قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والعشرون

ريان! انت. انت لسه ساخن!
تذكرت حينما ارتفعت حرارته أمس، لكن فعلها للكمادات طيلة الليل ساعدته على إنخفاضها، وتلك المسكنات التي قامت بإعطائها له، قاطع شرودها عندما أمسك بيدها التي تُلامس جبهته مُقربًا إياها من شفتيه مُقبلًا إياها بعاطفة جياشة، تلاها همسه الخافت بعشق: بحبك...

لو كان صوت النبضات يُسمع؛ لسمعه العالم بأجمعه، تنفست بحدة حتى شعرت بإنسحاب الهواء من حولها، كلمة واحدة كانت بمقدورها تغيير حالها، ابتلعت ريقها بصعوبة ثم أردفت بعدم تصديق وصوت مُتحشرج: ب. بتقول إيه!

أغمض عيناه وفتحها مرة أخرى بتيهة، يبدو أنه بين حالة الوعي واللاوعي الآن، حاول الإعتدال في جلسته فتأوه بصوت خفيض، ساعدته على الإعتدال بأيدي مُرتعشة ومازالت تؤمن بأنها مازالت داخل حلم جميل ستفيق منه، لكن بمجرد ما اعتدل حتى مال عليها واضعًا رأسه موضع قلبها مُتشدقًا بصوت لاهث: مش عايز اسمع جوابك دلوقتي. المهم إنك معايا.

أنهى حديثه ثم لف يده حول خصرها مشددًا من إحتضانها وهي مازالت في حالة صدمة، ومن شدة توترها تجمعت العبرات في عيناها، لا تُصدق ما سمعته، كانت تظن بأن ما تشعر به تجاهه هو قليلٌ من الإعجاب لا أكثر، لكن مجرد ما نطق بحبه لها حتى نبض قلبها بشكل مخيف، بدرجة هي بحد ذاتها لا تُصدقها!

حاولت دفعه بعيدًا حتى تستعيد ثباتها، فوجدته قد ذهب في نومٍ عميق، يبدو أنه حقًا لم يكن غير واعي، لم يكن يشعر بها من الأساس، أغمضت عيناها وسحبت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، وبتردد شديد رفعت يدها واضعة إياها على خصلاته تُمسدها بحنان، أغمضت عيناها بهدوء لتهبط دمعة شاردة منها ثم همست بما صدمها هي قبل ذلك الذي كان يشعر بجميع ردات فعلها: وأنا كمان. بحبك أوي.

استمع لها بعدم تصديق، لو كان يستيطيع الحركة؛ لكان قبَّلها رغمًا عنها وعن الجميع وليحترق العالم بأجمعه.
شدد من احتضانها فشعرت هي به، ابتلعت ريقها بإرتباك تدعو ألا يكون استمع لها، تحاول تهدئة ضربات قلبها الصاخبة بقربه، لكنها لا تستطيع، كانت دائمًا تراه طفلًا يحتاج للعناية، والآن تيقنت من ذلك، فهو طفل كبير في ثياب رجل ناضج حنون، وهذا أكثر ما جذبها إليه.

ثقُلت أجفانها بنعاس، لتُغمض عيناها بإستسلام وراحة، راحة ولذة بقربه، راحة من الممكن أن لا تدوم طويلًا!

استيقظ طه مُبكرًا وهو يشعر بالصداع بفتك برأسه، نظر حوله فوجد ذاته في غرفة ذات جدران بيضاء لا يعلم متى أتى إليها، نظر تجاه يده بإستغراب ليجدها موصلة بمحلول شفاف مُعلق على حامل معدني، وآخر ما يتذكره هو جلوسه أمام غرفة العناية وبكاؤه طيلة الليل، ومن بعدها لم يتذكر شيئًا آخر.
فاق من شروده على دخول الممرضة إليه وعلى ثغرها ابتسامة خفيفة، فتشدقت مُتسائلة: عامل إيه دلوقتي يا حَج!

وضع يده على رأسه بألم متحدثًا بتعجب: انا إيه اللي جابني هنا.
تفحصت المحلول وكذلك حرارته ثم أجابته بهدوء: حضرتك أُغمى عليك إمبارح وقريبك هو اللي لحقك.
قطب جبينه بتعجب مُتسائلًا بدهشة: قريبي مين! انا ممشيهم كلهم إمبارح.
انتهت من عملها وفحصه ثم أجابته بإبتسامة عملية وهي تُدون الملاحظات الخاصة بحالته: بيقول إنه جوز بنت حضرتك، وهو دلوقتي معاها.
صُدم من تصريحها مُرددًا خلفها بصوت خافت: جوز بنتي!

نظرت له ولم تفهم شئ من همسه مُردفة: حضرتك دلوقتي بقيت كويس، انت ضغطك كان واطي إمبارح ودا اللي سبب الإغماء اللي جالك، حاول متضغطش على نفسك أوي، عن إذن حضرتك.
أومأ لها بهدوء، وبمجرد ما تركته وذهبت؛ حتى وقف بتمهل ليذهب لإبنته ويرى زوج ابنته المزعوم!

وصل إلى غرفتها الموجودة بها، ناظرًا للزجاج الشفاف، ليجد معتصم النويهي جالسًا بجانبها مُمسكًا بمعصم يدها، يُقبله تارةً ويُربت عليه تارةً أخرى، تنغص جبينه بغضب من وجوده، ثم دلف للغرفة بهدوء شديد ليرى إلى أين تصل علاقتهم.
اقترب منه ولم يشعر به الآخر، بل كان ينظر لتفاصيل وجهها التي يعشقها بوله وألم بذات الوقت، مسد على خصلاتها بحنان قائلًا بعتاب: كدا يا سوچي! هان عليكِ نفسك للدرجادي!

بينما جز طه على أسنانه بغيرة وهو يراه يُناديها باللقب خاصته، منع نفسه بصعوبة من الذهاب له والفتك به، لكنه تحامل على ذاته ليصل للنهاية.
بينما أكمل معتصم حديثه بحشرجة: ليه عملتي كدا! ليه بتهربي من الكل بإنك تنتحري! عارف إن نفسيتك وحشة بس كان ممكن تحكيلي زي ما بتعملي دايمًا، انتِ عارفة إني ببقى مبسوط لما تحكيلي، وبحاول على أد ما أقدر إني افرحك، ليه كسرتيني كدا!

أخذ نفسًا عميقًا ثم أكمل بعدما هبطت دموعه بألم: تعرفي انتِ لو كان حصلك حاجة أنا كان ممكن اموت فيها! عارف إنك بتعتبريني كصديق بس أنا حبيتك، حبيتك ومقدرتش اتحكم في مشاعري أكتر من كدا، شكلك اللي مكنتيش بتحبيه كنت انا بتلهف عشان أشوفه، بحبك وبحب كل تفاصيلك بس انتِ اللي غبية، غبية ومحستيش بيا وكنتِ بتحبي واحد معندهوش دم، بيجرح فيكِ وبيكسر قلبك وانتِ مستحملة، بس أنا هحافظ عليكِ، هحافظ على قلبك من الكسرة، عشان أنا بحبك. بحبك ومش هتعب لو قولتها في كل ثانية وكل لحظة، بحبك أوي يا سوچي.

ربَّع طه ساعديه وهو ينظر له بضجر، ربتَّ على ذراعه من الخلف بحدة قليلة، لينظر له معتصم بطرف عينيه، ثم وقف احترامًا له وهو يمسح تلك الدموع بعينيه قائلًا: اتفضل يا عمي.
عاد طه يُربع ساعديه مرة أخرى وأردف بهدوء كأنه لم يستمع لحديثه منذ قليل حتى لا يقوم بإحراجه: انت اللي قولت للممرضة إن سجود مراتك!
أومأ له معتصم بهدوء ثم تحدث وهو ينظر له ببرود: آه، هتبقى مراتي، بس لما تقوم بالسلامة الأول.

رفع حاجبه ببرود مماثل له متشدقًا بسخرية لازعة: ابقى اتغطى وانت نايم، وبنتي متجيش ناحيتها تاني، كفاية إن انت السبب.
حاول معتصم التحكم في أعصابه، ليجز على أسنانه بغيظ وهو يُردف: مش انا السبب، انتوا اللي وصلتوها لكدا، و سجود هتجوزها لأني بحبها، والعداوة اللي بين العيلتين ملناش دعوة بيها، اتصافوا مع بعض.

أمسكه طه من تلابيبه متحدثًا بغضب وصوت عالي رغمًا عنه: اسمع يلا، الكلام اللي بتهلفط بيه دا تنساه خالص، بنتي مش هتدخل عيلتكوا مهما كان التمن.
طالعه معتصم بهدوء ثم تسائل: ممكن حضرتك تقولي على السبب! ليه العداوة دي! ليه الكُره دا!
أنزل طه يده ناظرًا له بحقد: روح اسأل أبوك، روح اسأل عيلتك، روح اسأل مرات عمك ماجدة هانم!

فتح معتصم عيناه بصدمة من ذِكر اسم زوجة عمه، ما علاقتها بكل ذلك! كان يظن أن العداوة بين الرجال فقط، لكن يبدو بأن للنساء دَخل بها.
في تلك الأثنلء دخلت عليهم الممرضة التي قكبت جبينها بغضب متسائلة بهدوء بعض الشئ: انتوا إيه اللي دخلكوا هنا! لو سمحت اتقضلوا اطلعوا برا مينفعش اللي بتعملوه دا.
امتثل الاثنان لحديثها ثم خرجا من غرفة العناية، تقابل معتصم بوجه طه قائلًا بتحدي: هعرف كل حاجة النهاردة.

قال كلماته ثم ذهب من أمامه مُصممًا على معرفة الحقيقة، الحقيقة المُخبأة عن الأحفاد وهم وحدهم مَن يدفعون ثمنها، نظر طه لأثره بيأس وداخله خوفٌ كبير، يبدو بأن النزاعات ستقوم مرة أخرى بسؤال الحفيد الأصغر!

الوجود وسط العائلة يُعطي للحياة نكهة مُختلفة، نكهة بطعم الحب، التسامح، الود، لكن تلك العائلة لم تكن سوى بعائلة مراهقة، عائلة تُسبب الجنون، تُخرجك عن السيطرة.
نفخت وصال بغيظ وهي تستمع لصراخ والداها الطفلان! نعم طفلان بكل معنى الكلمة، لا تعلم لما تتحملهم وتتحمل جنونهم، أحيانًا يأتي في بالها أفكارًا شيطانية للتخلص منهم لكن قلبها النقي يمنعها عن ذلك! فهما بالنهاية والداها!

جلست على الفراش بشعر مُشعث ودمٌ يغلي من الغضب، تكادُ تفقد أعصابها حقًا من مشاجرتهم اليومية، وقفت من مضجعها ثم خرجت لهم لتستمع لصوت صراخ والدها الساخط: بقا يا ولية يا بومة انا طِفس! بعد ما كلتي الفطار كله ومسبتليش غير طعمية واحدة في الآخر أنا اللي طِفس!

تخصرت والدتها في مكانها ثم رفعت يدها الآخرى بوجهه مردفة: ما هو قرك دا اللي جايبني ورا، انا خسيت نص كيلو في الشهر يا مفتري من الحسد، انا كنت حاسة إن عينك في حياتي يا راجل يا كركوبة.
شهق علي بصوت عالي قائلًا بسخط وهو يرفع شفتيه بإستنكار: نعم نعم! هو مين دا اللي كركوبة يا ولية يا معفنة يا مصدية! دا أنا كتر خيري إني رضيت بحُرمة تجيب الفقر زيك! وانتِ كان مين يرضى بيكِ يا معفنة!

أشارت لنفسها قائلة بغلظة: معفنة! مش كفاية العِرة اللي مخمودة جوا دي شبهك! بدل ما يكون فيه منك واحد بقا فيه اتنين نفس المنظر المُقرف.
فرغت وصال فاهها بعدم تصديق وهي تُشير لذاتها بصدمة، ما دخلها هي الآن! دخلت في المشاجرة موجهة حديثها لكليهما: هو الواحد مش هيعرف يتخمد في أم البيت دا!

وفي ثانية واحدة وقبل أن تتحدث كلمة أخرى كان نعل والدتها يحتضن وجهها بقوة، ارجعت هي رأسها للخلف بألم لتستمع لصياح والدتها التي تركتها هي وأباها ينظرون لأثرها بسخط: غوري انتِ كمان دا انتِ تربيتك زبالة، يارب خُدني وريحني من الغُلب دا...

خفت صوتها بالتدريج عندما دلفت لغرفتها قبل أن تُغلق الباب خلفها بحدة مُسددة لهم نظرة ساخطة مُحتقرة، كادت وصال أن تبكي حقًا من الغيظ لكن لا تعلم ما عليها فعله لرد الإعتبار، نظرت لوالدها الذي نظر لها بإبتسامة بلهاء، ثم رفع يده مُرحبًا بها بحماقة: هاي يا بنتي.
آااااه.

صرخت بعدم تصديق وهي تشد في خصلاتها ثم دخلت إلى غرفتها بغضب، حاولت تنظيم أنفاسها الغاضبة وإكمال نومها، لكنها تذكرت موعدها مع الأطفال لتستكمل لهم دروسهم، بكت بقلة حيلة ولكم تمنت ترك ذلك المنزل بما فيه.

وصل معتصم إلى منزله، وتحديدًا عند منزل عمه سلطان، طرق الباب بخفوت لتفتح له ماجدة قائلة بترحيب: تعالى يا حبيبي، ليك وحشة والله.
ابتسم لها بخفوت ثم دلف للداخل ليجلس على الأريكة الوثيرة براحة، تلفت حوله متسائلًا بإستغراب: هو عمي مش هنا ولا إيه!
أمسكت بزجاجة المياة ثم صبت له في كأس صغير لتُعطيها له وهي تُجيبه: لأ مش هنا، راح يعاين الفرز الجديد للبضاعة، أصل تكون مغشوشة ولا حاجة.

هز رأسه عدة مرات ثم ارتشف قليلًا من المياه، حمحم عدة مرات لا يعلم بماذا يبدأ حديثه، لكنه حسم أمره بسؤالها، لذلك قال دون مراوغة: مرات عمي عايز أسألك على حاجة.
حاجة إيه يا حبيبي! اسأل طبعًا.
هو حضرتك ليكِ علاقة بالعداوة اللي بين العيلتين!

شحب وجهها فجأة من سؤاله الصريح والمباشر، انسحبت الدماء منها ناظرة إليه بعدم تصديق، من أين أتى بهذا الحديث! وكيف عرف علاقتها بهم! وما الذي يعرفه عنها غير ذلك! العديد والعديد من الأسئلة تدور في رأسها بلا رحمة، وإجابتها لديه فقط.
سألته بصوت خافت ومازالت تعابير الصدمة والدهشة مرسومة على وجهها: انت. انت جبت الكلام دا منين! مين اللي قالهولك!

علم بأنها تعلم كل الحقيقة، وهو يريد أن يعرفها بشدة، لا يستطيع التخلي عن سجود بسبب تلك العداوة المجهولة بالنسبة له، يريدها له ولو مهما كلفه الثمن، لذلك أردف بتصميم دون أن يُراعي حالتها الشاحبة: أيوا أنا عرفت إنك السبب، انتِ سبب الدمار اللي حصل بينا، اللعنة اللي نزلت علينا بسببك انتِ.

كان يهذي بكلمات غير صحيحة ليسمع اعترافها، وخطته جاءت لصالحه عندما نفت بدموع وهي تهز رأسها بالنفي: محصلش، انا اه غلطت زمان بس اعترفت بغلطي ل سلطان، هو عارف كل الحقيقة وسامحني عليها، انا رحت اعترفتله بكل حاجة بس ميادة هي اللي صممت على الطلاق واتجوزت نجدت.
سألها بإستغراب وهو لا يفقه أي شئ مما قالته: وانتِ عملتي إيه!

تنهدت ببكاء مُستندة على ظهر الأريكة: انا هحكيلك كل حاجة، بس توعدني إنك متحكيش حاجة لحد.
أومأ لها بهدوء، ثم بدأت هي بسرد ما حدث منذ زمن بعيد ودموعها تهبط بحسرة:
.
عند إتفاق ماجدة مع نجدت لأخذه ل ميادة مقابل سلطان ؛ بدأت خطتهم الشيطانية في التنفيذ، أصبح نجدت يذهب ل منزل سلطان يوميًا، ورغم أن ميادة كانت تشعر بعدم الإرتياح تجاهه؛ لم تُخبر سلطان بذلك حتى لا تفتعل المشاكل.

اتفق نجدت مع ماجدة بتصوير ما سيقوم بفعله، قطبت جبينها بإستغراب سائلة إياه: هتعمل إيه يا نجدت!
حدجها بغلظة ثم تحدث بحدة: ملكيش دعوة يا ماجدة، اعملي اللي بقولك عليه وخلاص، دا لو عايزة حبيب القلب.

شعرت بالقلق والريبة من طريقة حديثه، وللحظة شعرت بالندم على ما تقترفه تجاه صديقتها ميادة، والتي كانت خير عون لها، لمح نجدت التردد على تقاسيمها، ليبدأ ببخ سمه داخل عقلها: متفكريش كتير، دي الطريقة الوحيدة السليمة، وهي مش هتتأذي ولا سلطان كمان هيتأذي، وكل واحد فينا هيعيش مع اللي بيحبه.

اقتنعت بحديثه قليلًا ومازال عقلها يوبخها على فعلتها، لكنها حسمت أمرها وانتهى الأمر، أمسكت بكاميرا الهاتف ثم بدأت بتصوير نجدت من بعيد وهو يقوم بطرق باب منزل سلطان، في تلك الأثناء فتحت ميادة التي نظرت له بإمتعاض متحدثة بهدوء مزيف: ازيك يا استاذ نجدت، كان نفسي أقولك اتفضل بس سلطان مش موجود.
تحدث نجدت بخبث وهو يمسح جانب فمه: ومين قال إني عايز سلطان، انا عايزك انتِ يا ست البنات.

فتحت ميادة عيناها بصدمة وما كادت أن تتحدث، حتى وجدت خصرها مُحاط بيد نجدت الذي حاول الإقتراب منها وتقبيلها، وهي كانت كالمُغيبة من الصدمة، فاقت من صدمتها فدفعته بعيدًا عنها، وكاد أن يقترب مرة أخرى؛ حتى صفعته بقوة شديدة وبغل أشد.

وضع نجدت يده على وجهه بعدم تصديق والتمعت عيناه بشراسة وكأنه تحول لحيوان مفترس، شهوته هي التي كانت تُحركه في تلك الأثناء، لذلك دفعها للداخل رغمًا عنها، مُكممًا فاهها حتى لا تفتضح أمره وبدأ بالتعدي عليها.

وبالخارج. صعدت نبضات ماجدة وازداد تنفسها من اشتراكها بتلك الجريمة، هي بحياتها لم تكره ميادة لكنها تغار منها وبشدة، ارتشعت اطرافها وسقط الهاتف منها بخوف شديد، هبطت الدرجات القليلة بسرعة، ثم دفعت الباب لتتصنم محلها عندما رأت نجدت يبدأ بالتعدي على ميادة!

هو وعدها بعدم أذيتها، والآن هو يذبحها بلا رحمة، سيجعلها أنثى بلا روح، وهي الآن تُشارك في جريمته الشنعاء، استفاقت بسرعة ثم ركضت إليه تُمسك به من ملابسه لتُجذبه، بينما شهوانيته أعمته تمامًا وقرر أن يُنهيها، صرخت به بقوة: فوق بقا انت بتعمل إيه!
لم يستجيب لها بتاتًا، لذلك أمسكت هي بالمزهرية وكسرتها فوق رأسه ليبتعد، صرخ بألم واضعًا يده فوق جرح رأسه النازف ناظرًا ل ماجدة بشر: انتِ اتجننتي!

لم تُجيبه؛ بل ذهبت إلى تلك التي انزوت على نفسها مُنفجرة في البكاء، احتضنتها ماجدة وظلت تبكي معها بندم على ما اقترفته، بينما نظر لها نجدت بسخرية لازعة متمتمًا قبل أن يذهب من أمامهما: هتبقي ليا بمزاجك أو غصب عنك يا ميادة.
.

مسحت دموعها بحسرة ناظرة ل معتصم الذي ينظر لها بسخط، فبررت قائلة: انا وقتها مسكتش والله، رُحت قولت ل سلطان على كل حاجة انا عملتها، واعترفتله بكل حاجة، وقتها ضربني بالقلم، بس انا مزعلتش، انا بالعكس فوقت من الغل والحقد اللي كان هيوديني في داهية، ومن هنا اتحولت المحبة اللي بين العيلتين لنزاع بعد ما سلطان راح اتخانق مع نجدت وسط بيته، بقى يرمي عليها كلام و، ويقول إن هي اللي كانت عايزاه وبتتبلى عليه، وقتها سلطان كان هيقتله بحد، ولولا طه وإبراهيم اللي دافعوا عن نجدت كان قتله ساعتها.

أخذت أنفاسها لتُهدأ من روعها مُكملة: ووقتها اخواته طبعًا وقفوا جنبه، نجدت من قبل ما يسافر كان محترم وابن ناس، بس بعدها كل تصرفاته اتغيرت، كان بيظهر للكل إنه ملاك وهو في الحقيقة شيطان، فمحدش من اخواته كان مصدق اللي اتقال عليه، وطبعًا عيلة النويهي مش هتكدب سلطان وميادة وبرضه عيلة ابو زيد مش هيكدبوا ابنهم، وابتدا من هنا الخلاف، الكُره بقا يزيد مرة ورا التانية.

لحد ما في يوم ميادة طلبت الطلاق من سلطان، الكل وقتها كان مصدوم ومش مصدقين طلبها، وهي اللي كانت بتموت في التراب اللي بيمشي عليه، طبعًا سلطان رفض تمامًا ومكن عارف سبب تصرفاتها الغريبة، بقت تتخانق على أقل حاجة وتطلب منه الطلاق، لحد ما جه في يوم قالتله بالنص كدا وقدام الكل انت مش راجل، ولو راجل تطلقني دلوقتي حالًا.

النار ولعت في قلب سلطان وضربها بالقلم ورمى عليها يمين الطلاق، وبعد ما العدة بتاعتها خِلصت، اتفاجئنا بجوازها من نجدت، الكل كان مصدوم، معنى كدا إن كلامه صح! بس انا أكتر واحدة عارفة نجدت وأفعاله الوسخة، أكيد هددها بحاجة عشان تطلق من سلطان وتتجوزه هو، وقتها رُحت تاني ل سلطان اطلب السماح منه، كان بقالي شهرين بطلب منه يسامحني وضميري بيأنبني، لحد ما وافق أخيرًا، ساعتها الدنيا مكنتش سيعاني وقولت هبعد عنهم خالص وهشوف حياتي.

بس وقتها صدمني لما طلب مني الجواز، اتصدمت ساعتها وكنت متأكدة إنه اتجوزني بس عشان يرد اعتباره، خصوصًا إن البيتين قُصاد بعض وأكيد هتعرف، أنا بصراحة وافقت لأني كنت بحبه، لكن قبل ما اتجوزه أكدت عليه هو مسامحني ولا لأ، أكدلي وقالي آه مسامحك المهم إنك فوقتي قبل فوات الآوان، واتجوزنا أنا و سلطان وعِشت معاه مُعززة مُكرمة وهو كان محترم جدًا.

بعدها بفترة عرفنا الخبر اللي صدمنا كلنا وخلى سلطان وفارس انهاروا حرفيًا، وهو إن نجدت قتل ميادة، دا دبحها كمان وبعدها انتحر هو.
كفكفت دموعها ثم نظرت ل معتصم الذي تأثر بما روته، يبدو أن السيدة ميادة قد عانت كثيرًا قبل موتها، بل وماتت مذبوحة أيضًا، تحدثت ماجدة بحشرجة: بس واللهِ يابني أنا مليش ذنب، انا فوقت وعملت اللي عليا وأكتر وبعدت عن كل حاجة.

تفهم معتصم حالتها، وإلتمس الندم منها، لذلك ربت على قدمها متحدثًا بحنان: إهدي يا مرات عمي، أنا كدا خدت اللي عايز اعرفه، متزعليش مني.
ابتسمت بخفوت وهي تهز رأسها بالنفي: مش زعلانة يا حبيبي.
قام من مجلسه ثم قبَّل رأسها بحب، ليذهب للمشفى مرة أخرى، ولكن تلك المرة وهو يعلم الحقيقة كاملة.

اختبأت زهر التي استمعت للحديث كاملًا بالصدفة وهي تكتم شهقات بكاؤها، الآن علمت لما يتحسس فارس من التطرق لهذا الموضوع تحديدًا، ذُبحت والدته بسكين الغدر وهو تحمل ذلك، صعدت للأعلى مرة أخرى وعيناها مليئة بالدموع وفؤادها يتألم من أجل تلك السيدة التي لم تراها من قبل.
دلفت لشقتها بحزن لتجد فارس يخرج من المرحاض ممسكًا بالمنشفة، رآها بتلك الحالة؛ ليذهب إليها مسرعًا متحدثًا بقلق: زهر. مالك يا حبيبتي!

لم تُجيبه، بل احتضنته بقوة ثم انفجرت في البكاء مُتألمة على حاله، لم تعلم بأنه يحمل كل ذلك الحزن داخل قلبه، الآن شعرت بذرة واحدة مما يشعر به، بادلها العناق بتعجب وهو يُهدهدها كطفل صغير، كانت تشهق بعنف مما زاد القلق بقلبه.
أخرجها من أحضانه مُتسائلًا بفزع: طيب. طيب انتِ تعبانة نروح للدكتور!
هزت رأسها بالنفي لتعاود إحتضانه مرة أخرى متشدقة بصوت متحشرج: لأ. خليني في حضنك بس.

أراد مشاغبتها حتى يعلم ما بها، ليردف بوقاحة وعبث: طيب وإيه لازمته الفيلم دا! ما تقولي عايزة قلة أدب وخلاص.
خرجت من أحضانه بصدمة وهي تهز رأسها بالنفي قائلة بسرعة: لأ والله متفهمنيش غلط.
قهقه بصوت عالي ثم اقترب منها بمكر حاملًا إياها على ذراعيه بعدما نجح في إلهائها عن البكاء: غلط إيه بس! تعالي إما أقولك كلمة سِر قبل ما الحكومة تيجي.

طرقات مُظلمة، وصرخات عالية تدوي في الأرجاء،
وهي تركض ودمعاتها تسيل فوق صفحات وجهها الخمرية، نظرت خلفها بهلع لتجد ذلك الظل الضخم يُتابعها، لتُسرع من خطواتها أكثر وهي تشعر بأنفاسها تكاد تُسحب من شدة الخوف، شهقت بخوف عندما اصطدمت بجسد عريض أمامها، رفعت أنظارها له وهي ترتعش خوفًا؛ لتجد الضوء مُسلط على عيناه الرمادية، أمسكت به من ذراعه قائلة ببكاء مُرتعش: ريان ساعدني متسبنيش.

خبأها خلف ظهره وهو يُسدد نظرة طمأنينة لها، اقترب ذلك الظل منهم أكثر لتُكشف ماهيته، حيوان ضخم ذو أسنان مُدببة، يخرج من فمه لُعاب مُقزز ومُخيف بذاتِ الوقت، ابتلعت غزل ريقها برعب قائلة ل ريان: تعالى نمشي بسرعة.
أمسك ريان بيدها المرتعشة بحنان مردفًا بحب: متخافيش، انا هفديكِ بروحي.

اقترب منهم ذلك الحيوان ناظرًا لهم بشراهة، أمسك ريان تلك الزجاجة المرمية أرضًا موجهًا إياها في وجهه ليبتعد، هجم عليهم ذلك الكائن؛ ليدفع ريان غزل المُتمسكة به وهو يصرخ بها: ابعدي عن هنا.

هبطت دموعها بعنف عندما شاهدت هجوم ذلك الحيوان على ريان، بينما هو يحاول بإستماتة صد هجومه، تنفس بعنف مُبعدًا وجهه عنه يُريد إلتهامه، نجح في ذلك ليهجم عليه ذلك الحيوان الشرس مرة أخرى يعض رقبته بعنف، صرخ ريان بقوة تزمنًا مع شهقة غزل القوية التي استيقظت للتو!

تنفست بعنف وصدرها يعلو ويهبط بشدة، خائفة لدرجة لا تتوقعها، تشكلت الدموع بحدقتاها عند تخيلها لحدوث شئ مريب له، شعرت بثقل على صدرها لتجده نائم كما هو، تنفست الصعداء وهي تحمد ربها بأنه مجرد كابوس وذهب، مسدت على خصلاته بحنان وهي تُتمتم بالحمد.
تململ ريان في نومته وهي يهمس بشئ لم تسمعه هي مُطلقًا، ظنت بأنه يحتاج لماء أو طعام أو ما شابه، لذلك تسائلت بصوت خافت: عايز حاجة يا ريان!

عاد همسه تلك المرة ولكن بوضوح عن ذي قبل: يوه بس بقا يا غزل مش دلوقتي.
نظرت له بتعجب ولا تفقه شئ، كادت أن تسأله عما يقصده، ليستكمل هو حديثه الغامض: بس بقا عيب مش قدام الناس! يا بنتي مش دلوقتي.
تشنج وجهها وهي تفتح فاهها بصدمة، لتستمع إليه يُكمل بصوت ناعس: طيب ماشي هي بوسة واحدة بس...

تصنمت محلها عندما وجدته يقترب منها في نية لتقبيلها، وكأن عقلها توقف لإبعاده، اقترب أكثر حتى أصبحت المسافة تكادُ تكون معدومة، أغمضت عينها بخوف وتوتر عندما شعرت بأنفاسه على وجهها وبعدها،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة