قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل السادس

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل السادس

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل السادس

أمسك دراعي..
هيا قومي يا لوسي، الأرضية بارة
دفعت يده، بشيء من الحزن المكابر
أتركني
إبتعد عني، كان قلبي يرتعش من داخلي، خائفة ما سيقوله لي! لقد كان في داخلي تماثيل محطمة من المرارة التي إكتشفتها في علاقتنا لأول مرة، أدنس ثقتي به..

أدنس حبي الذي كنت أكن له في داخلي، أدنس ذكرياتنا الجميلة معا! لماذا فعل بي هذا! لماذا جاء بي هنا من البدء، في المكان التي توجد فيها حبيبته! بنية أنه يريد مقابلتها، لا أستطيع أن أتحمل! جرحي عميق و مثقل كالبحر..
حظم الصمت الدي كانت بيننا
لوسي حبيبتي، ليس الأمر كما تعتقدين؟!
خاطبته بإقتضاب، فأنا لا أتحمل الأعذار!
سام، أنت يجب ان تختار بيننا..

إنكمش بصمت بطريقة مخيفه، و كأنه إبتلع لسانه، ووقفت الكلمات في حلقه
أربكني صمته لثوان، أزاح الإرتباك بإعتراف فيه شيء من التوتر
أنا آسفة لوسي، إنَّا أحب إليان كثيرا و لا أستطيع آن أتخلى عنها!
يا ليتني لم أخيره بيننا! كم أنا غبية! أحسست بإرتجال في داخلي، قدفت حروفا بنبرة هستيرية مجنونه.

ماذا عني يا سام؟! ماذا عني، ألا تحبّني؟!، لماذا لا تتكلم! أنت تحبّني أليس كدلك!؟ كم أنا غبية لأسألك هذا السؤال، بالطبع أنت تحبّني..
بدأت أجهش بالبكاء، رجلاي تسريان فيه بالإخدرار من الأرضية الباردة، أحاول الوقوف و الدموع تنهمر في خدي بغزارة كنهر جارف..
أمسك ذراعي..
إهدئي يا لوسي..
أتركني سام! فقط أجب عن سؤالي؟! هل تحبّني؟!
تكلم بشيء من التردد.

لا أدري يا لوسي! أنت فتاة صغيرة بالنسبة لي! في الحقيقة لست متأكدا في مشاعري تجاهك، أحس بشيء من التشويش، و لكني أنا متأكد إنني إحب أليان
إستطرد بشيء من الثقة، و الجمود غير مراعيا لمشاعري
إسمعي، لا تحاولي أن تخيرني بينك و بينها! لأنني لن أستطيع ان أتركك بسبب جدي!
ثم ترك دراعي و مشى باردا..

تركني في ركن من أركان غرفتي المظلمة، في حالة إنكسار على الأرض، يحاصرني تلال الجليد في كل مكان، يغلق الشتاء أبواب الأنين!
أعاشر الحزن و أعاني الهموم..
جسدي يرتعش، أناملي مرتجفة، أطرافي متجمد!
تدخل الرياح من أبواب الشرفة..
إنكمشت على نفسي، جمعت ساقي و كأنني أضم أعواد في صدري..
و كنت أبكي كطائر يغني أجمل ألحانه و هو ينزف!

أنظر الى أوراق ذكرياتي التي تغير لونها، بهتت حروفها، تاهت سطورها بين الألم و الضياع
آه يا سام! لقد أدرجتها في الرياح غير مباليا! سقطتها، و لن تعود مرة أخرى!
هل أتيت بي الى هنا من البدء بنية واحدة، أن تحطمني!
آه يا دموعي الدي جف من كثرة البكاء و ضاع عبيرها كزهور..
آه يا قدري الحزين! هل سأعتاد الحزن حتى يصبح جزا مني أصبح جزا منه!

من يعيد لأيامي البهجة، من يعيد لقلبي نبضاته الجميلة، بعد أن حطمني سام! الرجل الدي وثقت به و أحببته من كل قلبي!

جف دموعي لم أعد أستطيع البكاء! جف ريقي أعجز إطلاق الأنين!

غفوت على بلاط الأرضي، يغتال الهواء من حولي، إستيقظت على ضوء بصيص يخرج من فتحة الشرفات، يشع على عيوني!
كان صباحا جميلا على وجهي الباهت، و نظراتي الخائبة المنكسرة..
قمت و كان كل جسدي تؤلمني، عضلاتي متكورة، رقبتي تندلع منها الإنقباض، آه، كانت ليلة طويلة موجعة، خاصة عندما تتلقى حقيقة مريعة كنت تجهل منها طوال أيام، توهمت أنه يحبني و الحقيقة أنه يحب و يموت لتلك الفتاة! يا لحظي الخائب..

يبدوا أنه لم يرجع، لقد بات في مكان آخر، أحسست بإختراق شديد في صدري، ذرأتها بيدي! يا إلهي ما هذه للشعور! إنها تلازمني طوال الوقت، خاصة عندما أتدكر كيف جرحني و ستهزأ لشعوري، تبا لك يا سام! سوف أنتقم لمشاعري الجريحة..!

توجهت نحو الحمام و أخدت حماما ساخنا! لا لن أكون طعما للأحزان، الى متى أقاسي المعاناة، تعبت من البكاء و معانقة الهموم، وعدت نفسي بإنطلاقة جديدة يشع فيها الأمل، بإنطلاق لا يوجد فيها سام! لم يعد هو مندرجا تحت قائمة إهتماماتي من الآن فصاعدا، حتى أنني سأطلب منه أن ننام في غرفتين منفصلتين، أتمنى أن تموت من كثرة ما ألعنك أيها الوغد إن لم أسقيك نفس الكأس الدي دوقتني ليلة البارحة! من يهتم لك؟! إذهب الى عشيقتك! لن يشكل هذا لي فراقا من الآن فصاعدا..

إنبعث في داخلي جرؤة مخيفة، سأبتسم له و أخفي وجعي! سأريك بأنني لم آعد أهتم به..
خرجت من الحمام، سمعت الجرس الباب، لبست على عجل، سروال جينز و تيشرت فضفاض!
فتحت الباب بشيء من التوتر التي كان يخالجني..
كان خادما بزيه الأنيق الموحد
تكلم بلباقة
آنستي، إنه وقت الفطور، عليك أن تنزل الى الدور الأرضي حيث يفطر فيها الجميع كعادة كل صباح
طرأ في داخلي أن أسأله عن سام
هل تعرف أين يكون سام.

نعم آنستي، أنه في غرفة المكتب، يقع في آخر الردهة من هذا الدور
لففت وشاحا خفيفا على رأسي، إنعطفت يسارا من جناحي..
سرت طويلا عَلى الردهة، و لكن ماهذه العجلة للقاء به! تباغتني في مواجهته كقصف عشوائي..
ماذا سأقول له عندما أرآه؟! تبا، ترددت، تراودني إحساسهن بين الخشية على الإقدام و الإندفاع، يا لها من نقائص مرهفة
لحظتها بزغ قدر أمامي..
أهلا لوسي، مابك لماذا تترددين هنا و هناك.

لا، أنا أريد أن أدهب المكتبة و لا أعرف أين يكون
أشار بإصبعه، إنه هناك في آخر الردهة
شكرت بإقتضاب شكرًا يا قدر
قاطع مشيتي، بالمناسبة يا لوسي، ماذا تفعلين اليوم، هل تريد أن نتجول في المدينة، تتعرف معالمها و آثارها
هممت أن أرفض و لكن كانت فكرة رائعة للهروب من حزني و همومي
بالطبع يا قدر، أنا أحتاج لأن أتعرف المدينة!
حسنا يا لوسي، أراك في العصر.

مضيت في مشي، أشد قبضة يدي بقوة! و العرق البارد في جبيني، أمسكها بإقتضاب
وصلت قرب الباب، تنفست بعمق أملئ رأتي بالأكسجين..
دفعت الباب، تلتقي أعيننا، ها أنا أقف أخيرا أمامه، يجب أن أقول له؟! أن يبتعد عني؟!
تبادلنا نظرات صامتة..
كان جالسا في أريكة وثيرة، يستمتع بقهوة الصباح، يرتشفهها ببطء مكابر!
اللعنة عليه، و كأنه لم يقترف خطأ في حقي! يجلس هناك بكل أريحية بجسده المتنامي بكيانه..

الحروف هربت مني، تجمعت الغصة في حلقي، الدموع عسيرة تأبى الخروج، اللسان ثقيل جداً لا أستطيع النطق
هيا تكلم يا لوسي؟! مابك؟! سيظن بأنك إشتقت له؟! بأنك تتوسل للحب! سيشعر بأنه يستحسن لك بإبقاءك كزوجته، بإعطائك إسم عائلته كبيرة!

يا إلهي، لماذا أنا صامت؟! لم أشعر بمثل هذا الضياع من قبل!
كنت أقف قرب الباب، أحملق فيه بعينين محمرتين، و هو يجلس هناك، يحدق بي بعينيه الزرقاوين بينما يحمل فنجان بيده اليمنى و كتابا بيده اليسرى..

تمتم لا إراديا، أطلق جملة مواربة قصيرة
هيا أدخلي
إنقبض وجهي، تبا لا يزال يحافظ برودته و نبرته الرصينة و كأن شيئا لا يعنيه
تقدمت نحوه بثقة، أبتلع كل مشاعري الدي يختلج في داخلي حتى لا تخدش كرامتي
حملقت بتحد بعينيي الكبيرتين و صحت بعصبية.

إسمع يا سام، إن كنت تظن بأنني فتاة صغيرة تستطيع أن تلعب بها كما تريد فيجب أن تعيد التفكير مرة أخرى، ربما أكون صغيرة و لكنني لست غبية! أقسم أنني لن أسمح لك أن تتمادى بأفعالك معي مرة أخرى، لدى يجب أن ننام في غرفتين منفصلتين
لا تحرك كلامي شعرة واحدة في جسده، وشع الفنجان على الطاولة الخشبية جنب الأريكة
إبتسم إبتسامة جانبية، خاطبني بإستفزاز واضح.

لوسي، لوسي، حتى إسمك الطفولي يحبو على لساني! إذن كيف تريدني أن أدعك و شأنك!
الحقير، كيف يجرؤ؟!
أثار كلامه في نفسي شعورا غريبا بالغضب و التشتت، لا أصدق أنني أحببت هذا الرجل يوما، إنه لا يأخذني بجدية! إذن سأذهب الى من يأخد كلامي بمحض جد
إنتفضت من مكاني بنرفزة..
خاطبني إهدئي، إلى أين تدهبين
قلت بضحكة منخفضة الى أين تظنني أذهب! الى جدك أيها الملعون.

إنتصب بقامته العارمة مفجعا
لا، لا يمكن أن تقول له شيئا يا لوسي
حقا، الحقير الدي كان يلعب أدواره ببرودة قبل قليل تقمص الى دور الجبان بعد أن ذكرت إسم جده
قلت ببرودة و لم لا، هل ستوقفني، و تكبلني بالسلاسل..
لا يا لوسي، ألا تعرف أنه عيب أن يتسرب أسرار الزوجين الى الخارج، حتى الخلافات يجب أن نبقيها بيننا و نحلها معا
إعتلا في وجهه لون باهت، و غيمة شاحبة!

لا أصدق أنني وجدت البطاقة التي ألعب بها بسهولة! سألعب بك مثل ما لعبت بمشاعري أيها
كان في حوزتي ذرائع جميلة تعفيني من الإحساس بالذنب..
خاطبته
هذا صحيح يا سام! ليس جميلا أن يتدخل أحد بيننا
أغراه كلامي ظنا بأنه أقنعني بسهولة في كلامه..
أنت فتاة ذكية و جميلة يا لوسي، ليس من الضروري أن نقول لجدي فهو رجل كبير و مريض كما تعرف، من الأفضل أن نحل الخلافات فيما بيننا
جاريته في كلامه.

طبعا، طبعا، سأقول لك كيف نحلها، أولا: سوف تهجر من غرفتي!.
طامن رأسه بالقبول، يستسلم لإبتزازي الغير واضح، و بوجه قابض مكفر اللون! اللعنة يا لوسي، كيف تستغل إسم جدي بهذه الوقاحة
أردفت خد أغراضك عندما لا أكون موجودة! لأني لا أريد أن نتقابل، فوجهك البارد يزعجني
إرتسم ملامح الغضب في وجهه، مما جعل يمسح يديه في وجهه المكفهر
وجه نظرات تحمل كمية لا بأس بها من الحقد..
إبتسمت بوقاحة..

هو و الى أين تذهبين، فأنا لم أسمح لك بالخروج.

صحت بأعلا صوتي جدي، يا جدي
الصياح يتناوش في كل الجهات
وضع قبضته في فمي، راح يلتفت بعينين زائغتين، ، ينفخ أمامي أنفاسا حارة..
أصمتي أيتها المجنونة، حسنا، أدهب و لكن يجب أن تعود قبل الليل
تركته في سطوة الغضب و الجنون، تملؤ وجهي شهقات الضحك و السعادة!

مساحات كانت ممتدّةٌ أمامي وعلى جانبي أشجار الكرز، و بحر عاتم أنحله الليل لوناً داكناً تسبح فيه أنوار المراكب الصغيرة لصيادي الأسماك، و يخت للسياحين
و الأكمة تلك تلوح كتل غير متناظرة بارتفاع وانخفاض جميل، ،
كنّا واقفين أنا و قدر في الطريق العام والسيارات الغريبة التي تقطعنا ذهاباًو إياباً..
تتصدر أصوات محركاتها التي تتلاشى في الهواء بهدوء...

الله وحده يعلم كيف وصلت الى هنا..
لابد أن الحقير سام يفقد عقله..
إحدى المدن القديمة التي تتوزّع على ضفة نهر عظيم.

كانت المدينة غريبة. مزيج من نمط قروي قديم ويحاذي أحياء سكنية الذي يتكون من فيلا متشابهة..

وقفنا على رصيف، تمر أعيننا الضائعة على سيارات تقطعنا دون أن تلتفت لإشارات إبهامنا على الوقوف!
لابد أن من يعيش في هذا المكان توارثوا اللؤم من جيل الى جيل! اللعنة
قدر مرة أخرى
لا حل آخر، يجب أن نتصل لسام!
قلت بغضب قلت لك للمرة الأخيرة لن نتصل لسام
خطفت هاتفه من يده، قمت بإغلاقها!

خاطبني قدر بشيء من القلق و لكن يا لوسي، الوقت يمر بسرعة و نحن واقفين هنا ساعات
تكلمت بشيء من الثقة، سيقف أحد ما، إنتظر فقط و سترى
مرت دقائق..
وقفت لنا إحدى الشاحنات التي لابد لها أن تسير على الطريق العام في توجهها إلى المنطقة الصناعية التي تتصل بطريق فرعي يقع فيها القصر، مرت دقائق..

كان يقود رجل عريض، في فمه سيجارة تضيء جمرتها وجهه بلون برتقالي خفيف يُبرز في عتمة الليل تجاعيد و أخاديد، عينيه الصغيرتين تدور في محجرين عميقين في جمجمته، تتناهى أغنية قديمة أشبه الى تشوه الأصوات من شريط الشاحنة..
كان قدر يلتقط أنفاسه بصعوبة
همس في أذني بشيء مت الرجفة الداخلية
لن نركب هذه الشاحنة، لا يعجبني منظره!

بصراحة لم أكن خائفة من ذلك الرجل أكثر مما كنت خائفا من سام، و العودة الى البيت متأخرة بهذه الطريقة..
لممت أطراف تنورتي الطويلة، و قفزت على المقعد الأمامي في الشاحنة، في نظري لم يكن هناك شيئا يثير الريبة من ذلك الرجل، فلقد عشت وسط فلاحين و أتفاهم منظرهم الأشعث و رائحة عرقهم كرائحة إحتراق شيء ما..
رطن الرجل العريض بلكنة فرنسية، لم أفهم منها شيئا..

قفز قدر على الشاحنة أيضا و جلس أمامي، فقد كان المقعد الأمامي يتسع لإثنين..
تراطنا قدر و الفلاح، لابد أنه يخبر الى مكان الدي نريد أن نوصلها..

سألني بإقتضاب عن إسمي، بإبتسامة يظهر أسنانه السفراء
- أنا لوسي
لاحظت علامات الإنفعال بادية على وجه قدر
- ما بك يا قدر لماذا وجهك مكفهر هكذا!
تكلم بصوت خافت
- لا يعجبني وضعه، لماذا سألك إسمك
قلت أنت أحمق، يجب أن نسايره حتى نصل مرادنا، و إلا رمانى في الشارع..
أردفت بقليل من الإنفعال
لو لم تنسى تعبئة السيارة بالبنزين الكافي لما حدث كل هذا!
رد بعناد
كنّا سنصل الى المنزل لو إتصلنا بسام
خاطبته ثائرة.

لا تدكر إسم ذلك الحقير، أفضل الموت بدلا من أن أحتاج منه شيئا
سألني مستفسرًا عن سبب ثورتي بهذه الطريقة
لماذا يا لوسي! ماذا فعل بك حتى صرت تكرهين إسمه!
خاطبته بهدوء
بصراحة أنا لا أكرهه، بل أحبه...
أردفت بشيء من اليأس لا يهم، أنه حب من طرف واحدة، و لن يستمر طويلا
أحسست بأنه ينظر إلي بشيء من الشفقة..
ساد بيننا لحظات من الصمت..
خاطبني
لوسي
تكلمت بأقتضاب
نعم
خاطبني
ما رأيك بأن تتسجل في نادي الفني التي أدرسها.

قلت بملل أنا لست مهتما بتعلم الموسيقى و أوبرا و هذه الأشياء التي تدرسها!
إبتسم بخجل
لكنك تُحبين الرسم!
قلت بإهتمام
و هل يدرسون الرسم!
خاطبني
إنهم يدرسون كل أنواع الفنون، و الرياضة، خاصة أن المدرسة مشهورة بالفن التشكيلي
خاطبته بسعادة
إذا كانت كذلك، فأنا موافقة! أصلا كنت أفكر أن أبدأ دراسة شيء ما بعد أن إنقطعت من مدرستي..

وصلنا أخيرا الى طريق الفرعي الدي يقود الى القصر، هبطنا من الشاحنة، ودعت الفلاح بإبتسامة ناعمة أشرق وجهه..
مشينا طويلا حتى وصلنا الى مبنى القصر، يسري في داخلي دبدبات مضطربة متواترة، ما أشد وقعتي و يأسي عندما يراني سام، سوف ينقض على مثل وحش
أرتعد كجذع شجرة جرداء
يخاطبني قدر و لا أحس وجوده..
ما بك لوسي، لم لا تدخلين!
شعرت لحظتها و كأنني كنت انا ولست انا.

لم اكن مدركة لمشاعري، بل سابحة لا أحس بالأرض تحت قدمي. مرتجفة، رأسي محلق في الفضاء وقدماي غارقتان في الأرض، تتكاثر الأحداث في راسي وتختلط، ويمتليء ذهني بالصور والتخيلات، هل سيقتلني! لا بل سيشنقوني! سوف يصيح في وجهي و ينتهي!
تتراكم تخيلاتي، أنا خنته؟! خنت زوجي؟! سوف يقتلني بالتأكيد!
إنها خيانتي الأولى لرجل مثل سام يعاني من فائض الغرور و الأنانية و عدم الكسر في كلامه!

قال لي بأن أرجع الى المنزل قبل حلول الليل؟! و لكني خنت كلامه!
توتر فجائي يكاد يسحب الدمع من عيني سحبا..
و لكني مازال لدي بطاقتي المربحة، أخشى أنها لم تعد تنفعني!

يخاطبني قدر مرة أخرى بصوت أقوى
لوسي، ما بك، أدخلي
- حسنا.

كان سام يدور مثل حومة غراب على الصالة، متمسكا بالهاتف، يحاول مرارا و تكرار على رقم قدر المغلق، عقله في لجة أفكار لا رابط لها!
هل أختطفت تلك الغبية! هل ضيعها قدر! لا، لا بد أنها في ورطة، لا بد أنها ضائعة في مكان ما، لا تملك الهاتف و لا تعرف اللغة..
تتسرى الخوف و التوتر و الإنقباض في عضلة قلبه..

كم أنا أحمق؟! غبي؟! عديم المسؤولية؟! كيف سمحت لها بالخروج من أول وهلة بدوني!؟ يا إلهي أكاد أفقد عقلي، أين أنت يا لوسي! ماذا أفعل هنا! يجب أن أذهب و أبحث عنها..
أسرع نحو باب الخروج، لسانه يلهج بتأفف و تجذيف..
ثوان...
تلاقت أعينهم، نحو المخرج..

قطع وجه سام القلق حومة أفكاري، إستعدت بالتدريج إحساسي بالمكان...
تقدم نحوي بسيره القوي الواهن، يزفر أنفاسا حارة
حاول قدر أن يقف في طريقه
دفعه جانبا..
تصاعد وتيرة أنفاسه..
يا إلهي، لا بد أنه يفكر كيف سيقتلني!
تغدو نار كالهشيم في داخلي، تأكلني حية..
خطوات جدية نحوي، تعطيه دفعة قوية لإزالة العقبات..
لا أدري كيف لهج لساني
لا يا سام، أنا كنت..

قاطعني، لسعني لفحات قوية التي أفقدني القدرةً على فهم ما يدور في حولي؟!

ما الدي يحصل؟! ماذا يجري؟! لماذا هو هكذا؟!
يحتضنني بدفء، بشوق، بقلق! بحنان؟!
إبتلعني بين ذراعيه القويتين، يغتسل في وجهه بقطرات العرق و يبخسها فوق كتفي..
؛:
تتناهى في أذني بكلمات بشكل أشوه، بدا كطفل تشنقه مفردات لغة كامنة حبيسة في داخله تريد أن تخرج..
أين كنت!؟ كنت قلقا عليك يا لوسي؟! من شدة قلقي عليك نسيت أن...
يقاطع نفسه المندهشة على تصرفاته، و سلوكه.

كان هو أيضا لا يصدق تصرفاته، كلامه، ضائع في أفكاره، يناله أشلاء أحاسيس مبهمة، لماذا كان يفعل ما يفعل؟! هل لأنه قلق عليها فقط؟! لا أظن ذلك..

دفعني بإرتباك، إختفت ملامح القلق و الخوف في وجهه ليحل محلها الحيرة و، تحوم في عقله لجة من الإندهاش...

إختفى قدر في لحطة التي حضنني فيها سام بجنون..
نظر إلي بشيء من الإرتباك، سرعان ما تقمص بهيئة ضابط صارم بوجه قليل الإبتسام و بصوت جهوري..
إستفسر بإقتضاب و هيبة
أين كنت يا لوسي؟!
قلت تعطلت السيارة، و كان الهاتف، قاطعني قرقرة أمعائه..
تأملت حروف وجهه الباهت، لابد أنه لم يأكل طوال اليوم..
أستطردت هل أنت جائع؟!

تسرى خجل في وجهه، صمته و سلوكه يخولانه بأنه لا يريد الإعتراف أنه نسي الطعام بسببي، لا أصدق أنه كان قلقا علي بهذه الطريقة!
أنظر الى وجهه و كأنني أتلمس فيها تسلية معينة
أردفت أنا أيضا جائعة!
خاطبني
لا بد أن جميع الخدم نيام و لكن لنذهب الى المطبخ، سوف ترى شطارة زوجك في الطبق!
في ظل تلك الظروف لم أستطع أن أرد إليه، نعم كان يزعجني كلمة الزوج! و لكني أخفيت أحاسيس المنتشبة في داخلي، صمت عن البوح!

مشينا طويلا، إستدرنا نحو زقة ضيقة، دخلنا في المطبق بفتحة باب صغير..
يقبلها مساحة كبيرة، يتوسطها طاولة حجرية طويلة تتدلى فوقها الملاعق و الشركات الطويلة، لم تستطع أن تلم عيناي عدد الملاعق..
ألقيت نفسي المنهكة في إحداى الكراسي المرفوعة قرب الطاولة، لقد كان رجلاي تؤلمني..
رمق إلي سام بنظرة خافضة..
خاطبني
تبدين منهكة جداً!
تأوّهت بلطف
قدماي تؤلمني بشدة من كثرة الوقوف و المشي.

قال إنتطري لا أعرف ماذا يحاول أن يفعل
و لكنه أخد ماءا دافئا بدلو صغير
وضعها أمامي، ركع أمامي يرفع قدماي بلطف، يفك رباط حدائي الرياضي، شعرت بخجل سرعان ما تحول الى نشوة عندما وضع يده على قدمي العاري!
وضع رجلي على الماء الدافيء، الألم يتلاشى تدريجيا!
رمى بنظرة خاطفة من طرف عينيه
لاحظ لمعان عيناي الدافئة!
مد يده على قدمي الثاني، شعرت بمسام تنبض الشهوة في داخلي..
قال بهدوء هل يعجبك هكذا!

لم أجاوب كلامه، قرأ في عيني نظرة سكرة متوهجة..
تمادى بلمساته المتحرشة أكثر حتى وصل الى فخدي، أمسكت يده!
همست له بإنفعال
توقف، يكفي
إبتسم إبتسامة جانبية، قال بخبث يتوهج بها عيناه الزرقاوين
لماذا؟! ألا يعجبك
إنتفضت من جلستي، قلت بمرارة و نبرة مبحوحة ثائرة.

لماذا يا سام؟! لماذا تفعل كل هذا! لماذا كنت قلقا علي! لماذا إحتضنتي بتلك الطريقة! أنا لا أفهمك! ماذا تريد مني؟! تحبّني، لا تحبّني! لم يعد ذلك تهمني، أريد أعرف فقط من أكون بالنسبة لك هل أنا لعبة للتسلية! هل أنا عبء عليك! هل أنا واجب ثقيل! هيا تكلم
لم يجب كلامي وقف ببرودة رصينة، مر أمامي متجاهلا، إستدار ببطء نحو المطبخ، يخرج بعض الخضار من الثلاجة..
خاطبني و هو يقطع بعض الخضار ببرودة.

لوسي أنت لا تجيدين سوى النق و النكد، أنصحك أن لا تشغل هذه الأشياء في عقلك الصغير، لأنك لن تستوعبها أبدا.

تسللت بين شفاهي ضحكة ساخرة..
إستدار نحوي بدهشة
ما الذي يضحكك يا لوسي
إرتسم إبتسامة خبيثة على جانب فمي
لا تقلق لن ألاحقك بنكدي بعد اليوم، فرجل مثلك بفائض أنانيته لا يستطيع أن يهب لأي إمرأة ما يلزمها من الأمان، لا تقلق سأجد حتما ما يشغلني عنك..
تسرى صدمة في أوردته، عبر قسمات وجهه عن الإمتعاض
ماذا تقصد، بأنك ستجد ما يشغلني عنك
قلت له فيما وقفت بثقة، متجهة نحو الباب الخروج.

غدا سأبدأ بمدرسة الفنون الدي يدرسها قدر..
قاطعته قبل أن يفتح فمه
لا تقلق لن أتأخر
خاطبني بإهتمام
و لكن ألا تأكلين؟!

ليلتها، ادّعيت أنني لست جائعة..
في الحقيقة كنت رافضة وربما عاجزة أن أتقاسم معه الطعام في مسكّن إستفزاز عاطفي!
تعودنا مع مرور الزمن ألا نزعج بعضنا بالأسئلة ولا بالتساؤلات.
في البدء تأقلمت بصعوبة مع هذا النمط العاطفي الذي لا مكان فيه.
ثمَّ وجدت فيه حسنات كثيرة، أهمها الحرّيّة، و السكينة و الهدوء، و حتى السعادة، وعدم الالتزام بشيء..

كان يحدث أن نلتقي مرّة في اليوم، كما يحدث أن تمرّ يوم كامل ذون أن نلتقي..
و إن حدث أن نلتقي كنت أتهرب منه بحجة أو ذريعة...

عدت بعد تيه، أرفض الهزيمة، اريد الحياة، اريد ان استعيد سعادتي السرية التي كنت أمارسها دون قيود، بشرعية الجنون
كنت أريد ان اجدد ما انقطعت عنه، من الرسم و القراءة!
ان أعود الى لوسي الشابة عاشقة الفن التشكيلي تخبيء بلوحاتها و ألوانها وراء الأشجار و الحديقة و التلال..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة