قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

رواية نستولوجيا للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

أتعلمون لما الحب الاول هو الاجمل؟ لأنه من سيجعلك تنضج. سينقلك من الطفولة لل، كهولة! نعم قد تبدو شاباً من الخارج، ولكنه الخارج فقط! ستدمن الشعر. ستهوى القصص الرومانسية. ستعشق المقطوعات الغنائية. فبداخل كل شيء سترى انعكاس لنفسك وكأنها كتبت من اجلك. او من اجلكما! ولكن احذروا. الحب الاول دائماً ما يكون هو الصادق وليس تجربة عابرة نحاول من خلالها نسيان اخر. لذلك علينا ان نحسن الاختيار دائماً. فهو كالادمان. لن تتذكر الثانية. وستتشتت دائماً ما بين الثالثة والرابعة ايهما اولاً، ولكن الاولى ستحتل الصدارة دائماً، ستتذكر اول مرة نبض فيها قلبك البريء، ستعرف كيفية ان تثمل من دون خمر. وستعاشر الليل مطولاً. ستتعرف على النجوم جيداً. وستشهد وسادتك دمعات اشتياقك. او ربما حزنك لشجاركم الاول، شجار سيكون ما الذه وانت تدرك ان النار ذاتها التي تلوعك تلوعه معك، أليس رائعاً؟

- يزن هل انت معي؟
قالتها ليلى ذات ال21 عاماً بتذمر ليزن الذي مضغ طعامه بسرعة ليرد: - معكِ معكِ حبيبتي!
- لما تصمت؟
- وكيف اجييك والطعام يملأ فمي؟ لقد صمت لثلاث ثواني فقط!
- انها كثيرة. كان عليكِ اخباري قبل ان تصمتهم!
- نعتذر انسة ليلى. سأشتري ببغاء وسأعلمه ان يقول يزن مشغول الان او خارج نطاق التغطية في كل مرة لا ارد عليكِ بسرعة!
- هل المفترض ان يكون هذا مضحكاً؟

- اجل في الحقيقة يفترض ذلك. ولكن ليس بالنسبة للمتشائمين والمعقدين امثالك!
انفجرت ضاحكة ثم قالت به: - وكيف عساني ان اكون متفائلة مع اكوام الاوراق والكتب هذه امامي؟
تنهد بتضايق ثم قال: - اخبرتك ان تذهبي لتدرسي يا عنيدة بدل ان ترسبي وتبدأين بصدع رأسي ببكائك وتذمرك!
- واخبرتك اني عشر دقائق وسأذهب لأكمل!
- انتِ تقولين هذا منذ نصف ساعة!

فقالت بجدية وشيء من العصبية: - حسناً ان كنت ازعجتك بأتصالي فأنا ذاهبة الان كف عن طردي!
فهتف بها بغضب مماثل: - طردكِ؟ انا قلق على امتحانك اكثر منك وتقولين اني اطردك؟ حسناً ليكن في معلوماتك يا انسة اني اجلس لوحدي الان واشعر بضجر شديد ولا يوجد من اثرثر معه وكنت سأستغل اشتياقك هذا دون ان اهتم لأمتحانك واجلس لأتحدث معكِ ولكني رغم ذلك.
- شششش اصمت.
- اخبرتك ان لا تقولي هذا مجدداً حين اتك.
- تفضل!

- هل تسخرين؟
- اهلاً ابي!
حينها فقط استطاع ان يتوقف عن تفكيره الاحمق وادرك انها تطلب منه الصمت لأن ابيها دخل الغرفة، ابتسم على الموقف المخجل الذي وضع نفسه به وبقي يستمع لحديثها مع ابيها. هذا الشاب بالفعل يصبح شخص اخر حين يصبح عصبي او يغضب!
دخل السيد احمد غرفة ابنته وقال بينما ينظر الى ساعة يده: - انها تشارف ان تصبح الواحدة. متى ستنامين عزيزتي؟ لا اريدك ان تذهبي للأمتحان ناعسة فهذا سيؤثر في اجابتك!

تبسمت ليلى بلطف وهي تقول: - لم يتبقى لي الكثير ابي!
لاحظ السماعات في اذنيها وقال: - لما تضعين السماعات وانتِ تدرسين؟
تلعثمت قليلاً وهي تقول: - هكذا فقط. مجرد منظر. اضع الاغاني احياناً حين اكتب كما تعلم!
قوس حاجبيه بأبتسامة وهو يومئ مدعياً التصديق ثم قال: - حسناً. انهي مكالمتك وعودي لتدرسي بسرعة!

ثم تركها وخرج من الغرفة بينما انفجر يزن ضاحكاً وتلون وجه ليلى بكل الاحمر الموجود في الارض وكتمت ضحكتها وهي تتمتم بهمس: - لا اعرف كيف يكشفني دائماً!
قال يزن من وسط ضحكاته: - لا استبعد الان ان يفعل كالمرة السابقة ويطرق الباب علينا في منتصف الليل ليأخذ هاتفي مني كي لا اتصل بكِ في فترة الامتحانات!

بادلته ليلى ضحكه وهي تقول: - لا تذكرني بالامر. لا زلت انفجر ضاحكة كلما تذكرته، انظر. هذه مساوئ ان تسكن في الشقة المقابلة لي...
اخذ يزن نفساً عميقاً وهو يقول بصوت حالم: - يقولون تب عن ذكر ليلى وحبها
وما خلدي عن ذكر ليلى بتائب.

زينت الابتسامة ملأ وجهها وتوهجت وجنتيها بحمرة خجل داكنة لا تزال الى الان تكتسحها حتى بعد سنين طويلة من تواجدهما معاً. 10 سنوات تماماً. من طفولتهما والى الان. او بالاصح طفولتها هي. فحين التقيا للمرة الاولى كانت تبلغ ال11 بينما هو ال17 من عمره!
-ليلاي، ألا زلتِ معي؟
قالت بهمس وصوت عاشق:
- دائماً معك!
- أتعلمين ما اجمل شيء فعله قيس بن الملوح؟!
- ماذا؟

-انه احب واحدة تسمى ليلى. ليكتب اجمل قصائد الغزل بأسمك!
اغمضت عيناها وكلماته بعثرت لها كل ضربات قلبها، هي تعشقه. وتعلم جيداً مدى جنونه بها. ولكن الى الان قلبها لم يتقبل كلماته بهدوء. عليه ان يقف احتراماً كلما سمعها، ان يثور. ان يحدث فوضى عارمة في روحها. فقط ليعلن عن حبه!
- هل ارسل لكِ ببغائي ليلى؟
انفجرت ضاحكة ثم قالت:
- لتوي تسألت ما باله يستمر بالرومانسية من دون ان يفسدها في منتصف الطريق؟

- صمتك هو من افسدها يا حمقاء!
قالت بخجل:
- يزن تعلم اني لا اقوى على قول كلمات مماثلة بشكل مباشر وان استخدم الرسائل بدل هذا!
- اعرف، فرغم لهفتي لسماعكِ تقوليها ألا اني اعشق خجلك اكثر!
- ليلى؟
قطعت عليها والدتها سلسلة رومانسيتها وهي تفتح الباب بعد ان تاخرت ليلى في الرد على طرقاتها، حسناً. لا يوجد عاقل سيسمع شيء اخر وكلمات كهذه تتوافد الى مسامعه!

ارتبكت ليلى من دخول امها المفاجى وهي تخبرهم انها تدرس بينما كلاهما سيكتشفان انها تتحدث مع يزن. قالت بتلعثم:
- اجل امي؟
كتفت جيهان يديها الى صدرها وقالت بينما بصعوبة تكتم ابتسامتها:
- لا زلتِ تدرسين؟
- اجل. اجل بالتأكيد!
- أحقاً؟
فبقيت ليلى تحدق بوجه والدتها بعيون بريئة تحاول اثارة شفقتها فمدت جيهان يدها وقالت:
- اعطيني اياه!
- امي ارجوكِ!
- هل ستدعيني احدثه هنا ام تفضلين ان اطرق عليهم باب الشقة؟

مطت شفتيها بملل وقدمت الهاتف بقلة حيلة الى امها، وضعته جيهان من فورها على اذنها وقالت:
- يزن؟
فأدعى يزن النعاس وهو يقول:
- اجل سيدة جيهان؟
فقالت مصطنعة الشفقة وهي تسايره في التمثيل:
- اه يا للمسكين! لا بد اننا ايقظناك من نومك؟

- اجل في الحقيقة. اتمنى ان تخبري ابنتك ان تكف عن اتصالها المستمر. انا شاب محترم وكما تعلمين انا طبيب ونعاسي سيؤثر بشكل سلبي على مرضاي ولن اركز جيداً بعملي وبالتالي سيموت مرضاي بسبب ابنتك. هذا ليس وضع مقبول بالنسبة لي سيدة جيهان اتمنى ان تجعلي ابنتك تفهم هذا!
- حسناً ايها الطبيب المحترم. ان لم تغلق هاتفك الان وتنام سأتي اليكم لأتفاهم معك!.
ضحك بقوة وهو يقول:.

- أتعلمين ان الجدية لا تليق بنا يا خالتي العزيزة!
كتمت ابتسامتها بصعوبة وهي تجيب:
- انا لم اصبح خالتك بعد يا ظريف. ولن اصبح ألا بعد ان تعبر ليلى للمرحلة الرابعة. وليكن في معلومكما انتما الاثنين. ان احضرت نتيجتها راسبة او درجاتها منخفضة فسيتأجل مشروع خطوبتكما لحين تخرجها!
فرد فوراً بسرعة:
- لالالا سأنهي المكالمة الان!
- ليس ان تنهيها فحسب. بل ستغلق هاتفك كي لا تتصل بك مجدداً!

- اعدك حتى وان اتصلت لن ارد عليها!
- وعود العاشق غير مأخوذ بها كما تعلم. والان هيا اغلق هاتفك. ولمعلوماتك فقط سأتصل بك من هاتفي بعد دقيقة حتى يصلني اشعار ان فتحته بعد نومنا!
فقال بتذمر:
- يااللهي! استخبارات والعياذ بالله وليس اباء!
ثم انهيا المكالمة بعد ذلك ويزن لا تزال الابتسامة عالقة على ثغره. وكأنه مراهق جرب الحب للوهلة الاولى وليس وكأن عمره 28عاماً، حب طفولي تحول الى هوس مجنون!

اراح رأسه على الوسادة وحدق بالسقف بضياع. فعقله لم يكن مع السقف على الاطلاق. بل بمكان يعود الى عشر سنوات مضت!
(سحب يزن ذو ال17 عاماً كتبه من فوق المنضدة بينما سندويشة الجبن يبرز طرفها من فمه المملوء بها وهو ينتقل في ارجاء الشقة من هذا المكان الى ذاك ليجمع حاجاته.
- اللهم امنحني صبرك فقط. كم مرة اخبرتك ان تجهز اشيائك من الليل بدل ان تقلب لي الشقة رأساً على عقب في الصباح؟

قالتها امه بلوم بينما تضع اخر صحن على مائدة الطعام ولكنه بالتأكيد لم يستطع اجابتها بسبب تلك اللقمة التي تسد على الحروف مخارجها!

جمع كل ما يحتاج اليه وخرج مسرعاً من الشقة يزاحم العمال في الممر الذين ينقلون اثاث الشقة المقابلة لهم والذي انتقلوا اصحابها اليها حديثاً. شتم كثيراً بداخله ولعن الوقت الذي اختاروه لينقلوا الاثاث. أهناك احد يفضل نقل اثاثه في السابعة صباحاً في بناية تضم العديد من الشقق وقد يكون البعض نائماً؟

نزل السلم راكضاً بعد ان عانده المصعد في الصعود سريعاً وصرخ عالياً بتلك الصغيرة ذات ال11 عاماً التي تربط شريط حذائها عند باب البناية الزجاجي:
- ابتعدي ابتعدي بسرعة ايتها الصغيرة!
ففزعت من صوته القوي وسرعته المفرطة وكأنه سيارة من غير مكابح فشهقت ووقفت ملصقة جسدها بالباب كي تفسح المجال من اجل مروره فقال بينما يخطف كالشهاب من جانبها:
- اعتذر عن افزاعك يا صغيرة!
ولكن استطاع سماع صوت تذمرها من خلفه:.

- متهور!
تبسم على منظرها المفزوع دون ان يلتفت واكمل طريقه راكضاً الى الشارع العام كي يستقل تاكسي!
اكتمل الامتحان وكالعادة ابلى فيه جيداً بل ممتازاً ولاسيما مع سهره المستمر طوال الليل فقط كي يحفظ المادة جيداً رغم انه حفظها مسبقاً!
عاد الى المنزل منهكاً واتجه مباشرةٍ نحو غرفته ليغط بنوم عميق غير مبالياً بتلك الضوضاء خارج الشقة التي يحدثها جيرانهم الجدد بسبب انتقالهم!

استيقظ مساءٍ وانتقلت كرتا عينيه بأرجاء الغرفة الغارقة بالظلام عكس النور الذي كان يكتنفها قبل ان يغط بالنوم، مد يديه بكسل وتلمس المنضدة المجاورة لسريره الى ان وصل للضوء الصغير القابع هناك ليشعله وينظر نحو ساعته الجدارية ليجدها تشير الى الثامنة والنصف مساءٍ. لقد استغرق هذا اليوم في النوم اكثر من اللازم الى ان اخذ كفايته بما ان اليوم كان يومه الاخير في الامتحانات!

نهض من استلقائه وانزل اقدامه على الارض بينما احدى يديه تفرك عينيه لينشطهما من النعاس فألتقطت مسامعه صوت لم يألفه فأنصت بتركيز ولكن لايزال الصوت غير معروف بالنسبة له. بل اصوات وليس صوت واحد!
سحب قميصه من فوق الكرسي وارتداه ليخرج من الغرفة.

وقف بباب غرفته لثواني وهو ينظر لابيه يجالس رجل غير معروف بالنسبة له ويتابعان مبارة كرة القدم المعروضة حالياً وصوت اخر قادم من المطبخ احدهما لامه واخر غير معروف. وجسد ضئيل متصلب يحدق به، تلك الصغيرة التي تقف امام المنضدة القابعة قبل الصالة تحدق بالصور المصطفة هناك فوقها!

ثبتا ابصارهما بعيون الاخر لثواني قليلة فتبسم يزن فوراً وهو يتذكرها. انها ذات الطفلة المفزوعة صباحاً، وكانت تلك المرة الاولى التي يلتقي فيها بليلى!
اقترب منها حيث تقف ولاتزال الابتسامة مرسومة على وجهه بينما هي لا واكتفت بالتحديق به بجمود!
وصل اليها ودفئ يديه داخل جيوب بنطاله وقال:
- مرحباً ايتها الصغيرة!
اجابت باختصار:
- مرحباً!
- انتِ التي كنتِ عند باب الدخول هذا الصباح. أليس كذلك؟
- اجل!

حك رأسه وهو يبتسم ويقول:
- اسف لأني افزعتك!
فأكتفت بالصمت من غير تعليق فأنزل ابصاره نحو حذائها فوجد ان شرائطه مفتوحة ايضاً. تبسم واشار بأصبعه عليهم وقال:
- انهما مفتوحان ايضاً!
انزلت ابصارها حيث اشار وقالت:
- لا اعرف ماخطبهما. هما ينفتحا بأستمرار!
جلس القرفصاء امام قدميها ومد يديه نحو شريط حذائها وبدأ بربطه وهو يقول:
- هذا لأنك لا تربطيهما جيداً!

انهى ربط الشريط الثاني وسمع صوت تلك المراة الغير مالوف من خلفه وهي تقول بنبرة مرحة:
- يبدو ان ابنتي استغلتك منذ اليوم الاول!
التفت ليرى وجه السيدة جيهان اللطيف وابتسامتها البشوشة وخلفه تقف امه منى التي قالت فوراً:
- هذه السيدة جيهان يا يزن. جيراننا الجدد!
مد يده لمصافحتها قائلاً:
- مرحباً بكم في البناية سيدتي!
امسكت صحن الطعام الذي كانت تنوي اخذه نحو المائدة بيد ومدت الاخرى نحو وهي تقول:.

- شكراً لك عزيزي. كان لطف منكم ان تدعونا على العشاء الليلة!
- في الحقيقة لم اشارك بهذا اللطف لقد تفاجأت بكم هنا!
قوست جيهان حاجبيها فقال يزن فوراً:
- انها مجرد مزحة!
فضحكت ليردف فوراً:
- ولكني حقاً لم اعرف بوجودكم!
فسحبتها منى من يدها فوراً بأتجاه المائدة وهي تقول:
- ان بقيتي معه دقيقة اضافية سيصيبك بأزمة قلبية. لذلك حاولي ان تتجاهليه فحسب يا عزيزتي بقية الليلة!

استمرت جيهان بالضحك بينما اكتفى يزن بأبتسامة بسيطة فوق وجهه. فهو لايعرف ماالمضحك حقاً فقد كان جاداً فيما قاله!
اتجه نحو الصالة ليلقي التحية على الرجل المجهول الاخير والذي كان واضحاً انه زوج هذه السيدة. السيد احمد!

القى التحية وجلس معهما يتابع المباراة والتي كان يشجع فيها الفريق ذاته الذي يشجعه احد عكس ابيه خليل. لذلك حصل انسجام سريع ما بين يزن واحمد وكأنهم يعرفون بعضهم منذ فترة، تارة يصرخون بقوة لهدف رائع. واخرى يصرخون بتذمر لحكم غير عادل. وما بين كل هذا الضجيج وحركة منى وجيهان من المطبخ واليه ليحضرا مائدة العشاء. كانت هناك طفلة، تراقب ببراءة وجمود ذلك اللطيف الذي لم يلتفت اليها مجدداً وانشغل بالمبارة، لتدمن منذ ذلك اليوم مراقبته بسرية وتلك النظرات البريئة من غير قصد قد تحولت الى نظرات عاشقة ونبضات عنيفة تسيطر عليها كلما كانت قربه او كلما جيء على ذكره!.

يقال ان الحب يجمع بين اشخاص متشابهين في الصفات. وربما اكثر صفة متشابهة بين ليلى ويزن هي تأخرهما المعتاد صباحاً والاضطرار للاستماع الى المحاضرة ذاتها من كل ام مع اختلاف بسيط في اختيار الكلمات!
لم ينقذ ليلى من هذه الكلمات سوى خروجها من باب الشقة واغلاقه خلفه لتتنفس براحة في لحظتها فرأسها واخيراً سيرتاح قليلاً قبل الامتحان!

نزلت من السلم بذات السرعة التي كان ينزل بها يزن دون ان يمتلكا الصبر لانتظار المصعد، خرجت من البناية ووجدت يزن ينتظرها في السيارة وقد بدا على ملامحه الانزعاج بسبب تأخرها المستمر وبالتالي تأخره عن عمله في المستشفى!
اول ما صعدت التفتت اليه وقال بأعتذار:
- انا اسفة جداً جداً يا حبيبي ولكن تعرف كم النوم يصبح عزيز على فجأة في الامتحانات وتأخرت كالعادة!

سحب مجموعة مناديل من العلبة التي امامه والقاهم عليها وهو يقول بينما يحرك السيارة:
- امسحي وجهك بدل ان امسحه بطريقتي!
فقالت بتذمر:
- انه مجرد احمر شفاه يا يزن!
نظر لها جانباً لتردف فوراً:
- وبعض الماسكار!
قوس حاجبيه لتكمل بخفوت:
- وقليل من البودرا!
- وبعد؟
لتجيب بصوت اكثر خفوتاً:
- ومجرد كحل بسيط!
- اعطيني شيء واحد لم تضعيه فوق وجهك؟
- انا لم ابالغ بوضعهم. انا فتاة يا يزن واتمنى ان اضع مثل بقية الفتيات!

- لقد تناقشنا بهذا الموضوع الف مرة يا ليلى. لا يوجد اي مساحيق تجميل في الجامعة او في اي مشوار خارج المنزل لا اكون فيه برفقتك. وعدا الكحل فغير مسموح لكِ بوضع اي شيء. لا تجعلينا نخوض هذا النقاش في كل مرة!
بدأت بمسح وجهها وهي تقول:
- انا بالفعل اكره اساليبك هذه!
تبسم من غير تعليق. فهو يدرك انها كاذبة وانها اكثر ما تعشق به هي غيرته المجنونة!

قضت الطريق كله شاغلة نفسها بمراجعة امتحانها متحاشية الحديث معه ومدعية غضبها!
قطع سكون السيارة صوت هاتفه فرد فوراً وهو يدرك المتصل:
- اهلاً مازن، 20 دقيقة وسأصل. دع روان تأخذ مكاني لحين وصولي ليس لديها شيء في هذا الوقت، حسناً سأكون ممتن. شكراً لك!
ثم اغلق الهاتف والتفت اليها ليجدها لاتزال تركز - او تدّعي تركيزها- بكتابها.
-ليلى؟
لم ترد.
- ليلاي؟ حبيبتي؟ عشقي؟ طفلتي؟ اختي؟

فنظرت له بأمتعاض مع كلمته الاخيرة فهو يدرك جيداً كم تكره ان يقول هذا فأنفجر ضاحكاً بينما يوقف السيارة امام باب الجامعة ويلتفت اليها ويحوط وجهه بين يديها ويقول:
- تعلمين اني احبكِ!
فقالت بعناد:
- لا، لااعلم ولااريد لن اعلم!
تنهد قبل ان يقول:
- لااريدك ان تدخلي للامتحان غاضبة فهكذا لن تركزي جيداً!
- كل ما يهمك ان لا ادخل للامتحان غاضبة ولابأس ان غضبت بعده؟
- تعلمين اني لااقصد هذا!

حاولت اشاحة وجهها جانباً ولكن يداه التي تحوطه تجبرها على النظر اليه فأكمل فوراً بلطف:
- الملابس القصيرة او عديمة الاكمام او المكشوفة او مساحيق التجميل او الاختلاط بالشباب. كل هذه الاشياء تناقشنا بها اكثر من مرة واتفقنا ان لا تفعليها. أليس كذلك؟
فقالت بتذمر:
- ولكني.
فقاطعها بحزم:
- انا احبكِ كما انتِ. واحب هذا الجمال البريء فيكِ من دون مساحيق تجميل. فلمن تتزينين لغيري؟

- انا يعجبني الامر فحسب يا يزن وليس اني انوي التزين!
اخذ نفساً عميقاً وهو ينظر اليها بتفكير بينما تقول:.

- لقد حرمتني من كل الرحلات الترفيهية التي تقوم بها الجامعة وحرمتني من فساتين عديدة اعجبتني فقط لانها كانت قصيرة او لم تنل اعجابك بل وحتى حرمتني من اللون الاسود في المناسبات المختلطة فقط لأني ابدو به جميلة كما تعذرت، انت تحرمني من اشياء عديدة يا يزن بسبب غيرتك هذه. والان تحرم على حتى مساحيق التجميل التي لا ابالغ ابداً بالوانها او كميتها؟ انا ينقصني ذقن وشارب فقط لأصبح رجل!

لم يستطع كتم ضحكته امامها فأستسلم قائلاً:
- انهي الامتحان وستنتاقش بهذا الامر!
فقالت بتشكيك:
- متأكد اننا سنتناقش ام كالعادة ستفرض على الاقتناع برأيك؟
قبلها من يدها برقة وهو يقول:
- لا، اقسم بمكانتك لدي اني سأستمع لرأيك بهذا الخصوص للنهاية وسأحاول ان اقتنع!

تبسمت برضا وهي تودعه بأبتسامة لتتوجه نحو الامتحان بحماس، تعشق حقاً حين يقسم بمكانتها لديه. فهو لم ينكث وعده ولا مرة ان اقسم بها. وهذا يرضي كبرياء انوثتها من انها نقطة ضعف هذا الصارم الذي لا يلين رأيه بسهولة!
حرك سيارته مجدداً بأتجاه المستشفى هذه المرة -التي تأخر عنها اكثر مما يجب اليوم - ولم يخفف سرعته او يضغط مكابحه التي احتاجها اكثر من مرة سوى في موقف المستشفى الخاص به في العادة.

تناول ردائه الابيض من المقعد الخلفي ونزل بخطوات سريعة بينما يرتديه. دخل من باب الطوارئ لتستقبله فوراً روائح المعقمات وضجيج المرضى يمتزج مع صياح الممرضين. انها النغمات الصباحية المعتادة!
لمح مازن يقف قرب سرير في نهاية ردهة الطوارئ يعاين احدهم. ومن الجيد ان حالته لم تكن خطيرة جداً لكان مات بين يديه فعقله لم يكن مع مريضه على الاطلاق. بل بتلك التي تعاين مريض اخر على السرير المقابل له!

فجأة شد انتباه مازن قبضة تشد على كتفه لتنبه فالتفت ليجده يزن ينظر له بتلك العيون التي تحمل الكثير من اللوم بين طياتها. وقبل ان يبرر مازن شيء قال يزن بجدية بصوت منخفض لاينساب سوى لمازن:
- نحن لا نضع اعيننا على ممتلكات غيرنا يا مازن!
زفر الاخير بضيق وسلّم عمله للطبيب المعاون معه وانفرد بيزن جانباً وهو يقول بعصبية بالكاد يسيطر عليها:
- هل رأيت وجهها؟ لقد ضربها ذلك الحقير مجدداً!

ظهر بعض الامتعاض على وجه يزن قبل ان يزفر بضيق ويقول:
- هل هي من اخبرتك؟
- البلهاء الساذجة لم تقل شيء حين سألتها. كالعادة قالت انها وقعت او اصطدمت بشيء ما. ولكن اثار اصابع ذلك القذر لاتزال مطبوعة على وجنتها!

عصر مازن قبضته بقوة بينما يرفع رأسه عالياً وتنفس بقوة وكأنه يعجز عن استنشاق الهواء ان ابقي رأسه منخفضاً. طرح انفاسه المختنقة بينما يتمتم بعض الاستغفار قبل ان يتهور ويذهب لتشويه وجه اياد فأمسكه يزن من عضده وهو يدرك جيداً الافكار السوداء التي تتخاطر الى عقل صديقه في هذه اللحظة وقال بحزم ويده تضغط اكثر على يده:
- انها حياتهما الشخصية يا مازن ولا دخل لنا!

فنظر له مازن بدهشة ممزوجة بأحتقار فقال يزن فوراً:
- اجل مثلما سمعت! لقد تخليت عنها مرة فلا تلعب دور العاشق الشهم الان. حين كانت بين يديك انت افلتها بسهولة، والان حين اصبحت بين يدا غيرك آلمك رؤية معاناتها؟ ما تعانيه الان روان مع اياد لايقارن البتة مع ما جعلتها تعيشه آلم في الماضي!

انكسرت نظرات مازن في الحال وهو يسمع تراتيل الملامة ذاتها من صديقه الذي يحاول بشتى الطرق اخراج روان من عقله كي يمضي كلاهما في طريقه دون ان يتشبثا بطيف وهمي لا وجود له ولا طائل منه، ولكن في كل مرة كانت الامور تزيد سوءاً فحسب!

تفرقا مازن ويزن وكلاً ذهب الى عمله. ربما ركز يزن بما يفعله ولكن مازن لم يفعل. في كل مرة يقول له يزن كلام مشابه يعيده ثمان اشهر نحو الماضي. نحو ذلك اليوم المشؤوم الذي دبر فيه اياد كل شيء ليتمكن من اقناع روان من القبول به!.

الحب ليس بسيط كما نظن. انه متاهات عميقة مليئة بدهاليز وفخاخ، عالمٍ عليك ان تكون فيه محارب شرس لتحافظ على من تحب وليس ان تلعب دور العاشق الخجول، ربما هذا ما كان على مازن العمل به، وربما هذا ما كان على ليلى اتباعه، وما بين ربما وربما يفرض علينا الواقع شيء اخر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة