً ان هذا بسبب الكحل يسبب لها الحساسية وبالطبع هو لم يشك بشيء...

الجميع خلدو في تلك الليلة الى النوم يتحدثون عن روعة الحفلة وفخامتها دون ان ينتبه احد او يبالي بالحزن المرسوم عليها وبروحها المتغيبة. دون ان يبالوا بحالة الانهيار التي كانت تعيشها. كل ما كان يهمهم هي اجواء الحفلة المذهلة!
- الحاضر -.

حين نغار هذا لا يعني ابداً اننا لا نثق بالاخر او تراودنا الشكوك حول ما نحن عليه بالنسبة له. الغيرة شعور فطري يصعب السيطرة عليه ان كنت واقع بالغرام. حب التملك والانانية تكون بشعة كصفات، ولكن كم تكون رائعة في الحب. ان اتملكك، ان تصبح لي دون غيري، ان امنع اقتراب غيري انش واحد منك، تصرفات ستجدها طفولية وساذجة مني. ولكن حين ندمن ادق التفاصيل سنشعر بالتملك من دون إرادة. وبما انه شعور فطري غير قابل للسيطرة ارادت ليلى الشعور به مجدداً من يزن الذي يصر انها لم تعد تعني له شيء وانه لن يتدخل بها. والطريق الاكثر سهولة لترضي غرور انوثتها هو استفزاز ذلك العاشق الذي يكمن بداخله!

وقفت امام مرآتها تخط تقاسيم وجهها بكل ما منعها يزن من وضعه، لتتحول هذه الليلة سندريلا البريئة إلى ملكة الثلج الفاتنة التي ستجذب الانظار اليها. لا سيما نظراته هو!
احاطت عنقها الشفاف بعقد ماسي اضاف لمسة سحرية جذابة تتناسب مع لون فستانها المظلم!
لحظات من اكمال لمساتها الاخيرة حتى سمعت صوت مازن في الصالة يتحدث مع والدتها. سحبت حقيبتها اليدوية وخرجت لتقابله.

قطع حديثه مع جيهان فور ان برزت من باب غرفتها كشمس ادفئت له يومه بعد ليلة ممطرة وباردة. بعد سنين من انقباض صدره بحسرة يشاهد حبه مع غيره، قد بدأت واخيراً سيدة جديدة بقرع ابوابه برفق. لم تكن تفعل الكثير لتجذب انتباهه خلال هذه الفترة القصيرة، هو فقط كان يحب هدوئها وابتسامتها الصعبة التي يصارع ليحصل عليها. هو فقط كان يغوص بغموضها ويتلذذ باستكشافها يوم بعد اخر!
وقفت امامه وقالت بنبرة خافتة:
- مرحباً.

تفحص هيئتها من اخمص قدمها لقمة رأسها وهو يشاهدها بهذا الاشراق لأول مرة منذ ارتباطهما. تبسم وقال:
- اظن اني سأنفصل عنكِ الاسبوع القادم!
قطبت حاجبيها بعدم فهم ليكمل هو:
- من كمية الحسد التي سأحصل عليها من الشباب اليوم!
ضحكت برقة وهي ترد عليه بخجل:
- لا تبالغ يا مازن.
تقدم منها ورفع يدها ليطبع قبلة نبيلة هناك وهو يقول:
- لست افعل سيدتي الجميلة!
- يا إلهي انتما بالفعل رائعين!

قالتها جيهان بتأثر لتسحب هاتفها بعدها فوراً وهي تقول:
- اقتربا من بعض دعوني التقط لكما صورة!
قالت ليلى بإحراج:
- امي!
- ماذا؟ انتِ تبدين جميلة فعلاً. ألا يحق لي ان احتفظ لكِ بصورة؟!
هزت رأسها بيأس بينما ضحك مازن واحاط خصرها من اجل الصورة وقال:
- لن تضركِ الصورة بشيء ايتها المريضة النفسية التي تكره كل شيء.
نظرت اليه بدهشة بينما كان يحدق في الكاميرا وقالت بضحكة:
- من هي المريضة نفسياً؟!

وما ان قالت جملتها التقطت والدتها الصورة لتغدو صورة مثالية ورائعة حيث يحيط مازن خصر ليلى بيده يضمها اليه بينما الاخرى تحدق به بأبتسامة، وكم تكون الصورة كالمظاهر خادعة. من يراهما يجدهما كطيور الحب اليافعة الواقعين بغرام بعض بشدة. بينما قلب كلاهما مرتبط بشخص اخر!
خرجا من الشقة بعد ان اصر مازن على نقل الصورة لهاتفه اولاً بينما لم تكن ليلى مهتمة حتى برؤيتها.

فتح لها باب المقعد الامامي قبل ان يستدير هو نحو مقعده. انطلقت السيارة بعد ذلك بسرعة معتدلة معاكسة لضربات قلبها المتزايدة. في هذه اللحظة فقط ادركت حماقة ما هي مقبلة عليه!

احياناً كثيرة نتخذ قرارات في لحظة استعجال لنشعر بعدها بأقل ما يمكن ان يُقال عنه ندم. هذا بالضبط ما كان يخالج ليلى فور انطلاق السيارة وسكون الاجواء إلا من صوت المحرك وانسياب اغنية ما يشغلها مازن الى مسامعها من غير تركيز. ما كانت الغاية من كل ما فعلته؟ إثارة غيرته؟ هي تدرك جيداً كيف سيكون لو فقد اعصابه. هل سيمضي كل شيء بخير ولن تنقلب الاوضاع للأسوأ بتصرفها الساذج هذا ويعرف مازن كل شيء؟ وان عرف مازن هل سيوافق على استمرارية الارتباط بها ان ادرك انها حبيبة صديقه المقرب؟ من المستحيل ان يفعل ذلك ولو لألف سبب. وانهاء ارتباطها بمازن يعني انهاء حياتها الجامعية. كل هذه الافكار لم تتخاطر الى عقلها إلا بعد انطلاقهم نحو المطعم. وكأن الشيطان كان يتلبسها منذ ان خططت للأمر وقرر الان انتزاع روحه منها ليصدمها بمساوئ ما هي مقبلة عليه.

اغمضت عينيها تتوسل ربها سراً ان يخلصها مما هي فيه وان ينتزع حبها من قلب يزن لساعات كي لا تقلب غيرته الامور رأساً على عقب. ثواني وتشتت تركيزها من صلاتها السرية ليتحول باتجاه مازن وتمتمته مع كلمات الاغنية بشيء من الحسرة.
(If only I knew
What I know today.
I would hold you In my arms
I would take the pain away.
Thank you for all you ve done
Forgive all your mistakes.
There s nothing I wouldn t do.

To hear your voice again.
Sometimes I want to call you
But I know you won t be there.
I m sorry for blaming you
For everything I just couldn t do.
And I ve hurt myself
By hurting you. ).

هي تعرف هذه الملامح جيداً التي تغطي له وجهه؛ او بصورة اكثر دقة هي كانت تشعر به. لم تكن تبدو تمتمته مع الاغنية فقط لأنه يحب كلماتها. كانت الاغنية تطعن شيء ما بداخله فشل بترجمته بكلمات او حتى بدموع. قد تكون ليلى فاشلة في اشياء كثيرة؛ ولكنها من المستحيل ان تفشل في فهم احدهم. وما هي متأكدة منه ان هناك امرأة اخرى في حياة مازن ولم تكن هي الاولى. كما لم يكون هو الاول؛ ولن يكون. لذلك ببساطة اشاحت وجهها جانباً غير مبالية بتلك الملامح التي تحتاج سبباً لتبكي. فهي قد تعلمت مؤخراً كيف تكون أنانية وكيف تصاب بالنرجسية!

علي عكس كل المرتبطين حديثاً؛ قضى مازن وليلى الطريق بصمت مطبق رغم عالم الفوضى المفتعل برؤوسهم. ومع تباطأ السيارة قريب المطعم تزايدت ضربات قلب ليلى لتصبح اكثر عنفاً؛ كسجين حان وقت اعلان قرار اعدامه. بخلت عليها رئتيها بالهواء المطلوب لتكتفي بالمخزون لديها فقط فتصاب باختناق فقدت على اثره الشعور بأطرافها التي اصبحت هلامية وانسحب الدم تدريجياً من بشرتها التي كانت مشرقة لتغدو شاحبة وباهتة كروحها. بلعت ما في فمها الجاف من الاساس ونزلت على مضض بعد ان فتح مازن لها الباب.

وقفت بجانبه تتفحص واجهة المطعم الزجاجية بعينيها علها تلمح مكانه فتتوارى عنه حتى لو كان هذا التصرف من غير فائدة فهو سيراها عاجلاً ام أجلاً.
-أندخل؟
التفتت بعدم تركيز نحو مازن دون ان تفهم ما قال إلا بعد ان شاهدته يثني يده لتتأبطها. نعم قد لا يكون الخيار الافضل فهي لم تكن تحتاج دخول رومانسي لتثير جنونه اكثر؛ ولكنه كان الخيار الانسب في الوقت الحالي لتسند نفسها به كي لا تفقد توازنها المتزعزع من الاساس.

يقف في اخر القاعة يعصر بين قبضته كأس شرابه الاحمر بينما يستمع لنصيحة روان له ان يظل هادئاً مهما حصل ان وصلت ليلى. كانت تدرك جيداً ان نصائحها عقيمة امام هذا المحارب المنكسر الذي سيفعل المستحيل لعيد نشوة انتصاراته من جديد فوق ركام خساراته. فجأة توقفت عن الهمس له مع ارتخاء ملامحه المنقبضة وانفراج شفتيه عن بعضهما وهو يحرك عينيه بصدمة.

الخذلان هو مجرد شعور اخر يتمكن من السيطرة علينا كما الحزن والغضب والسعادة. ولكنه يكون مؤلم حد الموت ان كان الطرف الاخر هو شخص نثق به بشدة. شخص اغمضنا اعيننا وقفزنا من مرتفع ونحن متأكدين انه سيلتقطنا. ولكن كل ما سنصحو عليه هو ارتطامنا المؤذي بالأرض.

والاكثر آلماً ان يتحول شخص كنت تعرفه حق المعرفة الى شخص غريب عنك فجأة، هذا ما كان يشل حركته في لحظتها غير قادر على استيعاب هيئتها الجديدة هذه. هو لم يعهدها هكذا ابداً. لقد كانت تلك المختلفة عن القطيع؛ الفريدة من نوعها؛ البريئة التي لم تفقد عذرية تفكيرها المتزن وسط مجتمع ساذج؛ المحترمة اينما حلت؛ تلك التي يثق بها ولو تركها وسط معسكر من الرجال وحدها. اليوم كانت مختلفة تماماً عما استغرق سنين في تشكيله. لقد كانت تبدو ببساطة مجرد رخيصة اخرى تتباهى بمفاتنها وسط الذئاب التي تنهش نظراتهم لحمها. لقد اباحت جسدها ببساطة لعيون غيره بعد ان حرّمه حتى على نفسه حفاظاً عليها. في تلك اللحظة تماماً حقد على مازن بقدر ما حقد عليها لسماحه لها بالحضور هكذا!

لمحهم مازن من بعيد فتقدم اليهم وهو لا يزال يحتفظ بمرفقها بين مرفقه المثني عليها. توقعته ان يهيج؛ ان ينظر اليها بغضب جامح؛ ان تتملكه رغبة في قتلها من شدة غيرته. لم تتوقعه ان يحدق بها بهذا الشكل. كان كمن يحاولون ايقاظه من حلم عميق واقناعه انه الواقع. كانت نظراته مشتتة ومصدومة فحسب. كانت نظراته مليئة بالإحباط.
- مرحباً.

قالها مازن بلطف بينما يحول ابصاره ما بينهما ليثبته على روان اخيراً وهي ترد تحيته بابتسامة عذبة بينما لا يزال يزن يفتح عينيه بدهشة ليقتحم عيون ليلى المشتتة في الارجاء بعيداً عنه.
-مرحبا يزن!
قالها مازن مرة اخرى وهو يشاهد تجاهل يزن لتحيته. ادار الاخير رأسه نحو مازن وعينيه لا تزال معلقة بليلى الى ان انتزعها جبراً وهو يرد بتلعثم واقتضاب:
-اهلاً. اهلاً بكما.

جذب مازن يده من يد ليلى ليحولها الى خصرها فأنزل يزن وروان ابصارهما فوراً نحو يده والم مؤذي يكمن داخل بقايا الرماد المحترق في صدورهم من غير ان يمتلكا الحق في التعبير. تحملت روان الامر على مضض بينما قام يزن بدفع الشراب البارد نحو جوفه الساخن من تلك المحارق التي تستهلك بقايا مشاعره الدافئة نحوها.
-لم تتعرفي على خطيبتي المرة السابقة يا روان بسبب ما حصل.

قالها مازن بابتسامة اقرب لكبرياء عاشق يتلذذ بحرق اوراق تماسكها الاخيرة وهو يلمح نظرات اقتضابها الغيورة تطفو الى السطح بينما تركز نظراتها الجامدة دخل نظراته المبتسمة. لحظات حتى اقتلعت عينيها منه ووجهتهما نحو ليلى وهي ترسم ابتسامة مجبرة بينما تمد يدها للمصافحة قائلة:
-تشرفت بمعرفتك ليلى. حدثنا مازن بالكثير عنك.
صافحتها ليلى بدورها بينما ترد بصوت ضعيف:
-اهلاً بك.

سحبت روان يدها فوراً ما ان انهت ليلى جملتها ودفعت شرابها هي الاخرى نحو جوفها؛ لا لتخمد نيرانها فهي تعلم ان ذلك لن يجدي؛ ولكن لتبرر سبب اشاحتها لوجهها عنهما واختصار حديثها بليلى. ليحين دور المعذب الاخر وهو يوجهه ابصاره نحو تلك التي وهبها تاج الملاك ذات يوم وهو يسألها بملامح باردة ومنقبضة:
-ألم يخبركِ مازن يا انسة ليلى انكِ ستحضرين حفلة عائلية؟
نظرت اليه وهي تنجح برسم تماسكها امامه بينما تقول:.

- لا افهم المقصد من سؤالك سيد يزن؟
- اعني ان ملابسك فاضحة مقارنة بحفلة عائلية. ربما تناسب اكثر حفلة خاصة او حفلة شباب في حانة.
شعرت فجأة بحرارة عالية تنبعث من وجهها لتبعث منه حبيبات خجل امام هذه الاهانة الصريحة التي وجهها لها امامهم بينما اتخذ مازن دور المدافع فوراً وهو يقول باستنكار:
- ما هذه السخافة التي تتفوه بها يا يزن؟
وكم يكون من المؤلم انك لم تعد تمتلك احقية ابداء رأيك في شخص كنت تمتلكه كله.

رد يزن ببروده ذاته:
-انا فقط احاول توضيح ما فشلت انت بتنبيهه لها وجعلها تحضر الحفلة بهذا الشكل!
وحين شاهدت روان جيوش الغضب تتمركز شيئاً فشيئاً على ملامح مازن؛ تلافت فوراً مصيبة على وشك الحصول بينهما بسبب طيش ليلى وهي تقول ضاحكة:
-ما بك يا مازن؟ وكأنك نسيت مزاح يزن الثقيل!
لتشاركها ليلى الامر فوراً دون ان تعرف غاية روان وهي تنظر نحو مازن بابتسامة:.

-حين كنا جيران كان السيد يزن يلقي كلمات مشابهة على ملابسي ليستفزني فقط.
وبما ان يزن لم يكن على استعداد للمشاركة في هذا التخطيط المعتوه فقد اكتفى بالابتسام فقط ليبدآ مازن بالاقتناع ان الامر كان مزحة فقط. ليكون هو الاحمق الوحيد من بين هؤلاء الثلاثة!
تنهد باستسلام وقبل ان يرد بشيء قاطع حديثهم حضور السيدة منى وهي تركز ابصارها الحادة بليلى لا غير وكأنها بطلة الليلة حيث الجميع يلقون ابصارهم عليها.

تكون الام قاسية جداً ان آذى احد ما صغارها. وليلى قد قتلت يزن ولم تؤذيه فقط بقرار ارتباطها بمازن الذي عرفته منى بالأمس فقط بعد ان انهار يزن بالبكاء بين يديها كالأطفال!

كان التوتر جلياً على ملامح ليلى وهي تراقب خطوات السيدة منى اليهم ولا تدرك ما قد يحصل تالياً. اول شيء فعلته منى بالطبع هو رمق ملابسها باستنكار وكأنها تسألها من انتِ بالضبط؟ ومن ثم ادارت بصرها نحو مازن الذي القى التحية بكل لباقة لتبتسم بدورها مرحبة به. ليحين دور خطيبته العزيزة. التفتت الى ليلى التي اكتفت بالصمت امام عينيها والخضوع امام اقتضابها عاجزة عن تبرير ذنبها بأي شيء. وحين ساد الصمت دائرة لقائهم قال مازن فوراً بابتسامة:.

-لا اظن اني احتاج تعريفك بخطيبتي سيدة منى. فبالتأكيد انتِ تعرفينها مسبقاً.
قالت منى وهي ترمي حروفها بنبرة مؤكدة وذات معنى من غير حتى ان تبتسم:
-اجل اعرفها. وكيف عسانا ان لا نعرف ليلى الجميلة!
كانت نبرتها اقرب الى التهكم منها الى الجدية مما اثار استغراب مازن هذا الجفاء من ناحية منى لليلى!

كست عينيها بنظرة متوسلة وهي تمد يدها نحو منى لتصافحها تترجاها ان تلتزم الصمت فقط حول ذلك لماضي الذي لا يعرفه مازن. مدت منى يدها على مضض لتصافحها فقط كي لا تخلق مشكلة بين مازن ويزن بينما قالت ليلى:
-مبارك لكما.
لترد الاخرى باختصار:
-شكراً لكِ انسة ليلى.
ثم اردفت:
-انقلِ تحياتي لأسرتكِ.
وبعدها التفتت نحو مازن لتكمل دون ان تترك مساحة رد لليلى وهي تقول:
- عن إذنكم عزيزي. مضطرة ان ارحب ببقية الضيوف ايضاً.

بادلها مازن ابتسامته المرحة وهو يرد:
- بالتأكيد سيدتي.
فور انسحاب منى قالت روان:
-وانا سأذهب لأرى اين اياد. عن إذنكم.

لا تعلم حتى لما وضحت سبب رحيلها عنهم. ربما لتحرق ذلك العاشق كما احرقها بدوره؛ او ربما لتثبت له كذبتها بأنها لم تعد تبالي به. ولكن مهما كان السبب فهي تدرك جيداً انها لم تقل جملتها بعفوية ومن غير قصد. ولكن ان كانت قد نجحت بشيء فهي قد نجحت بتعليق ابصاره بها الى ان اختفت عن مد نظره. فوراً التفت بعدها نحو ليلى وهو يسألها:
-هل تحبين شرب شيء؟
-بعض الماء لو سمحت.

فهي بالفعل قد احتاجت لذلك لحظتها. ولكنها لم تكن ستطلبه لو انها ادركت انه سيتركها وحدها مع يزن ويرحل. كيف سيكون وضع الحمل وحيداً بين براثن مفترسه؟ لم تجرأ على رفع بصرها او ضبط انفاسها المرتجفة وهي تشعر بنفسها تصغر اكثر واكثر تحت عيناه الحادة التي تحدق بها. كانت تتماسك بصعوبة دون ان تجهش بالبكاء بين يديه تطالبه العفو والصفح عنها امام هذه الحماقة التي ارتكبتها والتي زادت الامر سوءاً بدل اصلاح ما فعلته!

- معذورة انتِ ان اجهضتِ لي املي.
لا الذنب ذنبكِ. بل كانت حماقاتي
رفعت عيناها بصدمة تصارع ابقاء دموعها حبيسة جفونها امام نظراته المخذولة. يا ليته يغضب؛ يصرخ بها؛ يعنفها. كانت ستتحمل كل شيء. ولكن لن تتحمل رضوخه لهذه الخسارة وانكساره. كانت رؤيته بهذا الشكل تقتلها!
هزت رأسها نافية بصمت تخشى ان تبوح بكلمات رفضها لفكرته فتفقد السيطرة على دمعاتها لتتساقط فأردف هو فوراً بصوت اضعف اقرب الى المنتحب:.

-احسنتِ. انتِ تبدعين اكثر في جعل اكرهكِ واندم على كل لحظة وثقت بها بكِ. كان يمكنك ان تكتفي بأمر الخطوبة يا ليلى لتقتليني. لم تكوني مضطرة لحرق ما تبقى مني بتصرفاتكِ هذه!
قالت بينما تفقد السيطرة على دمعة ضعيفة تساقطت بقوة منها:
-انت لا تدرك ابداً ما امر وما مررت به يا يزن. لا تدرك كم روحي تحرقني لجفائك وابتعادك عني. ولا تدرك كم اكره نفسي لأني مضطرة ان اجعل مازن يتمسك بي.

انفرجت شفتاه يريد ان يتحدث لتقاطعه هي فوراً:
-نعم انت تراني حقيرة. ولكني مضطرة ان اصبح حقيرة لأحصل على ما اريد. لا توجد لدي طريقة اخرى؛ جدي يجبرني ان اكون كذلك.
تقدم خطوة اليها قائلاً بغضب بينما يعصر الكأس بين يديه بقوة:
-اياكِ وجرح مازن يا ليلى. اياكِ والتلاعب بمشاعره. انت لا تدركين حجم المعاناة التي عاشها مازن. لذلك اياك واستغلاله!

كادت ان تتحدث ولكن رؤية مازن قادم باتجاههم دفعها لابتلاع بقية حروفها فوراً واشاحة وجهها جانباً بينما تركهما يزن ورحل. شربت كأس الماء كله دفعة واحدة لتتمكن من دفع تلك الغصة المتمركزة على حنجرتها حتى لا تذرف المزيد من الدموع التي ستكشف الغطاء عن اسرارها التي بدأت تثير شكوك مازن لحظة بعد اخرى.
امتدت اصابعه بهدوء لتمسح على وجنتها وهو يقول بعطف:
-انتِ بخير حبيبتي؟

نظرت اليه بشفقة امام عطفه مقابل استغلالها له. ان عاش معاناة في حياته فاقل ما يمكنه ان تفعله هو منحه السعادة الان مقابل الخذلان الذي ستمنحه له لاحقاً.
تبسمت بهدوء وقالت:
-دواري المعتاد. لا تشغل بالك بي.
تناول الكأس من يدها ليضعه جانباً وهو يقول بينما يمد يده اليها:
-إذاً أتسمحين لي بهذه الرقصة سموك؟
استقرت راحة يدها بداخل يده وهي تبادله ابتسامته قائلة:
-قد لا اكون تلك الاميرة التي تتوقعها!

سحبها نحو دائرة الرقص واحاط خصرها ليجذبها اليه بينما يتموجان على لحن موسيقى فريدريك شوبان بينما يهمس بأذنها بحب:
-لا يهم ما انتِ عليه او كيف ترين نفسك. ما يهمني هو كيف اراك انا.
-وكيف تراني يا ترى؟
تجولت عيناه الحانية داخل عيناها قبل ان يقول بأسى:
-مجرد طفلة مخذولة!

وكأنه قبض على جرح بداخلها بقوة ليؤلم روحها بهذا الشكل مع جملته هذه. انه يجعلها تضعف ببساطة بين يديه من خلال عينيه التي تحملق بجروحها الدفينة ليشعر بها من غير ان تقدمها اليه وتتعرى كل اسرارها امامه دون ان تسيطر على سترها اكثر. لذلك اكتفت بالصمت فوراً دون ان تعلق على جملته الاخيرة بشيء؛ بينما هو اكتفى بمراقبتها بذات الابتسامة من غير ان يبعثرها عن ملامحه للحظة. حاولت التهرب قدر ما تستطيع من نظراته ولكنها رغم ذلك كانت محاطة بواسطة عيناه القريبة من كل الجهات فقالت فوراً بشيء من الاحراج:.

- أضجر من تحديق احدهم بي بصمت!
تبسم وقال:
- وان وقفت امام حسنكِ صامتاً
فالصمت في حرم الجمال جمال
تبسمت بدورها امام كلماته ورفعت ابصارها اليه وهي تقول:
-انت تحاول بشدة ان تحبني. فهل تنجح بذلك؟
تلاشت ابتسامته للحظات قبل يسألها:
-الى ما ترمين؟
تنهدت بأسى قبل ان تردف باعتيادية:
- انت تحاول ان تشتت انتباهك بي يا مازن.
استغرق ثوانٍ اخرى في الصمت قبل ان يبادلها صراحتها قائلاً:.

-اخبرتك من قبل ان لي ماضي؛ كلنا لنا يا ليلى. واخبرتك انك صفحة حياتي الجديدة. لذلك كفِ عن تذكيري بكل فرصة سانحة لكِ عما اصارع لنسيانه.
ثم اردف مع حاجب مرفوع بحدة:
-ام ان هذا ما تسعين اليه؟ ان لا انسى؟
-هل يمكنني على الاقل ان اسألك لماذا لم ترتبط بها؟
زفر بضيق وهو ينهرها قائلاً:
-ليلى!
لترد بعناد طفولي لم تتخلص منه رغم نضوجها:
-اظنه من حقي ان اعرف يا مازن!
استسلم لها باسماً وقال بحسرة:.

-كلانا اتخذ القرار الخاطئ. هي جعلت جرحها يؤثر على قرارها وانا جعلت ترددي يغلب صراحتي. لذلك ببساطة لعب القدر لعبته معنا ليفرقنا عن بعض.
-هل تؤمن حقاً بالقدر؟
-ألا تؤمنين انتِ؟
رفعت كتفيها بعدم مبالاة وهي تقول:
-لا اظن اني افعل. كل ما يحصل لنا هو نتيجة افعالنا. اظن ان الرب وضع العقل لدينا لنقرر مصيرنا. ولم يضع المصير ليتحكم بعقولنا. نحن نمتلك الخيار دائماً.
رفع حاجبيه بتعجب بينما يشيد بكلماتها بثناء:.

-يبدو اني تورطت وارتبطت بفيلسوفة سأخسر كل نقاشاتي امامها.
تبسمت بزهو وهي ترد:.

-الرجل الذكي بإمكانه ان يسيطر على اعظم النساء ان عرف فقط كيف يختار كلماته معها. فصدقني نحن نقيس عقولكم من كل حرف تنطقوه وبعدها فقط نحدد الطريقة التي سنستخدمها للنقاش معكم. انتم ترون اننا غبيات في المناقشة وهذا بسبب فقط اننا ننزل لمستواكم في الحديث. فلربما لن تتمكنوا من فهم ما سنقول لو اننا تحدثنا بمنطقنا الاصلي وليس محاكاة لمنطقكم.

عجز عن الرد بشيء امام كلماتها ولم يبد اي رد فعل سوى فغر فمه بدهشة وضحكة عريضة ترفع له وجنتيه وتبرز غمازتيه الجذابة لتكمل هي:
-سمعت ذات مرة مقولة جميلة جداً. تقول ان الرجل الذكي لن يقول للمرأة ان تصمت بل ان يخبرها ان شفتيها اجمل وهو مغلقة.
ليرد فوراً وكأنه اوقعها بالفخ:
-أولا يدل ذلك على مدى سذاجتها؟

-لا؛ بل يدل ذلك على مدى سعيها لإرضاء عينيه التي لا تكتفي بواحدة. فبرغم محبتها للكلام الا انها ستفضل الصمت فقط لتبقي عينيه عليها. هذا تصرف من المستحيل ان يبدر من اي رجل فهو يدرك جيداً ان المرأة ستظل مخلصة له مهما حصل وايضاً لأنه يدرك ان تفكيرها اعمق من ان تهتم بمجرد مظهر خارجي. اما نحن فندرك ان تفكيركم سطحي ولا يهمكم سوى المظهر. لذلك نحاول قدر المستطاع ان نعتني بشكلنا من اجل سخافة تفكيركم.

-ليست كل امرأة مخلصة يا ليلى.

-بل لا توجد امرأة عاشقة غير مخلصة يا مازن. انتم فقط لا تفهمون طبيعة تفكيرنا لذلك تحكمون على تصرف ربما ستفعلون الاسوأ منه لو اتيحت لكم الفرصة. المجتمع فقط يكسر صورتنا لنبدو دوماً بلباس الخائنة ناقصة العقل التي لا يمكن تركها بمفردها. فمثلاً ان ارتبطت المرأة بعلاقة مع رجل بعد ان تتزوج ستسمى زانية بينما لو فعل الرجل ذلك لقالوا انها نزوة وسيسمى شريف ان اعلن توبته. يا مازن ليست كل امرأة ناقصة عقل مثلما ليس كل رجل خائن ومتسلط. في الطرفين هناك الجيد وهناك السيء.

بقي يحدق بها بتعجب دون ان تفارق الابتسامة شفتيه ثم قال:
-كم عمركِ بالضبط يا ليلى؟
تبسمت وهي ترد:
-ما يكفي لأخوض مئة نقاش مماثل!
قهقه ضاحكاً وهو يطبع قبلة اعلى جبينها وهمس بينما شفتاه لا تزال حيث طبع قبلته:
-لقد بدأتِ بسلب عقلي منذ الان بالمناسبة.
رفعت بصرها اليه وهي تقول ممازحة:
-انظر. مجرد نقاش لدقائق اثار اعجابك بدأت اسلب عقلك وانسيك حبيبتك. فهل حقاً نحن الغير مخلصات لكم يا مازن؟

رغم انها القت الامر كمزحة طريفة ولكنه جاء مؤلماً على مسامع مازن. نوعاً ما هي محقة. مجرد اسابيع وبدأت ليلى تسيطر على تفكيره وينسى ايامه مع روان كلما كان مع ليلى. نعم حب روان راسخ. ولكنه لا ينكر ان اشهر قليلة فقط وستجاورها ليلى في قلبه بعد ان كانت هي سيدة عالمه الوحيدة. فكرة كانت اكثر من مرعبة لمازن الذي كان انانياً جداً ان كان الامر يخص روان دون غيرها!

وعلى ذكر روان. تقف بصدمة تحدق بهما من اخر القاعة تكاد تطرح روحها وليس دموعها فقط من قرب ليلى بهذا الشكل من مازن وقبلته الاخيرة لها. في الماضي لم تكن تشعر بهذا القدر من الالم لأنها تضمن انه لها فقط. اما الان ومع وجود ليلى فقد تغير الامر تماماً.
- هذا ما كنتِ تحرقين به مازن يا روان!

التفتت وعيناها لا تزال تصارعان الدموع نحو يزن الذي يجاورها ويحدق حيث تحدق بذات الالم بينما يراقب يديّ مازن تحيط جسد ليلى. التفت نحو روان وقال ببرود ممزوج بقسوة وعدم مبالاة:.

- كنتِ تتعمدين ان تتهامسي مع اياد بحضوره وتضحكي على نكاته او تكوني بين ذراعيه ومازن يراقبكِ بألم، كنتِ تتلذين بنظرات الغيرة التي يمنحكِ اياها. ولكنكِ لم تدركِ ان نار غيرته قد احرقت كل تماسك كان يبقيه مخلص لكِ ليقرر الان ان يرتبط بغيركِ فقط ليذيقكِ من ذات الكأس ويتخلص هو منه. لذلك ستتجرعيه على مضض من غير ان تتذمري فمازن لم يخطأ بحقكِ!

كادت ان تهز رأسها نافية ولكن دموعها سلبتها كلماتها لتضع الكأس باستياء على المنضدة المجاورة وقالت بغيظ:
- لم يطلب احد نصيحتك بالمناسبة!

ثم تركته ورحلت نحو الحمام تداوي جرح كرامتها. وقفت امام المراة تراقب تساقط دموعها الثقيلة التي تجد نفسها تستحق ذرفها. حتى وان لامت مازن مئات المرات لا يمكنها ان تنكر ان ما يحصل حالياً هو بسبب تسرعها هي. اعتقدت انها ستجعله يندم على ما قال ان ارتبطت باياد. سيعنفها، سيتشاجر معها، سيمنحها ذاك الاعتراف الذي تنتظره منذ سنين. سيقلب الدنيا رأساً على عقب ليمنع استمرارية هذا الارتباط. لم تدرك ان هذا الامر يحصل في هوليوود فقط وان الواقع يختلف تماماً. وان مازن سيقتلها بنظرات عتبه فقط.

فتحت جفنيها فجأة مع مجاورة احدهم لها في المرآة الثانية. نظرت بعدم اهتمام نحو ليلى وهي تفرك صدغها بيدها بينما تطأطأ رأسها باتجاه المغسلة، اشاحت وجهها عنها بعدم مبالاة وفتحت الصنبور لتشغل نفسها بغسل يديها. لحظات حتى ادارت وجهها مرة اخرى بقلق نحوها بعد ان بدأت بالتقيء. مسحت على ظهرها برفق وقالت:
- أأنتِ بخير؟!

غسلت ليلى وجهها لتبعد الغثيان عنها ثم جلست على منضدة وسط الحمام وردت بضعف بينما تستمر بفرك صدغها:
- مجرد صداع!
- لربما تعانين من هبوط او ارتفاع في الضغط. هل نأخذكِ للمستشفى؟!
هزت رأسها نافية من غير ان تنظر اليها وقالت:
- لا. سأخذ بعض المسكنات وكل شيء سيكون بخير!

ادارت روان وجهها بعدم اهتمام مرة اخرى نحو المغسلة لتكثف كحل عينيها من اجل ان يخفي اثار دموعها ثم تركت الحمام وخرجت غير مبالية بتلك التي تصارع آلمها. وكم تكون المرأة قاسية في لحظات الغيرة!
اتجهت نحو القاعة مرة اخرى تبحث عن اياد دون ان تجده. اخرجت هاتفها لتتصل به من غير ان يرد. أعادت الامر ثلاث مرات حتى اجابها واخيراً:
- اهلاً حبيبتي
- اين انت يا اياد؟!
- في الحقيقة لقد اتصلوا بي لأمر طارئ!
- في العمل؟!

- اجل. اعني ليس تماماً. والد صديقي يعاني من وعكة صحية مفاجئة لذلك اتصل بي صديقي لأذهب اليهم
سألت باستغراب:
- ولما لم تخبرني برحيلك؟
- كنت مستعجل عزيزتي
- ومتى ستعود؟!
تلكأ مرة اخرى في اجابته قبل ان يقول:
- انا لن اعود. اعني قد اتأخر لا اعلم. ولكن على اية حال لا تنتظريني ودعِ يزن يوصلكِ للمنزل!

اغمضت عيناها بضيق وزفرت بملل من تكرار ذات تصرفاته الساذجة دائماً. ختمت المكالمة واغلقت الهاتف لتلتفت وتجد مازن يقف خلفها مباشرةٍ وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة، وقبل ان تتكلم قال هو فوراً:
- ترككِ من جديد. أليس كذلك؟!
ردت بكبرياء:
- كان مضطر!
هز رأسه مدعياً الاقتناع وقال بتهكم:
- اجل، كالعادة!
ثم تركها قاطعاً عليها ردها الكاذب ورحل. اتجه نحو ليلى التي خرجت من الحمام واتجهت هي نحو يزن لتطلب منه توصيلها!

كان لا يزال الصداع يلازمها بشكل عجزت عن تحمله لذلك فور وصول مازن اليها قالت بضعف:
- أيمكننا ان نذهب يا مازن؟
نظر نحو ساعته وقال:
- ظننت اننا سنتناول العشاء سوية اليوم!
قالت له باعتذار:
- أيمكننا تأجيل الامر للغد؟ انا حقاً اسفة ولكن رأسي يؤلمني!
مسح وجنتها بلطف وقال بابتسامة:
- بالتأكيد حبيبتي، لا بأس!

ثم استأذن من اصحاب الحفلة ويزن وتركهم وخرج ويزن عيناه معلقة بليلى وخمولها المفاجئ. نسي غضبه منها، نسي محاولاته الفاشلة في كرهها، وكل ما كان يشغله هو ضعفها الذي اذبل لها اشراقها فوراً!
التفت نحو روان فور خروجهم وقال:
- ما بها؟
قالت باقتضاب وعدم مبالاة:
- وما ادراني. انها تعاني من صداع!
زفر بضيق بينما يقول:
- حسناً. دعيني اوصلكِ!

ودعت منى وخليل بلباقة قبل ان تخرج برفقة يزن ليوصلها. جلست بصمت في مقعدها وعقلها مشتت ما بين مازن ومعاملته لليلى وبين اياد واختفائه المفاجئ عدة مرات وهو يتعذر لها بألف عذر. ولكن هذه المرة قررت ان لا تصدق اعذاره، لقد تعبت منه ومن مراوغته الدائمة معها وعليها ان تضع حد لكل هذا عاجلاً ام اجلاً!
قطع عليها تفكيرها صوت هاتف يزن لتسمع محاورته مع مازن بينما يوقف سيارته بجانب الطريق فوراً:.

- حسناً حسناً. اين مكانكم تحديداً؟ فهمت. حسناً لا بأس!
اغلق الهاتف لتسأله روان بفضول:
- ما الذي حصل؟!
سكت لثواني بينما يحدق بالطريق امامه ما بين اقتضاب وشيء من الارتباك لا يعرفه سببه ثم اخذ نفساً عميقاً بينما يدير اتجاه السيارة ليقول:
- لقد تعطلت سيارة مازن. سنذهب لنأخذ ليلى معنا كي نوصلها!
كان من المفترض ان تنتهي هذه الليلة عند هذا الحد بسلام، ولكن المصائب كانت قد بدأت للتو!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة