قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث

شيء من الماضي
جلس يحيى يتابع نشرة الاخبار الرياضية في فترة المساء كعادته بينما تعالى صوت رنين جرس المنزل صادح في الارجاء، نهض بينما عيناه تتابع الاخبار لا يريد تفويت لقطة حتى حين ادار المقبض!
- مرحبا يحيى.
التفت نحو قاسم - صديق طفولته- وقال بينما يمسكه من يده يحثه على الدخول:
- اهلاً قاسم. تفضل تفضل الانباء الرياضية على وشك الانتهاء!
سحب قاسم يده بهدوء وقال:
- لا. شكراً لك!

وهنا تناسى يحيى امر الرياضة وحدق بوجه صديقه الشاحب وقال:
- ما بك يا قاسم؟
- يحيى. انا احتاج مساعدتك!
- بالتأكيد. وانا جاهز لأي شي. قل؟
تردد الاخر
- كما تعلم غداً اليوم الاخير الذي ستستلم فيه الجامعة وثائقنا من اجل القبول!
- اجل؟
- لقد. لقد اضعت ورقة المنحة الدراسية التي ستجعلني ادرس الجامعة بالمجان!

وهنا فتح يحيى عينيه بصدمة وشعر بالكون يلتف به. هو يدرك جيداً ولع قاسم بالدراسة ويدرك الاوضاع المادية السيئة التي تعاني منها اسرته عكس اسرة يحيى، لقد فعلا المستحيل ليدخلا هذه الجامعة. تمكن يحيى من التقديم لها على حسابه بينما اجتهد قاسم في دراسته ليحصل على منحة دراسية تمكنه من دخول جامعتهما التي يخططان لدخولها منذ سنين. واليوم قد اضاع قاسم هذه الورقة والحصول على اخرى سيستغرق ايام وسيغلق باب القبول!

سحب يحيى انفاساً متتالية تخلصه من ضيقه بينما قال بتوتر يكتنفه الذعر:
- اين اضعتها؟
- في متجر التجهيزات الرياضية الذي قصدناه اليوم!
- أمتأكد؟
- لقد ذهبت قبل قليل ونظرت من خلال النوافذ ولمحتها تحت الكرسي الذي جلسنا عليه. لقد كنت اضعها في جيب قميصي وبالتأكيد وقعت حين جربت الحذاء!
- والان ماذا سنفعل؟
حدق قاسم ثواني داخل عيون صديقه القلقة قبل ان يردف:
- سنقتحم المكان!.
فهتف الاخر بتفاجئ:
- ماذا؟ هل فقدت عقلك؟

- يا يحيى انت تدرك ان هذا المتجر لا يفتح ابوابه صباحاً. ومستقبلي ومستقبل اسرتي كله يعتمد على هذه الورقة. واوضاعنا المادية لا تسمح لي بتأجيل هذه السنة، انت تعلم كم تعبت لحين حصولي على هذه المنحة. ان فقدتها فسيضيع تعبي هباء. واسرتي تنتظر تخرجي بفارغ الصبر كي اعيل عائلتي بوظيفتي. يا يحيى انا سأفعل المستحيل لأستعيدها. وان لم تكن معي فسأذهب بمفردي.

انهى جملته واستدار خاطياً اول خطواته قبل ان يمسكه يحيى موقفاً اياه. استدار له فتبسم يحيى قائلاً: - اما ننجح معاً او نفشل معاً. ام انك نسيت قانوننا ايها الساذج؟
اكتفى قاسم بابتسامة ممتنة بينما دلف يحيى ليجلب مفاتيح المنزل واستأذن من ابيه وخرج برفقة قاسم!
وصلوا بعد 20 دقيقة نحو المتجر الذي اغلق ابوابه منذ ساعة او ما يزيد فتطلع يحيى بقاسم وقال:
- والان ما الخطة؟

فقال الاخير بينما عيناه تمسح بداية المتجر الزجاجية:
- سأقتحم المتجر من الباب الخلفي وانت راقب من هنا!
فقال يحيى فوراً:
- وما فائدتي في المراقبة؟ هل سأصرخ عليك ان حضرت الشرطة؟ دعني اتي معك!

نظر له قاسم بتفكير للحظات حتى اقتنع بفكرته فمضيا معاً نحو باب المتجر الخلفي. راقبا بحذر المحيط من حولهما حتى تأكدا من خلوه فكسر قاسم قفل الباب باداة احضرها معه مسبقاً. دخلا الى المتجر وهما مطمئنين ان صاحب المتجر لم يضع صفارة انذار. دون ان يدرك كلاهما انها صفارة انذار بعيدة المدى سيشتغل التنبيه في منزل صاحب المتجر ليبلغ الشرطة دون ان يدرك اللصوص المحتملون ذلك!

واجهتهما بعض الصعوبات في كسر الباب الاخر الذي يؤدي نحو القاعة المطلوبة ولكنهما دلفا على اية حال.
اسرع قاسم نحو الكرسي حيث شاهد الورقة واستخرجها بسرعة غير مبالي بالفوضى التي تعم المكان او تثير استغرابه واسرع مرة اخرى اتجاه يحيى ليخرجا من المتجر. وصلا نحو الباب الذي دخلا منه فقال يحيى فوراً: - انتظر قاسم، يبدو ان مفاتيحي سقطت مني. انتظر هنا لتراقب الباب بينما اعود لأبحث!

فقال الاخر بهمس مشابه: - اسرع يا يحيى قبل ان يكشفنا احد!
عاد يحيى بخطوات سريعة نحو الداخل بالكاد يرى الارضية مع الاضاءة الخافتة خارج القاعة حيث اسقط مفاتيحه. بحث مرة تلو اخرى غير مبالي بصوت قاسم الذي يحثه على الاسراع والخروج. فالمفاتيح ستكون دليل ادانة ضده ان بلّغ صاحب المتجر.

واخيراً وبعد عناء وجدها فامسكها وخرج مسرعاً. خرج وكله ثقة انه سيجد صديق عمره حيث تركه. ولكنه لم يفعل. وجد سيارات الشرطة تداهم المكان واصواتهم العالية تأمره بالركوع على قدميه بينما فوهات سلحتهم موجه نحوه، في تلك اللحظة لم ينتابه شك ولو للحظة ان قاسم قد هرب قبله، لقد اعتصر قلبه عليه وهو يتخيل انهم القوا القبض عليه وقد يفوته تقديم الجامعة في الغد، جلس على ركبتيه وهو يرفع يديه اعلى رأسه وعيناه تتجول ما بين وجوه الشرطة وسيارتهم وهو يقول بخوف: - لم نسرق شيئاً اقسم لكم. صديقي نسي ورقة مهمة هنا ونحن اخذناها فقط. بأمكانكم سؤاله.

ثم صاح بأمل بدأ يتلاشى:
- قاسم؟ قاسم؟
فلم تبالي الشرطة بكلماته وقيدو يديه خلف ظهره بينما صرخات يحيى تتعالى باسم قاسم الذي تركه واختبئ ما ان لمح سيارات الشرطة مكتفياً بتحذيره بصوته شبه الهامس ولم يدخل ليخرجه، سمع صراخ صديقه واستغاثته به. تجاهل انه فعل كل هذا من اجله. وتملتكه تلك الانانية البشرية التي دفعته لأنقاذ نفسه حتى وان حزن من اجل صديقه!

جلس يحيى في زنزانة سجنه موهماً نفسه ان كل شيء سيكون بخير وانهم سيفرجون عنه ما ان يؤكد لهم صاحب المتجر انهم لم يسرقوا شيئاً. هذا ما اكده عليه والده والمحامي. لم يدرك يحيى ليلتها ان القدر بدأ يلعب ضده لينسج قصة ذات سلاسل متصلة يكون لها سبب ونتيجة لتغير حياة اشخاص كثر. اولهم هو واخرهم ليلى!

استغرب يحيى كلام ابيه وهو يحثه على الاعتراف بشأن السرقة فانكر يحيى ذلك واقسم عليه. ليعرف من والده لاحقاً ان المتجر على ما يبدو ولسوء حظهم تمت سرقته بأتقان قبلهم دون ان يضطر اللصوص لكسر باب المتجر واطلاق الانذار بل استخدمو ادوات اخرى لفتح قفل الباب!

الحاضر
تنفس يحيى بألم ونار تعتصر روحه منذ سنين لم تخمد بعد. جالس على كرسيه ذو الجلد الاسود خلف مكتبه الخشبي ذو اللون البني الغامق ويحدق من خلال نافذته ذات التصميم الفرنسي حيث تشغل الجدار بأكمله بينما ليلى تجلس على الكرسي المقابل له تحدق بجانب وجهه بأسى وهي تتطلع بتلك العيون التي تجرعت من الحياة ما يكفي لتصطبغ بهذه الحدة والجدية!
نظر اليها وقال بصوته العميق الذي يحمل بين طياته الم مخفي:.

- جلست في المحكمة اراقب قاسم وهم يصعدوه على منصة الشهادة. اراقبه وهو يؤكد لهم انه لم يراني في يومها، نعم رأيته يقول هذا بأسى والم لأني سأتحمل التهمة بمفردي. ولكنه تخلى عني ليكمل تحقيق حلمه بينما انا ضاعت خمس سنوات من حياتي في السجن!
عصر عيناه لثواني وقطب حاجبيه بحده وكأنه يحاول محو ذكرى عالقة بينما يكمل حديثه بامتعاض:.

- وبكل جرأة حضر ليعتذر لي بعد ان خرجت من السجن. بعد ان اصبح موظف بشهادة مرموقة. قال انه فعل هذا من اجل اسرته!
فقال ليلى من وسط دموعها:
- ربما كان محق. ربما لم يقصد اذيتك جدي!
ففتح عيناه المحمرة وقطب حاجبيه بصورة اشد محدقاً فيها للحظات قبل ان يردف بصوت محملاً بألم مزمن لا يزال يلازمه من الماضي:
- أتعرفين ما هو اصعب شعور من الممكن ان يراودنا يا ابنتي؟
اكتفت بالتحديق به من وسط دموعها فأكمل:.

- ان يخذلك شخص وثقتِ به. ان يخذلك صديق، صديق الطفولة يا ليلى. صديق ضحيت بمستقبلي من اجله لم يقف على منصة الشهادة لينقذني بل ليخذلني!
نهض من خلف المكتب واستدار واقفاً امامها بينما يقدم عكازه ويستند عليه بيديه المجعدة وقال:.

- انا سأمنحكِ الخيار يا ليلى وانتِ من ستقرري، اما ان تتزوجي حفيد قاسم او ان لا تفعلي. ان تزوجته فستخرجين من هذا الباب ولن تعودي الى الابد. وممنوع حتى على ابويكِ رؤيتكِ. او ان لا تتزوجيه. وستقطعين كل صلة لكِ معه. وانا سأقطع هذه الصلة بنفسي وسأضع من يراقبكِ. وان احسست انكِ تقابليه سراً فسأجعلكِ تندمين يا ليلى، امامك اسبوع واحد لتفكري!
فانتفتضت من مكانها تذرف دموعها بوجع بينما تهتف بعدم وعي:.

- ولكن هذا ليس عادلاً! ما ذنبي انا ويزن بما فعله جده؟
فضرب عكازه بقوة فوق الارض ليصرخ بها:
- وما كان ذنبي انا ان تضيع خمس سنوات من حياتي خلف جدران السجن العفنة ويضيع مستقبلي الدراسي لاتي الان وانسى كل شيء ببساطة واضع يدي بيده وتكون بيننا صلة؟ انا سامحته يا ليلى. ولكني لم انسى ما فعله. سامحته حين تفوقت بحياتي المهنية واصبحت املك اضعاف ما يملك هو وكأن الله عوضني ما ظلمني به قاسم.

ثم اشار نحو قلبه وهو يقول بوجع:
- ولكن كل هذا لم يطفئ ناري اتجاهه ولو ملكت الدنيا وهو اصبح في حضيضها. لقد كان صديقي يا ليلى صديقي. صديقي من ادخلني السجن. وجع ما فعله بي لا يزال يؤرقني كل ليلة. أتردين مني ان اعيش هذا العذاب بقية عمري؟
ثم سقطت دمعة من جفنه اخرستها فوراً وهو يقول بصوت مهزوز:.

- أترضين لي ان اتعذب اكثر فقط لتهنئي انتِ وحفيده بالسعادة ونبدأ بعد ذلك بخلق صفحة جديدة مجبرين عليها ما ان يربطكما طفل يحمل دماء كلانا؟ أستكونين انانية معي بهذا الشكل؟
اشاح وجهه عنها ما ان انهى جملته يحاول تجميع شتات نفسه المبعثرة ويسيطر على دموعه التي تذكرت ان تصحو امام العلن بعد ان كانت سرية طوال هذه السنين الطويلة!
ثواني حتى سمعت صوته مرة اخرى وهو يقول لها:.

- لقد خيرتكِ يا ليلى. ان تزوجتِ يزن فلا انتِ ابنتنا ولا نحن اسرتكِ. وان قابلكِ والديكِ سراً فسأعرف وسأجعلهم يندمون ايضاً. وانتِ تعرفين عقابي يا ليلى كيف يكون!
حدقت به بعدم استيعاب لما يقوله بل وعدم تصديق. هل جربت ان تدخل يوماً معركة ما بين قلبك وعقلك؟ ستشعر انك في منافسة مع شيطانك ورحمانك. في النهاية عليك ان تختار جانب. في النهاية عليك ان تقتل شيء بداخلك كي يعيش اخر!

وقفت امامه تصارع صوتها ان يبقى منخفضاً وان لا تتعالى اصوات صراخات بكائها، احاط وجهها بكفيه وقال بتوسل يكاد يشاركها بكائها معه:
أحدنا يحب الاخر. أليس هذا كافياً لنعيش بسعادة؟
فاجابت بصوتها المبحوح من كثيرة البكاء:
ولكن اجدادنا احدهم يكره الاخر يا يزن. وانت تعلم جيداً حجم المشاكل التي بينهم. ان اخترتك سأخسر اسرتي وجدي. وهذا شيء لايمكنني تحمله.

نظر اليها بصدمة. ترقرقت عيناه بدموع خيبة امل اكثر من كونها دموع الم. خرج صوته وكأنه قادم من عالم اخر، عالم من الضياع:
ولكنك تتحملين خسارتي؟
كتمت شهقات نحيبها بكف يدها الرقيق ثم قالت من وسط دموعها التي لاتكف عن الهطول:
انت لاتفهمني يا يزن. اي قرار سأتخذه فبالحالتين جزء بداخلي سيموت. لا يمكنني التخلي عن اياً منكما.
فصرخ بها:
ولكنك الان تتخلين عني.

لايمكنني ان اترك عائلتي يايزن. ان لم يوافق جدي على ارتباطنا فأبي وامي لن يمكنهما معارضته ولن يوافقو على ارتباطنا ايضاً. لقد خيروني مابينهم ومابينك. ان اخترت واحد على ان اخسر الثاني، وصعب على ان اخسر عائلتي.
أهذا قرارك الاخير يا ليلى؟

أطرقت رأسها بألم وخبأت وجهها بين كفيها لتبثهما دموعها الحارقة. حدق فيها بمرارة ومرت كل سنينهما امامه بلمح البصر. اول عشق بحياته. واخر عشق. احبها بكل ما يملك من قوة. احبها بعيوبها قبل حسناتها، حلم بها بكل يوم يمر عليه. وتخيل كل يوم كيف ستبدو غداً، واي اختصاص ستدرس عندما تدخل الجامعة. وكيف ستصبح سيدة ناضجة في يوم ما ولكنها ستبقى سيدته الصغيرة!

حاول السيد احمد والد ليلى بشتى الطرق اقناع ابيه ان يزن شاب محترم وذو اخلاق ويختلف تماماً عن جده، ولكن بالطبع الجد لم يقتنع وظل متمسكاً بقراره، لم تغريه اخلاق يزن العالية ولاشهادة الطبية التي يدرسها ولااخلاق والديه. كل ماكان يهمه هو امر جده فحسب!
وبالطبع ليلى لم تعارض عائلتها. وفضلت رأيهم دون ان تحارب من اجل من تحب، واي حب! حب استمر ل10 سنوات تعلقت فيهم بيزن بشدة...

لم يستطع تحمل بكائها اكثر ولم يجد جدوى من وقوفه فجوابها معروف. تقدم خطوتين منها ورفع ذقنها بأبهامه حتى التقت عيونهما فقال بألم:
أخبرتك ان لاتبكي ابداً فهذا يؤذيني. لما انتِ مصرة على اذيتي؟
ازاداد بكائها اكثر وقالت بندم:
يزن. انا اسفة. ارجوك سامحني. انت تعلم ان هذا الامر يقتلني ايضاً ولست راضية عنه، ولكن ماذا افعل؟ فقط اخبرني ماذا افعل؟

حدق في عينيها العسليتين بعمق ومسح برفق دموعها ثم انزل يديه وعاد الخطوتين اللتان اقتربهما مرة اخرى الى الوراء وعصر قبضته بقوة وكأنه يحاول ان يمد جسده بالشجاعة ويتجاهل ألم قلبه وعذابه مما سيقوله. وكأنه يحاول ان يتحمل ألم السكين التي سيذبح بها نفسه من حديثه هذا، فقال وصوته مخنوق بعبرة بالماد يمكنه كبحها:
عودي لعائلتك ليلى، وان تذكرتني يوماً فتذكريني بأبتسامة ارجوكِ. وليس بدمعة.

ثم اخرج هاتفه وكسره فوراً امامها ونظر اليها قائلاً:
- سأكذب عليك ان قلت لك ستتصلين بي واقاوم دون ان اجيبك او دون ان اتصل بكِ. واعلم ان اقترابي منكِ مجدداً سيقابل بعقاب من جدك لكِ...
نظر لها لثواني ثم قال:
- سأقبل البعثة خارج البلد يا ليلى!
وهتا شهقت بفزع وكادت ان تتكلم فاحاط وجهها بقوة هذه المرة وقال قبل ان تتحدث:.

- انها سنة يا ليلى. سنة ربما ستغير كل شيء. لن اقاوم بقائي بذات المدينة معكِ دون ان اراكِ والتقي بكِ. ولا اريد من جدك ان يؤذيكِ بسبب انانيتي. لن اتصل بكِ او تتصلي بي وبالتالي جدك سيقتنع بذلك ولعل هذا سيغير من قراره.
ثم قبلها من جبينها برفق بينما هي تزيد من ضغط يديه على خديها. وكأنها تريد ان تشعر به قبل فراقهما فأكمل همسه:
- ولكن عديني يا ليلى. عديني انه مهما حصل خلال هذه السنة فلن تكوني لغيري!

رفعت بصرها اليه وقالت بحزم من وسط دموعها:
- لقد اخبرتك مئات المرات يا يزن. ان لم اكن لك. فمن المستحيل ان اكون لغيرك!
تبسم وعاد لتقبيل جبينها وهو يكمل همسه:
- احبكِ. احبكِ باكثر ما املك من قوة. فقط لنتحمل هذه السنة وكل شيء سيكون بخير بعدها، انا متأكد من ذلك!
اومأت ب نعم ورفعت يديها لتحوط عنقه لاخر مرة. لتستنشق عطره لاخر مرة، ولتكن بين يديه وتشعر بهذا الامان وان كل شيء سيكون بخير. لاخر مرة ايضاً!

سحب نفسه من بين يديها وهو يمنحها قبلة اخيرة على قمة رأسها ثم استدار من فوره ورحل قبل ان ترى دموعه التي احست بهن، ارتخت كل عضلات جسدها من الصدمة التي حلت بها عدا عضلة قلبها التي انقبضت بشدة وهي تشاهده يبتعد عنها. هي تعلم انهما سيفترقان نهائياً هذا اليوم وهي قد اعدت نفسها مسبقاً لهذا الامر. ولكن ان نتوقع شيء هو عكس ان نعيشه. انسدلت يديها بجانبها بضعف ونزلت دموعها بصمت. حاولت بكل طريقة ان تصرخ وان يخرج صوتها لتوقفه وتطلب منه ان يعود اليها. ان يأخذها معه. ان لايتركها ابداً. ولكنها لم تجد سوى الصمت. الصمت والصمت فقط. وكل شيء اخر رحل معه. صوتها. قلبها. روحها. هي مجرد جسد ميت لايحتوي سوى على الشهيق والزفير، 10 سنوات من الحب انتهت ب10 دقائق...

ها قد رحل كل شيء الان. ها قد خسرته. وخسرت نفسها معه. ربما كانت ستعيش بسعادة وستحيا لو انها عارضت عائلتها واختارته هو. ولكنها الان ميتة ومهشمة عندما اختارت عائلتها وتركته...

رفعت يديها بضياع وتلمست القلادة التي في رقبتها وكأنها تريد ان تشعر انه لايزال موجود. انه قد كان هناك يزن في حياتها وهذه ال10سنوات ليست مجرد حلم. فهذه القلادة كانت منه. كانت ميداليتها من النوع الذي ينقسم الى نصفين. احدهما في سلسلة في رقبتها والاخرى في سلسلة في رقبته ارتدياها قبل خمس سنوات ولم ينزعاها الى الان. ولن ينزعاها ابداً. قلادة ابتدأ بها حياة حبهما. وستغير كل شيء لاحقاً!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة