قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الرابع

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الرابع

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الرابع

قل للذي نام والأحزان تخنقه وهمه في ظلام الليل يشقيه هون على قلبك المحزون إت له ربما يملؤه نورة ويرويه
صلوا على شفيع الأمة
صمت طويل عم المكان كله لا تسمع صوتا سوى صوت الأرجيلة التي توجد أمام النمرس ولا ترى شيء يتحرك في هذا المكان سوى الدخان الذي يطوف المكان والذي يخرج من فم النمرس
نظر الجميع لبعضهم البعض ببسمة باردة بينما همس هادي الذي يجاور رشدي:.

ها يا سيادة الظابط اعمل ايه حاجة رن عليهم شباك طيب أو ابعت كلمني شكرا...
ابتلع رشدي ريقه وهو ينظر له بضيق شديد هامسا بغيظ: تعرف تسكت شوية إذا تكرمت ابوس ايدك
مدّ هادي يده في وجه رشدي مبتسما بطريقة مستفزة ليجعل رشدي على حافة الجنون...
كاد رشدي يتقدم لشادي يصرخ به أو حتى يضربه لولا ذلك الصوت الذي خرج منبها إياهم عن وضعهم الحالي الذي نسوه في خضم جدالهم الأحمق.

لا مؤاخذة بس يا رجالة لو مش هعطلكم خليكم معايا شوية، الاستاذ الجربان خليك معايا الله يكرمك، ايوة تمام كده
استدار كلا من رشدي وهادي لمصدر الصوت والذي لم يكن سوى النمرس الذي كان ينفث دخان ارجيلته بسخرية، ابتسم هادي بغباء وهو يحاول الاعتدال في وقفته بينما سبّ رشدي هادي وما يفعله من أفعال متهورة صبيانية حتى أنه للحظات جعله ينسى وضعهم باستفزازه هذا.
تحدث فرانسو وهو يهمس لاحمد: هنموت؟

نظر له احمد ببسمة وهو يتحدث بنبرة يائسة: الظاهر كده يا خويا مش انت كنت حابب تجرب العيشة المتدنية؟ اديك هتموت موتة متدنية
أشار النمرس لرجاله بملل من هؤلاء الأشخاص أن يتحركوا ويمسكوهم لينتهي من هذا الأمر الذي سبب له صداع مقيت، وما كاد رجال النمرس يتقدمون منهم حتى صرخ بهم هادي وهو يلوح بيده في وجوههم:
لا بقولكم ايه مش هادي المهدي اللي يجي رجالة زيكم ويجرجروه، لا، انا أمشي بنفسي من غير ما حد يلمسني.

جدع ياض...
ابتسم هادي لرشدي وهو يسير جهة الرجال بكبرياء شديد رافضا أن يمسه أحدهم بينما تحرك خلفه الجميع ومعهم رجال النمرس الذين نزعوا منهم الهواتف قبل أن يدفعوا بهم في أحد الغرف ثم أغلقوا الباب خلفهم بحدة...
في الخارج كانت القوات تنتظر أمر الهجوم من رشدي لكن طال انتظارهم بسبب عدم تلقي أي إشارة من رشدي...
تحدث أحد الجنود لشاب يبدو من هيئته وثيابه التي تختلف عن الباقيين:.

الإشارة اتأخرت يا فندم هنعمل ايه؟
زفر ذلك الرجل وعينه معلقة بالمكان ينتظر أي شيء قد يثير انتباهه فهو يخشى التدخل الان ليجد أن الوقت لم يحن بعد، ويخشى أن ينتظر ويكون رشدي في خطر هو ومن معه لذا لم يتمكن من ارسال إشارة:
نستنى شوية ولو موصلتش أي إشارة هنهجم خلي القوات تستعد...
أنهى الرجل حديثه لينصرف الجندي وينفذ أوامره بينما ذلك الرجل نظر جهة المقر وهو يزفر بقلق هامسا لنفسه:
ياترى حصل ايه جوا؟

كانت تجلس في غرفتها بعدما غادرت شقة فاطمة، أرادت أن تعتزل بنفسها بعيدا عن الجميع حتى ترثي ذاتها.

سقطت دموعها بشدة تتمنى لو كان ما سمعته مجرد حلم لا بل كابوس، تنفست بعنف من بين شهقاتها تحاول أخذ أنفاسها بهدوء حتى تفكر في حل لهذه الورطة، ماذا ستخبر والدتها؟ وزوحة عمها؟ هل تخبرهم أن الوحيد الذي بقي لهن في هذه الحياة مدمن؟ أن الوحيد الذي عشقته منذ كانت صغيرة ولم تبصر عينها في الرجال سواه مدمن؟ من تعيش لأجل بسمة منه مدمن؟

وجع كبير ينخر في جسدها لتلقي نفسها على الفراش وهي مستمرة في البكاء دون انقطاع لتمر ساعة تقريبا وهي على هذا الحال ترفض استقبال أي مكالمة من شيماء أو فاطمة اللتان لم تتوقفا عن الاتصال لها ولو للحظة واحدة...
هدأت بثينة وهي تحاول التفكير في شيء وقد استقرت اخيرا على رأيها لتهمس لنفسها بخفوت شديد:
هواجهه واحاول اساعده بدون ما حد من ماما أو مرات عمي يعرفوا...

هكذا همست لنفسها بإصرار شديد وقد قررت بمجرد عودة هادي من الخارج أن تواجهه بما يفعل وتحاول جهدها لتبعده عن هذا الطريق...
دخلت شيماء للشقة الخاصة بها وهي تستمع لصوت والدتها العالي من المطبخ وهي تتسائل عن هوية الشخص الذي دخل للتو...
انا يا ماما يعني هيكون مين؟ يا انا يا بابا يا رشدي هو حد معاه مفتاح تاني غيرنا؟

انهت حديثها وهي تتجه للمطبخ فتجد والدتها منغمسة في طهو الطعام الذي تفوح رائحته وتمر عليها سالبة لُبّها، حاولت أن تتماسك فهي اخذت عهد على نفسها بعدم الضعف مجددا...
التفتت أسماء لابنتها ببسمة واسعة وهي تتحدث بفرحة: شوشو قلب ماما تعالي بقى دوقي الكيكة بتاعتي عملتها بالشكولاته زي ما بتحبيها.

ابتلعت شيماء ريقها بتوتر ثم نظرت لوجه والدتها وكذبت عليها: لا يا ماما مش قادرة خالص بطني هتنفجر لسه واكلة برة مع بوسي وبطوط
تركت أسماء ما بيدها بتعجب ثم هتفت متسائلة: بطوط مين؟
ابتسمت شيماء وهي تتحدث أثناء خروجها من المطبخ فلا تضمن أن تستمر هكذا طويلا:
دي فاطمة جارة خالتي سناء (والدة هادي ) الجديدة اتصاحبنا عليها أنا وبوسي.
هزت أسماء رأسها بتفهم ثم نظرت لها وهي تذهب: طب حتى تعالي دوقيها وقولي رأيك؟

جاءها صوت شيماء من بعيد وهي تقول بصوت عالي: مش قادرة ياماما والله، لما اصحى هبقى اشوفها.

انهت حديثها وهي تدخل لغرفتها بتعب شديد فهي لم تتناول شيء منذ الصباح، تحركت لتقف أمام مرآتها أسوء شيء قد يمتلكه الإنسان فهذه المرآة المقيتة تواجهك بكل عيوبك التي يشفق عليك المقربين من مواجهتك بها، سقطت دمعة من عين شيماء وهي تنظر لنفسها مخبرة إياها أنها بدأت مجددا فها هو حالها كل يوم كلما اختلت في غرفتها تقف أمام المرآة وهي ترمق نفسها بحزن وقلة حيلة ماذا تفعل جربت كل شيء، كل شيء بلا استثناء.

ابتعدت وهي تتجه لفراشها ثم تسطحت عليه بتعب شديد تتذكر الهمسات التي تسمعها من جاراتها عن ذلك الغبي الذي قد يقبل بها زوجة، ومن يقبل أن يتزوج بفتاة ذات جسد ممتلئ مثلها؟

اغلقت عينها بوجع تتذكر كلمات ذلك الخاطب المزعوم والوحيد الذي طرق باب منزلهم لأجل خطبتها بعدما رشحتها سيدة ما لوالدته، تتذكر نظرته وصدمته هو ووالدته حينما رأوها رغم أنهم كانوا من الذوق الذي جعلهم يتداركون الأمر واخفاء صدمتهم سريعا لكن بعد أن التقطتها شيماء وقد كانت وقتها تكاد تطير من السعادة فهذا اول خاطب يأتيها وقد ظنت وقتها أنه ربما رآها وهي في طريقها لجامعتها وأعجب لذا تقدم لخطبتها، تلك الأحلام الوردية التي كانت تستمع عنها من أفواه صديقاتها، لكن يبدو أنها لا تمتلك تلك الميزة ولا تستحق هذا الامتياز فهي ليست مثلهن هي كما يصفها البعض.

سمينة هبطت دموعها بعنف تتذكر ذهاب ذلك الخاطب سريعا دون قول كلمة وللحق هي شاكرة له لعدم جرحه لها لكنه نسي أن يصمت عينه أيضا كما اصمت فمه، فما منعه خجله من قوله، صرحت به عينه وبكل وقاحة.
ليأتي لهم اتصال بعدها بيوم واحد يخبرهم الجملة المعروفة للتملص من هذه المواقف كل شيء قسمة ونصيب.

سقطت دموعها بشدة وهي تكتم شهقاتها حتى لا تستمع لها والدتها وتقلق ثم دفنت وجهها في الوسادة وهي تهمس لنفسها بتلك الجملة بوجع كبير:
كل شيء قسمة نصيب، وانا قسمتي الوجع ونصيبي الوحدة.
كان الجميع يجلسون بهدوء شديد منافي للحالة التي هم بها يفكرون في الخطوة القادمة بعدما فشلت خطتهم فشلًا ذريع...
تحدث رشدي بغيظ شديد وهو يضغط على يده بغضب: بس لما ارجع يا شيماء هكسرلك عضمك على اللي بتعمليه ده.

نظر له هادي نظرة قادرة على اشعاله وكاد يتحدث لولا حديث زكريا الذي قاطع هذا الجو:
خلاص خلصنا اللي حصل حصل خلينا دلوقتي نفكر في طريقة نخرج بيها من هنا اكيد يعني هنفضل قاعدين نفكر في مين السبب؟
زفر رشدي بضيق ثم نهض من الأرض وأخذ يسير بضيق شديد مفكرا ليتحدث أحمد بأمل شديد:
يعني ادعي القوات لازم تستقبل منك اتصال مينفعش لما يلاقونا اتأخرنا يتوغوشوا علينا ويجوا يطلوا علينا.

نظر له رشدي قليلا ثم ضحك وهو يقول: مش عارف ليه حسك بتتكلم على أساس والدتك سابتك في ال kids area (منطقة لعب الأطفال ) ولما تتأخر عليها هتقلق وتيجي تشوفك اتأخرت ليه؟
ابتسم احمد بغباء على حديث رشدي لكن رشدي أضاف لهم ببسمة وهو يستدير لهم:
بس هما فعلا كده...
نظر له الجميع بلهفة ليقول لهم رشدي وهو يفرد يده ببسمة: بلغتهم لو اتأخرنا جوا عن ساعة يقتحموا المكان...

تحدث هادي بسخرية لاذعة على حديث رشدي: وليه ساعة ما كفاية خمس دجايج
تجاهله رشدي وهو ينظر لهم متسائلا: فات قد ايه على وجودنا؟
نظر فرانسو لساعته ثم أخبرهم بالفرنسية أنهم هنا تقريبا منذ 45 دقيقة...
رمق زكريا فرانسو لبرهة ثم أشار له بالاقتراب قائلا بغيظ: هات ساعتك يا فرانكو وتعالَ يا حبيبي...
صاح رشدي وهادي تزامنا مع القائهم لأنفسهم عليه بعنف: يا اخي بقى...

صرخ زكريا أسفل وهو يضحك بعنف بلهجته التي تستفزهم وبكثرة: ما بكما أنا فقط أردت تقديم المساعدة ثم أننا نملك بعض الوقت لما لا اكتسب بعض الحسنات في تعليم الفتى؟
تحدث هادي وهو يضغط عليه بجسده أكثر قائلا ببسمة يجاريه: هذا لأنني لم اتخلص من اللغة العربية في الثانوية العامة حتى تأكل رأس سناء بها...
ضحك زكريا بقوة وهو يحاول ابعاد صديقيه من أعلاه صارخا بهم: طب أقوله يعني ايه 45 دقيقة بالعربي طيب.

تحدث رشدي بحنق شديد وهو يحاول جعله يتوقف عن دور المعلم الذي يتقمصه كلما سمع فرانسو يتنفس بجانبه، يخشى أن يستشعر زكريا يوما أنه لا يتنفس كما يتنفس العربي فيبدأ بتعليمه طرق التنفس بالعربية:
يعني هتكون ايه يعني؟ ساعة إلا ربع معروفة...
كاد زكريا يجيبهم لولا سماع الجميع لصوت رجل قد اقتحم الغرفة عليهم، همس هادي بتذمر شديد وهو مازال يعلو زكريا:
جرا ايه يا خويا مش تخبط؟ افرض بنعمل حاجة كده ولا كدة؟

فتح الرجل فمه ببلاهة وهو يرى ما يفعل هؤلاء المجانين.
ضرب زكريا رأس هادي بحدة وهو يدفعه بعيدا عنه صارخا به: رباه، ابتعد من فوقي أيها الأحمق ماذا تقول أنت؟
ابتعد هادي ليسقط ارضا وينفجر ضحكا على ملامح رفيقه بينما ابتسم رشدي لهما وكأن ذلك الرجل الذي يتوسط الغرفة في انتظار انتهائهم مجرد هواء...
قوموا المعلم عايزكم برة...

نظر الجميع لبعضهم البعض وما كاد أحدهم يتحرك حتى وجدوا بعض الرجال يقتحمون الغرف ولا يبدو من ملامحهم أنهم ينوون خيرا، انتفض فرانسو وأحمد سريعا ليأخذوا حذرهم...
تحدث أحد هؤلاء الرجال وهو ينظر لهم بغضب شديد: انتم اللي بلغتوا البوليس اللي برة؟
نظر جميع الشباب لبعضهم البعض دون أن يجيب أحدهم ببنت شفة...

استفز صمتهم ذلك الرجل وما كاد يقترب حتى وصل لمسامع الجميع اصوات عالية من الخارج تدل على أن القوى اقتحمت المكان...
شكلهم كده اتوغوشوا فعلا...
صعد لؤي شقته وهو ينظر لساعة يده بقلق شديد فقد ذهب الشباب منذ وقت طويل وحتى الآن لم يعلم ماحدث معهم، مد يده وفتح الباب وبمجرد دخوله حتى وصل لمسامعه صوت الغسالة التي تقبع في الممر المجاور للباب ليزفر بضيق شديد وهو ينادي على زوجته:
وداد، يا وداد.

خرجت وداد من المطبخ وهي تسير ببطء جهته وتنظر له بحنق دون أن تتفوه بكلمة ليبتسم هو بسخرية وقد أدرك أنها ما تزال غاضبة:
ده عقاب خناقة الصبح ولا عقاب جديد؟
لم تجب عليه وداد ليزفر لؤي بضيق شديد وهو يشير لها أنه جائع: طب انا جعان ولا ده كمان محروم منه؟
لم تجب عليه وداد بل تركته ورحلت فصرخ لؤي بغضب شديد: لا بقى، دي بقت عيشة تقرف يا شيخة
ماذا حدث يا ابتي ولما كل هذا الغضب؟

نظر لؤي خلفه لابنه وهو يتنفس براحة لعودته سالما ولكن انكمشت ملامحه سريعا وهو ينظر له باشمئزاز وتحرك للداخل وهو يتمتم بسخرية:
اهو قناة اسبيستون فتحت تاني، توب علينا يارب.
أنهى حديثه وهو يدخل لغرفته ويغلق بابها بحدة شديدة ليرمقه زكريا بتعجب وهو يهمس لنفسه:
ماذا دهاه؟

دخل رشدي لشقته وهو ينظر حوله لذلك الهدوء المريب مخمنا أن والدته لابد وأنها قد خرجت لرؤية إحدى جاراتها ليسرع وينادي باسم شقيقه يدعو الله أن تكون هنا لكن لم يصل له أي إجابة، نادى مجددا وايضا لا رد لذا تحرك جهة غرفتها لعلها تضع سماعة الأذن ولم تستمع له، لكن عندما دخل وجدها نائمة بهدوء شديد وسلام كطفلة صغيرة ليقترب منها وهو يرمقها بشر هامسا بجانب أذنها:.

فلتي مني يا شيماء بس لما تصحي والله لاعلقك يا جزمة...

أنهى حديثه وكاد يرحل لكن لم يتمالك نفسه عن فعل عادته التي لطالما قام بها منذ صغرها لذا سريعا انحنى وقبلها بحنو شديد وهو يمسح على رأسها لكن انتبه لملوحة غريبة في فمه أثناء تقبيله لها، ابتعد قليلا يرمقها بتعجب وهو يمرر يده على وجنتيها ليجد أنها كانت تبكي قبل نومها، جلس رشدي على ركبتيه ارضا وهو يحدق بها في حزن شديد على صغيرته اللطيفة والمسالمة التي تحمل نفسها فوق طاقتها.

زفر بضيق وهو يقترب منها يمسح دموعها ثم قبل وجنتها بلطف شديد وحنان هامسا بجوار أذنها:
حبيبة قلبي لو اقدر اني اخد كل حزنك ده ليا كنت عملت كدة...
صمت قليلا ثم أضاف بحنان وهو يمسد على شعرها بلطف شديد وقد سيطر الحزن على نبرته:.

صدقيني يا قلب اخوكِ بكرة تجيلك الفرحة التي تعوضك عن كل ده، أنتِ جميلة اوي يا شيماء بس للاسف الناس هي اللي وحشة فبيشفوكي كده، يا روحي انتِ أعلى من أن ناس زي دي تنزل دمعة من عيونك يا دبدوبتي...
أنهى حديثه وهو يقبلها قبلة اخيرة قبل أن ينهض ويخرج سريعا ليبدل ثيابه ويذهب لعند هادي كما اتفق معهم لكن تلك الغصة التي استحكمت حلقة جعلته يود الذهاب لحبس نفسه في غرفته حزنًا على حال أخته...

كان يتمدد على فراشه بتعب شديد جراء ما عاناه منذ ساعة تقريبا فقد هجمت القوات سريعا على الوكر وبسبب غباء النمرس ورجاله فلم يكونوا مجهزين بشكل جيد يؤهلهم للمقاومة فيبدو أن حديث ذلك الشرطي الفاشل رشدي صحيح، هو مجرد ديلر لا اكثر لذا لا خوف منه...
خرج هادي من شروده على صوت طرق الباب فنهض وهو يظن الطارق أحد الشباب فقد اتفق معهم على ملاقاته في شقته بعدما يغير كل شخص فيهم ثيابه.

تقدم هادي من الباب ثم فتحه بارهاق شديد واستدار وهو يخبر رشدي بأن يغلق الباب:
اقفل الباب يا رشدي وتعالى عشان انا فصلان والله.
فصلان ولا خرمان يا أبن عمي؟
فتح هادي عينه بصدمة كبيرة وهو يستمع لذلك الصوت ليبتلع ريقه وهو يهمس لنفسه:
يارب يكون رشدي صوته بقى ناعم مش اكتر...
استدار ببطء ليجد بثينة تقف على الباب وهي تتخصر بغيظ شديد ليبتلع ريقه بتوتر من وقفتها ثم قال وهو يحاول عدم النظر لها:.

اهلا يا بسبوسة فيه حاجة ولا ايه؟
ابتسمت بثينة بسخرية ثم قالت له وهي تخرج: عايزاك في كلمتين يا هادي معلش...

انهت حديثها وهي تسبقه للخارج بينما هادي ينظر في أثرها بعدم فهم وتلك الكلمة التي ألقتها منذ قليل تحوم حوله منبئة إياه أن السيء لم يأتي بعد، تحرك هادي خلفها ببطء شديد يحاول ترتيب أفكاره ومعرفة كيف وصلت لها هذه الكلمة، ام أنها لا تقصده هو؟ زفر بضيق وهو يجدها تتوسط أريكة الصالون بكل أريحية ليجلس على مقعد مقابلها يتساءل بعينيه عما تريد...

نظرت بثينة له قليلا تقنع نفسها ألا تضعف أمام عينيه لتتحدث بصوت خافت مشيرة للمطبخ:
ماما ومرات عمي في المطبخ...
هز هادي رأسه بمعنى وإذا؟ لتكمل هي سريعا: انا عارفة كل حاجة يا هادي...
رمقها هادي بعدم فهم لتسارع في القول بما يجول بخاطرها رامية بقنبلتها في وجهه:
إنك مدمن...
وها قد حدث ما كان يخشاه منذ قليل، فتح عينه بصدمة وهو ينتفض من حديثها واقفا ثم قال بعدم تصديق:
انا مدمن؟

نهضت بثينة بتوتر من حديثه تخشى أن يصل لأحد في المطبخ لتسارع تقترب منه:
اششش وطي صوتك حد يسمعك، انا مش هقول لحد متخافش وهساعدك عشان تطلع من الطريق ده...
فتح هادي فمه يضحك بعدم تصديق مما تقول ما الذي تهذي به هذه الفتاة، هو مدمن؟ وسرعان ما تذكر ما حدث منذ ساعات
أنتِ كنتِ في الشقة وسمعتيني؟
هزت رأسها بخجل منه فهي سمعته يتحدث بما لا يجب أن يسمعه شخص منه...

مكنش قصدي والله ده انا وفاطمة وشيماء كنا داخلين نخرج اللحمة من الفريزر وسمعنا بالصدفة
فرد هادي ذراعيه بصدمة وهو يصرخ بصوت عالي وقد أصبح الآن مدمنا رسميا:
احيه، ده انا اتجرصت في الحارة، يامصيبتك يا هادي
سقطت دموع بثينة بخوف شديد من انهياره وهي تحاول تهدئته مردفة: متخافش والله انا قولت ليهم محدش يجيب سيرة لحد وانك هتتعالج مش كده؟

قالت آخر كلمة بأمل لينظر لها هادي وهو يضغط على يده بغضب ثم صاح دون أن يتحكم بحاله:
اتعالج ايه مش لما أدمن الاول؟
أهدى بس ابوس ايدك والله هتلاقي حل متخافش
صرخ هادي بجنون وهو يتخيل أنه أصبح الآن مدمنا في أعين الفتيات وطبعا لا يمكنك أن تسكت فتاة عن فتح فمها:
برضو بتقولي هنلاقي حل يابت انتِ هبلة ولا ايه؟ بقولك انا مش مدمن انا مش مدمن اغنيها ليكِ ولا الحنها...

ثم صاح بصوت عالي وهو ينظر المطبخ: ياما هاتيلي الطبلة والصاجات الله يكرمك...
ثم نظر بعدها لبثينة وهو يقول بضيق: فرحانة دلوقتي؟
نظرت له بثينة تظن أنه انهار لمعرفته أن سره انكشف أمامها لذا تحدثت بهدوء شديد وهي تمسح دموعها:
يا هادي والله انا عايزة اساعدك.
يا ختاااااااااااي
كانت هذه صرخة هادي الذي أطلقها بقلة صبر ثم صرخ فيها بغيظ شديد وهو يرفع يده يكاد يضربها لتخفي وجهها صارخة:.

اهو بدأت أعراض الانسحاب تظهر عليك
صاح هادي فيها بغضب: أعراض انسحاب ايه يا متخلفة انتِ؟ دي خلايا مخك اللي انسحبت من راسك بسبب هبلك وحلفت ميت يمين إن ملهاش عيش في الدماغ دي بعد وصله الغباء دي افهمي يا هبلة انا مش مدمن و لا نيلة
مسحت بثينة عينها بحزن ثم نظرت له وهي تقول بعدم تصديق: بتقول كده عشان انسى واسيبك في حالك صح؟
اسكتي بدل والله اكسرلك دماغك الفاضية دي، اسمعي.

صمت وهو يتنهد بضيق ثم أخذ يشرح لها كل ما حدث لتفتح فمها بصدمة كبيرة مما تسمع:
يعني كل ده كان تمثيلية عشان تقبضوا على المجرمين
هز هادي رأسه وهو يحاول الهدوء: ايوة ولو كنتِ صبرتي شوية كنتِ سمعتي صوت شادي والشباب معايا جوا...
نظرت له بثينة ببسمة واسعة ثم اختفت قليلا وهي تقول بتوتر: إنت مش بتكدب عليا عشان انسى الحوار وتكمل شم صح؟
رفع هادي يده على هيئة حلقة وكأنه يكاد يخنقها ليتحدث وهو يضغط على فكه بعنف:.

اخفي من وشي دلوقتي لاحسن امسكك اقتلك سامعة، ولا اقولك انا اللي هغور
ثم خرج سريعا من الشقة وهو يرى والدته تخرج من المطبخ وتمسح يدها وبجوارها زوجة عمه:
في ايه يابني صوتكم عالي ليه؟
نظر لها هادي وقال وهو يفتح الباب بسخرية: لا ابدا يا حاجة كملي اللي بتعمليه انا نازل القهوة.
ثم خرج سريعا واغلق الباب خلفه بعنف لينتفض الجميع وتنظر سناء بحدة لبثينة:
فيه ايه يا بوسي هو زعلان كده ليه؟

لم تجب عليها بثينة فهي لم تستمع لها من الأساس لتجلس على الأريكة مجددا وهي تهمس ببسمة غبية:
مطلعش مدمن، مطلعش مدمن.
كان هادي يهبط الدرج بسرعة كبيرة وقد بدأ واخيرا يشعر بغضبه ينحسر ليصطدم فجأة في زكريا الذي كان على وشك الصعود إليه...
فيه ايه يابني براحة هتشيل وشي، مالك فيك ايه؟
هز هادي رأسه بلا شيء ثم امسك يده وسحبه خلفه ببطء وهو يقول: تعالى نقعد على القهوة وكلم رشدي يجيلنا على هناك...

فاطمة يابنتي تعالي بسرعة المسلسل هيبدأ...
خرجت فاطمة سريعا من غرفتها وهي تعدل نظارتها ببسمة واسعة ثم جلست جوار والدتها بحماس شديد وهي تقول لها:
متفرجتش على الحلقة اللي فاتت احكي ملخص بسرعة لغاية ما التتر يخلص...
بدأت والدتها تقص عليها سريعا ملخص الحلقة السابقة وهي تصف لها بيدها كل ما حدث وكأنها تمثل معهم لتفتح فاطمة فمها بحماس:
يا نهاري ده انهاردة هتكون حلقة دمار...

ابتسمت لها والدتها ثم رمقت التلفاز بحنق شديد وهو بمجرد انتهاء اغنية البداية يأتي إعلان طويل مدته 15 دقيقة تقريبا...
الواحد ملّ من القناة دي بجد اعلانات اعلانات اعلانات ده ناقص بعد كل اسم ممثل في التتر يجيبوا اعلان.
ضحكت فاطمة بعنف وهي تنهض سريعا تقول لوالدتها التي تجلس: طب كويس لغاية ما انزل اجيبلنا شوية تسالي عشان نمخمخ اصل حلقة انهاردة هتكون روعة...

انهت حديثها وهي تدخل غرفتها لتغيب داخلها قليلا ثم خرجت وهي تعدل من وضع حجابها قائلة بسرعة وهي تتجه للباب:
مش هتأخر هجيب شوية لب وبيبس وجاية وهجيب معايا درة فشار...
ماشي بس مش انا اللي هقوم اعملها زي كل مرة تقومي أنتِ بقى...
وافقت فاطمة سريعا وهي تخرج حتى تلحق بداية المسلسل...
في الأسفل كان كلا من هادي و زكريا يتقدمون جهة القهوة و زكريا لا يفهم شيء مما يفعل هادي فقد كان يتمتم بضيق شديد طوال الطريق...

بمجرد وصولهم للقهوة حتى انطلق صوت عالي سعيد: هادي حبيبي، كنت فين من الصبح؟
زفر هادي بضيق شديد وهو يرمق فرج الذي نهض من مكانه متجها له بظرف في يده وبكل لهفة مدّ يده بالظرف وهو يقول له بتملق:
خد معلش وصل ده لام اشرف...
نظر هادي ليده قليلا ثم رفع عينه لفرج وهو يقول بعدم فهم: هو مش انا ودتلها واحد الصبح؟
ابتسم فرج بسمة غبية بعض الشيء وهو يجيب: ايوة بس احنا دلوقتي بليل فلازم امسي عليها...

يا اخي جاك البلا في صباحك ومسائك وحبك الملزق ده ما تستخدم تليفونك وابعتلها رسالة واتس قرفتوني معاكم...
صدم فرج من هجوم هادي عليه وتراجع قليلا للخلف بينما ضحك زكريا وهو يتركه ليتصرف معه ثم تحرك للمحل المقابل للقهوة ليحضر له أي عصير بارد...
إنت بتكلمني كده ليه يابني هو انا ضغطت عليك وزهقتك معايا ولا ايه؟
كان فرج يتحدث بحزن وهو ينظر للغضب المرسوم على ملامح هادي ليجيبه هادي ببسمة باردة:
اه.

ابتسم فرج له وهو يمد يده بالرسالة وكأنه لم يكن يتحدث بتمسكن منذ قليل:
حيث كده مش هيضر لو ضغطنا ضغطة صغننة كمان، يرضيك ام اشرف تنام من غير ما اطمنها عليا؟
أشار هادي لنفسه بنفاذ صبر: انا مالي؟ ما تنام ولا تسهر انا مالي؟ بعدين تطمن عليك ايه بس يا فرج هو إنت مهاجر العراق ما انت ملزوق في الكرسي على القهوة لما بقيت ماركة مسجلة...

صمت ثم أكمل بغيظ من ذلك الرجل المتصابي: يا جدع ده احنا بقينا نوصف الطريق بيك، لو حد سأل على مكان بنقوله على يمين كرسي فرج وعلى شمال كرسي فرج، ده احنا هنقدم طلب للدولة عشان تضيفك على الخريطة، يا جدع دول عيالك قربوا ينسوا وشك
تنفس فرج بضيق من حديثه هذا الذي يشعره بالذنب ثم قال بعد صمت طويل قليلا:
يعني مش هتودي الجواب لام اشرف اطمنها عليا.

صرخ هادي في وجهه بنفاذ صبر هو اساسا لم يهدأ منذ حديث بثينة منذ قليل:
تعرف يا فرج أما رجعت دلوقتي للكرسي بتاعك انا هروح اسلم الجواب ده لاشرف واحكيله كل حاجة
نظر له فرج وهو يضيق عينه: كل حاجة؟
ابتسم هادي وهو يهز رأسه بخبث: كل حاجة...
حتى خروجة حديقة الأورمان ومعرض الزهور؟
هز هادي رأسه ببسمة وهو يربع يده: وهقوله إن برطمان العسل الابيض انت اللي جبته من معرض الزهور ليها مش وخداه من ام فوزي...

همس فرج بضيق وهو ينظر لذلك الشاب المزعج: انت عارف اكتر من اللازم، لازم ابدا اشوف واحد غيرك يساعدني...
ابتسم هادي بسخرية ولم يكد يتحدث حتى وجد أحدهم يتوقف بجانبه وهو يرتدي بذلة ويحمل بيده علبة كبيرة و بوكيه ورد قائلا ببسمة سمجة:
اذا سمحت يا كابتن هو بيت رشدي منين؟

في المحل كانت فاطمة تنتقي العديد من الأشياء التي ستتناولها مع والدتها أثناء سهرتهم، نظرت لما في يدها برضا تام ثم ذهبت ووضعته أمام الشاب الذي يقف خلف طاولة عالية بعض الشيء والذي لم ينزع نظره من عليها منذ دخلت لتشعر وكأنها عارية أمامه...
حاجة تانية؟

هكذا تشدق الشاب وهو يضب كل ما أخذته فاطمة ثم نظر لها ببسمة ليست مريحة، ابتلعت فاطمة ريقها وكادت تنفي سؤاله لولا عينها التي وقعت على أحد الاشياء المفضلة لديها لتبتسم قليلا وهي تهز رأسها متجه للعلبة الخاصة بذلك الشيء والتي كانت تقع في اخر صف كبير من العلب لذا انحنت قليلا لتصل لها...

في ذلك الوقت كان زكريا يتجه لداخل المحل وهو يحمل بيده علبة عصير متوسطة الحجم ويخرج أمواله وهو يبعد نظره عن تلك السيدة المتشحة بالاسود ارضا، لكن بمجرد مروره جوارها وبسبب ضيق الممر الذي يقع في بداية المحل من الخارج نهضت الفتاة سريعا ولم تكن تعلم بوجوده خلفها لتصطدم به بعنف شديد ويسقط زكريا للخلف على الأشياء المتراصة في المحل من علب خاصة بالشيبسي وغيرها وأيضا سقط كل ما كان يعلو تلك العلب على رأسه ليصرخ زكريا بصوت عالي نسبيا بسبب تلك المفاجأة فهو كان حريص على التوقف جانبا حتى تنتهي وتنهض لكن حركتها تلك كانت مفاجأة واسقطته ارضا على كل ما خلفه...

كانت فاطمة تقف وهي تنظر لذلك الشاب برعب ليس مجددا، ليس هو مجددا، لما كلما رأته يحصل معها موقف مشابه، هبطت دموعها بخوف وهي تحتضن الحلوى وكأنها تحميها منه ثم همست بصوت خافت باكِ:
والله غصب عني انا اسفة...

استدار هادي لذلك الشخص الذي يتساءل عن بيت رشدي وهو يحمل علبة تبدو من شكلها أنها علبة جاتوه وايضا يحمل بوكيه ورد ليمد هادي يده وهو ينظر في بوكيه الورد بتعجب ثم رأى سيدة تقف خلف الشاب فقال هادي بهدوء مخيف:
عايز رشدي ليه؟
نظر له الشاب بتعجب ثم قال بتأفف وهو ينظر للعلبة بيده: حضرتك تعرفه؟
اقترب هادي منه بخطوات بطيئة مخيفة: عز المعرفة مين القمر؟

تحدث الشاب وهو يشير لما بيده وكأنه يخبره هل أنت اعمى: يعني معايا تورتة و ورد وبسأل على بيته هيكون ليه؟
نظر له هادي وتغاضى عن سخريته وهو يقول بتفكير: عيد ميلاد رشدي؟
زفر الشاب بضيق منه وهو يقول بتذمر: لا جاي اتقدم للانسة شيماء...
هز هادي رأسه بتفهم وهو يبتسم له بلطف: اه يا اخي قول كده...
مد يده وهو يأخذ العلبة منه فتشبث بها الشاب ليقول هادي ببسمة: هات بس العلبة دي حرام نعمة ربنا برضو...

أخذ العلبة منه وهو يضعها في يد فرج الذي ترحم على الشاب في سره: من بين كل الناس في الحارة ملقتش غير ده وتسأله لا وبتقولها في وشه كده عايز اتقدم لشيماء ده انت هتتفرم...
نظر هادي للسيدة خلفه وهو يسحب الشاب معه قائلا: خد الست خليها ترتاح يا فرج على القهوة عشان الروماتيزم لأننا هنتأخر اياكش ام اشرف تيجي تقفشكم ونخلص...
أنهى حديثه وهو يسحب الشاب معه والذي لم يفهم شيء مما يحدث: هو في ايه مش فاهم؟

متخافش يا حبيبي هنروح انا وانت حفلة على شرفك وهنجيب تورتة ونهوف عليها سوا...
ثم تمتم في سره بغضب جحيمي: قال هتقدم للانسة شيماء قال...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة