قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل العشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل العشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل العشرون

انخفض ضغط أميرة من مجهود اليوم العصيب التي مرت به هي وعائلتها، جلست على الأريكة بإنهاك وجانبها كُلًا من عابد وتسبيح القلقان عليها بشدة، تسائل عابد بقلق وهو يفحص نبض يدها: ماما انت خدتي دوا الضغط بتاعك؟
أومأت أميرة بالنفي واضعة يدها على رأسها بألم من الصداع الذي يفتك بها، ثم أجابته بخفوت وتعب: خِلص واتلهيت ومجبتهوش.

هبَّ عابد من مكانه مردفًا وهو يضع محفظة النقود بجيب بنطاله: طيب أنا هروح أجيبه يا حبيبتي من الصيدلية اللي على أول الشارع.

أسندها هو وتسبيح التي لم تكف عن البكاء منذ الصباح، قلبها يتآكل خوفًا على شقيقتها، ساعدت أخيها بتمديد والدتها على الفراش، ثم خرج كلاهما ليأتيا بالدواء المطلوب، خرجا من البناية وكلاهما شاردٌ في ملكوته، لمح عابد ببصره كلًا من فارس وريان يقفان معًا، قطب جبينه ثم تسائل بدهشة لشقيقته الشاردة: تسبيح مش دا ريان اللي هربان مع غزل بنت عمي؟

نظرت تسبيح حيث تُشير؛ لتُصدم هي الأخرى عندما علمت هويته، ثم أكدت مردفة بتفكير: أه هو. بس معني إنه موجود يبقى غزل هي كمان موجودة صح؟
هز كتفه حائرًا مُجيبًا بجهل: مش عارف، هنجيب العلاج لماما وبعدين نطلع نسأل عمي.
أومأت له موافقة ثم ذهبت معه لشراء الدواء لوالدتها وهناك ما يشغل تفكيرها ويُقلقها، لكن ما هو!

مرت عدة دقائق ليست بالقليلة ليعودا معًا، ليجدا غزل واقفة مع ريان وفارس، ارتسمت الفرحة على محياهم ثم هموا بالذهاب تجاهها، لكن ما حدث هو صدوح صوت الطلقات في الأرجاء، تلتها صرخات فزعة، خائفة، وأخرى متألمة!

في تلك الأثناء ظهر موسى ومَن معه من الرجال ليتبادلوا بإطلاق النيران مع الطرف الآخر، ولكن من أين أتى وكيف! سؤالٌ لا يهم في تلك الحالات، صرخ الرجل التابع ل سليم المنشاوي بألم عندما أصابته طلقة طائشة من سلاح أحد الرجال أصابته في كتفه، أصابه الهلع عند وجد نفسه بين يد أحد الرجال، ليصرخ مستغيثًا بأصدقائه الذين ولسوء حظه فارقوا الحياة.

عندما استمعت تسبيح لصوت الطلاقات؛ أصابها الفزع وكادت أن تفقد وعيها، لذلك هرولت بعيدًا بتلقائية ودن وعي عن أخيها الذي صرخ بها عندما شاهد جريها، لكن صوت الطلقات أخفى صوته كُليًا، صرخت بهلع عندما اصطدمت بصوت أحد الرجال، وزاد صراخها عندما رأته ممسكًا بسلاحه بيده، رفع موسى يده أمام وجهها بإستسلام لطمئنتها قائلًا بهدوء: اهدي يا آنسة مش هعملك حاجة، لازم تيجي معايا تستخبي بدل ما طلقة تلبس في نفوخك وتموتي.

المغفل يظن بأنه يُطمئنها بعدما قال تلك الكلمات، لكن حديثه لم يُزيدها إلا رعبًا، نفت برأسها وهي تبتلع ريقها بصعوبة، لينفخ بتأفف ونفاذ صبر ولم يُعطيها فرصة للحديث، فأمسك بيدها ساحبًا إياها خلفه وهي لا تفعل شئ سوى الصراخ.

أدخلها في مدخل عمارة بعيدة نائية وأغلق بابها حنى لا تُصيبها طلقة طائشة تودي بحياتها، بينما هي نظرت له بزعر وعقلها يعمل ويُفكر في كل الإحتمالات، هل سيقتلها! أم سيختطفها! أم سيختطفها ثم يعتدي عليها ومن بعدها يقتلها ليُخفي جريمته!
نظر لها ببرود ثم تحدث وهو يستعد مرة أخرى للخروج: متقلقيش مش هعتدي عليكِ.

فتحت عيناها بدهشة من معرفتها بما تفكر به، ليلوي شفتيه بسخرية وهو يرى عيناه المُنصدمة به، متشدقًا بإستنكار قبل أن يخرج من البناية مرة أخرى ويُغلق الباب خلفه: أصل باين عليكي هبلة وواضح بتفكري في إيه.
فرغت فاهها ناظرة لأثره الفارغ مشدوهة مما قاله، رفرفت بأهدابها عدة مرات وكأنها مازالت تستوعب حديثه، ثم تسائلت بصدمة يشوبها بعض السخط: أنا هبلة؟

هدأت الطلقات ولم يتبقى سوى صوت غزل المنادي بصوت ريان بصراخ، هرولت له لتجده مُمسكًا بذراعه الذي يسيل منه الدماء مُعطيًا للجميع ظهره وهو يحتضن كلًا من مدثر ولوچي لحمايتهم، جلست جانبه ببكاء مردفة بخوف شديد: ريان. ريان حصلك إيه! رد عليا بالله عليك.
أجابها بنهيج وهو يُحاول إلتقاط أنفاسه من الألم السيطر على جسده: إهدي أنا كويس والله، بس الرصاصة جت في دراعي.

شهقت بأنفاس لاهثة وهي تهز رأسها بخوف وهلع، وبدون وعي تحدثت: يلهوي هتموت! هتموت وتسيبني! لا بالله عليك متموتش غير ما ناخد برائة، مش هعرف أهرب لوحدي.
طالعها بإستنكار متألم متحدثًا بصعوبة: قومي يا غزل من وشي أحسنلك. بدل ما والله. ألزق وشك في الحيطة.
مطت شفتها بضيق ناظرة لملامحه المُتعبة بسخط: الحق عليا خايفة عليك. أنا غلطانة وأبقى كلبة لو عبرتك تاني.

ثم وقفت من محلها وخطت عدة خطوات بعيدة عنه، لكن مجرد ما استمعت لتأوه المتألم بشدة حتى ذهبت إليه راكضة مُردفة بقلق حقيقي: ريان بجد مالك متقلقنيش عليك، واللهِ هعيط.
ضحك بخفوت ولم يُعقب على حديثها، ابتعد عن الأرض قليلًا يجد ملامح إبنه مرتعبة بشدة، حتى أنه جزم بأنه تبول على نفسه من شدة الخوف، قبَّله من جبينه بحنان رغم آلامه متشدقًا بحب: متخافش يا حبيبي.

بكى مدثر رُعبًا من بقعة الدماء المنتشرة على قميص والده، ليتسائل ببكاء طفولي: انت بتجيب دم. انت هتموت يا بابا!
شعر ريان بالدوار ولم يستطيع إجابته، خافت غزل أن تتأثر نفسية الطفل بهذا المشهد لذلك قالت مسرعة وهي تُربت على رأسه بحنان: هو هيبقى كويس متقلقش.
في هذه الأثناء هرول إليه فارس جالسًا بجانبه متشدقًا بخضة: ريان إيه الدم دا! ريان رد عليا!

مال ريان برأسه على كتفه شاعرًا بالدوار الشديد، حتى أنه ظن بأنه سيفقد وعيه من شدة آلامه، ليتفاقم قلق فارس الذي صرخ به: ريان قوم.

تجمع أهالي المنطقة الذين استيقظوا بفزع من بداية إطلاق النيران، لكنهم مكثوا بمنازلهم حتى لا تُصيبهم أيًا منها، وعندما هدأ الوضع قليلًا تجمعوا جميعًا بالأسفل، ليهرولوا تجاه صراخ فارس المنادي بإسم ريان، اقترح أحد الرجال قائلًا بشفقة: كلموا الإسعاف يابني تلحقوه بدل ما يجراله حاجة.
وآخر صاح بالجميع: اطلبوا الشرطة يا جدعان.
الله! مش دا ريان والمفروض إنه مقبوض عليه!

وآخرين ظلوا يتحدثوا ولم يشعروا بتلك الهوجاء التي تدور بعقولهم، جاء موسى ومعه رجاله قائلًا بصرامة: احنا هنتعامل مع الوضع يا رجالة، تُوشكروا لحد كدا.
يابني خلينا نساعده، دا ريان دا أطيب شاب في الحِتة كلها والكل يشهد.
ابتسم موسى بإصطناع قبل أن يقول بإحترام: كتر خيرك يا حَج، بس إحنا مش عايزين نعمل شوشرة، أنا دكتور وهعالجه.

اقتنع الجميع بحديثه وذهبوا لمنازلهم، لكن هبطت العائلتين بفزع عندما رأوا الجميع يُحيطون ب ريان الذي فقد وعيه، وبجانبه غزل التي تُمسد على خصلاته بخوف شديد.
جرى إبراهيم ناحية إبنته متسائلًا بقلق: خير! حصل إيه يا بنتي!
ظلت غزل تبكي وهي جانب ريان، لتستمع إلى صوت الصغير الذي أردف بخوف وبكاء: متسبنيش يا بابا.

في تلك الأثناء هبط شهاب من الأعلى بسرعة عالية وعندما رأي ريان ممددًا على الأرض صرخ: لازم يتنقل المستشفي حالًا قبل ما ينزف أكتر من كدا.
رفض موسى رفضًا قاطعًا وعندما رأى غضبهم المتفاقم وخاصةً فارس ؛ برر قائلًا: البوليس كلها دقايق وهيبقى هنا، ووقتها هيتبقض عليه والحُكم هيتضاعف بسبب هروبه.
نظر الجميع له بقلق، لتصرخ به غزل قائلة بإنهيار: يعني هنسيبه ينزف لحد ما يموت!

هز رأسه بالنفي يحاول طمئنتها وطمأنة الجميع: لأ طبعًا، أنا هطلعله الرصاصة بس عايز شنطة إسعافات أولية.
تحدث شهاب مسرعًا وهو يصعد الدرج مرة أخرى: أنا معايا واحدة كبيرة عشان الكلية بتاعتي، وهجيبلك كل المعدات اللي انت هتحتاجها.
انتظره الجميع على أحر من الجمر، ليسائل فارس بخوف: طيب وهطلعله الرصاصة هنا إزاي!
مش هنا، أنا هاخده ونرجع مكانا تاني بس لازم أوقف النزيف الأول.

حك فارس جبينه بعصبية مفرطة وقلق على صديقه، فتلك ضية الملعونة هي من تُكتفهم جميعًا لنقله لأي مشفي، يخشى فقدانه كما فقد والدته، حينها سينهار وستنهار معه ذكرياته، عض على شفتيه رافعًا رأسه للسماء وهو يدعو برجاء داخل عقله: يارب إحميه. يارب متختبرنيش في صاحبي.

تركهم عابد بعد أن تأكد من سلامة الجميع ثم ذهب كالمجنون للبحث عن شقيقته التي ضاعت منه وسط كل هذا، كان قلبهيطرق بعنف خشيةً بأن يجدها ممددة على الأرض والدماء تحيط بها، لا يعلم لما فكر بهذا، لكن عقله الآن ليس في حالته النفسية السليمة.
وحينما لم يجد لها أثر حوله، ناداها بصوت عالي علها تسمعه: تسبيح.

انتفضت تسبيح من محلها بخوف، وعندما استمعت لصوت أخيها المنادي عليها؛ خرجت إليه مهرولة وهي تنادي عليه، وبمجرد ما رآها ذهب تجاهه مسرعًا محتضنها بخوف، عانقته بشدة وبمجرد ما اطمئنت؛ حتى بكت بإنهيار وكأنها كانت كل تلك الفترة مُتماسكة وعندما حانت الفرصة للبكاء؛ إنهارت.
هدهدها براحة هامسًا لها: ششش إهدي، كل حاجة خِلصت وعدت.

مضت ثوانٍ هدأت بها عندما شعرت بالأمان لتبتعد وهي تمسح دموعها ونبرتها تُهدد بالبكاء مجددًا: كنت خايفة أوي يا عابد.
مسد على حجابها بحنان قائلًا: الحمد لله عدت على خير يا حبيبتي، تعالي بقا نشوف الباقي لأن ريان اتصاب.

أومأت له وذهبت معه بهدوء، لكن مجرد ما اقترب كلاهما من التجمع الموجود، حتى رأوا ريان الفاقد للوعي محمول على كتف موسى، دُهشت تسبيح في البداية من وجوده، وابتعلت ريقها بخوف مُبتعدة بحذر تُحاول الإختباء خلف أخيها؛ حتى لا يراها ذلك الرجل الغامض، لكن كان قد فات الأوان خاصةً عند مروره بجانبها طالبًا منها الإفساح: لو سمحت عديني يا آنسة.

تجمدت مكانها لوهلة وأنظارها تُحدجه برعب، لكن سرعان ما استفاقت من غفلتها ثم أفسحت له الطريق، وقبل أن يمر ويذهب رمى لها نظرة خاطفة تبعها غمزة من عيناه الغامضة والوقحة.

تسارع تنفسها ناظرة لظهره بدهشة، هل غمز لها للتو أم أنها تتوهم! لم تستفيق إلا على جذب أخيها لها وهو يُحادث غزل قبل أن تذهب خلفهم: خلي بالك من نفسك يا غزل، أسف والله مكنتش أعرف إنك موجودة وإلا كنت جيت بنفسي ليكِ، بس انتِ عارفة الظروف بقا.
ابتسمت له بخفوت قائلة بصوت مبحوح مُتحشرج: ولا يهمك يا عابد، وبإذن الله سجود هترجع وتكون أحسن من الأول كمان.

ابتسم لها بحنان ثم ودعها وكذلك تسبيح التي ظلت شاردة في مكانها، نظر بكر للجميع ثم قال بهدوء: كل حاجة مرت بخير الحمد لله، ارجعوا بيوتكم قبل ما الشرطة تيجي، أكيد فيه حد بلغ، مش عايزين نعرفهم إنهم كانوا موجودين في المنطقة.
عادت عائلة أبو زيد لمنزلها، مع بكاء فوزية الخافت على مفارقة ابنتها وخوفها مما حدث، بينما شهاب أخذ مدثر الباكي في أحضانه ثم صعد به للأعلى لتهدأته، وهكذا فعل مع لوچي أيضًا.

ذهب فارس خلف ريان حتى أوصله للسيارة التي ستُقله إلى منطقة الجبل التي يعيشون بها، نظر ل موسى ثم تحدث له بقلق: هيبقى كويس صح؟
أومأ له موسى بنعم متشدقًا وهو يُشير لحقيبة الإسعافات التي أهداها إليه شهاب: معايا كل حاجة اللي هحتاجها عشان أطلع بيها الرصاصة، المهم دلوقتي نرجع بأسرع وقت قبل ما يحصله مضاعفات.

أومأ له فارس ثم هبط لتقبيل جبين ريان بحنان، قائلًا بوصية ل غزل: خلي بالك منه، هو ملهوش غيرك دلوقتي في مِحنته.
جففت دمعاتها ثم أومأت له تُؤكد على حديثه وهي تنظر له بحنان، ابتعد فارس قليلًا ليصعد موسى السيارة وبجانبه محفوظ والذي يُعتبر ذراعه الأيمن، وبسيارة أخرى خلفه صعد بقية الرجال الذين أتى معهم، ثم انطلقوا إلى وجهتهم.

مرت ربع ساعة، وفي منتصف الطريق تحدث موسى الذي يسير بسرعة عالية: العربيات دي ترجع لصحابها يا محفوظ، احنا مش حرامية ولا قُطاع طُرق عشان تتصرفوا بالطريقة الهمجية دي!
برر له محفوظ قائلًا بلهجته الصعيدية: ما احنا يا ريس لو كنا أچرنا عربيات كانوا هيطلبوا بطايخ وهندخل في سين وچيم واحنا مش جدهم و...
قاطعه موسى بصرامة: العربيات دي ترجع لصحابها أول ما نوصل سمعت!
اللي تشوفه يا ريس.

أكمل موسى قيادته السريعة ومن داخله شاكر لفعلة رجاله، فهم فكروا بطريقة صحيحة ومنطقية عندما فعلوا هذا، لكن كان عليه إظهار الغضب لعدم تكرارهم للسرقة مرة أخرى.

كان يقف في شرفة غرفته ينفث سيجاره بغضب شديد، يحبها، بل يعشقها وهي لا تُعطيه أي إهتمام، هي على إسمه منذ الصغر، لكن يبدو أنها لا تُحبه! أغمض عيناه بوله يتخيلها عندما كانت تصرخ بالمنزل خوفًا على شقيقتها، لم تنتبه إلى بيچامتها المنزلية الخفيفة، حينها تصنم محله من جمالها، كم كان قلبه يدق بقربها! كان الجميع مُنشغل بإبنة عمه الأخرى، وهو منشغل بالنظر لها ولهيئتها وملابسها التي أظهرت جمالها أكثر!

انتهى من سيجاره ليُخرج الأخرى بغل عارم عندما رآها منذ قليل من النافذة وسط تجمع العائلتين، لم يُكلف نفسه حتى للهبوط والإطمئنان على الجميع، وكل ما أثار حفيظته هو نظرات موسى لها وحركاته الوقحة معها، نفث دخان من فمه وهو يفكر. كيف يمكنه الحصول عليها! يريدها له وبشدة لكنها لا تشعر به، تمتم مع ذاته مؤكدًا: هتكوني ليا. هتكوني ليا يا تسبيح غصب عنك وغصب عن الكل.

أغمض عيناه بغل على الجميع، وعلى عابد خاصةً، هم يروه الأفضل وهو سراب بجانبه، هو فاشل، و عابد الناجح، زاد غضبه عندما تذكر مكالمته ل وصال حينها صاحت به بغضب ألا يُحدثها مرةً أخرى.
.

انتظر أحمد مكالمة وصال له منذ عدة أيام لكنها لم تُهاتفه، قرر مهاتفتها هو وتهديدها إن لزم الأمر، فهي كانت تتهرب منه الأيام الفائتة، مر شهر وأكثر على تلك المهمة اللعينة وهي لم تُنهيها بعد، هل رأت معاملة عابد الحسنة للطلاب! أم طيبته الزائدة لذلك قررت التخلي عن فكرتها والإكمال معه! أم وقعت بحبه!
انتظر عدة ثواني أخرى حتى أجابته بضجر: عايز إيه يا أحمد!

أجابها بصرامة: عايز فلوس، بقالك كام يوم بتتهربي والمفروض كنا خلصنا من الحوار دا من اسبوعين، بس شكل الموضوع عجبك والباشا معوضك!
فتحت عيناها بعدم تصديق من وقاحته، مغزى حديثه لا يمت للأدب بصلة، لذلك صاحت بهياج: يا حيوان يا حقير احترم نفسك، اللي بتتكلم عليه دا طلع أحسن منك مليون مرة، انت اللي وغيران منه وعايز تخسره فلوسه، بس ريح نفسك عشان مش هعمل اللي قولت عليه، اتفاقنا ملغي وأنا مس هشتغل معاك تاني.

صمت قليلًا بنهيج ثم أكملت بحدة: وآه هو عوضني، ساعدني رغم إنه مش عارفني وخلاني أشتغل معاه، مستحيل بعد دا كله أضحك عليه وأسرق فلوسه، دا الوحيد اللي خلاني أحس بالذنب من اللي أنا بعمله، شوفتي ليه كل يوم وهو رايح يصلي ويدعي ويساعد الغلابة فوقني، هسيب كل القرف اللي كنت فيه وهفضل معاه، يمكن أنضف بقا.

كان يستمع لها وقلبه يُملأ بالحقد تجاهه أكثر، وها هي الأخرى تحالفت معه ضده، لذلك أردف بهسيس مرعب: ماشي يا وصال انتِ اللي اخترتي، وأنا هخلي حياتك الوردي دي تتهد فوق دماغك، هخليه يطردك زي الكلبة وقدام عيني عشان أشمت فيكِ.
وقبل أن تبدأ وصلة السباب له أغلق الخط بوجهها ولم ينبث بحرف واحد، الغيرة ستُدمره، وشهوانيته ستقضي عليه حتمًا.
.

فاق من تذكره وهو يتوعد ل وصال مرة أخرى، ثم عاد لفراشه بعد أن أغلق نافذة غرفته، استند على الفراش مُتخيلًا تسبيح معه بتلك الغرفة! وبجانبه!

وصلوا إلى منطقة الجبل النائية ثم وضعوا ريان أرضًا، جلست غزل جانبه لتضع رأسه على قدمها مُربتة على رأسه بحنان، كان قد بدأ يستفيق قليلًا مُهمهمًا ببعض الكلمات التي لم تسمع منها شئ، نظرت ل موسى الذي يقوم بترتيب الأشياء التي يحتاجها لإخراج الرصاصة من كتفه، لتتشدق بقلق: مش هتديله مخدر عشان الوجع!
هز رأسه ب لا ثم جلس بجانب ريان من الناحية الأخرى: لا للأسف مفيش، مش قدامنا وقت كتير.

ابتلعت ريقها برعب عندما رأته يُسخن المُلقط على النار المشتعلة، بينما أمرها بصرامة: خدي قُصي هدومه من عند جرحه بسرعة.
أخذت منه المقص بأصابع مرتعشة ومن داخلها تموت رُعبًا، لم تختبر تلك المشاهد من قبل ولم تكن تتخيلها حتى بأبعد أحلامها، بدأت بقص قميصه حتى بينت عن ذراعه المُصاب، ارتعشت شفتيها وهي على وشك البكاء عندما رأت جرحه، وبدون وعي قبلت جبينه هامسة له في أذنه: ريان متسبنيش.

طالعها بنظرات زائغة، لم يرى سوى دموعها، يشعر بآلامها النفسية لكن لا يستطيع مداواتها الآن، هي بالحاجة للدعم أكثر منها الآن، شدد على أصابعها بضعف حتى يدعمها، لتضمها أكثر ناظرة إليه بتوسل، وكأنها المُتألمة وليس هو.
جلس موسى القرفصاء بجانب ريان، ثم تحدث بقوة ليصل صوته إلى مسامعه: ريان. مش عايزك تركز في أي حاجة من اللي هتحصل دلوقتي، هتتوجع بس حاول تستحمل مفيش حل غير دا، لازم تقوى وتستحمل.

أنهى حديثه ثم أعطى ل غزل منشفة صغيرة آمرًا إياها بوضعها في فمه ليشد عليها أثناء صراخه، فعلت ما طلبه منها لكنها تشعر بأن هي من ستفقد الوعي من شدة الخوف، أمر الآخر رجاله بتثبيت قدمه وذراعيه حتى لا يتأذي أكثر.

سحب موسى المُلقط المُسخن على النار، ثم جاوره، وبهدوء شديد قام بإدخال المُلقط داخل جسده ليسحب الرصاصة بعدها، ولم يُسمع بعدها سوى صوت صراخه المتألم، من يسمعه يشعر بأن أحباله الصوتية قد تقطعت من شدة الصراخ، حاول التحرك وفك القيود التي حوله؛ لكن كانوا مُمسكين به بشدة.

وأخيرًا نجح موسى في إخراج رصاصته، وذلك بعد أن فقد ريان وعيه من شدة الألم، ظلت غزل تبكي وهي تحاول تهدأته ولكن كان يصعب ذلك وبشدة، تحدثت بفزع ل موسى عندما سكن بين ذراعيها: إيه اللي حصله!

أخرج موسى مُطهر الجروح من حقيبة الإسعافات واضعًا إياه على جرحه ليطهره، قبل أن يُجيبها بهدوء: أغمى عليه من الوجع، متقلقيش دا شئ طبيعي، المهم دلوقتي بعد ما أخلص تعمليله كمادات مايه ساقعة طول الليل، حتى لو مش ساخن أعمليله برضه، احنا مش عارفين ممكن يحصله إيه، وللأسف مينفعش نروح بيه مستشفى، أنا بعت واحد من رجالتي دلوقتي يجيب مايه ساقعة وبرشام من الصيدلية هياخده بعد ما يفوق على طول، ومُسكن، وإن شاء الله خير.

أومأت له بهدوء، فأمر موسى رجاله بالإبتعاد قليلًا حتى تأخذ غزل راحتها أكثر ولا تتوتر من وجودهم، رفعت رأسها له متسائلة بإستغراب: انت اتعلمت دا كله فين؟
ابتسم بخفة وهو يلف الشاش حول ذراعه قائلًا بمداعبة: شكلك اتعلمتي الفضول منه.
أنزلت رأسها بحرج من حديثه، لتستمع له مُكملًا: على العموم أنا واخد دورة تمريضية أصلًا، بس ملقتش شغل بعدها فاشتغلت موظف وخلاص وقتها.

شكرته بعدما ساعدها في إدخال ريان للكهف الذي يمكثون فيه دائمًا، مردفة بإمتنان: شكرًا ليك بجد، مش عارفة من غيرك كنا هنعمل إيه!
ابتسم لها بأخوية قائلًا بود: متشكرنيش. يعلم ربنا إني بقيت أعتبر ريان زي أخويا وأكتر، واللي عملته واجبي، أنا قاعد مكاني لو حصل أي حاجة بلغيني على طول، عن إذنك.
اتفضل.

قالتها بود، ثم تركها وذهب، لتنظر له بحنان مُربتة على جبهته، ولا إردايًا تشكلت إبتسامة والهة على ثغرها وعيناها تلتمع لأجله. لأجله فقط!

الشعور بأنك مُغفل مؤلم، خاصةً عندما يأتي من الأقرب، أحيانًا يجب على المرء الحذر عند تعامله مع أشخاص لديها رهاب من البشر، وهو تعامل معها بحذر لكن كذب، وهذا آلمها بشدة.

مرَّ أكثر من أسبوع و بدر يحاول مصالحتها، لكن دائمًا ما كانت تصده وتغضب، وعند ذهابه تنفجر باكية، تشتاق له حد اللعنة لكنها مُتألمة، شعرت بالهزيمة عندما علمت بزواجه من أخرى مُسبقًا، لم يُخبرها، ولم يتكلم بهذا الموضوع من قبل، وهذا أكثر ما أحزنها.

مسحت دموعها بسرعة عندما استمعت لصوت طرق الباب، سمحت للطارق بالدلوف ليدخل هو، كان يُطالعها بحزن لإبتعادها وهجرانها له بتلك الطريقة، وهي تنظر له بعتاب، ذهبت بأنظارها بعيدًا عنه لا تُريد النظر لوجهه، فلو أطالت ستندفع لأحضانه التي حرمت نفسها من حنانها، جلس القرفصاء بجانبها مُمسكًا بكف يدها بحنان، ليردف بإشتياق ظهر في نبرة صوته: مش كفياكِ بُعاد إياك يا نوال! اشتجتلك وانتِ بتصديني ومش حاسة بالنار اللي چوايا إكدا!

ابتلعت ريقها بصعوبة ولم تُجبه، فلو تحدثت سيخونها صوتها وستبكي حقًا، هي كانت تحاول جاهدة طيلة الأسبوع لتُعاقبه، لكن لم تكن تُعاقب سوى ذاتها، وقف وأوقفها معه عنوة ثم قبَّل جبينها قائلًا: أقسملك بالله ما كان جصدي أكدت عليكِ، مكنتش عايز مزاچنا يتعكر على سيرتها، هي كانت مرتي وكانت غلطة هفضل ندمان عليها طول عمري، متعذبنيش ببعادك يا جلبي، كفياكِ إجده.

نظرت له تلك المرة وعيناها مُمتلئة بالدموع، لترتعش شفتيها قائلة ببكاء: انت كدبت عليا يا بدر، شوفتي مُغفلة ورخيصة بعد عملتي واستخسرت حتى تقولي على جوازتك الأولى و...
أوقفها بيده وهو يحتضنها بقوة هامسًا في أذنها: انتِ مش رخيصة، انتِ أغلى وأچمل سِت دخلت حياتي، أنا بحبك يا نوال، ومش بجولك إجده عشان أراضيكِ، لأ، بجولك إجده عشان دِه اللي حاسس بيه.

قبَّل جبينها ثم أكمل حديثه قائلًا: انتِ من أول ما چيتي إهني وأنا بعاملك كأنك بنتي، وربنا يشهد عليا، عمري ما فكرت أزعلك ولا أضايجك، فعشان إجده محبتش أفتح الجديم وأعكر حياتنا.
حديثه هدأها، أطفأ تلك النيران التي كانت في قلبها، أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، لذلك أجابته بهدوء يشوبه بعض الجمود: خلاص يا بدر، اللي حصل حصل ومش زعلانة.

انفلتت من بين ذراعيه ثم اتجهت للفراش لتتسطح عليه، لم تنم منذ عدة أيام والآن تشعر بالإرهاق، الإرهاق من التعب، من التفكير، من البكاء، من الوحدة، من كل شئ، أغمضت عينها وتشكلت طبقة من الدموع داخلها، تشعر بالفراغ من دونه، لكن لا بُد من معاقبته.

كان هو يُتابع إبتعادها بيأس، هجرانها يؤلمه، والأدهى يعلم بأنها تتألم هي الأخرى، خلع جلبابه ثم علقه في الخزانة، ليذهب تجاه الفراش ويتمدد جانبها، شعرت به بجانبها فأدارت وجهها للناحية الأخرى لا تريد رؤية وجهه، لكنه لن يقبل بذلك تلك المرة، أحاطها من الخلف تحت تحركها العنيف هامسًا بأذنها: مبجتش جادر، بجالي كام يوم منمتش بسببك، سبيني إجده.

صمتت عندما استمعت لصوته المُنهك وقررت تركه، هو يحتاج لإحتضانها ليستطيع النوم، وللحقيقة هي تحتاج هذا أكثر منه، خفتت حركتها وكادت أن تستسلم للنوم؛ فشعرت بقُبلته على عنقها مرددًا بهمس: تصبحي على خير يا حبة الجلب.
تشكلت على ثغرها إبتسامة بسيطة لم يراها، ولكم تعشق هذا اللقب منه، تشعر بأنه يخصها به وحدها، وتلك المرة نامت وعلى وجهها معالم الإرتياح، والحب!

سطعت الشمس بأشعتها لتُغمض غزل عيناها بضيق، نظرت ل ريان لتجد ملامحه مُمتعضة من الضوء، فردت كفها أمام عينه لتمنعها عنه، ظلت تنظر له بهيام، القلب يدق بقربه، والعين لا ترى سواه عند وجوده، تعشق عبثه، وقاحته، حديثه، طفولته المُهلكة.

فتح عيناه ببطئ ومعالم الإنهاك بادية على وجهه، بينما هي نظرت له بسعادة بالغة عندما استعاد وعيه، لكم اشتاقت لعيناه الرمادية، اشتاقت له حقًا رغم أنه لم يمر سوى القليل، ابتسم عند رؤيتها أمامه ناطقًا بجملة وقحة صنمتها مكانها: ما تجيبي بوسة!
فتحت عيناها على آخرهما بصدمة بينما هو أكمل بإبتسامة بلهاء وصوت خافت: أول مرة أصحى على وش القمر.

ابتلعت ريقها ببطئ قائلة بتلعثم واضعة يدها على جبهته برعشة: ريان! انت. انت لسه ساخن!
تذكرت حينما ارتفعت حرارته أمس، لكن فعلها للكمادات طيلة الليل ساعدته على إنخفاضها، وتلك المسكنات التي قامت بإعطائها له، قاطع شرودها عندما أمسك بيدها التي تُلامس جبهته مُقربًا إياها من شفتيه مُقبلًا إياها بعاطفة جياشة، تلاها همسه الخافت بعشق: بحبك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة