قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الخامس

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الخامس

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الخامس

تراجعت فاطمة للخلف وهي تكاد تبكي رعبا فتلك الصرخة الرابعة من نفس الشخص في يوم واحد وبسببها هي، هي ليست بكاءة في العادة لكن ذلك الشخص حقا يرعبا لدرجة رغبتها في الانكماش على نفسها في ركن هنا والبكاء برعب.

كان زكريا يغلق عينه وهو هادئ بشكل مريب من يراه يظنه مات لكنه كان يغلق عينه يستغفر ربه، فتح عينه و وجّها سريعا للأرض وهو ينهض بهدوء شديد وكاد يحرك يده ليعتدل حتى صرخت فاطمة بفزع وعادت للخلف، تحرك الشاب الذي يعمل في المحل واقترب من زكريا سريعا لمساعدته ومد له يده.
امسك زكريا يد الشاب ونهض بهدوء يتلاشى النظر لوجهها ثم مد يده سريعا ليعدل من وضع العلب التي سقطت لكن الشاب منعه من ذلك:.

ولا يهمك سيبها كده كده كنت هغير النظام عشان مضيق الممر.
ابتسم له زكريا بهدوء ثم أخذ ينفض ثيابه ولم ينظر حتى للفتاة خلفه والتي أخذت تبكي بخوف وهي تضم حلواها لجسدها تخشى أن يصرخ بوجهها أو يتهمها بأنها تفتعل له هو بالتحديد المصائب كانت تفكر في ذلك وحديث بثينة يدور في رأسها ليزداد بكائها وهي تهتف بصوت خافت:.

والله أنا اسفة والله مش قصدي والمرة اللي فاتت برضو والله كل مرة غضب عني حتى المرة بتاعة الماية والله انت اللي كنت بتيجي تحت البلكونة وانا بدلق الماية
انهت حديثها بخوف وهي تقر على افعالها بكل غباء ظنا منها أنه بالفعل يدرك من هي، ولم تعرف أنه في كل مرة لم يرفع حتى عينه بها...

اغمض زكريا عينه لا يصدق أن تلك التي خلفه هي من تسبب له المصائب منذ الصباح تلك المزعجة، فتح عينه بغيظ ولم يكد يجيبها حتى وقعت عينه على ذلك الشاب الذي يرمقها بنظرات تبدو مستترة لكنها كانت واضحة لزكريا ليدرك جيدا دواخله وما يفكر به، شعر بالغضب الشديد لذا خرج صوته هادئا مخيفا:
حصل خير اتفضلي حضرتك مينفعش تنزلي في الوقت ده.

نظرت فاطمة لظهره بعدم فهم لما يقول لتفتح فمها قائلة اغبى جملة قد تنطقها طوال عمرها:
طب والحلويات؟
منع زكريا ضحكته من الخروج ثم نظر للشاب وأخبره أن يعطيها اشياءها ولم ينس أنه يوجه له نظرة نارية مع حديثه.
ارتبك الشاب من نظرات زكريا وتحرك للمكتب وأحضر الحقيبة أعطاها لفاطمة التي وضعت بها ما تمسكه وأخرجت أموال ووضعتها في يده سريعا ثم سارت بخطوات متعجلة لخارج المحل دون حتى أن تلقي نظرة إضافية.

استدار زكريا للشاب وأخرج ثمن علبة العصير التي التقطها من الأرض ووضعها في يده بعنف وهمس له بغيظ وغضب:
حاول متخليش عينك تدور في كل مكان، ثبتها في مكان واحد ويا حبذا لو كان الأرض.
أنهى كلمته وهو يخرج سريعا تاركا الشاب ينظر للاموال بسخرية ثم سار عائدا لمكانه مجددا...

كانت فاطمة تسير وهي تنظر خلفها ترى إذا كان ذلك الشاب يلحق بها أم ماذا؟ وعندما اطمئنت لدخول البناية الخاصة بها أطلقت لساقها الريح وهي تركض على الدرج تفكر أنه لم يكن بمقدار السوء الذي وصفته بثينة ابدا ام أنها لم ترى منه شيئا بعد لتحكم؟
وعلى ذكر بثينة وجدتها تخرج من الشقة المقابلة وهي تعدل حجابها لتبتسم لها فورا...
القمر كان فين دلوقتي؟

أشارت فاطمة لما تحمل بيدها لتهز بثينة رأسها بتفهم وتقول سريعا وهي تهبط الدرج:
حبيبتي بالهنا والشفا، هشوفك بعدين عشان مستعجلة...
وسرعان اختفت من أمام فاطمة التي لوحت لها بيدها ودخلت سريعا للشقة الخاصة بها...
كان هادي يمسك ذلك الشاب في منطقة هادئة بعيدا عن الأعين وهو يستجوبه كما لو كان في مركز شرطة:
ها قولتلي تعرف الآنسة شيماء منين بقى؟

نظر له الشاب لا يفهم شيء من حديثه ما علاقته هو بشيماء فهو يعرف رشدي وهذا ليس هو:
وانت مالك يا جدع إنت؟ انا سألتك على بيتها بتدخل ليه؟
رمقه هادي بغضب شديد ثم سريعا جذبها وضرب ظهره في الحائط وهو يقترب منه بشر:.

تعرف إني ممكن امسكك ادفنك مكانك دلوقتي ومحدش هيعرفلك طريق؟ بص تحت رجلك كده، هنا نفخت كل واحد سولت ليه نفسه وجه يتقدم لشيماء أو حتى بصلها نص بصة، تحب نقفل الدستة بيك ولا تاخد ست الكل والتورتة وتروحوا تهفوا عليها في بيتكم والبيبس عليا؟
ابتلع الشاب ريقه برعب وهو ينظر لعين هادي يفكر أن ما قاله حقيقة فنظرته تلك تخبرك أنه يكبت وحشه بداخله:
انا مش فاهم انا عملت ايه غلط انا جاي طالب أيدها بالحلال؟

نظر له هادي بغضب وهو يرفع يده ويشكلها على هيئة قبضة وكأنها على وشك قتله:
ياض، برضو هيقولي حلال، غلط انك بصتلها اساسا
يعني بصيت للملكة؟ دي حتى لا جسم ولا شكل ده هو بس فلوس ابوها ومكانة اخوها اللي متقلة كفتها...
صمت قليلا ليدرك حديثه على هذا الذي أمامه: لا هي الصراحة كلها على بعضها متقلة الكفة اوي يعني
أنهى حديثه مطلقا ضحكة صاخبة ثم نظر لهادي الذي كان صامتا بملامح جامد:.

تلاقيك إنت كمان عينك على الشيلة دي بس خلي بالك الشيلة تقيلة اااا...
قاطع كلمته تلك اصطدام رأسه بالحائط خلفه لتنطلق صرخة من فمه هزت الإرجاء وما كاد يبتعد حتى وجد لكمة تنطلق لوجهه بعنف شديد وغضب جحيمي لا يستطيع السيطرة عليه، كان يضربه وغضبه يزداد بداخله صارخا به:
الشيلة دي هتكون إنت يا روح امك لما يجوا ياخدوك، شيماء دي برقبتك أنت وعيلتك يا زبالة.

أنهى حديثه وهو يزداد بالضرب في وجهه دون أن يعطيه فرصة للتنفس حتى ما بين كل ضربة وأخرى...
اندفع زكريا من العدم وهو يجذبه بعيدا عن ذلك الشاب الذي يكاد يموت بين يديه ليستمر هادي ورغم تقييد يده من قِبل زكريا إلا أن قدمه لم تتوقف عن ضربه في خصره وهو يسبه بأشنع الألفاظ التي عرفها طوال حياته...
بس يا غبي بقى هيموت في ايدك يا متخلف.

صرخ هادي بغيظ وهو يحاول الوصول له مجددا بعدما سحبه زكريا بعيدا عن جسده الملقى ارضا:
ما يموت ولا يروح في ستين داهية ده عيل ابن...
لم يكد يكمل كلمته حتى وضع زكريا يده على فمه وهو يصرخ يفرج الذي حضر معه:
خد الزفت ده من وشه يا فرج هيقتله الغبي ده...
تحرك فرج سريعا ليسحب الشاب وهادي يصرخ به: سيبه يا فرج عشان لو مسبتوش أنا مش هعملك حاجة تانية وريني مين اللي هيحصل الاشواق ليك.

تجاهله فرج وهو يسحب الشاب لعند والدته فهو معتاد على هذا الأمر كلما تقدم أحد لخطبة شيماء لكنه لم يكن بضرب أحد أبدا بل كان يكتفي بتهديده وتخويفه لكن ذلك الشاب استفزه وبشدة ليخرج به غضبه كله...
امسك فرج يد الشاب الذي كان يسير مترنجا وهو يصرخ بكلمات غاضبة ومهددة:
والله لاوريك يا زبالة انا مين، بتستقوى عليا عشان في منطقتك يا حيوان؟

تحدث فرج بهدوء شديد وهو يسانده للسير: لو مكانك هاخد امي واروح على رجلي بدل ما تروح على نقالة أو في عربية بوليس لان لو رشدي عرف إنت قولت ايه على أخته وكنت جاي تخطبها عشان ايه هيكمل عليك وبعدين يرميك في الحجز
نظر له الشاب برعب وخوف شديد وقد أدرك أنه استمع لحديثه مع هادي...
صرخ زكريا في هادي وهو يدفعه على الجدار مكان دفعه للشاب سابقا يصيح به وهو يضرب جانب رأسه بغيظ:.

انت غبي؟ مفيش عقل هنا؟ افرض سابك وراح قال لرشدي يا متخلف إنت؟ مش هتبطل غبائك وحركاتك دي؟
نظر له هادي بهدوء شديد وهو يبعده عنه: لا يا زكريا مش هبطل وأي واحد يفكر يجي ناحية شيماء انا هقتله وملكش دعوة بيا لان عند دي وهنزعل من بعض
أنهى كلماته ليستقبل سريعا صفعة من زكريا جعلت وجهه يتجه للجانب الآخر من قوتها يتبعها صراخ زكريا في وجهه بغضب:
انت بتكلمني على اساس اني هفرق بينكم يا حيوان؟

رفع هادي نظره لزكريا ولم ينطق ليجذبه زكريا من ثيابه بعنف شديد وهو يتحدث إليه بتهديد:
قسما باللي لا يمكن احلف باسمه كدب يا هادي أما وقفت كل اللي بتعمله ده لأقول لرشدي، انت صاحبي وهو كمان صاحبي ودي أخته.
امسك هادي يد زكريا التي كانت تتمسك بتلابيب ثيابه وضغط عليها بقوة وهو ينظر لعينه بهدوء مريب:
لو يرضيك تقتلني وانا عايش يا زكريا اعمل اللي قولته...

وليه تعمل في نفسك كده يا هادي اتقدم ليها لما انت متنيل على عين اهلك وعايزها مينفعش اللي بتعمله...
هكذا تحدث زكريا محاولا أن يعيد رفيقه عن جنونه الذي يتلبسه كلما تعلق الأمر بشيماء حتى أصبح أشبه بحالة لديه، يكفي ذكر اسم شيماء في جملة لتتغير ملامحه وينقبض فكه ويضم يده بغضب حتى تشعر أنه يكاد يهجم عليك...
متقولش اي كلام عشان إنت اكتر واحد عارف حصل ايه يمنعني من كده...

كانت تلك كلمات هادي ردا على عرض زكريا الغبي، هل يظن أنه لو كان لديه فرصة معها دون حواجز كان ليتردد بسحبها من منزل اخيها وسجنها في غرفته حيث لا يصل لها أحد ولا يراها أحد سواه
ابتسم زكريا يراقب وجع صديقه أثناء كلماته السابقة ليبتعد عنه جاذبا إياه لاحضانه بحنان هامسا:
انت اللي اخترت وقت غلط يا هادي...

تحدث هادي بحزن وهو يبادل رفيقه العناق بوجع: أول فرصة تيجي هتقدم ليها بس عايز اتقدم ومترفضنيش تاني يا زكريا، اول مرة كسرتني
ربت زكريا على ظهره وهو يبعده عنه بضحكة خافتة يتذكر مظهر هادي وقتها:
يعني ملقتش غير وقت ما هي منهارة عشان العريس رفضها وتدخل تقولها انا هتجوزك عشان تحسسها أنها شفقة منك؟ كان شكلك زبالة الصراحة وهي بترفضك...
ضربه هادي في صدره بغيظ وهو يضحك متذكرا تلك اللحظة: ردت في صدري قتلتني...

صمت ثم ضحك بصخب يتذكر ملامحها الحبيبة وهي تنظر له بصدمة وغضب شديد صارخة في وجهه عكس طبيعتها الهادئة:
هموت كل ما افتكرها وهي واقفة قدامي وحتى ما وصلتش لاول صدري وتقولي مين ده اللي اتجوزه؟ أبيه هادي؟ القادرة بتقولي أبيه، دي مش بتقولها لرشدي المعفنة بس على مين رجليها مش هتخطي برا بيت اخوها الزبالة ده غير على بيتي وتوريني وقتها ابيه بقى.

أنهى كلمته لينفجر زكريا في الضحك عليه ثم ضربه بعنف على رقبته أكثر من مرة مع كل كلمة:
كلامك يا عسل و الفاظك يا قمر وحدودك يا سكر ونظراتك يا مانجا
ابعد هادي يده بحنق وهو يتحدث: وايدك يا جحش.
نظر له زكريا ثوانٍ لينفجر الاثنان في الضحك بعنف وزكريا يجذب رأس هادي له بمزاح يدعو الله أن يوفقه بحلاله ويسعد قلبه، وأن يرزقه هو بحب مماثل له فبالنظر لعين هادي يتمنى لو يجد يوما من يبادلها حب مماثل...

وهناك بعيدا عنهما بقليل كانت تقف تتوارى في الظلام وهي تستمع لكلام الإثنين عن شيماء، ارتسمت بسمة غريبة على شفتيها وهي تنسحب ببطء دون أن يشعر أحد بها...
خرج رشدي من غرفته بعدما انتهى من الاستحمام وتبديل ثيابه ليتحرك نحو الباب لكن توقف فجأة وهو يستمع لصوت شيماء الناعس خلفه ويبدو أنها للتو استيقظت:
رشدي كويس إني لحقتك قبل ما تخرج، هات موبايلك ارن على البت بوسي عشان رنت عليا وانا نايمة ومش معايا رصيد...

ابتسم رشدي بسمة مرعبة دون أن تراه واستدار لها ببطء ثم مد يده لها بهاتفه ونظر لها بترقب وهي تأخذه من يده ثم أخذت تضغط على الارقام التي تحفظها جيدا ووضعت الهاتف على أذنها في انتظار الرد لتسمع رسالة صوتية تخبرها أن الهاتف لا يحتوي اي رصيد...
أبعدت الهاتف عن أذنها وهي تنظر له بعدم فهم ثم رفعت عينها تسأل رشدي دون الانتباه لملامحه:
ايه ده هو انت مجددتش الباقة؟

ابتسم رشدي بسمة مخيفة وهو يتقرب منها بضع خطوات: لا جددتها من 6 ايام بالضبط...
نظرت هي للهاتف بتعجب ثم شهقت فجأة وهي تفتح عينها بصدمة محدقة في وجه اخيها:
اه يا ولاد الحرامية، الشركة دي نصابة على فكرة دي مش اول مرة تعملها...
هز رشدي رأيه باقتناع مرددا خلفها وهو يقترب أكثر: فعلا دي مش اول مرة تعملها، عملتها قبل كده وحذرتها ورجعت عملتها تاني...

ابتلعت شيماء ريقها وقد انتبهت بنظرات اخيها لتعود للخلف بخوف وهي تقول:
طب ما تقطع تعامل معاهم يا رشدي يابني ايه اللي مخليك مستحملهم...

ابتسم رشدي وهو يسحب هاتفه من يدها واضعا إياه في جيب بنطاله ثم سحب حزامه من بنطاله وضرب به في الهواء لتنطلق صرخات شيماء برعب شديد وهي تركض سريعا وخلفها رشدي الذي أقسم أن تنال عقابها فهذه ليست المرة الأولى لها التي تفعل فيها هذا ولكن هذه اول مرة يتعرض فيها لموقف كهذا بسببها...
بقى انا يا زبالة شوية شمامين يعلموا عليا عشان مش قادر اتصل بالقوات لان الكونتيسة مش مبطلة رغي من تليفوني؟

دخلت شيماء لغرفة والديها والتي قابلتها اول شيء في طريقها وهي تتجه سريعا للسرير الذي يجاور الخزانة وصعدت عليه من ثم وضعت قدمها على ظهر السرير وصعدت بعدها لفوق الخزانة المنخفضة نسبيا في حركة معتادة منذ الصغر كلما أرادت الاختباء لتصيح مدافعة عن نفسها:
وهو يعني القوات مش معاها رصيد تتصل هي بيك؟
توقف رشدي فجأة ببسمة وكأنه اكتشف للتو غباءه: اه صح تصدقي؟ انا ازاي مخطرتش الفكرة دي على بالي مش فاهم؟

ابتسمت شيماء بسمة مشرقة من بسماتها المشهورة ليكمل رشدي وهو يخرج هاتفه ويضعه على أذنه ساخرا من الأمر الذي تقوله:
يعني مثلا اكون واقف بهدد رئيس العصابة وفجأة رئيس القوات يرن عليا واقول للعصابة، لامؤاخذة بس مكالمة مهمة، الو اه انا جوا دلوقتي لا لا متهجمش دلوقتي خمس دقائق كده و رن عليا أكد عليك، بالضبط لا مش معايا رصيد رن انت معلش.
أنهى حديثه الساخر وهو يرمق أخته ببسمة جانبية بمعنى احسنتي التفكير...

ابتسمت له وكادت تتحدث ليقطع حديثها الذي لم يخرج بعد صوت باب الحمام في غرفة والديها وصوت غناء شخص ما والذي لم يكن سوى والديهما الذي خرج من الحمام وهو يرتدي بيجامته ويحمل المنشفة واضعا إياها على كتفه وهو يغني ويتمايل بجسده مغمضا عينه دون أن يرى أن هناك أحد في الغرفة:
When marimba rhythms start to play
Dance with me, make me sway
Like a lazy ocean hugs the shore
Hold me close, sway me more.

Like a flower bending in the breeze
كان إبراهيم يغني وهو يتمسك بالباب ويرقص عليه ثم يتمايل للخلف وكأنه يؤدي رقصه وشريكه في الرقصة يرجعه للخلف، وبعدها اكمل غناء وهو ينحني قليلا ويدور بخصره مبتسما لكن أثناء ذلك فتح عينه ليرى وجه ابنه الذي يحمل حزامه بيده وينظر له نظرات بلهاء وابنته التي تحتل فوق خزانته كعادتها وهي تبادله نفس نظرات ابنه الكبير وهو مايزال منحني في نفس الوضعية أثناء دورانه...

ثوانٍ مرت ومازال الثلاثة على نفس وضعهم ونفس النظرات المتبادلة بينهم ليعتدل ابراهيم سريعا في وقفته وهو يجلي حلقه متقدما بخفة للمرآة ويقف أمامها مصففا شعره وهو يكمل دندنة لنفس الأغنية وكأن لا احد بالغرفة...
هبطت شيماء من مكانها بهدوء شديد وهي تهبط للفراش ثم للأرض وبعدها تحركت للخارج بهدوء شديد وخلفها رشدي الذي أغلق الباب وكأن لا شيء حدث ليهمس رشدي بعدم فهم:.

ابوكِ اتجن؟ بيرقص رقص شرقي وبيعمل حركة دينا على اغنية sway؟
نظر الاثنان لبعضهم البعض وانفجروا بالضحك على ما حدث منذ ثواني...
فيه ايه ضحكوني معاكم؟
انتبه الاثنان لتلك التي تقف عند الباب بعدما فتحت لها والدته وهي ترمقهم ببسمة لطيفة، هز رشدي رأسه بلا شيء وهو ينظر لأخته ثم أشار لها بتحذير:
آخر مرة سامعة؟

أنهى كلمته ثم قبل رأسها وخرج سريعا يلقي تحية عابرة خافتة على بثينة التي تراقبهم ببسمة لتشير لها شيماء نحو غرفتها...
خرج رشدي لخارج الشقة وهو يضع حزامه في بنطاله ليسمع فجأة صرخة جواره وسيدة تصرخ به بعنف وهي تركض للاسفل:
جاتكم البلا في سفالتكم...
لم يفهم رشدي قصدها ابدا لكنه هز كتفيه بعدم اهتمام وهبط سريعا للاسفل ليلحق برفاقه
يا ليلة سودة يعني مش بيشرب بس لا وكان ديلر؟

كانت تلك كلمة شيماء المفزوعة من حديث بثينة الذي قصته عليه للتو...
هزت بثينة رأسها تدعي الاسف الشديد: للاسف ده اللي حصل اول ما واجهته قالي كده وإنه مش هامة حاجة ولا هامة حد...
انهت حديثها ثم رفعت نظرها بحزن لشيماء وسقطت دموعها: ده حتى رفض اني اساعده يبطل يا شيماء، وبقى يقول الفاظ زبالة اوي مش مصدقة انها طالعة منه...

صدمت شيماء من حديث بثينة، هي لم تتوقع في حياتها أن يصل هادي لتلك النقطة فلطالما كان هادي مثال للرجل المستقيم والان ماذا؟
كانت بثينة تراقب ملامح وجهها بنظرات غامضة وهناك بسمة مرسومة على شفتيها لم ترها شيماء...
لتقول هامسة في نفسها: مكنتش اتمنى اكدب بالشكل ده بس طالما مش هقدر اخليك تنساها يبقى هخليها هي بغبائها تكرهك، وكل شيء مباح في الحب والحرب.

رمقت وجه شيماء ببسمة، تلك الغبية لا تدرك أن هادي يهيم بها عشقا منذ صغرها وهي عمياء تستمر بالتغابي، لذا هي لم يكن لديها مانع البتة في استغلال هذا الغباء لمصلحتها وتقربت منها وادعت صداقتها لتحرص دائما أن يكون هادي ابعد ما يكون عن دور الحبيب في نظر شيماء وإن اضطرت لتشويه صورته حتى، لن تتوانى عن ذلك فليست هي من تترك شيء يخصها لأحد حتى لو دمرت ذلك الشئ لقطع صغيرة ثم لفتات لن تتركه لأحد، هي مضطرة لمرافقة تلك الغبية والاستماع دائما لبكائها المستمر حول جسدها البشع والتحمل فقط لتحقيق هدفها، لكن يبدو أن هادي لا يستسلم ابدا إذا لا مانع من زيادة الأمر بعض الشيء...

في الصباح بعدما انتهى لؤي من الإفطار أخذ جريدته وهبط لمحله تاركا وداد تنتهي من أعمالها المنزلية وزكريا يبدأ حلقات تحفيظ القرآن الخاصة به والتي ينظمها في الإجازة الخاصة بالدراسة لتمضية وقته في شيء نافع...
بدأ زكريا يستقبل الاطفال واحد تلو الآخر ليجلس معهم ويبدأ في تلاوة بعض الآيات بطريقة متقنة صحيحة والأطفال يرددون خلفه في خشوع وجو بهيج يسر أعين زكريا لكنه توقف وهو يشير للاطفال بالانصات له:.

تمام انتم شطار وحفظتوا الآيات اللي كانت عليكم صح بس ناقص حاجة...
نظر له جميع الأطفال في ترقب ليقول ببسمة: التجويد والأحكام، ليه مش سامع حد منكم بيقرأ بيها؟ هو احنا مش درسناها سوا ولا هي مش مفهومه؟ اعيدها تاني؟
تحدث أحد الأطفال بهدوء: لا انا فاهمها يا شيخ زكريا بس مش بقرأ بيها عادي هو لازم.

ضحك زكريا بصخب على حديث ذلك الصبى العاطفي ثم قال: ولو مش لازم يا محمد هديها ليكم ليه ثم إن الحركات والتجويد عاملة زي البهارات...
رأى نظرات الجهل تطفو على وجوه من أمامه ليبدأ بتوضيح حديثه: يعني مثلا ينفع نطبخ الأكلة بدون بهارات رغم أننا عندنا في البيت بهارات؟ وناكلها كده بدون طعم ونقول هو لازم يعني بهارات؟

هز الجميع رأسه بالنفي ليبتسم لهم زكريا مكملا حديثه: هكذا هو القرآن يكتمل بالتجويد والقراءة الصحيحة. عليك بتذوق حلاوة آياته و تتلوه تلاوة صحيحة، أفهمتم؟
اجل يا سيدي...
خرجت وداد من المطبخ وهي تمسح يدها مرددة بهمس ساخر: اجل يا سيدي، هتخلي العيال زيك يا زكريا...
اتجهت جهة الباب الذي مستمر بالدق بكل إصرار لتفتحه وتجد أمامها سيدة تبتسم بطيبة وحنية لتقول بتساؤل:
لو سمحت هو ده بيت الشيخ زكريا؟

هزت وداد رأسها بإيجاب لتكمل منيرة ببسمة: انا منيرة ساكنة جديدة في العمارة اللي بعدكم ببتين وعرفت أن الشيخ زكريا فاتح حلقة تحفيظ قرآن صحيح الكلام ده؟
ابتسمت لها وداد وهي تفسح الطريق لها للدخول إذن هي أتت لأجل طفلها:
ايوة صحيح اتفضلي ادخلي هو عنده حلقه دلوقتي...
انهت حديثها لتجد منيرة تدخل بخجل: معلش اعذريني جيت من غير ميعاد.

ابتسمت لها وداد بود شديد وهي تدلها على الصالون ثم قالت بهدوء: لحظة هناديلك زكريا...
تركتها متوجهة حيث ابنها الذي كان يستمع لبعض الاطفال وتلاوتهم لكن والدته نادته مقاطعة إياهم:
زكريا تعالى عايزاك...
هل من خطبٍ يا أمي؟
كذلك قال زكريا وهو يرفع رأسه لوالدته فقد كان يجلس في حلقة مع الاطفال على الأرض، لوت وداد فمها ثم قالت:
لا يا روح امك لكنني احتاجك في مصلحة...

ضحك الاطفال جميعهم على حديث وداد ليتحدث زكريا وهو ينهض بضيق: صهٍ، ما بكم؟ هل هي المرة الأولى التي أُوبخ بها أمامكم أم ماذا؟ هيا لينظر كل واحدٍ في كتابه فعندما اعود سأختبركم.
أنهى حديثه وهو يتجه لوداد بملامح متذمرة: ما بكِ أمي؟ أخبرتك ألا تسخري مني أمام الأطفال انظري جعلتيهم يضحكون عليّ.
لا مؤاخذة يا ولدي لكن هناك امرأة في انتظارك خارجا لذا أسرع إليها.

رمقها زكريا بتساؤل شديد عن هوية تلك المرأة: مرأة؟ أي مرأة؟
لا ما احنا مش هنفضل في جو كليلة ودمنة ده كتير والأكل هيشيط اطلع إنت شوفها...
ثم تركته وركضت للمطبخ لينظر زكريا في أثرها بتعجب وبعدها خرج حيث تلك السيدة ليجد سيدة كبيرة من عمر والدته تقريبا تجلس بكل هدوء...
السلام عليكم يا خالة...
رفعت منيرة عينها بتعجب لتلك اللهجة التي يتحدث بها: عليكم السلام يابني.

اقترب منها زكريا قليلا ثم جلس بهدوء على مسافة مناسبة وهو يرى والدته التي خرجت مجددا من المطبخ لتبقى معهم:
أخبرتني امي أنك تحتاجيني، بما اساعدك؟
ابتسمت منيرة باتساع وهي تردد: الله ده مدبلج، معندكش دبلجة بالسوري احسن انا اموت في اللهجة السورية اوي.
امتقع وجه زكريا من حديثها بينما انطلقت ضحكة والدته بعنف عليه، ليردد وهو يعتدل:
اتفضلي اساعدك ازاي؟

تحدثت منيرة سريعا وهي تلقي له بحديثه: انا عرفت يعني إن حضرتك بتحفظ قرآن فكنت حابة اني اجيب بنتي تحفظها معاهم، كتكوتة ماما حبيبتي شاطرة اوي وبتحفظ بسرعة
نظر لها زكريا قليلا هو لا يتعامل كثيرا مع الفتيات لكن لا بأس طالما أنه سيسعى لفعل خير:
تمام مفيش مشكلة ممكن تيجي كمان ساعة كدة اكون خلصت مع الاطفال اللي جوا لانهم كلهم صبيان وانا هبعت اجيب لبنت جارنا تاخد معاها عشان متبقاش لوحدها وتتكسف...

اه يا خويا والله دي بتتكسف من خيالها بس والله طيبة وهبلة
ابتسم زكريا على حديث تلك السيدة والتي يتضح له طيبتها الكبيرة...
ثم نظر لوالدته: كمان ساعة يا امي هتكوني فاضية تقعدي معايا ومع البنات
هزت والدته رأسها بإيجاب ليبتسم زكريا: تمام يا خالة كمان ساعة هاتيها اكون خلصت.
ابتسمت منيرة ونهضت وهي تهز رأسها بإيجاب ثم تحركت جهة الخارج وهي تشكره لكن توقف فجأة وهي تنظر له ببسمة مترددة:.

ممكن تقولي كلمة مدبلجة كمان قبل ما امشي؟
دخلت بثينة لشقة عمها بعدما فتحت لها سناء التي زفرت بضيق من وجودها فهي يوما لم تحب بثينة:
ادخلي يا بثينة يابنتي فيه حاجة؟
تجاهلت بثينة حديثها والذي تعلم جيدا منه أنها لا تطيقها: لا أصل امي قالتلي اجيلك عشان نحضر لعمايل القرص، مش انتم هتعملوا قرص انهاردة برضو؟

سألتها بثينة بتعجب لتضرب سناء جبهتها بضيق وقد نست تماما الأمر: يا دي النيلة ده انا نسيت اجيب سمنة بلدي ولسه طالعة...
ابتسمت بثينة باتساع وهي تقول بسرعة لها قبل أن تقترح نزولها هي: طيب روحي هاتي سمنة وانا هعجن العجينة لغاية ما تيجي واصلا امي دقيقة وتكون هنا...
نظرت لها سناء بتردد شديد ثم قالت وهي تتجه للباب وتحمل محفظتها التي تضعها بجوار الباب وقالت سريعا:.

طيب عندك كل حاجة في المطبخ ومتعمليش صوت عشان هادي نايم جوا، وسيبي الباب مفتوح.
قالت آخر كلماتها وهي تترك باب المنزل مفتوح وهبطت سريعا لشراء السمن تاركة بثينة تقف وهي تنظر للباب ببسمة:
يا سلام وماله نسيب الباب ده مفتوح...
ثم نظرت لباب غرفة هادي تقول بخبث شديد: ونقفل باب تاني...

انهت حديثها وهي تتجه بخطوات هادئة لغرفته حريصة على عدم إصدار أي صوت، فتحت الباب بهدوء شديد ثم تحرك لغرفته التي تعم في الظلام بسبب غلق النوافذ، اقتربت ببطء منه حتى وصلت للفراش حيث كان ينام هادي بهدوء شديد على بطنه وهو بدون ثيابه العلوية ويده تتدلى للاسفل، ابتسمت بثينة وهي تنحني لتجلس على ركبتها ارضا جوار الفراش ثم اقتربت بوجهها منه وأخذت ترمقه ببسمة، رفعت يدها ببطء ترغب وبشدة في لمس شعره الذي لطالما اغراها لتخلل أصابعها فيه، رفعت يدها ببطء وكاد تمدها للمس شعره لتجفل فجأة بسبب يد هادي التي أمسكت يدها بعنف حتى كاد يكسرها ليقول بصوت خرج منه مخيفا وبشدة:.

بتعملي ايه؟
والدي مريض برجاء الدعاء ليه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة