قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع والعشرون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع والعشرون

ترجل الجميع من السيارات وعلى وجوههم علامات التهجم والغضب بعد فِعلة معتصم التي أثارت حنقهم، ذلك الأحمق جعلهم مُنشغلين في جمع الحقائب وسحب معه سجود من يدها قِصرًا صاعدًا بها لسيارته الخاصة، اعترضت وقاومته كثيرًا على جنونه لكنه أبى الإستسلام لها، أغلق قفل السيارة عليها ثم أخرج رأسه من نافذة السيارة، صارخًا بأعلى صوته حتى يصل لهم صوته الضاحك: يا حمايا العزيز، سجود معايا متدورش عليها.

انتبه له كُلًا من طه وعابد وهكذا أميرة التي كانت تحمل متعلقات إبنتها، صرخ به طه راكضًا خلفه بغضب: استنى هنا يا حيوان، رايح بيها فين!
ولكن كان الآوان قد فات وذهب مُسرعًا قبل أن يصل إليه، نظرت سجود ل معتصم المُنفجر في الضحك، ثم نهرته بغضب لجنونه والذي تكتشفه لأول مرة: انت اتجننت يا معتصم! إيه اللي انت بتعمله دا!

طالعها معتصم بتسلية ثم نظر أمامه مُجددًا مُردفًا بشماتة: ايوا اتجننت. ومش هعقل ولا هيرتاحلي بال غير لما أتجوزك يا جميل انت، وأبوكِ وأخوكِ يبقوا يقابلوني في المشمش.
انتفض قلب سجود من محله ثم طالعته بصدمة غير مُصدقة ما يقوله، ظلت صامتة لبضعة دقائق ثم أردفت فجأةً: معتصم انت بتتكلم جَد! انت بتحبني فعلًا! طيب وخطيبتك!

سحب أنفاسه على مهل ثم زفرها رويدًا، أدار وجهه لها بعد توقف بالسيارة على جانب الطريق المُبتل من أثر الأمطار الغزيرة التي مازالت تهبط، أمسك بكف يدها بحنان ثم أردف بحب خالص أهلك فؤاده: آه بحبك يا سجود، بحبك ومش من يوم ولا اتنين، بحبك من زمان أوي وأنا اللي كنت مغفل ومفكره حب أخوي، لكن لأ، طلعت بحبك عشان انتِ سجود مش عشان أختي، ولو كنتِ حسيتي باللي حسيت بيه وأنا شايف الإسعاف شايلينك وانتِ بتنزفي دم كنتِ هتستغربي حالتي، كنت هتشوفي معتصم تاني خالص، أنا بحبك يا سجود، بحبك ومحبتش حد أدك.

كانت تستمع له بأنفاس مُلتهبة، تشعر بأن الهواء يطبق عليها، تشكلت طبقة من العبرات على عيناها، تُفكر هل سيأتي يوم وسيتخلى عنها لأنها قبيحة! هل سينبذ من مظهرها البشع هذا! هل سيندم على زواجه بها يومًا! وهُنا عادت كل الهواجس تدور برأسها مرة أخرى دون هوادة، لتنفي برأسها مُسرعة تقول بنفي: لأ. لأ وأنا مش موافقة.

حدجها بصمت وجمود وكأنه لم يستمع لإجابتها، أدار مُحرِك السيارة بهدوء، ثم أردف ساخرًا: أنا مش باخد رأيك يا روحي، أنا بعرفك بس إني هتجوزك.
حدجته بدهشة ولم تقدر على الحديث، وكأن لسانها شُلت عضلاته وتوقف عن العمل، لاحظ تطلعها المستمر به وأراد العبث معها قليلًا، فغمز لها بمشاكسة قبل أن يردف بمكر: طب إيه بقا!
قطبت جبينها بتعجب ولم تفقه إلى ما يرمي إليه، لتتسائل بإستغراب: إيه!

ليعود إلى عبثه وحديثه الغير برئ بالمرة مُتشدقًا بخبث: يعني أنا وانتِ لوحدينا والدنيا بتمطَّر والطريق فاضي يعني الجو هيخلالنا.
عادت لتتسائل ببلاهة: يعني عايز إيه برضه مش فاهمة!
طب بذمتك مش نفسك ترجعي لأبوكِ وانتِ شايلة في بطنك حِتة نونو صغير كدا يقوله يا جدو؟

شهقت بعنف من حديثه الوقح والمباشر بذاتِ الوقت، لتتحول من فتاة وديعة تتحدث بهدوء، إلى أخرى سوقية تتحدث بردح: نعم نعم يا روح أمك! لأ بقولك إيه أقف عِوج واتكلم عِدل بدل ما وديني أقطع جتتك دي حِتت حِتت وميعرفوش يلموك عشان يدفنوك زي باقي المخاليق.

رمش معتصم بعينه عدة مرات بعدم تصديق، طريقتها وحديثها دَبَّ الرعب بقلبه لتجده يبتسم بتوتر خائف، تلاه حديثه المُتلعثم: م. مالك بس يا سجود يا حبيبتي! دا أنا بهزر معاكِ.
جاؤه صوت صراخها المُحذِر: لأ متهزرش ياخويا وخلينا نوصل بسرعة بقى حفاظًا على سلامة الجميل.
هز رأسه بالإيجاب وهو يكاد لا يُصدق بأنه خُدِع بها وبهدوئها، همس لنفسه بحسرة وهو يكاد يبكي: إيه اللي عملته في نفسك دا يا معتصم! حبيت قتالة قُتلة!

طرقت غزل على باب منزلها بمرح ثم انتظرت قليلًا حتى فُتح باب المنزل، ليظهر من خلفه والدتها، التي ما إن رأتها حتى صاحت صارخة: غزل! يالهوي يالهوي يالهوي يالهوي!
تشنج وجه غزل بإستنكار من تلك الطريقة التي قابلتها بها والدتها، جالت الأفكار الشيطانية بعقلها الصغير، لتشرأب برأسها داخل المنزل مُردفة بسخط: إيه يا ماما مالك اتخضيتي كدا ليه! لتكوني بتخوني بابا ولا حاجة!

وضعت فوزية يدها على فاهها مُتشدقة بعدم تصديق: هي، هي بسفالتها بطولة لسانها هي.
أنهت حديثها ثم اندفعت إلى أحضان إبنتها مُهللة بفرحة: بنتي! حمدالله على السلامة يا نور عيني.
أحطاتها غزل بحب والتي أردفت بتهكم: بعد إيه بقا يا حَجة! دا انتِ كان ناقص تديني بالشبشب.

في هذه الأثناء أتى والدها من الداخل مهرولًا عندما استمع لصوت ابنته، دفع فوزية بعيدًا ثم أخذها في أحضانه يُغرقها بوابل من القُبلات، حدجته فوزية بغيظ ثم صرخت به: بتعمل إيه يا إبراهيم! في حد يزق حد كدا!
قهقهت غزل عاليًا ثم خرجت من أحضان والدها غامزة لوالدتها: متزعليش يا زوزا، دا انتِ اللي في القلب، هو بس الحماس خده شوية.

دلفوا للداخل ثم جلسوا على الأريكة براحة، نادى إبراهيم بصوت عالي على إبنته الأخرى ميران والتي تعشق النوم كعيناها، خرجت ميران من غرفتها وهي تتثائب بضجر، ثم تحدثت مُتأففة: عايز إيهويا بابا! هو الواحد ميعرفش ين، غزل!
قالت الأخيرة بتعجب شديد، وثوانٍ وكانت تصرخ بحماس قبل أن تنطلق لها مُرتمية بأحضانها: غزل.
تحدث غزل بأنفاس مكتومة وهي تمد يدها تستغيث بوالدها: إلحقني يا بابا هتفطسني.

سحب إبراهيم ميران بعيدًا والتي كانت تتشبث بالأخرى كالعلقة، فتحدثت بسخط: سيبني يا بابا أحضنها وحشتني.
أجلسها جانبه بعد مُعاناة لإسكاتها، ثم أردف مُستنكرًا: ولو مسبتيهاش دلوقتي هتوحشك للأبد ياختي.
مطت ميران شفتيها بضجر ناظرة لشقيقتها بإشتياق، فلاحظت غزل نظراتها تلك؛ لذلك هبَّت من مكانها جالسة بجانبها على الأريكة، ثم قبَّلت وجنتها بقوة آلمت الأخرى، مُتحدثة بحنين: وحشتيني يا بتاعة محمود.

تحول وجوم وجهها إلى إبتسامة بلهاء سعيدة للغاية، مصمصت فوزية على شفتيها، ثم تحدثت ساخطة: شوف البت ومُحنها، مجرد ما جابت سيرة حبيب القلب وشها بقا يطلَّع قلوب.
هُنا وتحدثت ميران بوَلَه: حودة.
زجرها والدها الذي تحدث بحدة: ما تتلمي يا بت بقا، أنا مش عارف انتِ طالعة سافلة لمين!

وعلى ذِكر السفالة. تذكرت غزل ذلك الوقح الذي تعشقه، لتتشكل على ثغرها إبتسامة بلهاء هي الآخرى، تتذكر حديثه، عبثه، مكره، ولُطفه، وحنانه، تذكرت كُل شئ.
فاقت من شرودها على صوت والدها الذي سألها مُستفهمًا: هتمشي إمتى يا غزل!
اتسعت ابتسامتها ثم أجابتهم بما لجم ألسنتهم وجعلهم في حالة صدمة وعدم تصديق: لأ ما أنا خدت براءة.

جلس ريان وحوله جميع أفراد العائلة من رجال ونساء، ثم روى لهم ما حدث بالتفصيل ولم يغفل عن أي شئ، كان يجلس على قدمه مدثر والذي اشتاق لوالده كثيرًا، وعلى القدم الأخرى تجلس لوچي بالطبع، انتهى من سرد ما حدث براحة ليُربت بكر على قدمه مُردفًا بحنان: حمدالله على سلامتك يا حبيبي، نورت بيتك من جديد.
أجابه ريان بود حقيقي: الله يسلمك يا عمي، ربنا يقدرني وأردلكم كل جمايلكم دي.

تلك المرة تحدث سلطان ينهره بحدة: إيه واد الكلام دا! دا انت عندك بدل الأب تلاتة وانت عندنا في غلاوة ولادنا وأكتر.
التمعت عيني ريان بتأثر من حديثه، ف لكم يحمل لهم الإمتنان والحب لما فعلوه معه بلا مُقابل، لف فارس ذراعه على كتفه ثم تحدث بشغب: وهنرجع لأيام زمان وشقاوتها يابن الطحاوي.

ضحك الجميع بمرح، فهبت ماجدة تهتف بحماس وهي تنظر ل ريان: أنا هقوم أعملك دلوقتي الرز بالبلن اللي انت بتحبه وصينية مكرونة بشاميل تاكل صوابعك وراها.
ابتلع ريان ريقه بجوع، ثم وقف وذهب لإحتضانها مُردفًا بحب: تسلميلي يا جوجو والله، الوحيدة اللي حاسة بيا.
قاطعهم فارس بعد أن حمحم بجدية: اقعدوا دلوقتي عايز أقولكم حاجة مهمة، وبالذات لبابا وأعمامي.

عاد ريان وماجدة لمكانهم مرة أخرى، ليأخذ فارس نفسًا عميقًا قبل أن يردف بهدوء: دلوقتي أنا شايف إن العداوة بين عيلتنا وعيلة أبو زيد ملهاش لازمة، كرهناهم بما فيه الكفاية وكل اللي احنا عيشناه كان مُجرد كِدبة احنا عايشينها.

أنصت له الجميع وعلى محياهم ترتسم الصدمة جلية على وجوههم، عدا زهر التي كانت تعلم كل شئ من البداية، هنا وخرج صوت سلطان الغاضب: انت. انت بتقول إيه يا فارس! انت اتجننت! دول هما السبب في قتل أمك وطلاقها مني.
هز فارس رأسه نافيًا وعادت الأجواء تطبق على أنفاسه من جديد: لأ يا بابا مش هما السبب، نجدت الكلب هو السبب الوحيد وكُرهنا عمانا عن الحقيقة.

هبَّ سلطان من مكانه صارخًا: لأ انت أنت أكيد اتجننت أو حصل لمخك حاجة، مين اللي لعب في عقلك وقالك الكلام دا! بالسهولة دي نسيت أمك!
نفرت عروق فارس بشدة من حديث أبيه المُهين، ثم انتفض صائحًا بغضب: لأ منستهاش. ومش هنساها، وأنا مش عيل صغير عشان حد يضحك عليا بكلمتين.
بات المكان مشحونًا وكلًا منهم مُستعد للإنقضاض على الآخر، وقف ريان بجانب صديقه قائلًا بهدوء لتهدأته: إهدى يا فارس، أكيد عمي ميقصدش.

هُنا وصعد صوت سلطان يهتف بحقد: لأ أقصد، العيلة دي هي اللي دمرت حياتي، وكلهم مشتركين في نفس الذنب لما وقفوا جنب أخوهم وبيداروا عملته الوسخة.

تلك المرة صعد صوت زهر المُدافعة بإستماتة عن زوجها: لأ يا عمي مكانوش يعرفوا، و نجدت كان ظاهرلهم بشكل الملاك البرئ وهو عكس كدا، وطبيعي أي عيلة لما يلاقوا إبنهم الطيب الغلبان مُتهم بحاجة زي دي هيدافعوا عنه، وأكيد لو حصل عندنا نفس الموقف انتوا هتعملوا كدا وأكتر عشان تثبتوا براءة أخوكم اللي ظاهرلكم بشكل البرئ الطيب.

إزدادت الأجواء إثارة بعد الحديث الذي رمته إليهم زهر، وكُلًا منهم بات يُفكر في حديثها، ماذا لو وُضعوا بنفس الموقف! هل سيُدافعون عن أخيهم أم سيتركوه حتى ولو كان مُخطئًا، وهنا جاءت الإجابة على هيئة طرقة على باب المنزل، تبعه دخول شاكر الذي جاء بناءً على طلب فارس.
ورغم الإشتياق البادي على وجوههم عقب دخوله، تحدث بكر بحدة وهو يُشير إليه: انت إيه اللي جابك هنا! أنا مش قولتلك رجلك متخطيش المكان دا تاني!

صدح صوت فارس يُبرر وجود شاكر حتى لا تتفاقم المشكلة: أنا اللي قولتله يجي يا عمي.
حدج سلطان ابنه بحدة جاززًا على أسنانه ولم يُعقب، نبض قلبه بألم عند تذكره لعشقه المفقود ل ميادة، حبه الأول والذي انتهى بعد زواجهم بعدة سنوات، يحمل لها كل الحب حتى بعد وفاتها، يشتاق إليها ويلعن نجدت دائمًا لِما سببه له من وجع، ورغم مرور السنوات وإبتعادها قبل موتها، مازال يحمل لها العشق بين طيات قلبه المُعذَب بحبها.

وعلى بُعد خطوات منه، كانت تقف ماجدة وتدرس ملامح وجهه الحزين بقلب مُتألم، أحبته منذ زمن ليتحول الحب إلى عشق وهو مازال يحب ميادة، حتى بعد مماتها لم تستطيع الحصول على مكانتها، لكن وجوده بجانبها يكفيها، بل وإحترامه وحنانه عليها أيضًا يكفيها، ورغمًا عنها تشعر بالغيرة من صديقتها المُتوفاه.

تجاهلهم شاكر جميعًا، ثم ذهب للجلوس على الأريكة المُفرغة من أماكنهم، نظر حوله بهدوء لتلتقط عيناه إحدى نساء العائلة والتي لم تكن سوا سميحة، فأردف ببرود يطلب منها: لو سمحت يا أم معتصم كوباية شاي أصلي مصدع.
وضع ريان يده على فمه يكتم ضحكته التي لا تتماشى مع الموقف بتاتًا، نكزه فارس بجانبه قائلًا وهو يجز على أسنانه: اسكت الله يخربيتك هتفضحنا.

خرج صوت ريان مكتومًا وهو يُجيبه: عمك شاكر دا مستفز بأمانة يعني.
أكد عليه فارس مُومئًا، يُحاول الثبات على ملامح وجهه الصارمة وعدم النظر إلى ريان وإلا سينفجر ضاحكًا لا محالة.
ذهبت إهداء بدلًا من سميحة تاركة تلك الأجواء المتوترة التي لا تُحبذها بالمرة، ليستغل شهاب ذهابها وإنشغال الجميع، ثم ذهب خلفها.
ردد بكر كلماته بعدما جلس بالمقعد المُجاور ل شاكر: مقولتش إيه اللي فكرك بينا يا شاكر!

تنهد شاكر مطولًا، ثم نظر لأخيه سلطان بهدوء، ثم أردف: جاي أقولكم الحقيقة اللي رفضتوا تسمعوها مني زمان.
صدح صوت سلطان حاقدًا وعيناه تشتغل بالغل: الحقيقة كلنا عارفينها يا شاكر، متحاولش تدافع عنهم وتبررلهم زي ما عملت زمان وحاولت تدافع عن صاحبك ال.
أشار له شاكر للمقعد، ثم تحدث بسخط: اقعد يا سلطان ومتبقاش عامل زي الحمار المتهور كدا.
شاكر. إلزم حدودك.

عدَّل شاكر من حديثه ساخرًا: لو سمحت اقعد يا أستاذ سلطان عشان أتنيل وأقول الكلمتين اللي أنا جاي أتزفت وأقولهم.
جلس سلطان بجانب بكر بتأفف، و فارس وريان جلسوا على المقعدان الآخران، والنساء تقف في الخلف تُراقب ما يحدث بتمعن، بينما مدثر ولوچي اختفوا من الأرجاء تمامًا!

بدأ شاكر بسرد ما حدث بالماضي تفصيليًا وهذا ما رواه ل فارس تحديدًا، كان يُراقب ردات فعلهم التي كانت ما بين غاضبة، حانقة، مصدومة، وأخيرًا حزينة، وكأن ثقلًا ما أُزيح من فوق صدره عندما صرَّح بتلك الكلمات وهذا الحديث الجاثم فوق فؤاده، بينما سميحة تحولت نظراتها ل فارس تلقائيًا، فقد كانت تمقته بسبب فِعلة والدته الشنيعة، والآن باتت الحقيقة ظاهرة أمام أعين ومسمع الجميع، أنبت نفسها على مضايقتها له كل تلك السنوات، وهو مَن كان يحتاج للرعاية والحب، حاولت إخفاء عِبراتها عن الجميع، لكن قد إلتقطها فارس وانتهى الأمر.

أنهى شاكر حديثه مُستمعًا لصوت سلطان المُتحدث بصدمة: يعني إيه! يعني كل اللي كُنا فيه دا كدب! يعني عيلة أبو زيد مكانوش يعرفوا زي ما نجدت قال قبل ما يموت!
هز شاكر رأسه نافيًا: لأ مكانوش يعرفوا، نجدت كان بيحاول يوهمكوا إنه ليه ضهر وهيساعدوه، بس هما مكانوش عارفين أي حاجة عن عمايله دي.
حدق بكر ب شاكر بصمت ثم أردف بعتاب: قولنالك ابعد عن سِكته يا شاكر بس انت اللي مسمعتش كلامنا.

خرج صوت شاكر نادمًا وهو يشعر بتلك الغصة المؤلمة التي تتكون في حلقه من جديد: كان صاحبي يا بكر، قالي إنه هيتغير بعد ما اتجوز ميادة الله يرحمها، بس حالته بقت أسوأ وبقا مريض بالشك بكل اللي حواليه، حتى أنا، أقرب واحد ليه شَك فيا إني بخونه ومعملش حساب للعيش والملح اللي كان بينا، بس هقول إيه ربنا يسامحه.
ربنا يسامحه!

نطق بها بكر بإستنكار ليصمت قليلًا، ثم أكمل حديثه بحدة: بعد كل دا! مش نجدت صاحبك دا هو السبب في بعادك عننا! مش هو السبب في إننا نقاطعك السنين دي كلها بسبب ماشيك البطَّال معاه! ياما حذرتك، وياما نبهتك، لحد ما كان هياخدك في سِكته، سِكة اللي بيروح فيها مبيرجعش، كان لازم تفوق وقتها وإلا كنت ضِعت معاه وبقيت مريض نفسي زيه بسبب نزواته القذرة.

أخفض شاكر رأسه للأسفل بحرج، يعلم بأن معه كل الحق في حديثه، ضرب بحديث عائلته عرض الحائط وذهب لمجالسة مَن هو فاسد ليسحبه خلفه، لكن أخواته لم يتركوه يضيع هباءً، تذكر ذلك اليوم الذي قام فيه بكر بضربه بقوة حتى نزف من أنفه، تبعه طرده من المنزل بأكمله حتى يستعيد عقله، شُرد في الشارع لبضعة أيام، حتى إستطاع المكوث مع رجل عجوز وحيد لديه شركة صغيرة لا يجد مَن يُديرها له، ليعمل بها ومن بعدها بات شخصًا آخر يُعتمد عليه، ابتعد عن نجدت وتلك الصُحبة الفاسدة، وذهب للعمل والبدء من جديد.

ذهب إليه بكر واضعًا يده على كتفه يُشدد من أزره، ثم تحدث بحنان وعيناه تجول على وجهه بإشتياق: وحشتني ياخويا.
أنهى حديثه عقبه احتضان شاكر له بقوة، تسللت الدموع لأعين الجميع لاإراديًا من ذلك المشهد المؤثر، ليخرج صوت شاكر المتحشرج: أنا أسف، والله أنا عِرفت غلطي ومن غيركم مسواش حاجة.

ربت بكر على ظهره بحنان ولم يُعقب، يُقسم إن تحدث بكلمة أخرى سيبكي أمام الجميع كالطفل الصغير الذي اشتاق لأخيه، خرج شاكر من أحضانه مُحاولًا الثبات، ثم إتجه بأنظاره تجاه سلطان متحدثًا بحزن: وأنا موحشتكش يا سلطان!

ظل سلطان على حالة الجمود والصمت ولم يُجيبه، بلغ الأسى من شاكر ثم اتجه ناحية باب المنزل ناويًا الخروج والذهاب من هُنا، ليجد يد تُعيقه عن الحركة ولم تكن سوى يد سلطان الذي تحدث بإشتياق: مهما عملت هتفضل أخويا الصغير يا حيوان.

احتضنه سلطان بحب مُشتاقًا لأخيه الأصغر، فمهما كَبُر سيظل صغيرًا مهما فعل، قاطع خلوتهم صوت ريان وهو يبكي بتصنع لإخراجهم من حالة الإكتئاب تلك: أنا كمان كان عندي معزتين، واحدة كبيرة وواحدة صغيرة، الكبيرة كانت بتعامل الصغيرة بحنان، زيكم بالظبط، الله يرحمهم.
كانوا ينظرون له ببلاهة وعدم فهم، ثواني وتحدث شاكر بسخط وهو يُشير له ولأخيه: قصدك إننا معيز!

ما هذا الموقف الذي أوقع ذاته به الآن! اللعنة عليه وعلى غباءه، نظر ريان حوله ليجد الجميع يُطالعه بإستنكار، ابتسم بتوتر ولا يعلم ما يفعل، لذلك تدخل فارس مُخرجًا إياه من مأزقه: ط. طيب احنا. هنطلع نولع الخشب فوق عشان نتدفى بقا. يلا في رعاية الله.

قال جملته ثم سحب ريان معه للأعلى لإشعال بعض الأخشاب، وعند خروجهم من باب المنزل انفجر كلاهما في الضحك الذي دام لعدة دقائق، ضرب فارس كفه بكف ريان ثم تحدث بضحك عالي وعدم تصديق: بتشبههم بمعيز! انت أهبل يابني!
توقف ريان عن الضحك قليلًا، ثم تحدث بإستنكار: إحمد ربنا. أنا كنت على تكة وهقول بدل معزتين. كلبين.

أرجع فارس رأسه للخلف وصوت ضحكاته يصدح في الأرجاء غير مُصدقًا تفكيره الغبي هذا، توقف كلاهما بعد دقائق ليست بالكثيرة، دقائق تمنوا فيها أن تدوم طويلًا كُلًا منهم يُساند الآخر، وبالنهاية ستظل أعظم إنتصارات الإنسان؛ هو تكوينه لصديق يكون معه في كل الأوقات دون كلل.

وعلى الجانب الآخر، بمجرد ما رآها تدلف للمطبخ؛ حتى استند على عكازه ثم دلف خلفها بهدوء حتى لا يُثير شك مَن حوله، وقفت إهداء تُعد قِدح الشاي من أجل عمها وهي تدعو داخلها أن تمر تلك الليلة على خير، أرادت الذهاب من تلك الجلسة التي تُصيبها بالتوتر لذلك فضلت الولوج للمطبخ، شعرت بحركة خافتة خلفها، فالتفتت مُسرعة لتجد شهاب أمامها.
تنفست الصعداء ثم حدجته بهدوء سائلة إياه: جاي هنا ليه!

ثبَّت أنظاره عليها لبضعة ثوانٍ ولم يُجيبها مما أشعرها بالتوتر، اقترب رويدًا حتى وقف أمامها مُباشرةً يُطالع تقاسيم وجهها التي يعشقها بتمعن، سرت القشعريرة في جسدها من نظراته تلك، خاصةً عندما رفع يده ليُمسك بكفها، ثم تحدث برجاء: مش كفاية بُعاد بقا! مهونتش عليكِ المدة دي كلها وانتِ شيفاني بتعذب وأنا بعيد عنك!

أغمضت عيناها تُحاول السيطرة على هذا الدوار الذي داهمها، فهي من هؤلاء الأشخاص الذين تُصيبهم الرهبة عند وجود شخصٌ بجانبها، وفوق كل هذا يأتي ليرمي على مسامعها ذلك الحديث الذي ذكرَّها بما مضى، ذكرها بخيانته لها مع إحدى الفتيات، سحبت يدها بحدة من يده ثم ابتعدت عنه بالقدر الكافي مُتحدثة بحدة:.

لا مهونتش عليا، عشان أنا كمان مهونتش عليك، تقولي بحبك وهتقدملك وتاني يوم ألاقيك بتكلم بنات كتير غيري! فين الحب في كدا! بتخدعني وبتخدع نفسك وتقول حب! لو الحب عندك مفهومه كدا أنا مش عايزاه.
نفى برأسه وهو يُبرر لها: واللهِ من بعد خناقتنا اليوم دا أنا قطعت علاقتي بكل البنات اللي بكلمهم، صدقيني والله أنا مش بحب حد أدك، وبسبب عنادك وافقتي على العريس اللي متقدملك بالعند فيا، ومحستيش بالنار اللي جوايا.

لأ. حسيت يا شهاب، حسيت وقررت أدوقك من نفس الكاس اللي دوقتهولي، وبدل ما كنت أقهرك كنت بقهر نفسي معاك، خيانتك ليا مش هتتنسي بسهولة.
اقترب منها مرة أخرى ثم أمسك بيدها رغمًا عنها: أقسملك بالله أنا من بعد اليوم دا مسحت كل حاجة تخص البنات دي، مبقاش في غيرك قدامي، مفيش واحدة قِدرت تملى عيني زيك، اعتبريه طيش شباب وسامحيني، عشان خاطري سامحيني، أنا تعبت وقلبي تِعب من البُعد.

هبطت دموعها بأسى على حالتهم، ليمسحها هو بطرف أصابعه قائلًا برجاء: سامحيني لو ليا خاطر عندك، سلمحيني وهخليكِ أسعد إنسانة في الدنيا دي، ومستعد أخرج دلوقتي وأطلبك من أبوكِ وأبويا، أنا معنديش أغلى منك.

طرق قلبها بعنف من قُربه المُهلك لقلبها، حاولت طيلة العام أن تنساه لكنه يترسخ بعقلها أكثر، تعشقه بكل ذرة في جسدها، هو حبيب طفولتها ومُراهقتها ونُضجها، هو حبيب كل الأيام، قررت الإستسلام لعشقه، وما عليها سوى الإستسلام، فقلبها وعقلها يُخبرانها بالمسامحة، ولأول مرة يتفق القلب والعقل معًا.
هزت رأسها بنعم ثم أخبرته هامسة بصوت مُتحشرج: هسامحك يا شهاب، هسامحك للمرة الأخيرة، بس بعد كدا ه.

قاطعها مُهللًا بسعادة وإبتسامة واسعة ترتسم على ثغره: مفيش المرة الجاية، فيه حب ودلع وجواز بس، لموأخذة هستأذن أنا بقا أطلبك من أبوكِ، يا قاتل يا مقتول النهاردة.

وصل معتصم أمام منزلها وطوال الطريق كان يلتزم الصمت خوفًا أن تقتله تلك التي اعتبرها وديعة، هبط من السيارة بهدوء، بينما هي التفتت للناحية الأخرى وودت الضحك حقًا على تعابيره، لقد صدقها! مختال هذا أم ماذا!

وصلت سيارة طه بعدهم مباشرة، والذي ما إن هبط منها حتى ذهب راكضًا إلى معتصم ينوي تعليمه درسًا لن ينساه، رآه معتصم يأتي تجاهه فهرول راكضًا إلى منزله قبل أن تطاله يد طه، ورغم هذا وصله حديثه الغاضب المُعنف له: لو شوفتك قُريب منها تاني هقطع خبرك.

لم يُعيره معتصم إنتباهًا بل وضع يده في جيب بنطاله الأسود مُستعدًا للصعود، ولكن قبل أن يلتفت سدد لها غمزة من عينه المشاكسة جعلها تنصهر من الخجل، أشار عابد بغيظ له موجهًا حديثه لوالده: شايف يا بابا قلة أدبه!

سبقتهم أميرة للأعلى تهز رأسها بيأس من تلك الأفعال الطفولية التي يقوم بها ثلاثتهم، صعدت الدرجات بروية وهي تُفكر في ذلك ال معتصم العاشق لإبنتها وعشقه ظاهر للعِيان، تشكلت إبتسامة حنونة على ثُغرها مُتذكرة وقوفه بجانبهم طيلة الأسبوع، هو أنسب شخص لإبنتها، سيستطيع تعويضها عن الأذى النفسي الذي مرت به بحياتها.

انمحت إبتسامتها عندما وجدت باب شقتهم مفتوح قليلًا، بالأساس يجب أن تغلقه تسبيح كما تفعل عادةً، لكن ما الذي تغير تلك المرة!
فتحته بهدوء ثوانٍ وأطلقت صرخة عالية عندما وجدت إبنتها مُلقاة على الأرض تُقاوم ذلك الذي يُحاول بالإعتداء على جسدها قِصرًا،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة