قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثالث

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثالث

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثالث

دخل سام ليجدني منهارة على البلاط البارد، و لا يغظيني سوى ثوب نومي الخضراء القصير، الرياح العاتبة من النافذة تصفعني بقوة، و أنا في نحيب و بكاء شديدتين، سمعت صوته فألتفت إليه، ثم جريت كجرو صغير و أرتميت في حضنه، و دفنت رأسي فيه كطائر ينشد الأمان، كنبتة عاطشة.
أحاطني بذراعيه، فشعرت بدفء و طمأنينة، و الإبتسامة تغظي مساحة وجهي، و الدموعي لاحت ترقرق فوق كتفه..

أما هو خاف عليَّ، على يديَّ الطريتين اللتين يرتعشان من البرد، و على جسدي الناعم أن تنخدش، خاف على بشرتي الرهيفة أن تدبل و تجف، خاف أن تسود الأيام في وجهي إذا تركني، فأحتضنني، و ضمني الى صدره بحنان..
قلت له أهمس في أذنه لا تتركني، أنا لا أقوى على شيء، أحس كأنني سأموت.

كانت نفاسه تتردد بصوت مسموع، و نبضاته المتسارعة تضرب صدري بقسوة، ولكنه قال بهدوء لن أتركك أبدا، أعدك، و الاّن قومي و اغتسلي و تجهزي، سنرحل بعد ساعتين
قلت له و أنا أعجز القيام أشعر أن رجلاي مخدرتان.
قال سام هذا أثر برد الشديد، سأحملك الى حمام دافئ.

علا في وجهي خجل طفولي وهو ملني بين ذراعيه، و للحظة شعر سام و أدرك بأنه يحمل الحياة، يحمل نصيبه من حواء، و أشرق إبتسامة في وجهه، و في عينيه بريق و سحر يصعب عليَّ تخلصه..
نزعني من ثوبي الخضراء كقشرة موز، ثم وضعني بحنان في حوض الحماء، ماء دافئة منعشة، و صابون منزلق، إنتصب نهداي الرمانتان الجميلتان.

وقف سام داهلا لرؤية جسدي الأبيض المتلألئ، و أحس بجسده نار قاتلة تغليه، فخرج من الحمام، و انتابه إنفعال حاد، كالعصاب، عبر الباب نحو الخارج.

بقيت وحدي، و لم أكن أتوقع منه الهروب بهذه الطريقة. هل ينقصه شجاعة أم وقاحة؟! أم أن أنوثتي إستدرجته الى حد الرضوخ..
كان الماء المنعش ينساب على جسدي، خرجت من الحمام بكامل قوتي و أنوثتي، و أنا ألتف بمنشفة، و يسيل تحت أقدامي و أفخادي قطرات من الماء الرقيقة..

وقفت أمام المراّة، أعبث بشعري، ألتف و أتلوى، غريب! ما الذي جعله يهرب مني! رحت أتأمل جسدي! أبحث عن تقطة ضعف، و لكني رشيقة، و جسدي متناسق جميل..
وجدته يقف ورائي، ألصق صدره على ظهري، و أحاطني بذراعيه الطويلتين، و إبطيه فوق كتفيَّ، فتأملت منظر المراّة، واو، نبدو ثنائيين مناسبين لبعضنا، إنه أطول مني بشبر ذراع..
فقال وهو ينظر إليَّ من خلال المراّة أنا لم أمارس الجنس من قبل، أنا بكر إن صح التعبير.

قلت كم عمرك يا سام
قال واضعا قبضته فوق خصري الهيفء، طوقني بها و شدني إيه عمري 23، يا عزيزتي.

انحنى سام فوق رقبتي، و لازال يتأمل منظرنا الجميلة في المراّة الطويل، توترت، فقال ماذا، هل أنا كبير عليك قلت له لا، و لكن يجب أن ألبس، أيمكنك أن تخرج
خرج سام، و ارتديت عبايتة مخرفجة، رتبت شعري، صبغت شفتاي بلون بنسفجي لامع، وضعت في أذني قرطين صغيرتين، و لبست خاتم جميل، ثم القيت فوق رأسي شال بنسفجي..

خرجت من الغرفة ووجدته لابسا بنطال جينز أسود مشدود الرجلين، و قميص أبيض، و معطف أسود، و قبعة سوداء، و حداء رياضي..
أمسكت ذراعه و ألتصقت بزوجي الوسيم، و أنا أحمل حقيبة البفسجي الصغير فوق كتفي، فخرجنا بقية الحقائب للموظفين الفندق يحملونها الى السيارة في الخارج إلا حقيبة سوداء يحملها سام في ظهره..

وصلنا الى المطار، و قلبي يخفق بشدة و نحن نمر ممرات لا تنتهي و تفتيش يدهشني عبر بوابات المطار، رحلة من بلد عربي الى إحدى دول الأجنبية..
دخلنا الى قاعة المطار الواسعة، حجرة الإنتظار مكتظة بالمسافرين، وجوه مختلفة و جنسيات غريبة تدهلني، و ألبسة غريبة، أعادني الى شريط دكرياتي مع أمي و أبي و أخوتي، حين كنا نسافر، و كنت دائما مكتظة بالحقائب..

جلست، سرحت أفكر في الماضي، و أسترجع ذكرياتي المبعثرة!، كم أفقدهم! أفقدهم و إن تبعثرت حبهم لي في الرياح، إتصلت بهم، وقلبي يرتجف كورقة خريفية، و دموعي تنهمر بغزارة و أنا أودعهم!
أما سام ذهب يزن الحقائب، ثم عاد يشارني همومي و غمومي، اّه الاّم غائرة مستكنة في قلبي، و لكن كل هذا لا يهم ما زال سام حبيبي بجانبي، يمسك على أناملي المرتعشة، فأسكن لوعتي، و أزاح الهموم الثقيلة عن كاهلي..

رأيته يذهب و يأتيني بقهوة، و من بعيد أراه فيجدبني مشيته و وقوفه، و إبتسامته الجدابة، و من حين لاّخر يلتفت و يلوح يده إليَّ مبتسما، فيغمرني سعادة ملأت كياني كله، فأشعر برغبة على معانقته..
فهناك دفء يتدفق في أعماقي، يوقظ إحساسي، أحقا، ذلك الرجل الوسيم زوجي، فينظرنا الاّخرون بحسد و غيرة، أنا أشعر ذلك، قلوب هؤلاء الناس المغيظة الحاقدة، أشعر هالتهم تنبعث بغزارة..

رأيت تلك المرأة الإنكليزية تنظره بتمعن، تستمر بالتحديق بنا، ثم فطنت، فقامت و جلست بقرب سام، لا يحولها بينه و بينها، سوى مسافة شخص واحد..
بدت سيدة متأنقة، غنية جدا، جسدها رشيق يفيض مها الأنوثة، لابسة تنورة قصيرة، و معطف أبيض طويل، شرقاء الشعر..
لاحت إلينا نظرات مسمومة، ثم تنهدت، فتوجهت نظراتها الى رجل عجوز جالس في طاولة قريبة، نظراته شاخصة في جريدة..

تكلمت أخيرا ذلك الرجل إنه زوجي، في شرود تام، و قلما يكلمني، فتاتك محظوظة لديها شاب رائع مثلك
لم يعجبني كلامها، و نظراتها الثاقبة الى سام، و عيونها التي تحمل كل الإغراء، رموشها المكتحلتين التي ترفعها و تنزلها بعدوبة مع إبتسامة قاتلة..
فردَّ عليها سام بلكنتها الإنجليزية مع ضحكة هستيرية مما جعلني أغار و أحترق غيظا
لا تكوني واثقة، لا رجل كامل و لا إمرأة كاملة، فالكل يعاني نقصا من الاّخر.

و ها هي تردّه بضكة أخرى أعرف ما تعاني فتاتك، وسامتك التي تجدب الأخريات
ثم رمقت إليَّ و قالت تبدوا صغيرة و جميلة
إبتسم سام، نعم، صغيرة، و تميل الى ترك كل شيء من منتصفه، لذا أعتني بها كطفلتي
شعرت بغضب ممزوجة مع الغيرة و الإهانة، يتجاهلون بي و كأني طفلة في ثلاثة من عمرها، فقمت، أغادر تلك المجلس الحقير، يتبادلان الكلام و الضحكات و المجاملات..

ذخلت الحمام، وقفت أمام المراّة، ألعنهم، و أشتمهم، بصوت عال ماذا يظنون بي، غبية صغيرة، اللعنة عليك يا سام، تغتابني أمام إمرأة أجنبية و أنا زوجتك، تضحك معها بطريقة لا تفعل معي، و تكلمها بإحترام مبالغ، و أنا، اللعنة، حمار لعين، و تلك الثعلبة المزيفة بثياب حرباء، سأعرف كيف أنال منكم، سوف أرميكم عظما للكلاب القدرة..

و بينما أصرخ متذمرة، يخرج شاب من إحدى الحمامات، يضحك بعنف و بجنون، عيونه الخضراء يفيضان ضحكا، بدا كمراهق مجنون، لابس بنظال جينز ممزق كموضة كما يقولون..
إتجه أمامي و أنحنى يدقق نظراته في وجهي، ثم قال متبسما يا لك من صغيرة جاهلة، أتركت زوجك وسط أحبال إمرأة حقيرة، الرجال كالأطفال وراء النعناع..
من هذا الشاب، روح المرح، خفيف الدم، و لكن..

تذكرت، نعم، ما الذي يفعل شاب في حمام النساء، كم هو حقير! هل كان يختبئ ليسترق الأنظار، غضبت بشدة، و ضربتة بحقيبتي، أيها الوغد! ماذا تفعل بحمام النساء! أراد أن يقول شيئا، و لكن لم أسمح له مجالا ليتكلم..
كنت أقول تبا، أيكون الرجال سبب كل وجع، أتمنى أن يبيد حقراء مثلهم من العالم، إنهم لا يستحقون الحياة.
قال تمهلي، هذا حمام، الرجال.

لاح في وجهي خجل شديد، و أحمر وجنتاي، و بادرت بالإعتدار على الفور، و لكن بدا كأنه يكبت ضحكة شديدة، و حين أطلقها هزت المكان كله..
فقال من بين قهقهاته اللانهائية، ههه أمم هي، لا بأس، ههه. لا بأس
خرجت مسرعة من الحمام، و عدت قبل أن يلاحطني أحد..

الإنتقام
عدت أجلس معهم، و أسمع ثررتها الى ما لا يعنيها، و لازال سام يضحك معها، و هي تتمايل و تتكير بطريقة مقيتة، فبدأت أشعر غليان دمي ترتفع ثانية و أنا لا أقدر أن أتحمل ابتساماته أمام تلك العاهرة..

كنت أنهش أنيابي مع بعضهما و أنا أحدق إليها، فرمخت المرأة إليَّ نظرة تذل على إحراز النصر حين طلبت من سام أن يحضر لها قهوة، فراح زوجي يكون خادمها الصغير، يلثهث مسرعا الى الكافتيريا في المطار بينما زوجها جالس في الطاولة مطمئنا يستمتع بقراءة جريدة الصباح، أشعر بأنني أريد أن أمزقها..
إقتربت مني متصنعة بالمودة عزيزتي! بل أيتها المسكينة! قلبي يعتصر ألما حين علمت أن حبكم من طرف واحد.

قلت لها و أنا أكتم غيظي و أتصنع بالبرودة بقدر ما تصنعت بالمودة نعم، و كما هو ظاهر بينكم، يبدوا أن روتينية الحياة الزوجية الكئيبة لاحت بينكم
إبتسمت بخبث أجل يا عزيزتي، و لهذا السبب أبحث من يزيح الملل من حياتي الزوجية الكئيبة
قلت بنبرة حادة أنت عاهرة! أتعلم ذلك.

ضحكت بسخرية مريرة زز فلما رأت سام قادم، غيرت مامحها و نبرة صوتها الخبيث، و لاح في عيونها حزن مزيف لماذا تشتمني يا عزيزتي! ماذا فعلت بك! هل تظن بأنني أسرق منك زوجتك، هذا بغيض
سام أنا اّسف يا إميليا ثم غرس أظافره في كتفي النحيلة، فقال و هو يبتسم إيملي أنت إمرأة ناضجة و يجب أن تتساهلي مع الأطفال
إبتسمت هي الأخرى أيضا و قالت لا بأس يا عزيزي سام، سأذهب لأجلس مع زوجي، بعد إذنك.

رحلت، فبانت له أنياب حادة، ووجه مخيف، كوجه الذئب، و نظرة تصّب النار على وجهي، تسمرت في مكاني و هو ينظر إليَّ بعنف، قلت ماذا! أنا أكره تلك المرأة، و أكره كيف تبتسم معها! أكره ذلك، و لا أستطيع أن أتحمل.

تغيرت ملامحه، و ضرب ظهري بلطف، ثم ضحك بشدة، فقال و عيناه يفضان ضحكا لا عليك يا عزيزتي! لا عليك، أحب عندما تصبح غاضبة، و يتملكك الغيره، أحب وجهك العابس الصبياني، و عيونك العسيلتين الطفوليتين يعجبني عندما يشتعلان غيظا و غيرة لأجلى، هذا ممتع جدا
قلت له بصوت خافت حزين إذن، أنا لست سوى لعبتك، أو مشاعر حب من طرف واحد كما تقول تلك المرأة..
قل لي يا سام، من أنا بالنسبة لك؟! أخبرني ماذا أعني لك!

فها هو مرة أخرى صمت جليدي مطبق، ساد بيننا لحظات من صمت مرهف، ثم جاء النداء يعلن مجيئ الطائرة، و مبادرة ركاب الرحلة الى فرنسا، تغيرت الوجوه الشاحبة من الإنتظار، و تغير لوني الى شاحب وردي، فقلت غاضبة هكذا إذن! ثم إندفعت بين الجمع، و صعدت الطائرة، و جلسنا في مقعدين متجاورتين، جسدي يتكور و لا أعرف!؟ و شعرت بتعب شديد، نعم أنا منهكة من صمته، منهكة عن محاولة فهم مشاعرة، أخشى أن أتعب من حبه، أتعب عن الإمساك به..

أدرت رأسي محاولة أن لا أراه، و تظاهرت و كأنه ايس بجانبي، أسندت رأسي الى ظهر المقعد، و تظاهرت بالنوم..
صعدت الطائرة، و كنت معلقة بين السماء و الأرض كمشاعري المعلقة و المضطربة، و كعواطفه المتقلبة..
وضع سام يده فوق كتفي، و يقول و أنا أتفادى الحديث معه، نعم لم أعد أريد كلامه يقول و كاد رأسي أن ينفجر غيظا إليه إسمعي يا لوسي، لقد كنت...
قاطعته بكلمات تدل على عدم الإهتمام أعرف، لا أحتاج الى شرح..

قال سام و حاجباه متدليتان و لكن، إسمع كلامي..
قلت أرجوك، قلت لك لا بأس، أنا أعرف ذلك..
فنظر إليَّ مندهشا ماذا تعرف
قلت و أنا أزيح يده فوق كتفي، أنت لا تحبني، و لا يجب أن تتظاهر بأني أعني لك شيئا، دعنا نتطلق، و عد الى حبيبتك، إنتهى النقاش.

إنحنى سام موجها نظراته الى مكان اّخر فقال حسنا كلمة واحدة لا أكثر، لقد خدل كل توقعاتي منه، شعرت بحرج نزيف، إزدادت نبضات قلبي، و شعرت بالبكاء، و لكني تماسكت، و اخفيت شعوري، و أنا التي لم تخفي شعورا من قبل، طالما إنفجرت بكاءا أمامه، هذا لن يغير شيئا سوى أن يخدعني مرة أخرى بكلمات بكلمات لم يخرج من بلثمه حبا لي، بل شفقه، لم أعد جائعة لتلك الشفقات، سأدعه يذهب، و إن كان ذلك مؤلما، سأتركه يسعد نفسه بأليان، تلك الفرنسية التي يحبها!

الرحلة طويلة مملة بالنسبة له و للركاب، أما أنا مشاعر مؤلمة قاتلة، كل دقيقة أعاني من عضو جديد من جسدي، و لا أدري! ينتابني صداع حاد من كثرة التفكير، جسدي يتكور، كفي اليمنى تضغط برفق تحت إبطي الأيسر..
أما سام بجانبي ينتابه شعور بالملل، رأيته يتثائب مرات عدة، ينظر الساعة، ثم يعود ليلقي نظراته على الركاب، ها هو شخص ينظر إليَّ يقول بهمسه..

و بدأ يفاتح الحديث مع ذلك الشخص، رجل قصير في مقعد الجانبي، كلام عن الإقتصاد، حديث ممل عن الرياضة.

مضى تحليق الطائرة أكثر من ثلاث ساعات، و ساد الجو ملل و ضجر دفع البعض الى تثائب، و بدا سام كأنه يستمتع بالحديث مع ذلك الرجل الظريف، ، بينما أنا أكتوى بنار الحزن و اليأس، ساخطة في قبضة غضب، تبا لك يا سام! هكذا تريدني أن أقضي حياتي، حزينة باكية..

و فجأة شعرت بجرأة طفيلية يتسلل بعمق الى جسدي من فراغ، إبتسمت بخبث، سأرد لك الجميل و أنا أفرك أصابعي، ثم شبكت يدي ببعضهما، و ركزت بصري في وجه ذلك الرجل الذي يكلم سام، و أنا أرفع خصلات شعري التي تخرج من ملائتي الكشميرية البنسفجية المتدلية على عنقي، ثم وجهت نظراتي الى نافدة الطائرة، و انا أقول يا له من منظر ساحر في الخارج
نظر إليَّ الرجل بإبتسامة صافية، ثم قال سائلا سام أهي زوجتك.

بادرت الكلام قبله نعم، زوجي مؤقتا
قال بإندهش ماذا تقصدين
قلت لأننا سننفصل قريبا
قال الرجل و هو ينظرني بإنجداب هذا حقا مؤسف
فقلت و أنا أدير وجهي و عليَّ ضحكة ساحرة تكشف أسناني الؤلؤية
ماذا في ذلك
فقال الرجل و قد توجهت نظراته الى سام مؤسف جذا أن تترك هذه اللوزة بكل عفوية الى من هم أمثالي، يجب أن تعيد التفكير
أما سام لم يتكلم، ساده صمت بارد يكبت غضب بركاني، بدأت هالاته ترتفع، يكبت بعنف شعور داخلي..

ثم جاءت مضيفة الطائرة، تبرد غضب الكاسح التي كادت أن تفجر سام، و كانت تحمل تلك الأطعمة الخفيفة التي تقدم في الطائرات..
أكلت الملعقة، و كنت اّكل ببطئ جاذبة، و ذلك الرجل مفتن بالنظر اليَّ، شفتاي مصبغة بلون ضارب الى بنسفجي، لماع، يغري بالتقبيل..
كانت تلك النظرة الحادقة إليَّ بإستمرار، يغضب سام، بينما كنت أتظاهر بإفتنانه حتى أضيف الزيت الى نار المشتعل من سام..

ثم غرقت بالحديث معه و الضحكات كهبات نسيم معطرة..
قلت هذه قصة مضحكة، إذن ماذا تعمل يا مازن
قال و في وجهه بسمة جميلة عريضة مهندس أي تي في الكمبيوترات، اعمل في شركة سي أن تي في فرنسا
قلت بدهول و إهتمام مزيفة واو، تلك الشركة مشهورة، أنت رائع، لا بد أنك مرتبط بإمرأة
قال في الحقيقة لا
قلت بإندهاش مصطنع مزيف اّخر و لكنك رجل عازب ووسيم، مهندس، مهنة محترفة، ظننت أن كثيرات راغبات بمثلك.

جقال و هو يمسد راحته بشعره بإبتسامة خفيفة هذا صحيح! و لكني لازلت أبحث المناسبة
رأيت سام يتنحنح أح، أحم، أحمم يتظاهر بالسعال، عرفت بأنه يريدني أن أتوقف الحديث هنا و لكني لم أبالي، فواصلت حديثي معه..
فقال إذن متى ستنفصل عن سام.

فبادر سام الكلام غاضبا أتعلم، إن كنت تظن بأنك ستحطى بها، فأنت مخطأ، هذه الفتاة تحبني، و تدوب في حبي، و من المستحيل أن يعجبها موظف سخيف قصير مثلك! دعك من هذه الأفكار التي تراودك، لأنني لن أطلقها أبدا
قام سام و مشى و الغضب يملأ خلايا جسده العريض، فقال الرجل و يلتفت إليَّ أظن أنه ليس راضيا على قرارك في الطلاق.

قلت و قد فقدت رغبة المواصلة في حديث معه أيمكنك أن تصمت، لا أرغب الحديث تغير وجهي الى وجه عابس بعد أن كان يلوح منها الرقة و اللطف..

إنتظرت ساعات طوال و لم يأت، و كان يعزلني أشباح خوف و قلق في عيوني، و بدأت أطرح نفسي أسئلة كثيرة ماذا حصل له! هل أغمي عليه في الحمام، في مكان ما! يا إلهي، ماذا يمكن أن يحدث في هذه الطائرة الصغيرة.

قمت من مقعدي، مهرولة بين مضايق الضيقة في الطائرة، حتى وصلت الى الحمام، لا أحد! فأنحدر في عيوني الداكنة دموع من شدة الخوف و القلق، عدت الى مقعدي، و جلست أبكي، و أستسلم مرة أخرى لدموعي، هل يمكن أنه يريد تركي هل يمكن أنه يختبئ مني حتى تنزل الطائرة، و يتركني! لا يمكن..

و بينما كنت أبكي بكاء مراً، دموعي تسل كسيل زاعب، شعرت بيد تلمس كتفي، و يمد لي منديل ناعم أبيض، نشفت دموعي، ثم إلتفت اليه، فإذا هو ذلك الشاب صاحب عيون الخضراء...
قلت بإندهاش و قد تسارع نبضات قلبي أنت!
فقال و في وجهه بسمة جميلة أنا، ذلك الوغد، الذي يسترق الأنظار في حمام النساء
قلت أنا ااسف جدا، لولا ملابسك، لما شككت بك
قال يبتسم، إنني لا أملك الكثير، ليس من الغريب أن ألبس سراويل رثة.

ثم قال و نظراته تتجه هنا و هناك أين الحمار اللعين و تلك الثعلبة بثياب حرباء، سوف أرميهم عضما للكلاب القدرة
ضحكت بشدة و قلت لا داعي أن تعيد كلامي، فكنت غاضبة
فقال أذن أنت تسافرين مع زوجك
هززت رأسي بإيجاب، فقال و لكنك تبدين صغيرة، كم عمرك؟!
قلت بلطف 15.

ثبتت نظراته على وجهي الناعم، شعرت نظراته تخترقني، إبتسمت له بخجل، فزداد إصرارا على إحتواء وجهي بعينين زرقاوين، فقال و أنا في الثامنة عشر من عمري، إسمي قدر، ما هي إسمك يا اّنستي
قلت لوسي.

فجأة لاحت سام خلف قدر، ثم لاحت شبه بينهما، ما أكثر الشبه بينهما! وضع سام يده فوق كتف قدر وهو جالس بجانب مقعدي، نظر قدر الى سام، فلاحت بينهما إبتسامة دافئه، و أحتضنا بصدر رحيب..
طالعني سام بوجه غائرة، أو لعلي تخيلته هكذا، حدقت فيه بشراهة، و ابتسمت له أتظاهر بالبرودة، أو أردت أن أوصل له رسالة بأن ما فعله، بتركي هنا ساعات لم يضرني، و أني كنت أستمتع بالحديث مع شاب وسيم كقدر..

ثم إلتفت الى قدر بعد أن ألقى عليَّ نظرة نارية..
سام يقول و قد إتسعت إبتسامته كيف حالك، يا قدر!
قدر بخير، سعيد برؤيتك، يا سام، أخبارك، سمعت بزواجك الغريب. ، ثم أين زوجتك، هل ترافقك في هذه الرحلة
سام بهدوء نعم، و كدت أن تسرقها مني
قدر مندهشا ينظر إليَّ أتعني لوسي، زوجتك، لا أصدق
سام إهدئ، إنها زوجتي..
إبتسم قدر و أعتدر إليَّ بمودة هامسة، ثم قال بإختصار سرقة قانونية، أليس كذلك.

ثم بدأ يعاتب سام، لأنك، و لأنك رجل منحط يمكنك أن تبكي فتاة صغيرة، ناعمة مثلها، يا إلهي إنها صغيرة جذا
إلتفت قدر إليَّ يقول بهمسة مسموعة حسنا يا لوسي، هذا اللئيم إبن عمي، و لا تسمح له أن يزعجك ثانية، و ببساطة إن ضايقك ثانية، يمكنك أن تهرب معي!
سام و هو يشعر بالقرف أنا أسمعك يا قدر.

قدر يرفع نبرة صوته يتظاهر بالغضب هل تتهمني بمغازلة زوجتك، زوجة أخي، أنت حقير جدا، أتشك بي، أكنت تفعل لو كنت مكاني، يا إلهي، لا أصدق.

هزَّ كياني كله كأنما يبحث عني شعوري العدبة، كومضة شفيفة في مرايا الليل، يعصر رحيقه الظريف في عالمي الكئيب، و في وجهي الذي هاجرته الطيف السعادة، لا أستطيع أن أتذكر اّخر مرة ضحكت؟! فهل تتذكرون أنتم؟!
ثم تلعثم الفتى، و انكمشت، و فلع جلدي من الضحك، فأختلطت دموعي بريق فمي، فقاطعني جملته لم أجد عملا، و عليه، ما من رجوع...

إسترجعت لوني بحروفه الأخيره، و هو يقول لوسي و سام، بعد إذنكما سأرجع الى مقعدي..

إن قدر مضحك جدا، لقد إستمتعت بإستماع مغامرته الظريفة، و بينما الإبتسامة لا تفارق محياي، يفسدها سام، بجملة ساقطة..
إذن يا سيدة البكاء و النواح! أحقا كنت تبكي، لأجلي...
و بدأ غضبي يزداد غليانه، أحقا أحب هذا الرجل الذي هو دائما على طريق سعادتي، ما أعجب قلوب العاشقات! و العاشقون! دائما نتطلب الحبيب النافر!
و نريد دائما القلب الذي تحترق في سبيله أوصالنا، قبل أن نحصل به.!

و إلا كنا نحب، من نجد منه السعادة! و كان الأسهل لو كنت واقعة في حب قدر!
كان سيسعدني كثيرا!
ماذا! هل كارثة عاطفية أخرى حلت بي! لماذا أحس فتنة ساكنة تتسرب الى أعماق نفسي..!

سام يخاطبني بهمسات، و أنا لا أسمع، أرى ينظر إليَّ و يحرَّك شفتيه ببطئ و لكني لا أسمع، أنا في شرود تام، لا أعرف ماذا أفكر! لقد نسيت، ماذا كنت أفكر!
أستفيق على صوت سام، وضع فمه فوق أذني لووووووووووووسي.
شعرت جسدي الصغير، يصدع خوفا، وضعت يداي على أذناي، ما الذي فعلته بحق الجحيم
سام مستغربا أين ذهبت، الى ضحكات قدر أم الى همسات مازن
قلت غاضبة، غير اّبهة، لا، بل الى فك كل رجال العالمين غيرك.

كره ان يلفت أنظار الاّخرين، و كبح رغبته على تمزيقي بإبتسامة هادئة..
و كان شعور بكراهيته يتغلغل في أعماقي من فراغ، و لا أدري، أشعر أن دروز جمجمتي يكاد أن يتفجر من الغضب لو لم يأت ذلك الصوت يقول بأن الطائرة على وشك النزول، و على الجميع وضع أحزمتهم.

يا إلهي، كنت اشعر بضيق شديد على ذلك القفص معه، و الاّن أنطلق بحرية وسط حشد من الناس، يتدافعون، خرجت كالبرق بينهم، و أنتظرت حتى خرج مبهور الأنفاس، و ركبنا المركبة الموصلة الى داخل المطار..

أشعر بأني كان لدي قلب له و لكن قد بات حجرا، مللت أياما من البكاء و غصة يقف في حلقي، ألعن حياتي التافهة بسببه، كنت واقفة أمامه بجسمي، غائبة بوعيي، واجمة ساهمة لا يبدو على وجهي أي إنفعال، لا غضب و لا سعادة، و لا حزن و لا مرح، وكأن تيار الحياة إنقطع عني..

و بحركة الية، خرجت معه الى المطار، بعد تفتيش دقيق لم يضايقني بتاتا، مثلما بدا عليه علامات إنزعاج متأصل في كيانه كله، و هو يبثق كلامات فرنسية على مفتش، لم أكن أفهم مع أنني كنت أسمتع بصمت مريح مستمتع، كم أحب أن يتضايق و ينزعج سام، إنه لعين تافه! أتعلمون ذلك! دعه يحترق الى أقصى حد يا مفتش، هذا ما كنت سأقول لو كنت أعرف الفرنسية..!

جلسنا أمام مقهى المطار بطاولة زجاجية على كرسين، نحتسي كابتشينو مرا، و بدا إكتئابي تتلاشى شيئا فشيئا، أتأمل منظر المطار من فوق، مطار ساحر، و كأنها مركز تسوق، محلات صغيرة زجاجية، هنا و هناك، ثم أنظر الى النادلة، تتقدم الينا بخطوات منتظمة وثابتة، و تناولنا صحنا و تمضي..
جاء الزوجان، ليندي الثعلبة الماكرة و زوجها العجوز، و جلسا بطاولة قريبة منا، فأحسست بضيق شديد، و تلاشى الهدوء من ملامحي..

لاحت يدها تجاهنا، مبتسمة، فتفاقم إحساسي بالضيق، كم هذا مشمئز أما سام إنفجر في وجهه إبتسامة عريضة️، و رمت هي مرة أخرى إليه بإبتسامة لامعة، تفوهت بكلمتين صغيرتين هل ستنزلون الى فندق! وراحت أصابعها اللدنة، تضع آخر اللمسات على شعرها وعنقها وخدّيها..
سام نظر بإمعان في وجهها و رسم على شفتيه بإبتسامة لا أدري أهي مصنوعة أم حقيقية فقال نعم، سننزل الى فندق فورسيزونس الجورج الخامس في باريس.

لم أكن أشعر بشيء، لا غيَّرة و لا غضب، سوى غثيان مباغت يجتاح الى جسدي، فكنت سامرة في جلستي كشجرة قطع أغصانها، حتى جاء رنة هزازة من جيب سام، أخرج الهاتف..
و أجابه ها، حسنا، سنخرج الاّن
ليندي يبدوا و كأنكما ستذهبان، و لكن هل لي من طلب بسيط يا سام
سام نعم، يا ليندي، أرجوك
ليندي تضع يدها في كتف زوجها سام، أنا و زوجي، نزور أول مرة في فرنسا، و ليس لنا أحد هنا.

سام هممم، خدي بطاقتي، إن إحتجت الى شيئ، لا تبخلي في الإتصال بي
ثم خرجنا، و عيناها معلقتين بنا تمتصنا بإبتسامة ماكرة.
كان هناك سيارة ليمونيز طويل قرب البوابات الخروج، و رجل بزي أسود و بدأ كأنه سائقنا حين لاح بنا إبتسامة عريضة، رجل طويل عريض، حاجباه متجهمان، ثم بصق لكنة فرنسية لم أفهم، و ردَّها سام مثليه، فدخلنا الى السيارة..

و مضت حوالي ساعة وكان الوقت ليلا، و ضوء المصابيح في الشوارع و المراكز و العمارات تغري شوارع باريس، بهاءا و ضياءا، كنت أتفحص جمال فرنسا من نافدة السيارة المغلقة..
توقف السيارة فجأة قرب، إضاءة كبير، يحوم حولها السيارات، و عرفت أنه الفندق الشهير فورسيزونس يطل على جادة شانزيليزيه!

خرجنا الجو شديد البرودة، و لم تقم عبايتي واجبها، فبدأ جسدي يرتعش، جاء عامل الفندق و سار معنا الى جناحنا المحجوز مسبقا، لم يتوقفوا من ترحيب بنا على حمل حقيبتنا، أهلا يا أعزائي، تفضل يا أعزائي.

الغرفة جميلة، فردد سام شكرا، شكرا بدا عليه ملامح تعب و إنهاك، فخرج العمال، و لم يكن لذيه رغبة في خلع ملابسه و الإستحمام بعد طول السفر و عنائه، فالقى نفسه على السرير الأنيقة، كم أنت مقرف يا سام، حتى الحداء تعجز عن إقلاعها
أما أنا فخرجت الى الشرفة الصغيرة، فلفحني نسيم بارد، ما أجمل هذا المكان، أعجبني الفندق، و دماثة عامل الفندق، و لطفهم، و قولهم بكلمات ناعمة جميلة بلغة الفرنسية، مع أنني لم أكن أفهم!

لم أمل من النظر و إندهاش باريس، جلست ساعة، لا أنتبه لمرور الوقت..
قد قارب الوقت الى العاشرة ليلا..
خرجت من الشرفة، فوجدته قد غاص في نوم عميق بشكل مقرف، لازال في ملابس السفر، مرتديا نعليه الرياضية، و لكن لا يهم، فقد كان يوما متعبا..
أخدت حماما سريعا، و بارحت في السرير، أنسى التعب و اّلاّم الساقين..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة