رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث عشر
حين نحب سنسخّر كل حواسنا لمن نقع بغرامهم. نرتكب الحماقات ونحن نراها مثالية. كل شيء سيبدو منطقي بالنسبة لنا رغم إنه ساذج بالنسبة للأخرين. فكيف عساهم أن يشعروا بمنطقيته وهم لا يعيشون مشاعرنا ذاتها؟ كيف عساهم أن يعذرون ما نفعله دون أن يتذوقوا آلمانا ذاتها؟ كم من السهل أن نتحدث. وكم من الصعب أن نفعل!
دس أنفه بين خصلات شعرها المبعثرة فوق صدره بينما تغط بنوم عميق منذ الامس على الوضع ذاته وهم جالسين على الاريكة. ليلة مليئة بذكريات دثرها الماضي واعترافات قد فات اوانها. ولكنها كانت ليلة تعادل الف ليلة من الفراق والألم!
أبعد رأسها برفق عن صدره فتحركت بانزعاج بينما يوسده بلطف على ظهر الاريكة وهو يراقب ملامحها الناعمة تغط بسبات لم تدخله منذ أمد ليس بقصير على الاطلاق!
قرّب وجهه من وجهها وطبع قبلة ناعمة أعلى جبينها. كانت قبلته الاخيرة التي سيودعها فيه ويستيقظ من هذا الحلم الرائع الذي يعيشه منذ الامس. واقع بهذه الروعة من المستحيل أن يسمى واقع! حتى أن جفنيه رفضتا الانسدال بعد أن نامت هي. أراد أن يعيش كل لحظة بقربها دون أن يسلبه النوم منها. فهو أدرك أن ليلة كهذه لن تتكرر على الاطلاق!
نهض بهدوء من فوق الاريكة واتجه نحو منضدتها الخشبية حيث اكوام كتبها ودراساتها عليها وسحب ورقة خالية وقلم وبدأ بسرد ذلك الاعتراف الذي لن يجرؤ أن يبوح به أمام عينيها. فلن يتحمل أبداً تلك النظرات أو الدموع التي ستقرر الهطول لتهدم كل حصون تماسكه!
روان!
كم أتلذذ وأنا أنطق حروف اسمك. لا أعلم أن كنتِ ستصدقيني ولكن أقسم لكِ مع كل مرة أنطقه فيها ينبض قلبي بعنف.
أحبك! ِ. أكثر مما أحببت أي أحد في حياتي أو سأفعل. مشاعري أتجاهكِ ليست تلك المشاعر الساذجة التي كنتِ تنتظريها مني حيث ألقي قصيدة في حبكِ أو أسهر ليلي على صوت أنفاسكِ. نعم أنا لا أنكر أن هذا النوع من الحب من الممكن أن يكون نقي وصادق. ولكن لا يمكنني منحكِ إياه بهذه الطريقة. كنت أحبكِ على طريقتي الخاصة، حيث كنت على سبيل المثال أراقبكِ طوال فترات محاضراتنا النظرية والعملية الى الحد الذي أصبحتِ فيه أحفظ حركاتكِ وأتوقع القادمة. كنت أوصلكِ كل يوم بعد فترة العمل او حتى في وقت الدراسة الى منزلكِ من غير أن تلاحظي لأني اخشى أن تتعرضي لمشكلة وأنتِ بمفردكِ. حتى في أيام تعبي ومرضي لم أكن أتخلى عن هذه العادة. كنت اشعر بالمسؤولية عليكِ. نعم أعترف أن تصرفاتكِ وحماقتكِ قد جرحتني بعمق. ولكن هل كرهتك؟ من المستحيل أن أفعل!
كان حبي لكِ مثل حب الأم لأبنها. تدعوا عليه أن اذاها وتكره من يقول أمين. بهذا النقاء أحببتكِ. ولكن حبي لم يكن يشفع لكِ!
هناك مرحلة نصلها من الألم لا يكون فيها الحب كافياً لنسامح. في كل يوم وفي كل ساعة سأشعر إني قدمت لكِ كل شيء وأنتِ خذلتني. أتعرفين كم يؤلمني هذا الشعور؟
أنا وأنتِ وصلنا مرحلة اللاتراجع. كل منا اخطأ وكل منا تخلى عن الاخر واختار طريقه. رغم إني قررت أن طريقي الأبدي معكِ ولكنكِ أستعجلتِ لتختاري طريقكِ مع غيري. لذلك لا تلوميني أرجوكِ أن سلكتُ طريق اخر بعيداً عنكِ ولم اتبعكِ لأراقبكِ تسيرين به مع غيري!
لقد أسست لي حياة جديدة من بعدكِ رغم أن قلبي لا يزال لديكِ. ولكن لا يمكنني ببساطة أن أهدم ما قررت بصعوبة أن أبنيه فقط لأنكِ قررتِ العودة ألي. هذا ليس عدلاً بحق ليلى وليس عدلاً حتى بحق نفسي. أنا لست لعبة قديمة ترمينها جانباً أن حصلتِ على جديدة وتتوقعين أن تجديها بذات المكان حين تشعرين بالملل من الجديدة!
هذه ستكون اخر رسالة مني، واخر كلمات أتصرف بها معكِ على إني مازن الذي يهيم بكِ عشقاً. نعم سأبقى أحبكِ، ولكن أرجوكِ حين نتقابل في المرة القادمة فتعاملي معي كمازن الصديق فقط. فأنا لن أفعل معكِ غير ذلك. أنا في طور نسيانكِ فساعديني على فعل ذلك أرجوكِ. أعتبريه كفّارة ذنبكِ أتجاهي، ربما ستنجح ليلى بمنحي الحياة السعيدة. ولكنها لن تتمكن يوماً من استرجاع قلبي منكِ مع الأسف. لذلك تخلي أنتِ عني. فأنا اضعف من أن أتخلى عنكِ!
نظر اليها مطولاً حيث جالس هو وتمعن بتفاصيل وجهها التي سيعود كالسابق يراقبها بسرية وخوف من أن تنظر اليه فجأة وتمسكه بالجرم المشهود. جرم عشقها وحدها دون غيرها!
طوى الرسالة برفق ووضعها على المنضدة التي أمام الاريكة التي تنام عليها هي واقترب ببطئ منها ليطبع القبلة هذه المرة على وجنتيها الناعمة. قبلة ندم ووداع طويلة ولن يتمكن بعدها من الاقتراب منها أو ضمها اليه. سيذهب ليقضي حياته مع أخرى بينما يترك كل عقله وروحه هنا مع هذه. لن يمنح ليلى سوى جسد شبه حي!
في مكان اخر وبذات الوقت من الصباح تجلس عاشقة اخرى معذبة تكتم حب حقيقي وتعيش حب مزيف مع اخر!
احتضنت ليلى ركبتيها الى صدرها بينما تضع السماعات في اذنيها تستمع لأغنية لن تزيدها سوى ألم وتذكرها بتلك الجروح التي تحاول دفنها وتفشل
أن كنت حبيبي.
ساعدني كي أرحل عنك
أو كنت طبيبي.
ساعدني كي أشفى منك
لو إني اعلم أن الحب خطير جداً
ما أحببت!
لو إني اعرف أن البحر عميقاً جداً
ما أبحرت!
لو إني اعرف خاتمتي.
ما كنت بدأت!
أشتقت إليك
فعلمني أن لا اشتاق!
علمني كيف أقص
جذور هواك من الأعماق!
علمني كيف
تموت الدمعة في الاحداق
علمني كيف
يموت الحب وتنتحر الأشواق
يا من صورت لي الدنيا
كقصيدة شعر
وزرعت جراحك في صدري
واخذت الصبر
أن كنت أعز عليك
فخذ بيدي
فأنا مفتون من رأسي
حتى قدمي
طُرق باب الغرفة بخفة فتململت من الرد بادئ الأمر ثم قالت بعد أن طُرق مرة أخرى: - نعم؟
فتح ابيها الباب وقال بابتسامة: - أيمكنني الدخول عزيزتي؟!
استعدلت بجلستها وأبعدت السماعة عن أذنها واوقفت مشغل الأغاني وقالت: - بالطبع أبي، تفضل.
سحب الكرسي الخشبي القابع أمام منضدة دراستها وجاوره لسريرها حيث تجلس هناك وجلس قائلاً: - إذاً أنسة ليلى. كيف الحال؟!
مطت شفتيها بعدم اهتمام وقالت: - كما هو!
تنهد ثم قال: - أمكِ تشتكي هذه الأيام من انعزالكِ الكثير في غرفتكِ وقلة حديثكِ بل ووقاحتكِ احياناً بالحديث حين تفقدين أعصابكِ. منذ متى وصغيرتنا هكذا؟!
زفرت بضيق وسحبت خصلات شعرها بأصابعها الى الخلف ثم اطلقتهم وقالت:
- ما أمر به يا أبي كفيل بجعلي بهذا الشكل. على الأقل دعوني أفجر ما يعتمر بداخلي هنا واكتفي بتمثيل السعادو أمام مازن. أم حتى هنا تطالبوني أن أكون المثالية؟!
أطرق أحمد رأسه لثواني وهو يومئ بابتسامة ثم نظر اليها وقال:
- أشعر بما تمرين به يا ليلى، فقبل 25 سنة تقريباً أو ما يزيد عن ذلك أنا مررت به ايضاً!
ثم تبسم ابتسامة جانبية وقال:.
- ولكن كما ترين. الحياة مضت!
قطبت حاجبيها بألم وانزلت اقدامها من على السرير وأمسكت يده من بين يديها وقالت بأسى:
- هل نسيتها حقاً يا أبي؟ ألا تجلس أحياناً لتتذكر أيامك معها؟ أن رأيتها الأن. ما الذي ستشعر به؟!
حدق والدها بعينيها بتشتت وابتسامة عادت به سنين عديدة الى الوراء. استندت بمرفقيه على فخذيه وشد يديه على يديها وقال:.
- أمكِ منحتني سعادة ما كانت ستمنحها لي تلك المرأة يا ليلى. نعم أنا أحببتها، وأحببتها كثيراً وشعرت أن الدنيا قد انتهت حين لم أرتبط بها. ولكن لو ارتبطت بها ما كنت سأشعر بهذه الراحة والسعادة التي اشعر بها الان. الحياة الزوجية تختلف كثيراً عن العلاقة يا ليلى لذلك تجدين أن أغلب المرتبطين بعد قصة حب يفشل زواجهم. فالمشاجرة على سبيل المثال ايام العلاقة ستجعل حبكما يزيد. ولكن بعد الزواج ستحول ايامكما الى جحيم، التفاهم والثقة هما اساس الحياة الزوجية قبل الحب. فبهذه الحياة أنتِ لن تعيشي معه فقط بل سيربطكما ببعضكما أطفال. والحب حينها لن يكون كافياً ليخلق حياة سعيدة بقدر احتياجك للتفاهم المتبادل.
هزت رأسها نافية وامتعضت ملامحها بينما جعدت وجهها باكية رافضة كلام ابيها حين لم يفهمها فشدد قبضته عليها اكثر حين حاولت سحب يديها منه وقال:
- تظنين إني لا أفهمكِ ولكني أفعل يا ليلى، اعلم أن الأمر مؤلم ولكن الأيام من ستنسيكِ كل شيء صدقيني. لا تستلمي كلياً لمشاعركِ فالمشاعر خالية من التفكير العقلاني!
سحبت يديها بقوة منه ونهضت قائلة من بين دموعها:.
- لا يمكنك أبداً أن تفهمني. لا يمكنك ابداً أن تشعر بتلك النار التي لا تخمد بداخلي.
ثم ضربت بسبابتها على عظام صدرها وقالت:
- لا يمكنك أن تفهم أبداً هذا الألم الذي يسكن هنا في كل يوم يمر على مع مازن، كيف لي أن أعيش مع رجل لا أحبه؟
ثم اشارت اليه مقاطعة حديثه الذي أوشك على الاعتراض به على كلامها:.
- أنتم الرجال بإمكانكم العيش مع امرأة لا تحبوها وخيانتها مع المرأة التي تحبوها. ولكن نحن النساء نختلف. من المستحيل أن نتمكن من حب اثنين بالوقت ذاته. من المستحيل أن احب شخص وأعيش مع اخر. هذا الفكرة تجعلني أكره نفسي يا ابي!
ثم جلست مرة أخرى على السرير وقالت بضعف:.
- نعم سأنساه يا أبي. ولكن ألم تتساءل ما الذي سأمر به إلى أن انساه؟ كم ليلة سأسهرها باكية وكم سعادة سأفوتها على مسجونة بين ذكراه؟ ألم تتساءل كم من عمري سينقضي تعيسة قبل أن اتقبل واقعي على مضض لأعيشه مع غيره؟
ثم تبسمت ساخرة:
- هذا أن نسيته!
هزت رأسها نافية وأردفت:.
- أن كنت نسيت من تحب فلا يعني إني سأنسى أيضاً. فما يعنيه يزن ليس مجرد حب لم يمنحني أياه غيره، بل هو أمان! يزن كان الشاب المثالي الذي يحبني ويحافظ على ويغار على ولكن يثق بي. يزن كان يمثل السعادة الأبدية لي، وأنتم من حرمتموني منه، جدي أصدر القرار وأنتم خضعتم بل وحتى أنا. لذلك لا تطلبوا مني أن أتصرف ياعتيادية كما تريدون. يكفي ما أجبرتموني على خوضه الى الان ودعوني على الأقل أعبر عن غضبي!
ثم أنزلت رأسها وهي تحيطه بيديها وقالت بضعف من بين دموعها:
- أنا أعتزلت الغرام.
ثم نظرت نحو عيون ابيها المصدومة بابتسامة مريرة وقالت:
- أليس هذا ما تسمعه في كل ليلة في غرفة مكتبك قبل تأوي لفراشك؟ أنت سعيد مع أمي يا أبي. ولكنك لم تنساها ابداً. لم تنسى تلك المرأة التي أحبتتها وحرمك جدي منها!
ثم هزت رأسها نافية وأكملت:
- ولا أنا سأتمكن من نسيان يزن، فأنا بالفعل اعتزلت الغرام من بعده!
شاهدت عيون ابيها تلمع ببعض الدموع ولكن ازدرد ريقه ليدفع تلك العبرة التي تخنقه. شاهدت نفسها مكان ابيها بعد 25 ايضاً من الان. ستعيش مع مازن حياة سعيدة. ولكنها ستعيشها بهيكلها الخارجي فقط. ستحبه ولكنها ستحبه فقط لأن طيب القلب ولطيف. لن يصل حبها له في يوم كما يصل مع يزن. ستعيش طوال حياتها بسعادة مزيفة تقنع نفسها بها من غير أن تشعر بها حقاً. لذلك هي ببساطة أصّرت أكثر عمّا قد قررت فعله مع مازن!
مرّت عشرة ايام بالضبط. كانت قصيرة للبعض وأطول ما يكون بالنسبة للأخر. لم تكن تظن روان أنها ستشعر بهذا القدر من الفراغ وسط هذه الاكوام من المشاغل في العمل. فقط لأنه غير موجود!
كانت تعلم إنه برفقة الأخرى، يقضي وقتة معها، يخرجان للغداء ربما اليوم وللعشاء غداً. تعلم إنه يسهر مطولاً يتحدث أليها ويمازحها ويبثها حبه الجديد. فهو يوفي بوعده الذي تركه لها برسالته الاخيرة. سيذهب ليعيش حياته مع اخرى تاركاً أياها تنال جزاء ذنب ارتكبته بلحظة طيش!
- روان؟!
استعادت انتباهها على يد يزن تتحرك أمام وجهها وصوته الذي رفعه هذه المرة وهو يناديها للمرة الثالثة من غير رد!
تبسمت كرد فعل لا أرادي لتمثل أنها بخير حين تكون أمام أحد وقالت باعتيادية:
- اسفة. يبدو إني كنتُ شاردة الذهن!
مط شفتيه بملل وقال:
- اجل. وما المعلومة الجديدة بشأن هذا؟ أنتِ شاردة الذهن منذ عشرة أيام!
تنهدت بألم وهي تعبت باصابعها بطرف كوب قهوتها وتمتمت بحسرة:
- يا ليت بإمكان الزمن أن يعود. بضعة أشهر فقط!
نظر من النافذة البعيدة عنهم نسبياً وقال بشرود:
- يا ليته يعود سنة واحدة!
ثم نظر اليها وقال:.
- ولكن كلانا نعلم إنه لن يحصل.
- سأفعل أي شيء فقط ليسامحني
- سبق وسامحكِ.
رفعت زاوية فمها بسخرية:
- كصديقة!
ثم اكملت بتنهيدة:
- حتى وأن انفصلا هو وليلى. لا اظن أن مازن سيتمكن من أن يحبني كما كان يفعل أو يرتبط بي. أنا اكثر من يعرف مازن. أن أحب احدهم بقوة سيعاقبه بقسوة.
ثم مسحت بسرعة طرف دمعة خائنة كادت أن تسقط من بين جفنيها وقالت بابتسامة واهية:
- يا لحماقتي. أصبحت سخية جداً بدموعي في الفترة الأخيرة!
قال بنبرة ذات معنى:
- بعد ما فعلته يا روان. ربما الدموع هي الشفيع الوحيد لكِ. فهل ستبخلين بها أيضاً!
ثم أراح ظهره على الكرسي وقال بابتسامة:
- عرفت الان لِما أنتما واقعين بغرام بعضكما، فأكثر ما يجيده كلاكما هي اظهار عكس ما تضمرون من مشاعر. تدّعون برود احمق بينما أنتم تحترقون. ما الفائدة من كل هذا؟!
نهضت بينما ترمق ساعتها التي تشير الى تأخرها وقالت:.
- الفائدة يا عزيزي هو أن تحافظ على نفسك من الشفقة، حين يكسرك احدهم ويتلذذ برؤيتك تعاني من غيابه.
ثم اردفت:
- تأخرت عن عمليتي. عن اذنك!
وقبل ان تنصرف قال فوراً:
- ستأتين اليوم؟!
تبسمت وهي تقول:
- بالطبع سأفعل. شقتك الميتة تحتاج الى لمسة انثوية!
فقال مشاكساً:
- ومن اين عسانا سنحضر الانثى؟ لا يوجد سواي وسواكِ!
فاشارت بكوبها:
- قهوتي لا تزال ساخنة ايها الظريف!
ضحك وقال:
- ألم أقل لكِ اين الانثى؟!
ثم اردف:.
- اذهبي الان إلى عمليتكِ وسأنتظركِ حدود الواحدة هنا لنخرج سوية.
تبسمت ولوحت له مودعة خارجة من الكافتيريا نحو غرفة عملياتها. تسير في الممرات وعينيها تتربص بكل واحد يرتدي الابيض. اليوم سينتهي عقابه ليعاود العمل. تتمنى لو أنه يعادوه اليوم دون تأجيله الى الغد. هي بالفعل تشتاق رؤيته اكثر من اي وقت مضى. منذ اليوم الذي تعرفت به اليه والى الان لم تفترق عنه كل هذه المدة. وبعد تلك اللية زاد تعلقها به اكثر. وكأنه فتح بكلماته ابواب كانت منسية ومخفية بدهاليز روحها لم تتمكن حتى هي من العثور عليها!
اعترافات حبه، لحظات غيرته السرية، تفاصيلها الصغيرة التي يحفظها ويدمنها. كيف عساها أن تفرط بشخص مجنون بها بهذا الشكل في زمن يكون فيه الحب شحيح؟ وهذا اكثر ما كان يعذبها ويزيدها ألماً!
سارت السيارة بهدوء ومازن على ذات صمته من غير أن يشارك ليلى أي حديث. كعادته مؤخراً معها!
احساسها كأمرأة عرفت جيداً أن هناك شيء ما قد حصل ليغيره بهذا الشكل، من مازن المرح الى ذلك كثير الشرود والمتقوقع حول نفسه. ولكنها وكالعادة كانت تقمع فضولها اتجاهه. فهي يرعبها فكرة أن يتحول هذا الفضول الى اهتمام يجعلها تغفل ولو لحظة عن حب يزن. تريد أن تظل مخلصة له دون أن يمس روحها حب اخر ابداً فتدنس طهارة حبها الذي أدخرته من اجل يزن فقط!
- أين سنذهب؟
قالتها بعد ان طال صمته دون ان ينوي قطعه ابداً فقال غير مستوعباً سؤالها:
- عفواً؟!
- أنت تقود منذ عشر دقائق دون أن تحدد الوجهة ودون أن تتكلم. هل سنبقى هكذا فقط؟
تبسم بضعف وهو يقول:
- اعتذر حبيبتي. قولي لي. هل تحبين أن تذهبي لمكان محدد؟
رفعت كتفيها بعدم مبالاة وهي تقول:
- لست أنا من اقترح أن نخرج. لذلك أنت حدد إلى أين سنذهب!
- حسناً ما رأيكِ أن نذهب لشقة يزن؟
نظرت اليه بعيون مفتوحة وتماسكت بصعوبة دون أن تهتف به بعصبية وقالت بهدوء مصطنع:
- شقة يزن؟ هل استقل عن اسرته؟!
- أجل. اشتراها قبل ثلاثة ايام وطلب مني مساعدته في ترتيبها. ولكني كنت متعب لذلك رفضت الامر. ولكن بما إننا الان خارجين على اية حال ما رأيك أن نذهب لمساعدته بدل ان يبقى وحده؟
لم ترد على سؤاله بل سألته اخر كان ينهش روحها:.
- ولِما قرر فجأة أن يستقل بحياته بعيداً عن اسرته؟ حسب ما اعرف إنه سيستقل وحده فقط إن تزوج!
نظر اليها بابتسامة وكأنه لا يعني سؤاله حقاً، رغم إنه كان بغاية الجدية:
- وهل يهمكِ أن تعرفي؟!
رغم أرتباكها من سؤاله ألا أنها نظرت له بجمود وقالت بنبرة جافة:
- وهل ستنظر ألي بهذه النظرة كلما سألتك شيء يخص يزن؟!
قطب حاجبيه بعدم فهم فأكملت فوراً:.
- أنا لست حمقاء يا مازن. منذ اليوم الذي اخطأت فيه بين أسميكما وتلك النظرة ترتسم في عيناك كلما جئت على ذكره أو سألتك شيء بخصوصه. رغم إني لا اسألك ألا حين تتحدث أنت عنه كما الان!
زفر بضيق ولم يلتفت اليها. ولم يرد!
وهذا ما جعلها تستشيط غضباً. إذاً هي لم تخطأ في تحليلها وبالفعل هو يقصد هذه النظرة! فقالت بنبرة اكثر حدة:
- أن كنت تشك بشيء فأخبرني الان يا مازن!
فأندفع فوراً جسدها نحو الأمام من وقوف السيارة المفاجئ ومازن الذي لا يزال يحدق أمامه بجمود ويداه تزداد ضغطاً على المقود. ازدردت ريقها بتوتر وتمنت لو أنها لم تسعى للمواجهة. فمن خلال ملامح وجهه هي لا تعرف ما القادم تالياً. لما لا تدعه يحتفظ بشكوكه لنفسه. فهي بالنهاية صحيحة. بل وفي النهاية هي لا تنوي الاستمرار معه لتبرر له!
ولكنها ببساطة كانت تشعر أن مازن لا يتسحق منها أن تجعله يعيش في عذاب الشك. هناك شيء ما بداخلها يدفعها دوماً للأعتناء به ومداراة مشاعره الممزقة من الأساس. وكأنه مجرد طفل وهي ملجأه الوحيد!
أخذ نفساً هادئاً جداً رغم طوله ثم التفت اليها بعيون عميقة تكاد تقتحم سراديب اسرارها الخفية فحاولت بصعوبة السيطرة على ثبات نظراتها أمامه وقالت:
- أعرف أنك تريد أن تقول شيء ما!
ودون توقعها وجدته يقترب كثيراً منها لدرجة اختلطت انفاسهما. كادت كرد فعل لا أرادي أن تعود بجسدها نحو الخلف ولكنها عصرت قبضتها بقوة فوراً لتنبه جسدها من تحركه الاحمق، هي تدرك جيداً لِما يسعى!
حدق بعيونها القريبة جداً منها وهمس لها قائلاً:
- بما تشعرين الان؟!
حركت عينيها داخل عينيه المطلية بنظرة شك معينة وقالت بصدق تام:
- بالخوف!
- لأني سأقبلكِ؟ أم لأني أنا من سأقبلكِ؟
سكتت ولم ترد بينما هو ظل على الوضع ذاته والتحديق ذاته ينتظر إجابتها. قالت بعد أن قطعت الأمل من ابتعاده:
- كلاهما!
- هل تحبين غيري يا ليلى؟!
أغمضت عيناها بألم وقالت وهي تهمس له بضعف:
- قلت. قلت أن ماضينا سنمزقه. ونبدأ صفحة جديدة!
وضع يده تحت ذقنها لتفتح عينيها وواجه نظراتها قائلاً بتحذير جاد:.
- أجل. أن لم يكن ماضيكِ مع صديقي المقرب يا ليلى. لا يمكنني فعل شي كهذا. أن كنتِ تخصين يزن يا ليلى فلا يمكنني أن أبقى معكِ ولو للحظة واحدة حتى وأن كنت أعشقكِ. أنتِ لا يمكنكِ أبداً أن تعرفي ما الذي يعنيه يزن لي!
وهذا ما كانت تخشاه والذي جعلها ترفض أن تبوح لمازن بالحقيقة. هي تدرك جيداً أنهما مقربين جداً من بعضهما ومن المستحيل أن يقبل مازن الاستمرار بخطوبته منها مهما توسلت به أو شرحت له الوضع. لن يقبل بجديته هذه لعبة مشاعر كهذه وتمثيلية حب ساذجة أمام جدها.
ابتعدت نسبياً عنه وهي تستعدل بجلستها وتشيح وجهها عنه وتقول بملامح مقتضبة:.
- لا تقلق. ماضيّ لم يكن مع صديقك العزيز يا مازن. وأن كان ذكر يزن يثير بك الشكوك فلن ألفظ أسمه أو أسم أي رجل أخر حتى لا تستنتج استنتاجات سخيفة!
ثم التفتت اليه وقالت:
- رغم إني لم أحاسبك إلى الأن عن ماضيك أو أسألك بهوية حبيبتك.
فرد بنبرة ذات معنى:
- لأنكِ تعرفين جيداً إني أكن لكِ المشاعر وإني سأنساها بقربكِ.
- ما الذي تحاول الوصول أليه بالضبط؟
فقال بشيء من العصبية:.
- أنتِ ستعوضيني عنها وتعوضيني عمّا فعلته بي. ولكن يا ترى هل سأعوضكِ أنا في يوم يا ليلى؟!
فردت بعصبية أشد:.
- أتعلم ما المثير للسخرية بكم أنتم الرجال؟ أنكم ستحبون واحدة واثنين وعشرة وستخبرون من تتزوجها عنهن ولن تسمحوا لها بالتشكيك بكم بحجة أنكم نسيتموهن وبدأتم حياة جديدة. ولكن نحن أن كان لنا مجرد ماضي واحد سيبقى كالعار يلاحقنا طوال حياتنا وستبدأون تذكّرونا به في كل لحظة. أن كنت أنا ارتكبت ذنب يا مازن فأنت اتركبت مثلي!
- أنا لا احاسبكِ على ماضيكِ يا ليلى. ما أقوله لكِ أنكِ لا تحبيني كما أنا افعل لأنكِ لا تسعين لنسيانه!
فردت بغضب:
- وهل سنبقى تذكرني به وتقول أنه السبب كلما قلّت مشاعري أتجاهك؟ أنت تعلم جيداً إني لا افصح عن مشاعري بسهولة. فهل كلما بخلت عليك بخط قصائد الحب في حقك ستتهمني بالخيانة وبتمسكي بحبي القديم؟!
- تعلمين جيداً إني لست النوع الذي يهتم كثيراً بالمشاعر الواضحة وقصائد الحب وسذاجة العاشقين!
- إذاً ماذا؟!
- يمكنني أن أدرك جيداً أنكِ لا تحبيني ولو خططتِ ألف قصيدة شعر في حقي في اليوم، يمكنني ببساطة الأحساس بمشاعركِ.
زفرت بضيق وهي تشيح بنظراتها من نافذتها بينما تكتف يديها الى صدرها. تصارعت مع مشاعرها المتناقضة في هذه اللحظة. هل تفصح عن كل شيء وتنتهي من هذه المسرحية الهزلية وتفسد حياتها الدراسية التي لم يتبقى سوى شهرين وتنتهي منها؟
أم تقول له كلمات لا تعنيها فقط لترضيه؟ لكنها تعلم جيداً أن مازن أذكى من أن يصدقها!
ووسط كل هذا فجأة وجدت نفسها تبكي بصمت وتقول من غير وعي:
- نعم أحببت أحدهم!
ثم نظرت بعيونها الملتهبة المليئة بالدموع نحو عيونه المذهولة من اعترافها ومن منظر بكائها وأكملت:
- أحببته اكثر مما أحببت أي احد اخر أو سأفعل، ولكن ببساطة افترقنا أنا وهو!
حدق بها بجمود لثواني ثم قال:
- لماذا؟!
تبسمت بسخرية وقالت:.
- يراني لم أخلص لحبه كما يجب. رفض جدي ارتباطنا فرفضت بدوري أن اختاره واترك اسرتي. لذلك هجرني ورحل!
- وماذا حصل بعدها؟!
- أرتبطت بك!
- لتغيضيه؟!
- لست هذا النوع من النساء!
- إذاً؟!
كتمت لها عبرتها بقية كلماتها وهي تعض على شفتها السفلية بلوم وألم فأكمل هو بتوجس:
- أجبروكِ؟!
أجهشت هنا ببكاء قوي وهي تخفي وجهها خلف يديها فضرب على المقود بغضب وشتم من بين أسنانه ولعن الساعة التي واجهها. يا ليته كتم شكوكه بدل أن يصل النقاش الى هنا، وعند هذه النقطة توتر هو مما سيأتي تالياً. هو قد بدأ يكّن المشاعر لها وتأكد أنها المرأة المثالية بالنسبة له التي ستجعله يقاوم فراق روان الأبدي. ستكون صديقته وزوجته في آن واحد التي ستعرف عنه كل شيء ويخبرها بكل شيء دون تردد، ولكن الان صار يشعر أنه ستتلاشى من بين يديه وهو يدرك أنها مجبورة على الارتباط به. وكأن القدر يعارض بشدة أن يحظى ببعض سعادة الحب مع إحداهن!
- أنا أسفة يا مازن. أنا حقاً أسفة!
سكت دون أن يرد أو يلتفت اليها بادئ الامر. لحظات ثم نظر أليها قائلاً:
- هل تقبلين أن تمضي بقية حياتكِ معي يا ليلى؟ لن أجبركِ على البقاء معي. لم أجبر يوماً أحد على البقاء قربي لذلك لن افعل معكِ. أن كنتِ تريدين الرحيل فارحلي!
آلمتها كلماته بشدة وهي تلاحظ ذلك البؤس داخل عينيه الملتمعة ببعض الدموع فتبسمت بضعف ومدت يدها بهدوء لتلامس جبينه ثم تنزلها على أنفه مروراً بشفتيه وأخيراً بذقنه وقالت:
- لا أخبرك بذلك لأرحل يا مازن، بل لتشافيني. لتقدر برود مشاعري. أخبرك بهذا لأن ثقل الاسرار التي بداخلي قد أنهكتني وأنا اراك تبوح لي بكل شيء بينما أنا لا أفعل. لذلك أرجوك تقبّل ما أخبرك به مثلما أتقبّل أنا كل ما تخبرني به.
أحاط خصريها بيديه وضمها أليه بقوة وهو يتنهد بعمق ويقول:
- حسناً. أنا أسف!
رفعت يديها ولفتهما من خلف عنقه لتزفر بدورها وهي تشعر براحة غريبة بين يديه. هل من الممكن أن يأتي ذلك اليوم الذي سيتمكن فيه مازن من سلبها من بين حب يزن المتراكم في داخلها؟ لم تجد إجابة سؤالها في الوقت الحالي ولم تهتم بمعرفته. كل ما يهمها أن قمعت له غضبه وألمه وكل شيء سيكون بخير، للأن على الاقل!
سارت السيارة بصمت من جديد ولكن هذه المرة بأتجاه معروف، شقة يزن الجديدة!
مرّ مازن قبل وصولهما نحو أحد المطاعم ليأخذ وجبة غداء جاهزة اليهم فقد تعد الوقت منتصف الظهيرة وبالتأكيد قد سد صديقه جوعه بسندويشة عابرة فهو فاشل باعداد الطعام، لم يكن يعلم مازن بتلك الضيفة الأضافية الموجودة هناك!
صعدا نحو الشقة التي تكمن في الطابق الثالث ومشاعر ليلى متخبطة ما بين الاضطراب والاستياء بالوقت ذاته.
ضرب مازن جرس الشقة مرتين متتاليتين بينما وقفت ليلى بعيداً نسبياً عن مواجهة الباب فلم يراها يزن فور فتحه وهو مغطى بطبقة من رذاذ الصبغ الازرق القاتم...
- هل طليت الجدار أم الجدار من طلاك؟!
قالها مازن ممازحاً فضحك يزن قائلاً بزهو مصطنع:
- لقد انتصرت عليه وبكل فخر!
تقدم اليه مازن معانقاً فقال يزن بينما يربت على ظهره:
- توقعتك لن تأتي أيها الخائن!
نظر اليه مازن وقال:.
- صديقي المقرب ينتقل لشقة جديدة ولا نأتي لنساعده؟!
فردد يزن عبارته بابتسامة مستغربة:
- نأتي؟ لقد أتت قبلك!
قطب الاخر حاجبيه هذه المرة مستغرباً مما يقصد لتظهر ليلى من خلف مازن ليفهم الاول القصد ولا يزال الاخر جاهلاً المقصد!
ازدرد يزن ريقه بصعوبة وهو يحدق بعيون ليلى العميقة التي اقتحمت روحه على غفلة، كانت مجرد لحظات فقط ولكنها كانت دهراً بأكمله بالنسبة ليزن. صارع فيها اعظم قراراته وقمع أشد رغباته في تعلق نظراته اكثر بها بهذا الهيام. ولكنه لم يفعل!
هذه الدهور التي اخذت لحظات من الواقع قد استجمع يزن رباطة جأشه وتبسم وهو يمد يده لليلى للمصافحة ويقول بنبرة تحمل بعض التفاجئ المسرور وقال:.
- اوه من الجيد أنكِ أتيتِ معه. ستفيدنا المساعدة الاضافية!
نظرت له ببلاهة من اعتياديته في الحديث معها ولم يكن يبدو لها أنه قد تأثر ولو قليلاً برؤيتها، لا بل واضاف لذلك انه قد مد يده للمصافحة!
انزلت ابصارها نحو يده الممدودة ثم اعادته نحو ملامحه الباسمة فمدت يدها المرتعشة اليه ليقبض عليها بحنان داخل يده الملطخة بالطلاء الجاف وسرعان ما سحبهت فوراً بعد ان استرخت قبضتها بين قبضته القوية ثم اشار نحو الداخل وهو يقول:
- تفضلوا ارجوكم!
دخلت ليلى من بعد مازن فاغلق يزن الباب فوراً فتقدمتهم ليلى ببضع خطوات تحدق بالشقة من حولها بجمود فهمس يزن فوراً لمازن بشيء من الاستياء:
- لِما احضرتها معك؟!
فتظر له مازن باستنكار وقال:
- ما مشكلتك بالضبط مع خطيبتي؟!
- لست أنا من املك المشكلة معها!
- إذاً من تقصد؟!
مط الاخر شفتيه وما كاد يجيب حتى اخترق همسهما صوت كاد ان يوقف لمازن قلبه:
- يزن لا اجد السكر في اي...
وبترت بقية حروفها فوراً وهي تعلق عينيها الجاحظة بعيون مازن المماثلة ليتوقف كل شيء من حولهما!
كان مشهد يشبه الانهيار الثلجي الذي لا يمكن للبعيد رؤيته بينما يشعر بهول الموقف القريب فقط. بل ومن يعيش وسط الانهيار فقط!
أقول أمام الناس لستِ حبيبتي
وأعلم في الاعماق كم كنتُ كاذباً!
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة وكأنه يبتلع على مضض سكاكين جارحة، ثم قال بصوت شبه متماسك يدّعي ثباته أمامها:
- مرحباً روان!
اومأت بصمت دون أن تمتلك القدرة على الرد بادئ الأمر ثم قالت بابتسامة مرتجفة تمثل من خلالها اعتيادها على وجوده دون أن يتمكن من زعزعة شيء بها. وكأنه تريد اثبات قدرتها على نسيانه كقدرته هو!
- أهلاً بك مازن!
ثم اقتربت منهما وقبلته من خده بشكل طبيعي كما اعتادوا سابقاً كأي اصدقاء مقربين، وانتقلت من بعدها لتلقي التحية على ليلى التي كانت تراقب قبلتها له بنظرات غامضة!
ابتعدت خطوة نحو الوراء كي تتمكن رؤية كليهما ثم قالت وكأن شيء لم يحدث. وكأن اقترابها منه لم يحرك شيء بداخلها. وكأنه شيء طبيعي جداً أن تقبّله وتحافظ على نبضات قلبها بالمستوى ذاته دون أن تتبعثر وتضطرب!
- جيد أنكما أتيتما الان. كنا سنعد الغداء!
التفت ليلى نحو مازن الذي طال صمته وهو تحت تأثير قبلتها الأخوية له فوق خده، وقالت بنبرة أخرى أقرب للتهكم:
- مازن؟!
نظر اليها بعدم استيعاب لتكمل وهي ترفع احد حاجبيها بحدة تحاول شد انتباهه من بلاهته:
- الاكياس؟!
ولا يزال ينظر لها بعدم فهم ألى أن استوعب واخيراً وقال فوراً:
- اوه أجل.
ثم رفع الاكياس أمام روان التي كانت تبتسم بشيء من الانتصار بعد أن حققت غايتها المرجوة وهي تشاهد هذا التأثير التي تركته بمازن فقال:
- لقد أحضرنا الغداء معنا أيضاً!
سحبت منه الاكياس ولا تزال تحتفظ بابتسامتها البريئة والاعتيادية على وجهها وكأن لا شيء يحدث وقالت:
- هذا سيكون أفضل. فأنت تعرف عادة يزن البخيل الذي لا يحضر أي شيء قابل للأكل وكنت سأعد بعض شطائر المربى لنا مع الشاي!
فرد ذلك الصامت الذي كان يراقب نظرات ليلى والتي كانت تبدو بعالم اخر من النظرات الجامدة والغامضة وهي تحدق بمازن وروان وقال ممازحاً لعلي يخفي ما يختلجه:.
- أشكري الله إني ذاتاً سأطعمك شيئاً يا انسة روان!
نظرت نحو ليلى وقالت:
- ما رأيكِ أن تساعديني في تحضير الغداء؟!
ابتسمت بمجاملة وهي ترد:
- بالتأكيد!
ثم دخلت كليهما نحو المطبخ فهمس مازن قائلاً ليزن:
- هل اخفيت السكاكين من المطبخ؟!
فرد الاخر مدعياً الجدية:
- يا عزيزي أن لم تجدا السكاكين فستوقد احدهما الغاز والاخرى ستشعل عود الثقاب لتقتلا بعضهما الاخر!
ضحك مازن وهو يرفع اكمامه قائلاً:.
- دعنا ننهي الطلاء ونصلي أن يمر كل شيء على خير!
في حين انشغل يزن ومازن بالطلاء والاحاديث الطريفة كان الصمت هو سيد الموقف في المطبخ بين الفتاتين من غير أي تعليق من احدهما وهما تعملان في سكون. وفجأة كسرت روان حاجز الصمت هذا وهي تقول بنبرة هادئة وابتسامة يشوبها بعض الخجل:
- أسمعي ليلى.
همهمت ليلى كأجابة بينما تنظر لها فأكملت روان بنبرة صادقة:.
- أحببت أن أعتذر عمّا بدر مني في تلك الليلة. هذا ليس أسلوبي وأعلم إني تواقحت معكِ!
فردت ليلى بابتسامة مماثلة:
- لا بأس روان. في البداية كنت غاضبة منكِ في الحقيقة ولكن لاحقاً حين عرفت ما حصل في ليلتها من مازن عذرت حالة الغضب والقلق التي تعتريكِ، وأنا أسفة بشأن ما حصل بينكِ وبين خطيبكِ. أتمنى أن تجدي الافضل منه حقاً.
طوال ما كانت ليلى تتحدث كانت عيون روان تزداد أتساعاً بصدمة أكثر لتقول فور انتهاء ليلى من جملتها:
- لحظة. هل أخبركِ مازن بما حصل؟!
وحين شعرت ليلى بمدى الاستهجان الذي يغلف نبرة روان أدركت أنها ترفض أن يعلم أحد بما حصل فقالت لتبرر الموقف:
- لم يتحدث مازن بكل التفاصيل. ولكن أخبرني اشياء سطحية فقط!
فوضعت روان السكين بحدة من يدها وهي تقول بشيء من العصبية:
- بصفتكِ ماذا يخبركِ عن حياتي الشخصية؟!
رفعت ليلى حاجبها بحدة وهي ترد:
- بصفتي خطيبته!
لترد الاخرى بنفور:
- أجل خطيبته. أي هو فقط من يخصكِ ومسموح له أن يحدثكِ عن حياته الشخصية هو فقط وليس أن يتسامر معكِ حول حياتي أنا وخيانة خطيبي لي. أم أن ما كانت تعتمره من سعادة بسبب أنكساري أصعب من أن يسيطر على نفسه وبدأ يتحدث في كل مكان عن مدى سذاجة روان وكيف أن خطيبها خانها مع فتاة أخرى لأنه لم يكتفي بها وحدها. أليس كذلك؟!
طوال فترة حديثها بكل هذا الانفعال كانت ليلى تراقب بهدوء دون أن تفقد اعصابها معها وهي تدرك جيداً ما تشعر به روان الان. فقالت بذات النبرة الاعتيادية:
- لم يقل هذه السخافات كلها. كان يؤلمه ما حدث لكِ. لذلك كفّ عن سوء الظن هذا به. أنه لا يستحق هذا منكِ!
ضحكت بسخرية مريرة وهي ترد عليها:.
- وهل ستعلميني كيف أتصرف ألان مع مازن؟ رائع! بعد صداقة استمرت لثمان سنوات تأتي في النهاية فتاة لم تتعرف عليه سوى من شهرين لتعلمني كيف أتصرف مع صديقي المقرب!
اقتربت ليلى منها خطوة وهي تقول بشيء من الحدة:
- أسمعيني جيداً يا روان. أدرك جيداً أنكِ تحبين مازن.
وهنا شحب وجه روان فوراً لتكمل ليلى في الحال بعصبية:.
- اجل أنا لست حمقاء. أنا امرأة ويمكنني معرفة اشياء كهذه بسهولة. أحسست بهذا منذ ليلة الحفلة حيث لم تكوني تطيقي وجودي ولا الحديث إلى وكلما التفتُ أليكِ كنتُ أجدكِ تراقبيه. وتيقنت من الأمر حين ضرب مازن أياد.
تأتأت روان باشباه جمل لتقاطعها ليلى بصرامة:
- هل تعلمين حين قضى مازن ليلته في منزلي ماذا حدث؟ هو لم يتحدث عن سواكِ وعن مدى ألمه لأبتعاده عنكِ.
ثم تبسمت بألم بينما تكمل:.
- لذلك أنا لن اسلبه منكِ يا روان فلا تخافي. أنا قد حلّت على اللعنة لأعاقب على ذنب لم أكن أنا من أرتكبه!
ثم هوت بجسدها على الكرسي وهي تقول بصوت مرتجف:
- حين أكون أمام يزن لا يطيق النظر بوجهي عمّا فعلته. ولايكون مازن بين يداي ألا حين يبكيكِ. لذلك لا تقلقي أنا لن أسلب منكِ اصدقائكِ المقربين ابداً!
اقتربت منها روان على وجل حيث تتقدم خطوة وتعود أخرى ألى الوراء ألى أن وصلت أخيراً قريباً منها فجلست بجوارها وربتت على ظهرها برفق بينما تغطي الاخرى وجهها بكلتا قبضتيها المغلقة تبكي بصمت بينما تعض شفتها السفلية تحجز صوتها داخل حنجرتها لتكتم بها صرخة تؤلمها تتجول بداخل صدرها وتعيث به فساداً!
قالت بصوت شبه هامس:.
- في اللحظة التي قد تبدو بها الامور اسوأ ما يكون ربما تكون هي اللحظة ذاتها التي سيتم بها حل كل شيء!
هزت ليلى رأسها رافضة بينما ترد:
- لن يحصل هذا. لن تكون الامور أفضل في يوم. ليس بالنسبة لي.
- بالطبع ستكون كذلك. لا تكوني متشائمة!
فنهضت ليلى فوراً من مكانها وهي تمسح خدها المتوهج من ملوحة دموعها بينما تقول بشيء من الانفعال:.
- يرادوني هذا الشعور يا روان ان شيء سيء سيحدث. يراودني هذا الشعور الذي يجعلني اتخيل نفسي وسط مستنقع يغرقني أكثر وأكثر ويبعدني عن الجميع الى الأبد.
ثم التفتت اليها بينما روان تنظر اليها بعدم استيعاب لتكمل من غير اهتمام:
- لا يمكنكِ أبداً أن تفهميني، أشعر إني أحاول التشبث بأي شيء ولكن كل شيء ينساب من بين يداي كحبات الرمل. لا اعرف ما الذي يحصل معي. أنا أفقد من حولي الواحد تلو الاخر وكأن الله يهيأني...
بترت حروفها قبل أن تكمل بنبرة أضعف بسنما تستند على طرف المنضدة:
- يهيأني للوحدة! وكأنه يخبرني أن لا احد سيبقى معي ألى الأبد!
نهضت روان من مكانها وهي تقول:
- كفاكِ كلمات ساذجة! لم يتخلى أي أحد عنكِ. لا يزن فعل ولا حتى مازن سيفعل.
تبسمت ليلى بسخرية بينما تعيد لم شمل جسدها الضعفيف وهي تستقيم بجسدها وتكفكف بقية دموعها بينما تقولي:
- وفّري لنفسكِ. لا أحب كلمات العطف الباهتة هذه.
ثم اكملت بجدية قبل أن تنطق روان بشيء:
- أن كنتِ تحبين مازن يا روان فهنيئاً لكِ به. ولكني لن أسمح لكِ الأقتراب منه قبل ان أنهي جامعتي. لن أسمح لكِ باستمالته من جديد أليكِ لينفصل عني وتضيع كل التضحيات التي قدمتها سدى.
فقالت روان باستجهان:
- لست رخيصة لأستميله الي. لِما تنظرين إلى بهذا الشكل وكأني سأفعل المستحيل لأفصله عنكِ وأقترب منه؟!
- لستِ رخيصة عزيزتي. أنتِ عاشقة وأنا أدرك ما العشاق قادرين على فعله صدقيني.
ثم اكملت بذات الجدية:
- أنا لم أرتكب ذنب بحق يزن ولكنكِ فعلتِ بحق مازن، لذلك عليكِ أن تتحملي أعقاب كفّارة ذنبكِ ولن أتحمله أنا أيضاً. لذلك ستظلي بعيدة عنه إلى أن أنهي جامعتي. حينها يمكنكِ الحصول عليه وأفعلي كل ما تريديه لكسب قلبه من جديد. أظن أن كلامي واضح بما فيه الكفاية يا روان.
نظرت اليها الاخرى لفترة بينما تقطب حاجبيها بتفكير ثم نهضت من مكانها وقالت بابتسامة شاحبة:
- ألم أقل لكِ. لا يمكنكِ أن تفهمي مازن مثلما افهمه أنا!
اكتسى بعض التساؤل نظرات ليلى لتكمل روان موضحة:.
- قد يبدو مازن شاب لطيف ومتسامح وصبور على عكس يزن سريع العصبية والغضب، ولكن في الحقيقة مازن اصعب بكثير من يزن. حين يحبكِ سيمنحكِ كل شيء. ولكن حين تجرحيه. سيسلخ نفسه عنكِ ويعاقبكِ بهجرانه حتى وأن كان يعشقكِ. يكون جرح مازن عميق لأنه يمنح كل شيء للأشخاص الذين يحبهم لذلك من الصعب أن يسامح بسهولة. بل من المستحيل أن يسامح، لذلك لا تعتقدي ولو للحظة أنه يمكنني الفوز بمازن. نعم أنا أضمن حبه. ولكن أنا ومازن من المستحيل أن نعود معاً.
ثم شردت عيناها لعالم اخر رغم أنها لا تزال تحدق بليلى وقالت بصوت مرتجف:
- فبالنسبة لمازن. لا يكون الحب كافياً لنسامح!
تنهدت بأسى بينما تتخطى ليلى لتعود لأكمال عملها بيننا تقول:
- أنسي كل تراهاتي. فكما قلتِ. للعاشقين تصرفات غريبة!
نظرت اليها ليلى بعيون تحمل شيء من التأسي وعدم المبالاة في آن واحد، ولكن صوت هاتفها قطع عليها مسار نظراتها لتحوله باتجاه شاشته وهي تجد اسم امها يضيء بأتصال.
استأذنت من روان وخرجت نحو شرفة الصالة من غير انتباه أحد لترد على أمها:
- أجل أمي؟!
- أهلاً حبيبتي أين أنتِ؟!
- مع مازن
- اسمعي. أتصلت بي خالتكِ سناء. لقد تعرضت لكسر في قدمها وحوضها وسنذهب أنا وأبيكِ لرؤيتها الان ومن المحتمل أن نبيت ليلتنا هناك. الطريق سيستغرق ساعتين ذهاباً وأخرى اياباً وهذا مشقة على أبيكِ.
تنهدت ليلى بضيق ثم قالت:
- أي ستبقون في المدينة الأخرى؟!
فردت الأخرى ناهرة:.
- من كل هذا الحديث، لم يجذب أنتباهكِ سوى هذا؟ بدل أن تسألي عن خالتكِ وصحتها، كل ما يهمكِ هو مبيتنا هناك؟!
- أمي تعرفين جيداً إني اكره المبيت وحدي. ألا يمكنكِ البقاء أنتِ معها ويعود أبي؟!
زفرت جيهان بضيق أشد بينما تقول بعصبية:
- سأذهب الان قبل أن أفقد أعصابي أمام برودة دمكِ. لا تنسي أغلاق الابواب جيداً!
ثم انهت المكالمة بينما ليلى تتمتم باكثر الكلمات الساخطة التي تعرفها في هذه اللحظة، ولم يقطع لها تذمرها سوى انفتاح باب الشرفة وظهور يزن الذي تفاجئ بدوره بوجودها هنا. لوح بسيجارته وكأنه يبرر سبب خروجه بيننا يقول:
- خطيبكِ يكره رائحة السجائر!
كان يظن أنها ستترك الشرفة وتدخل ولكنه وجدها ببساطة تكتف يديها امام وتحدق امامها باللاشيء وكل شي بآن واحد. اغلق الباب من بعده بهدوء وهو يختلس النظر اليها بتوجس من تلك النظرات الغامضة التي تحتلها منذ دخولها الى شقته.
اشعل سيجارته وشاركها التحديق الى الامام بينما يكتفي بالصمت ونفث دخانه من غير حروف الى أن قالت هي من غير أن تلتفت اليه:
- لِما اشتريت شقة؟!
نظر اليها من غير إجابة ينتظر منها تبرير سبب سؤالها فالتفتت اليه بدورها وهي تقول بانفعال:
- اخبرتني ذات مرة أنك لن تترك منزل أسرتك ألا حين تقرر الزواج والاستقلال بحياتك. فهل ستفعل الان؟!
اعاد ابصاره حيث كانت من غير رد فقالت بذات انفعالها:
- أنا اتحدث اليك يزن!
فرد ببرود:
- وأنا أسمعكِ!
- لِما تفعل بي هذا؟ لِما كل هذا الغضب اتجاهي وأنا قد شرحت لك الامر ألف مرة؟!
هز رأسه نافياً بيننا يقول:.
- لم أعد غاضباً منكِ يا ليلى.
نظرت اليه بعدم فهم ليكمل بينما ينظر اليها:
- كمية الألم التي شعرت بها بعد ما فعلته بي قتلت بداخلي اشياء كثيرة. قتلت مشاعر كانت لكِ وحدكِ. لقد جربت للمرة الاولى ما معنى أن يكون الأنسان بارد وخالي من المشاعر!
فقالت بارتباك:
- الى ما تحاول الوصول بالضبط؟!
دعس سيجارته تحت قدمه بينما يقول:.
- ما اريد الوصول اليه يا انستي إني لم أعد أشعر بأي شيء أتجاهكِ. لا أعرف أن كنت أحبكِ أو أكرهكِ في الحقيقة. لا أعلم أن كنت غاضب منكِ أو سامحتكِ. ببساطة لم أعد أشعر أنكِ تعنين لي شيء من الممكن أن يشغل تفكيري لفترة. وكأن حبكِ كان مجرد ظلام وانقشع فجأة، وكإني لست ذات العاشق الذي كان يبكي في غرفته قبل يومين. فجأة أحسست إني خالي من المشاعر. أتجاهكِ أو اتجاه أي شخص اخر. لذلك لم يعد يهم أن كنت سأمضي حياتي معكِ او مع واحدة اخرى!
قالت بينما تفلت دمعة من بين جفنيها:
- كفاكِ سخافة. لا يمكنك أن تفعل بي هذا، لا يمكنك أن تعاقبني على قرار لم أكن أنا من اتخذته!
- اجل. ولكن وافقتِ عليه!
فردت بعصبية:
- بعد ما فعله جدك بجدي لا تتوقع ببساطة أن اخذل اسرتي وادمر مستقبلي لأرتبط بك، نعم أنا أحبك. ولكن الحب ليس مبرر ابداً أن أتخلى عن أسرتي!
رفع كتفيه بعدم مبالاة وهو يقول:.
- وانا لم امنعكِ يا ليلى. أسرتكِ اتخذت هذا القرار وأنتِ وافقتِ عليه. لذلك عليكِ تحمل عقبات قراركِ ولا تطلبي مني أن أتحملها معكِ. فلست أنا من وافق على الأنفصال ولست أنا من بادرت بالارتباط بغيركِ. لذلك لا تذهبي ببساطة لترتبطي بغيري وتعيشين حياتكِ وتأتين الأن ببساطة لترسمي حياتي وتسمحين لي بشيء وتمنعيني من اخر، انا لم أعد من شأنكِ!
- هذا هو إذاً قرارك؟!
- أجل. فلا يمكنني ببساطة أن أفعل بصديقي ما تطلبيه مني. أنتِ تعرفين مازن منذ شهرين فقط لذلك يمكنك بسهولة أن تتخذي خطوة كهذه. ولكن أنا ومازن اصدقاء العمر. لا يمكنني أن اخدعه طوال هذه الفترة وانتظر أنفصالكِ عنه لأرتبط بكِ. هو لن يسامحني ابداً. والأسوأ أن هذا سيقتله وليس يجرحه فحسب. ولست أنا من يفعل بصديقه هذا!
اقتربت منه وهي تجبر نفسها على رسم ابتسامة على وجهها بينما كانت تغلي من الداخل:.
- إذاً أنا لم أعد أعني لك شيء؟!
ورغم نبضاته التي تبعثرت من عيونها التي تقترب منه خطوة بعد اخرى ألى أنه قال بثبات مدعياً عدم المبالاة:
- لا.
- ولن تحبني كما كنت تفعل؟!
- لا.
- ولن تغار علي؟!
سكت لاجزاء الثانية قبل ان يرد مدعياً المصداقية:
- لا.
سكتت هي هذه المرة للحظات قبل أن تقول بنبرة متوعدة:
- حسناً. سأتصرف على هذا النحو من الان فصاعداً ما دمت لا أعني لك شيء!
قطب حاجبيه متسائلاً لتكمل موضحه:.
- من إنني ملك صديقك. ولست ملكك أنت!
ثم تحركت باتجاه الباب لتصطدم اكتافهما بقوة ثم فتحته ودخلت تاركة اياه في شبه حياة بالكاد تمنحه الهواء ليظل على قيد الحياة وسط هذا الغرق والاختناق الذي يشعر به!