قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والعشرون

تشنج وجهها وهي تفتح فاهها بصدمة، لتستمع إليه يُكمل بصوت ناعس: طيب ماشي هي بوسة واحدة بس...
تصنمت محلها عندما وجدته يقترب منها في نية لتقبيلها، وكأن عقلها توقف لإبعاده، اقترب أكثر حتى أصبحت المسافة تكادُ تكون معدومة، أغمضت عينها بخوف وتوتر عندما شعرت بأنفاسه على وجهها، وبعدها وضعت يدها على فمه لإيقافه هامسة بصوت مضطرب: ريان فوق.

لم يستجيب لها بل ظل يُهمهم تحت يدها المُكممة لفمه، فهزت جسده مرة أخرى شاعرة بالتوتر من إقترابه المُبالغ: اصحى بقى الله يخربيتك انت بتتحرش بيا.
تململ بضيق من صوتها، ثم فتح عينه ببطئ ونظرات ماكرة تتراقص بحدقتيه لم تُلاحظها هي بسبب توترها، لم يعتدل، ولم يتوقف، بل تحدث بصوت عابث ومازالت يده تُحيط بخصرها: لأ أنا مش هتحرش بيكِ بس.

فتحت عيناها على آخرهما ناظرة له بصدمة بعدما علمت مقصده الوقح، ذلك المُنحط الحقير سيبقى عديم التربية مدى الحياة، تحدثت مشدوهة وهي تنظر لعيناه: انت. انت كنت صاحي!
أجابها بمراوغة وهو يُحرك أحد حاجبيه
تؤ، كنت نايم وغزالتي اللي صحتني.
لوت شفتيها بإستنكار مرددة بسخرية: والله!
واللهِ انتوا!

كان ذلك صوت موسى الذي أتى منذ وقت قصير للإطمئنان على ريان، لكنه وجدهم بذلك الوضع المُحرج لمن يراه، وبالطبع موسى لم يهتم، بل أكمل حديثه وهو يقترب منهم ليجلس أمامهم من الجهة الأخرى متشدقًا بوقاحة لم تظهر عليه يومًا: كملوا كملوا، بحب اتفرج.
تصبغ وجه غزل بالحُمرة الشديدة، بينما صدحت صوت ضحكات ريان الذي اعتدل في جلسته مردفًا: اتلم ياض معايا نسوانة بتتكسف.

سدد له موسى نظرة عابثة مُجيبًا إياه بمكر: وطالما النسوانة بتاعتك بتتكسف عايز تبوسها وسط الصحرا ليه! ما تاخدها وتدارى في أي حِتة.
حدق به ريان بعدم تصديق مُجيبًا إياه بجدية: بجد! هو فيه مكان متداري هنا!
تلك المرة لم تستطيع غزل الصمت لتضربه على كتفه السليم بغيظ وقوة وهي تكاد تبكي خجلًا، بينما انطلقت صوت ضحكات موسى تدوي في الأرجاء وهو يرد عليه بدهشة: اقسم بالله سافل ومتربتش.

شاركه ريان الضحك وهو ينظر بعبث لتلك الجالسة المُنصهرة من الخجل، كم يتوق لأخذها بين أحضانه وهو بكامل وعيه، وبكامل رضاها هي الأخرى، يتضخم حبها داخل فؤاده كل يوم عن الذي قبله، هي تجذبه، وهو يُحبها.
طال نظره لها ليقف موسى محله، ثم اقترب مُربتًا على كتفه هاتفًا بكلمات مقصودة تحمل في طياتها الوقاحة: هقوم واسيبك تبحلق براحتك يا نِمس، ولو حاجة وقفت معاك ومحتاجة شرح ناديلي.

أنهى حديثه بغمزة وقحة ثم تركهم وذهب بضحكات مرتفعة، وفور ذهابه استدار ريان ل غزل متشدقًا بوله: كنا بنقول إيه يا غزالتي!
جزت غزل على أسنانها بغيظ، رامية كيس القكن بوجهه صائحة بغضب: كنا بنقول إنك سافل وقليل الأدب.
ضحك ريان عاليًا وهو يقول ببرائة: انا مقولتش حاجة، دا موسى هو اللي قليل الأدب.

ربعت يديها بغضب ولم تُجيبه، بل اكتفت بالصمت وهناك شيئًا داخلها يُخبرها بأن تتوقف، لاحظ ضيقها منه لذلك اقترب ممسكًا بكف يدها متشدقًا بإعتذار: خلاص متزعليش، انا كنت بهزر معاكِ.

سحبت يدها برفق وتعابير الضيق مازالت مُرتسمة على وجهها، ثم نظرت له مُباشرة قائلة بعتاب: أنا مش بحب التصرفات دي يا ريان، المعاملة اللي بيكون فيها شئ من التجاوزات دي بتضايقني بصراحة، سواء كان التجاوز دا كان في الكلام أو التصرفات، بجد بيقفلني.
شعر بالحرج من تفسيرها لموقفه بتلك الطريقة، علم أن معها حق لذلك أومأ موافقًا بكلمتين لا ثالث لهما: معاكِ حق.

قال جملته ثم ابتعد قليلًا في جلسته شاعرًا بالحزن، لم يقصد أن يُضايقها، بل يشعر معها بشئ من الأُلفة، الود، الحنان، والمحبة، لذلك يتعامل معها عفويًا، بطريقته الطبيعية دون الحاجة إلى الإبتذال، وإن كان حديثه وتعامله هذا يُحزنها، فسيتوقف عن فعله.

اضطرب قلبها عند ابتعاده فجأة، يبدو أنه فهم مقصدها بشكل خاطئ، هي فقط لا تُريد أن تتجاوز معه في الحديث، تُريد أفعاله تلك عن نيلها والزواج منها بطريقة شرعية، وإلا ستفقد علاقتهما رونقها الخاص.

عضت على شفتيها بحزن ثم اقتربت هي قليلًا لمصالحته، لاحظ اقترابها فابتعد هو بضيق تلك المسافة التي اقتربتها، تنغضت ملامحها بضيق مُقتربة مرة أخرى، ليبتعد مرة أخرى عنها دون الحديث، وحقًا ودت لو تنفجر ضحكًا على أفعاله الطفولية تلك، لذيذ حقًا.

وقفت على رُكبيتها لتجلس أمامه تلك المرة ثم قالت بُلطف لمصالحته: على فكرة أنا مش قصدي أزعلك، انا وانت فيه مشاعر متبادلة بينا، ولو المشاعر دي اتحكمت في تصرفات كل واحد فينا مش هنحس بحاجة بعدين.

لاحظت نظراته اللامعة تجاهها وكأن بحديثها داوت حُزنه المؤقت، تشكلت ابتسامة صغيرة عاشقة على ثغره وهي تُكمل: انا عارفة إنك سمعتني إمبارح وأنا بقولك إني بحبك عشان حسيت بيك، مش عايزاك تعترفلي بأي حاجة قبل إرتباطنا بطريقة شرعية، أنا عايزاك تبقى حلالي زي ما انت عايزني بالظبط، ممكن تكون بجاحة مني إني قولت كدا؛ بس انا حبيت أعرفك اللي حاسة بيه عشان متزعلش من كلامي، عشان تعرف انا حاسة بإيه من ناحيتك ومتفهمش كلامي غلط بعد كدا.

هو انا ينفع أحضنك حضن واحد بس واللهِ!
سألها ورغبة إحتضانها تُسيطر عليه وبشدة، ضحكت بيأس وهي تهز رأسها بنفي، قائلة وهي تُحدجه بنظرات ذات مغزى: قولتلك لما تبقى حلالي أبقى اعمل اللي انت عايزه.
سألها مرة أخرى ولكن بإلحاح: طيب بوسة!
طالعته بغيظ موجهة إليه نظرة نارية مُحذرة، ابتسم ببلاهة مُستندًا على الحائط وهو يُمسك بالمرآة التي بجانبه، ناظرًا لوجهه بحالمية: ما شاء الله عليا، قمر واللهِ قمر.

راقبته غزل بعدم تصديق وكادت ابتسامتها أن تنفلت منها، لكنها كتمتها بصعوبة، قرَّب ريان وجهه أكثر للمرآة قائلًا بتعجب: انا عندي حَسَنة على الجنب الشمال، ليه طالعة في المرايا على الشمال برضه!
ظلت بضعة ثوانٍ تُحاول استيعاب سؤاله؛ لكنها لم تصل لشئ، فتسائلت ببلاهة وتعجب: اومال عايزها تكون فين يعني! على رجلك!

حدجها بنظرات ساخطة وهو يشرح لها: لأ يا غبية، قصدي المفروض طالما عندي حسنة على خدي الشمال تبقى في المرايا على اليمين، عشان المرايا بتعكس الشكل.
لوهلة ظنت أنها غبية حقًا، وكادت أن تُجيبه؛ لكنها صرخت به ليُعيد كلماته مرة أخرى: انت قولت إيه!
فزع من صرختها لكنه قال بتعجب: طالما عندي حسنة على خدي الشمال تبقى في اليمين...
هزت رأسها بالنفي وهي تُشير بيدها: لأ لأ مش دي، أخر جملة قولتها إيه!

رددها ومازال ينظر لها بغباء: المرايا بتعكس الشكل!
صرخت به وهي تُصفق بيدها على جبهتها مُعنفة ذاتها: إزاي راحت الحكاية دي عن دماغي!
فتح فمه ببلاهة مُعلقًا: حكاية إيه!

وضحت له وهي تشرح ما جاء ببالها بحماس، وكأن البريق الأمل عاد ليطوف حولهم مرة أخرى: فاكر الورق اللي احنا خدناه من عند منير المنشاوي لما لقيناه ميت! وقتها معرفناش نقرأ منه ولا كلمة لأن كلماته كانت غريبة، بس الكلمات مكنتش غريبة الكلمات كانت معكوسة، عشان لو سليم المنشاوي عِرف وقرر يغدر بيه زي ما عمل يكون فيه دليل ضده، واكيد هو خَد الورق اللي هو عايزه ولما شاف دا شاف إنه ملوش لازمة وسابه وبعدها قتله.

كان ريان يستمع لها بصدمة وهي تُحلل الموقف بكل تلك المهارة والذكاء مردفًا بإعجاب: يابنت الإيه يا غزالة، لأ ذكية وتستاهلي لقب محامية بجد مش هزار.
ابتسمعت بإتساع وهي تستمع لإطراءه لها، لطالما استمعت لتلك الكلمات، لكن منه تكون بشكل مختلف، تحدثت بسعادة وهي تتلفت حولها باحثة عن الأوراق: فين بقا الورق اللي كان هنا!

انمحت الإبتسامة فجأة عن وجهه وشحب بشدة فور أن استمع لسؤالها، لاحظت تغيره؛ لتُغمض هي عيناها ناظرة له بشك: فين يا ريان!
ابتلع ريقه بتوتر ثم تحدث بتلعثم ونظراته كنظرات طفل مُذنب يتلقى التوبيخ من والدته الآن: ع. عملت بيه مراكب وطيرتها.
انتفض للخلف بفزع وهي تصرخ به بعدم تصديق: عملت بيه إيه!
برر لها وهو يُشيح بيده: بس طيرته قُريب من هنا، يعني هنلاقيه إن شاء الله، إن شاء الله يعني!

كادت أن تُصاب بذبحة قلبية وهي تستمع لحديثه، سددت له نظرة نارية ثم وقفت محلها متوجهة للخارج للبحث عن تلك الأوراق، ذهب خلفها مباشرة مُرددًا بخوف من هيئتها: مش عايزة مساعدة!
نظرت للخلف حيث يقف، فابتلع ريقه بتوتر ثم عاد محله قبل أن يقول: طب أنا جوا ولو عوزتي حاجة ناديني.

ذهبت من أمامه بغضب وهي تتلفت حولها كالمجنونة للبحث عن الأوراق، تلك هي آخر دليل براءة لهم سيتمسكون به، والمُغفل قام بتحويلها لمراكب للعب بها!
أما هو عاد للداخل وعلى ملامحه مُرتسمة علامات الغضب، جلس محله مرة أخرى وهو يمط شفتيه بضيق، متشدقًا بغضب: وانا عملت إيه لدا كله يعني!

الفراغ الذي يُحاوطها الآن كانت تشعر به عند وجودها بمنزل والدها، والآن هي تشعر بالفراغ مرة أخرى، ارتعشت شفتيها ببكاء وهي تقوم بطي الملابس التي أمامها، مسحت نوال دموعها بسرعة عندما استمعت لصوت انفتاح الباب.
بدأت ب رَص الملابس في الخزانة مُدَّعية الجمود والقوة، وهي بداخلها هشة ضعيفة تحتاج للإهتمام والحب، لكن مازال قلبها لم يُسامحه على كذبه عليها، وهي أنثى تغار وتحزن.

استمعت لزفرته القوية لكن لم تُعيره أي إهتمام، شهقت بفزع عندما شعرت بإحاطته لجسدها من الخلف، ارتعش جسدها من حركته المُباغتة وعاد قلبها بالنبض مرة أخرى بقوة، حاولت فك تقيده من حولها مردفة بهدوء مصطنع: سيبني لو سمحت يا بدر.
دفن وجهه بعنقها من الخلف قائلًا بتعب: بدر متشاجلك جوي يا جلب بدر.
ابتلعت الغصة التي تُحشر بحلقها ثم اردفت بألم: دا بجد! مشتاقلي ولا مشتاق مراتك الأولانية!

أدراها لتكون بمقابلته، وياليتها لم تنظر لعينه، فقد كانت تصرخ بالعشق الصامت والألم بذاتِ الوقت، أحاط بوجهها بين يديه متشدقًا بعشق: عمري ما حبيت ولا هحب غيرك يا نوال، جلبي مفيهوش غيرك، وحياتي متسواش وانتِ مش فيها.
ليه كدبت عليا!
قالتها بصوت مبحوح وهي تتخيل أخرى بين ذراعيه، وهنا تحكمت بها غيرتها أكثر عن ذي قبل.

هز رأسه نفيًا مُجيبًا إياها بحنان: مكدبتش عليكِ يا جلبي، بس انا اعتبرت نچاح صفحة وانجفلت، ملهاش وچود في حياتي وانتِ فيها، انا بحبك انتي، وجلبي مبيدجش غير ليكي انتي.
أطفأ لهيب غيرتها وضيقها بحديثه، وكأنه دواء لجروحها، وإلى هنا لن تستطيع هجره أكثر، لن تستطيع الإبتعاد عنه، اشتاقت له حد اللعنة وهو كذلك، لذلك أحاطت بعنقه بقوة وهي تردف ببكاء مزق نياط قلبه: وحشتني أوي يا بدر، وحشتني وبكرهك.

أحاط بدر بخصرها دافنًا جسدها الذي نحف كثيرًا داخل أحضانه، وكأنه يريد دفنها بأضلعه حتى لا تبتعد مرة أخرى، ابتسم بخفة عندما استمع لها، ليردف بعشق: و بدر بيموت فيكِ يا حبة الجلب.

ولتتفادي الخطأ، يجب أن تُصلح الأخطاء القديمة، وهذا ما يفعله ممدوح والده نوال لتعويضها عن ما فعله معها قديمًا، قرر أن يبدأ معها صفحة جديدة لتتذكره، حمل الأكياس الثقيلة بين يديه عائدًا لمنزله، فهو ذهب منذ الصباح الباكر ليبتاع لها كل أنواع الحلوى التي تُحبها ليهديها لها في زيارتهم القادمة.

كانت ابتسامة صغيرة تتشكل على ثغره عندما توقع ردة فعلها السعيدة، لكن ثواني ما انمحت عندما لمح شقيقته التي تقطن بنفس الشارع تقريبًا، شقيقته التي هربت من عائلتها لتتزوج بإبن عائلة النويهي، ورغم محاولاتها اليائسة لإصلاح ما أفسدته؛ رفضوا رفضًا قاطعًا وقاموا بمقاطعتها، لقد دفنت وجه عائلتها بالوحل عندما هربت لتتزوج من شخص رفضوه من قبل.

تهجم وجهه وقرر إكمال طريقه دون النظر إليها حقًا، لكن ازداد غضبه عندما توقفت أمامه بنظراتها المتلهفة قائلة بإشتياق: عامل إيه يا ممدوح!
طالعها بسخرية لاويًا شفتيه بإستنكار، ثم تحدث بغلظة شديدة أجفلتها: عايزة إيه يا ماجدة!
حاولت استعطافه مُمسكة يده برجاء بعد أن تسللت الدموع لعيناها: عايزاك تسامحني ياخويا، انا مبقاش ليا غيرك، كله قاطعني وباعني، حتى انت رغم إن بيتك في نفس الشارع مجتش تطل عليا ولا مرة.

سحب كفه من بين يدها قائلًا بقسوة: ومفكرتيش في دا وانتِ بتعارضينا وبتقفي قدامنا وراحة تتجوزي سلطان! مفكرتيش في أبوكِ اللي حطيتي راسه وراسنا كلنا في الطين! دا انتِ كنتِ دلوعة البيت وروح قلب أبوكِ، مفكرتيش في كسرة أبوكِ!

نزلت دموعها بقوة ورغمًا عنها شهقت من حِدة بكاؤها وهي تهمس له: غصب عني يا ممدوح، أبوك كان عارف إني بحب سلطان بس هو رفض اتجوزه عشان كان راجل متجوز، بس انا مكنش يهمني دا كله، كنت كل اللي عايزاه هو سلطان وبس.
هز ممدوح رأسه بيأس، وهو ينظر لها بلوم ممزوج بالغضب متشدقًا بعتاب: ليه كدا يا ماجدة! ليه كدا! ليه تخلي أبوكِ يموت وهو غضبان عليكِ!

نفت برأسها وهي تنظر له بهلع: لأ والله العظيم، انا روحتله المحل وفضلت ازن عليه أسبوع كامل عشان يسامحني، وقلبه حَن عليا واللهِ وقال إن هيسامحني، لو مش مصدقني اسأل سلطان، وقتها كنت مبسوطة وطايرة من الفرحة خصوصًا لما ابويا قالي إنه عازمني يوم الجمعة في تجمع العيلة، بس وقتها كل حاجة انهارت فوق دماغي والدنيا اسودت في وشي لما تاني يوم ابويا مات، واللهِ يا ممدوح أبويا سامحني.

كانت يستمع لها بصدمة، فوالده كان صارم للغاية ومن سابع المستحيلات أن يكون قد سامحها، خاصةً بعد هربها والزواج من وراء ظهروهم، تحدث بشك وهو يرمقها بدون تصديق: ولما هو سامحك ليه مقالناش! ليه خبى علينا في وقتها!

مسحت دمعاتها المتساقطة مُبررة له بشهقات منخفضة حتى لا تُثير انتباه المارة: عشان كان عايز يعملها مفاجأة، هو قالي إني آجي يوم الجمعة وقت ما تكونوا كلكم متجمعين عشان يقولكم واللهِ، فاضل انتوا بس تسامحوني، سامحني عشان خاطري يا ممدوح، والله مليش غيرك انت واخواتي البنات.

ابتلع ريقه بأسى ناظرًا لشقيقته بحزن مبالغ فيه، كانت هي الأقرب له من بين شقيقاته الأخرى، وقامت هي بطعنه بخنجر الخيانة عند هروبها، تذكر معاملته القاسية لإبنته حتى لا تكون مثل شقيقته، هز رأسه بألم وهو يهم بالذهاب بعد أن حمل الحقائب مرة أخري: انتِ عارفة بسببك أنا عملت إيه في بنتي عشان متبقاش زيك! مبقاش ينفع يا ماجدة، مبقاش ينفع.

رمى لها كلماته ثم ذهب من أمامها، تاركًا إياها تنظر لأثره ببكاء وحسرة، متمتة بحزن بالغ: انا اسفة، والله اسفة.

ظلامٌ يُحيطُ به، من الداخل قبل الخارج، يستمع لأمواج تتلاطم بقسوة تُماثل قسوته تمامًا، حِدة عيناه تزداد يومًا عن الآخر، وشره لا يكف ولا ينتهي، فتح عيناه فجأة ضاربًا ما أمامه وهو يصرخ بقسوة، ازداد تنفسه وكأنه يجري لعشرات الأميال، لم يقدر أحد على الوقوف أمامه، وكل مَن يفعل؛ يُنسَف.

هبط العرق من على جبهته رغم برودة الجو، لكن النار المشتعلة داخل جسده تفوق برودته، فتح سليم أنوار الغرفة الحالكة، ثم أزاح تلك الماكثة عليه بقسوة، هبت من مكانها برعب من مظهره، قُبضت أنفاسها عندما اقترب منها بسرعة مُمسكًا بخصلاتها وهو يُعنفها: انتِ مقرفة. غوري من وشي.

ارتعد جسد الفتاة، لتحاول بلملمة شتات نفسها مومئة له بخوف، ثم هرولت من أمامه وهي تضع الملائة على جسدها العاري، دلفت للمرحاض وهي تكادُ تبكي خوفًا وألمًا من عنفه معها، ورغم محاولة تجاوبها معه؛ إلا أنها لم تتحمل همحيته الشديدة، لتصرخ به عندما ازداد أكثر وأكثر.

أما هو بالخارج؛ كان يدور كالثور الهائج، يتذكر إخبار أحد رجاله الذين كانوا مكلفين بقتل ريان وغزل لرؤيتهم ل موسى، عندها اتسعت عيناه بالصدمة وتوقف عقله عن العمل وكأنه لا يستوعب ما يُقال له، جلس سليم على المقعد شاددًا على خصلاته السوداء الحالكة، مُرددًا بحيرة تكاد تقتله: إيه اللي وصَّل موسى ليهم! كدا انا رُحت في داهية، لو عِرفوا اللي حصل هيتفقوا عليا.

أمسك بهاتفه ثم اتصل على رقم صديقه فريد، انتظر قليلًا حتى أجاب الطرف الآخر، هامسًا بهسيس: عايز أعرف العيال دي مكانهم فين، لقيهم وصفيهم.
قطع تفكيره خروج الفتاة مُرتدية كامل ملابسها وهي تنظر له بإرتعاد، كادت أن تذهب؛ فأمسك يدها ناظرًا لجسدها بشهوة مُقززة قائلًا بوقاحة: رايحة فين يا قمر! انتِ مفكرة دخول الحمام زي خروجه! انتِ لسه مشوفتيش مزاجي.

كادت أن تعترض لكنها خافت من تهوره، ليسحبها معه لعالمه الملئ بالشهوانية والقرف، وهي من تدخلت بقدمها؛ إذًا فلتتحمل.

هي تكره الجميع، الجميع مخادعون، سيئون، حطموا قلبها لأشلاء قبل أن يتفتت، وهي باتت مثلهم، تؤذي من يؤذيها، وتهدد من يُخرب حياتها.

جلست ني ين أمام التلفاز بأعين شاردة، تهتز مكانها للأمام وللخلف بحركات متوازنة، دموعها تسقط بصمت وحسرة على حياتها التي أضاعتها ومازالت تُضيعها، هي جميلة والجميع مُعترف بذلك، لكنها أيضًا مؤذيَّة، تأذت وأذت، اعتدلت مكانها بعنف وهي تُمسك بقصافة أظافرها، رددت وهي تقوم بتقليمها بهمسات شبه هستيرية: هما اللي أذوني، وانا أذتهم، هما اللي وحشين مش أنا، كلهم بيكرهوني وانا. انا بكرهم.

رمت القصافة من يدها وهي تصرخ عاليًا مُشددة فوق خصلاتها: ليه! ليه بيعملوا فيا كدا! انا مش عايزة أبقى وحشة، مش عايزاهم يكرهوني، انا بحبهم مش بكرههم.
قالت الأخيرة بهمس ضعيف قبل أن تتكوم على الأريكة بمظهر أشبه للأطفال، ثم أكملت متحدثة بضعف: مش عايزة أئذيهم بس هما بيأذوني، انا معملتش حاجة.

أغمضت عيناها بقوة ووجها مُغرق بالدموع، تذكرت حديث إحدى صديقاتها أمس وهي تقول لها بنبرة ساخرة مُحتقرة: انتِ واحدة مريضة وأنانية، محتاجة لدكتور نفسي يعالجك بدل ما الكل بيكرهك كدا.
ومشهد أخر مر بذاكرتها مُنذ أن كانت صغيرة.
بابا أنا تعبانة وبطني بتوجعني أوي.
بطلي دلع يا ني ين وروحي ذاكري.

حينها بكت من ألم معدتها وهي كانت طفلة تحتاج للرعاية والإهتمام، واليوم الآخر كانت تجلس هي وعائلتها لتناول الطعام، حينها سعل أخيها قليلًا، ليلتفت إليه والدها متحدثًا بقلق بالغ: مالك يا حبيبي! في حاجة بتوجعك!

هز الصغير رأسه بالنفي ليُصر والده على أخذه للطبيب، رغم أن سعلته كانت ليست بالشديدة، حينها اشتاقت كثيرًا لوالدتها التي كانت تُدللها وتعطيها إهتمامًا بلا مُقابل، لكنها ذهبت من تلك الحياة نهائيًا تاركة إياها تُؤذى من الجميع.
وتتالت المشاهدات والمشاهدات التي تمر بذاكرتها سواء أكانت من والدها، أو من أخيها عندما بلغ وأدرك معني الحياة، أو من صديقاتها، وآخرهم معتصم الذي قام بخيانتها.

اهتزت في مكانها بقوة ومازالت متكومة على ذاتها مُتمتة بضعف: وحشتيني يا ماما.
ابتلعت غصتها التي تطبق على أنفاسها وصدى صوت صديقتها يتكرر بأذانها: انتِ محتاجة لدكتور نفسي...
فتحت عيناها المُحتقنة من شدة البكاء، هامسة ببكاء: أنا فعلًا محتاجة لدكتور نفسي، انا تعبت من حياتي ومن الدنيا كلها، يارب. يارب ساعدني، انا عارفة إن انا وحشة بس غصب عني، عايزة اتغير يارب.

ظلت تهذي ببعض الكلمات وتدعو وداخلها يبكي قبل عيناها، هي تألمت منذ أن كانت صغيرة، ترى الجميع أفضل منها رغم أنها تستحق أكثر، ذهبت إلى النوم ومازالت تبكي، وكأن قلبها يُعوض غياب عيناها ليبكي هو الآخر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة