قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع عشر

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع عشر

رواية أهذا زوجي و ليلة دخلتي للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع عشر

كانت الساعة قد قاربت الثانية عشرة ليلا عندما إنتهيت من تجديد ديكور غرفتي، تشربته بألوان كبدية و كالنبيد غامض له نكهة حريفة و أليفة، زينت الغرفة بأشكال عديدة كتمائم غامضة..
ها أنا ذا أخير إنتهيت من تزيين الغرفة، تنهدت و أنا أتململ على كرسيي وقد أطلت برأسي من على الشرفة أرمق الخارج منتظرة قدوم سام بسيارته المغلقة، لكي أفاجؤه على السهرة الحلوة...

بدأ المطر يخف عندما لمحت سيارته من بعيد، و قد إندست بسرعة غريبة كقطاة تائهة..
إنتفضت من جلستي و كانت لحظة مفاجئته إقتربت..

غادرت الشرفة و كنت أمسح بكلتا يدي على وجهي وأطراف عينيي وكأني أريد أن أمحوا عن عينيي صور متشابكة لأحداث هذه الأسبوع التي جرت بصورة فضيعة، يا الهي كان ظريفا معي، شديد العطف، كثير الحنان بينما كنت أخنق عاطفتي و أقابله ببرودة و أقتل حبي، كدستها في داخلي كدنانير البخيل، أعرف أنك لم تستحق مني أن أكون مجفلة معك، كنت معي..

أخذت أفرك عينيي وكأني شعرت بوجود شيء ما تحت جفني، ربما أحاول أن أختار الصور الأكثر جمالا والتي التقطتها عيني منذ أن تزوجت سام.

ولهذا كنت أستعيد وبجهد تلك الصور الجميلة وكلقطات الفلاش -عن أول حضور له في ذاكرتي - نظرتي الأولى إليه عندما تزوجنا، طوله المميز ببدلته السوداء، كتفيه العريضين، تسريحة شعره الذهبي الرزينة، ابتسامته التي سحرتني منذ الوهلة الإولى، ومن ثم نظرته الوديعة الزرقاء كمحيط البحر فيما هو يقترب إلي، ولمسته الحنونة التي طوق بها كتفي، كم أحبك يا سام! لن أستطيع أن أتخيل حياتي بذونك!

لمحت الخاتم الماسي من يدي..
(يا الهي كم كنت حمقاء أن أكون جلفة معه ومقيتة)
أريد أن أبعد ما يفسد علي سعادتي هذه الليلة التي حضرتها بكل إتقان، إذهبي أيتها النذم، أتركني! لا اريد أن يتعكر صفوي!

بعد برهة، أولج الغرفة، أحسست قلبي يطير بالفرح، أنبرت نحوه لكي أحتضنت و لكنه تحاشى عني نحو الخزانة فتملكني شعور غريب..
بقيت حائرة مذهولة، فأستدركته و أنبرت لمواجهته محاولة أن أعرف ما يجري..
- ما بك يا سام؟!
قابلني ذلك بصمت، أثار لدي شعورا غامضا، ،
ثم طفق نحو الخزانة مخرجا حقيبة سفرية صغيرة
أخرج بعض ملابسه بحركات مستعجلة، ثائرة، مجفلة..

وقفت أحملق فيه بعينين غائرتين، و قد إعتلى وجهي غيمة حائرة، أفهم بصعوبة ما يدور حولي..
مر بعض و كأنني تحت سحابة ماطرة، أنتظر منه البوح!
رحت أفكر بما يجري مع سام؟! و ما يحدث له؟!
لفق بعض حاجاته الضرورية، و آغلق فاه حقيبته أخيرا..
أخد حقيبته نحو الباب، أما أنا فقد تجمدت في مكاني أنظر إليه غير مصدقة و كأنني اتابع صفحات الرواية..
إلتفت نحوي و قال جملة واحدة بصوت مرير
أتمنى أن تعتني بإبني و بجدي، و داعا.

مهلا..
مهلا..
ماذا يحدث؟!
كدت أجن و لا أدري كيف تداعى لذهني مباشرة
بإنه سيهجر ني فقط لأنه ملل من جفائي..
ها أنا ذَا ألهث خلفه لأحلق به
هرولت نحوه، أدرأ بطني بيداي المرتعشتان..
و حين أدركته إحتضنته من الخلف، تشبثت بقميصه..
سحب يداي برفق من قميصه و أستدار بكامل جسده نحوي
إبتعدت عنه قليلا و أردت أن أتكلم و أعتدر منه، و لكن دموعي غلبني فبادر هو يقول لي.

- لا تتكلمي، إنني أعرف ما تريدين ان تقولي لي، و لن الإعتدارات لن يجدي نفعا! فأنت أديتني يا لوسي بطريقة لم يؤدني أحد في حياتي، بتصرفاتك هذه كشف لي عن زيف علاقتي معك، فالزواج هو بين روحين قبل أن يكون بين جسدين..
دوت العبارة في أذني كأنها قديفة، لم أكن أحس ألما و لا حزنا، بل إنني لم أشعر حتى نفسي و لا بما حولي، و لا بالوقت الذي مر قبل أن أنهار بلا شعور..
نظراته مصوبة إلي، و لكنه يتظاهر بأنه لا يراني..

ثم مد ذراعه الي و أنا جاثمة على الأرض، بينما يخاطبني ببرودة مشوبة بشيء من الشفقة
- إن كان كلامي قد يخزك مثل السكاكين، لست أدري ماذا بإمكاني ان أصنع لك؟! أنتي عليك أن تكوني قوية لأجل إبنك! هيا قومي بالله عليك، لا تضعفي هكذا؟! من يدري؟!، ربما عوضك القدر خيرا، و جاء الغيب بزوج إحلامك، إنني لم أكن بك جديرا..

إهتزت داخلي و كأن في جوفي معركة، تشجعت
- ماذا تقصد بكلامك هذا سام؟! يا إهي، كل هذا بسببي، أنا مجرمة، أرجوك يا سام، سامحني! انا لم اقصد أن أؤديك..
كنت أقول ذلك و أنا أشهق باكية و أنشج
طامن برأسه بحزن
- أنا لا ألومك يا لوسي، كان تصرفك سليم و لا غبار عليه، يحق لك أن تشتكي مني فأنا كنت معك رجلا شحيحا بعواطفه ضنينا بفؤاده، و لكن القدر أراد أن يصيبني فيما فعلت بك!

- أرجوك يا سام! أنا أخطأت، سامحني! أنا أخطأت! لن أعيد هذا التصرف..
- أنت لم تخطئي، أنت إنسانة صريحة يا لوسي! و صادقة و لا تُحبين الخداع! لا داعي للمراوغة الآن، أرجوك لا تصعبي الأمر أكثر من هذا..
سأضع حريتك بين يديك منذ الآن؟!
صوتي إنسحب حزنا الى قاع حلقي..
- ماذا تقصد يا سام؟! حريتي؟!
إنحنى يلملم حقيبته، و قال كلمته الأخيرة..

- لو طلقتك الآن ماذا سيحصل؟! ستكون فضيحة لن أرضاها لك! و مصدرا للأقاويل و الإشاعات تنضب ولَك! إنتظري بعد الولادة!
- طلاق!
أحسست بالسقف يسقط فوق رأسي، الجدران تنهار علي..
الأرض أصبحت لينة تتحرك تحت أقدامي حتى لتكاد تسحبني..
الدموع تنحدر من عيني، نظراتي قد تركزت على سام و هو يختفي من أمامي..
أحسست بتعب يمنعني من الحركة، و استبد بي الغثيان، شعرت بأنني ضعيفة ووحيد..
و دون أن أفكر وجدت نفسي ابكي مثل الطفل..

أطلق نحيبا، يتردد صداه في الأرجاء..
لماذا هجرتني يا سام؟! لماذا؟! أمس كنّا نتبادل الضحكات و الهمسات، كنت قد أهديتني أغلب خواتم العالم، و لكن الآن تريد أن تطلقني، تهجرني..
لماذا؟! هل لأنك لم تتلقى عرافنا لجميلك؟ أم أنك كنت تعد الأصابع لتتركني هذا اليوم بالضبط! أم عادت إليك اطياف أليان فأحببت أن تعود إليها!
تترك جسدي الجاثم هنا و تذهب الى حيث حبيبتك، حيث قلبك! حيث كيانك!

أناظر نفسي بشفقة، و قد إنحسر ثوب نومي بين أفخادي، أرجوه خد جسدي، بذونك يا سام تعصفه اليأس و الخواء، فماذا أفعل بجسد هجرت منها السعادة!
أرجوك عد إلي و خد جسدي ايضا مثلما أخدت روحي!
إرتجفت أوصالي، ركنت نفسي الى جدار الردهة، و كأنني فقدت الرغبة في الحياة
إرهاق فضيع يقطع خلايا قلبي، أتمنى ان تأتي الموت إلي و تخلصني من سندات الإعجاب! يا إلهي إنها فوق طاقتي!
أغمضت عيناي بألم، و رحت في نشيج طويل.

تناهى جميع مسامع الخدم الى أنيني، أسئلة حيري عصفت بدماغهم و لكن لا أحد منهم مد يده لي..
كنت وحيدة ضائعة في حزن مدجج يحاصرني في كل مكان
الفضاء حاصب مرعب، الهواء قحط، سغب.

عندما رجع قدر الى القصر، إستدرجه وجوه الخدم الكالحة، و قد تعرش الصمت في كل مكان و كأنها أغنية حزينة تلف أنغامها على الجميل..
إستوضح من إحدى الخادمات
- ماذا يحدث؟!
تململت الخادمة بخجل قبل أن تسرد له تفاصيل الحادثة
- لا يجب أن آتدخل في شؤون الآخرين و لكن..
تابعت بحزن
- المسكينة لوسي، لقد غفت على الردهة و هي تبكي ساعات متواصلة..
تكسر أمواج الغضب على شفتي قدر و أنتفض صائحا على الجميع.

- لماذا لم تفعلوا شيئا؟! كيف إستطعتم أن تتخلوا عن فتاة حامل تغفوا على الردهة، هل أنتم بشر!؟ هل تتمتعون حتى ذرة من الإنسانية..
صعد السلام بخطوات متتالية..
وجدها منكمشة على الأرض، بسرعة إنحنى يلقم رأسها على صدره..
- لوسي، لوسي، هل أنت بخير؟!
تناهى في مسامعها صوتا حنونا
تمّططت بتثائب، تكلمت ذون أن تفتح عينيها المنتفقتين من البكاء
- سام، سام، هل رجعت إلي..
إستعرت نار ساكنة في داخل قدر..

ذلك الجلف المغرور! دائما هو سبب معاناة هده الفتاة الصغيرة! أتمنى أن لا يهنأ أبدا في حياته!
تحسست لمسته الحنونة التي طوقها على كتفها
توارى قدر خجلا، فسحب يده برفق.

فركت جفوني، فشعرت بمن يجذب من ساعدي
تناهى في سمعي صوت قدر
- هيا يا لوسي، إستيقظي..
أحسست و كانني كنت داخل غيبوبة طارئة، فتحت عيناي الثقلتان، وجدت نفسي في حضن قدر
إنتفضت مثل القطة
يا إلهي، صرخت فجأة
إنه حلم، كنت أحلم! ظننت بأنه رجع لي..!
خاطبني قدر، و هو يشد من دراعي
- سأساعدك على القيام، لنذهب الى غرفتك، تبدين متعبة..
- هذا لطف منك يا قدر!
ساعدني حتى وصلنا الى غرفتي
خاطبني قدر.

- هيا الى فراشك يا لوسي، أنت في أشد الحاجة الى الراحة الليلة، بعد كل هذه الأحداث المثيرة للأعصابك..
شكرته بإقتضاب..
- أشكرك
ثم دلفت نحو فراشي
- نامي الآن يا لوسي هادئة البال، لقد تأخرت عن موعد نومك..
جذب الأغطية، و غظاني جيدا، فمست كفه وجهي عفوا
مرغت خدي بيده، و كأنني قطة تتمسح على صاحبها..
سحب يده ببطء
أطفأ النور في سكون و هو يشق طريقه للخارج..
أحسست بالخوف على غير عادتي..

جلست مندهشة حائرة خائفة أمام فضاء سوداء..
لم استطع أن أتمالك نفسي فصرخت لقدر منادية له
قدر، قدر
تناهى في مسامعي صوته المشوب بالقلق
- مابك يا لوسي؟! هل آنستي بخير!
شغل الإضاءة، فأحسست الإنتظام في أنفاسي المتهالكة
- كنت خائفة..
- فهمت، هل تنامين بالإضاءة! هكذا أحسن!
- لن أستطيع النوم أيضا على الإضاءة
تابعت بمضمض
- نم معي، أرجوك يا قدر!
شعر بالضياع..
بدرايته بكلام آخر.

- عفوا، أنا لا أقصد أن تنام معي في الغرفة، ستنام في المجلس و هكدا سأشعر بالأمان، يا إلهي! أنا أعمر صفوة الليلة؟! أرجوك سامحني يا قدر! ما ذنبك أنت!
- لا بأس يا لوسي، سأنام على المجلس، أنت مثل أختي الصغيرة!
هل أطفؤ النور في غرفة المجلس؟!
- إن شئت؟! أتمنى لك نوما هنيئا!

الحاشية..
مرت الأيام و قدر ينام في جناح لوسي، غير أن المشكلة إستعصت عليه، فلا يمكن أن تدوم على هذا الوضع، إنه لا يستطيع النوم و هي معه في جناح واحد
فكل حركة منها تطرد منه النعاس، إذا سعلت نهض لكي يدثرها بغظاء آخر، فإذا نفد شعاع الصباح من النافذة و هي لاتزال نائمة، قام يسدل الأستار حتى لا يزعجها النور..
إذا نهضت الليلة لحاجة تصنع النوم العميق، و كتم أنفاسه المضطربة، حتى لا تعلم أنه يقطان..

تنهد و هو يتمتم
تبا، كل شيء يقض معي، و يحطم أعصابي، يجعلني أضطراب في نومي، رائحة غرفتها، تنهداتها اللطيفة النوم و التي تصلني الى غرفة الجلوس، شيرهامتون الخفيف الهامش المتقطع..
و أكثر ما يزعجه عندما يذهب الى الحمام، يلمح طريقتها العجيبة في النوم، و هي منبطحة على وجهها، بشعرها المتدلي و نحرها العاري
ووسادتها التي تضم و تضغطها في حضنها..
صاح في نفسه.

إنه لعذاب، لا يستطيع أن يتحمله رجل من لحم و دم، تحملت ليلة و ليلتين و ثلاثة و كاد ينقضي أسبوع، و لكن المضي في ذلك يفوق طاقتي و إحتمالي، سأطلب من سلمى أن تنام معها، لقد دقت ما يكفي من الأرق.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة