قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل السادس

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل السادس

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل السادس

لم تستطع رفع عينها من عليه، كم يبدو وسيما عن قرب، تنهدت بهدوء شديد وكأنها تخرج لوعة قلبها في هذه التنهيدة، نظرت لشعره الجميل الذي لطالما اغواها للمسة وبدون أدنى تفكير مدت يدها ببطء جهة شعره تود لمسه وتخليل أصابعها فيه لكن فجأة وجدت يده تمسك يدها بعنف وكأنه خطاف. لتشعر بوجع في رسغها، وصل صوته لها هادئ وناعس لكن رغم ذلك جعلها ترتعش خوفا:
بتعملي ايه؟

ابتلعت بثينة ريقها برعب وهي ترى نظرته التي تكاد تحرقها حية لتخرج حروفها متلعثمة بشكل يثير الشفقة:
انا، انا كنت، كنت جاية اصحيك. مرات عمي هي اللي قالتلي اعمل كده.
انهت حديثها سريعا وهي تتنفس بعنف ليرمقها هو بنظرات مليئة بالشك لكنها لم تمنحه فرصة الحديث حيث سحبت يدها سريعا وبصعوبة وتحركت جهة الباب سريعا مرددة بتوتر:
فوق يلا وانا هحضرلك الفطار عشان مرات عمي نزلت تجيب حاجة.

انهت حديثها وهي تفتح الباب وكادت تخطو خارجه حتى سمعته ينادي اسمها بنبرة ما تزال يظهر فيها النعاس لكنها جادة مرعبة:
بثينة...
استدارت له ببطء ترسم ملامح متعجبة على وجهها في انتظار حديثه، ليبادر هو بالقول بكل جدية ناظرا لعينها:
مينفعش تدخلي اوضة حد بدون استئذان وخصوصا لو شاب، وكمان تقفلي الباب، كده غلط وكبير اوي. اتمنى متدخليش اوضتي تاني.

أنهى حديثه وهو يسحب ثيابه من الأرض ليخفي جذعه العاري عن انظارها بينما هي ظلت واقفة تنظر له نظرات غامضة.
انتهى هادي من ارتداء الثياب العلوية الخاصة به ثم نهض متجها للباب تاركا إياها تقف جواره متصنمة، خرج متجها للحمام الوحيد بالمنزل وهو يزفر بضيق لما كاد يحصل، دخل الحمام سريعا وأخذ يغسل وجهه بعنف ويمسحه بقوة وكأنه يرغب في نزع الجلد عنه نظر لنفسه في المرآة وهو يسب نفسه:
غبي، غبي.

تنفس بعنف وهو يستند بمقدمة رأسه على الجدار يتذكر ما حدث منذ قليل فهو كان نائما يحلم بها كعادته وفجأة شعر بأنفاس ساخنة تضرب وجهه للحظة ظن أنها هي وأن خياله رأف بحالته وقرر استحضارها خارج أحلامه علّه يروي ظمأة لكن، فشلت كل آماله ولم يكن الامر مخططا من خياله بل كان واقعا ملموسا وهو يفتح عينه ويجد بثينة ترمق شعره بنظرات غريبة ويدها تتجه له و دون شعور أو تفكير وكردة فعل طبيعية امسك يدها بسرعة قبل لمسة، ماذا كان سيحدث إن كان انجرف وراء خياله اللعين وجاراه في الأمر، كان يمكن أن...

عند هذه اللحظة فتح عينه بصدمة وهو يمسح وجهه بغيظ شديد يستغفر وجهه، كان يمكن أن يؤذي بثينة أو يقول شيء هو نفسه يخجل منه، فما بالك بفتاة.
كانت هي ما تزال تقف في غرفته بملامح جامدة سرعان ما تحولت لبسمة مخيفة وهي تردد ترمق يدها بحالمية:
اول مرة تلمسني يا هادي، ومش اخر مرة يا قلبي.

كان الجميع يجلس على طاولة الطعام بهدوء ليرمق رشدي أخته التي لا تأكل سوى بعض الجبن المعد في المنزل وبعض الخضار حريصة على عدم لمس أي شيء آخر، ضرب بيده الطاولة بغضب شديد ليلتفت له الجميع بعدما كان كل شخص منتبه في شيء.
تجاهل رشدي نظرات والديه المتساءلة ليحدق في اخته بغضب شديد: شيماء كلي عدل...
نظرت له شيماء وهي تبتلع ريقها مرددة بخفوت: انا اسفة حاضر.

و آه لو تعلم مقدار الالم الذي ينخر الآن في قلبه بلا رحمة بسبب تلك النظرة وقلة الحيلة التي تظهر في عينها، هي تقتله بالبطئ تحرك من مقعده بهدوء ثم اتجه لها تحت نظرات الجميع المتعجبة، انحنى قليلا جوار مقعدها وهو يمسك يدها بحنان فما لديه في هذه الحياة اغلى وأقرب لقلبه من صغيرته التي رباها على يده ورغم الفارق الصغير بينهم إلا أنه من طفولته كان هو فقط المسموح له بحملها صارخا في الجميع أن يتركوا دبدوبته وشأنها، انحنى قليلا وقبل يدها بحنان:.

هو انا عمري ارضالك الوحش يا دبدوبتي؟
هزت شيماء رأسها برفض ليبتسم لها بحنان: يبقى ليه بتعاندي؟
صمت قليلا ولم يكن ينتظر منها إجابة حتى، ليقول بعد صمت طويل: انا حجزلتك عن دكتورة كويسة اوي الكل بيشكر فيها.

كادت تتحدث ليقاطعها برجاء: عشان خاطري، المرة دي انا هاجي معاكِ على طول بس تأكدي يا شيماء اني بعمل ده كله عشان النظرة التي في عينك دي، بس انا لو عليا اقسملك بالله ما يهمني حاجة ابدا لاني بحب دبدوبتي كده بخدودها بكل حاجة فيها.
ابتسمت له شيماء تحاول كبت دموعها وهي تهمس له بحب: ربنا يديمك ليا يارب يا رشدي.
ابتسم لها رشدي بحنان وكاد يتحدث لولا كلمات والده التي اخرجتهم من شرودهم:.

لولا أنكم اخوات انا كنت شكيت فيكم ياض...
نهض رشدي وهو يضحك وتشاركه في ذلك شيماء ماسحة تلك الدمعة التي كانت على وشك الهبوط...
ضم رشدي رأسه شيماء والذي ولم يصل حتى لصدره وهو ينحني مقبلا إياه بحنان:
لو ماكنتش اختي انا لا يمكن كنت احلها ابدا وهاجي الزقلك في البيت لغاية ما اتجوزها، حد يلاقي الجمال الطعامة دي ويسيبها يا حاج ابراهيم؟

صمت ثم نظر لوالدته وقال بتذكر وهو يحمل اشياءه متوجها لعمله: اه صحيح يا ست الكل ابقى دلعي الراجل شوية لاحسن حالته بدأت تسوء...
أنهى حديثه ثم تحرك جهة الباب وهو يدندن الاغنية التي كان يغنيها والده البارحة...
نظرت والدته لابراهيم بشك: ابنك قصده ايه
ضحك ابراهيم بعنف يتذكر ما حدث البارحة: عيالك مش بيجوا غير في لحظاتي الخاصة اساسا سيبك منهم يلا همشي انا سلام عليكم.

أنهى حديثه وهو ينهض مقبلا رأس زوجته وابنته ثم تحرك راحلا سريعا لعمله فهو يعمل محاميا في إحدى الشركات...
ابتسمت شيماء وهي تدعو الله أن يديم سعادة عائلتها...
صحيح يقطعني نسيت ابلغهم إن خالتك جاية بكرة...
انتبهت شيماء لحديث والدتها ذاك وهي تقول: خالتي؟ غريبة يعني فجأة كدة؟ عموما تنور دي وحشتني اوي.
هزت والدتها رأسها ثم قالت وهي تكمل طعامها: هتيجي هي وعيالها والمرة دي شكلهم هيطولوا هنا.

رمقتها شيماء بتساؤل عن لمعرفة قصدها فأجابت والدتها ببسمة وهي تنهض حاملة الاطباق بيدها:
اصل هما بيوضبوا البيت بتاعهم وانتِ عارفة هي ملهاش حد تروح ليه غيرنا وانا قولت بدل ما تأجر بيت تيجي هنا البيت واسع واوضتها فاضية...
انهت حديثها وهي تتحرك مبتعدة تاركة شيماء تفرك وجهها بتوتر شديد فقدوم خالتها وبناتها يعد بمثابة شرارة إشعال الحرب، والاسوء هو بقائهم مدة طويلة...
ربنا يعدي زيارتهم على خير...

كانت تتمسك بباب شقتها وهي تتحدث بنبرة توشك على البكاء: يا ماما مش عايزة بالله عليكِ.
زفرت منيرة بضيق شديد وهي تجذبها اقوى لا تفهم سبب رفضها للذهاب عند الشيخ فهي منذ ساعة تقنعها أن تأتي معها وهي ترفض تماما حتى اضطرت لسحبها من المنزل دون حتى أن تبدل ثيابها فسحبتها وهي ما تزال ترتدي الاسدال الخاص بها والذي يسع لثلاثة أشخاص معها...
يابنتي تعبتي قلبي بقالي ساعة، هو هياكلك ده حتى عسل وبشوش...

هزت فاطمة رأسها برفض وهي تكاد تبكي. ماذا تخبرها أن هذا الشخص تحديدا من بين سكان هذه الحارة كادت تتسبب له في إعاقة دائمة أكثر من مرة، بل اربع مرات إن صح القول:
يا ماما والله هحفظ مع نفسي، اقولك في شيوخ على النت حلوين اوي هحفظ معاهم.

زفرت منيرة بغيظ من عناد ابنتها: وهما شيوخ النت هيسمعوا ليكِ؟ طب ده الشيخ ده مفيش حد في الحارة كلها إلا أما شكر في أخلاقه ولطفه وطيبة قلبه، وإن هو بيحفظ كل اولاد الحارة لوجه الله...
صمتت قليلا ثم أضافت ببسمة غبية كطفل صغير: طب ده حتى طلع مدبلج
ضحكت قليلا وهي تنظر لابنتها التي تعدل نظارتها بحنق وتلوي شفتيها بغيظ:
ده كان بيكلمني زي المسلسل المكسيكي وبيقول كيف اساعدك يا خالة؟

انهت حديثها بفرحة شديد وكأن زكريا عاشق لها اعترف بعشقه بعد سنين فراق وليس فقط أنه تحدث أمامها ببضعة كلمات باللغة العربية الفصحى...
لم تجب فاطمة بل استمرت بالعبوس ولكن منيرة لم تدع فرصة مستغلة تركها للباب ثم جذبتها سريعا من يدها على الدرج وهي تقول لها بإصرار شديد:
هتروحي للشيخ المدبلج يعني هتروحي سامعة. لازم تختمي القرآن وامشي رافعة راسي بيكِ كده واقول بنتي حاملة للقرآن...

صمتت فاطمة ولم تجيب لرؤيتها نظرة والدتها الحزينة التي جعلتها تنسى كل شيء وتتجاهل اعتراضها:
انتِ عارفة اني مدخلتش مدرسة ولا بعرف اقرأ ولا اكتب فعايزاكي تحفظي وتيجي البيت تحفظيني معاكِ عايزة احفظ القرآن يا فاطمة هو انا طلبي صعب؟ عايزة اقرأ سور جديدة في الصلاة يابنتي.

دمعت عين فاطمة لحديث والدتها وذهبت لها وضمتها مقبلة رأسها بحنان. هي لا ترفض أمر حفظ القرآن نفسه لكنها ترفض أن يكون هو المسئول عن ذلك، لذا دعت أن يكون الرفض من عنده هو فكما تعلم عنه لا يقبل بالاقتراب من فتاة، وهي وقتها ستجتهد وتبحث عن أي وسيلة أخرى تتعلم بها مع والدتها...
كان يجلس وهو يتلو بعض الآيات لحين وصول الفتيات، لكن قطع خلوته تلك صوت والدته الهادي ينبئة بحضور السيدة وابنتها...

خرج بهدوء شديد يتبع والدته التي نادته من الداخل مخبرة اياه بحضور سيدة للقاءه، تقدم زكريا خلف والدته مبتسما بهدوء شديد متحفظ ليقابل تلك السيدة المرحة التي قابلها منذ ساعة...
ابتسم زكريا يتحدث بهدوء واحترام شديد لتلك المرأة بعمر والدته: ايوة اتفضلي يا أمي، جبتي الكتكوتة الصغننة عشان التحفيظ؟

رمقته تلك منيرة ببسمة متحمسة بشدة فهي قبل أيام قليلة أتت له لتطلب منه تحفيظ ابنتها للقرآن الكريم ورغم أنه لا يمتلك طالبات كثيرات إلا أنه لم يرفض لتلك السيدة المرحة البسيطة طلبا فهي ذكرته ببساطة والدته فقد اخذت تلح عليه في تحفيظ ( كتكوتة ماما) كما تقول على ابنتها...
ايوة يا شيخ اهي هي بس مك...

توقفت عن الحديث وهي تستدير ولم تجد ابنتها بجانبها تلك الشقية التي تأبى وبشدة المجئ، زفرت بضيق وهي تلمح ابنتها تقف على الدرج المواجه لهم لتندفع لها بعنف شديد لا يناسب جسدها الممتلئ وهي تجذبها بحدة تصرخ بها:
يا بنتي بقى حرام عليكِ تعبتيني معاكِ هو هياكلك ولا إيه؟

ابتسم زكريا يتفهم الأمر فدائما ما يحدث ذلك في أول مرة يأتي إليه طفل ثواني ووجد السيدة تقترب وهي تجذب تلك الكتكوتة التي، توقف عقله عن العمل وهو يرى تلك الكتكوتة التي تُسحب بعنف خلف والدتها، ودون أن يشعر وعلى غير عادته صاح باستنكار مشيرا لتلك الفتاة بعدما ابعد عينه سريعا عنها وقد لمح من نظرة واحدة أنها شابة يتخطى عمرها العشرين عاما كما يبدو:
دي كتكوتة ماما؟

تحدثت وداد من الخلف وهي تلوى فمها بمزاح: كتكوتة ايه دي فرخة يا حاجة...
ضحكت منيرة بشدة وهي تنظر لابنتها التي كانت ترمق زكريا وكأنه على وشك الانقضاض عليها...
تحدثت وداد بحرج تخفي ضيق ملامح ابنها: طب اتفضلوا ادخلوا نتكلم جوا احسن.
ماما يلا نروح البيت
كانت تلك الهمسة كافية لزكريا الذي كان ينظر لوالدته بأن يتعرف على صاحبة ذلك الصوت، إنها تلك المصيبة التي لا تنفك تسبب له كوارث...

ابتسمت لها منيرة وهي تتقدم مع ابنتها لداخل الشقة لكن فاطمة لم تتحرك بل استمرت بالنظر نحو زكريا بخوف حتى ناداتها والدتها بالدخول، تقدمت فاطمة ببطء شديد لداخل الشقة وكادت تخطو نحو الداخل مارة بزكريا حتى ركض زكريا واحتمى في باب الشقة متمسكا به وكأنه سيحميه من المصائب.

نظرت السيدتان له بتعجب لما يفعل لكن فاطمة هي فقط من تفهمت لما يفعل ذلك، هو يظن أنها تتعمد احداث مشاكل له، صمتت بضيق وهي تسير نحو الداخل وتتقدمها والدتها ووالدته وهو مازال يلتصق في الباب بخوف منتظرا أن تمر وتبتعد عنه...
لم تهتم فاطمة كثيرا وتحركت خلفهم وما كاد زكريا يتحرك غاضضا بصره واضعا عينه ارضا حتى وجد جسد الفتاة يفترش الارض وهي تتأوه بسبب الاسدال الخاص بها والذي تعرقلت به...

ورغم الموقف الذي هم فيه إلا أن زكريا ابتسم وقبل يده من الجانبين وهو يهمس بفرحة لنفسه:
الحمدلله، الحمدلله، قمر ولطف، كان قلبي حاسس والله.

نظرت له والدته بعدم فهم لحديثه، هل هو سعيد لسقوط الفتاة؟ ام، صمتت قليلا وهي تنحني وتساعد فاطمة للنهوض التي كانت تعبس بشكل مغتاظ، انتبهت وداد على فاطمة لتتذكر أنها نفس الفتاة التي سقطت على ابنها في المحل البارحة، لتبتسم وهي تدرك جيدا سبب خوف ابنها منها فيبدو أنه خشي أن تكرر الامر ثانيا ولم تدرك وداد أنه لم يكن ليكون ثانيا بل، خامسا.
يعني زوجة حضرتك طالبة الخلع يا استاذ ايه اللي مش مفهوم؟

كان ذلك صوت هادي الذي يجلس خلف مكتبه يستند بظهره على مقعده محركا قلمه بين أصابعه بهدوء شديد يراقب ذلك الذي يجلس أمامه وكأنه يجلس على جمر، رفع الرجل عينه لهادي الذي كان مبتسما في انتظار رده:
وإن رفضت؟
اعتدل هادي جيدا وهو ينظر الرجل بدقة: الموضوع مفيهوش تقبل وترفض. لان حتى الاختيار ده مش متاح، المدام طلبت طلاق بالحسنى وحضرتك رفضت يبقى ألقاك بإذن الله في محكمة الأسرة يا استاذ، شرفت.

أنهى هادي كلامه مشيرا لباب مكتبه بغضب مكبوت فهذا الرجل الذي حُسب للاسف على الرجال أتى ليغريه بالمال حتى يترك قضية زوجته كما فعل مع جميع من ذهبت لهم سابقا، فهو ليس بالهين بل هو صاحب اكبر سلسلة محلات الذهب في المنطقة والمناطق المجاورة بينما زوجته مجرد فتاة صغيرة لا تليق سوى أن تكون ابنته لا اكثر، بيعت له بأبخس الأثمان، و لأنها كانت من وجهة نظره بيعت له بثمن قليل إذا لا ضير من العبث بها وحتى تكسيرها إن أراد، لكن ما لم يحسب له حساب أن تلك اللعبة الصغيرة التي أكملت الثامنة عشر منذ اسبوع لا اكثر، كانت تنتظر أن تكمل هذا السن ليسجل زواجهم رسميا وتبدأ محاولاتها في الفرار من أسر ذلك المريض الذي يقبل بالزواج بفتاة يكبرها بضعف عمرها...

يعني ده اخر كلام عندك؟
هز هادي رأسه وهو مازال يشير له على الباب: بالضبط آخر كلام فخليه يكون بالحسنى بدل ما تكون الذكرى الأخيرة مني مش لطيفة...
نظر له الرجل بشر فكل من ذهبت له زوجته سابقا استطاع اسكاتهم بأمواله لكن تلك الغبية لا تكل ولا تمل:
قصدك ايه؟
ضرب هادي يده على المكتب بغضب لينتفض الرجل واقفا برع ويتبعه هو وينهض ثم صرخ به:
يعني اطلع برة مكتبي حالا...

ارتعب الرجل من نظراته تلك ثم ابتلع ريقه و عدل من وضع عباءته البنية على كتفه ثم قال قبل أن يخرج لعله يحفظ ماء وجهه:
تمام افتكر إنك اللي بدأت.
تحرك هادي من خلفه مكتبه بعنف ولم يكد يصل له حتى تحرك الرجل للخارج سريعا وهو يهرول مرتعبا من ذلك الرجل الذي لا يخفى عنه قوته...

زفر هادي يحدق في أثره بضيق ثم اتجه صوب النافذة في مكتبه الصغير المتواضع والذي أختار أن يكون في منطقته، فتح النافذة وهو يتنفس بضيق يمسح وجهه لكن لم يكد ينزع يده من على وجهه لتقع عيناه على مسكن جعل جسده يهدأ سريعا عكس ضربات قلبه التي ازدادت، فتح النافذة أكثر وهو يقترب لينظر لها جيدا تلك الصغيرة التي تتفنن في اغضابه...

اغمض عينه يتنهد بتعب وتلك الذكرى تلوح أمام عينيه لا تنفك تتركه أببدت في صحوته ولا حتى نومه...
تمام تمام، كل شيء قسمة ونصيب ولا يهمك، سلام عليكم
كان ذلك رشدي الذي استقبل للتو اتصالا أثناء جلوسه مع هادي في منزله، تساءل هادي وهو يكذب ما سمعه:
هو فيه ايه؟
رفع رشدي نظره له بعدما كان شاردا في طريقة يخبر بها أخته بالأمر:
العريس اللي كان جاي لشيماء اتصل. وقالي كل شيء قسمة ونصيب.

تشنجت ملامح هادي بعنف وهو يستمع لحديثه، متى أتى هذا العريس؟ كيف لم يعلم هو بأمره؟ خرج من شروده على رؤيته لشيماء تقف أمام الغرفة التي يجلس بها مع أخيها وقد أحضرت ضيافته كما طلب منها رشدي، ومن ملامحها يكاد يجزم أنها استمعت لما حدث...
وضعت الصينية أعلى طاولة تتوسط الغرفة ثم كادت تغادر لولا رشدي الذي ركض وجذبها لاحضانه سريعا فهو يعلم جيدا مقدار هشاشة صغيرته:.

حبيبتي متزعليش ياقلبي كل شيء قسمة ونصيب وده لا قستمك ولا نصيب، والصراحة كده معجبنيش الواد ده، بكرة يجي اللي يقدرك ويطلبك مني ياقلبي
ابتسمت شيماء بحزن وهي تدفن نفسها في صدر اخيها تخبر نفسها أن غدا سيأتي غيره لها ما عليها سوى الصبر، هي لم تكن يوما من المهووسات بالزواج لكنها تفعل كل ذلك فقط لتثبت لنفسها قبل الجميع أنها كالفتيات. مرغوبة.
اتجوزها أنا...

وياليته ما نطق تلك الكلمة، فبسببها تحولت تلك الدبدوبة اللطيفة إلى تلك اللعبة المرعبة التي تُستخدم في افلام الرعب وهي تبتعد عن أحضان اخيها ترمقه بصدمة. هل وصل بها الحال لتتجوز شفقة؟
تقدمت منه تاركة اخيها وهي تقف أمامه ترفع رأسها له فهذا العملاق أمامها تصل لما بعد خصره ببعض أنشات فقط:
اتجوز مين؟ أبيه هادي؟

فتح هادي فمه بصدمة كبيرة وتشنج فمه، هل نادته أبيه للتو؟ هي بعمرها لم تناديه أبيه؟ ام أنها ترغب في استفزازه؟
أبيه؟ وده من امتى يا عنيا؟
هكذا تحدث هادي في تهكم واضح مانعا نفسه من إمساك رأسها أمام اخيها الذي يراقب ما يحدث بصدمة وضربها في الحائط حتى تعلم ما ابيه بقادر على فعله...

خرج هادي من شروده ذلك على صوت اصوات عالية في الاسفل لينظر بتعجب يرى بعض الاناس مجتمعة ولم يتبين له شيء لكنه رجح أنه ربما أحد الباعة المتجولين الذين يلتف حوله الناس يوميا لرخص ثمن بضاعته مقارنة بالمحلات وكاد يتحرك من أمام نافذته موبخا نفسه لشروده و ضياع فرصة مراقبتها حتى تختفي من أمامه لكن توقف على صوت رجل عالي وهو يقول:
يا جماعة حد معاه رقم رشدي باشا يتصل بيه بسرعة...

لم يفهم هادي الأمر وعاد للنافذة مجددا ليسمع حديث امرأة تقف أسفلها تردد بحزن:
ياختي الحيوان خبطها بالتوكتوك من هنا وجري من هنا، جاتهم نيلة بقوا اكتر من البني ادمين...
حتى محدش عارف يعملها ايه البت عمالة تعيط وتقولهم عايزة اخويا و محدش معاه رقمه يكلمه وهي مش مبطلة عياط...

وكان هذا أكثر من كافي ليبدأ عقله في ترتيب الأمر ودون حتى أن ينتظر ثانية كان يركض خارج مكتبه بجنون كمن فقد عقله وهو يكاد يسقط على الدرج أكثر من مرة، ركض حتى مكان التجمع مزيحا جميع من أمامه بسرعة كبيرة ولهفة حتى وصل لها، تبكي ارضا وهي تنادي أخاها كفتاة ذهبت الروضة وتبكي لأجل والدتها. تحرك جهتها بهدوء وببطء مبتلعا ريقه بخوف شديد وضربات قلبه ماتزال تعلو بشدة ودموعها تقتله، انحنى ارضا جوارها وهو يناديها بحنان شديد:.

شيماء، شيماء حبيبتي أنتِ كويسة...
كان صوته خافتا هامسا مرتعبا، بينما هي كانت تبكي لا تهتم لأحد ولا تنتبه لأحد، ليقترب هو أكثر منها ويهمس لها بحنان شديد:
شيماء بالله عليكِ بطلي عياط و ردي، أنتِ كويسة؟
رفعت شيماء عيونها وهي تبكي مشيرة لقدمها بوجع كبير: رجلي بتوجعني اوي...

ليتها كانت قدمي انا وما رأيت دموعك حبيبتي، كان هذا همس هادي لنفسه دون الإفصاح عنه، انحنى أكثر وهو يضع يده خلفها ثم حملها سريعا لتصرخ برعب وخجل شديد:
بتعمل ايه سيبني نزلني يا هادي نزلني...
لم يجبها هادي بكلمة وابعد الجميع من طريقه وهو يتجه بها ناحية العيادة التي تقع في بناية مكتبه بينما هي غرقت في خجلها وخزيها، فلا بد أنه يجاهد الان لحملها بوزنها هذا، هي ثقيلة كيف سيصعد بها الدرج الان...

أنتِ خسيتي كده ليه؟
نظرت له بتعجب تتعجب كلمته تلك لا تلاحظ أي علامات إرهاق أو تعب على وجهه...
اصلك خفيفة اوي، ده التلفزيون عندنا اتقل منك
حسنا بالطبع هذه مبالغة منه لكنها حقا خفيفة، لا يشعر بها أم أن فرحته لقربها من قلبه جعلتها تقريبا لا تزن شيء، تنهد بخفوت يحاول تهدئة ذلك الغبي الذي يضرب بالقرب منها فهي ستشعر باضطرابه...

نظرت شيماء لهادي وكأنها لأول مرة تراه ملامحه لم تدقق بها يوما أو تهتم حتى لفعل ذلك كيف يكون بهذه الجاذبية وهي لم تنتبه لذلك يوما؟
كان زكريا يستمع لحديث السيدة منيرة حول
كتكوتة ماما وكيف أنها جيدة في كل شيء. وتجيد الحفظ سريعا. لم يقاطعها ابدا وهي تسترسل في الحديث لينتهي الجميع من الحديث وتسأل منيرة عن موافقته، تنهد زكريا ببطء لا يعلم ماذا يقول لكنه تحدث بهدوء شديد يحاول ألا يحزن تلك السيدة اللطيفة:.

أنا مقدر جدا تعب حضرتك، بس للاسف انا مش بحفظ بنات كبيرة كده...
ابتسمت فاطمة فجأة وهي تتنفس الصعداء لا تصدق أنه رفض الأمر من تلقاء نفسه لكن اختفت بسمتها وهي تستمع لأصرار والدتها:
بس يابني انت قولتلي عادي مفيش مشكلة...
هز زكريا رأسه بإيجاب وهو يشرح لها الأمر: بس مكنتش اعرف أنها آنسة انا فكرتها بنت صغيرة حتى البنات الصغيرة مش بتعامل معاهم كتير
ليه يابني هو حرام؟

ابتسم لها زكريا وهو يشرح لها مقصده من الرفض: لا يا خالة مش حرام بس الاولى تروح لسيدة افضل من رجل ولو راحت لرجل بيكون بشروط...
شروط ايه؟
بدأ زكريا يوضح حديثه نحو ذلك الأمر: يعني بيكون في وجود محرم للبنت سواء والدها او غيره أو في وجود نساء أخريات إذا أمنت الفتنة.
أنهى حديثه على أمل أن ترفض الأمر لتقول بحزن: بس يابني مفيش هنا ستات تعلمها انا سألت وملقتش غيرك في الحارة كلها...

هز زكريا رأسه هو يعلم ذلك جيدا فهذا السبب هو ما جعله يقرر أن يبدأ تحفيظ قرآن في منطقته...
تحدثت وداد سريعا تخفي حرج ابنها: خلاص يا زكريا يا حبيبي ده كفاية مجية الست منيرة لهنا بنفسها، خليها تيجي يا ام فاطمة بعد المغرب اكون خلصت شغل البيت واقعد انا معاهم ولو حصل ظروف ومقدرتش يبقى تيجي أنتِ...
هزت منيرة رأسها سريعا موافقة الأمر تترقب حديث زكريا الذي قال بقلة حيلة:
حسنا لا بأس ليقدم الله الخير...

أنهى حديثه وهو يهز رأسه بموافقته منعا لحرج تلك السيدة وهو يدعي ألا ينتهي به الأمر بإعاقة دائمة له...
اقتربت منيرة من ابنتها وهي تقول ببسمة واسعة: شوفتي وهو بيتكلم مدبلج، فظيع في الدبلجة
بينما فاطمة كانت تنظر اهم بصدمة تفكر في الأيام القادمة مع الشيخ زكريا...
لازم عسل؟ قال يعني لو القرص اتاكلت من غير عسل هيحصل حاجة...

كانت تلك كلمات بثينة التي كانت تحمل جرة عسل بضيق من إجبار والدتها على النزول وإحضارها...
سارت في الشارع تتمتم بغيظ وضيق شديد لا تهتم بنظرات المارة لها ابدا لكن فجأة سمعت صوت بوق صاخب، لتتجاهله تماما فإن أراد العبور ليتحرك في مكان آخر. لكن يبدو أن السائق كان مصرا على أن يمر من مكان سيرها هي لذا ألتفت له بثينة بغضب شديد وهي تصرخ ملوحة بيدها:
جرا ايه يا جدع إنت مالطريق قدامك اهو اتنيل عدي من اي حتة...

انهت حديثها وهي ترمق تلك السيارة الصغيرة قديمة الطراز بتهكم شديد لا تطيق التحدث مع أحد الآن، لكن كان لسائق السيارة رأي آخر وهو لا ينزع يده من على البوق بشكل مزعج، تحركت بثينة جهة مقدمة السيارة وهي تضربها بكفها مغتاظة بشدة:
جرا ايه يا خويا جايب زمارة جديدة وبتجربها؟ ولا يكونش مولد ابوك هو؟
هبط سائق السيارة من مكانه وهو يتحرك مقتربا قليلا من بثينة قائلا ببسمة واسعة باردة مستفزة:.

لا بعيد عنك فيه شوية بهايم ماشية في نص الطريق...
اغتاظت بثينة بشدة من حديث السائق وهي تتوعده بداخلها لتهدر به في حده:
انا قولت برضو السواقة الكلابي دي مش غريبة عليا...
ضحك الشخص المقابل لها وهو يردف: الحمدلله على الاقل سواقتي هي اللي كلابي، مش زي بعض الناس تفكيرهم هو اللي كلابي...
زفرت بثينة بغضب كبير وهي تنفخ بضيق: يعني هي الحارة كانت ناقصة قرف يعني؟
انا عارفة ياختي ده كفاية وجودك يا بسبوسة...

ابتسمت بثينة بسخرية فهذه الفتاة التي أمامها تستنفز كل ذرة صبر بداخلها، تسطيع فعل ما لم يتمكن أحد من فعله ابدا وهو استفزازها...
الظاهر إن لسه الحاجة مربتكيش من اخر مرة يا، يافضة.

ضحكت ماسة بشدة على سخريتها من اسمها وهي تنظر لها: يا ختي كده قمر وكده قمرين، الدور والباقي على اللي ماشية ببوسي وهي في الأصل بثينة طب والله الاسم خسارة فيكِ بس نعمل ايه للاسف محسوبة علينا إنسانة فلازم نديكي اسم نناديكي بيه...
اخرجت سيدة ما رأسها من السيارة وهي تحدق في بثينة بغضب وغيظ: فيه حاجة يا ماسة يابنتي؟

تحدثت ماسة وهي تتحرك جهة السيارة وتصعد لها: لا يا ست الكل ما أنتِ عارفة القطط الضالة كترت اليومين دول...
انهت حديثها وهي تصعد لتطلق البوق مجددا: ابعدي يابت لاشيلك واخلص الناس من قرفك...
ضحك بثينة ببرود شديد وهي تتحرك لجانب الطريق مرددة: ماشاء الله هي سحر جابتلك زمارة جديدة ولا ايه؟
انهت حديثها وهي تضرب كف باخر ساخرة: وسعوا يا جماعة لعلبة الصفيح دي خليها تعدي...

تحركت ماسة بغيظ بالسيارة وهي تهتف ببسمة باردة مستفزة: اهو أخرتك تحت عجل علبة الصفيح دي يا بوسي...
انهت حديثها وهي تتحرك تاركة بثينة تلعن ماسة ووالدتها واليوم الذي جائت به الحارة فما أحد يغيظها و يغضبها بمقدار تلك الفتاة سليطة اللسان ولا احد يضاهيها في الحديث سواها:
طب يا ماسة هتروحي مني فين يعني؟ اديكي رجعتِ الحارة تاني وانا بقى هوريكي اخري يا بنت سحر...

ركضت اسماء جهة الباب بسرعة بسبب الطرقات العنيفة عليه وهي تعدل حجابها وتتمتم برعب:
استر يارب، استر يارب، طيب جاية ياللي على الباب.
فتحت سريعا بفزع لتتغير ملامحها فورا وهي ترى تلك التي غمزت لها بمشاكسة هاتفة:
سمكتي القمر اللي وحشاني...
انفرجت اسارير اسماء بشدة وهي تهتف بفرح شديد لابنه اختها الغالية:
ماسة؟
ماسة.

فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها تعمل طبيبة بيطرية، ابنة اخت اسماء، اي أنها ابنة خالة رشدي وشيماء، جريئة نارية في طباعها ليست تلك الفتاة الهادئة ابدا التي تصمت عن شيء وهذا لا يعني وقاحتها فهي تسير بمبدأ ( عامل الكل بما يستحق )، جسد يشبه الساعة الرملية مع خصر نحيف للغاية طويلة نسبيا، ذات قمحية البشرة ذات عيون واسعة وتلك ما يميزها مع شفاه صغيرة كالطفل
سحر: والدة ماسة.

ماجد: شقيق ماسة الأصغر يبلغ من العمر 18 عاما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة