قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثلاثون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثلاثون

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثلاثون

عليك توقع الخذلان من الجميع حتى لا تُصدم، الخذلان من الأصدقاء، الأقارب، وحتى العائلة، باتت القلوب مُحملة بالحقد لذا لا تستعجب أفعالهم أو أقاويلهم التي مثل السهام، لذلك الحل الأسلم للجميع هو الإبتعاد.

مشهد ابنتها وهي مُسطحة على الأرض الصلبة الباردة ويعتليها إبن عمها أحمد جعلتها تُطلق صرخة مدوية مُفزعة سمعها الجميع، حتى ذلك الذي يعتدي على حُرمة منزله سمعها هو الآخر، لينتفض بفزع مُبتعدًا عنها عند صراخها.

انزوت تسبيح جانبًا وكل ذَرة بها ترتعش من الخوف، ظلت تبكي وتصرخ دون وعي وكأنها تُقاومه، حتى جُرحت حنجرتها من عِلِّو صرخاتها، نظرت على جسدها تُلملم ملابسها المُمزقة بهستيريا وعقلها مازال غير واعٍ، سيعتدي عليها، سيُنهيها لامحالة.

أتى كُلًا من طه وعابد ومعتصم الذين استمعوا للصراخ أولًا، ليجدوا أميرة مُمسكة بإحدى العصا الخشبية هابطة فوق جسد أحمد بلا رحمة، صرخت بعلو صوتها وهي تضربه بغل: يا حيوان بتعتدي على شرفك يا زبالة!

رأت سجود والدتها هابطة على أحمد تضرب بأماكن مُتفرقة في جسده وهو يُحاول دفعها لكن لا يستطيع، فلقد تضاعفت قواها واشتعلت النيران تضرب بجسدها عِند رؤيتها لمظهر إبنتها ومُحاولاتها المُستميتة للدفاع عن عرضها، وهُنا تحولت لوحشٍ كاسر يصعب السيطرة عليه.

دلفت سجود مُسرعة تُحاول دفع والدتها عن أحمد الذي يصرخ طالبًا الإستغاثة، لكنها توقفت مصدومة وتشنج جسدها بعنف عِند إستماعها لصوت صرخات شقيقتها الهستيرية، استدارت لها؛ لتتصنم من مظهرها المُشعث وملابسها المُمزقة، ابتعدت عنهم ثم هرولت إليها بسرعة تجلس أمامها القرفصاء، قبل أن تتسائل بفزع: ت. تسبيح مالِك!

لم تسمعها من الأساس، بل كانت تُقاومه في عقلها، تترجاه أن يبتعد عنها، سيكسرها للأبد إن فعلها، بالأصح سيذبحها مدى الحياة، لكنه لم يرضخ وعيناه تجول على جسدها بشهوة مُقززة، تلك العقاقير التي قام بأخذها لنسيانها فعلت العكس به لتجعله في عدم وعيه، يُحبها. بل يعشقها ولهذا سيحصل عليها، خاصةً بعدما رفضته ليلة أمس، كَتفها من ذراعيها ويده الأخرى تجول على جسدها تستكشفه، ظلت تصرخ وتستغيث لكنه كتم فمها وأكمل ما يفعل، عقله غائب وعيناه لا ترى سوا ما يُريد، وهُنا غاب كل شئ حوله، حتى صرخاتها.

ضربت سجود على وجه شقيقتها بضربات خفيفة حتى تستفيق لها، والأخرى تصرخ لا ترى سواه، وعندما يأست صرخت بها بقوة ثم رفعت كفها وهبطت به على وجنتها بقوة صائحة بها لتنتبه لها، وأخيرًا خرجت تسبيح من الحالة التي تلبستها ناظرة لشقيقتها بنظرات زائغة مُلتاعة، هدأت نبضاتها عندما رأتها أمامها، لترتمي بأحضانها وصوت بكاؤها يعلو شيئًا فشيئًا، وكأنها تشكو لها على مرارة ما عايشته منذ لحظات، وتلقائيًا تجمعت الدموع بعينيّ سجود، تشكر بآلام توأمها، وكيف لا وهي نصفها الآخر وقطعة من روحها!

ظلت تُهدهدها بكلماتها المُطمئنة ويداها تجول على ظهرها، والآخرى تُعانقها تحتمي بها، تشكو لها قساوة العالم، قبَّلت سجود جبينها ثم عادت لإحتضانها مُجددًا، وعيناها تُتابع عائلتها الذين يُلقِنون أحمد درسًا لن ينساه طيلة حياته.

أمسكه عابد من ياقة ملابسه يهزه بعنف، بعدما تيقن مغزى كلمات والدته، وهو تعديه على شقيقته الصغيرة، ألقى ما بيده مُبعدًا أميرة عنه، ثم سدد له لكمة قوية أطاحت برأسه مما جعل صوت صراخ الآخر يعلو بقوة أكبر، مما جذب جميع أهالي المنطقة، لم يعي أحمد أي شئ مما حوله بسبب تخدره، وكل ما كان يستمع له هو سباب عابد اللاذع، بينما طه كان يُطالعه بصدمة وقد شُل جسده عن الحركة تمامًا.

في تلك الأحيان. كان كُلًا من ريان وفارس يجمعون الحطب فوق سَطح المنزل، عندما وصل إليهم صوت الصراخ والبكاء من المنزل المقابل لهم، انقبض قلب ريان هلعًا عند تخيله بإصابة غزل بمكروهٍ ما، حدجه فارس بتمعن فتسائل بإستغراب: إيه صوت الصويت دا!
ألقى ريان بلوح الخشب على الأرض، ثم هرول للأسفل تزامنًا مع قوله القلق: مش عارف، تعالى نشوف في إيه.

تبعه فارس دون تفكير هو الآخر، فقابلهم جميع العائلة التي استمعت إلى صوت الصراخ، حدجهم بكر بقلق: إيه دا يا ولاد! الصويت دا جاي منين!
تركهم ريان مُهرولًا ولم يُجيبه، فتحدث فارس بعجلة شارحًا لعمه: جاي من عند عيلة أبو زيد يا عمي، شكل في مشكلة جامدة.

قال جملته ثم اتبع ريان الذي ولج للمنزل سريعًا، كذلك هبط جميع رجال العائلة لرؤية سبب هذا الصراخ، ومساعدتهم إن لزم الأمر، صعد ريان درجات السلم ركضًا فتقابل معها، وكأن الراحة والطمأنينة عادت لقلبه عند رؤيتها بكامل صحتها أمامه، جالت عيناه عليها يتأكد من عدم إصابتها بشئ، ثم تسائل بلهفة: غزل. حصلك حاجة!

رأت الخوف والهلع بعينه، حتى أنها تكادُ تُقسم بأنه على وشك البكاء إن كان السبب يخُصها هي، أجابته بحنان بينما قلبها ينهشه القلق: أنا كويسة وبخير والله، بس مش عارفة في إيه عند عمو طه، بابا دخل يشوف عشان الباب مسدود بالرجالة.

بثَّ حديثها الراحة لقلبه، كاد أن يُجَن حقًا من قلقه عليها، لن يستطيع العيش بدونها، أصبحت تُمثِل كل عائلته، هي الأقرب لقلبه والأكثر حنانًا، هي الأوفى والأحق به، هي عالمه المُضئ بضحكاتها وأحاديثها، هي دُنياه!
أخرجه من شروده بها صوتها ونظراتها بها الكثير من الرجاء: ريان بالله عليك ادخل شوف في إيه، صوت الصريخ بيزيد وأنا هموت من القلق ومش هعرف أدخل.

أومأ لها بأعين لامعة وحديث حنون لكي يُطمئنها: متقلقيش يا قمري، هدخل وأشوف في إيه وكل حاجة هتبقى كويسة بإذن الله.
جاء بتلك الأثناء فارس وهو ينهج بشدة من ركضه، ألقى نظرة عابرة على غزل ثم حوَّل نظره ل ريان يسأله: خير! إيه اللي حصل!
هزَّ ريان رأسه بجهل ثم سحبه معه قائلًا: معرفش. تعالى نشوف في إيه.

حاولوا السير وسط جموع الرجال المُلتمة حول باب المنزل، حتى وصلوا إلى عتبه المنزل أخيرًا، وحينها تناهى إليهم صوت عابد الصارخ بقوة، حتى ظن مَن يسمعه بأنه تحوَّل إلى وحش يَصعُب السيطرة عليه: واللهِ لهقتلك يا زبالة، بتعتدي على دمك يا وسخ!

وما إن وصل مغزى كلماته لهم، حتى إستدار فارس يُراقب الرجال الذين يريدون معرفة ما سبب ذلك العِراك الدائر بين الأقارب، ليُنشر ذلك الخبر في الأرجاء بعد ذلك، رسم فارس ضحكة صفراء على وجهه مُوجهًا حديثه إليهم قبل أن يُغلق الباب بوجوههم بوقاحة لا مُتناهية: مشاكل عائلية وهيحلوها. عن إذنكم يا رجالة.
وبالخارج. استدار بكر ل سلطان مُتحدثًا بسخط: ابنك دا مش متربي يا سلطان، بيقفل الباب في وشنا!

وافقه سلطان على رأيه مُطالعًا الباب بإستنكار، ثم جذبه من معصمه قبل أن يردف بقلة حيلة: تعالى نمشي دلوقتي ونيجي بعدين، وقوفنا هنا ملوش لازمة.

وبالداخل. حاول خليل جذب عابد من فوق إبنه بحدة، وإلى الآن لا يعلم سبب تلك الثورة التي تلبسته.
ذهب إليهم ريان مُحاولًا إنتشال ذلك الذي كاد أن يفقد وعيه من شدة الضربات، أمسك ب عابد من الخلف مُقيدًا حركته، والآخر يتحرك بين يديه بهستيريا يريد الإفلات ليقتله، وما يُزيد من غضبه هو مظهر شقيقته المُرتمية بأحضان والدتها التي تُشاركها في البكاء.

يأس عابد من تقييد ريان له، فصرخ بوحشية: سيبني، وديني لهقتله، مش هسيبك يا وسخ.

جلس طه بقلة حيلة، شاعرًا بالدوار والصدمة بذات الوقت، وكأن كل شئ إنهار فوق رأسه ولا يستطيع المقاومة، وبنظرات زائغة طالع شقيقه الذي يُحدق بإبنه بصدمة واضحة، لا يُصدق حتى الآن ما سمعه من عابد عن محاولة إبنه للإعتداء على إبنة أخيه، تجمعت الدموع في عينه ثم جلس أمام أحمد مُتحدثًا بتيهة: انت! انت يا أحمد تعمل كدا! وفي مين! في بنت عمك!

رمى أحمد برأسه على كتف والده، وفجأةً صدحت ضحكاته الواهنة في الأرجاء، وكأنه غير واعٍ لأي شئ، هبط معتصم لمستواه ثم أمسك بمعصم يده يقيس نبضاته، ثم تحدث بخفوت بعدما رفع نظراته للجميع: دا باين عليه شارب، نبضه بطئ جدًا ومش واعي للي حواليه.
هُنا وجاء صوت خليل الذي ينظر لإبنه بحسرة مُردفًا بعدم تصديق: ابني! ابني أنا بيشرب! مستحيل، يارب لأ، مش بعد تعبي وشقايا عشان أربيه يطلع كدا!

تعاطف معه الجميع حتى أخواته، ف خليل أفنى حياته كاملة له خاصةً بعدما توقفت زوجته على الإنجاب من بعده، فكرث وقته له ولزوجته، حتى أصبح شاب ناضج يُعتمد عليه، فلم يكن يعلم بأفعاله القذرة وحتى الآن، فكان ذلك بمثابة القشة التي قسمت ظهره، نظر إليه بإنكسار ثم هزَّ رأسه وكأنه حتى الآن لا يستوعب ما يُقال.

هدأ عابد قليلًا بعدما رأى حالة عمه المُحزنة للجميع، ليس له ذنب في أي شئ سوى أنه أنجب تلك النقمة، ذهب لشقيقته مُخرجًا إياها من أحضان والدتها قِصرًا، ليمسح لها دمعاتها بحنان قبل أن يسألها بترقب: عمل فيكِ حاجة!
علت شهقاتها، ثم هزت رأسها بالنفي، تلاها إرتمائه بأحضانه قائلة ببكاء: أنا. أنا خايفة.

هدهدها كطفل صغير يحتاج للأمان الذي افتقدته للحظات، وعيناه تجول بغل وحقد على أحمد الذي بين حالة الوعي واللاوعي، لمحته تسبيح بطرف عينها لتُغمضها سريعًا، قبل أن تردف بهمس: أنا عايزة أدخل جوا، مشيني من هنا.

إنصاع لرغبتها في الذهاب، خالعًا سترته الثقيلة ليُلبسها إياها بحماية، ثم جذبها من معصمها تجاه غرفتها لتحتمي بها، تبعته سجود والتي نظرت ل أحمد بإزدراء، لا تعلم كيف أحبته ولم تُلاحظ سلوكه المُنفر هذا! كيف وقعت بعشقه! ولاإراديًا تحولت حدقتاها ل معتصم، تتذكر وجوده ووقوفه بجانبها دون أن يمل أو يشكو، وتلك المرة إلتمعت عيناها، له ولأجله فقط!

خرج عابد من الغرفة بعدما تأكد من مكوث والدته وشقيقته وزوجات عماته بجانبها، و ثنية والدته فقط هي مَن تجلس على الأريكة بجانب زوجها تبكي بصمت، لا تعلم بما تُبرر فِعلة إبنها، ولا كيف ستُدافع عنه، ابتلعت ريقها الذي كان كالعلقم في حلقها، يبدو بأنها فشلت في تربيته، رغم حرصها التام على تقديم كل شئ له.

وتلك المرة رفع طه رأسه يُحدق الجميع بنظرات مُبهمة، قبل أن ينطق لسانه: أنا هرفع قضية على أحمد، هحبسه وهاخد حق بنتي.
قال جملته ثم وقف مكانه بوهن، والجًا لغرفته دون أن يُضيف كلمة أخرى، بينما خليل لم يقدر على التحدث، معه كل الحق في ذلك ولن يُمانع، بل سيجعل إبنه يدفع ثمن أفعاله.

جلب ريان بعض الماء ثم قذفه على وجه أحمد الذي يئن بألم، يشعر بألام متفرقة في جسده، خاصةً ذراعه، وإلى الآن لم يستعيد وعيه كاملًا، بل كان في ملكوته الخاص به.

بعدما عاد يزن للفيلا خاصته، صعد مُباشرةً لغرفته كي يرتاح قليلًا، فقط تمكن التعب من جسده كُليًا، مرت عدة ساعات مُستغرقًا بالنوم العميق، لتأتي هي وتقتحم أحلامه كيفما تقتحم واقعه، شعر بلمسات خفيفة على خصلاته وأصابع رقيقة تُدلك رأسه بلُطف، فتح عيناه بهدوء ليجدها أمامه بإبتسامتها التي يعشقها، ولا إراديًا ابتسم هو الآخر، هبطت له مُقبلة وجنته بإشتياق، ثم أردفت بعتاب: أهلًا بالأستاذ اللي ناسيني.

فتح جفونه ثم استند بذراعيه على الفراش، جاذبًا إياها من خصرها على غفلة، ثم تحدث بمشاكسة: بقا بذمتك حتى يبقى متجوز القمر دا وينساه!
وقالها مُمررًا نظراته على تفاصيل وجهها التي يعشق، بل يهيمُ بها عشقًا، اتسعت إبتسامتها بسعادة جليِّة على وجهها، فرغم مرور السنوات العديدة لم يقل العشق بينهم، بل يزداد جنونًا وشدة.

اعتدلت في جلستها تردف بهدوء لتتناسى خجلها منه: أومال كنت فين! أول مرة متباتش في البيت وتبات برا.

أعادها مرة أخرى لأحضانه مُقبلًا خصلاتها، ثم بدأ بقص ما حدث معهم دون أن يترك شيئًا دون أن يقوله، بينما هي كانت تستمع له بإنتباه، وهو يُراقب تعابير وجهها التي تتغير بين صدمة، ودهشة، وقلق، وأخيرًا راحة، قطبت جبينها بإنزعاج عند إنزعاجه، ثم تمتمت بضجر نابعًا من الخوف داخلها: مش كُنا قفلنا على الحوارات دي يا يزن! ليه بترجعلها تاني دلوقتي!

أجابها مُحافظًا على هدوئه: مينفعش أشوف حد محتاج مساعدتي ومساعدهوش يا ضُحايا، أنا أكتر واحد حاسس باللي عايزين مساعدة ومش لاقينها، عشان كدا ساعدت ريان، وعلى فكرة عزمتهم على عيد ميلاد ابننا اللي بكرا.

ابتسمت له بحنان شديد، فكم تغير عن ذي قبل وأصبح ذات شخصية عظيمة، على الأقل بوجهة نظرها، كم يزداد فخرها به كل يوم عن ذي قبل! هبطت لمستواه ثم قبلت وجنته مرة أخرى بقوة، كادت أن تبتعد فأحاط بخصرها بتملك، ونظرات الخبث والمكر تحوم في عينه الخبيثة، ليردف بعبث قبل أن يقترب منه بخطورة: راحة فين! انتِ مفكرة دخول الحمام زي خروجه!

اقترب منها ينوي إطفاء لهيب عشقه، لكن انفتح الباب فجأة؛ لتدخل تلك القصيرة سليطة اللسان وهي تشكو لوالدها بحنق: يا بابى تعالى شوف حل ل عمر وساهر أنا زهقت منهم.
سبَّ يزن ببذائة، ثم حوَّل نظره ل بيان التي تُطالعه بترقب وإنتظار، سائلًا إياها بإبتسامة صفراء وهو يجز على أسنانه: وعمر وساهر عملولك إيه يا حبيبتي!

ربعت يديها أمام صدرها، ثم أردفت بغيظ: بياكلوا الأكل بتاعي، غير كدا أصلًا ساهر عمَّال يبوس طنط رضوى قدامنا عشان هو قليل الأدب.

توحشت عيني يزن بغضب تلك المرة لضرب ساهر بحديثه عرض الحائط، فلقد أخبره كثيرًا ألا يتغزل بزوجته أمام أطفاله حتى لا يُفسد أخلاقهم، هبَّ من مكانه بحدة مُمسكًا بكف يدها ينوي الهبوط للأسفل، لكن قبل أن يخرج من الغرفة إستدار ل ضحى ثم سألها مُباشرةً: محتاجة أخوكِ في حاجة! يعني هتزعلي لو مات!
هزت ضحى كتفها بلامبالاة، قبل أن تردف بهدوء: لأ ملوش لازمة، اعمل اللي يريحك.

ارتسمت إبتسامة شيطانية على ثغره، والتمعت عيناه بالمكر الشديد، ثم أكمل الهبوط للأسفل بشر، وفي يده إبنته التي تبتسم بسعادة، وكأنها على وشك الفوز بإحدى الجوائز العظيمة.
وصلا إلى الردهة المطلوبة، فأشارت بيان على ساهر الذي يلف ذراعه حول كتف رضوى يُحاول مصالحتها، أمسك بقطعة الطعام ثم أردف بعشق: يلا يا روحي كُلي عشان اللي في بطنك، كدا يا رودي تشُكِ فيا إني بخونك! وتصدقي الحرباية الصغيرة كمان!

أشارت بيان لوالدها راسمة بإتقان ملامح البُكاء: شايف يا بابي بيقول عليا إيه! أنا عايزاك تجيبلي حقي دلوقتي.
توحشت عيني يزن قبل أن يصرخ بصوت عالي أفزع الجميع: انتوا يا حيوانات، يعني تاكلوا أكل البت وقُولنا طفحتوه، لكن أنا لا يُمكن أسمح بالمسخرة دي في بيتي أبدًا.

فزع عمر والذي كان يُغازل زوجته هو الآخر، نظر ل ساهر بنظرات مُبهمة، ثم صرخ به بحدة يُحاول إلقاء كل اللوم عليه: نش قولنا نبطل قلة أدب وسفالة! أنا مش فاهم انتوا مش طالعين محترمين زيي ليه!
تفوهت الصغيرة بحنق ووجه قاتم من الغضب: متكدبش يا عمر، انت قليل الأدب وكنت هتبوس طنط رزان قدامي.
لوى عمر شفتيه يُحدق بها بسخرية لازعة، ثم هتف بتهكم: عمر! حاف كدا! انتِ اللي متربية يا بنت يزن، ونعم الأخلاق ياختي.

ترك يزن يد بيان ثم اتجه إليهم ببطئ مُريب أثار حفيظتهم، وقف أمامهم مُباشرةً، وعلى حين غُرة؛ أمسك بكليهما من ياقة ملابسهما هاززًا إياهم بعنف: هو أنا مش قولتلكم شُغل قلة الأدب والسهوكة دا مش هنا! قولت ولا مقولتش!
تأفف ساهر يُحاول الفِكاك من إحاطته به: يا يزن كنت بصالح البت، مصالحهاش يعني عشان الحرباية بنتك!

زمجرت الصغيرة بشر ثم حدقت به بغضب، ونظرات يتطاير منها الشرر كوالدها تمامًا: احترم نفسك يا ساهر، انت اللي قليل الأدب، لو عايز تبوس مراتك بوسها فوق مش قدامي عيب!

تلوى ساهر مُنتويًا الخلاص من تلك الحرباء كما يُلقبها، ثم تحدث بردح وهو يُصفق بكِلتا يديه: عيب إيه يا أم عيب! وانتِ اللي زيك يعرف العيب يا حرباية! وكتاب الله لولا إن أبوكِ موجود أنا كنت علقتك على باب الفيلا وكل ما أخرج أو أدخل هلطشك قلم ينسيكِ إسمك يا حرباية، ما انتِ زي أمك.

وهُنا ترك يزن عمر، ثم إلتف ل ساهر ناظرًا له بجمود، وثوانٍ كانت صرخات الآخر تتصاعد بألم؛ عندما سدد له يزن لكمة وُجِهَت إلى وجهه بقوة، تلاه تحذير يزن الصارم: لو جبت سيرة أمها قدامي تاني أنا هعمل من وِش أهلك خريطة، انت سامع ولا لأ!
صعد صوت رضوى تُعنفه مُبعدة إياه عن زوجها: في إيه يا يزن! وهو حصل إيه لكل دا يعني!

لوى شفتيه بسخرية قبل أن يردف بتهكم: وحياة أمك! مش دا اللي كان بيخونك من شوية وكنتِ عايزة تطلقي منه!
تأففت رضوى ثم جلست جوار زوجها المُسطح على الأرض رامقة إياه بأسى، ثم تحدثت بحنان: لأ. ما دا طِلع سوء تفاهم وكنت ظالمة سهورتي، كان بيحاول يصالحني بس بنتك منها لله قطعت علينا اللحظة.

كز يزن على أسنانه بغضب، فأكثر ما يُغضبه هو الإخطاء بشخصٍ من عائلته الصغيرة، وهؤلاء يُثيرون أعصابه بشدة، تحدث من بين أسنانه مُحاولًا التحكم في ذاته قبل أن يفتك برأسها هي وزوجها الآن: هديكِ قلم يِلوِح رقبتك خالص، ملكيش دعوة ببنتي.

كادت أن تتحدث؛ فسدد لها نظرة أخرستها كُليًا، نظر على الجانب الآخر، ليجد عمر جالسًا على الأريكة يتغزل بزوجته بكلمات وقحة تُشبهه، لم يستطيع تلك المرة لجم غضبه، بل أمسك بالمزهرية الصغيرة ووجهها له، لتصطدم برأسه مُباشرةً.

لم يُعيره يزن أي إهتمام، لا لصرخاته المُتألمة ولا حتى لصرخات رزان الخائفة عليه، بل أمسك بيد بيان التي تُطالعهم بشماتة، ثم صعدوا للأعلى معًا، وعلى وجه كليهما نفس الإبتسامة الخافتة والجامدة بالوقت ذاته.

عاد الجميع لمنزلهم والصدمة تُزين وجوههم، خرج ريان من منزل طه، ليجد غزل وميران ينتظروه بالخارج مُترقبين ما سيحدث، سألته غزل بلهفة بعدما وجدته أمامها: ها يا ريان طمني!
متقلقيش كل حاجة تمام.
ارتاحت تعابيرها قليلًا، ثم عادت تسأله مُجددًا: أومال إيه صوت الصويت دا! بابا طِلع هو وماما ومش راضيين يقولوا حاجة.
جاء رد ريان وهو يقول ببساطة شديدة: ولا حاجة، أحمد ابن عمك حاول يغتصب تسبيح. بس.
الحمد لل، إيه!

قطعت حديثها بسؤالها الصارخ لا تُصدق ما استمعت إليه، جاء من خلفهم معتصم و فارس الذي تحدث بهدوء: يلا يا ريان، هنسيب أعصابهم تهدى شوية ونيجي نشوفهم بليل.
أومأ له ريان ببطئ ثم استدار لها قائلًا بمشاكسة ولُطف: هتوحشيني لحد ما أشوفك تاني، سلام يا غزالتي.

إحمَّر وجهها خجلًا وكادت أن تنصهر من الخجل، حمدت ربها بأن أولاد عمه قد ذهبوا قبله، لكن نظرات شقيقتها العابثة وكذلك محمود الذي دلف مؤخرًا؛ جعلتها تبتلع ريقها ببطئ، قبل أن تدلف لمنزل طه للإطمئنان على إبنة عمها.
سارت عدة خطوات ثم استمعت لحديث ميران العابث وكأنها تُوجهه إلى محمود: إشمعنا انت مش بتدلعني يا محمود وتقولي يا غزالتي!

التفتت لشقيقتها تُحدجها بإنزعاج، ثم أردفت بتحذير: إتلمي بدل ما أجيبك من شعرك.
ألقت بحديثها ثم تركتهم وتحركت للداخل، تاركة إياهم يضحكون على مُشاكستها، توقف ميران عن الضحك ثم نظرت ل محمود بعبث، مُتقدمة منه ببطئ، مما جعله يُناظرها بدهشة، فتح عيناه بصدمة عندما جاءه سؤاله الوقح مثلها تمامًا: ها يا حودة! أنا وانت لوحدينا والمكان فاضي، مش هتستغل الفرصة بقا!

نظر إليها بدهشة، ثواني وصعدت ضحكاته العالية تعم الأرجاء، فحاول كثيرًا إخفاض صوت ضحكاته التي لا تتماشى مع ظروف العائلة حتى نجح بصعوبة، توقف بعد فترة، ثم ضرب بكلتا لديه وهو يُردد بقلة حيلة قبل أن يتركها ويذهب: سافلة أقسم بالله.
سار عدة خطوات، ثم توقف ليلتفت لها، غامزًا إليها مُرددًا بحديث ذات مغزى: هستغل الفرصة يا ميرانِ، بس لما تكوني حلالي.

حين أردت أن أكون بعيدة، انتشلتني الأيادي السامة لعالمهم، عالم ملئ بالكره والحقد، أصبحت مُحاطة بجدار من الوحدة والكئآبة، وحيدة بلا عائلة أو أصدقاء، الظلام يملؤني من الخارج والداخل، شخص نكرة دون هوية، أبكي بصمت، أحزن بصمت، وأؤذي بصمت.

دلفت ني ين لتلك البناية العالية، تُطالعها بنظرات زائغة ومشاعر مُبهمة، اليوم ستخطي إلى طريق غير ذلك الذي سلكته، صعدت الدرجات القليلة بهدوء، ثم توقفت أمام المصعد ضاغطة على رقم أربعة، وبعد عدة ثوانٍ خرجت منه وهي تحمل حقيبتها دالفة لأحد الشقق المنزلية، والتي تحولت لعيادة نفسية كبيرة.
وقفت أمام السكرتيرة تسألها بهدوء: دكتور رامي النيري موجود!

رفعت الفتاة رأسها إليها ثم أومأت بنعم، لتُجيبها ني ين بهدوء: طيب عايزة أحجز معاد معاه.
أشارت لها المُمرضة لأحد المقاعد، قبل أن تتحدث باسمة: اتفضلي يا فندم أقعدي لحد ما أديله خبر، حظك النهاردة إن العيادة فاضية.
سددت لها ني ين إبتسامة مصطنعة لم تصل إلى عيناه، مُومئة لها بهدوء، تركتها الممرضة لدقيقة، ثم خرجت تُبلغها بإحترام: اتفضلي يا فندم، الدكتور منتظر حضرتك جوا.

وقفت ني ين محلها لثوانٍ، تُفكر في فعلتها تلك، والتي كانت تجول بعقلها منذ أسبوع.
دلفت للداخل بخُطى رتيبة، فوجدت طبيب مازال في مقتبل العمر، كانت تظن بأنه سيكون عجوزًا لمهارته كما قال لها البعض، لكن الواقع عكس توقعاتها، لاحظ تعجبها؛ فرسم إبتسامة خفيفة على محياه أظهرت نواجزه، ثم أشار لها للمقعد مُرددًا: اتفضلي يا آنسة.

اقترب منه بهدوء جالسة على المقعد المقابل لمكتبه الكبير نسبيًا، شبَّك كفيه معًا مُتقدمًا بجسده للأمام قبل أن يسألها: تحبي حضرتك تبدأي أول جلسة إمتى!
أجابته مُسرعة: دلوقتي لو تحب.
هز كتفه قبل أن يُجيبها بهدوء: وأنا معنديش مانع، اتفضلي.

قال كلمته الأخيرة ثم وقف من مقعده، وكذلك فعلت هي مثله، لتتمدد على مقعد الشازلونج المُريح، وهو يجلس على مقعد آخر بعيد عنها نسبيًا حتى لا يُقلقها، أمسك بدفتر ملاحظاته ناظرًا لها بهدوء، قبل أن يسألها مباشرةً: إيه هي مشكلتك!
حياتي هي المشكلة.

قالتها بألم تجسد في قلبها قبل أن يتجسد على محياها، راقب ردات فعلها، ك تقطيبة جبينها المنزعجة، ويديها التي تُشبكهما معًا تُدلكهما بعنف، إنفعالات جسدها الواهنة، وأخيرًا تلك العِبرات التي تكونت في حدقتاها، لا يعلم لما أثارت حفيظته تجاهها! تُراوده شكوكًا عن تعرضها للعنف من قِبَل أحدهم، لذلك سألها بهدوء وحدقتاه مازالت مُركزة على وجهها الجميل:
ليه بتقولي كدا! احكيلي عايز أساعدك.

ارتعشت شفتيها ببكاء وكأنها كانت تنتظر ذلك السؤال من أحد لتبوح له عن آلامها، هبطت دمعاتها الساخنة على صفحات وجهها الأبيض، قبل أن تُجيبه بصوت باكٍ: محدش بيحبني، كلهم بيكرهوني.
تشكلت غصة مريرة بحلقها تتذكر كل ما عايشته من ألم نفسي، سواء مع عائلتها، أو أصدقائها، أو حتى معتصم الذي قام بخيانتها، أكملت باكية:.

أنا بحبهم بس هما مش بيحبوني، مش عارفة ليه! مع إني والله مش عملتلهم حاجة، أنا كنت طالبة منهم إهتمام بس، كنت طالبة منهم حنان، عايزة أحس إني مش وحشة، أنا خايفة أموت وأنا لوحدي.
تأثر بها وببكاؤها، هي ليست قبيحة كما تقول، هي طفلة تحتاج للحنان، للإهتمام، للحب، حمحم بهدوء ليلفت إنتباهها، ثم أردف بحنان ظاهر: بس انتِ مش وحشة، ليه بتقولي كدا!

أجابته ببساطة: عشان هما اللي قالولي كدا، أنا أذيت خطيبي، أو اللي كان خطيبي.
قالت الأخيرة بمرارة شديدة لاحظها، ضيَّق عيناه بترقب قبل أن يسألها بحذر: أذتيه إزاي.

اعتدلت في جلستها لعدم راحتها بها، وفضلت الإكمال هكذا، ثم مسحت عبراتها المنهمرة بقوة، قبل أن تُجيبه بهدوء: عرفت إنه بيخوني، صورته مع البنت دي، وبعت صورها لأهلها، تاني يوم عرفت إن البنت حاولت تنتحر ودخلت المستشفى وحالتها خطيرة، أنا مكنش قصدي أأذيها كدا، كنت بحسب إن أبوها هيضربها قلم ولا اتنين، بس أنا اتفاجئت إنها انتحرت، بس الحمد لله محصلهاش حاجة.

بس انتِ غلطتي، المفروض كنتِ تواجهي خطيبك بدل اللي عملتيه دا.

معرفش. معرفش أنا عملت كدا ليه، كل اللي عرفاه إن قلبي دا جواه نار، نار لو مسيطرتش عليها هتحرق الكل وأولهم أنا، هما السبب في الغل والحقد اللي وصلتله، هما اللي وصلوني لكد وخلوني مريضة، لحد اللحظة دي عايزة أنتقم من الكل وأولهم أهلي، كل اللي في حياتي دمرني وشارك في أذيتي، أنا بكرههم ومش هسامح حد، وعشان كدا جيالك، جاية عشان تساعدني أتخطى دا كله، مش عايزة أعيش كدا، عايزة أرجع إنسانة طبيعية من تاني، ساعدني يا دكتور بالله عليك، هتساعدني صح!

ألقت ما في قلبها دُفعةً واحدة، قالت جملتها الأخيرة برجاء واضح في عيناها، عينان تشكوه ظُلمة الأيام وقسوة السنين، وبدون إرادة وجد ذاته يُومئ بالإيجاب، لا يستطيع حمل عينه من عليها، فاتنة هي. نعم، لذلك بدأ هو في أول خطوة لعلاجها، وهو، هو.

جاء اليوم التالي، والذي من المفترض هو عيد ميلاد ابن يزن الراوي، ظلت غزل تزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا لا تعرف كيف ستقول لوالدها، وهل سيوافق أم لا، طالعتها شقيقتها التي تنظر لها بضجر من أفعالها تلك، ثم قالت بتأفف: يا ستي متكبريش الموضوع، بابا أصلًا مش هيقولك حاجة.
توقفت محلها فجأةً، ناظرة لها بلهفة: بجد! تفتكري!

أكدت لها ميران واقفة من على الفراش، ثم وقفت أمامها: اه يا بنتي عادي، وبعدين انتِ هتجيله من ناحية إنه هو ساعدك ووقف جانبك ومينفعش متروحيش عيد ميلاد ابنه.
ابتسمت غزل بإتساع وهي تمط شفتها بإعجاب: طلعتي ذكية يا بت. اشطا تعالي ورايا نقول لبابا.
خرجت كلتاهما من الغرفة ثم بدأت غزل بإقناع والدها الذي رفض في البداية لإبتعاد المكان عنهم، لكن بعد إصرار وإلحاح طويل؛ وافق، لكن بشرط؛ أن تأخذ ميران معها.

وبالأسفل، وقف ريان أسفل بنايتها ثم نادي عليها بصوت عالي: غزل، يا غزل.
انطلقت للشرفة بسرعة لاطمة على وجهها من أفعاله الحمقاء، ومجرد ما رأته حتى وضعت إصبعها على فمها طالبة منه الصمت حتى لا يتسبب بفضيحتهم، انتهت من إرتداء ملابسها هي وشقيقتها التي أخبرت محمود بأمر ذهابها معها، لكنه شعر بالضيق منها ومن عدم إخبارها له، لذلك اقترحت عليه القدوم معهم، وبعد مُحاولة إقناع منها، وافق بالطبع.

هبطا للأسفل، ليجدا كُلًا من ريان ومحمود يتبادلان التحية والسلام، ثم انطلقوا جميعًا بسيارة فارس، والذي أتى ب مدثر ولوچي، جلس محمود بجانب فارس في الأمام، وبالخلف جلس ريان والذي جلست على قدمه لوچي، ثم غزل بالمنتصف وعلى قدمها مدثر، وبالنهاية ميران وحدها.
نظر فارس بالمرآه الأمامية، فوجد مدثر يكاد أن يلتصق بإبنته، لذلك صرخ بصوت أفزعهم: ابعد ابنك عن بنتي يا ريان بدل ما والله أقلب العربية ونموت كلنا.

كاد ريان أن يتحدث، فجاءه صوت لوچي الحانق: في إيه يا بابي! هو الواحد ميعرفش ياخد راحته في أي مكان حضرتك فيه!
لوى فارس فمه ساخرًا، قبل أن يتحدث بتهكم: وإيه لازمتها حضرتك بقا! دا انتِ اللي حضرتك.
ربت مدثر على ذراع لوچي ناظرًا ل فارس بحنق: خلاص يا لوچي متزعليش نفسك يا حياتي، كدا كدا احنا متجوزين ومحدش ليه حاجة عندنا.
قبَّل ريان وجه إبنه متحدثًا بفخر: حبيب قلب بابا.

بينما كز فارس على أسنانه بغضب حتى كاد أن يسحقهم، هذان اللعينان يُثيران غضبه بحق، نظرت غزل ل ريان بيأس وهي تردد بصوت خافت وصل لمسامعه: حتى ابنك سافل زيك.
حدق بها بنظرات لعوب، قبل أن يغمز لها بوقاحة أخجلتها: وولادنا كمان هيكونوا كدا.

وصل الجميع إلى فيلا الراوي والتي نالت إعجابهم بشدة، دلفوا للداخل بعدما أفسح لهم الحرس ليلجوا بأمر من رب عملهم، فتح مدثر عيناه بحماس مُحدثًا لوجي وهو يشير للمسبح: الله بحر، تعالي نعوم.
أمسكهم فارس من ثيابهم متحدثًا بضجر: واد انت وهي امشوا قدامي بدل ما أغرقكم فيه.

قابلهم يزن وهو بكامل أناقته، مُرتديًا حِلته الكحيلة الداكنة، اقترب منهم مُرددًا بترحيب: لو مكنتوش جيتوا كنن بعت اتنين من رجالتي يجيبوكوا بطريقتهم، فين موسى!
أنا أهو.
أتاهم صوت موسى من خلفهم وتلك المرة كان وسيمًا حقًا، ببنطاله الأسود وقميصه الأسود أيضًا، اقترب منهم ببطئ قائلًا ببسمة واسعة: يلا أنا جاهز.

دلفوا جميعًا، ليبدأ يزن بتعريف أفراد عائلته، حتى جاء عند ابنه الذي سيتم الثامنة اليوم: ودا ابني سليم.
تجعد وجه ريان بإشمئزاز قبل أن يُضيف: يا ساتر يارب! ومغيرتش إسمه ليه!
رمقه يزن بغضب قائلًا بتحذير: اظبط أحسنلك بدل ما أظبطك أنا.
لوى شفتيه بتهكم، فإستدار يزن يُعرفهم بإبنته: ودي بنتي، بيان.
الحرباية.

أكمل عمر جملته وهو يُحدق بها بغل، لتُطالعه الصغيرة بغضب، فذهبت إليه بهدوء مُريب، ثم جذبت خصلات ابنته الصغيرة التي لم تتعدى العامين بغضب لتثأر لحقها، أطلقت الصغيرة صرخات عالية تلاها بكاؤها المتألم، وصوت رزان الغاضب: بت انتِ قادرة ومحدش قادر عليكِ ليه! والله هاجي أقعد عليكِ أفطسك.
لاحظ موسى نظرات غزل الشاردة، لذلك اقترب من ريان بهدوء سائلًا إياه: هي غزل مالها!

حوَّل ريان نظره إليها، فوجد ملامحها حزينة باهتة، يبدو أنها حزينة على ما حدث لإبنة عمها حتى الآن، وسجن أحمد الذي تم ليلة أمس، لذلك أجابه ريان بهدوء: ابن عمها حاول يعتدي على بنت عمها وسجنوه.
انقبض قلبه بغتةً عندما أتت بعقله، لذلك تسائل بحذر وترقب: بنت عمها مين!
ورغم غرابة ريان من سؤاله، أجابه بلامبالاة: إسمها تسبيح.

حالة من الجمود سيطرت عليه وعلى مشاعرة، نظر لنقطة ما في الفراغ ثم أردف بشرود ونبرة غامضة: اممم ربنا معاها، ومعاه.
انتهى الحفل بعد ساعتين كاملتين، خرج الجميع للردهة في نية للرحيل، فأخرج ريان هاتفه طالبًا من غزل بإبتسامة واسعة طفولية: غزل خدي صوريني.
ضحكت بخفة ناظرة له بعشق، ثم التقطت منه الهاتف، مصورة إياه عدة صورة رائعة للغاية، حُفظت في قلبها، بل وُشِمت به.

عاد الجميع لمنازلهم بعد إرهاق طال ليومٍ كامل، بدلت غزل ثيابها ثم استندت بظهرها على الفراش وهي تُفكر به، باتت تعشقه بكل ذَرة من جسدها، امتلكها وامتلك روحها بكل سهولة، هي تريده ولا تريد سواه، تريد طفلها الكبير.
أمسكت بهاتفها ثم قامت بفتح تطبيق الفيس بوك، لتجده أنزل تلك الصورة التي قامت بإلتقاطها له، مّعقبًا عليها:
صورة أُلتِقطت بعيون مَن أُحِب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة