قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن والعشرون

تحرك معتصم للمشفى لإصطحابها، فها قد مرَّ أسبوع كامل على بقاؤها تحت مراقبة الأطباء، لم يغفل عن النظرات الحانقة من طه، لم تكن نظرات كُره، بل غيرة، نعم يغار على إبنته منه وبشدة، ابتسم بخفة عندما تذكر شجارهم عليها ومَن يجلس معها بالغرفة، ورغم أن طه له الأحقية بذلك؛ كان يُعاند بشدة للبقاء جانبها أطول فترة ممكنة.

وصل إلى الغرفة المقصودة فاتحًا بابها على مهل، ليجدها جالسة على الفراش مُرتدية كامل ملابسها، لكن لم يكن أحد معها بالغرفة، استغل فرصته مُقتربًا منها لرؤية عيناها عن قُرب، فقد إشتاق لها حد اللعنة.
وقف أمامها فإنتبهت له رافعة رأسها تجاهه، اعتلى ثغرها إبتسامة سعيدة لرؤيته أمامها، مُرددة بسرور: عامل إيه يا معتصم!

رؤيتها جعل شفتيه تبتسم لا إراديًا، ينشرح صدره لرؤيتها بخير مُتعافية تمامًا أمامه، اقترب منها بهدوء حتى وقف قبالتها مُباشرة، وبالطبع نظر لعيناها، بينما هي ابتلعت ريقها بترقب، فلم يخفى عليها إهتمامه المُبالغ به وتحديه لجميع أفراد عائلتها وعائلته من أجلها هي فقط، نظراته تُوحي بالكثير، ليس مُجرد أصدقاء؛ بل أكثر من ذلك.

اسند ذراعيه على الوسادة لتُصبح مُحاصَرة بينهما، ثم أردف بعشق: معتصم بقا أحسن لما شافك.
توترت عيناها، وكذلك توتر جسدها من إقترابه المُفاجئ، نبض قلبها بقوة عندما ركَّزَ ببصره على عيناها الخضراء اللامعة المُتَيْم بها، ثم أردف بوله دون أن يُحيد بنظراته عنها: عنيكِ...
تبسَّم ثُغرها تلقائيًا عندما علمت الكلمة التي ستليها، ليُكمِل بنفس حالته الوالهة: بِتِسحِر.

تخشب وجهها عندما دلف والدها فجأةً وهم في وضعهم هذا، حاولت تنبيه فقالت بصوت مُتلعثم مُرتبك: ب. بابا.
لم يهتم بحديثها مُتحدثًا بضجر: سيبك من بابا دلوقتي وخلينا في المهم.
صُدمت من حديثه وهي تكادُ تبكي من التوتر فقالت بصوت خفيض: معتصم، بابا.
وكأنه الغباء هبط على رأسه الآن ولم يفقه ما تُريد، تسائل وعيناه تنظر لكل إنش بوجهها: عايزة إيه انتِ دلوقتي.
عادت تقول بخفوت مرة أخرى عالمة بغباؤه المقيت هذا: بابا.

غمز بعيناه بوقاحة متشدقًا بخبث: يعني انتِ مثلًا عايزة بابا. وأنا عايزك انتِ.
أمسكه طه من تلابيبه من الخلف صائحًا بحدة بعدما أبعده عنها: تعالى يا حبيبي نشوف عايز إيه سوا.
فزع معتصم من وجوده ناظرًا له بصدمة، ثم أردف بتلعثم: ع. عمي. استنى. استنى هفهمك.
هزه طه بين يديه ناهرًا إياه بقوة وكأنه على وشك الإنقضاض عليه: هتفهمني إيه يا حيوان! جاي تتحرش ببنتي وأنا موجود! دا انت بجح بقا وعايز تتربى.

لقد كُشِف أمره. هكذا همس في نفسه بخوف، هز رأسه بالنفي وهو يُبعد تلك التهمة البشعة التي لا تُمِت لأخلاقه بشئ: لأ يا عمي، دا أنا مرة واحدة لقيت سجود بتناديلي وبتقولي قرَّب عايز أقولك حاجة مهمة، وحاولت تتقرب مني وأنا كنت بقولها مينفعش أنا شاب أعزب وعندي ولايا يا أنسة سجود.
كانت سجود تستمع له بصدمة، فهبت من مكانها واقفة أمامه مُتحدثة بشراسة: نعم! أتحرش بيك!

أمسك معتصم بمقدمة ثيابه مُتصنعًا الخوف أمام طه، ثم أشار تجاهها وهو يتحدث بمسكنة تكادُ هي أن تُصدقه لشدة إتقانه: شوف. شوف بتقرب مني إزاي! وأنا إكمني طيب ومتربي مرتين معملتلهاش اللي هي عايزاه.
وإلى هُنا ولم تتحمل مُزاحه الثقيل، لذلك صاحت به هادرة: معتصم.
تحولت تعابيره من التصنع إلى الهيام وهو يُطالعها بوَله: عيونه!

ارتبكت نعم، وتبخر غضبها منه وتحول للخجل الشديد، تهربت بعيناها عن عيناه العاشقة، ليُكمل هو مُعاكسًا ببلاهة: يا خرابي! هو فيه قمر بيتكسف بيكون قمرين!
لم يشعر بذلك الذي كاد أن ينفجر من الغيظ، أمسكه طه جيدًا ثم اتجه به ناحية باب الغرفة مُخرجًا إياه منها ثم أردف بهدر: لو شوفتك هنا تاني مش هخليك تشوف بعنيك الحلوة اللي ماشي تبصبص بيها لبنتي دي.

قال جملته بعصبية ثم أغلق الباب بوجهه، ليقف هو كالأبله ينظر حوله ليتأكد من عدم رؤية أحدٍ له أثناء طرده، لكن قد خاب ظنه عندما رأى الجميع من مرضى وممرضين يُحدجون به بإستغراب وتعجب.
رسم على محياه إبتسامة متوترة، ثوانٍ ما انمحت عندما رأى أمامه عابد بوجهه العابس مُستنكرًا وجوده، حدجه عابد بسخط ثم أردف بسخط: انت إيه اللي جابك تاني! مش خِلصنا!

رسم معتصم على ثغره بسمة سمجة ثم أجابه ببرود: المفروض تتعود يابو نسب، دا احنا هنبقى أهل.
طالعه عابد بإشمئزاز ولم يُجيبه، بل فتح باب الغرفة القاطن بها شقيقته ثم دلف إليها مُغلقًا الباب في وجهه بوقاحة.
ولثاني مرة يُغلق الباب في وجهه بتلك الطريقة القذرة، نظر لأثره بغيظ، ثم مسح على جانب فمه ببطئ مُرددًا بخبث عندما جال بخاطره فكرة خبيثة: ماشي. انتوا اللي اختارتوا.

اليوم الذي تمنوه منذ أشهر ها قد حقق اليوم، سعادتهم لا تُوصف تلك اللحظة، كانوا أشبه بالطائر المُحتبس داخل قفص حديدي يطبق على أنفاسهم، وعندما نالوا حُريتهم طاروا مُهللين بسعادة، امتلئت عين غزل بالدموع وهي ترى نفسها حُرة، ستعيش حياتها كما تُريد بعد الآن، لن تضطر للتسلل ليلًا لفعل ما تُريد، ستتحكم بحياتها وحدها.

كان ريان يُراقب سعادتها بإنتشاء، وتلقائيًا ابتسم لفرحتها، أصبحت حياته مُرتبطة بها، فيحزن لحزنها ويسعد لسعادتها، توقف عن مُراقبتها عندما ضرب موسى بضربات خفيفة على كتفه، فإستدار له ريان راسمًا ابتسامة واسعة على شفتيه، احتضنه بقوة ثم حياه بسعادة: مبروك علينا يا شِق.
بادله موسى العناق مُشددًا منه ثم تشدق بسعادة: الله يبارك فيك يا صحبي، أكيد هنفضل على تواصل ومش هننسى بعض، ولا إيه!

أكد عليه ريان بقوة: أكيد طبعًا، أنا هقرفك وهتلاقيني قدامك كل يوم.
قهقه موسى عاليًا ثم أردف بخبث وحديث ماكر ذات مغزى: دا انت اللي هتلاقيني قدامك كل يوم، ويمكن أبات معاك كمان.
لم يفهم ريان ما يرمي إليه وكاد أن يُجيبه، فقاطعه صوت عمر المازح بصوت عالي: كفارة يا رجالة.
نظر ريان حوله ثم استدار له يُحدجه بغيظ، قائلًا: برستيجنا يا عمر باشا لو سمحت. انت عايز الناس تقول علينا رَد سجون ولا إيه!

جاء من خلفه صوت يزن الساخر الذي ربت على ذراعه بتهكم: لأ وانت الصادق كنت هربان مش رَد سجون بس.
مطَّ ريان شفتيه ناظرًا له بحنق يُشبه الأطفال حقًا، كادت ضحكة عالية أن تنطلق من فم يزن على مظهره، لكنه كتمها بصعوبة حتى لا يفقد مظهره أمام الذي العامة.
قطع حديثهم صوت الرعد الذي صدح في الأرجاء بقوة، يبدو بأنها ستكون ليلة مُمطرة، السماء تُرحب بهم وبنيلهم للحرية.

رفع ريان رأسه في كبرياء مُمسكًا بيد غزل الباردة، ثم أردف: نستأذن احنا بقى بدل ما الجو يعملها معانا.
كاد أن يذهب فأوقفه يزن مُخبرًا إياه بهدوء: انتوا معزومين يوم الجمعة على عيد ميلاد ابني، هستناكم.
نظروا لبعضهم بحيرة فأردف يزن بصوت صارم لا يقبل النقاش: مفيهاش تفكير، هتيجوا يعني هتيجوا.

ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه ريان، ثم أومأ بالإيجاب كدلالة على موافقته، سار عدة خطوات لكنه توقف فجأة عندما بادر بحديثه الجدي قائلًا: متنساش تجيب تورتة بالشيكولاتة عشان بحبها.
رمى بجملته ثم سار بعيدًا عنهم، ومعه تلك التي علت ضحكاتها على طريقته في الحديث.

تشنج وجه يزن عقب ذهابه ناظرًا لأثره بتهكم صريح، ارتخى وجهه عندما تشكلت إبتسامة صغيرة على شفتيه، في يومين فقط اكتشف نقاؤه، وهذا السبب ما جعله يُساعده، استأذن موسى هو الآخر للذهاب بعدما أكد عليه يزن على القدوم للحفلة، ولم يبقى في ساحة المحكمة سوا يزن وعمر ومراد.
صدح صوت هاتف يزن ليظهر إسم المتصل، تأفف بضجر لعلمه ما يريد هوية المتصل، نفخ بسخط قبل أن يُجيب بهدوء مصطنع: عايزة إيه يا رضوى!

أتاه صوت رضوى الباكي وهي تُصيح بشهقات عالية: ساهر بيخوني يا يزن، أنا متأكدة إنه بيخوني، ما هو مبقاش يحبني، مبقتش مالية عينه الأستاذ.
حاول الهدوء على قدر المستطاع، أوقاتٍ كثيرة يشعر بأنه مُربي العائلة، تلك العائلة التي لا يوجد بها شخص واحد عاقل على الأقل، حتى زوجته. أصبحت أكثر جنونًا عن ذي قبل.
سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، قبل أن يسألها بترقب: مين اللي قالك الكلام دا؟

ربتت ضحى على ذراعها تُهدئ من روعها، ثم أجابته هي صائحة بضجر: يا يزن بتقولك بيخونها وانت تقولها مين اللي قالك! أكيد أنا اللي قولتلها يعني.
تشكلت إبتسامة بلهاء على فم رزان قبل أن يصدح صوتها هي الأخرى: وأنا كمان قولتلها معاها.

كز يزن على أسنانه بشدة حتى كاد أن يسحقهم من غيظه، نظر بغضب ل عمر الذي رفع له حاجبيه وكأنه يسأله ماذا تريد! جاء صوت رضوى المتحشرج صائحة: أنا عايزة اتطلق منه يا يزن، مستحيل أعيش معاه ثانية واحدة بعد كدا.
شجعتها ضحى مُقبلى وجنتها بحنان: جدعة يابت، متسبيش حقك أبدًا، وبعدين متخافيش كل حقوقك هتجيلك لحد عندك والشقة من حق الزوجة.

استمعت لها رضوى بإنصات ثم هزت رأسها بالإيجاب، انتظرت إجابة يزن فلم تجد رد، لذلك تسائلت بخفوت: يزن انت معايا!
أتاها الرد على هيئة صافرة الإغلاق، نظرت رضوى ل ضحى مُتشدقة بسخط: شايفة جوزك قفل التليفون في وشي إزاي!
واستها ضحى قائلة بتفكير: يمكن قفل عشان يشوف حل، متظلميش يزونتي.

مسحت رضوى دمعاتها بقوة ثم أردفت بحقد وغل: وعهد الله لهجيب حقي من أخوكِ، أنا هعرفه إزاي يخوني ويمشي مع السكرتيرة الصفرا اللي معاه.
جدعة يابت، مع إنه أخويا بس أنا عارفاه واطي ومعفن.

رياح شديدة وعاتية تضرب وجوههم بقوة، تَزامنًا مع صوت الرعد المُصاحب لعاصفة برَّاقة، نظرت غزل حولها بسعادة صائحة بفرحة شديدة: الجو تحفة بجد، يارب تمطر.
وما أن أنهت حديثها حتى هبط المطر فوقهم كالسيول، تعالت ضحكات ريان عاليًا عندما تركت يده فاردة كِلتا ذراعيها في الهواء مُستمتعة بملمس الأمطار التي تسقط فوق وجهها، دارت حول نفسها بسعادة عندما تأكدت من خُلو الطريق إلا مِن كليهما.

ذهب إليها ريان ضاحكًا ثم أمسك بيدها غامزًا لها بعيناه المُشاكسة: مش هفوت لحظة زي دي من غير ما تكون رومانسية.
نظرت له بعدم فهم، لتجده يُحيط بخصرها بذراع، وبالذراع الأخرى يُمسك بيدها ثم أردف هامسًا: ف لنرقص يا عزيزتي.

قهقت عاليًا بفرحة عارمة، فرحة لا تشعر بها إلا بوجوده، جارته في فعلته تُحرك قدمها مع ميلها لجسدها، وهو كذلك يُحرِك جسده مع رقصته المجهولة، أبعدها عنه ومازالت يدها مُتشبثة في خاصته، أدراها حول نفسها كالأميرات، وهي بالفعل أميرة على عرش قلبه، ليُقربها مرة أخرى منه حتى باتت مُلتصقة به بقوة.

ظل عدة دقائق ينظر لعيناها، بُنياتاها تُسحرناه، اقترب منها أكثر هامسًا أمام وجهها بهيام وعشق جارف: عنيكِ مش بحر. ليه أنا فيهم ببقى زي الغريق!

خفق قلبها لقُربه، وخفق أكثر لكلماته المُحببة إليها، طالعته بأعين عاشقة وأنفاس مُلتهبة، باتت لا تطيق فكرة إبتعاده أو رحيله عنها، وكيف لها أن تعيش بعيدًا عن طفلها! طفل الصغير ب زي رجل كبير، ردت مُجيبة إياه على سؤاله: بتمنى تفضل طول عمرك غرقان في عنيا، عشان أبقى مطمنة بوجودك.
ما تجيبي بوسة!

كان رجاء أكثر من طلب تلك المرة، لتُطلق ضحكات عالية وهي تبتعد عنه بيأس، ريان الوقح مازال وقح، لكن في النهاية سيظل طفلها الوديع.
قاطع لحظتهم بوق السيارة الذي صدح عاليًا للإبتعاد عن الطريق، نظر ريان ل غزل غامزًا لها بعبث قبل أن يسألها بمشاكسة: بتعرفي تجري!

لم تفهم ما يرمي له في البداية؛ لكن سرعان ما فتحت عيناها بحماس عندما فهمت مغزى حديثه، أومأت له بسرعة وهي تكاد تموت فرحًا، ليُمسك ريان بيدها ثم انطلقوا مهرولين على أقدامهم، أحذيتهم تضرب الأرض الصلبة الممتلئة بالمياه بقوة، لتنتشر المياه من حولهم بفوضوية مُحببة للقلوب، وهنا انطلقت ضحكاتهم السعيدة لوقت لن يُعاد مُجددًا، وقتًا قضاه كُلًا منهم رِفقة الآخر، ليتُدون لحظة أخرى لم ولن تُنسى.

عاد فارس لمنزله يشعر بالرحة تتغلغل لقلبه رويدًا رويدًا، فتح الباب بهدوء ظنًا من أن الجميع نائم؛ لكنه وجد ظهر تندفع له تسأله بقلق بالغ وطبقة رقيقة من الدموع متكونة داخل حدقتاها: كنت فين يا فارس قلقتني عليك!
أحاط بها وبقدمه أغلق الباب خلفه دافنًا وجهه بعنقها يتنفس بعمق، هدأ القلق الذي بقلبها وارتفعت صخب دقاته من قُربه، سمعت همسه وهو يُجيب براحة: عرفت الحقيقة، عرفت الحقيقة كلها يا زهرتي.

ارتسمت السعادة على محياها، ثم أردفت مُتسائلة بضحك: وإيه هي الحقيقة يا فروستي!

خرج من أحضانها، ثم أمسك بيدها ساحبًا إياها خلفه، ليجلسا على الأريكة بجانب بعضهم، وبدأ هو بسرد ما رواه شاكر تفصيليًا، في البداية ظهر الألم عليه وهو يقص عليها ما علمه، لكنه ابتسم مرة أخرى عندما تحدث بدموع سعيدة للغاية: عارفة! أنا لسه جاي من عندها دلوقتي، رُحت زُورتها في قبرها وحكيتلها كل حاجة، قولتلها أد إيه هي وحشتني وإني محتاجلها، قولتلها إني اتجوزت وبقا عندي بنت سافلة زي القمر، حكيتلها كل حاجة، حسيت براحة والوجع اللي في قلبي راح، بعدها الجو مطَّر حسيت إنها بترد عليا، كل نقطة مايه كانت بتنزل فوقي بحس إنها بتغسلني من جوا، بقيت مبسوط وأنا مرتاح، رغم إن الحقيقة كانت أصعب مما توقعت بس بقيت مرتاح.

حدجته زهر بسعادة جليَّة لعودته مرة أخرى، عادت له الروح مُجددًا فشعرت بالإنتشاء، حاوطت وجهه بين يديها ثم ارتفعت قليلًا مُقبلة جبينه بعشق، وبعدها أردفت بكلمة واحدة لا تكفي ما تُعايشه بتلك اللحظة: بحبك.
قبَّل وجنتها بعمق قبل أن يُجيبها هامسًا: وأنا بموت فيكِ، بعشق كل حاجة فيكِ.

اقترب منها بدرجة خطيرة حتى كاد أن يحصل على مبتغاه، لتُقاطعهم تلك الوقحة الصغير مُتخصرة محلها، قبل أن تُردف بسخط: اشمعنا مدثر لما يجي يبوسني بتفضل تزعق! انت أناني على فكرة.
أناني!
رددها فارس بإستنكار بعدما قاطعتهم عن لحظته التي كاد أن ينولها، لتؤكد له حديثها وهي تُعدِل من ثيابها المنحرفة مثلها تمامًا: آه أناني، اشمعنا انت بتبوس ماما! ما كدا كدا مدثر جوزي واحنا اتجوزنا.

لوى شفتيه بإستنكار ثم سألها بصدمة: اتجوزتوا! ودا إزاي إن شاء الله!
نفخت بشفتيها على طلاء أظافرها الأحمر، ثم أجابت ببرود: حازم صاحبنا عمل المأذون و مدثر قالي تتجوزيني! قولتله زوجتك نفسي، عشان بس لما تشوفه بيبوسني متستغربش.
وضع فارس يده على قلبه رافعًا عينه للسماء، ثم أردف بحسرة: يارب دي أكيد مش تخليص ذنوب، دا إبتلاء وأنا مش أده.

اعتدلت لوچي في وقفتها بسخط، ثم نظرت لوالدتها مُشيرة ل فارس بغضب: شايفة! شايفة بيعاملني إزاي! أقولك حاجة. أنا هريحك مني وهنزل بيت جوزي أحسن.
أنهت جملتها ثم فتحت باب المنزل وخرجت منه للهبوط للأسفل، انتفض فارس من محله خاصةً وهو يرى هبوطها بملابس وقحة للغاية، صارخًا عليها: بت يا لوچي!

لم تُجيبه الصغيرة بل كان الآوان قد فات وهبطت للأسفل، هرول فارس خلفها مُتجاهلًا نداء زهر عليه ليلحق بالفضحية التي سبقته لمنزل أبيه.
دخلت لوچي لمنزل سلطان مُنادية على مدثر بصوت عالي، حتى أتى هو مهرولًا من الغرفة التي كان يمكث بها، أطلق صفير عالي عند رؤيته لمظهرها ثم فتح ذراعيه يدعوها لإحتضانه، قبل أن يردف بوقاحة: أقسم بالله جامدة وتستاهلي حضن كبير.

وكالبلهاء ابتسمت بسعادة واتجهت إليه راكضة، لكن وقبل أن تصل إليه؛ وجدت نفسها تُرفع في الهواء وصوت أبيها الصارخ يردف بغضب: يخربيت أمك على بيت تربيتك، أعمل فيكِ إيه يا بت!
لوحت لوچي بقدمها في الهواء صارخة في المقابل: سيبني يا بابي لو سمحت، أنا بقالي كتير محضنتهوش.
فتح عيناه على وسعهما مُرددًا حديثها: بقالك كام يوم محضنتهوش! وانتِ بتسيبيه يحضنك كدا عادي!

هزت كتفها بلامبالاة وهي تُجيبه: آه عادي. طالما بيحبني وأنا بحبه يبقى عادي يا بابي.
خرج في تلك الأثناء شهاب من غرفته مُستندًا على عكازه، ثم أردف وهو يرتمي على الأريكة: انت مربتش ياخويا، تربيتك بسم الله ما شاء الله تِشرِح القلب.
قطب فارس جبينه بدهشة وهو يُطالع تلك الجبيرة التي تُحيط قدم شقيقه: إيه اللي عمل فيك كدا؟

كاد شهاب أن يُجيبه بكذب، فسبقه مدثر ناظرًا له بشماتة: كان جايب ورد وشيكولاتة لعمتو إهداء وعايز يمشي معاها.
حدق به شهاب بعدم تصديق لحديثه الوقح، فناظره فارس بإشمئزاز مُطالعًا الجميع بقرف: دا انتوا عيلة مشافتش رباية.
وإيه الجديد ما طول عمركم عيلة سافلة.
هكذا أردف ريان بضحك عند وصوله منذ قليل وإستماعه لحديث فارس الأخير، هرول له مدثر يهتف بسعادة: بابا.

انتشله ريان بين ذراعيه مُقبلًا وجنته بقوة، ثم أردف بسعادة: روح قلبي يا ناس. الوَحش بتاعي عامل إيه!
أجابه الصغير بفرحة عارمة: الحمد لله يا بابا، كنت هحضن لوجي بس عمو فارس عمال يزعق مش عارف ليه!
أنزل ريان الصغير ثم ذهب تجاه صديقه ليحتضنه، ضاربًا إياه على ظهره متشدقًا بسماجة: ما تسيبه يا جدع يحضن البت، متبقاش قطَّاع أرزاق كدا.

ضحك فارس عاليًا مُبادلًا إياه العناق، متحدثًا بيأس: يعني ابنك هيطلع سافل لمين مثلًا!
قطع حديثهم صوت شهاب مُحولًا صوته لصوت عجوز أنثوي: تعالى يابني خليني أحضنك، مش قادرة أقوم الله لا يسيئك.
صدحت ضحكات ريان ثم ذهب لإحتضانه، مُتسائلًا بشفقة: يا عيني يابني، إيه اللي عمل فيك كدا!

ولثاني مرة يسبقه مدثر قائلًا له الحقيقة، والتي ما إن سمعها ريان حتى ضحك عاليًا حقًا، تحول وجه شهاب شهاب للحنق، فدفعه بعيدًا قبل أن يقول بغيظ: طب ابعد عني انت وابنك بقا بدل ما أبلغ عنك المرة دي.
تحولت نظرات ريان للخبث واضعًا قدمًا فوق الأخري، ثم استند على الأريكة براحة، قبل أن يردف بتسلية وهو ينظر لجميع الوجوه حوله بترقب: لأ ما أنا خلاص خدت براءة.
قول وعهد الله!

هكذا أردف فارس بعدم تصديق وإبتسامة سعيدة تشكلت على وجهه لاإراديًا، ليؤكد له ريان بضحك، ثم روى لهم جميع الأحداث التي حدثت في الوقت السابق، ختم حديثه بقوله: وأنا اللي طلبت من يزن الراوي ميقولش لأي حد عشان عايزها تبقى مُفاجأة ليكم.
ذهب إليه فارس ليحتضنه مرة أخرى بعدم تصديق، وها قد حصل رفيقه على حريته كاملة بعد عناء دام لأشهر طويلة، خرج صوته سعيدًا وهو يُهنئه بسعادة جلية: مبروك يا صحبي، ألف ألف مبروك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة