قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل فصل خاص أول

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل فصل خاص أول

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل فصل خاص أول

هدوء وسلام يعم الحارة كلها و قد بدأت اصوات الباعة تنتشر في الإرجاء منبئة ببداية يوم جمعة آخر على ذلك المكان...
صوت فتح أحد المحلات يتخللة صوت نداء إحدى النساء لبائع يمر من أسفل منزلها وهناك أيضا من بعيد يأتي صوت صراخ يبدو كما لو أنه لمراهق...
كان يقف أسفل العمارة الخاصة بهم وهو يحمل عصا في يده ينظر للمنزل المقابل له حيث يقف مراهق آخر في النافذة ينظر له بغيظ...

كان يصرخ بنبرة تبدو كما لو أنه مجرم صغير خرج للتو من السجن: نعيد تاني عشان الناس اللي مش بتسمع، تسمع
أنهى كلماته وهو ينظر بعين المراهق الذي يتوسط النافذة أمامه ثم أكمل بعد صمت مشددا على كل كلمة قالها:
بسنت بنت الحاج رشدي تخصني يا حارة، واي عيل دماغه توزه ويقرب منها هطير رقبته، امين؟

كان يتحدث بكل جدية وهو يقلد ذلك المشهد الذي شاهده بالأمس في أحد الأفلام التلفزيونية وهناك من الاعلى كانت تقف المقصودة بالحديث وهي تبتسم بفخر لذلك البطل الصغير الذي يدافع عن حقه المكتسب بها وجوارها يقف أخيها الصغير وهو يقول:
بابا لو سمعه هيطين عيشته
استدارت بسنت الصغيرة البالغة من العمر ثلاثة عشر عاما وهي ترمق أخيها الأصغر البالغ عشر سنوات بضيق:.

وهو بابا هيسمعه فين يعني؟ هو دلوقتي قاعد في المحل عند عمي زكريا ومش هيجي دلوقتي
لوى الصغير شفتيه بحنق وهو يمد رقبته يشاهد باقي ذلك المشهد الهابط ليلمح أبن عمته الكبير يقف أمام المنزل يلوح بعصاه وهو يهدد الشخص الآخر في النافذة...

ابتسم رائف وهو يراقب تعبيرات غريمة الحانقة فهو البارحة لاحظ تقربه من بسنت أثناء وجودهم في المدرسة لذا أراد أن يوصل له وبوضوح أن بسنت ابنة خاله تخصه هو وفقط، خرج رائف من شروده على صوت صراخ أخيه الأصغر والذي كان يقف بالنافذة يراقب ما يفعله:
رائف الحق بابا جاي جري من اخر الشارع وشكله كده شم خبر باللي بتعمله
فتح رائف عينه بفزع شديد وهو يلقي العصا برعب راكضا داخل المنزل يصرخ بخوف من والده...

وهناك من نهاية الشارع كان يأتي راكضا وهو يتوعد ذاك المجرم الذي انجبه فعندما كان يجلس رفقة زكريا ورشدي في المحل كعادتهم يوم الجمعة منذ كانوا اطفال أتى له أحد الأطفال يخبره بما يفعله ذلك الاحمق رائف...

وعندما أوشك هادي على بلوغ البناية الخاصة به والتي يسكن بها رفقة رفيقيه لمح طرف ابنه الذي ركض للاعلى وكأن شياطين الأرض تتبعه ليجز على أسنانه بغضب شديد وهو يركض صوبه يخرج حزامه من ثيابه صارخا بغضب جحيمي:
رائف، انت يا حيوان أقف والله لاوريك
ركض هادي على الدرج وهو يصرخ ويتوعد لابنه بالويل وأثناء ذلك اصطدم بالخطأ في شخص ليتوقف بسرعة وهو يراقب محمد ابن زكريا البكر يقف وهو ينظر له بحنق شديد:.

ما بك عماه انتبه أين تخطو
دفعه هادي جانبا وهو يتمتم بغيظ: واد مش نقصاك انت وابوك على الصبح واحد يقولي لقد ضقت بك ذرعا والتاني يقولي انتبه أين تخطو، ايه الهم ده؟
أنهى حديثه وهو يخطو سريعا صوب الطابق المخصص لشقته هو والشباب وهو يصرخ بعنف شديد:
رائف.

نظر محمد لاثر هادي وهو يهز رأسه بلا اهتمام ثم تحرك صوب الاسفل وهو يدندن بعض الأشعار التي حفظها امس رفقة والده ثم اتجه ليحضر الفطور ويذهب به للمحل كما اعتاد هو وجميع صبية العائلة...
كانت تدور في الشقة وهي ترمي كل شيء يقابلها بغضب شديد وكأن الشياطين كلها اجتمعت أمام عينها ترقص مسببة لها مزيد من الغضب...

بينما بعيدا قليلا عن مرمى بصرها كان يقف طفليها وهم يحدقون بها في خوف شديد فوالدتهما منذ الصباح وهي تدمر كل ما تصادفه عينها.
همست بسنت بخوف شديد: واد يا محمود هي امك مالها؟
تقريبا كده اتخانقت هي وابوكِ، اصل من وقت ما نزل وهي عمالة تعمل زي ما بتعمل كده
ابتلعت بسنت ريقها بخوف وهي تتحرك صوب الباب متحدثة: هروح انادي طنط فاطمة أو شيماء قبل ما تخلص على عفش البيت وتدخل علينا.

أنهت بسنت حديثها وهي تركض صوب الباب برعب شديد ثم منها انطلقت الشقة التي تجاورها وهي تطرق الباب بسرعة ولهفة شديد صارخة:
طنط شيماء افتحي بسرعة، طنط شيماء
لكن من فتح الباب لم يكن شيماء بل كان ابنها الأصغر مراد. نظرت بسنت لمراد وهي تقول بلهفة:
فين طنط شيماء يا مراد؟
أشار مراد للداخل بهدوء وبرود شديد: جوا بتحاول تنزل رائف
تنزل رائف؟

تحدثت بسنت بتلك الكلمات وهي تتبع مراد للداخل لترى أن هادي يقف يحمل حزامه في يده بينما ابنه معلق في المكان الذي صنعه خصيصا لتعليق أولاده وشيماء تقف جوار هادي وهي تصيح فيه بحنق شديد:
ايه يا هادي الولد كبر مينفعش اللي بتعمله فيه ده
لم يجيبها هادي وهو ما يزال يوجه نظرات شريرة لطفله الذي كان يحاول التحرر من ذلك الشيء اللعين الذي يمسك ثيابه مرددا بغيظ شديد:.

على فكرة بقى مينفعش قلة القيمة دي واحنا امبارح اتفقنا تعاملني زي الرجالة واني مبقتش صغير
ابتسم هادي بطرف شفتيه في سخرية: وهو الرجالة الكبيرة تعمل اللي انت عملته ده يا استاذ رائف؟
اه الاستاذ احمد عز عمله امبارح في فيلم ولاد رزق
تساءلت بسنت بعدم فهم: هو فيه ايه؟

زفر هادي بضيق شديد وقد ضاق ذرعا بأفعال ابنه البكر الذي يبدو وكأنه يُعاقب من خلاله على كل ما فعله ليقاطع تلك الأجواء صوت رائف الغاضب بشدة وهو يشير خلف هادي قائلا:
اهو عجبك قلة القيمة دي اهي البت شافتني وانا متعلق. امشي كلمتي عليها ازاي بعد كده؟
نظر هادي خلفه بعدم فهم ليجد بسنت تنظر إليهم بفم مفتوح ببلاهة و رائف ينظر لها بغيظ شديد متمتما ببعض الكلمات التي لم تصل لها...

ابتسم هادي بسخرية وهو يتجه صوب ابنه ينزله: متزعلش كده يا حبيب بابا كل الناس عارفة إنك مهزق
تحدث رائف وهو يعدل من وضع ثيابه بغيظ شديد: ايوة بس هي متعرفش كده وانا كنت مفهما اني مسيطر
ضحك هادي بصخب ثم انحنى عند ابنه وهو يهمس له: هو رشدي يعرف بالحوار ده؟
نظر له ابنه بتعجب شديد وهو يجيبه بنفس الهمس: وايه اللي هيدخل عمي رشدي في علاقتنا بس؟ ده شيء بيني وبينها ومحدش له حق يتدخل حتى لو كان ابوها.

ابتسم هادي وهو يربت على كتفيه مرددا: عرفت اربي والله، إن شاء الله المرة الجاية رشدي يعلقني انا وانت
تحدثت بسنت بسرعة بعدما أفاقت من كل ما يحدث حولها: صحيح نسيت انا جاية ليه، طنط شيماء تعالي شوفي ماما عشان تقريبا كده هتطلق المرة دي بجد
يعني ايه يا فرانسو الكلام ده؟
تجاهل فرانسو علامات الغضب التي تظهر بوضوح على وجه بثينة ليقول وهو يدنو من وجهها مشددا على كل حرف يخرج من فمه:.

يعني اللي أنتِ بتفكري ده تنسيه وتبطلي ترمي ودانك للناس يا بثينة سامعة؟ جواز تاني مش هيحصل.
شعرت بثينة بغضب جحيمي يندفع لاحشائها يحرقها وهي تتذكر كل همسة وكل كلمة تنطلق من أفواه النساء وخاصة نساء عائلته هو:
ده اخر كلام عندك يا فرانسو؟
نظر فرانسو لعينها وقد اخافته تلك النظرة في عينها وبشدة ليهز رأسه بايجاب، هزة واحدة كسرت دفاعتها لتهمر دموعها بعنف شديد وهي تصرخ في وجهه:.

أنت اناني يا فرانسو اناني، انت واحد اناني اوي وانا بكرهك
فتح فرانسو عينه بصدمة من حديثها لا يصدق ما تسمعه أذنه في تلك اللحظة ليبتسم بسخرية شديد وهو يستمع لباقي كلماتها:.

أنت اناني مش بتفكر فيا ولا بتفكر في وجعي وانا بسمع كل شوية كلمة شكل من حد وهو بيتهمني اني عاقر واني ارض بور وبلا بلا بلا وإن المفروض كنت اتجوزت جارتكم لأنها مناسبة ليك بس انت عصيت كلام الستات الكبار واتجوزت واحدة من برة وادي ربنا عاقبكم وحرمكم من العيال،.

اغمض فرانسو عينه بوجع شديد وهو يستمع لحديثها ذلك يعلم جيدا، يعلم كل ذلك لكن لم يتخيل أن يتحدث أحد إليها بتلك الطريقة مستغلين غيابه، حسنا هنا وفاض الأمر.
نظر لها ثوانٍ ثم خرج سريعا كالمدفع من الغرفة وهو يتجه صوب الاسفل تاركا إياها تنهار ارضا وهي تبكي بعنف تلوم نفسها على كل شيء هي سبب ما يحدث لها الان. يبدو أن عقابها هذا سيستمر طويلا.

فاقت بثينة من رثائها لنفسها على صوت صراخ عالي في الخارج لتخرج بسرعة مرتعبة مما يحدث تقف أعلى الدرج تراقب انفجار فرانسو في الاسفل و قد جمع نساء العائلة جميعهن يصرخ في وجههم بغضب لم تشهد يوما عليه وهو من كان الحليم البارد...
من اول يوم دخلت فيه مراتي البيت ده وانا قولت للكل ووضحت إن كرامتها من كرامتي انا، صح ولا لا؟
لم يجب أحد عليه ليصرخ بغضب جحيمي: صح ولا لا؟

وهذه المرة لم ينتظر إجابة أحد منهم ليكمل وقد بدأت عروقه تنفر غضبا:
ومن يومها وهي ما شافتش يوم واحد سعيد اللي تتريق عليها واللي تلومها واللي تغيظها. ايه جايب بنت الناس ابهدلها معايا؟ وياريت اكتفيتوا بكده لا جايين تنغصوا عيشتها بسبب الخلفة وكل اللي داخل واللي خارج يسم في بدنها
صمت قليلا ثم قال بحسم ونبرة جدية: تمام عشان انا جبت اخري، العيب مش من بثينة العيب مني انا، انا اللي مش بخلف استريحتوا؟

فزعت زوجة خاله وهي تقترب منه تنفي ذلك الكلام عنه: ايه اللي بتقوله ده يا فرانسو انت هتشيل شيلتها دي،
مراتي، دي مراتي يا مرات خالي، مراتي يا ناس انتم ليه مش عايزين تفهموا وتقدروا ده؟ ثم اني مش بكدب انا اللي مش بخلف والعيب فيا انا وهي مشكورة استحملت معايا السنين دي كلها بدون اولاد واستحملت سخريتكم وزنكم عشان متجرحنيش بس خلاص مبقتش فارقة.

أنهى حديثه وهو يتراجع نحو الدرج مجددا قبل أن يتوقف بسبب كلمة خاله الذي حضر آخر النقاش بسبب الصوت العالي:
قصدك ايه يا فرانسو يا ابني؟
توقف فرانسو وهو يتنفس بعنف ثم قال دون حتى أن يستدير: يعني انا هاخد مراتي وهسافر فرنسا ومش راجع تاني وده قرار نهائي ومش هرجع فيه. لان الوحيدة اللي كانت مخلياني مستحمل كل ده اتهانت هنا ولا كأنها بقت من العيلة.

أنهى كلامه ثم صعد صوب غرفته التي تتوسط الطابق العلوي من ذلك المنزل الكبير ثم امسك يد بثينة وادخلها معه للغرفة واغلق الباب بعنف شديد ثم بعدها اتجه صوب الخزانة وهو يخرج ملابسهما ويضعها بإحدى الحقائب لتتوقف يده عن العمل وهو يستمع لحديثها:
ليه قولتلهم إن العيب فيك انت؟ ليه كدبت عليهم يا فرانسو؟
رفع فرانسو نظره لها لثوانٍ قبل أن يعود به للحقيبة متحدثا بخفوت منهيا هذا الحديث:.

اللي شوفته صح عملته، مش انا اللي اخد بنت الناس وابهدلها معايا يا بثينة حتى لو كانت مش طيقاني وبتكرهني زي ما بتقولي.

أنهى حديثه وهو يلقي ما بيده متجها صوب الحمام يغلق الباب خلفه بعنف تاركا إياها تبكي حزنا مما فعلت للتو به فهو ابدا لا يستحق ما قالته، فهي منذ خطت بقدمها للمنزل لم تلق سوى كل محبة واحترام من جميع ساكنيه عدا زوجة خاله الكبيرة والصغيرة كانت كل واحدة منهما تتفن في اهانتها بسبب أن فرانسو رفض الزواج بجارتهم والتي اتضح أنها ابنة اخ زوجة الخال الصغرى، وفضلها هي عليها. لكن يشهد الله أن الجميع هنا عداهما عاملوها بكل احترام ومودة وفرانسو لم يشعرها يوما بالغربة أو يشعرها بالحزن بل كان حريصا دائما ألا يجعلها تشعر أنها فارقت منزلها واتت لمنزل غريب.

فاقت بثينة من شرودها وهي تراقب خروج فرانسو من الحمام وقد بدل ثيابه بالداخل ثم اتجه صوب المرآة متجاهلا إياها تماما وأخذ يعدل من هيئته...
ابتلعت بثينة ريقها وهي تبتعد لأحد أركان الغرفة بعيدا عنه فهي حقا لا تعلم ماذا تقول له أو ماذا تفعل بعد كل ما قالته له في لحظة يأس وغضب جلست على أحد المقاعد وتقوقعت عليه تخفي وجهها في قدمها وقد بدأ شعور النبذ يتسرب لها بكل خبث مستغلا لحظات الضعف التي تشعر به...

انتبه لها فرانسو ولما تفعل ليؤلمه قلبه بشدة وهو يعرف بما تفكر، لذا ترك ما بيده على الطاولة أمامه وهو يراقبها من المرآة يراها تحاول اخفاء رأسها بعنف بين قدميها بكل وجع، يشعر بها وبكل ألم عانته وكيف لا وهو كان يسمع بكائها كل ليلة، هل كان واحدا من هؤلاء الذين ساهموا في اذيتها؟ يشعر بالضعف ويشعر بالعجز الشيدد فها هي تعود لسابق عهدها بعدما استطاع بصعوبة أبعاد ذلك الشعور المقيت عنها، سقطت دموع فرانسو بضعف شديد وهو يتقهقر ارضا يستند برأسه على الطاولة خلفه وهو يهمس بصوت وصل لمسامعها بوضوح:.

خلينا نكفل يتيم،
رفعت بثينة عينها له بصدمة لتجده يرمقها بوجع وحب وهو يفتح ذراعيه لها يدعوها للمجئ حيث مكانها الطبيعي، لتنهض هي بلهفة تركض صوبه ملقية نفسها في أحضانه بعنف شديد وهي تضم نفسها إليه فعناقه، وعناقه فقط هو من يستطيع ابعاد ذلك الشعور عنها لتشعر بيده تنزع حجابها ثم تتغلغل في شعرها برقة وهو يهمس بصوته الحنون:.

انا عمري ما فكرت في موضوع الاطفال ولا عمري شلت همه ابدا يا بثينة. عمري ما فكرت في حد ولا حسيت حياتي ناقصة ابدا غير في غيابك أنتِ، فلو أنتِ حابة ونفسك في طفل اوي ممكن نكفل طفل يتيم ايه رأيك وناخده ونسافر لفرنسا بعيد عن الكل. انا وأنتِ وهو وبس؟
نظرت له بثينة بعيون دامعة وهي تهز رأسها بنعم فهي فقدت آخر ذرة مقاومة لديها بعدما كانت ترفض السفر بحجة أنها لن تبعده ابدا عن عائلته...

ابتسم فرانسو براحة شديد وهو ينظر لها هامسا بفرنسية أضحت تعشق وطئها على مسامعها لكن بصوته هو فقط:
اذا ألا استحق مكافئة؟ اريد رؤية بسمتكِ جميلتي
ابتسمت بثينة باتساع شديد وهي تضم نفسها لاحضانه بعنف شديد هامسة له بحب شديد:
فرانسو انا احبك، لا تصدق أي كلمة قلتها منذ قليل
اعلم جميلتي اعلم جيدا.

صمت وصمتت هي ليستمعوا لصخب القلوب وتمر دقائق وهم على هذا الحال حتى تحدث فرانسو ببسمة واسعة وهو مازال يحرك يده في شعرها بحنان:
رشدي عزمنا انهاردة على حفلة عشان الترقية بتاعته هنروح نحضر الحفلة وبعدها نطلع نجيب الطفل ومنها على المطار على طول وانا هكلم شخص يتكفل يخلصلنا إجراءات الكفالة بسرعة أكبر ماشي؟

هزت بثينة رأسها بنعم وهي تبتسم باتساع شديد له ثم همست بسعادة كبيرة احتلت قلبها وقد بدأ عالمها يتلون بالوردي مجددا:
شكرا يا فرانسو شكرا ليك، انا بحبك اوي اوي اوي
ضحك فرانسو بصخب وهو يضمها أكثر يحمد الله على هذه النعمة التي رزقه إياها فهو منذ تزوج بها لم يندم للحظة واحدة على زواجه بل كان دائما يشكر الله على نعمته، تنهد براحة وقد بدأ واخيرا يشعر بأن عالمه عاد هادئا مشرقا مجددا...

دخل هادي المحل وهو ما يزال ينفخ بغيظ من ذلك الطفل المزعج الذي يبدو وكأنه جاء للحياة حتى يفسد حياته هو خصيصا...
ما بك هادي وكأنك تصارعت للتو مع جيش
ابتسم هادي بسخرية وهو يجلس مجيبا زكريا بنفس لهجته: بل مع جحش
نظر له زكريا لا يفهم حديثه ليبتسم له هادي وهو يشير له بألا يهتم ليجد رشدي يبتسم بتشفي عليه وهو يعلم مما يعاني هادي فأكيد أن ذلك المراهق الغر رائف هو سبب غيظه ذلك...

مالك بس يا هادي يا حبيبي؟ بعدين انت كنت فين؟
اجابه هادي مباشرة وهو يعلم السبب وراء هذا السؤال لذا لم يحرمه تلك الإجابة التي قد تثلج صدره:
كنت بربي ابني
اتسعت بسمة رشدي أكثر وهو يتحدث بتشفي وقد شعر أن رائف ينتقم له من كل ما فعله هادي سابقا من أفعال طائشة فهو علم فينا بعد أنه هو من كان يبعد كل من يتقدم لطلب الزواج من شيماء:
ليه بس كده يا هادي يا حبيبي؟

ارتسمت بسمة على فم هادي وهو يجيبه ساخرا: عشان كان بيشقط بنتك يا حبيبي
احتدت عين رشدي بشكل مخيف ليتدخل زكريا سريعا وهو يهبط بيده على رأس هادي بغيظ زاجرا إياه بعينه ليقول هادي بعدم فهم:
بتضرب ليه مش هو اللي سأل؟
على الاقل كان يمكنك أن تخفف وطأ الكلمة على مسامعه مثلا أن تقول يتودد لابنتك أو يتقرب من ابنتك،
يتودد ايه؟ لا هو كان بيشقطها والله
حسنا هنا ويكفي نهض رشدي بعنف من مقعده وهو يصرخ بهادي.

يسقط مين يا انت وابنك طب والله لو شوفتك انت ولا ابنك قريب منها لاعلقكم سوا
كان رشدي يتحدث وهو يمسك بثياب هادي بعنف شديد يهزه بقوة يكاد يخنقه:
مش على اخر الزمن بنتي انا تتجوز ابنك يا هادي، يعني اختي وعدتها عشان صاحبي إنما ابنك لو قرب ناحية بنتي قسما بربي اللي لا يمكن اقسم بيه كذب لاعلقه على باب العمارة واخليه عبرة للي رايح واللي جاي.

حاول هادي ابعاد يد رشدي عنده وهو يتحدث معترضا على حديثه: ماله يا عنيا ابن هادي؟ بقرنين ولا بيتكلم من قفاه؟ هو بنتك هتلاقي واحد زي ابني زينة شباب الحارة فين؟ انت متعرفش ابني ده عنده ايه ولا ايه!؟
أنهى حديثه بحنق شديد وهو يرمق رشدي بغيظ شديد لإهانته لابنه لكن وقبل أن يرد له رشدي الحديث سمع الجميع صوت من الخارج وهو يصرخ:
حد يجي يوقف الحمارة دي هتقتلني.

نظر رشدي لهادي بسخرية وهو يستمع لصراخ رائف في الخارج الذي كان يدور بالحمار في المكان صارخا بهم أن يساعدوه...
واضح فعلا إن ابنك زينة الشباب وميترفضش
لا ما هو انت معطتنيش فرصة اكملك كلامي كنت هقولك أنه عنده تخلف يا عيني وانا وأمه دايخين بيه على الدكاترة من صغره.

ابتسم رشدي بسخرية وهو يترك ثياب هادي بحدة ثم استدار صوب الباب وهو يجد جمال يدخل منه ممسكا ابن هادي من ثيابه كمجرم صغير وخلفه محمد وقد أحضر الفطور لهم كما طلب من والده...
ترك جمال رائف بسخرية وهو ينظر لهادي هامسا: لمّ عيالك يا حبيبي كان هيدخل فينا بحمارته
نظر هادي لابنه بحنق شديد مشددا على حديثه: وأيه اللي يركب حمارة على حمارة عايز افهم؟

لوى رائف فمه بضيق من سخرية والده وهو يشرح له الأمر: ده واحد كبير كان بيسأل على بيت جدي فرج وقولتله هدلك عليه ويا دوبك لسه بركب الحمارة بتاعته من هنا وهو لسه مركبش لقيتها بتجري بيا
هز جمال رأسه بعدم اهتمام ثم جلس على المقعد جوار زكريا الهادئ بشكل مريب وهو يرمق الجميع بسخرية ثم بدأ يفتح الحقائب التي أحضرها محمد للفطور
بس غريبة يا جمال مجيتك انهاردة مش كان عندك شغل اضافي كل جمعة.

ابتلع جمال بعض اللقيمات بصعوبة وهو يشرح له سبب حضوره: جاي اباركلك يا حبيبي، مبارك الترقية يارب وعقبال ما تشرفني في المركز بتاعي كده
ابتسم رشدي وهو يقترب منه متحدثا بخبث: الله يبارك فيك يا حبيبي بس الحفلة المغرب واحنا لسه الصبح ايه اللي جابك بدري كده.

ابتلع جمال الطعام في فمه وهو ينظر له نظره فهمها رشدي يقول بضيق: جرا ايه يا رشدي صابرين غضبت عليا انا والعيال وحلفت ما تعمل فطار فقولت اجي اطفح لقمة معاكم قبل ما اروح الشغل، حلو كده؟
ابتسم رشدي باتساع وهو يجلس ليشاركهم الطعام: حلو اوي، بعدين متعصب ليه يعني وهي أول مرة الأستاذة صابرين تغضب عليكم؟ اصل الصراحة يا جمال يا اخويا ومن غير زعل عيالك زي عيال هادي.

ابعد هادي الطعام عن فمه بعدما كان أوشك على وضعها فيه وهو يقول بتشنج:
مالهم عيال هادي يا حبيبي؟ مرض يعني هما ولا ايه؟
انا عارف قوله يا بابي مش فاهم هو متحامل علينا ليه؟
كان هذا حديث رائف الحانق من حديث خاله ليقول هادي بسخرية كبيرة: مش فاهم متحامل علينا ليه؟ بسببك يا ضنايا بقى بينضرب بينا المثل. ده اخوك الصغير اعقل منك
هو مش اعقل منه لوحده يا هادي ده الصغير اعقل منك أنت شخصيا.

تشنج هادي وهو ينظر لجمال ثم قال بسخرية: حوش حوش اللي مربي ملايكة يا راجل ده انت لما بناتك بتدخل مكان بيرفعوا فيه حالة الطوارئ
توقف جمال عن الطعام وهو يرمق هادي بغيظ شديد لإهانته صغيراته الجميلات...
ابتسم زكريا وهو يستمع لكل ذلك الحديث المعتاد لينهض وهو يقول منهيا ذلك الحوار العقيم:
طب انا هروح ابص على فرج عشان قالي اعدي عليه، وبعدين هجهز لصلاة الجمعة وابقى اشوفكم في المسجد،.

أنهى حديثه ناظرا لابنه: وأنت يا محمد اطلع اجهز عشان الصلاة
هز محمد رأسه وصعد سريعا للبناية الخاصة بهم يتبعه رائف قبل أن تشتعل الحرب بالداخل مجددا وفي النهاية سيكون هو المذنب كما ينتهي كل نقاش باتفاق الجميع أنه هو سبب جميع المشاكل، لم يبقى سوى أن يتهمونه بأنه هو من نشر وباء الكورونا في المعالم.
والله قلبي كان حاسس إن سبب كل الهيصة دي حاجة تافهة زيك.

نظرت ماسة بشر لشيماء ولم تجب عليها فهي ليست في مزاج يسمح لها بالحديث الان، هي تخطط في هذا الوقت لجريمة قتل لذا ليس عليها أن تشوش ذهنها بتلك الغبية شيماء...
قوليلي يا صابرين يا اختي هي جريمة القتل ممكن يتحكم فيها بكام سنة
رفعت صابرين ( زوجة جمال ) رأسها بصدمة من كلمات ماسة: قتل؟ قتل ايه أنتِ اتجننتي؟
زفرت ماسة وهي تنهض بغضب شديد من مقعدها: هتقوليلي هي بتاخد كام سنة ولا اروح أسأل هادي؟

هو ايه اللي تسألي هادي أنتِ متخلفة يا بنتي؟ بعدين مش كل القتل يا ماما، فيه اعدام وفيه مؤبد و فيه مخفف وفيه براءة لو كان دفاع عن النفس أو الشرف
حلو انا بقى هقتل دفاع عن الشرف
فزعت شيماء من مجرى الحديث الذي يدور هذا: هتقتلي اخويا ولا ايه؟
هزت ماسة رأسها برفض وهي تقول بكل جدية: لا عشيقته.

فغر الجميع فاهه من حديث ماسة لتقول شيماء بصدمة كبيرة لا تصدق أن أخيها قد وصل به الأمر للخيانة، حسنا الحياة رفقة ماسة لا تطاق لكن ليس لدرجة الخيانة...
اخويا خاين؟ وعنده عشيقه؟ يعني انت يا رشدي استحملتها كل السنين دي وجاي تخونها بعد ما بقى عندكم عيال؟ لله الأمر من قبل ومن بعد
كانت شيماء تتحدث وهي تضرب فخذيها بصدمة مما فعل اخيها بينما ماسة ترمقها بنظرة قاتلة هامسة:.

هو ايه اللي مستحملها دي؟ هو انا بعذبه ولا ايه؟
صمتت ماسة تتنفس بضيق ثم قالت بعدها: حد يتصل بالبت بثينة هي اللي هتنفعني في الحوار ده بدل ما انا قاعدة مع جوز هبل كده، اصل الأستاذة عشيقة اخوكِ هتشرفنا الليلة في الحفلة ولازم نعملها حفلة ضيافة
دخل زكريا للمنزل وما كاد يخطو خطوة إضافية حتى كان صوت فاطمة يهز أرجاء المنزل كله من قوته وهي تصرخ بابنه البكر...
محمد.

اغمض زكريا عينه يستعد نفسيا للمناقشة الطويلة التي ستحدث خلال ثواني ثم أخذ نفسًا عميق وكأنه على وشك الغوص في محيطٍ ما. ثم ردد بخفوت:
استغفرك ربي و اتوب اليك
تحرك بعدها صوب البهو الذي تقبع به زوجته رفقة ابنه البكر والذي يبلغ من العمر أربعة عشر عام ورفقتها اميرته والتي تبلغ نفس عمر بكره فهما توأمان إلا أن محمد قد سبقها بدقيقة كاملة لذا هو في حكم الابن الأكبر لديه...

حصل ايه يا فاطمة؟ صوت زعيقك جاب اخر الدنيا
استدارت فاطمة سريعا وهي تمسك في يدها منفضة السجاد تلوح بها في غضب شديد:
استنى انت يا زكريا لما اربي ابنك اللي معرفتش تربيه ده
أنهت كلماتها ثم استدارت لمحمد الذي كان يجلس بكل هدوء يستمع لصراخ والدته الذي اعتاده حتى أصبح جزء لا يتجزأ من يومه...
قولتلي بقى الحلو عايز يعمل ايه؟

نظر زكريا لابنه ينتظر اجابته ليعلم سبب غضب فاطمة هذا ليصدر حينها صوت صغيره الحبيب وهو يتحدث بكل جدية:
لا اعلم يا امي ما العيب في أن أصبح لاعب كرة قدم؟ وايضا انا لا اريد اكمال دراستي لما لا تتركيني احقق حلمي؟ فأنا بارعًا في كرة القدم كما ترين و،
اخرس،
كانت تلك كلمة زكريا الزاجرة لابنه لتبتسم فاطمة وهي تتراجع مفسحة الطريق لزكريا ليتولى هو زمام الأمور:.

اديك سمعت ابنك عايز ايه؟ اتفضل بقى اتصرف معاه لاني مش هتكلم تاني انا هسيبك انت تتصرف
نظر زكريا لابنه بتحذير شديد وهو يرفع إصبعه بصرامة هاتفا: ماذا قلت للتو؟ هيا أعد حديثك على مسامعي علّي أخطأت السمع أو ما شابه
نظر له الصبي وهو يبتلع ريقه بخوف من نظرات والده: اريد ترك الدراسة ولعب كرة القدم.

ابتسم زكريا بشر وهو يقترب من ابنه يجذبه من ثيابه: لا يا فهيم مش ده اللي قولته، إنت قولت ( أنا بارعًا في كرة القدم ) ده في حكم مين ياعنيا إن خبر المبدأ
منصوب؟
كانت فاطمة تستمع لحديثه في البداية وهي تبتسم بتشفي لملامح الرعب على وجه ابنها لكن فجأة اختفت بسمتها وهي تستمع لحديث زكريا ثم استدارت له بصدمة وكأنها تخبره حقا؟ أهذا ما أثار حنقك؟

ابتلع محمد ريقه وهو يحاول ايجاد تبرير لتلك الجريمة التي قام بها للتو في حق اللغة والتي تعد في عين والده جريمة تستحق القت. ل:
أنا أنا فقط وجدتها مناسبة هكذا
حلو نركن بقى النحو على جنب ونضيع تعب ابو الاسود وسنين عمره اللي قضاها في وضع علم النحو، ونقعد نفصّل نحو على مزاجنا طالما مش عاجب سيادتك إن خبر المبتدأ يكون مرفوع وشايف إنه لو منصوب هيكون اشيك
صاحت فاطمة بنفاذ صبر: زكريا،.

قاطعها زكريا بيده: اصبري أنتِ يا فاطمة نشوف الاستاذ اللي واقف يطقم الاعراب على الكلام ويشوف اللي لايق واللي مش لائق وماشي يخبط في الثوابت الأعرابية ولا همه حد.

هو ده اللي شاغلك؟ بجد؟ يعني علمت عيالك ميتكلموش غير فصحى زيك وسكت، دلع وبوظتهم وسكت لكن توصل إن تسيب المصيبة اللي احنا فيها دي وتقعد تصحح اخطاء ابنك وهو بيسرد عليك بلوته لا بقى كده كتير اوي أنا زهقت من ام البيت ده، اقولك انا هروح عند امي لا تقولي نحو ولا صرف ولا بلاغة وهسيبك إنت وعيالك ترفعوا وتنصبوا وتجروا براحتكم اياكش تتجروا في ميدان عام واحد واحد يا بعده.

أنهت فاطمة حديثها ثم اندفعت صوب الباب ومنه صعدت للاعلى حيث تقبع شقة والدتها وهي ترغي وتزبد بغضب شديد...
نظر الجميع للباب الذي أغلق بعنف شديد بعدم فهم ليصدح صوت عائشة (ابنة زكريا ) وهي تقول بلوم:
ارأيت ما فعلت يا محمد ماذا كان سيحدث لو أنك رفعت الخبر؟
كادت فاطمة تصعد الدرج صوب شقة والدتها لولا أنها اصطدمت في طريقها ببثينة التي تحدثت بسرعة وهي تجذبها معها صوب شقة رشدي دون حتى كلمة واحدة من التفاهم:.

فاطمة كويس اني لقيتك، يلا بسرعة ماسة مستنيانا عشان نخطط معاها؟
نظرت فاطمة لبثينة التي تسحبها خلفها بصدمة كبيرة تردد بعدم فهم: نخطط معاها؟ هي ماسة هتحتل العالم ولا ايه؟
بعد رحيل جمال لعمله مع وعد بالمجئ قبل معاد الحفلة، ووصول فرانسو وأخبارهم بقراره كان كلا من هادي ورشدي يستمعان بانصات شديد لكل كلمة نطق بها فرانسو...

بص يا فرانسو انا كنت شايف كل اللي بيحصل وشايف الحزن في عيون اختي وسكت لأن مينفعش أتدخل بينكم بس انا سبق وسألتك كل حاجة كويسة وقولتلي اه مفيش مشاكل عشان كده سكت بس بما إنك جيت وحكيت كل حاجة حصلت فأنا هقولك رأيي
صمت هادي قليلا وهو يراقب تعابير فرانسو الباردة قليلا والذي كان يراقبه باهتمام شديد:.

القرار اللي أنت قررته هو الصح لان أنا لو منك هاخد مراتي وابعد بيها عن أي حد ممكن يتسبب في حزنها ولو بمقدار ذرة، بس يا فرانسو إنت متأكد من خطوة كفل طفل دي؟
نظر رشدي باهتمام لفرانسو ينتظر اجابته، لكن طال صمته مما دفع برشدي أن يتحدث:.

اللي يقصده هادي هو إن قبل ما تكفلوا يتيم لازم تكونوا متأكدين من الخطوة دي كويس اوي لان الموضوع مش هزار ومفيش رجعة فيه ولاني شوفت بعيني حالات كتير اوي إن أهالي بيكفلوا يتيم ولما ربنا يرزقهم بطفل أو يزهقوا بيرموه في الشارع والطفل ده بيجي عندنا ومش عايز اقولك مقدار البهدلة ولا الأذى النفسي اللي بيتعرض ليه.

هز فرانسو رأسه بتفهم للأمر هو يعلم كل ذلك وفكر في كل ما قالوه جيدا حتى أنه لم يأخذ القرار هكذا دون تخطيط بل إنه كان يخطط للامر طوال شهور مضت ولم تتسنى له الفرصة بمشاركة افكاره مع أحد:
انا عارف وفاهم كل اللي قولتوه بس انا عمري ما هوصل بالقسوة لدرجة اني ارمي طفل في الشارع بعد ما اعتبرني أبوه حتى لو ربنا رزقني بطفل عمري ما اعمل كده.

لم تخفى الغصة التي احتكمت حلق فرانسو عن رشدي أو هادي ليقترب منه هادي ضامما إياه هامسة بمحبة:
إن شاء الله بكرة ربنا يرزقكم بالطفل اللي يقر عينكم يا حبيبي ولو عايز يعني ممكن تاخد رائف ابني والله ما هعترض
ضحك فرانسو بشدة بعدما كاد يبكي تأثرا بحالته ليهز رأسه برفض وهو يقول بضحكة:
يا اخي ابنك ده اللي مهون عليا حياتي، كل ما احس لحظة بالحزن ان معنديش طفل واشوف ابنك اروح على طول أسجد لله سجدة شكر.

انفجر رشدي في الضحك على ملامح هادي الذي احمر وجهه غيظا وهو ينهض تاركا اياهم متجها صوب المسجد وهو يتمتم بضيق:
دائما جايبلي الكلام الكلب ده،
واخيرا جاء وقت الحفل و وقت القصاص كما تظن ماسة واجتمع الجميع في منزل رشدي ما بين ضحكات وضوضاء وصرخات الاطفال و الذي يبدو أن هناك جداا حاد بينهم وخاصة بين محمد ورائف...

ليتجه جميع الصبية صوب الرجال الذين كانوا يتوسطون الارائك في البهو وتحديدا هادي الذي كان مشغولا في الحديث مع فرح في أمر ما ليقاطع حديثه صراخ رائف الغاضب:
بابا تعالى اشهد عشان انا جبت اخري من غباء محمد
انتبه زكريا والجميع لحديث رائف ليقول زكريا بصدمة: ابني انا غبي؟
نظر هادي لابنه بضيق: فيه ايه؟ واشهد على ايه مش فاهم؟

ابتسم محمد وهو يقترب من هادي قائلا ببسمة واثقة مما سيتحدث به: حسنا عم هادي باعتبارك أكثر الجالسين عشوائية واكثرهم قربا للشاب المصري الاصيل، فقد جئنا إليك في استشارة ما
نظر له هادي وهو يضيق عينه بريبة ثم انحنى على زكريا هامسا بشك: ايه عشوائية دي؟ هو ابنك بيهزقني ولا ده مدح ولا ايه؟
كتم زكريا ضحكته وهو يربت على كتف هادي: لا يا حبيب قلبي ده بيشكر فيك.

نظر له هادي ومازالت نظرة الشك لم تغادر عينه ثم اولى انتباهه للاطفال وهو يقول بجدية وثقة:
طبعا طبعا اكيد لما تحب تستشير حد في حاجة مهمة مش هتلاقي غيري يفيدك، قول يا ابني فيه ايه؟
قال محمد وهو ينظر لوالده بخوف من أن ينقض عليه: اتذكر تلك الأغنية التي اسمعتنا إياها أثناء الرحلة عندما صعدت لسيارتك؟ تلك الأغنية القديمة التي صدرت منذ سنوات؟

ضيق زكريا عينه وهو ينظر لهادي الذي اعتدل في جلسته مبتسما بغباء شديد:
أي أغنية معلش عشان مش فاكر
تحدث محمد بعدما نظر لرائف بتحدي: تلك الأغنية عماه الذي كان المطرب يقول فيها، حبيبتي افتحي نافذتك لقد اتيت وها أنا اقبع أسفل منزلك
فتح هادي فمه ببلاهة مما يقول الصغير ليتحدث زكريا بعدم فهم: وهو هادي من امتى بيسمع اغاني فصحى؟

نفى هادي حديث زكريا سريعا: والله ما اعرف ده انا اخر حاجة سمعتها فصحى كان ابتهال للنقشبندي اللي هو بتاع مولاي اني ببابك قد بسطت يدي
ابتسم رائف بتشفي وهو ينظر لمحمد وكأنه انتصر للتو في معركة: شوفت قولتلك، اساسا مش بتتقال كده
لوى محمد شفتيه بغيظ رافضا الخسارة وهو يصر على هادي: بلى لقد اسمعتني إياها اقسم حتى أنني اتذكر اسم الشخص الذي غناها، واسمه مطرقة هذه إمارة.

مطرقة؟ ايه مطرقة دي؟ هو انا واقف في محل حدادة
نظر زكريا ببلاهة لابنه والجميع لا يفهم شيء من حديثه حتى تدخل مراد وهو يشرح الأمر للجميع:
قصده شاكوش يا بابا وهو بيغني اغنيه حبيبتي افتحي شباكك انا جيت انا واقف تحت البيت
نظر هادي لزكريا وهو يهمس له: ابنك بيترجم الأغاني الشعبية والمهرجانات فصحى، ده لو شاكوش سمع هو عمل ايه في الأغنية ممكن يموت فيها ده بيقولك انا اقبع أسفل منزلك، بعدين ايه مطرقة دي،؟

ضحك زكريا بعنف مما فعل ابنه للتو ليسمع صوت رشدي وهو يقول من بين ضحكاته:
ابشر يا زكريا ابنك اول طفل يغني مهرجانات بالفصحى بيعمل من التلوث ثقافة، انا بس كل ما اتخيل شاكوش وهو واقف يقول حبيبتي افتحي نافذتك لقد اتيت ها أنا اقبع أسفل منزلك مش بقدر امسك نفسي، ده انا نفسي لسه سامع كلمة اقبع دي
أنهى حديثه وهو ينفجر ضاحكا لا يصدق ما وصل إليه الاطفال ثم أضاف من بين ضحكاته:.

بالله عليك يا اخي لتخلي ابنك يدبلج باقي الاغاني والله هيكون مستقبل جميل اوي بالاخص اغاني ويحز تخيل مثلا يقول (اتيت ومعي الرضعة من أجل أن اغذي النونة )
ضحك الجميع على حديث رشدي ليلوي محمد شفتيه بضيق شديد من حديثهم ثم أضاف:
ما بكم يا قوم استخرون مني ام ماذا؟ ثم إن حديثك عم رشدي غير متناسق بالمرة.

كاد زكريا يجيب ابنه لولا ذلك الشخص الذي اقتحم تلك الجلسة العائلية مسببا التفاف جميع الرؤوس صوبه، وصمت طويل ساد المكان لم يقطعه سوى صوت ماسة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة