قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل العشرون

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل العشرون

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل العشرون

بدأت حياتي تنبض من جديد رغما عني بعد ذلك الشقاء الدي أرخى سدوله على قلبي و حلله بالسواد، و العالم كله إختصر بالنسبة لي بإبني، سأعكف على رعايته، أملي فيه أن يكون رجلي الوحيد الدي سيزيح عني ويلات الحزن، و سأعزف عن الزواج نهائيا طوال حياتي، أخرس أنوثتي و ألجمها..

الحقيقة هي أنني كنت أقف أمام المرآة طويلا محلقة في فضاء حلمي الجميل، ابتسم و أنا أضع يدي على بطني، أتحسس طفلي الذي ما يزال جنينا صغيرا فيها
أغمض عينيي، أحلم و أتأمل كيف أهدهده و أضمه الى صدري و أنا أمنحه حنان الأمومة و دفئها..
أتخيل كيف سأقبله و أناغيه و أهزه و أنا أحمله بين ذراعيي و أنشد له أحلى أناشيد الصغار
نم يا صغيري، نم يا صغيري، الخ.

بل حلقت في فضاءات الأماني الى أبعد من ذلك بكثير، حلقت حيث المدرسة، و اليوم الأول له، و تخرجه و زواجه و رؤية أولاده...
لم أتمالك نفسي من البكاء و في نفسي لهفة عارمة لساعة أحمله بين ذراعي، و ألقمه في صدري
كنت أبكي فرحة مقشعرة البدن، اطلق ضحكات متقاطعة، و أنا في إنتظار الأمل الدي سيحبوا إلي ببطء!
كففت دموعي بأناملي المرتعشة..

خرجت الى المجلس يسبقني بطني، و كان الساعة تشير الى السابعة صباحا، نظرت الى قدر إنه مستغرق في نوم عميق
وجدت فرصة أن أمنع النظر فيه جيدا - الخجل يمنعني ذلك دائما -
بدأت أراقبه كما يراقب الطفل أجيد اللهب..! وجه رائق قمري اللون، شفتان ورديتان يعلوهما شارب بدأ يخط أول ملامحه ينم على صغر سنه و مراهقته..
تناولت الغضاء الدي المنبسطه على بطنه، سحبتها الى أعلى صدره كي لا يشعر بالبرد..

إبتسمت بسعادة، لقد وجدت فيه خير صديق و أخ يمكن أن يحلم به أي إنسان!
كان حنونا معي، طيبا و الى أبعد حد، مَرَحا، رقيقا..
أخدت أناملي تخلله شعره الأسود الناعم، أسرحه بهدوء كي لا يستيقظ!
أدار وجهه ببطء نحوي، فاتحا عينيه..
سحبت يدي بسرعة، و تسارع نبضاتي قلبي بينما يحترق الخجل في وجنتاي
-، آسفة، أنا..
خاطبني بسخرية ( يتحدث دائما معها ذون حرج لأنه يشعر بالإرتياح معها! ).

- هل أبدوا لك قطة ظريفة يا لوسي، تداعبني متى شئت! عزيزتي أنا رجل، هل تعرف ماذا يعني أن تكون رجلا؟!
نظرت إليه مثل البلهاء، إشارات التعجب و الإستفهام تنم على وجهي..
ضرب كفه على جبينه بملل
- حقا يا لوسي؟! لا تعرفين؟!
همس مع نفسه، هل وجدت صعوبة أن أتعامل مع الأطفال بجدية!
إستفزني نبرته الساخرة
- مهلا يا قدر، إن كنت طفلة ماذا تكون أنت! رضيع، نعم، طفل رضيع!
ضحك من كلامي
- هكذا رائع أن تقرر، أنا من اليوم رضيع!

إنفجرت بضحكة عارمة..
( إستوقفه عينيها، عينان صريحتان، تبزغ فيهما نجمتان حين تضحك، شعرها الأسود يتمايل زهوا تحت ملائتها الشيفون...
فكان قدر معتصما بجبل الصمت، مصغيا تماما قهقهاتها، إنها حقا فتاة دافئة مرحة، و ربما هذا هو سبب فتنتي بها..

إستدرجني شروده
- ما بك يا قدر؟! إحسك ضجرت مني؟!

أغمض عينيه نصف إغماضة ربما يحاول أن يكسب بعض الوقت بهده الطريقة ..
إستقام بجلسته..
- بصراحة يا لوسي، يصعب علي النوم هنا؟!
- هل أزعجتك! ماذا حدث لك!
- لا ليس الأمر كذلك، أنا لا أستطيع النوم الا في ظل جو معين!
- كان عليك أن تخبرني، يمكنك أن تعود الى غرفة..
لاحظ كيف عبرت علامة الإمتعاض في وجهي
إستطرد بإبتسامة
- لقد أخبرتني سلمى بأنها ستبت معك فزوجها سافر أمس و هي أيضا وحيدة..
إحمر وجهي حين قلت له.

- أتعلم يا قدر، صدقني معك وجدت أن العالم رائع و يستحق كل الحب! أشكرك، أنت أفضل صديق في العالم!

لحظتها فقط تفتح الحب في قلب قدر زهرة جميلة، لا يعرف كيف؟! كلامها مسكون بدفء أذهله، و تيقن حينها أنه أمام فتاة تتميز بالسحر و الرقة أكثر مما توقعه فيها
لقد بدأ حكايته معها تأخد بعدا إنسانيا لطيفا، ألفة مغزولة حولها خيوط من الشاعرية، أحس بأنها سعادته، يكبر معها كالطفل، كل يوم، لتزداد جمالا..
أطلق سؤالا أغلبها عبثيا على نفسه.

هل ياترى ستحبني يوما ما، و يكون الماضي بالنسبة لها قد طواه النسيان، لكني سأحدثها، سأحدثها الآن ما لم احدثها من قبل..
شعر ببرودة تسرى في أوصاله و هو يخاطبها
- هل تكلمت مع سام! هل إتصل بك!
أجبت بإقتضاب
- لا، لم أسمع منه منذ شهر!
تكاثف غيوم الكآبة في أعماقي، و سرحت أفكر فيه، ماذا يجري مع سام الآن! ماذا حدث له!
نظر إلي بصمت، نظرة مليئة بالإحساس المدرك
- انا آسف لم يكن علي أن أفتح جروحي من جديد!

- لا تعتذر، في يوم ما كنت أراه فيه كل حياتي، و اليوم لم يعد إلا ظلا، ثق يا قدر بأن سام أصبح قصة ما إنتهيت في سردها حتى ضاع في ذاكرتي!
- لا تيآس با لوسي، فالأمل واحة جميلة، ربما هي تائهة في صحراء الحياة لكنها موجودة! اريد أن أقول لك بأنني..
تناهى خلفنا صوت جبلي قاطع وشوشتنا..
لوسي، لوسي يا إبنتي؟!
عيناي تلتفتان فرحتين بوجه عمي ياسر، تقدمت نحوه، رفعت يدي بتحية ودودة..
- أهلا جدي، متى عدت!

- عدت قبل قليل، في الحقيقة خططت أن آتي قبل هذا اليوم و لكن طرأ لي أمور عاجلة..
رمى بطرف عينيه نحو قدر الدي إنتصب فجأة بقامته العارمة
- أهلا جدي! لماذا لم تخبرنا بعودتك، كنت سآخدك من المطار بنفسي
- تعال الى هنا أيها الشقي الصغير!
إقترب منه مرتجفا
ألقمه في صدره بحنان..
ثم راح الجد يلتفت بعينين زائغتين و هو ينفخ أمامنا أنفاسا حارة
ثم أصدر صوتا غليظا، هدر
- أين سام؟! أين ذلك الحمار؟!

طامنت برأسي مذهولة، مصعوقة على غضبه الدي إعتراه فجأة، أفهم بصعوبة ما. يدور حولي
تابع بغضب
- أين هو سام يا إبنتي! لدي حسابات لم تنتهي بعد معه!
- إنه، إنه..
أفقدني قدر مما كنت فيه
- خرج قبل قليل لرياضة صباحية كعادته..
طامن الجد رأسه، قبلني من جبيني و داعب رأس قدر بينما يشق طريقه للخارج..

إلتقطت أنفاسي بصعوبة، كان قلبي يتشقق، كتمت تهيجي
- يا إلهي لماذا كَذَبنا عليه!
- هذا أفضل يا لوسي! جدي رجل مريض و لا اظنه سيتحمل مشاكلنا!
تابع بحزن
- إنه يأخد حبوب نوبة القلبية! كما انه مصاب بضغط الدم!
وقفت واجمة حائرة، نبرات الحزن في صوتي
- مسكين جدي! لا أريد أن أكون سببا لوجعه! من الأفضل ان أبحث حفيده و أعيده الى القصر و أرحل أنا!

ينتابني في هذه اللحظة ما لا أستطيع وصفه من تيه!
لكم أكره القدر الذي وضعك في طريقي! أكره أنني مازلت أحبك يا سام!

هل جال في خاطرك حتى يوم واحد أن تتسائل عني، عن طفلك؟! تسأليني عن أحوالي و كيف أعيش؟! هل محوتنا من ذاكرتك الى غير رجعة؟! بهذه السهولة
اي دور هادئ غريب أنسقت في تمثيله! فرحت تداعب جمودك و برودة مشاعرك!
أنا هنا أحارب أن أنساك! وأنت، إنك مطمئن! تنعم بتركك لي! أو أنك تنتظر أن تُفكَّ عن معصميك الأغلال!تعد الأيام بأصابعك لحين تطلقني!
أنا ليس هناك ما ينتظرني سوى قدر مجهول، قاتم الوجه!

قاطع وقع أفكاري صوت قدر
- إياك يا لوسي! ذلك الجلف المغرور لا يستحق منك ان تبحث عنه بعد كل ما فعل بك!
- و لكن جدي...
قاطعني مرة أخرى بحدة
- أنا من سيبحث عنه! أترك الأمر لي!
أحسست و كأن في أعماقه غضب جارف لا يقف عند حد، ظننت آن العلاقة بينه مع سام جيدة، لابد أنه يقف في صفي الآن لأنني مظلومة من قبل إبن عمه لا أكثر!

الحاشية
في عصر اليوم
دخلت سلمى مع فتاة ترتدي ثوباً أسود هفهافاً، يلف كتفيها بوشاح عريض من الحرير، نبيذي اللون، موشح بخيوط الذهب..
لم أكن قد التقيتها من قبل، ، شعرها المتهدل على كتفيها، يغطي جبينها، ويحيط وجهها بدائرة سوداء، لا ترى في وسطها سوى محجري عينيها، محاطين بجفنين مدبجين بالسواد!
كانت سلمى كعادتها، ترتدي بنطال جينز يشد وركيها، ويلف ساقيها، فيزيد من رشاقة جسمها الممشوق.

تبادلنا قبلات الودّ، حتى اتجهنا نحو المجلس
إرتمينا على المقاعد، و أرتمت الفتاة جنب سلمى مسندة رأسها الى كتفها
فلفت سلمى بذراعها في حنان و ألفة..
قامت الخادمة توزع الشراب، فسألتُ سلمى و الفتاة، عما يفضلان للعشاء...
إستحودت توددهم على إنتباهي
خاطبتني سلمى
- هذه الفتاة مثل أختي إنها خطيبة قدر!
فتت الدهشة نياط قلبي خطيبة قدر لم يتطرق معي هذا الحديث من قبل! غريب!

نظرت الي الفتاة بعينين كماستين غريبين تنيرهما سعادة داخلية
- أهلا لوسي! انا سعاد، اسمي سعاد! سررت بمعرفتك!
دَنت مني متقلدة بإبتسامة ساخرة
- إذن آنت هي لوسي! الفتاة التي إختطفت حبيبي مني! لقد حكاني قدر عنك كثيرا! تمنيت أن أراك لمرة واحدة! أنت حقا جميلة كما أخبرني
تكلمت سلمى بحدة
- توقفي يا سعاد، لا تبدئي هذه الحركات الطفولية لإزعاجها.!

- آسفة يا لوسي، سأكف عن إزعاجك لا أريد أن يتمسك قدر بالبرهان ضدي ما يشفي غليله فينقلب فرحة لقائي بك الى حزن...
خاطبتها بمرح
- لا أنت مثل أختي الصغيرة! سأتحمل دلعك و شقاءك!
-هه، وعاطفية وحنونة!..
ثم دخلنا في ضحكات و قهقهات هستيرية..

كانت المطر تزوره مرة تلو أخرى من نافدة خشبية، تصحب معها رياح البحر الباردة في غرفة يخيمها الهدوء، في حي قد فطر الفقر جدرانها..
يعيش الناس هنا أغلبهم في مطاردة و التسابق لإصدياد اللقمة اليومية دون هوادة و من خلفهم مآق موجوعة و أحلام منزوعة، قد كبلها أيادي العوز و الحاجة دون صيد أو قيد..

جلس سام عند أحد الحوائط الرطبة الى طاولته الخشبية المهترئة، التي إتخدت منها بعض الحشرات مفرا من البرودة..
يده ترتعش مثل يد مسن، فأشعل ما تبقى لديه من تلك الشمعة المحتضرة، لعلها تعطيه بعض الدفء الدي يفتقده..

مد يده الى أحد كسرات الخبز و كان قاسيا و سيئا، فأشتد غضبه
الجوع يتكاثر في بطنه، و الآلام تتناثر في عظامه..
فمن أين له الطعام و المسكنات!

لقد مرت الأيام و نفد ما لديه من مدخرات عندما جمد حساباته المصرفية بأوامر من جده
إستشعر الإحراج ليلتمس من الأرض شريطة صورة إعلان مرمية على شارع شقته!
( نحتاج الى ممرض )
اليوم يسرت الظروف أن يجد عملا في دار العجزة، كممرض عمله الوحيد هو توزيع الأدوية!

كان كبار السن هناك يستبشرون بقدومه كل يوم..
يسلم على هذا، و يعطف على ذاك!
يخرج ما في جيبه من مكسرات و سكاكر ليهديهم إياهم بخفاء رغم أنه كان ممنوعا!
يتحدث معهم و يضحك و كأنه في نفس أعمارهم و ربما اكبر!

تطفل أحدهم بسؤاله
- هل أنت عازب يا سام، نراك تطول بقائك هنا و ترجع الليل متأخرا الى منزلك!
- لا أنا متزوج!
تابع بإبتسامة مشوبة
- و سأكون أبا قريبا
تهللت التهاني له و سعدوا في الخبر..
- و أين هم؟! هل يعشون معك في منزلك!
سرى في أوردته إنقباض مشوب بالأسى، أجاب بنبرة ضعيفة.

- كلا، إنهما، بعيدين عني! و لكني أتفقد احوالهم بين حين وآخر، لقد أخبرتني الخادمة أمس بأنهم عرفوا جنس الجنين و كان ولدا فما أشد فرحتي !
- نفهم من كلامك بأنكما لستما متوافقين، ماذا حدث؟!
لم يستطع سام أن يمنع نفسه من البوح
- بدأ الأمر عندما أجبرت بزواج هذه الفتاة الصغيرة، الخ!

بعد برهة..
ينتفض بدنه، إنتبه رويدا رويدا بأن دائرة من العجائز تحيط به، و كأنهم يشجعونه على البوح
تابع حديثه متوترا
قررت أن يجري الطلاق بعد الولادة، و لكني لا أظن بأنني أستطيع التخلي عنها، إنها ضرورية لي، بكل حسناتها و سيئاتها...

تردد خلفه صوت معتدل
- إذن ماذا تنظر..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة