قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل السابع عشر

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل السابع عشر

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل السابع عشر

موسى. واحشني يا جدع!
هكذا نطق ريان وهو يذهب لعناق موسى والذي اعتبره كصديق مُخلص له في الفترة الأخيرة.
بادله موسى العناق قائلًا ببسمة: كنت فين يا صايع! محدش عارفلك طريق ليه.
جذبه ريان من يده، ثم جلس كلاهما على بعض الحجارة المُرتفعة عن منسوب الرمال قليلًا، ليبدأ بقص ما حدث ليلة أمس، وتلك الأحداث المرعبة والتي كادت أن تُنهي على حياتهم.

استمع له موسى بتركيز شديد وصُدم عندما عَلِم بموت منير المنشاوي، هو كان يعرفه معرفة شخصية وشديدة، صمت قليلًا ثم نظر ل ريان بنظرات مُبهمة، ناطقًا بغموض: سليم المنشاوي هو اللي قتل عمه.
قطب ريان جبينه بتعجب مُردفًا ببلاهة: دا سؤال ولا إجابة!
حدجه موسى بإستنكار ولم يُجبه، بل أكمل حديثه بشرود كأنه يُحادِث نفسه: قتله عشان ميكُنش فيه أي مصدر ممكن يسببله شُبهات.

تسائل ريان بعدم فِهم: بس عمه مش زيه، دا قرر يساعدنا وعرض علينا المساعدة بإننا ندخل لشركة سليم المنشاوي.
ضحكة ساخرة ارتسمت على فم موسى من حديثه، ليردف: منير المنشاوي تِعبان زيه زي سليم، بس دا بيرسم البراءة على وشه لحد ما يوصل لهدفه، وبعد كدا بيخلص على فريسته.

صدمة كبيرة احتلت عليه بعدما استمع لتصريحه، كانا سيصبحان فريسة لذئب يدَّعي البراءة! همس بخفوت بصوت بدى متوتر وصل لمسامع موسى: هو اللهم لا شماتة، بس أنا فرحان إنه مات، الحمد لله.
ابتسم موسى بخفة وهو ينظر لتعابير ريان الخائفة كطفل صغير، لا يعلم أهو شخص كبير وناضج أم إنه عكس ذلك! تسائل مُتعجبًا: ريان. انت عندك كام سنة.

وفي ثواني نسى ريان ما كانا يتحدثان به منذ قليل، ليرفع رأسه متشدقًا بغرور: 32 سنة بس ممكن تعتبرني 13.
قهقه موسى بصوت عالي، هذا ال ريان مُثير للضحك حقًا، جلسته بها حياه، مرح، تُشعرك بالود، وتُبدد أحزانك، ليؤكد له حديثه قائلًا بمرح: طب والله أفعالك كلها فعلًا تدل على إنك 13 سنة، مش شحط كبير وأهبل!
جعد ريان جبينه بإنزعاج متحدثًا: يعني أفرح على إطرائك ليا، ولا أزعل على تهزيقك!
أجابه موسى بعبث: الإثنين.

ضحك ريان عاليًا، وشاركه موسى في ذلك، وبعد قليل من الوقت تسائل ريان بخفوت وحذر: موسى،!
نظر له بطرف عينه وعلم ما يود أن يقول، لكنه راوغ متحدثًا وهو يرتشف من قدح الشاي الخاص به: ارغي.!
حمحم ريان ثم أردف: انت إيه علاقتك ب سليم المنشاوي عشان تكرهه أوي كدا! وإزاي تعرف عمه!

كان يعلم أن الفضول سيقتله في يومٍ ما، فشخصية ريان يَسهُل تحليلها، هز رأسه بيأس ثم أخذ نفسًا عميقًا بادئًا بسرد تلك الذكريات التي تُعكر صفوه: سليم المنشاوي كان السبب في إني يتحكم عليا 15 سنة، أنا وبعض الموظفين اللي كنا بنشتغل في شركته، شوية منهم قدروا يهربوا ومن ضمنهم أنا، والباقي اتنفذ فيهم الحكم.
قطب ريان جبينه بتعجب قبل أن يتسائل: كان السبب إزاي مش فاهم!

سليم المنشاوي بيدير أعمال مشبوهة ودا انت عرفته، لكن اللي متعرفهوش إنه ليه في غسيل الأموال، وتهريب أدوية مُنتهية الصلاحية، وكمان بيدير شبكات دعارة مع ناس كبيرة متخفيين في ثوب الشرف والأخلاق.

في يوم من الأيام جه لينا شغل ماكينات جديد ودا كان شغلنا في الأساس، ووسط ما كنا بنشتغل ونصلح في الآلات لقينا حاجات غريبة في المواسير اللي جوا، شوية نلاقي بودرة، وشوية تانية نلاقي ماس، كنا بنقول دا من التخزين مش أكتر، لكن قلقنا لما الموضوع اتطور وحسينا إن فيه حاجة غلط، بس سكتنا عشان منخسرش لقمة عيشنا.

جيت مرة في الإستراحة ورُحت أجيب مايه ليا وللرجالة وياريتني ما رُحت، سمعت سليم المنشاوي الله يحرقه مع عمه في نار واحدة بيتكلم في التليفون وبيجهز لشُحنة أدوية مُهربة هيدخلها مصر عن طريق الآلات دي، أنا وقتها اتصدمت ومعرفتش اتصرف، قررت أقول للرجالة اللي كانوا شغالين معايا، وفعلًا قولتلهم، بس من حظي الأسود كان فيهم واحد ابن راح بلغ سليم بكل حاجة من غير ما نعرف.

وقتها ندالي وهددني إني أبعد وكأني مسمعتش أي حاجة، مكنش ينفع أشوف مصر بتضيع، لو كنت سكتت وقتها ربنا كان هيبتليني بإبتلاء أشد من اللي أنا فيه دلوقتي، كان ممكن بعد الشر أمي تاخد من الدوا دا أو أخويا أو أختي أيًا كان، فهددته وقولتله إني هبلغ عنه وهشوف شغل محترم وربنا اللي بيرزق، وفعلًا قررت دا، رجعت البيت لقيته مقلوب على الآخر، وأمي وأختي بيعيطوا وبيقولوا فيه رجالة هجمت على البيت وسابولي رسالة، وكان مضمون الرسالة «متقفش قدام سليم المنشاوي عشان هتتداس».

كفيت خيري شري وسكتت فترة لحد ما العين تهدى عليا شوية و سليم المنشاوي يآمن ليا، لكن بعدها عرفت كمان إنه بيدير شبكات دعارة وبيهرب ألماس وطبعًا عمه منير المنشاوي معاه، طلب مني أشتغل معاه مقابل مبلغ مادي كبير جدًا، وأنا وافقت، ولأن كل العملا اللي كانوا معايا عارفين عرض عليهم نفس العرض هما كمان، وبخطة مننا قررنا إننا هنوقعه، لكن هو اللي وقعنا مع أول خطوة خدناها، وبلغ عننا، كنا حوالي 15 راجل، اتحكم علينا كلنا ب 15 سنة مع الأعمال الشاقة، لحُسن حظي كان فينا واحد أهله من الصعيد، محفوظ انت عارفه، هربوا العربية اللي كان فيها وأنا كنت معاهم، اتمطوحنا ومبقناش عارفين نروح فين، خدنا أسلحة العساكر دي وجينا هنا على الجبل، بقالنا أكتر من 7 شهور وبنحاول نثبت برائتنا، بس للأسف لسه موصلناش لحاجة.

نظر له موسى بإبتسامة خافتة: أدي يا سيدي حكايتي كلها.
ياه! دا انت عانيت كتير أوي!
هز رأسه مؤكدًا وهو يلوي شفتيه بسخرية: اتكسرت أوي، خصوصًا لما عرفت إن أمي ماتت بحسرتها من بعدي، وأختي خطيبها سابها ومبقاش ليها حد غير أخويا الصغير، وأنا هنا متكتف مش عارف أعمل إيه، حتى أمي محضرتش جنازتها.

لم يجد ريان كلمات المواساة المناسبة لكي يشد من أزره، لكنه احتضنه، احتضنه كأنه شعر به وبحزنه الدفين الذي يخفيه خلف قناع الشجاعة الزائفة، ريان بنقائه وبرائته قادر على تخفيف آلامك.
شعر الآخر بحاجته لذلك العناق، وكأنه بمثابة طوق النجاة له، أدمعت عينا موسى تأثرًا بما عاناه، ليتحشرج صوته قائلًا: كان نفسي أشوف أمي لآخر مرة يا ريان، حتى أبسط حقوقي في دفنها اتحرمت منها.

ربت ريان على ظهره بمواساة، ومن يراه الآن يُقسم برؤية آخر غير ذلك المَرِح، اشتعلت عيناه بحقد داخل عيناه، زاد كرهه ل سليم المنشاوي أكثر، أقسم على الإنتقام ورد الإعتبار والحق لأصحابهم، سيُذيقه من نفس كأس المرارة الذي ذاقه للآخرين.
شِد حيلك انت في أول الطريق، دلوقتي أنا وانت متفقين على هدف واحد وبس، هو تدمير سليم المنشاوي، وهندمره.

طالعه موسى بإمتنان لم ينطقه، لكن عيناه عبرت عن الكثير، مسح أهدابه المُبتلة ثم قال ممازحًا: متقولش لحد عن اللي أنا قولتهولك بقا، حتى البنت اللي معاك.
وضع ريان يده على صدره قائلًا بثقة: عيب عليك، سرك عُمره ما يطلع لأي حد!

عندي ليكِ خبر بمليون جنيه.
هكذا نطق ريان ل غزل التي كانت منهمكة في النظر لتلك الأوراق التي جلبوها من منزل منير المنشاوي.
قطبت جبينها بتعجب متسائلة: خبر إيه!
بدأ بسرد ما رواه موسى له كاملًا من خداع سليم المنشاوي لهم، حتى نهاية ما حدث عند هروبهم دون أن يترك أي تفصيلة تفوته، كان يتكلم بحماس وهو يروي لها وهي مُنصتة بإهتمام، لكن، ماذا عن ذلك الوعد الذي قطعه بعدم إخبار أحد!

أنهى سرده وهو يلهث من كَم الحديث الذي قاله دفعةً واحدة، خاتمًا إياه: هو قالي متقولش لحد، بس انتِ مش حد عشان كدا قولتلك.
ابتسمت إبتسامة عريضة كادت أن تصل لأذناها من حديثه العفوي، والذي مَس قلبها دون أن تشعر، لاحظ هو ذلك وكم أسعده سعادتها بمشاركتها يومه، وهو لم يندم، ولن يندم بمشاركتها لتفاصيله.

استند بجانبها بظهره على الحائط، ليسمعها تنفخ بضيق: أنا مش فاهمة حاجة من الورق دا، حاساه بلغة غريبة كدا، حاسة إنه سايب لينا إشارة في الورق دا وعايز يوصلها.
نظر للأوراق بغرابة ليجدها حقًا مكتوبة بخط يده، لكن ليست لغة عربية بل وكأنها هيروغليفية أو شئ من هذا القبيل، فجميع أحرفها مقلوبة تقريبًا.

وضعت تلك الأوراق بجانبها ثم استندت بكفها على وجهها مُتنهدة بملل، طالعها ريان بإستغراب ثم أردف مُتسائلًا: مالِك!
زهقانة.
معها كُل الحق، فالجلوس هنا ممل وبشدة وسط الصحاري والرمال، فكَّر قليلًا حتى جاء بعقله فكرة جعلته ينظر لها بخبث، وهي طالعته بإستغراب، شعرت بأنها قد فهمت نظرته تلك وما يُفكر به، لتبتسم بمكر غامزة له بمشاكسة: موافقة.

جلس الصغير مدثر مع عمه شهاب في حجرته، أخذ هاتف شهاب ليقوم بتشغيل بعض الأغاني الحزينة التي تصف حالته مع لوچي، جلس على الفراش نائمًا عليه وهو يضع يده فوق رأسه بأسى، استمع لكلمات الأغنية بحزن وهو يُردد خلفها، يبدو أنها تؤثر عليه بشدة.

تشنج وجه شهاب الذي خرج لتوه من المرحاض، ليجد مدثر بتلك الحالة الحزينة والواهنة يُردد بحزن شديد خلف المُغني، اقترب منه ليجلس على طرف الفراش مُردفًا بإستنكار: دا أنا البت منفضالي بقالها شهرين ومعملتش زيك كدا!
أشار له مدثر بالصمت وعدم التحدث، هذا الطفل تعلم الوقاحة من أبيه، بل جمع وقاحة جميع العائلة لتلتصق به.

انتهت الأغنية ليتعدل هو جالسًا على الفراش وملامحه حزينة، ثم تحدث بإنكسار: أنا مش عارف عمو فارس بيعاملني كدا ليه! من ساعة ما بوست لوچي وهو حاططني في دماغه، مع إني عمره ما أذيته!
مصمص شهاب على شفتيه مدعيَّا التأثر، ثم تشدق: متزعلش ياخويا، أنا مش عارفة إيه الرجالة دي! فيها إيه يعني لما تبوس بنته! مش يمكن بعد فترة ترجعله حامل ويكون جِد!

رفع مدثر نظره ل شهاب قائلًا بعدما تهدل كتفاه بيأس: هو دا اللي حاولت أفهمه ل لوچي واللهِ يا عمو.
فتح شهاب عيناه بصدمة، هو فقط كان يمزح ويسخر من الحديث، ليُدهش من ردة فعل مدثر الذي حاول إقناع لوچي في ذلك حقًا!
أمسكه من ياقة قميصه وهو يُحركه قائلًا: واد يا مدثر انت بتتكلم جَد!
هز له رأسه بتأكيد مستطردًا حديثه: أه يا عمو، وهو الحب فيه هزار!

جلس شهاب جانبه مصدومًا من حديثه الذي يتعدى عمره بكثير مُتمتمًا: الله يخربيتك يا ريان، فسدت أخلاق الواد.
اعتدل شهاب محله بتوتر ثم دار بعقله الكثير من التساؤلات ولم ينفعه أحد بهذا سوى مدثر: واد يا مدثر، عايز أسألك على شوية حاجات كدا بس أوعدني إنك مش هتقول لحد.
استند مدثر على حافة الفراش من خلفه رافعًا قدمًا على أختها قائلًا بثقة: سِرك في بير يا عمو.

بدأ حديثه وهو يُفكر في تصرفاته وتجاهله ل إهداء علَّها تشعر به، ولم يُخيَّل له يومًا من الأيام أن يأخذ نصيحة مدثر: لو أنا بحب بنت وهي كانت مخطوبة، بس سابت خطيبها وأنا تجاهلتها، دا هيجي معاها بفايدة.
اعتدل مدثر في جلسته ثم تحدث نافيًا: البنات مش عايزة اللي يتجاهلها، بابا كان بيقولي البنت من دول عايزة الإهتمام والحب، ولو لقت الحاجتين دول في حد تاني غيرك يبقي بالسلامة انت بقا وخلي تجاهلك ينفعك.

فكَّر مليَّا في حديثه ووجد أنه صحيح بنسبة مئة بالمئة، ليبتلع ريقه قائلًا: طيب أعمل إيه دلوقتي! خصوصًا إنها زعلانة مني.
غمز له مدثر بوقاحة لا تليق بسِنه: بوسة. وردة. هدية. غمزة، والدنيا هتعدي، البنات مش عايزة غير كدا، ويا سلام لو تدخل في الموضوع وتحضنها على طول، هتلاقي الدنيا ماشية معاك حلاوة.

فتح شهاب عينه بصدمة، وهو الذي كان يظن ذاته وقحًا عديم الأدب! لكن بالمقارنة مع ذلك الطفل الناضج وجد نفسه مجرد ملاك برئ لا أكثر، لكن لن يُنكر بأنه سيمشي على خُطاه وسيفعل ما قاله ذلك الشيطان الصغير لينال قلب محبوبته مرة أخرى.

انقضت السويعات القليلة في الحديث حتى دقت الساعة منتصف الليل، وجدا الباب بُفتح بهدوء وتسلل، نظرا لبعضهم بقلق وكاد شهاب أن يستغد لضرب المتسلل ظنًا منه أنه لِص؛ حتى وجدها هي لوچي إبنة أخيه!

قالوا أن العشق لا يطرق باب القلب، بل يدلف دون إستئذان، يتغلغل لداخل فؤادك حتى يمكث في الصميم، والعشق معجزة، والمعجزة أنه أحبها.
استند معتصم بظهره على طرف فراشه، مازالت تأتي في باله خاصةً الفترة الأخيرة، عيناها كالسِحر؛ تسلبه دون إرادة، وهو مُنساق خلفها في إستسلام تام، لم يُقاوم ولم يُجازف، وكأنه يُريد.!

وجد هاتفه يضئ بإسمها «مصدر راحتي»، هذا ما يُلقبها به، وهي فعلًا راحته المسلوبة، تذكر بكاؤها عندما تشتكِ له بأنها ليست جميلة، ولو تعلم كيف يراها لعشقت ذاتها، لا يعلم كيف تحولت الصداقة لحب، لكن الشئ الوحيد الذي بات مُتيقن منه هو حبها.
رفع الهاتف على أذنه ناطقًا بكلمة واحدة وهمس مشتاق: سوچي!

سمع ضحكتها الخافتة على الإسم الذي يُطلقه عليها مردفة بمزاح كان بمثابة إختراق كامل لحصون قلبه المنهارة: عيوني.
حاول السيطرة على تلك الرجفة التي احتلت كيانه بالكامل مُتمتمًا بصوت جعله ثابت نسبيًا: عاملة إيه!

سحبت شهيقًا مُتألمًا ثم زفرته على مهل قبل أن تُجيبه: أحمد قابلني النهاردة وسألني على تسبيح، وأنا توهت في الكلام وقولتله مجتش مناسبة أقوىها، حسيته إتضايق مني ومشي من غير ما يكلمني حتى، أنا قلبي بيوجعني أوي يا معتصم، حاسة الدنيا متقفلة في وشي ومش عارفة أعمل إيه، من جهة الشخص اللي بحبه طلع بيحب أختي التوأم الجميلة، ومن جهة تانية بقيت أحس بالغيرة من ناحيتها، وأنا مش عايزة كدا، مش عايزة أبقي وحشة من برا ومن جوا، مش عايزة أحس بالحقد ناحية تسبيح، تسبيح مش اختي بس، دي حِتة مني ونصي التاني، بس غصب عني لما بلاقيه بيتكلم عليها بكل الحب دا قلبي بيوجعني وبغير.

هتفت بكل ما يختلجها دفعةً واحدة، وهو سمعها كالعادة، أغمض عيناه بغضب من تقليلها من شأنها مرة أخرى، وقف من على فراشه ثم اتجه ناحية شرفته آمرًا إياها بهدوء: أقفي في الشباك عايز أشوفك.

مسحت دموعها التي هبطت رغمًا عنها، ثم فعلت ما أمرها به برحابة صدر، لتفتح الشباك فوجدته يقف مُستندًا على إطار غرفته والهاتف على أذنه، همس لها وهو ينظر لعيناها التي أضاءت بفعل أضواء الشارع والأعمدة: مين دي اللي مش جميلة من برا ومن جوا!
كانت تعلم أنه لم يُمرر حديثها هذا، أغمضت عيناها بألم ثم همست بصوت متحشرج باكٍ: أنا...

انتِ أجمل واحدة شافتها عيني، من برا ومن جوا، صدقيني مش بجاملك، بس أنا بحب وحشاتك اللي انتِ مش حباها.
ذلك الأحمق الذي يقبع يسار صدرها طرق وبشدة، تعجبت من حالها، وتيبس قلبها من حديثه وكأنه دواءٍ لوجعها، رددت عبر الهاتف وهي تنظر له: معتصم أنا عارفة إنك بتقول كدا عشان إحنا صحاب، ما هو أكيد مش هتيجي وتقولي في وشي انتِ وحشة!

نفى برأسه فرأته، ثم همس: لأ مش عشان صحاب، سوچي. انتِ عيونك لوحدها بتهلكني. بحبها زي ما بحبك بالظبط.
تعالى صوت تنفسها، لِما يُحدثها هكذا، صُدمت من إعترافه لها بحبها، فتسائلت بصدمة: إيه!
صحح خطأه مسرعًا: أكيد بحبك. مش صحبتي وزي أختي وعايز مصلحتك!
ابتسمت قليلًا وها قد عاد تنفسها للطبيعي، عضت على شفتيها قائلة بتمني: يا ريتك كنت جنبي يا معتصم، كلامك بيريحني أوي.

اتسعت إبتسامته حتى ظهرت نواجزه، لينظر للأسفل يُحاول السيطرة على قرع طبول قلبه، ظنت بأنه خجل ورغمًا عنها قهقهت بصوت عالي لتقول بمشاكسة: ياختي بيضة بتتكسفي يا بطة!
وما زاد من ضحكاتها هو نظرته المستنكرة التي رماها إليها، ليقول مُهددًا: هتسكتي ولا أجيلك أسكتك بطريقتي!
وضعت يدها على فمها مانعة ضحكاتها بصعوبة، قبل أن تقول بصوا مكتوم من الضحك: خلاص سكت أهو.

ولعيناها سحرها الخاص، تسرقه بل تسحره بجمالهما، ضحكاتها كمعزوفة تُعزف على أوتار قلبه، ونبضه يكون النتيجة، هو سُلب. سُرق. وبالنهاية عشق.

أرادوا تشييد الذكريات وتدوين الضحكات علَّهم يتذكرونها بعد ذلك، تسللهم ليلًا في الخفاء كان مثير للضحك حقًا، تخفوا في المناطق المظلمة، ليقف ريان فجأة وهو يُشير إليها: الشارع مفيهوش كاميرات، تيجي نروح عندنا الأول ولا عندكم؟
هزت غزل كتفيها قائلة بحيرة: أي حاجة مش هتفرق. تعالى نروح عندنا الأول.
أمسك ريان يدها ثم قال آمرًا كأنه لم يأخذ رأيها منذ قليل: تمام. يبقى هنروح عندنا احنا.

رمشت عدة مرات تُقلِب حديثه في عقلها، هو مغفل وأحمق حقًا، نظرت لكتفه بغيظ ثم حاولت جذب يدها قائلة بصوت خفيض: طب وسع إيدي بقا كدا. وسع.
توقف بها أمام بنايتهم مباشرةً لمقاومتها، فإستدار لها بغيظ ليقترب من وجهها فاجأة قائلًا بهمس: هتمشي ساكتة ولا أشيلك!
شهقت بعنف من وقاحته واضعة يدها الأخرى على فمها متحدثة بعدم تصديق: آه يا سافل يا قليل الأدب! على فكرة انت مش محترم.

رفع حاجبه ثم تحدث بصوت ماكر: لو عايزة إثبات أنا معنديش مانع.
عضت على شفتيها ولم تكن تتوقع وقاحته حقًا، هل قالت من قبل أنه برئ؟ حسنًا اللعنة عليها.
صعدت معه البناية بصمت دون أن تُجيبه، بل اكتفت فقط بتسديد نظرة نارية له، بينما هو كتم ضحكته بصعوبة، كم يعشق رؤيتها لغضبها الناتج عن خجلها، وللحق؛ هذا يروقه وبشدة.

كاد أن يصعد حيثُ شقته لرؤية إبنه، لكنه توقف على صوت الصراخ القادم من منزل سلطان وكان مصدره صديقه فارس الذي صدح صوته عاليًا: يابني أعمل فيك إيه، ألطم على وشي من سفالتكم! وانتِ يا غلطة حياتي أعمل فيكِ إيه! أوأدك وأخلص من أمك! قولولي أعمل إيه!

هكذا صرخ فارس على مدثر و لوچي الذي كان ينظر له بشر ونظرة إجرامية في عيناه، بينما شهاب يقف مشدوهًا من وقاحة الصغيرين، لقد تخطوا السفالة بمراحل، فقد أتت لوچي منذ قليل مُتخفية لتدخل الغرفة ظنًا من أن الجميع نيام.
لم تكن تتوقع أن تجد عمها شهاب مستيقظ، لكنها تجاهلته مشيرة له بلامبالاه: هاي يا عمو.
كررها شهاب خلفها بعدم تصديق ودهشة: هاي يا عمو!

لم يكد أن يُكمل حديثه حتى انتفض مدثر من جانبه مهرولًا تجاهها، وبدون سابق إنذار قام بإحتضانها! وهي أيضًا احتضنته ولم تُمانع، ليلطم شهاب على خديه قائلًا بحسرة صادمة على شقيقه: شرفك ياخويا ضاع في التراب!
خرج مدثر من أحضان لوچي متشدقًا بحزن ونبرة متأثرة: احنا بيتكتب على حبنا بالهلاك يا لوچي، عمو فارس شكله مش موافق عليا، دا غير معاملته اللي زي الزفت دي.

وضعت يدها على فمه تمنعه من تكملة الحديث بينما ارتفع حاجبي شهاب بدهشة تزامنًا مع فعلتها، لتزداد صدمته عند ردت عليه قائلة: احنا مينفعش نبعد عن بعض يا مدثر. أنا هواجه العالم وهبقى معاك، هتجوزك يعني هتجوزك.
ابتسم مدثر، بل زادت إبتسامته إتساعًا عندما أكملت حديثها قائلة بدون خجل او حياء باللغة العربية الفصحى: أحبك يا نبض القلب ومعذبه.
ليُجيبها بهمس عاشق: وأنا أعشقكِ يا لبابة القلب.

اقترب منها أكثر قائلًا بوقاحة تعدت الحدود: ما تجيبي بوسة مشبك!
ليضرب في تلك الأثناء فارس على صدره من حديثهم، لقد جاء منذ قليل عندما شعر بفتح أحدهم لباب المنزل عندما كان يتهيأ للنوم، فلم يجد سوى إبنته الطاهرة والتي تهبط الدرج كاللصوص، حينها استمع لحديثهم كامل، وللأسف شلت الصدمة جسده.

خرجت لوچي من خلف مدثر الذي كانت تختبأ خلفه، هاتفة بصياح: هو أنا كل ما أكلمك تقولي يا غلطة! دي مبقتش عيشة دي بقا! وبعدين أنا بحب مدثر وهتجوزه.
فرغت غزل فاهها بصدمة من حديث الصغيرة، على عكس ريان الذي كان ينظر لإبنه بفخر أبوي صادق كأنه فاز بأحد الجوائز العالمية حاليًا.
نظر مدثر ل لوچي بغضب قائلًا بصرامة: لما الرجالة تتكلم انتِ متتكلميش.
خنهت لطلبه فأنزلت رأسها قائلة بهمس خافت: أسفة يا حبيبي.

تشنج وجه فارس أكثر وهو يُردد تلك الكلمة بإستنكار كبير، وضع يده على صدره كأنه على وشك الإصابة بذبحة قلبية حادة، ليهمس بعدها بقلة حيلة: آه يا ولاد ال هتموتوني ناقص عُمر!
بدأ مدثر بشرح الأمر ل فارس ببساطة شديدة: الموضوع وما فيه يا عمو إني هتجوز لوچي يعني هتجوزها، وهي تُعتبر مراتي أصلًا من غير اي حاجة، ف أنا ببلغ حضرتك بس عشان متجيش تتصدم بعدين لما تلاقيها في مرة نايمة في أوضة نومي.

أدمعت عين ريان تأثرًا، ثم هز ذراع غزل التي تُتابع الموقف بصدمة، ليردف بفخر بعدما انتبهت له: ابني. وشرفي. اللي رافع راسي.
حدجته بعدم تصديق، ثم عاودت النظر للصغير، ومن ثَم نظرت له مرة أخرى وكأن على رأسها الطير، هامسة بصوت عالي نسبيًا: دي السفالة طلعت وراثة، وأنا اللي كنت مفكراك انت اللي سافل لوحدك!
انتبه الجميع للهمس والحديث الخافت، ليقول فارس بعدم تصديق: ريان!

انتبه مدثر سريعًا عند سماع إسم والده الغائب، نظر تجاه الباب ليجده يقف بهيئته يرسم إبتسامة جميلة على محياه، وبدون أن ينتظر للحظة واحدة اتجه إليه لإحتضانه، التقطه ريان بإشتياق كبير وحب شديد غريزي، فلذة كبده وجزء من روحه قابع الآن بين أحضانه، بينما أدمعت عيني مدثر لغيابه، فلقد إشتاق له حَد اللعنة: وحشتني أوي يا بابا.

شدد ريان من إحتضانه ثم قبّله من جانب عنقه هامسًا بإشتياق: قلب ورح بابا. بطلي عامل إيه؟
لم يخرج من أحضانه، بل ظل قابع بها بعض الوقت، وكأنه يُعوض تلك الأيام التي عاشها بدون والده، لم يكن يبتعد عنه من قبل، لكن الآن حكمت عليه الظروف للإبتعاد، بل للهرب.
قبل الصغير والده بلهفة وحب شديدان، ومن ثم بكى، هطلت دموعه بكثرة طالبًا من والده برجاء قطَّع نياط قلبه: متمشيش تاني يا بابا بالله عليك. انت وحشتني أوي.

جلس ريان على ركبتاه ولم يُحرر ولده الملتصق به، بل كان يُشدد من عناقه وكأنه الأخير، همس آسفًا ورغمًا عنه هطلت دموعه: عيوني والله. مش هسيبك تاني أبدًا. هفضل معاك على طول.
وضع قبل أخرى على جبهته وكأنه لا يُصدق وجوده ليُغمض ريان عيناه بألم، شاعرًا بما يختلج صدر طفله، يشعر بالوحدة، الغرابة، الحزن، وها هو عناقه الطويل يعوضه عن كل ذلك.

حاولت غزل ألا تتأثر بالمشهد، لكن رغمًا عنها قد مسَّ جزءً مجهولًا في قلبها، تكونت طبقة رقيقة من الدموع على عيناها من تأثر الطفل بوالده، اقتربت منهم ثم وضعت يدها على خصلات الصغير لينتبه لها، رفع عيناه الرمادية التي تُشبه عين والده بشدة، وكم كانت آسرة بحق!
مسح الصغير دمعاته لينظر إلى أبيه متسائلًا بغرابة ووقاحة: مين المُزة دي يا والدي؟
غمز له ريان بنفس الوقاحة: إيه رأيك؟

قيمها مدثر من أعلاها لأسفلها قائلًا بإعجاب: لأ تستاهل المرمطة اللي انت فيها دي.
استمع لزمجرة لوچي الصارخة بإسمه: مدثر!
استدار لها ليسبل عيناه بوله: عيونه!
أخفضت رأسها بخجل ووجه إحمر من الحرج: بس عشان بغير.
أجابها بصدق وهو يضع يده على مكان قلبه النابض: انتِ الأساس يا روح الروح.
ذهب إليه فارس ممسكًا بياقة قميصه مُبعدًا إياه بغيظ: وسع يا صايع وحسابك معايا بعدين.

أنهى حديثه ثم جذب يد صديقه أو لنقول شقيقه الجالس على الأرضية الصلبة ليقف أمامه، ثم احتضنه بشدة وقوة وإشتياق: واحشني يا صحبي.
شدد ريان من عناقه بحب، وكم كان يريده بجانبه في تلك الأيام الصعبة، فهو الوحيد القادر على إزالة همه بحديثه الودود، علاقتهم ليست علاقة دم، ولكنها أقوى وأشد، رابطة قوية تجمعهم تحت مسمى الصداقة.
همس له ريان بتأثر: كنت محتاجك أوي.

ليهامسه فارس بألم وهو يتذكر تلك الأيام الفائتة عند تذكره للماضي: أنا اللي كنت محتاجك أوي، كنت محتاج حنانك وكلامك المشجع ليا زي ما بتعمل دايمًا.
قطب ريان جبينه بتعجب من تلك النبرة الحزينة التي يسمعها منه، ليخرج من أحضانه قائلًا بتعجب: مالك! فيك إيه!
ابتسامة باهتة تشكلت على ثغره، ليربت على صدره بقوة: هقولك بعدين، خلينا فيك انت دلوقتي.
أجابه ريان بحسم وهو يستعد للدخول لأحد الغرف: لأ مش بعدين. دلوقتي.

استدار ل غزل المتعجبة قائلًا وهو يشير ل لوچي التي تُلاغي مدثر: اقعدي معاهم يا غزل وأنا دقايق وجايلك.
أومأت له بهدوء ويبدو أن الأصدقاء بحاجة ماسة للتحدث سويًا، لتجلس على الأريكة تنتظر خروجه.

الساعة تعدت منتصف الليل وجرس الباب مستمر في الطرق بمنزل طه أبو زيد، فتح عيناه ببطئ شديد حيثُ كان غارق في النوم، واستيقظت بجواره زوجته أميرة التي تحدثت بهلع: يا ساتر يا رب! مين اللي هيجيلنا في الساعة دي؟
هز طه رأسه بجهل مستعدًا للنهوض: مش عارف. قايم أشوف أهو.
ارتدي نعله الخاص بالمنزل ثم خرج من غرفته ليجد أولاده قد استيقظوا أيضًا على صوت قرع الباب، تحدث عابد بسخط من الوقت المتأخر: هو في إيه!

توقف الطرق ليذهب طه لفتح الباب لكنه لم يجد شيئًا، نهائيًا! نظر حوله بتعجب وحاجب مرفوع وداخله يسب ويلعن صاحب تلك الفعلة، وكاد أن يدخل؛ لكنه لمح ذلك الظرف المطوي الموضوع أمام باب المنزل، التقطه وهو ينظر له باستغراب شديد، خاصةً إسمه المدون عليه.
أغلق الباب وولج حيثُ يقف الجميع منتظرينه بفضول، لتتسائل تسبيح بتعجب: إيه الظرف دا يا بابا!
هفتحه وأشوف أهو.

قالها وهو يهم بفتحه، وليته لم يقم بذلك، فلقد رأى ما جعل وجهه يتجمد، وجسده يتصنم من الصدمة، فتح عيناه على آخرهما بعدم تصديق، والجميع مستغرب لحالته، لينظر بعدها ل سجود بنظرات كادت أن تقتلها، بل تحرقها حية،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة