قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثالث والعشرون

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثالث والعشرون

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الثالث والعشرون

في الفترة الأخيرة، لم تكن أحوال سام تبشر بالخير، والعارفون بالأمر يقولون: سام كان مسكونا بالهم حتى العظم، المسكين خرج من الخمارة وهو لا يرى ولا يسمع، في البداية جلس قرب حاوية القمامة الكبيرة، وأخذ يغني أغنية حزينة كادت تبكي القطط التي أوقفت البحث عن طعامها إلى حين، ‏.

نشر الخبر في سطرين، واحدة من الصحف التي تهتم بالفضائح..

يقول: على الرصيف الواقع قرب أحد الفنادق المشبوهة في المدينة، وجد رجل الملياردير سام مالك ياسر مخمورا يُتهم زوجته بالخيانة بعدها وعدت الصحيفة قراءها أن تنشر كل جديد يمكن التوصل إليه، ولاشيء آخر..

والأخرى لدى صديقه المحامي في مكتب الشركة، أعتبرت سرية للغاية، وقد أوصى الجد ياسر وشدد على ضرورة حفظ السر، لاحاجة لتسريب أي خبر، وكان الجد يقرأ باستغراب ودهشة بعد ذهاب المحامي إلى بيته ليتفقد سام هناك؟‏.

كان سام مرتميا على السرير فاقدا تماسكه كرغام مبعثر، ، لاحظ المحامي التغير الدي طرأ جليا على سام هذه الأيام
فقد بدا شاردا واجماً غريباً، كان يأتي ويذهب ورأسه في الأرض، أحياناً كانت تلمح بعض الدموع في عينيه، -. ‏
صحيح أنه يخرج كثيراً إلى أماكن لم يكن يعرفه، ليعود متاخرا، و لكن لم يرى و لو مرة واحدا وهو مخمور..

و لكن الخبر تؤكد بان صاحب الخمارة يقول الرجل كان مخمورا في آخر ليل، غريباً إلى حد بعيد، حتى أنه أخذ يغني ويرقص، ويبكي ويضحك بشكل جعل كل السكارى في حيرة من أمرهم، وحين حاول أحدهم أن يقنعه بالجلوس ثار وهاج وماج، وأخذ يبكي بحرقة...

تأمله بغرابة، يظلله شحوب، و قد احاطت هالة كالشحار محيط عينيه، وجنتاه لا تنطق بأي تعابير هيام كخرساء تائه، ألح عليه بأسئلة، ماذا حدث له؟!، تظاهر سام بتماسك غير حقيقي، وبعد أن مسح دموعه، ظل كاتم على روحه، ولم ينطق بكلمة واحدة..

جر ه صديقه فيصل من وجعه الغامض والعميق إلى شاطئ البحر الذي يعرف تأثيره على مزاجه..

البحر يمتد بزرقة لانهاية لها، الشمس تسعى نحو الغروب، الناس يتجولون هنا وهناك جماعات وفرادى...
توقف قليلاً، مسح شعره بيد مرتعشة، تابع خطواته، الرمل الناعم يلتصق بقدميه ثم ينزلق تاركاً بقية لا تريد أن تغادر، شعر في لحظة ما أنه يسقط عن كتفيه تعب سنين طويلة، عندها تمنى أن يعيش ماتبقى له من عمر إلى جانب هذا الأزرق الساحر، كان يعرف أن البحر رائع بكل ما فيه، ‏.

بعد مشوار قصير اقتربا من الصخرة..
نفض عنه بعض الرمال بحركة آلية ساهمة، جلس بهدوء، غرز قدميه في الرمل الرطب، أغمض عينيه.
جلس فيصل إلى جانبه وراحا يراقبان البحر كأنه طفل يشاغب وعليهما إسكاته، وبعد حديث قصير عن هذه البقعة اللاسم لها من العالم، وعن الناس القاطنين هنا وعلى الضفة الأخرى، انتقل فيصل وبجدية إلى قلبه النابض بالحيرة والوله والتحدي:
فسأله:
- أراك متعبا..؟

- نعم، بل أكثر، إنني أتعذب، أتعذب كثيرا..!

- أيحق لي السؤال، لماذا؟
- نعم يحق لك؟
- شكراً، لن أسألك وأعتبر أنك منحتني ثقتك...
- نحن أصدقاء..

وهنا انفجر سام شاكيا:
- لست مرتاحا يا فيصل...
- أنت حفيد ملياردير وغير مرتاح؟!
- إذن، اسمح لي بتقديم نفسي التي لا تعرف عنها شيئاً..
أخد يحكي عن مشاكله مع جده، شعر بأنه سرق منه أشياء كثيره عن حياته، أحلامه و طموحاته و حتى حلم زواجه من إنسانة يرتبطهما الحب و الثقة! بالنسبة للوسي التي غدرته و خانته، بل تكرر غدرها و خيانتها حتى وصل الامر أن تشارك في غرفة نومهما مع إبن عمه!
هز فيصل رأسه بأسف.

- و لكن من أخبرك؟! ربما لا تكون الخبر موثوقا!
- هذا ما ظننت في البداية عندما أخبرتني خطيبته، و لكني استوضحت الأمر من الخدم و أمدوا لي بأنه كان ينام في جناحها لمدة شهر، ( إكشر انيابه ) تبا، لم أصدق عندما أخبرتني بأنها لم تعد تحبّني! يا ليتني صدقتها!

خيمه السكوت للحظات عندما ومض هاتفه برسالة من قبل جهات البنوك، حاول أن يتماسك و لكنه تبخر في وجومه المضني و ردد كلمات لا علاقة لها بحديثه.

- لا اصدق؟! لا أصدق؟!
تسمر فيصل بصمت حجري..
حافظ فيصل على فضوله قليلاً، ثم سأل.

- ما حدث؟! ماذا رأيت يا صديقي!
تبخرت ملامحه الواجمة أمام قهقهاته
- هل تصدق، جميع أملاكي تحولت بإسم زوجتي الغدارة لوسي..
- هل أنت متأكد يا صديقي؟!
- بالطبع، بالطبع..
- لقد أخبرني جدك مند فترة برغبته على تحريم الميراث منك و لكن لم أعتقد بأن يجري الأمر هكذا؟
- سأنتقم منهم، اقسم بانني سوف انتقم منهم جميعا..
- ألديكِ رغبة بمقاضاتها في المحكمة؟

- لا، أنا لم تهمني الثروة يوما، و لكني سوف أنتقم منهم بطريقة أخرى!

وجد فيصل نفسه فجأة في وسط قضية ملحة عليه، ومنح لنفسه الحق، بل الواجب عليه كمحامي مساعدة زميله..

الحاشية
شعرت بضباب أسود كثيف يغطي عيني و انا أقرأ الصحيفة بذهول، افهم بصعوبة ما يجري..
رميت الجريدة جانبا، مسحت دموعي، و مسحت قطرات دم رعفت من فمي..

تكلمت معي سلمى بوضوح
- أرجوك لا تصدق هذه الإشاعات، سام هو إنسان مؤمن و تقي، يؤدي صلواته وواجباته الدينية كاملا، من المستحيل ان يفعل ما يقولون في الجريدة..

لولا سلمى لما شككت في الجريدة، فلقد رأيت صور و هو يمضي ساحباً جسده إلى الفندق الذي كان يعرف فيه من بنات الهوى الكثيرات، خطوات مشى، ثم استدعى الجدار بإشارة آمرة من اصبعه، وأخذ يسير إلى جانبه سيراً غريباً مدهشاً، حيث وضع بطنه وصدره ويديه على الجدار، وأخذ يحرك قدميه بالعرض، وقتها ظن، أن فندق الشرفة أصبح أبعد من ذي قبل بآلاف المرات، وحين وصل لاهثاً ممزقاً مبعثراً، جلس على الرصيف، أمام الفندق تماماً، محاولاً أن يلتقط شيئاً من أنفاسه الهاربة، ‏.

عندما مدّ، أو حاول أن يمدّ قامته مرة بعد مرة، وأبت أن تتجاوب مع محاولاته، زحف نحو الفندق معلنا استسلامه الأخير أمام قامته اللعينة، ولأنه دخل الفندق على هذه الحال المزرية، فقد لفت الأنظار وأرسل القهقهات، قهقهات النزلاء طبعاً، ثم حين ألقى خطبة عصماء لا بداية لها ولا نهاية، عن خيانة زوجته و إبن عمه، بعدها رمي رمياً خارج الفندق، ‏.

العارفون بالأمر قالوا: على الرصيف الذي تلقفه مثل الأم الرؤوم، أخذ سام يبكي، بعدها - هكذا دون مقدّمات - انفجر في ضحك ملعون لم يتوقف، كان يضحك ويضحك، يقف، يتمايل مثل شرّابة الخرج ثم يضحك، يقع على الأرض ثم يرفع نصف قامته، ويضحك...

صباح اليوم التالي
شركة الفنادق شيراتون مالك المشهورة تحدث في اجتماع ضم رؤساء الأقسام، عن سام الذي سرح من منصبه و حرم من الميراث!

قال الجد ياسر: الرجل في الفترة الأخيرة أصبح ضحية للجرائد، وكما تعلمون، عملنا لا يحتمل الإشاعات و السمعة السيئة، كما انه غاب منذ فترة وماعدنا نعرف عنه أي شيء، وتحدث مطولاً عن تقديره و حبه لحفيده، لكن الحب شيء، والعمل شيء آخر تماماً، ‏ ستكون وريثتي الجديدة حفيدتي لوسي التي هي إبنة إبنتي المرحومة!

وقبل أن ينتقل صاحب شركة شيراتون مالك لمناقشة الموضوعات التي تهم الشركة
اعلن لمنصب الرئيس إبن أخيه ( مصطفى ) رجل في خمسين من عمره، قصير و دحداح، أصلع الرأس، و هو أب قدر و عم لسام! و كان متشوقا منذ زمن بعيد ان يجلس في هذا المنصب، خرج مع سكرتيرته التي تشبه قطعة الزبدة.

جلس مبتهجا خلف مكتبه العريض الجديد يمسد كرشه بيد غليظة منتفخة، وينفث الدخان من فتحتي أنفه الكبيرتين. وللحقيقة، فقد كان - كأي شخص رفع منصبه - يشعر بسعادة حقيقية و بعد أن استطاع أيضا إقناع سكرتيرته الجديدة، التي اعتبرها في غاية الجمال، أن تذهب معه بعد الدوام مباشرة لتناول الغداء في أحد المطاعم..

ابتسم بمكر، و هو يتكلم مع مسعد ( صاحب الجريدة نيوز ).

لقد عوضني المبلغ الكبير الذي صرفته لإيقاع سام، يمكنك ان تساعدني في فتح مشروع جديد بما انني الآن رئيس الشركة وقال انه نصح السعداوي أن يبحث عن كشك في مكان ما ليستأجره ويبيع بعض الأشياء البسيطة، وقد وعده أن يفعل، لكن الرجل غاب منذ فترة وماعدنا نعرف عنه أي شيء، أرجو أن يكون قد وفق في حياته الجديدة..
بعدها انتقل صاحب جريدة نيوز لمناقشة الموضوعات التي تخص الاستيراد والتصدير، ‏.

وضع المحرر الجديد في صحيفة الحقيقة مقالته الأولى أمام رئيس التحرير
رجع خطوتين إلى الوراء، ووقف برهبة وخشوع، يسرق نظرات خاطفة إلى ملامحه وتقلّصات وجهه التي تتبدل باستمرار
قرأ رئيس التحرير سطورها، وأبدى إعجابه، بهز الرأس والهمهمة والابتسامة. ثم نظر إليه، وقال بإعجاب
عظيم عظيم، أعجبني العنوان المليونير المتشرد.

هدأت نفس المحرر واسترخت أعصابه المشدودة، وكاد يطير فرحاً، لولا أن قال رئيس التحرير: ولكن...
سأله متلعثماً وقد تبدد فرحه: ماذا
- انظر هنا..
دنا المحرر بخطى متعثرة وقال متسائلاً: أين؟!

خط رئيس التحرير بالقلم الأحمر على أحد السطور، وقال:
هنا، اقرأ، الرقابة لا تسمح بهذا الكلام.
تحول مليونير الفرنسي سام مالك من رجل أعمال إلى متشرد لا يمتلك سوى 5 فرنك فرنسي كرصيد في البنوك، و رفع دعوى ضد جده
اللبناني ياسر..
طلب الرئيس من المحرر أن يحذف الإنتماء العنصري من ذكر البلدان، فالرقابة لا تسمح بذلك..

الحاشية
ماالذي يوقظني من أعز نومي سوى هذا الإحساس الثقيل المؤكد:
القلق! أجل القلق..
حاولت أن أغش نفسي و أبحث عن تعبير أخف وطأة، لكنني أدركت في تلك الليلة حين أفقت في الرابعة فجرا، و القلق متربص بي كاشف عن وجهه العريض..
أدركت أنه لا مجال للإلتباس فها وجه القلق..

في سري كنت أصرخ كلما أقرأ الجريدة الصباحية أو أفتح قنوات الأخبار التي تديع عن آخر نشاطات سام، الرجل المليونير يقاضي جده في المحكمة لإستعادة بنود ركاته!
آه نفسي تتعب كالجسد، بل أكثر من ذلك و تحتاج لمن يريحها، و يهدئ بالها!
ماا أفعل الآن، لقد حسمت أمري أخيرا باللقاء معه..
نزلت الى المطبخ، و أعدت لنفسي قهوة، و أنا أتدكر وصية طبيبتي أن أمتنع عن القهوة كليا، و لكن ولعي بالقهوة جعلني أتمرد على نصائحها!

القهوة صديقة قديمة، طبعا، أليست القهوة مشروب الأحزان القلق!
من أسبوع و أنا أعاني من أرق ينهك أعصابي، أحس بنعاس شديد، أنام ساعتين أسنيقظ، ادركت أن قلقي تجاه سام قد ظاغ، و ترك في نفسي وشما بحجم الذاكرة..
لابد من اللقاء به، لابد من الحوار معه!
و لكن ماا سأقوله! أي حوار سأفتح معه! كيف أبدأ؟ كيف أنهي!؟ كل تلك الأسئلة تحيرني!
أنا عاجزة بالفعل!، ان الذهن لا يعمل، أنهكتني الحمل و جعلت روحي تنشل تماما..

فقدت القذرة في توليد أي أمل، خاصة و أنه لا يرد إتصالاتي من أسبوع!
لقد جعلني أهوى في هوة اليأس!
و لكن رغم كل شيء لابد من اللقاء به!
لقد كنت أرفض الإستسلام لمطبات اليأس، قوة الشباب وحدها تجعل كفة أملي ترجح..
نعم سأستعيد سام، و أصالحه مع جده! لن اتحمل أخبار أخرى من الإداعة توشي على قتال بين العائلة!

بزغت سلمى أمامي فجأة
- أهلا لوسي!
- صباح النور
جلست بقربي على الطاولة، و كنت لاأزال راغبة بشرب فنجان آخر من القهوة، أعددت واحدة لها أيضا
نظرت الى ساعتها و كانت تشير الى الرابعة و نصف صباحا.

سألتني بحيرة
- مالذي أيقضك في هذه الساعة
- القلق يا حبيبتي، أنا قلقة من سام! ماذا يفعل ياترى!
- لا تقلقي، هو بخير
- للاسف يا سلمى اتصلت به اكثر من عشر مرات لكنه لا يرد علي، لابد انه غاضب من، ماذا فعلت؟! تبا لقد كذبت عليه! و قلت له بانني لا احبه، وها هو جن على آخره! و أخباره في كل مكان.

أخذها لثوان قبل أن تتكلم و كأنها تخفي شيئا، و أو تعرف ما لا أعرفه
- لا أظن بانه غاضب بشان ذلك، لا تقلقي سيجيبني أنا، و أتكلم معه!
- حقا! شكرا لكي..
- بالمناسبة كيف أحوال جدي..
- مسكين جدي تجاوز السبعين، و سرى الوهن في جسده، و صار يضع عينيه نظارة سميكة لايرى بوذونها و يستعين بالعكاز و المنشطات، أتعلم يا سلمى، أمس منعته الأطباء عن تناول أي سكر أو ذهون، و نصحوه بتجنب الضغوطات..

- لقد أخبرني أبي أن جدي سينفرد اليوم في غرفته، و سيذهب أبي الى المحكمة بدلا عنه! لقد تجاوز سام عن حده، ماذا يريد من جده المسكين! ربما عليك أن تتكلم معه بشأن هذا! ربما يسمعك أنتي، يجب أن يتوقف عن مقضاة جده المسكين الى المحكمة ذهابا و إيابا و يعود الى رشده!

- لا أظن أنه سيسمعني و لكنني سأحاول من أجل جدي!
- أترك أمر الإتصال بي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة