قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

- الحاضر -
جلست على طاولة تزيينها تمشط شعرها برفق وتتلمسه كما لو كان الوداع الاخير بينهما. ذلك الليل الكثيف سيغادر كتفيها قريباً. لن ينغمس رأسها فيه ليلاً ولن يوقظها صباحاً وهو يتلاعب بأنفها. لن تلف خصلاته على أصبعها حين تفكر كما هي عادتها، ولن تبالي أي تسريحة عليها أختيارها لمناسبة معينة. بدأت كل الاشياء المحببة لها تنسلخ عنها شيئاً بعد اخر!

قطع عليها تأملها طرقات خفيفة فوق باب غرفتها. تنهدت بعمق قبل أن تقول بصوت متعب: - تفضل.
فُتح الباب لتتفاجئ به مازن. تبسمت فوراً وقالت بمزاح: - ما هذه المفاجئة السيئة!
فرد بدوره باسماً: - أنتِ الأسوأ حبيبتي!
دخل الى الغرفة يتفرج على كل ركن فيها لكونها المرة الأولى التي يدخلها، ثم جلس على طرف منضدة تزيينها بينما هي تجلس على الكرسي أمامه مباشرةٍ وقال: - إذاً. هل أنتهيتِ أم نؤجل حفلة العيد ميلاد للفجر؟

سحبت الهدية التي غلفتها من جانبها وقالت: - أنتهيت حضرة المتذمر وحتى إني جهزت الهدية.
قلّبها بين يديه وهو يقول مضيقاً عينيه بشكل مضحك: - هل على أن أغار وأقول أنه لا يجوز لكِ أن تهدي رجل غيري هدية؟!
- ذاتاً أنا لم اهدي لك شيء عزيزي. لا تتفائل كثيراً!
ثم وقفت تنهي اخر اللمسات على شعرها وامسكت حقيبتها اليدوية وقالت:
- إذاً. هل نذهب؟!

بقي يحدق بعينيها بعيون ذابلة وابتسامة ضعيفة دفعتها للقلق فوراً، اقتربت منه وهي تحيط جانب وجهه بيدها وقالت:
- هل كل شيء بخير؟!
تنهد بحسرة وقال:
- متعب فقط!
- مِن ماذا؟!
- من كل شيء. حتى أنفاسي ترهقني. أحتاج جهداً حتى للكلام!
استند بجبينه على صدرها مباشرةٍ فوق عظمة ترقوتها وقال بصوته الخفيض:
- أحتاجكِ أنتِ وليس أحد غيركِ. لذلك لا تتخذي قرارات ساذجة من الأن فصاعداً.

تبسمت وهي تلف يدها حوله واستندت بذقنها فوق رأسه وقالت:
- أنت تحتاجني. ولكن كصديقة فقط تحب التحدث اليها والفضفضة معها وسأكون دائماً كذلك بالنسبة لك، ولكن قلبك لا يحتاجني أنا. بل هي!
رفع رأسه أليها وقال مشككاً:
- منذ متى خطر على بالك هذا القرار المفاجئ؟!
بقيت تحرك ابهامها على خده بلطف وهي تحدق به بابتسامة ثم قالت:.

- منذ أن ادركت كم تحبك هي وكم تشعر بالألم لفراقك. مذ شعرت بك في كل لحظة تموت وأنت بعيد عنها، نعم أنت تحاول بناء حياتك معي. ولكن هذا لن ينجح يا مازن. في كل مرة ستراها ستموت. ونعم أنت ستحبني. ولكنك ستفعل لأنه ليس لديك خيار ولأنك ستشعر بالذنب اتجاهي أن لم تفعل!
- هناك شيء اخر يا ليلى. أسباب كهذه كنتِ تدركيها منذ البداية ولكنكِ لم تتخذي خطوة كهذه. فما الذي حصل فجأة؟

تنهدت بحسرة وهي تجاوره بالجلوس وقالت بينما تطرق رأسها نحو الهدية التي بين يديها: - لقد رأيتهما. ورأيتك به!
نظر لها بعد فهم وهو يقول: - من تقصدين؟!
نظرت اليه وأكملت: - في الماضي أبي كان يحب أحداهن ولكن جدي منعه من الزواج بها. والبارحة التقى بها. وأكاد أقسم إني رأيت أحساسه لحظتها ولم أشعر به فقط!
بقي يحدق في عينيها وعلى شفتاه سؤال يأبى اظهار نفسه فقالت له مشجعة: - هل تريد قول شيء؟!

فقال فوراً وهو يفلت ضحكة رغم أن الموقف لا يتوجب فيه الضحك: - أجل. ما مشكلة جدك مع الحب؟
ضحكت بدورها وقالت: - من خلال ما قلته كله. هل هذا كل ما جذب أهتمامك؟!
- أجل في الحقيقة. منعك في البداية من الزواج ممن تحبين ومن قبلها منع ابيك. هل خانته جدتكِ أم ماذا؟ المسكين يعاني من مشكلة في العاطفة!
ضحكت بقوة اكبر وهي تضربه على كتفه فأكمل قائلاً:.

- أن كان يفعل ذلك لأنه يريد ان يتزوج فأمي متوفرة في هذه الفترة. يمكننا حل كل هذه الخلافات. هي ايضاً تفتعل المشاكل في منزلنا. دعينا نزوجهم لبعض ودعيهم يتشاجران مع بعض كل يوم كما يحلو لهما وبهذا سيعيش الجميع بسعادة الى الأبد.
فقالت وهي مستمرة بالضحك:
- وتخيل شخصان بهذه المواصفات وينجبا طفل. اتشوق لرؤيته كيف سيكون!
- صدقيني سيتشاجر مع الطبيب لحظة ولادته!

ضحكت بقوة أكبر حتى احمر وجهها وتقلصت معدتها. أمسكها من ذقنها وادار وجهها اليه وهو يقول بأبتسامة عذبة:
- وتريدين مني أن افارق هذه الضحكة؟!
تحولت ضحكاتها الى ابتسامة مماثلة وقالت:
- لن تفارقها. سأكون دائماً معك. ولكن لا أريدك أن تتخذ قراراً خاطئاً. ومهما كان قرارك أنا سأبقى معك مازن. سواء كصديقة أو كزوجة لن يهم!
رفع يدها الى شفتيه ليطبع قبلة عميقة هناك ليقف بعدها وهو يعانق يدها بيده وقال:.

- دعينا نذهب الان.
اومأت موافقة وخرجا معاً نحو السيارة ليتجها نحو المطعم الذي سيتناولون فيه العشاء من أجل عيد ميلاد يزن، عيد ميلاده الذي ستحتفل به السنة كخطيبة صديقه وليس كحبيبته!
قريب وصولهم رن هاتف مازن ليكون المتصل يزن. رد فوراً:
- اهلاً بصاحب الحفلة الذي سيدعونا للعشاء على حسابه...
فرد الاخر:
- لا تحلم بذلك ابداً ايها الطماع. حتى طبق التحلية سيكون منكم!
تنهد مدعياً الحيرة وهو يقول:.

- لا أعلم حقاً ما الذي يدفعني لعدم قطع علاقتي بك وأنت لم تشتري لي الى الان أي طعام!
- كف عن الثرثرة. أين أنت؟
- على وشك الوصول. وأنت؟
- أنا وروان واقفين بباب المطعم. سننتظركما لندخل سوية.
- وسوزان؟ هل حضرت؟
هنا التفتت ليلى فوراً باستغراب نحوه حين سمعت أسم فتاة. تنهد يزن بضجر بدوره قائلاً:
- لا أعلم. ولا أهتم. أتصل أنت بها. وداعاً!
- لحظة ايها.
وقبل أن يكمل اغلق يزن الخط فأكمل مازن شتيمته:
- مجنون حقاً!

فقالت ليلى مدعية عدم الأهتمام بما تسأله:
- ما بك؟
هز رأسه بيأس وهو يقول:
- أن أردنا اجراء مسابقة في العناد فيزن سيكون على رأس القائمة!
- لماذا؟ ما الذي حصل؟
تنهد بضيق وهو يقول:
- كان يحب إحداهن بالماضي وهجرته.
- و؟

- لا يزال الى الأن الأحمق يرتدي تلك القلادة الغبية منها يرفض نسيانها. سيشارف على بلوغ الثلاثين والى الان لم يرتبط بواحدة ولا ينوي ذلك. اخر مرة تناقشنا بها كان قد قرر تخصيص وقته لعمله والبقاء عازب طوال حياته.

شعرت بالحزن فوراً وهي تتخيل الحالة التي يمر بها بسببها. والحالة التي سيمر فيها بالمستقبل ايضاً بسببها. لقد حطمت له كل شيء من أجل أن تكمل حلمها فقط، بدأت الأن تتفهم غضبه حقاً حين كان يحمّلها الملامة بأنها السبب بكل ما حصل!
أكمل مازن الشرح بينما هي اكتفت بالإنصات:
- سوزان طبيبة متدربة معنا ويبدو أنها معجبة به لذلك قررت دعوتها لحفل عيد ميلاده كي يقتربا من بعضهما. ولكنه غاضب مني بسبب ذلك!

ثم قال متمتماً بحزن:
- وأنا حقاً اتألم حين يغضب مني. لم أقصد حقاً إغضابه!
مسح وجهه بحيرة وهو يتنهد بينما الأخرى مكتفية بالصمت من غير تعليق. الغيرة سيئة جداً، ولكن اخفائها اسوأ!
يكون الأمر مشابه بغرس سكين ببطئ داخل حنجرتك. أن أدخلتها أكثر ستقتلك وأن أخرجتها ستقتلك. أنت فقط ستتجرع الألم بصمت من غير شكوى.

حدقت بالطريق أمامها بقلب يتباطئ بنبضاته أكثر ويعتصر بألم مما تشكو منه. هي تحبه لدرجة أنها ستجن من فكرة دخول امرأة اخرى حياته. وتحبه ايضاً لدرجة لا تريد ايذائه، هي ستتركه عاجلاً أم اجلاً. فكيف سيكون وضعه وحيداً؟ من غير من ينسى بها حزنه ولا حياة ينشغل بها. أي جريمة سترتكب بحقه بعد أن تموت؟!
- أوقف السيارة مازن!

قالتها فجأة وهي تضع يدها على فمها مما دفعه للضغط على المكابح بجانب الطريق فوراً لتفتح هي الباب بسرعة وتنزل لتفرغ كل معدتها على مسافة من السيارة. نزل من بعدها مسرعاً وهي تحني جذعها العلوي لتتقيء. ربّت على ظهرها بلطف وهو يقول:
- أنتِ بخير حبيبتي؟!
نظمت انفاسها اللاهثة للحظات ثم رفعت وجهها الشاحب اليه وقالت بتعب:
- لا تقلق. معدتي مضطربة فحسب!
- هل أكلتِ شيئاً؟

- ربما. لا أذكر. ولكنها مضطربة من الصباح. لا تشغل بالك!
- حسناً. يبدو أن معدتك تضطرب كلما كنا مدعوين لحفلة!
نظرت له بعدم فهم فأكمل بينما يمط شفتيه ساخراً:
- حين تلقينا دعوة لذكرى عيد زواج والديّ يزن قلتِ أن لديكِ ألم في المعدة ايضاً حسب ما أذكر.
ثم قال بنبرة معينة بينما يتجه نحو السيارة:
- ربما يزن يسبب لكِ أنقباض في المعدة!

أحضر لها قنينة ماء فلم تتناولها من يده وبقيت تحدق به بسخط من غير كلمة واحدة فقال فوراً وهو يرفع يديه باستسلام:
- كنت أمزح أقسم لكِ. أردت أستفزازكِ فقط!
زفرت بضيق وسحبت منه قنينة الماء لتغسل بها وجهها لتقع عنها كل تلك المساحيق الملونة ويظهر شحوب وجهها الحقيقي.
عيناها الذابلة وبشرتها المصفرّة!

جفتت وجهها بمنديل اعطاها اياه مازن وصعدت للسيارة من غير شكر أو أي تعليق فأدرك أنه قد أغضبها. تنهد بقلة حيلة وصعد بدوره ليجدها بوضع التحفز لأنفجار موشك. تكتف يديها الى صدرها وتدير وجهها نحو نافذتها بحاجبين مقطوبين ووجه مستاء.
- ليلى؟!
قالها بنبرة متوسلة فلم ترد عليه. قال فوراً بندم:
- أنا حقاً أسف لم أقصد. ولكن ما ذنبي أنا؟ أنتِ تبدين جميلة حين تغضبين لذلك لا أقاوم عدم فعل ذلك!

نظرت له بعصبية فأكمل في الحال:
- أقسم إني لا أتملقكِ!
فقالت بجدية:
- مازن أنا أفعل المستحيل كي أجمعك بحبيبتك القديمة وأنت كل ما تبالي به هو أتهامي؟ هل تظن إني أفعل هذا كي أتخلص منك وأعود بدوري للشخص الذي أحبه؟
اكتفى بالصمت فبهتت ملامح وجهها في الحال وهي تسأله بعدم تصديق:
- يا إلهي. تظن هذا حقاً؟!
أخذ نفساً عميقاً ثم قال:.

- لا أنكر إني فكرت بهذا. ولكن لا أنكر إني شعرت بمدى سذاجتي وحماقتي بسبب هذا التفكير وأدركت إني مخطئ!
وها قد وجدت سبباً واخيراً لتذرف تلك الدموع التي كتمتها بسبب موضوع سوزان!
عضت شفتها السفلية محاولة كتم صوت بكائها واستدارت برأسها مجدداً نحو النافذة من غير أن ترد بشيء على اتهامه لها.
قال بنبرة معتذرة:
- ليلى أنا حقاً.
فقاطعته فوراً بعصبية ونبرة حادة:
- قد السيارة لو سمحت مازن. لا أريد التحدث بالأمر!

- ليلى هذا ليس عادلاً ان تعاقبيني لأني صريح معكِ وأخبرتكِ ما ظننته مع أنه كان بإمكاني الكذب عليكِ!
لم يتوقع رد فعلها وهي تلتفت اليه فجأة لتصرخ به بقوة لدرجة كاد أن يتفجر أحد شرايين عنقها من شدة بروزهن:
- أجل بالضبط! وكأنك قلت بالضبط ما أفكر به. أنت تعاقبني فقط لأني كنت صريحة معك وأخبرتك بكل شيء. وبدل أن تثق بي لأني فعلت أصبحت تشك بي دائماً.
ثم أدرفت بذات الأنفعال:.

- ولكنك لست مخطئاً. كان الخطأ مني إني اعتقدت أنك ستتفهم ماضيّ كما تفهمت أنا ماضيك. ولكن كيف عسى لرجل شرقي ذو عقل متحجر يرى المرأة دائماً عورة أن يتفهم هذا الشيء؟

كانت المرة الأولى له - ولها - أن يراها بهذه العصبية، لطالما كانت باردة المشاعر والكتومة التي لا تفصح ما يعتمر بداخلها أبداُ، لم يفهم لحظتها أن هنالك جحيم بداخلها يصهر لها قلبها. غيرة تأكل كل ما تبقى لها من صبر. أضطرارها لأبتلاع تلك المشاعر على مضض من غير اعتراض. فأن أحس يزن بأهتمامها سيزداد تعلقاً بها فقط وستزداد هي تمسكاً بالحياة في الوقت الذي يجب أن تتقبل أنها ستتركها إجباراً!

جففت وجهها مرة اخرى تحت نظرات مازن المذهولة وقالت بنبرة مرتجفة من البكاء:
- دعنا نذهب مازن. لقد اكتفت من هذه النقاشات العقيمة معك!
- ليلى.
قاطعته مرة اخرى:
- مازن لو سمحت!
تنهد بحسرة وقال بنبرة منخفضة:
- أنا حقاً أسف!
ثم أدار المفتاح في السيارة ليشغلها وينطلق نحو المطعم.

وصلا اليه وليلى تبدو بحالة مزرية من عيناها المحمرة ووجنتيها المتوهجة من الدموع، في يوم اخر لم تكن ستبالي. ولكن بحضور منافسة اخرى كانت تشعر بالغيض لأنها تبدو بحالة كهذه!
نزلت من السيارة ووجدت يزن وروان يقفان عند باب المطعم ومعهما فتاة أخرى تتحدث الى يزن بابتسامة بينما هو تجاهلها ليحدق نحو ليلى فقط. وليلى تجاهلته لتنظر نحوها هي فقط!
وصلوا نحوهم فقال يزن بينما يصافح مازن:
- لقد تأخرتما!

فرد مازن بينما تستكين يده على ظهر ليلى:
- لقد توعكت ليلى قليلاً في الطريق وتقيأت لذلك تأخرنا.
نظر نحوها في الحال وقال بنبرة عطوفة وهادئة:
- سلامتكِ!
اومأت برأسها وهي ترد بنبرة بالكاد تُسمع:
- شكراً لك!
- مرحبا. أنا سوزان!
نظرت ليلى ببرود نحو يد سوزان الممتدة اليها وهي تصارع بقوة قلبها كي يطاوعها على تمثيل المشهد بصورة صحيحة.
تبسمت بتكلف وهي تصافحها قائلة:
- أعتذر. لم أنتبه لوجودك. انا ليلى.
- تشرفنا.

اكتفت ليلى بالايماء على كلمتها الاخيرة ولم تبادلها شرف المعرفة المزيف ونظرت في الحال نحو روان وقالت:
- أيمكنكِ مرافقتي الى الحمام لو سمحتِ؟
فردت الأخرى وكان واضحاً عليها القلق:
- بالتأكيد عزيزتي!
فقالت سوزان فوراً:
- سأرافقكما ايضاً!
زفرت ليلى بضيق وهمست لروان قائلة بينما يتقدمان في المسير وسوزان تتبعهما:
- ستدفعني للتقيء مرة ثانية هذه المتطفلة!
كتمت روان ضحكتها وهي تهمس بدورها:.

- حاولي أن تتحملي الليلة فحسب!
ما أن دخلت السيدات حتى التفت مازن نحو يزن قائلاً بأستغراب:
- عزيزتي؟ منذ متى هذه التطورات؟
نظر له يزن ببلاهة مماثلة وهو يرد:
- لله في خلقه شؤون. سبحان مغير الأحوال!
ضحك مازن وهو يرد:
- أتمنى أن لا يكون الهدوء قبل العاصفة!
- يبدو أن النساء غريبات. في البداية الحرب ولاحقاً يعم السلام.
سكت مازن للحظات مفكراً وهو يتمتم قائلاً:
- أيعقل أنها أخبرت روان بذات الأمر؟
- أي أمر؟!

هز رأسه نافياً وهو يقول:
- لا يعقل!
ثم أردف فوراً تحت نظرات يزن المتساءلة:
- دعنا ندخل الى المطعم بدل وقوفنا هنا كالابلهين بسبب النساء وعقولهن المحيرة!
دخلا يزن ومازن الى الداخل كي يكملوا أحاديثهم حول طاولتهم التي حجزوها مسبقاً بينما كن الفتيات في الحمام يخضن حرباً باردة لا يفهم شيفراتها أحد فقط النساء!

وقفت ليلى امام المرآة تصلح ما أُفسد من مساحيق وجهها وتراقب في الوقت ذاته أنعكاس صورة سوزان في المرآة وهي تجاورها تزيد من وضع أحمر الشفاه.
- إذاً سوزان. منذ متى تعرفين مازن والبقية؟!
فردت سوزان بابتسامة عريضة لا يبدو أنها تفارقها:
- في الحقيقة أنا أعرف الطبيب يزن. أنه المشرف على تدريبي. هذه المرة الاولى التي أخرج فيها مع اصدقائه
فردت ليلى مدعية الاستغراب فقط كي تسحب معلومات أخرى منها:.

- المشرف عليكِ؟ أليس مبكراً كي يشرف على متدربين؟
فردت روان على هذا السؤال:
- هذا بسبب تفوقه وبسبب البعثة التي درس فيها سنة خارج البلاد. لذلك حصل على هذه الترقية بوقت مبكر قليلاً.
فأكملت سوزان بعيون مشرقة:
- وهو يستحق هذا فعلاً. أنه ذكي. في البداية كنت اكره أسلوبه في الحقيقة. ولكن في الفترة الأخيرة نال احترامي وأعجابي حقاً!
توقفت ليلى فوراً عن وضع أحمر الشفاه وهي تقول بتهكم:
- عفواً؟!

فلكزتها روان في الحال على مرفقها تريد تنبيهها فزفرت بضيق وعادت لفعل ما تفعله من غير كلمة أخرى ربما ستدفعها لأفتراس سوزان التي ما أن أنتهت من ترتيب مظهرها المرتب من الأساس حتى قالت:
- سأذهب قبلكما.
وخرجت بخطوات نشيطة من الحمام فزفرت ليلى بضيق وهي تلتفت بضجر نحو روان لتقول الأخرى فوراً في محاولة منها لتهدأتها:
- ششش، هذا كله بسبب ذلك الأحمق مازن. يزن لا يبالي بها حقاً!
فردت بهمس منفعل:
- ولكنها تهتم به.

- ليست الاولى التي تفعل ذلك ولن تكون الأخيرة. سيرفضها كم رفض البقية صدقيني!
فقالت ليلى فوراً بنبرة منكسرة:
- لا أريده أن يفعل ذلك. أريده أن ينساني يا روان. ولكن لا يمكنني السيطرة على غيرتي ولا أريد أشعاره بها. ماذا أفعل؟!
تنهدت روان بحيرة ثم قالت:
- لا أعلم حقاً ما أقول. هو ايضاً يعاني. لقد أخبرني بذلك. هو ايضاً لا يتمكن من نسيانك ولا يتمكن من الحصول عليكِ!

- على أن أسيطر على نفسي فقط وأشعره إني لم أعد أبالي كثيراً بأمره، ربما هذا سيدفعه لنسياني وبدأ حياة جديدة. انا أقتله معي أن بقي الوضع على ما هو عليه!
ربّتت روان برفق على جانب يدها وقالت:
- لن أخبركِ بما يجب عليكِ فعله. هذا القرار عليكِ إتخاذه بمفردكِ كي تدرسيه جيداً دون أن تندمي لاحقاً!
ثم قالت بابتسامة مشجعة:.

- والان أريدكِ أن تشرقي بدل هذا الذبول الذي تحيطين نفسكِ به ولنخرج نحوهم بدل أم يشعروا بالقلق!
بالكاد بادلتها ابتسامة باهتة وخرجتا معاً نحوهم.
بالطبع كانت سوزان تجاور يزن ومازن يجلس على الطرف المقابل من المائدة المستديرة، لذلك جلست روان على رأس المائدة ما بين مازن وسوزان وجلست ليلى بجوار مازن من الجهة الاخرى ما بينه وبين يزن وهي تحاول قدر الامكان تحاشي النظر لسوزان كي لا يشعر يزن بغيرتها.

أقترب مازن قليلاً وهو يهمس لها قائلاً بينما ينظر بعينيها بعيون طفولية:
- لا زلتِ غاضبة مني؟!
لم تستطع كتم ابتسامتها امام هذه البراءة التي يحاول جاهداً رسمها ثم ردت بهمس مماثل:
- أن حققت لي طلباً سأسامحك.
- أأمريني بأي شيء وسأنفذه!
- بعد العشاء. ستطلب روان للرقص معك.
تلاشت ابتسامته وغزا بعض الأستنكار عينيه من هذه الفكرة فقالت فوراً بتوسل:
- أرجوك! هذا هو طلبي الوحيد.
تنهد بقلة حيلة ثم قال:
- حسناً. سأفعل.

ابتسمت برضا وشدت على يده بقوة وهي تقول:
- شكراً لك كثيراً!
تبسم من غير رد وهو لا يستحسن هذه الفكرة. فهي تجرفه مجدداً نحو روان بينما هو يحاول التجديف بالاتجاه المعاكس بعيداً تماماً عن مزيد من الجروح والخذلان.
- إذاً. هل ينوي أحدكم طلب العشاء أم ماذا؟!
قالها يزن بضجر بعد هذا المشهد الرومانسي المليء بتهامس لا يسمعه فتبسم مازن وقال:
- أفضل أقتراح تقترحه منذ سنين يا يزن!

ثم رفعوا قوائم الطعام الموضوعة أمام كل واحد فيهم وبدأوا باختيار أصنافهم المفضلة. دقائق وحضر النادل مع دفتره الصغير ليقول بأبتسامة عملية بينما يجهز القلم فوق الورقة ليدون طلباتهم:
- هل أخترتم أم أعود لاحقاً؟
فقال مازن أولاً:
- أنا أريد أضلع مشوية مع الصلصة الايطالية
وقالت روان من بعده:
- وأنا طبق الخضروات الرئيسي مع صحن رز صغير الحجم
لتردف سوزان من بعدها بابتسامتها التي تثير أستفزاز ليلى:.

- وأنا طبقة سلطة فقط. لا أريد من وزني أن يزيد.
فتمتمت ليلى بتهكم بينما تطالع قائمتها:
-لم يسألك أحد عن السبب بالمناسبة!
غطى يزن وجهه بيده ليخفي ضحكته بينما نظرت لها سوزان وهي تقول باستنكار:
- عفواً؟!
تجاهلتها ونظرت نحو النادل قائلة:
- طبق من الدجاج المشوي لو سمحت مع الخضروات.
فقال يزن وبعض اثار الضحك على شفتيه:
- وأنا طبق لحم مشوي مع الخضار أرجوك.
رد النادل بابتسامة مؤدبة:
- حاضر!

ورحل عنهم ليترك المكان صامتاً بعد الشرارة الكهربائية تلك التي انطلقت بين ليلى وسوزان، فأن كان هناك شيء يعرفه مازن عن خطيبته هو أنها أن لم تستلطف أحدهم فلن تخفي ذلك حتى عن الشخص ذاته!
لف يده من حولها لتستكين على ظهر الكرسي وأقترب من أذنها هامساً بابتسامة:
- هل يمكنك فقط أن تتجاهلي أمر أنك لم تستلطفيها وتساعديني بدل ذلك على جعل يزن يهتم بها؟

رغم أنها كادت أن تبحث عن اقرب شيء حديدي لتغرسه برأس مازن بسبب هذا الأقتراح إلا أنها رضخت له. فهذا ما يجب فعله، عليها تشجيعه أن يعيش حياته وليس أن تقف بطريقه دائماً بسبب حبها الاناني له!
تبسمت بصعوبة وهي ترضخ لطلب مازن وقالت:
- لم اقصد عزيزتي سوزان. هذه هي طريقتي في المزاح. أنها سخيفة قليلاً!
فردت الأخرى فوراً:
- بل كثيراً!

عصرت ليلى يدها محاولة أن تسيطر على أعصابها كي لا تنفجر بوجهها فهمس مازن مجدداً وهو بالكاد يكتم ضحكته:
- أستعيذي من الشيطان حبيبتي وتذكري إننا نفعل هذا من أجل مصلحة يزن
أخذت نفساً عميقاً وتبسمت بوجه سوزان التي قالت بشيء من الغطرسة:
- ولكن لا تهتمي. لا أحكم على الناس حسب أسلوبي في التعامل معهم أو أطلب منهم أخلاق مماثلة!

كان يزن يدرك أن سوزان سليطة اللسان أن فقدت أعصابها وأن ليلى سترتكب جريمة قتل مع أمثالها لذلك قطع عليهما نظراتهما المحتدمة بمعركة صامتة وهو يقول مخاطباً روان التي على ما يبدو أنها تعاني قلقه ذاته:
- فستانكِ رائع روان!
وتعمد عدم مدح الاخريتين لأنه أن مدح سوزان ستقتله ليلى، ولا يمكنه أن يمدح ليلى بوجود مازن. لذلك كانت روان خياره الوحيد كي يغير مسار الحديث. فردت الأخرى وقد فهمت المغزى:.

- وهذا ما أقنع به نفسي مع كل يوم أفتح الخزانة واراه أمامي وأتذكر سعره!
نظر مازن نحو فستانها للحظات ثم قال بنبرة باردة:
- كان سيكون أجمل لو كان مع أكمام أطول بدل أن تكشفي عن ذراعيكِ!
فنظرت له بابتسامة ذات معنى وقد فهمت قصده هو الأخر وقالت:
- هذا التصميم لا يوجد به أكمام.
- كان يمكنكِ أن تختاري تصميم أخر!

- لا أملك الكثير من المقترحين. فكما تعلم أخرج للتسوق بمفردي لذلك أن اقتنعت بشيء سأشتريه دون أن ينصحني أحد بعدم فعل ذلك!
لم تتوقعه أن يرد بصراحة على تلميحها وهو يقول:
- أعتذر. فبالتأكيد لا تتوقعين مني أن ارافقكِ الى التسوق بعد أن أرتبطتِ بأياد. كان على خطيبكِ فعل هذا!
لكزته فوراً ليلى على يده بينما هو وروان يحدقان بجمود بوجه بعضهما الاخر من غير أن يقولا حرف أضافي!

فقالت سوزان بكل حماقة موجهة خطابها لروان:
- سمعت ما فعله ذلك المنحط أياد بكِ. أنتِ حقاً لا تستحقين شخص مثله!
شعرت بكرامتها تُسحق ولا تدعس فقط وأن ما فعله أياد أصبح حديث المستشفى. أنها تلك الحمقاء التي كان خطيبها يخونها مع إحداهن!
نهضت من الكرسي فوراً وهي تقول بصوت مهزوز:
- عن اذنكم!
كاد يزن أن يعترض على رحيلها ولكنها كانت قد سارت خطواتها مبتعدة بأتجاه الحمام.
نهضن ليلى بدورها وهي تقول لمازن مؤنبة:.

- أحسنت! دور من سيحين بعد لتجرحه الليلة؟
كادت سوزان أن تقف لترافقها فأشارت لها ليلى في الحال محذرة:
- لا تفكري بالأمر حتى عزيزتي!
وتبعت بمفردها روان الى الحمام.
نظر يزن بحدة نحو مازن وكاد أن يوبخه فقال الاخر ببرود:
- لن أعتذر لها ولست نادم. تستحق ذلك!
فقال يزن بأنفعال:
- أتفعل ذلك لأنها تستحق هذا بالفعل؟ أم تريد أبعادها فقط لأنك أضعف من أن تبعدها؟

سكت مازن من غير رد بينما يشيح بوجهه جانباً بغيض. فأسوأ ما يكون أحياناً أن يزن يفهمه أكثر مما يجب!
وفي هذه اللحظة الذي يصارع مازن عقله البارد وقلبه النادم دخلت ليلى نحو الحمام ووجدت روان تستند على طرف المغسلة وتحني جذعها العلوي وتبكي بصمت. أقتربت منها بتردد. ما أن تنفرج شفتيها لتقول شيء يواسيها حتى تصمت في الحال. فهي ليست بارعة في المواساة حقاً!
تنهدت بحيرة ثم قالت:
- لا تبالي بها. أنها مجرد حمقاء!

ما أن عرفت روان بوجود ليلى حتى استقامت بجسدها لتجفف دموعها فوراً وتصلب ملامح وجهها بعيداً عن أي شفقة من أحدهم وغسلت يديها والتفتت نحو ليلى وهي تقول:
- لا تقلقي. لم أهتم كثيراً لها!
- لا داعي أن تمثلي إنكِ قوية. فهذا أصعب من الأنكسار بحد ذاته
وهنا بهتت ملامح روان في الحال وكأن ليلى هشمت لها شيئاً بداخلها جعلها تفقد تماسكها من جديد. أفلتت من مقلتيها دمعة مسحتها على الفور وهي تقول بحزن:.

- ما يقتلني أن حمقى مثل سوزان أصبحوا يشفقون على حالي بسبب ذلك الوغد اياد. وما يقتلني أكثر أن مازن للأن لا يزال يشعر بالراحة كونه أثبت أنه محق وإني مخطئة. لا يبالي بما مررت به. ما يهمه إني أنكسرت لأني لم أستمع له!
تبسمت ليلى بلطف وهي تقول بشيء من التأنيب:
- ظننتكِ قلتِ إنكِ تفهمين مازن يا روان!
نظرت لها الأخرى بعدم فهم لتكمل ليلى:.

- مازن لا يشمت بكِ يا روان. بل لأنه الى الأن يتعذب من ذلك القرار التي أتخذتهِ بأرتباطكِ بأياد الذي جرحكِ. يود أن يعاقبكِ في كل يوم من شدة حزنه عليكِ. حين تجرحين مازن فلديه اثنين من ردود الأفعال. أن كنتِ شخص لا يبالي كثيراً بأمره فسيسامحكِ بسهولة. ولكن أن كان يحبكِ حقاً فسيرى المسامحة شيء أصعب من أن يتمكن من فعله. لذلك سيقوم بجرحكِ ايضاً ليراكِ تتعذبين كما يفعل هو. لعله يتمكن من مسامحتكِ حينها، أليس هذا ما قلته لي ذات مرة عنه؟

حين لم ترد روان بشيء أقتربت ليلى منها بهدوء وضمتها برفق مما أثار دهشة روان وهمست لها بحزن:
- لا تنكسري يا روان. أحتاج أليكِ قوية. صدقي أو لا تصدقي ولكني حقاً بحاجة أن أستند عليكِ. لذلك لا تخذليني وتنكسري بسبب بعض الحمقى!
تبسمت روان بمرارة ورفعت يديها لتضم ليلى بدورها وقالت:
- أعدكِ إنب لن افعل ذلك من الان فصاعداً!
فسحبت ليلى نفسها من بين أحضان روان وقالت بلسانها السليط المعتاد:.

- والان دعينا من هذه الدراما المبتذلة. أكره هذه العواطف السخيفة!
ضحكت روان وعانقتها مرة اخرى بقوة أكبر وليلى تحاول دفعها وتقول:
- أبتعدي عني ايتها المجنونة. من يرانا سيفهمنا بشكل خاطئ وأنا فتاة أريد الحفاظ على سمعتي!
ابتعدت روان وهي تنفجر ضاحكة بينما تقول:
- أنتِ مقرفة!
تبسمت ليلى بدورها وهي تقول:
- دعينا نخرج مع ابتسامتكِ هذه ليروا كم أنتِ قوية حقاً!

اومأت روان موافقة وخرجتا معاً يتبادلان الحديث ويضحكا مما اثار دهشة المجتمعين حول الطاولة حين جلستا. فكل ما توقعوه أن تعود روان محمرة العيون وغاضبة الملامح.
قالت سوزان فور جلوس روان:
- أعتذى عزيزتي روان. لم أكن أقصد!
فردت روان بابتسامة لطيفة جداً لا تعكس استيائها الداخلي من سوزان:
- لا تهتمي عزيزتي. لا أحكم على الناس حسب أسلوبي في التعامل معهم أو أطلب منهم أخلاق مماثلة!

تلاشت ابتسامة سوزان بينما اتسعت ابتسامة ليلى. النساء حقاً خطيرات حين يكن فريق أو حين يكن أعداء. أنهن خطيرات بكل الحالات فحسب!
أحضر النادل العشاء ليقطع عليهم هذه الحرب المشفرة ووزع الاطباق كلاً حسب طلبه.
بدأ الجميع بتناول العشاء فسألت سوزان ليلى:
- أي أختصاص تدرسين ليلى؟
فردت الأخرى بينما تبدأ بتجميع الفلفل الاخضر بشوكتها:
- أدارة الأعمال.
- هل دخلتها بإرادتكِ أم لأنكِ كنتِ مقيدة بالمعدل؟
فرد يزن:.

- كان معدلها يسمح بدخول أي جامعة ترغب بها ولكنها أصرت على إدارة الأعمال.
فنظرت له ضاحكة وهي تكمل جملته بينما تضع كل الفلفل الذي جمعته في صحنه:
- كي ينادوني سيدة أعمال .
فرد بينما يضع الجزر الذي في صحنه داخل صحنها وهو يرد:
- حالياً انسة أعمال.
- ذاتاً حالياً طالبة بالمناسبة.
فقطعت عليهما سوزان المناقشة الطريفة وهي تسأل بابتسامة مستغربة بينما تشير نحو صحنيهما:
- ما هذا؟!

نظر لها الجميع بعدم فهم لتكمل قصدها:
- لِما تتبادلان مكونات الطعام بينكما؟!
نظر مازن فوراً نحوهما وقد أنتبه لذلك لتوه وتوقفت روان عن مضغ الطعام في الحال وانقبضت معدتها بقلق بينما يزن وليلى يحدقان بجمود نحو سوزان التي أكملت جملتها لليلى:
- خطيبكِ على يمينكِ بالمناسبة وليس على يساركِ!
وقبل أن ترد ليلى بعصبيتها المعتادة رد مازن فوراً وهو ينظر لسوزان ببرود:.

- ليلى ويزن على معرفة منذ سنين طويلة. منذ طفولة ليلى وأسرتيهما مقربة من بعض. لذلك بغض النظر عن كوني خطيبها فأنهما على معرفة ببعضهما أكثر مني!
نظرت له ليلى بأبتسامة أعجاب وامتنان. فبالرغم أن هذا الموقف قد ازعجه إلا أنه دافع عنها. وكأنه كان يعتذر لها بطريقة غير مباشرةٍ عن تشكيكه بها.
أكمل يزن ما بدأه مازن وقال:.

- ليلى لا تحب الفلفل الأخضر وتحب الجزر أكثر. لذلك في كل مرة كنا نخرج فيها معاً في المناسبات العائلية كانت تعطيني الفلفل الأخضر لأني لا أمانع أكله
- وهل تكره أنت الجزر؟
فرد بارتباك:
- لا. ولكنها تحبه وهي قد أعطتني كل الفلفل. لذلك أعطيها الجزر.
فقالت ليلى فوراً بشيء من العصبية قبل أن تسأل سوزان اسألتها البقية:
- أن لم يكن لديكِ المزيد من الاسئلة الفضولية هل يمكننا تناول العشاء؟
فقالت سوزان بأحراج:.

- لم يكت فضولاً. كنت فقط اتبادل أطراف الحديث معكم فحسب!
فقال يزن فوراً بابتسامة محاولاً تدارك أحراجها:
- لا بأس لا تهتمي. ليس بالأمر الجلل!
نظرت له ليلى بنظرة حادة فوراً أخفى على اثرها ابتسامته في الحال وأنزل ابصاره كولد مطيع داخل صحنه ليكمل عشائه بهدوء، زفرت بضيق بدورها وعادت لتناول عشائها من غير أن تضيف كلمات أضافية كما فعل الجميع ذلك!

أنتهى العشاء وحان الوقت لتقديم هدايا عيد الميلاد الذي نسوا أمره من الأساس بسبب حرب طروادة التي ابتدأت منذ بداية اللقاء والى الان!
أول من قدم هديته كان مازن بعلبة صغيرة وهو يقول بابتسامة:
- أن لم تعجبك فقد وضعت لك عنوان المتجر معها. يمكنك أعادتها واسترداد الأموال!
فقال يزن بينما يفتحها:
- وهل سأخذ الاموال لي؟
- بالطبع لا. ستعيدهم لي!

ضحك وهو يهز رأسه بيأس منه. فتح الهدية ووجدها ساعة فضية جميلة جداً كانت قد أعجبت يزن مسبقاً اثناء تقليبهم قبل ايام في أحد مواقع التواصل ووجدوهم قد عرضوها.
نظر له فوراً بابتسامة مشرقة وهو يقول:
- أنت الأفضل!
فقال مازن بغرور مصطنع:
- معلومة قديمة يا عزيزي!
فقدمت روان هديتها مباشرةٍ وهي تقول:
- لن أسألك عن رأيك بها. فأنت مضطر أن تقبلها. أنها ميدالية لمفتاح سيارتك.
أراد أن يفتحها فقالت فوراً برفض:.

- لا تفعل ذلك!
نظر اليها باستغراب فقالت بملامح بائسة:
- لقد استغرقت ساعة ونصف في تغليفها. ستمزق قلبي أن مزقتها أمامي!
ضحك وهو يقول:
- لا فائدة منكِ. ستبقين بخيلة طوال حياتكِ.
- أنه الأقتصاد يا عزيزي أنه الأقتصاد!
قاطعت سوزان حديثهما وهي تقدم هديتها بخجل وتقول:
- أتمنى أن تعجبك هديتي المتواضعة!
تبسم وهو يقول برسمية كي يتفادا نظرات ليلى الحادة:
- شكراً لكِ سوزان!

ووضع هديتها بجوار هدية روان متجنباً فتحها الان خشية أن يكون شيء يثير استياء ليلى. نظر نحو ليلى وهي تمسك هديتها بيدها ولا يبدو أنها تنوي تسليمها الان.
حدق بوجهها بابتسامة بينما هي بجمود فأنزل ابصاره نحو الهدية بمعنى هل ستعطيني اياها أم ماذا؟ . حيث كانت اكثر هدية متحمس لمعرفة مضمونها. ولكنها قالت بنبرة معينة وهي تمنح هدية سوزان نظرة سريعة:.

- لا بأس. لست مستعجلة. بإمكاني الأنتظار بينما تفتح هدية سوزان!
أدرك أنه لا مفر من الأمر لذلك سحب الهدية ولا يعرف لِما كل هذا القلق يحتبس بداخله. هي لم يعد من حقها أن تلومه حتى وأن أرتبط بغيرها أو أن تكتشف أن أحداهن معجبة به. فلماذا يهتم هكذا بما ستشعر به أن كانت هدية سوزان توحي لأعجاب ما؟
زفر براحة حين فتح الهدية ووجدها سماعة طبية. تبسم فوراً وقبل أن يشكرها قالت سوزان موضحة:.

- أسمك منقوش بخط ذهبي صغير على أحد جوانب أنبوبها المعدني.
فرد بتلكأ:
- اوه هذا. هذا.
فأكملت ليلى بابتسامة وبالكاد تكتم استيائها:
- مثير للأعجاب حقاً!
ثم نظرت نحو يزن بذات الابتسامة من غير أن يبدو عليها أي انزعاج وقدمت له هديتها وقالت:
- رغم أنه ليس بفخامة ما قدموه لك. ولكن أنت تعرفني بتقديم الهدايا. أحب تقديم شيء ذو معنى دائماً.

استلم منها الهدية بابتسامة وبالكاد سيطر على نفسه أن يفتحها بهدوء دون ان يستعجل بتمزيق الغلاف ليعرف ماذا جلبت له.
انتهى اخيراً من الفتح ليجد دفتر ذو تصميم والوان مميزة ومنقوش فوقه بخط الكتروني جميل مائة رسالة .
تبسمت بينما تشرح له هديتها:.

- حدثتني صديقة لي عنه قبل أيام لذلك فكرت أنه سيعجك، أنه يتألف من مائة ورقة. في كل ورقة ستكتب بها رسالة توجهها لأحدهم. انت لن ترسل هذه الرسائل ولكنك ستكتب كما لو كنت ستفعل. الأمر كالمذكرات اليومية ولكن الأختلاف أنك ستخاطب فيها أحدهم وستكتبت ما لم تتمكن من الأفصاح عنه.
نظر نحو الدفتر بعيون عميقة وعلى شفتاه ترتسم ابتسامة حزن طفيفة بينما يقول بخفوت:
- أمر جميل حقاً.
ثم نظر نحوها وقال:
- شكراً لكِ كثيراً.

تبسمت من غير رد بينما هو وضع الدفتر جانباً مسيطراً بصعوبة عاى نفسه دون أن يتمسك به اكثر أو أن يرفعه نحو شفتيه ليقبله أو يضمه الى صدره. سيؤجل ذلك لوقت لاحق!
انقضى بعض الوقت بأحاديث طريفة وبمواضيع عشوائية من غير أن يجمع احدهما مازن وروان معاً. فكان جلياً أنهما يتجنبان بعضهما الاخر وكانت ليلى أول من لاحظت ذلك!
أقتربت من مازن وهمست له قائلة:
- إذاً؟

أدار رأسه نحوها من غير أن يجعل عينيه تلتقي بعينيها وقال:
- إذاً ماذا؟!
- ألا يكفي هذا يا مازن؟ ألم تكتفي من جرحها؟
زفر بضيق فقالت فوراً قبل أن يعترض:
- لقد وعدتني يا مازن أن تصلح الأمر. لقد خرقت وعدك وجرحتها بدل ذلك!
حينها أدار عينيه اليها وتطلع بها مفكراً فقالت فوراً بترجي:
- أرجوك. هذا كل ما سأطلبه منك. قم لتتحدث اليها!
فقال رافضاً:.

- أين سأتحدث يا ليلى؟ هل سأخذها الى الشرفة مثلاً أم نجلس على طاولة أخرى؟
- بل خارج المطعم. أذهبا نحو مكان ما!
زفر بضيق وهو يفرك جبينه بتعب فأكملت هي بينما تحتضن ذراعه:
- أرجوك مازن. إن أردت أوصنلي الى المنزل وهي معنا ومن ثم خذها نحو مكان اخر لتتحدثا. لا تتركها هذه الليلة وهي مجروحة منك بهذا الشكل. أصلح الأمور بينكما ارجوك.
حدق بها بحزن فأكملت بينما تزيد من ضم يده وتشابك اصابعها بأصابعه:.

- أنا سأكون دائماً موجودة معك. ولكن وجودي لن يعوضك عن وجودها، لا تكن احمق وتخسرها!
أقترب برأسه منها وقبّل جبيتها تحت أنظار يزن المشتعلة الذي لم يفهم عمّا يتناقشان!
همس لها:
- أنا أحبكِ!
تبسمت وقالت:
- ليس كما تحبها هي.
تنهد بقلة حيلة وهو يحدق بها قليلاً ثم وقف باستسلام وهو ينظر نحو يزن قائلاً:
- يزن. هل بإمكانك أيصال ليلى نحو منزلها؟

نظر الجميع نحو باستغراب وحتى ليلى ذاتها بينما هو بقي يحدق بوجه يزن منتظراً إجابته. ارتبك يزن بادئ الأمر الى أن قال واخيراً:
- أجل. أجل بالطبع!
أدركت ليلى لحظتها أنه تعمد طلب ذلك من يزن ولم يوصلها هو. وكأنه أعتذار أخر يحاول من خلاله ان يثبت لها أنه لا يشك بشيء!
تبسم بأمتنان بعد إجابة يزن ونظر نحو روان وهو يسألها:
- هل جئتِ بسيارتكِ؟
نظرت له بأستغراب وسألته بكل غباء:
- أنا؟
فقال ساخراً:.

- لا. أنا اتحدث الى كرسيكِ!
تنحنحت لتخفي ابتسامتها وأدّعت الجدية قائلة:
- لا. لقد أحضرني يزن معه!
- إذاً انهضي معي!
نظرت بتشتت ما بينه وما بين ليلى المبتسمة وقالت بعدم استيعاب:
- أنهض معك الى أين؟!
- علينا التحدث.
وعادت لتقلب ابصارها بين الاثنين بأرتباك دون أن تعرف ما الذي ستقوله فزفر مازن بضيق وهو يقول:
- يا إلهي. هل ستنهضين أم ماذا؟
رفعت أصبعها مشيرة نحو ليلى قائلة:
- ولكن.

قاطع جملتها وهو يمسكها من مرفقها ليوقفها وقال:
- تناقشنا مسبقاً لا تقلقي!
ثم نظر نحو الاخرين قائلاً:
- الى اللقاء.
وسحبها معه وذهب تحت انظار سوزان ويزن المذهولة والذي لم يرد احد منهما الوداع سوى ليلى.
نظر يزن نحو ليلى فوراً وقال:
- ما الذي يحصل بالضبط؟!
رفعت كتفيها وأنزلتهما بأبتسامة وهي تقول:
- ما يجب أن يحصل!

بقي يحدق بها بعدم فهم بينما هي لا تنزع الابتسامة المرتاحة عن شفتيها. قاطع عليه تحديقه صوت سوزان وهي تقول بينما تنهض:
- أنا سأذهب ايضاً. لقد تأخر الوقت.
نهض من فوره وقال:
- سنوصلكِ معنا.
- لا تتعب نفسكِ. سأستقل سيارة اجرة!
- لا يجوز هذا.
فقامت ليلى وهي تقول ايضاً:
- لقد قلتها أنتِ. لقد تأخر الوقت فكيف ستذهبين بمفردكِ!
تبسمت وتقبلت هذا العرض الذي وجدته جائزة ذهبية لتتقرب من يزن أكثر!

تقدمهما يزن بالمسير فتبعته سوزان فوراً لتجاوره بينما بقيت ليلى في الخلف تصهر نفسها بنفسها وهي تراقب بصمت وتدّعي إنها لا تبالي.
وصلوا نحو السيارة لتجد ان سوزان قد فتحت باب المقعد المجاور للسائق لتجلس بجوار يزن. بدأت تشعر بالاختناق حقاً في لحظتها ولم تعد تتمكن من استنشاق الهواء بطريقة كافية!

جلست في المقعد الخلفي ليزن الذي لم يعرف كيف يتصرف في لحظتها دون أن يجرح إحداهما لذلك فتح لها الباب الذي يقع خلف كرسيه مباشرةٍ كي يجبرها على الجلوس فيه دون أن تجلس من الجهة الأخرى بعيداً عنه. وكأنه يحاول أدخال بعض الدفئ لقبلها وجعلها تطمئن أنها الوحيدة التي سيبالي بأمرها بغض النظر عمن ستجلس بجواره!

أنطلقت السيارة ويزن يكتفي بالأستماع لأحاديث سوزان ونادراً ما يعلق بشيء وكل باله مشغول بتلك الصورة المنعكسة بمرآته بتلك التي تتكأ برأسها على نافذتها تحدق خارجها بأنكسار وحزن تحاول قدر الأمكان إخفائه!
عمّ الصمت بعد لحظات على المكان فسمع صوتها الخافت يدندن بأغنية معينة. ركز جيداً بكلماتها وقد أدرك أن لها قصد بها.
- (It s a small town
إنها مدينة صغيرة
Word gets around
والكلمات تنتقل
And travels in circles.

تنتقل بدوائر
Through hoops، over hurdles
من خلال الأطواق وفوق الحواجز
Everyone s careless
الجميع لا يبالون
They talk about our mess
ويتحدثون عن فوضتنا
They don t care how it hurts me
لا يدركون كم يؤلمني هذا
Must think it was easy
لا بد إنهم يعتقدون أن هذا سهل
They say you have a new love
يقولون أن لديك حباً جديد
I m happy for you، love
أنا سعيدة من أجل حبك هذا
I just don t wanna meet her
أنا فقط لا أريد مقابلتها.

Are you gonna keep her
هل ستحتفظ بها؟
Cause I don t wanna see you with her
لأنني لا أريد رؤيتك معها
I don t wanna see her face
لا اريد رؤية وجهها
Resting in your embrace
تستريح في أحضانك
Her feet standing in my place
قدماها تقف حيث يجب أن يكون مكاني
I don t wanna see you moved on
لا أريد رؤيتك تبدأ صفحة جديدة
I don t think that I m that strong
لا أظن إني بتلك القوة
It hasn t been that long
لم يمر وقت طويل.

Since I was the one in your arms
مذ كنت أنا بين ذراعيك)
وأغمضت عيناها بألم فوراً لتسقط بضع دمعات منها. للحظة أوشك على أيقاف السيارة وأنزال سوزان منها فقط كي ترتاح هي. ولكن رجولته لم تكن تسمح له بفعل ذلك. لذلك ضغط البنزين بقوة ليقود السيارة بأقصى سرعة محاولاً إيصال سوزان بأقرب وقت ممكن نحو منزلها كي يخمد تلك النار في قلب ليلى التي تحاول تحملها بصمت وبسرية عنه!

وصلوا الى منزل سوزان وبالكاد سمعت ردهما على تحية وداعها. ما أن نزلت حتى انطلق بالسيارة من غير ان ينتظر دخولها.
بقيت على الوضع ذاته من غير أن تتحرك. فقط تحدق بالفراغ بعيون ذابلة. عصر المقود بقوة بين يديه متردداً فيما يريد البوح به، ثواني حتى قال بنبرة منكسرة:
- هي لاتعني لي أي شيء!
حركت كرتا عينيها نحوه من غير أن تتحرك أو تتحدث فأكمل هو:
- أقسم لكِ!
أعادت ابصارها نحو النافذة وقالت بنبرة متعبة:.

- لا تبالي بما أظنه يا يزن. أفعل ما تراه مناسباً لك وما سيريحك. ولكن لا تريني اياه. أرجوك!
- ليلى أنا لا احاول تبرير شيء لأني حقاً لم افعل شيء ولم أحاول إثارة غيرتكِ أو ما شابه!
- أعلم أنك لم تفعل...

سكت وهو ينظر لها من خلال المرآة بعدم فهم. هي تبدو منكسرة ومتقوقعة حول ذاتها. لما لا تبوح بنارها فقط كما كانت تفعل؟ لِما تحاول بشدة وضع المئات من الحواجز بينها وبينه فجأة وتركه يعيش كما يرغب هو حتى وأن عنى ذلك جرحها؟
لن يستطيع فهم ذلك حتى وأن شرحت له. حتى وأن أخبرته إننا حين نبدأ عدّنا التنازلي سنبدأ بترك المقربين منا حتى لو كنا بحاجتهم. فلا نريد من شيء أن يدفعنا للتشبث بهذه الحياة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة