قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الخامس والعشرون

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الخامس والعشرون

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الخامس والعشرون

في العين دمعة، و القلب ظلمة
آه من تلك الأكداس الحالكة من اليأس و العجز التي تجثم على نفسي، فتهبط بي إلى أغوار سحيقية لا قرار لها و لا نهاية..
أنا أجلس وحيدة وسط ظلمة موحشة، ريح الشتاء الباردة تلفح وجهي و تنفذ في عضامي..
هناك سؤال واحد تتردد في ذهني..
لماذا فعل بي هذا!
لماذا يخطب أليان بعد أن هجرها و أعلن لي حبه!
أنا أجهل حقا ما يحدث! أفهم بصعوية ما يدور حولي!

لا أبصر أمامي بصيص ضياء، تكدس الدموع في عيني، لا أميز شبحا و لا هيكلا!
أغلق عيني و أفتحها!
تبا، ليتركني الجميع، فما عاد لي بقية أمل في شيء..
علام كل هذا الحزن الذي يكاد يبلغ حد الجنون!
تبا، إن حزني لا يعجبني! حزني لذالك الرجل يقرفني!

روعني خبر خطبته كما لم يروعني شيء آخر في حياتي، لا تزال تسري القشعريرة التي إنتابتني منذ أن عرفت أنه يتزوج أليان، أحس أنني أرزح تحت عبء من مرارة يجثم فوق صدري، و يكتم أنفاسي.
تناهى صوت من خلفي
- يكفي يا لوسي..
إستمرت سلمى بحديثها الغاضب و أنا مطرقة برأسي في صمتي الأليم
- أرجوك، تكاد تقتل نفسك أسى و كمدا؟!

- لا فائدة، و فر حديثك و نصائحك، فلو إستطعت أن لا أحزن ما إنتظرت نصحك حتى أكف عن الحزن، إني أحس بنفسي غارقة في دجاجير من الحزن لا نهاية لها، كيف أستطيع أن أخرج مما أنا فيه و أنا التي أبعدته عنذما طلب الرجوع..
- حسنا، لم لا تذهب إليه ما دمت لا تستطيع الكف عنه!
- لا أظن ذلك، لن أتوسل له، دعه يفعل ما يفعل، فما عدت أهتم بشيء! و ما عاد لي أمل في شيء!

عندما وصلتني كارت الدعوة الى الخطبة، ذهلت، قرأتها، و احسست بالحروف تتراقص أمام عيني، أعدت القراءة مرة أخرى، على أن أجد إختلافا في الإسم و لكن وجدته هو، بإسمه و إسم أبيه و جده..
- هل سنذهب و نلبي الدعوة! فالحفلة ستقام غدا!
مضت برهة و أنا ساهمة واجمة، مطرقة برأسي، مسندة بيدي حتى أخفي قطرات ترقرقت في عيني الضنينتين بالدموع
- يكفي يا لوسي، أرجوكي، لا تبكي..

- إنه يكرهني، كيف إستطاع أن يرسل لي بطاقة دعوة، فليس هناك ما يبرر إلا كراهيته الشديدة لي، ربما يتمنى موتي بهذه الطريقة، و لكن ماذا فعلت به!
- لا، ، هذا غير صحيح!
بسرعة عدت الى غرفتي، أمسكت هاتف العمومي..
- لوسي، ماذا تفعلين!
- سأتصل بصديقه المحامي، لأستفسر منه عن السبب!
- سبب ماذا؟!
- عن سبب زواجه من أليان! أو ربما سبب كرهه لي!
بعد برهة من رنين الهاتف، رد علي بصوت مبحوح!

ثم جرى بيننا حديث قصير، و فجأة تركت السماعة يسقط من يدي، و قد تضاعفت دهشتي و أشتد ذهولي!
- ماذا حدث يا لوسي! ما بك يا فتاة!
- لا أصدق، لقد قال لي بأنني إمرأة جشعة، و أسوء زوجة على الوجود، لأنني بطريقة ما أخدت منه كل ما يملك، و حولته الى متشرد فقير!
- كيف؟!
- أنا لا أريد المال، لا، لا، إن هذا شيء غير معقول!
- إهدئي، سأتصل به لأعرف ما يجري!

أحسست بأنني أنهار، و خيل إلي أني أغوص في بحر عميق، شعرت قدميّ لا تقويان على حملي، إرتميت على مقعد قريب، و غرقت في لجة أفكار لا نهاية لها!
هل تركني لأنه يعتقد بأنني إستوليت كل أملاكه، و بأنني إمرا جشعة!
إنتابني نوبة من الحقد عليه، أحسست أنني أمقته بسبب تفكيره هذا..
جلست أحملق في فراغ، و قد أمسكت بيدي بطاقة الدعوة، خطفت بصري الى الورقة..
و بلا إراديا، و جدت لساني تنطق بجرأة.

- كفى يا سلمى، لا تتصلي به، سنحضر في حفلة خطبتهم!
لا شك أنني فاجأتها بكلامي، لقد كنت هادئة النفس، باردة الحس، أكاد أجزم أن حزني لأجله ز الذي أدلني طيلة هذا اليوم، و الدي قيدني في أسره، قد بدأ يخف..
- سوف اذهب الى خطبته متأنقة باردة، هيا، لنذهب الى التسوق
- هذه هي فتاتي! يجب أن ندع العدو يرى ضعفنا!
ليلة الخطبة.

كانت بداية ليلة حمراء، و كل شيء بدا معدا بمهارة و ذوق و إتقان، العطر نفاذ، موسيقى ناعمة، لهب حار يتراقص في جوف المدفأة، أنوار مختلفة الألوان ينبعث من مصابيح أنيق
بالإضافة الى نسوة ساخنة متعطشة، متأهبة على إشعال الحفلة، و خلق جو أحمر حار يرهف الحس و يؤجج المشاعر، و يدفع الدماء الحارة في عروق المدعوين!
حفلة غير منحفظ، هذا ما يسمونه - منكرا - على وجه التحديد!

و كانت أليان تجلس متأنقة على أريكة منخفضة في ركن الحجرة، مرتية فستان ناعم كالمخمل، حالمة كقيصدة حب، فضفاضة مخططة..
و كان هو يجلس متكئا برأسه على كتفها، ممددا ساقه على الأريكة..
أحس بأصابعها تعبث في شعره و بأنفها يمس رأسه، و بشفتيها تهمسان
- أحب رائحة شعرك..
لم يجب، و رفع شفتيه فألصقها بشفتيها في قبلة قصيرة ثم عاد يحملق في اللهب المتراقص
عادت مرة أخرى تهمس بحرارة.

- إني أحبك، حبا كامنا في أعمااقي، أكتشفه كلما خلوت الى نفسي و حاولت سبر أغواري
مرة أخرى، لم يحرك شفتيه، لا بالكلام و لا بالقبل، و طال الصمت...
فعادت تهمس متسائلة..
- و أنت؟!
ساد الصمت مرة أحرى، مدت يدها بتوتر فتناولت كأسا من فوق المنضدة و رشفت منه رشفة، ثم أعادته
و تسائلت مرة أخرى
- أما زلت تحبها رغم تأكدك من خيانتها، و رغم ثورتك عليها و مقتك لها؟!
ضحك و قال و هو يرفع إليها عينيه.

- لا أحبها، و لا أحب أحدا!
- حتى أنا! إذن لماذا تتزوج بي!
- هذا خير لي من الحب، لأنني أحتاجك و أعزك! ربما لهذا السبب!
- ألم تحبني يوما يا سام!
لم يجبها، و بدا في صمته كأن الحديث لا يعنيه، فهمست به عاتبة
- لماذا لا تجيب! هل حقا أحببتني من قبل!
حول إليها بصره ناظرا إليها في شيء من الدهشة و قال متسائلا
- ما بك الليلة! هل هذا شرطك مقابل الزواج! هل يجب أن أحبك لأتزوجك! إن كان كذلك يمكنك أن تنسى أمر الزواج!

- أنا آسفة، لم أشأ أن أضغط عليك..
أما هو عاد يحملق في اللهب المتراقص و بدا عليه شرود حزين، و قبل أن تنهض بحزن أجاب في لهجة مقتضبة و صوت خافت
- نعم، لقد أحببتك من قبل!
- يكفيني هذا لأجعلك تقع في حبي مرة أخرى!

غريبة هي، أي نوع من الإنسان يرغب الزواج بذون حب! و لكن بالنسبة لأليان لم يكن الحب أهم مطالبها في الحياة، هناك أسباب كثيرة للزواج! منها المال و المركز الإجتماعي!، فعائلة سام تملك إمراطورية مالية ناجحة في فرنسا منذ أجيال، إنهم معروفون في أنحاء العالم، و كان الزواج به أقصى أمانيها و أنها لابد أن تنالها مع الزمن، وها هي الآن ستحقق أمنيتها..

من بعيد لمحت صديقتها عالية تدخل القاعة، بسرعة قامت لإستقبالها! لقد كانت صديقتها المقربة و كانت تثق بها و تأتمنها على أسرارها كما لو كانت أمام كاهن على كرسي الإعتراف..
إلتقت عينيها الزؤقاوين بعينيّ عالية في المرآة الضخمة التي تحيط غرفة المعاطف
قالت عالية
- و متى ستتخلصين من هذه اللون الزرقاء المزيف لتكشفي لون عينيك الخضراء الطبيعي أمام نظراته المذهولة.

- ليس قبل أن أتزوج به و أنتمى للعائلة، أو يغرم بي كما أنا!
أما من يتحدثان عنه فهو طبعا سام
- أكره أن أقول لك ذلك، و لكنه لم يعد ذلك الأمير الخلاب، لقد فقد تأثيره على الجميع وفقد كل أملاكه! أليس كذلك!
أدارت ذقنها الناعم نحوها قائلة
- أنت مخطئة، إنه لم يخسر شيئا، في وقت الذي كان سيربح القصية لقد تنازل، لن أطيل عليك الكلام، سوف يستعيد إمراطوريته عندما يشعر بأنه بحاجة إليها، سأنجب له الأطفال!

- حسنا، هيا لنعوذ الى القاعة!

الحاشية
- لماذا تريدين هذا الثوب؟
تراجعت لوسي الى الخلف لتدع سلمى تدخل الغرفة، و كانت لوسي تشعر بالتوتر و هي تترقب حفلة هذه الليلة
- ظننتك سترتدي الثوب الجديد الدي اشترينا امس، انه من الساتان الداكن الزرقة كما أنه رائع للغاية
ألقت نظرة إستخفاف على ثوب الدي إرتديته، انه فضفاض مصنوع من الموسلين
ثم تابعت
- لا أريد أن أدكرك بأنك ذاهبة الى حفلة خطبة زوجك، و ليس الى إجتماع ديني!
فقلت أرضيها.

- آسفة يا سلمى، لكني لم أستطع إرتداء ذلك الثوب الأزرق، إنه غير مناسب لي، فأنا حامل، و سوف تظهر بطني!
- لم يكن هذا رأيك حين إشتريته!
- بلى، لكنني وافقتك لأنك من أقنعتني أن من واجبي أن أظهر الأجكل في الحفلة، و أن نغيضها، يا ليتني أتمكن من إلغاء كل ذلك!
قالت سلمى محذرة
- لا يمكنك هذا، إن لم تذهبي فهذا يظهرك ضعيفة الشخصية..
- أكره أن أخفي مشاعري وراء قناع من المظاهر
- لن ندع العدو يرى ضعفنا أبدا
- حسنا..

فكرت أن أقضي هذه الليلة منزوية في غرفتي، أرتشف الحليب بالكاكا، و أفرغ همومي مع الدموع، و لكن بدلا من لك وجدت نفسي أرتدي ملابسي لكي أحضر الخطبة!
- كوني عاقلة، و أرتدي ه1ا الثوب بدلا من هذا!
- حسنا.

أشعر بأنني ليس لدي تحكم في حياتي، صحيح أن الحمل أخدت شيئا من رشاقتي و لكن لازال لدي جمال وجهي، عيناي الواسعتان السوداوان تحتلان وجهي البيضاوي، فمي الصغير المغري، شعري البني الكث منسق فوق رأسي كالتاج، لففتها بوشاح كشميري، و حين وضعت على يدي خاتم من الألماس، شعرت و كأنني سيدة صغيرة تملك حنكة و خبرة يمكنها أن تواجه مفاجآت الحياة كلها..

في الوقت المناسب فرغت من زينتي، و جاء السائق الخاص في القصر ليقلنا بسيارة ليمونيز طويل..
كان يشع منا هالة من الكبرياء و كأننا أميرتان...
قالت سلمي
- الليلة سوف تصل الى الحفلة شخصيات كبيرة، إبتسمي بثقة! و تحدثي معهم بحرارة، ستكون سيدة الأولى، و ستبدوا أليان مثل الشبح! أقسم أنني سأجعلهم يندمون لأنهم أرسلوا لنا الدعوة!
و صلنا أخيرا، فتح السائق لنا الباب، مد يده ليساعدني على النزول، إعتذرت له، تمتمت شكرا.

- و الآن هيا لنذخل..
لقد بدوت و كأنني أرى قاعة حفلة لأولمرة في حياتي، الأثاث الأحمر الداكن و الثريات المتألقة، الأاضواء أكثر إشراقا، أثواب نساء الأخريات أكثر جمالا، لوهلة تبدد ثقي..
- هيا يا فتاة إرفعي رأسك..
- يبدوا مهمين!
- ليسوا كذلك، بل يتظاهرون بأنهم مهمين!

ذهبنا الى غرف المعاطف، لأودع فيها معطفي المخملي، و عندما عدت الى القاعة، وجدت نفسي ضالة أراقب، و كأنني لست مدعوة، بل مراقبة ملهوفة مأخوذة، متناسية كل شيء، و تطاير مني الكبرياء و الغرور الذي كان يفرضني على الموقف فرضا..
خطواتي تتباطأ، عيناي تبحثان في حيرة بين المناضذ.

بينما كنت في جولتي الباحثة، و صلت عيناي الى ركن الذي يجلس فيها سام و أليان، في ثوان معدودة تصاعد الدم الى العروقي، إختفيت في زاوية قبل أن يلاحظوني..
لاشك أليان لاحظتني، فقد إفتر ثغرتها عن إبتسامة خبيثة و تلألأت عيناها بفرحة ممزوجة بالمكر، ثم إتجهت نحوي حيث كنت أختبئ بخطوات سريعة وجلة
- لم أكن أتوقع أن تلبي دعوتي بهذه السهولة، بالمناسبة لماذا تختبئين، هيا قولي مرحبا لسام..
- ليس من شأنك!

- هل لأنه نبدك، مسكينة!
- لا يعنيك ما جرى بيننا!
- إنها تعنيني إذا قررت ذلك، و لكن من المؤسف أنني لا أملك الوقت! لقد حان الوقت لإعلان خطبتنا لجميع الحاضرين، آسفة، يتحتم لي أن نؤجل نقاشنا..!
تملكني شعور مدمر، و كأنني أفقد السيطرة على نفسي، فقدت كل الإحساس بالزمان و المكان، و لم أعد أسمع الموسيقى أو أرى الراقصين حولي يدورون في القاعة، كنت كالشبح، بل الشبح نفسه!

بعد برهة من الزمن، وقف الجميع، و توقف الحاضرون من قاعات جلوسهم، بدأ سام بإفتتاح الحديث عن الحب و الزواج و عن المرة الأولى التي وقع في حب أليان، و سبب زواجه الثاني، و أنها حبه الوحيد..
جثم بركتبتيه على الأرض بشهامة أمام أليان، و قدم لها خاتم مثل الأفلام الرومانسية..
بدا عليها أقصى مظاهر الرضا و السعادة، ثم وضع الخاتم في يدها، و هلل الجميع مصفقين..!

أما أنا فأحسست بالأرض تميد بي، و دار الدنيا حولي، و خيمت غشاوة على بصري..
قلت لسلمى التي كانت مأخودة على الموقف
- أرجوك، أخرجني من هنا بسرعة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة