رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل العاشر
تثائب ريان وهو يسير بجوار غزل التي تنظر له بحنق، كم هو شخص لا مُبالي بحق! تذكرت منذ سويعات قليلة عندما هربوا من تحت أيدي شاكر الذي كان يُقسم على قتل ريان لإفساده أوراق الصفقة التي كان يُحضرها منذُ عدة أيام، وعندما استمعوا لصراخه هرولوا للخارج بسرعة قبل أن يقتلهم في أوج غضبه.
لاحظ نظراتها التي كادت تحرقه وهي تقوم برفع حاجبيها له، ابتلع ريقه بتوتر، ثم حمحم ليُخرج صوته ثابت بعض الشئ: فيه إيه بتبصيلي كد ليه!
غضبت من برودة أعصابه، لتقترب منه وهي تُصيح به بغضب: أنا مشوفتش في برودك يا أخي. انت إيه بجد!
أنا ريان.
أجابها ببرائة مصطنعة لتنظر له بعدم تصديق من رده، شهقت بصدمة مصطنعة متشدقة بدهشة: اي دا بجد انت ريان!
هز رأسه بإبتسامة غبية وهو ينظر لها، وما كادت أن تتحدث حتى صرخ بها وهو يلتقطها بين ذراعيه: حاسبي!
حاوطها بذراعيه وهو يبتعد عن تلك السيارة التي كادت أن تدهسها بلا رأفة، ويبدو أن الأمر مقصود عندما أخرج السائق رأسه من السيارة مُبديًا إعتراضه على فشل خطته، لاحظه ريان لتتحول عيناه للقتامة وهو يتبع ابتعاد السيارة بحدقتيه التي كادت أن تُطلق شرارًا.
كانت غزل تحاول إستيعاب ما حدث وهي مازالت بين أحضانه، ارتعشت فرائسها عندما تخيلت موتها على يد ذلك المتهور كما تظن، لتبتلع ريقها الذي جف من حلقها تحاول التحدث، أمسكها ريان من كتفها وهو يتأكد من سلامتها ووجهه عابس بشدة: انتِ. انتِ كويسة!
نظرت لقلقه وعبس وجهه لتومأ برأسها في بطئ ومازال قلبها يتسارع بشدة، استمعت إلى حديثه وهو ينظر في أثر السيارة التي اختفت: لازم نلاقي حل للي احنا فيه دا، لازم دليل براءتنا يظهر قبل ما نتقتل، لازم الكل يعرف إننا مظلومين وقعنا ضحية لواحد حقير مش مجرمين، لازم.
تحدثت بعدم فهم وهي تري تحوله المُفاجئ: بس دا كان صدفة.
حوَّل نظره إليها ثم تمعن النظر بها جيدًا، ورغمًا عنه تذكر حادث زوجته التي ماتت بنفس الطريقة، سيارة طائشة تعبُر الطريق أدت إلى إنهاء حياتها تاركة إياه هو وولده يُعانون فراقها: لا مش صدفة ومش مجرد حادثة عادية. دي مقصودة، وواضح إن سليم المنشاوي مش هيجيبها لبر أبدًا غير لما يخلص مننا.
حديثه بثَّ الرعب في نفسها، لذلك تسائلت بعد أن تقاظم القلق بفؤادها: طب دلوقتي هنعمل إيه!
هنلعب باليه هقهقهق.
ثانية. وثانيتان. وثلاثة. وخمسة. مرت حتى تُحاول فهم ما يقوله، وكأنه رمي لُغزًا يصعب حل أُحجيته، نظرت له بعدم تصديق ولوجهه الذي تحول للمرح عكس ما كان به منذ قليل، مما صُنع هو بحق الله! هزت رأسها وهي تضحك بعدم تصديق: انت، انت بجد! يعني إنسان وعندك دم وبتحس زينا كدا!
هز كتفيه ببساطة وهو يُحرك حاجبيه بإستفزاز: بيقولوا، بس الأيام هتثبت دا.
استشاطت من بروده، فعقدت العزم على الذهاب من أمامه قبل أن تقوم بقتله الآن، تقدمت عدة خطوات أمامه بغضب، فذهب خلفها مُتشدقًا بضحك وهو يمسك بكف يدها بإحكام: خلاص استني نمشي سوا. وهاتي إيدك عشان لو حاجة حصلت تاني أبقي جاهز.
حاولت سحب يدها بقوة لكنه كان يمسكها بقوة أشد، خاف أن يتكرر ما حدث منذ قليل ويقوموا بقتلهم مرة أخري، وهي معه فبالتالي باتت مسؤولة منه، نفخت بغيظ عندما لم تستطيع سحب يديها، لتسير بجواره متنهدة بإرهاق قبل أن تقول: هنروح على فين دلوقتي! أنا تعبت.
لم يُجيبها بل ارتسمت إبتسامة عابثة على ثغره متحدثًا بغموض: هنروح مكان الدبان الأزرق مش هيلاقينا فيه.
صعد شهاب لمنزله وعلى وجهه إمارات الغضب من والدته، هل هذا هو السر الذي وعدت بحفظه! لقد أخبرت به جميع القانطين بالمنطقة حتى أصبح أضحوكة لهم، فتح الباب بحدة ووجهه ملئ بالغضب، وفجأة تحولت ملامحه إلى الزعر عندنا وجد والده وبجانبه والدته منتظرين إياه، ويبدو أن سلطان علم بالأمر وهذا يظهر على وجهه.
ابتلع ريقه بترقب ثم دلف بخطوات بطيئة على عكس ما كان منذ قليل، ثم وجه حديثه لهم بخفوت وهو يكادُ يهرع إلى غرفته: السلام عليكم.
لوى والده فمه في سخرية مردفًا بإستنكار: أهلًا باللي مشرفنا ورافع راسنا.
وضع شهاب يده على صدره وابتسامة متوترة تشكلت على ثغره: الله يكرمك يا حَج. دي أقل حاجة عندي، و...
وما كاد أن يُكمل حديثه حتى وجد نعل والده يُقذف في وجهه بقوة، يليه صياح والده الغاضب بعدما انتفض من مكانه: أقل حاجة عندك يا ابن ال!
فزع شهاب من مظهر والده ليقول وهو يهرول من أمامه واقفًا خلف سفرة الصالون: ف. في إيه بس يا بابا! اهدي كدا وكل حاجة تتاخد بالعقل.
صرخ والده بالمقابل به وهو يُصيح بحدة: عقل! عقل إيه يا ابو عقل يا فاشل، على أخر العمر أشوف ابني بيعيد السنة! يا ساقط.
ابتلع شهاب ريقه بتوتر وهو يُجيبه بتلعثم: دا. دا. دا. كدب.
وضع والده يد على خصره وهو يتلوى في وقفته، وباليد الأخري وضعها على رأسه وتحديدًا عند جبهته: كدب! كدب يا حيوان دي المنطقة كلها بتحلف بفشلك.
نفى عنه التهمة مسرعًا وهو يكاد يبكي خوفًا، خاصةً عندما لمح والده يُمسك بالعصى الكبيرة وعيناه تطلقان شررًا: م. محصلش. محصلش.
في ذلك الوقت كان فارس يصعد درجات السلم العريضة ومعه كُلًا من مدثر و لوچي الذين يتحدثون سويًا بصوت خافت للغاية، لوي فارس فمه في إستنكار ولم يتحدث، فيكفيه صراخًا عليهما فقد سأم من ذلك.
استمع لصوت الصرخات القادمة من منزل أبيه، ليذهب في إتجاههم بسرعة مُعتقدًا بحدوث شئٌ سئ لهم، توقف محله عندما وجد شهاب يقف خلف الأريكة ووالده يُقابله من الناحية الأخري ممُسكًا بعصا غليظة مستعدًا لضربه ووالدته تُراقبهم بإستمتاع غريب. ،
دخل عليهم قاطبًا جبينه بإستغراب ثم تسائل: في إيه اللي بيحصل هنا؟
تدخلت والدته على الفور وهي تدّعي البكاء، لتمسح عبرات وهمية من على جفنيها، مرددة بحزن وأسى: شوفت النصيبة يا فارس! أخوك هيعيد السنة الفاشل.
حرك فارس وجهه بهدوء ثم نظر ل شهاب الذي مازال يصرخ ببرود، مُردفًا وهو يستعد الصعود لمنزله: ربنا معاك يا حج. اتوصي بقا متنساش.
طالعه شهاب بصدمة ثم صرخ به: يا حيوان أنا أخوك، آااااه.
لم يمهله فارس فرصة للحديث بل صعد لشقته وعلى ثغره يرتسم ابتسامة خفيفة، بينما مدثر و لوچي دلفوا ثم جلسوا بجانب جدتهم ليُشاهدوا ذلك المُسلي بالنسبة لهم.
عاد فارس إلى منزله بعد أن اطمئن على رفيقه العزيز، صعد درجات السُلم بتمهل بعد أن ترك كُلًا من مدثر و لوچي بالأسفل مع جدهم سلطان، وعند صعوده قابل في طريقه عمه بكر، لذلك دلف له واحتضنه بإحترام، ولم يسلم بالطبع من نظرات زوجة عمه سميحة تلك السيدة الطيبة الحنونة مع الجميع إلا معه هو و ريان، لا تعلم ما سبب كرهها لهم لكن هناك شيء تُخفيه تلك السيدة.
نفض تلك الأفكار عن رأسه وأكمل الصعود، ومع كل خطوة يقتربها يزداد ثقل قلبه، لا يعلم كيف سيواجه زوجته بعدما استمع بدون قصد لحديثها مع أحد رفاقها، شعر بألم قلبه وود لو يذهب إليها ليصفعها بقوة ثم يحتضنها بحنان ليُعاتبها على حديثها القاسي بحقه، لو تعلم مدي تأثيره عليه لما كانت قامت بالتفكير فيه حتي.
فتح الباب بهدوء، ثم ولج للداخل ليُغلقه بنفس الطريقة، كاد أن يخطو أولى خطواته للداخل حتى وجد جسد ضئيل بالنسبة له يرتمي على أحضانه، لم يحتاج للكثير من الوقت لمعرفة صاحبه، فصوت شهقاتها وصل لمسامعه بقسوة، تُعذبه بطريقة قاسية تلك المرة أيضًا.
سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، كاد أن يستسلم ويُخبئها بين أحضانه لكنه عزم أن يعرف حقيقة ما استمع له، هو لم يشك ولو ثانية واحدة في عشقها له، لكن تمزق بمجرد الإستماع إليه، بجمود مصطنع أخرجها من بين أحضانه، فرفعت زهر عيناها المليئة بالدموع له مُتشدقة بأسف: أنا، أنا أسفة يا فارس، مش قصدي أزعلك واللهِ بس أنا خايفة عليك، من حبي فيك مبقتش قادرة أتخيل حياتي من غيرك، سامحني عشان خاطري أنا أسفة.
لوي شفتيه بسخرية مريرة، ثم خطى للداخل عدة خطوات بطيئة، وبجمود يُحسَد عليه التفت لها مُردفًا بصدمة مصطنعة لازعة: بتحبيني لدرجة إنك كنتِ مجبورة تتجوزيني مش كدا! طيب طالما مش طايقاني كدا استحملتي معايا السنين دي كلها ليه! سبتيني أحبك ليه!
نظرت له بصدمة من معرفته بتلك الحقيقة، هي لم تُخبر أي أحد بذلك سوي رفيقتها المقربة ني ين وهي ليست على علاقة وطيدة به، إذًا كيف علم بذلك! بينما هو انتظر إجابتها بقلب يخفق في خوف، ينتظر أن تُوضح له بفارغ الصبر، لكن صمتها أثار ريبته بحق.
تحدثت هي بدهشة وصوت متوتر: انت. انت ع. عرفت الكلام دا إزاي!
مش مهم إزاي. المهم أنا عايز أعرف انتِ فعلاً كنتِ مجبورة على جوازك مني!
وزعت نظراتها في جميع أنحاء الغرفة مُتحاشية النظر إلى عيناه تحديدًا، ابتلعت ريقها بتوتر ثم مسحت بلسانها على شفتيها لتُخفف من خوفها، رفعت أنظارها إليه فوجدته ينظر لها بترقب منتظرًا إجابتها، لتردف بتلعثم وهي تقترب منه: ف. فارس. انت. انت عارف إن جوازنا كان جواز صالونات ومش عن حب، في الحقيقة انت لما جيت تتقدملي كان أنا عندي 20 سنة، مكنتش متهيأة نفسيًا إني أتجوز وأكون مسئولة عن بيت وزوج وأسرة، فكنت رافضة موضوع الجواز، لكن أهلي فضلوا يزنوا على وداني لحد ما وافقت بيك غصب عني.
نظرت لملامح وجهه علها تستشف ردة فعله لكنها وجدته جامدًا وهذا ما أثار قلقها أكثر، استكملت حديثها بعد أن أخذت نفس عميقًا: بعدها اتجبرت على الجواز وطبعًا مبينتش ليك أي حاجة لحد ما اتجوزنا، ولو تفتكر أول ليلة مع بعض سوا اتكلمت معاك بعصبية وأسلوب وحش وانت افتكرتني متوترة وخايفة، بس دا عشان مكنتش بحبك ساعتها.
اقتربت منه عدة خطوات حتى وقفت قبالته مباشرة، لتُمسك بيده وهي تنظر لعيناه بشغف: بس انت كنت حنين معايا، كنت طيب وبشوش وتصرفاتك كلها معايا كانت بتثبتلي قد إيه انت قلبك أبيض، وحبيتك. حبيتك غصب عني ومن غير حتى تخطيط، بقيت أغلي حاجة عندي، بقيت روحي اللي مبقتش أعرف استغني عنها، بقيت كل حياتي يا فارس.
أنهت حديثها ثم قبلت يداه بحب كبير صنعه هو بحنانه، لتحيط بخصره بقوة واضعة رأسها موضع قلبه الذي ينبض بقوة: محبتش أقولك عشان دا ماضي، والماضي دا السبب اللي جمعني بيك، كل ما أشوف أبويا وأمي اللي زنوا عليا عشان أتجوزك ببوس إيديهم وراسهم، انت أحلي حاجة حصلت في حياتي يا فارس.
لم يحتمل قلبه كل تلك الكلمات التي تُصيب قلبه، ولا إراديًا إلتفت يداه حولها يحتضنها بقوة، همس بعشق وهو يدفن وجهه بعنقها: كل مرة بسمع كلمة بحبك منك كأني بسمعها لأول مرة.
مقدرش أقسي عليكِ أكتر من كدا بس لما سمعتك بتتكلمي في التليفون وبتقولي إنك كنتِ مجبورة على الجواز مني ساعتها قلبي وقف ومكنتش قادر أتحرك من مكاني، حسيت إني روحي اتاخدت مني ودلوقتي بس رجعتلي، أنا لو قدرت أبعد عن الدنيا دي كلها مش هقدر أبعد عنك يا زهر، مش هقدر أبعد عنك غير بموتي.
انقبض قلبها عقب كلمته الأخيرة، لتقول بلهفة وهي تزيد من ضمه: بعد الشر عليك. متقولش كدا تاني.
أراد ممازحتها فقال وهو يغمز لها: خلاص ولا تزعلي نفسك. تيجي في شهاب أخويا واحنا لأ.
أطلقت ضحكات مرتفعة على حديثه ناسية بأنها كانت تبكي منذ قليل، لتقول بيأس وهي مازالت تضحك: وشهاب ماله دا حتى غلبان.
لوى شفتيه بسخرية وهو يتذكر وقوفة أمام والده بالأسفل كطفل مذنب صغير: سيبك دلوقتي من شهاب فهو الان يُحاسب وهيتنفخ.
قطبت جبينها بتعجب وهي تسأله: هيتحاسب على إيه مش فاهمة؟
أمسكها بمعصمها ثم قربها له مُحيطًا بخصرها حتى باتت مُلتصقة به، غامزًا له بوقاحة وهو يحملها بين ذراعيه: سيبك من شهاب دلوقتي وخليه يولع، إنما دلوقتي حسابك يا جميل.
(نعتذر عن كثرة المُحن وذلك لسوء الأحوال العاطفية، وشكرًا).
ذهب كلًا من طه و إبراهيم و خليل إلى منزل عائلة النويهي وبالطبع على رأسهم الجد الأكبر أبو زيد، صعدوا درجات السلم العريضة بهدوء، وها هم بعد سنوات كثيرة تَحُط أقدامهم ذلك المنزل الذي عاهدوا بمقاطعته مدي الحياة، ومع كل درجة يصعدونها تتشكل تلك الذكريات السيئة التي كانت سببًا في التفريق بين عائلتين كان بينهم ثقة وعهد كبير.
وصلوا للطابق الأول فإستمعوا لصوت صراخ رجولي قادم من الداخل، وهناك تشجيع من بعض الأطفال، كان الأمر جنونيًا بعض الشئ عليهم، فقطبوا جبينهم بتعجب ثم أردف خليل بسخرية: هو إيه اللي بيحصل جوا دا! هما لسه صغيرين على الكلام ده!
استنشق الجد الكبير أبو زيد قدرًا كافيًا من الهواء ثم زفره على مهل، ليُحدق بإبنه وهو يُشير ل طه الإبن الأكبر له: متستغربش يا خليل، ما احنا عندنا الأهطل الكبير بيتخانق مع ولاده عشان الشيكولاتة، يعني ليس عليهم حرج.
كتم إبراهيم ضحكاته المهددة بالصعود بصعوبة، وحمحم طه بجدية زائفة مُردفًا وهو ينظر لأخيه بتحذير: ملوش لزوم الكلام دا يا حَج، خلينا نخلص اللي جايين عشانه.
طالعه أبيه بإستنكار، فتحولت تعبيرات وجهه إلى الجدية الشديدة وهو يقوم بطرق باب منزل سلطان النويهي والد فارس وشهاب.
لم يستمع الجميع لصوت الجرس الذي يطرق سوي لوچي، لذلك هرولت ناحية الباب لتفتحه حتى تستطيع الإستمتاع بالعرض الفريد من نوعه وهو ضرب عمها شهاب، جلست مكانها مرة أخري بعدما تركت الباب مفتوحًا والأربعة رجال ينظرون للموقف بدهشة.
فقد كان سلطان ممسكًا بعصا كبيرة غليظة وهو يهرول خلف إبنه ضاربًا إياه على مؤخرته وهو يصيح بغضب: والله لهوريك يا ساقط يا فاشل يابن ال.
تأوه شهاب بقوة ممسكًا بموضع ألمه وهو يترجى والده بالعفو عنه: يا بابا هو انا لسه امتحنت! يا حج اسمعني بس آااااه، دي ماما ودخلت ما بينا.
هتحط راسي في الطين يخربيت أبوك على بيت أمك، هخلص عليك يابن ال النهاردة.
أمسك سلطان بياقة ملابسه فتعثر به، ليقع فوقه بقوة ويصدح صوت شهاب الصارخ المتألم: هموت الحقوني.
تشكل على ثغر سلطان ابتسامة شريرة وهو يهمس له: وقعت تحت إيدي يا فاشل يا كلب.
رفع شهاب نظره للأعلي عله يجد من ينقذه من براثن أبيه، وما كاد أن ينطق حتى شهق بصدمة: عيلة أبو زيد!
كانت الأعين متعانقة برباط بدأ يُنسج بخيوط قوية تحاول التشكُل، بدأ الحب يتسلل لقلوبهم دون إستئذان، والفؤادُ ينبض عند التقارب مسببًا الأمان، كانت تسلبه بدون وعي وهو يقترب منها بوله، تشكل الخجل على وجه نوال من إقترابه المفاجئ، لم تحبه بعد لكن يكفي ذلك الشعور اللذيذ عند قربه، شعرت بفراشات تُدغدغ معدتها، بينما هو هتف بدون وعي: إيه الچمال دا يابت عمي!
عضت على شفتيها تلقائيًا فاقترب منها أكثر وأكثر حتى كاد أن ينال مبغاه، لكن ذلك الصوت القوي الذي صعد من خلفهم جعلتهم يبتعدون بفزع: بتعملوا إيه انتوا الإتنين إياك!
ارتبكت نوال وابتعدت عنه على الفور عندما رأت نظرات جدها الصارمة، لذلك هرعت للخارج بعد أن سددت نظرة نارية إلى بدر، وقابلها هو بأخري متسلية.
اقترب منه جده بصرامة بعد أن خرجت نوال، ثم تحدث ناهرًا إياه بحدة: إيه يا واد المسخرة دي! ملكش أوضة إياك عشان تعمل إجده في المطبخ!
تشكل على ثغر بدر إبتسامة والهة عند تذكره لزوجته: يا چدي انت لو مكنتش چيت دلوجتي أنا كنت...
كنت إيه يا جليل الحيا.
قاطعه عن وقاحته تلك وهو ينهره بشدة، وما هي إلا ثواني وتحولت نظراته للعبث متشدقًا بوقاحة تُماثل وقاحة حفيده: ولا انت بتبجي زي الكتكوت معاها إياك.
وه يا چدي إيه اللي بتجوله ده. لع طبعًا أنا بس سايبها على راحتها. لكن غير إجده هي مرتي.
قهقه جده بصوت عالي وغبث لم يُخفيه شيبه، ثم أردف ضاحكًا: بحسبك كسفتنا يا واد.
غمز له بمكر وهو يقترب منه قليلًا ليُربت على كتفه ويحدق به بنظرات ذات مغزي: لع يا چدي متجلجش. أنا زيك كل حاچة. حتى آ...
قاطعه جده وهو يضربه في معدته بقوة ولم يستطيع تمالك ضحكاته: بس يا حيوان. واطلع شوف مرتك اللي هتطين عشتك.
امتثل بدر لأمره بلهفة متحدثًا بثبات مزيف: أوامرك يا كبير. عن إذنك بجا أشوف الجشطة. قصدي مرتي.
كان يعمل بجد في الورشة الخاصة به وعقله مشغول بتلك التي سلبت قلبه ولم يرها منذ عدة أيام، رفع محمود بصره لشرفة ميران عله يلمح طيفها ليروي ظمأه من شدة إشتياقه إليها، فلم يجد سوى السكون المُحيط بغرفتها، ل ربما مازالت حزينة على شقيقتها، أو حزينة منه هو.!
تنهد بإشتياق ظهر على خلجاته بوضوح، ثم همس لنفسه بسخرية: وانت كنت بتقولها تنساني! دا انا ممكن أهد الحارة على اللي فيها لو بقت من نصيب حد تاني. مغفل صحيح.
جاء أحد الصبية وهو يحدق به ببلاهة: انت بتكلم نفسك بشمهدس محمود!
لم يُجبه بل كان شارد في عالمه الوردي مع تلك الفاتنة المختفية عنه منذ الآن، ضرب الصبي يده على الآخري وهو يقول بيأس: لا حول ولا قوة إلا بالله. دا انت حالتك صعبة خالص.
انتبه له الآخير ليُلاحظ نظراته المستنكرة تجاهه، قطب جبينه بتعجب وهو يسأله: في حاجة يا موكشة! واقف متنح كدا ليه!
مصمص المدعو موكشة على شفتيه مُجيبًا إياه بسخرية: أنا برضه اللي متنح بشمهندس! ما تشوف منظرك عامل إزاي.
اقترب منه محمود وهو يربت على ذراعه متشدقًا بإستنكار: لا كتر خيرك يا موكشة والله، وإيه لازمتها بشمهندس بقا! ما تقولي يا محمود حاف كدا وخلاص.
هز موكشة رأسه برفض تام وهو يُجيبه بإحترام زائد: لا طبعًا مينفعش يا بشمهندش، انت الكبير ولازم احترمك.
رفع محمود حاجبه بإستنكار، ثم تحول وجهه إلى الصدمة عندما استمع لصوت الآخر يقول بصوت شبه آمر: ويلا بقا بلاش دلع ونشوف شغلنا بدل العطلة دي.
قال كلماته بصرامة ثم ذهب من أمامه بعهجية واضحة ليرى العمل المُكلف به، ليتشدق محمود بعد تصديق: هو مين اللي شغال عند مين!
لوى شفتيه بضجر ثم ذهب خلفه لإكمال عمله وهو يتوعد له، ولكن رمى نظرة خاطفة على الشرفة فوجدها كما هي، تملكه الإحباط ليهتف بصوت هامس ومتوسل: ربنا يجمعني بيكِ على خير يا ميرانِ.
أقرب السُبل للوصول إلى القلب هي المشاركة، وهذا ما كان يفعله ريان عند سيره مع غزل، في البداية أحست بالملل والضجر تجاهه، لكن حديثه العفوي كان يجذب إنتباهها رغمًا عنها، هو رجل بعقل طفل لم تلوثه الخطايا بعد، تشعر بالإنجذاب تجاهه لا تُنكر هذا، ومع ذلك تحاول قتل ذلك الشعور المخيف، ضحكت بخفوت عندما استمعت لحديثه المتسائل: أوعي تكوني زهقتِ مني! والله هحكيلك برضه.
هزت رأسها بالنفي وهي تضحك بخفة: بالعكس، كلامك شيق وممتع أوي، بحس إني بكلم طفل قدامي.
رجلًا غيره كان سيغضب عند نعته بالطفل، لكن هو اتسعت ابتسامته على أخرها والتمعت عيناه فرحًا، مردفًا بتلقائية: الكل بيقولي كدا، وأنا بفرح، انا فعلًا جوايا طفل مشفش من الدنيا إلا قليلها، فبحاول على أد ما أقدر أعيش حياتي، حتى لو الناس شايفة إن دي تفاهة، بس أنا بفرح من أقل حاجة.
ظلت تنظر له وتستمع لحديثه ولم تُعقب، فتلك الروح النقية من الصعب وجودها حقًا، لاحظ شرودها به فحمحم بحرج ثم سألها بفضول: محكتليش عنك. عايز أعرف حياتك كانت إزاي.
أكملت السير بجانبه في مكان بعيد عن المارة حتى لا يتم القبض عليهم، بدأت بسرد حياتها بأسلوب مشعث، لا تعلم بما تبدأ، فحياتها عادية للغاية، فتاة صغيرة تربت بين أسرة تحبها وعائلة تعاملها كإبتهم، ثم إلتحقت بالمدرسة لتبدأ في تكوين الصداقات العابرة، ولكن لسوء حظها لم تجد من يظل معها للأبد، فالجميع فترات في حياة الآخر كما تقول هي، ثم التحقت بالجامعة، ورغم أنها لم تكن هدفها وغايتها منذ البداية، ابتعدت عن الإرتباط الغير شرعي من الجنس الآخر، وبدأت تدرس بجد في العام الثاني منها، حتى تخرجت من كلية الحقوق وهي في سن الثانية والعشرون من عمرها بتقدير عالي، ومن ثَم قامت بفتح مكتب المُحاماة الخاص بها، لتساعد الجميع في رد الفساد، ومن لا يملك قدرة الدفع تجعله مجانًا، كانت تستمع لكثير من الدعوات من أهل المنطقة وهذا كان ما يُفرحها أكثر.
انتهت من حديثها فوجدته يحدق إليها ببسمة صغيرة مرتسمة على ثغره، ونظراته بها شئٌ من الغموض والحنان بنفس الوقت، سألته بإستغراب وهي تضيق عينها برهبة: مالك بتبصلي كدا ليه!
أخذ نفسًا عميقًا وزفره على مهل، ثم بدأ بالحديث: تعرفي اللي زيك بقا قليل! احترمت جدًا كلامك إنك مرضتيتش ترتبطي في جامعتك زي بنات كتير، دا شئ انا عن نفسي بشمئز منه، وكأي راجل عمري ما هآمن حياتي وولادي مع واحدة قبلت إنها تكلمني قبل كدا، للأسف أغلب البنات بيرخصوا نفسهم تحت مسمي الحب أو الصداقة، والحقيقة مفيش حاجة أسمها صداقة بين الولد والبنت، الولد عمره ما هيبصلك ك صديقة أو ك أخته، طبيعة الراجل فيه رغبة هي اللي بتحركه، وبيتكلم مع البنت برضه تحت مسمي الصداقة، وهي زي الهبلة هتصدقة، وفي الآخر في حد فيهم هيغلط وهيحب التاني، وهتنتهي العلاقة في أقل من ثانية لأن ربنا عمره ما هيبارك في حاجة حرام.
هزت رأسها إقتناعًا بحديثه، هي تعرف كل هذا لذلك لم تضع الحب هدف أساسي لها، صمتت قليلًا ثم نظرت له متسائلة: يعني اللي احنا بنعمله دا مش غلط!
طالعها بهدوء، ثم هز كتفيفه بجهل هاتفًا بتفكير: مش عارف بصراحة، بس الظروف هي اللي حطتنا في أمر زي دا، احنا مخترناش طريقنا سوا، احنا اتجبرنا على كدا.
أطلقت زفيرًا حارة من رئتيها ثم تمتمت: معاك حق، بس مقولتليش احنا رايحين فين! وليه رجعنا الحتة المقطوعة دي تاني!
رايحين ل موسى.
هكذا هتف بحماس شديد وهو يتخيل جلوسه بين هاربي الجبال، بينما هي توقفت ونظرت له بصدمة صارخة بوجهه: بتقول فين!
ابتلع ريقه بتوتر وهو ينظر لهياجها المفاجئ ثم تمتم بهمس: بقولك ل موسى.
جزت على أسنانها بغيظ، فأحيانًا تود أن تقتله حتى تتخلص من غبائه هذا، وأحيانًا أخرى يكون لطيفًا للغاية، فتحت عيناها ثم صرخت بنفاذ صبر: على جثتي أروح للمكان دا تاني. انت سامعني!
بعد عدة دقائق كثيرة كان يُمسك بيدها ساحبًا إياها خلفه رغمًا عنها، حتى كادوا أن يصلوا إلى وجهتهم، صرخت فيه بشدة وهي تضرب على ذراعه لتركها: سيبني انت مش ساحب حمارة.
لم يُطعها بل نظر لها بسخرية مردفًا: انتِ مش حمارة، انتِ بقرة صغيرة.
شهقت بعنف من وقاحته لتفتح عيناها على آخرهما مرددة خلفه بعدم تصديق: أنا بقرة!
وصغيرة.
أكد عليها لاويًا شفتيه بضحكة كادت أن تفلت منه، ثواني وكانت تعابير وجهه تدل على الألم، نظر ليده حيث ذلك الألم الحارق فوجدها تقبض بأسنانها على ذراعه بحدة، توقف ليصرخ بها ثم جذبها من حجابها لتتركه: آااااه يا بنت الغضاضة، سيبي إيدي.
هزت رأسها بالنفي وأسنانها تشتد على ذراعه، ليجذب شعرها من أسفل الحجاب لتصرخ هي الأخري بألم، ليكون المشهد كالتالي:
غزل تغرز أسنانها بيد ريان ك عقابًا له على حديثه.
و ريان يجذبها حجابها ويمسك بعض خصلات شعرها أيضًا لتتركه.
تأوهت غزل بشدة صارخة به: سيب شعري.
صرخ ريان بالمقابل وهو يشعر بأسنانها تخترق جلد ذراعه: سيبي أيدي الأول وأنا أسيب الأول.
وبعناد شديد هزت غزل رأسها بالنفي: سيب وأنا اسيب.
لأ سيبي الأول وأنا أسيب.
خلاص نسيب مع بعض.
راقت الفكرة ل غزل لتوافقه في الرأي، لكن تحدثت محذرة: لو غدرت هخلي يومك أسود.
يلا هنعد لتلاتة ونسيب سوا.
بدأ كلاهما في العد لثلاثة، وبعد الإنتهاء لم تترك هو ذراعه، وهو لم يترك خصلاتها، ليصرخ بها بغضب: يا غدارة كنت عارف.
تأوهت بقوة لتُخرج أسنانها من ذراعه، وبالمقابل ترك هو شعرها، نظر كلاهما للآخر بضجر، وأكملا السير بملامح واجمة للغاية، نظر ريان ل غزل بطرف عينه، ليجدها تنظر له أيضًا، ثواني وكانا الإثنان ينفجران في الضحك، لم يتوقعا بأن تصل بهم التصرفات الطفولية بهذا الحد.
لم يستطيع ريان تمالك نفسه ليقهقه بشدة وهو يُمسك بموضع قلبه، و غزل أدمعت عيناها من الضحك هي الأخري، وللمرة الثانية يسرقهم الوقت لينسجوا بداخل عقولهم ذكريات ستظل محفورة مدى الحياة.