رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس والثلاثون
وعدٌ أخذه قلبي على عدمِ النسيان، وعقلٌ تحالف وتفاوض لتكرار الذكريات، لم يكن بخاطري أن للعين سحرٌ محسوس، وأرواحٌ تتلاقى وأرواحٌ من البُعد تصرخ بجنون، فها أنا ذا أقف في المنتصف شاردٌ وحزين، أسترجع حُلو العُمر وأنا وحيد، كتائهٍ أتخبط في جدران أفكاري، وأمواجٌ تلتقفني من بحرِ أعذاري، أقف أنتظركِ لتأتي، تطلبي مني غُفراني وألتقطتكِ بين أحضاني!
صعد يعقوب إلى شقته بعد أن عاد من المشفى، الطبيب أخبرهم بأن حالة حمزة في تحسُّن كبير وملحوظ، خاصةً والجميع موجود حَوله، تنهد بتعب وهو يرتمي على أريكته مُغمضًا عينيه براحة، هو اطمئن على حمزة بعض الشيء، لكن بدير؟ يظن بأنه مُنزوي بحزنه عن الجميع ولا يعلم بأن الجميع يراه، يخفي عشقه ل تسنيم ولا يعلم أن عشقه مفضوح، وكيف لا وعيناه كانت تصرخ بالاستغاثة حينما أخبرهم الطبيب باعتداء أحدهم عليها!
هزَّ رأسه بأسى وفتح عيناه مُجددًا وهو يهمس بصوتٍ غلبه الوجع: ما إحنا كُنا كويسين من غير حُب، إيه اللي دخَّلنا الدايرة الملعونة دي بس؟
قالها ثم همَّ من مضجعه واتجه نحو البراد يبحث داخله عن شيءٍ يُسليه، اتجهت أنظاره نحو المطبخ الفارغ واتشحت عيناه بالحنين، هُنا كانت تَعُد له المُعجنات خصيصًا تحت مُغازلته لها وخجلها الدائم منه، لقد تركت ذكرى الكثير من الذكريات الكفيلة على إحراق شُعلة شوقه، الخادعة وَشمت ذاتها وذكرياتهت داخل فؤاده قبل مغادرتها وكأنها عازمة على تعذيبه! ابتعد ببصره بصعوبة عن المكان ونقلها إلى البراد الذي يحتوي على مُعجناتها التي مازالت موجودة! اللعنة على تلك الخبيثة، كل شيء مُتشح برائحتها!
أغلق باب البراد بعنفٍ وهو ينفخ بضيق، واتجه يسير نحو الشُرفة، مكانه المُفضل دائمًا، وإن صحَّ القول فإنه مكانهما المُفضل، انتشل جهاز التسجيل وشرائطه بين يديه ثم اتجه ليجلس على الوسائد الموضوعة أرضًا، انتقى ما يُريد تشغيله ثم وضع المُسجل جانبن أرضًا، وعاد برأسه ليستند براحة على الحائط من خلفه بعينين مُغمضتين:.
آه يا حِلو، آه يا حِلو يا مسليني، ياللي بنار الهجر كاويني، إملا المدام يا جميل واسقيني، من كُتر شوقي عليك ما بنام، حبيت جميل يا ريتني ظلُّه، حاز الجمال والحُسن كُله، لما رأيت ملك فؤادي، صبَّرت قلبي وحملت ذلُّه.
استفاق يعقوب من شروده على صوت جرس الباب يطرق بإلحاح، قطب جبينه بتعجب ثم هبَّ من مكانه تاركًا جهاز التسجيل يعمل واتجه لفتح الباب وهو يُتمتم بإنزعاج: دا مين التِنح دا؟
وعقب قوله فتح الباب الفاصل بينه وبين الطارق ليتخشب جسده فجأةً حينما لمح ذكرى تقف أمامه وعلى وجهها يرتسم البرود واللامُبالاة، ابتسمت فور أن وقعت أنظارها عليه ثم اقتربت خطوتين حتى استندت بذراعها على طرف الباب وقالت: كنت مُتأكدة إني هلاقيك هنا.
إيه اللي جابك؟
تسائل بها بغلظة رغم اشتياق نظراته إليها، وبادلته النظرات بأخرى مُعاتبة، لكنها تناقضت مع قولها الماكر: جيتلك مخصوص والله يا معلم يعقوب.
تركت جُملتها مُعلقة وهي تتشرب انفعالاته أكثر، ثم أكملت حديثها قائلة: عقبالك كدا إن شاء الله وخطوبتي هتبقى بعد عشر أيام، هستناك وهزعل أوي لو مجيتش.
لا تعلم ما الذي حدث بعد ذلك، كل الذي شعرت به هو جسدها يُجذَب على بغتة ويُدفَع للداخل، وصوت الباب الذي أُغلِقَ فجأةً جعلت مقلتاها تتسعان فزعًا، خاصةً وهي ترى نظرات يعقوب الحارقة التي يرميها إليها، عادت بظهرها للخلف بسرعة عندما شاهدت تقدمه، فتأوهت بعنفٍ حينما اُصطدم بالحائط من خلفها، تقلصت المسافة بين كلاهما حتى همس أمام وجهها بفحيح: عيدي اللي قولتيه كدا تاني!
ابتلعت ريقها بصعوبة وتحدثت بصوتٍ مُتلعثم أوضح خوفها: أنت. أنت بتعمل إيه أنت اتجننت؟
ارتسمت ابتسامة على ثُغره بعيدة تمامًا عن كَونها مَرحة أو سعيدة، ثم ألقى على مسامعها كلماتٍ كانت بمثابة الحقيقة التي تُخفيها عن ذاتها: جاية وعاملة حسابك إنك توجعيني صح؟
هدأت أنفاسها وتبدد الخوف من على وجهها ليحل محله الهدوء ومن ثَم الحزن، خاصةً وهي ترى تعابير وجهه القاسية المُمتزجة بألمه، وزاد حُزنها أضعافًا حينما همس بتهكم واضح: بس متقلقيش مفيش حاجة هتزيد، لإن الوجع اللي في قلبي من ناحيتك لسه زي ما هو؛ قاهرني.
تسللت الدموع إلى مقلتيها وردت عليه بصوتٍ مُتهدج قائلة: جاية أوجعك زي ما أنت وجعتني، زي ما أنت نسيت كل حاجة حلو ما بينا ونسيتني، زي ما أنا هونت عليك ورمتني.
نظر إليها بذهولٍ وهو يسألها ساخطًا: أنا وجعتك؟ أنا نسيتك؟ أنا رميتك؟ دا أنا في الليلة اللي بعدنا فيها جيت واترجيتك تحكيلي كل حاجة وأنا هصدقك أنتِ ومش هدوَّر وراكِ، جيت وقولتلك يا ذكرى ريحي قلبي وقولي إن كل اللي حصل واتحكى كدب، قولتلك هكدِّب الدنيا كلها وأنتِ اللي هتبقي قدامي الصادقة الأمينة، لكن أنتِ أكدتي الكلام، كدبتي عليا وخدعتيني، كسرتي قلبي وكسرتيني، وجاية دلوقتي تكملي عليا؟ لأ كتَّر خيرك والله.
خانتها دموعها وهبطت مُتوالية تشق صفحة وجهها أثناء مُطالعتها له بعينين مليئتين بالحسرة، وبنحيب يشوبه القوة أردفت: بس مسمعتنيش، طردتني وكإني كنت بشحت منك ومخلتنيش أشرحلك اللي حصل، طيب ما بلاش دا كله، هونت عليك يا يعقوب؟
جاية ليه يا ذكرى؟
هكذا كان رده على سؤالها المُتلهف، كانت تنتظر منه إجابةٍ تُرضيها، لكنها وجدته يبتعد عنها سالبًا منها الأمان ويُعطيها ظهره دون أن يُجيبها، وكم ودت لو تذهب إليه وتُعانقه لتُخبره بأنها جاءت فقط لرؤيته، خانها فؤادها وخانتها عيناها وعي خضعت لذلك الإشتياق بكلِ ذرَّة في وجدانها، وبالرغم من تلك المشاعر إلا أنها أجابته قائلة بهدوءٍ بعد لحظاتٍ من الصمت استعادت فيهم ثباتها الواهي:.
جيت عشان أعزمك على خطوبتي بجد مش بهزر.
استدار لها بنصف وجهه رامقًا إياها بجمودٍ مُريب، قبل أن يُردد لسانه ناطقًا: ألف مبروك، حاجة تاني!
ابتلعت ريقها وهي تُطالعه بأسى يخنقها ويقسو على فؤادها ليُفتته، ثم سألته بصوتٍ ضعيف وهي تقترب منه: أنت بجد مصدق إن أنا خونتك يا يعقوب؟
وتلك المرة استدار لها بكامل جسده ونظر في عينيها مُباشرةً سائلًا إياها بقوة: أنتِ خونتيني يا ذكرى؟
طالعته بصمتٍ للحظات ونظراتها المُتعجبة تُحاوطه، فعاد هو ليسألها بقوة أكبر: أنتِ خونتيني يا ذكرى؟
هزت رأسها بالنفي بنظراتٍ مُتشحة بالصدق والحب معًا، وبعدها أضافت: لأ. ماخونتكش يا يعقوب.
وأنا مصدقك.
اتسعت عيناها عقب تصريحه الصريح بتصديقها، وما كادت أن تتحدث حتى أمرها بغلظة وهو يُشير نحو الباب: اطلعي برا.
إيه؟
هتفت بها بذهول، فأعاد كلماته مُجددًا دون تعديل: اطلعي برا.
جزت على أسنانها بغيظ واتجهت بغضب نحو باب الخروج وفتحته وكادت أن تُغادر، لكنها استدارت له مُجددًا قائلة بحسرة ملأتها: صدقني أنت اللي خسرتني يا يعقوب، عمري في حياتي ما هسامحك وهدوس على قلبي وهنساك.
ذهبت وأغلقت الباب خلفها تاركًا عاشق يتلوى ألمًا من حبٍ يَحرُق مشاعره، وابتسامته المُتألمة تُودعها مع نظراته الذبيحة، وهُنا صعدت النغمة التي شقت سمعه وزادت الألم أضعافًا حينما استمع إلى جهاز التسجيل الذي تآمر عليه أيضًا:
حبيبي يا أنا. يا أغلى من عينيا. نسيت مين أنا؟ أنا الحب اللي كان. اللي نسيته أوام. من قبل الأوان، نسيت اسمي كمان. نسيت يا سلام. على غدر الإنسان!
وقفت سارة مُترددة أمام الغرفة الماكثة بها تسنيم، لا تعلم أتدلف لها وتُواسيها أم تترك الأيام هي مَن تُلملم جروحها، حسمت أمرها بعد دقائق من التفكير وقررت الدخول لها بعد أن طرقت بابها، لم تستمع للإذن بالدخول لكنها دلفت وأغلقت الباب خلفها مرة أخرى، دارت سارة بأنظارها في أنحاء الغرفة حينما لم تجد تسنيم مكانها على الفراش، فوقعت عيناها عليها جالسة على أريكة جانبية مُنزوية عليها وهي تضم قدميها إلى صدرها وعيناها مُعلقتان على نقطة فارغة.
تقدمت منها بهدوء حتى جاورتها ونادتها بصوتٍ خافت: تسنيم؟
اتجهت أنظار تسنيم إليها بجمودٍ غريب وكأنها آلة، فتشجعت سارة أكثر ومدت يدها لتُمسِك بكفها المُحيط لقدمها، ثم ضغطت عليه بقوة حينما شعرت بالبرودة تسري في أطرافها، ناهيك عن تلك الرعشة التي تلبستها أثناء لمسها لها، وبؤبؤيّ عيناها اللذان ارتعشا بخوفٍ تلبسها رغمًا عنها، رسمت سارة ابتسامة هادئة على ثُغرها وبدأت حديثها بقولها الحنون:.
أنا عارفة إنك الفترة اللي فاتت مريتي بتجربة صعبة ومش من السهل إنك تتقبليها، وعلى فكرة محدش هيحس باللي أنتِ مريتي بيه غيري؛ لإني تقريبًا عِشت نفس التجربة بس ربنا نجاني في آخر لحظة.
كانت تسنيم قد بدأت بالإنتباه والإستجابة لحديثها، لكن عقب جُملتها الأخيرة احتل الخزي عيناها وتسلل الدمع لهما بقهرٍ واضح، لاحظت سارة انفعالاتها مما جعلها تُسارع في الإكمال:.
ربنا نجاني بطريقة مختلفة عنك، بس دا مش معناه إنه خلاص اتخلى عنك، يمكن اللي حصلك دا يكون بداية جديدة لدُنيا تانية ليكِ، الابتلاءات اللي ربنا بيحطها في طريقنا إحنا قدها ومينفعش نضعف في أول الطريق، لا يُكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، يعني الله عز وجل لو ماكنش واثق في قدرة عبده على تحمُّل الابتلاءات ماكنش بلانا بيها، هي الدنيا عبارة عن امتحان كبير شوية، ويا إما ننجح فيه، يا إما نضعف ونخسر دُنيتنا وأخرتنا.
انصهر الجليد من على فؤادِ تسنيم وتوالت الدموع تهبط على صفحات وجهها بكثافة، حتى تحولت إلى شهقاتٍ عنيفة وشيطانها يُمرر على ذاكرتها بشاعة ما مرت به في اليومين السابقين، جذبتها سارة إلى أحضانها تضمها بحماية، ترى بها تيهة شقيقتها مي أثناء غفلتها في البداية، الحنان الذي حُرِمَت منه هي تُعطيه بغزارة لمن يحتاجه، وهي أول المُحتاجين!
وجدت تسنيم ما تحتاجه في تلك اللحظة، عناقٌ دافيء، يدٌ حنونة، حديثٌ مُطمئن، فلم تجد داعي لكتم آلامها أكثر لذلك انهارت عِند أول محطة حاوطت أحزانها، مرت دقايق كثيرة لا يعلم أحدهم عددها، حتى هدأ بكاء تسنيم فتحدثت سارة تلك المرة مُمازحة:
وبعدين يا ستي أحدهم هيتجنن علشانك وأنتِ عملالي فيها الأميرة ديانا وحابسة نفسك!
خرجت تسنيم من أحضانها وطالعتها بحاجبين مُنزويين وسألتها بتحشرج: مين؟
تحولت نظراتِ سارة إلى المكرِ وهي تضرب كتفها بخاصتها مُخبرة إياها بصوتٍ عابث: بدير.
التقطت تسنيم محرمة ورقية من على الكومود المجاور لها ومسحت بها دموعها المُتبقية على وجهها، ومن ثَم تحدثت بصوتٍ ساخر: بدير؟ وهو هيبصلي تاني من بعد اللي حصل؟
علمت سارة بالصراع الذي يدور داخلها الآن، فابتسمت لها برقة وهي تدعمها بقولها: ليكِ حق تقولي كدا، بس متفكريش في أي حاجة دلوقتي، لو كان ليكِ نصيب فيه فهتاخديه، صفِّي تفكيرك وريحي بالك دلوقتي علشان تقدري تكملي مشوارك، ومش هكدب عليكِ وهقولك كل حاجة هتمشي عادي من غير أي مشاكل، طبيعي تلاقي صعوبات في الأول بس أنتِ متيأسيش ووكلي أمرك لربك.
كل كلمة كان لها أثرًا واضحًا على نفسِ تسنيم، شعرت بالراحة تتسللها تدريجيًا، بالرغم من ظنها بأنها لن تخرج من تلك الحالة طالما حييت، لكن المولى قد أرسل لها هداية تكمن في حديث سارة، ربتت الأخرى على كفها وحثتها بقولها المُشجع قائلة: يلا قومي بقى اتوضي وصلي وغيري هدومك علشان تاكلي معانا.
اعترضت تسنيم قائلة بإحساسٍ صغير من الخوف: مليش نِفس يا سارة كلوا انتوا.
حذرتها سارة بقولها الحاسم: ها قولنا إيه؟ اسمعي الكلام بقى عايزينك ترجعي زي الأول وأحسن كمان.
أنهت حديثها ثم هبت من مكانها وجذبتها معها عِنوة نحو الخارج تحت أنظار الجميع المُترقبة، ثم دفعتها نحو المرحاض وقالت بطبيعتها السوقية القديمة: يلا يامَّا بقى مش هنتحايل عليكِ عايزين ناكل، دا إيه المرار الطافح دا؟
ابتسمت تسنيم بخفة قبل أن تستمع إلى نصيحتها وتدلف إلى المرحاض للوضوء، فاستدارت سارة حيث الفتيات وتمتمت بنبرة حانقة لتطلعهم بها: ما تنجزي ياختي أنتِ وهي قوموا حطوا الأكل، هو أنا هفضل أغنيهالكم للصبح؟
تركض لتهرب من واقع يعيش داخلك، فتجد ذاتك في بئرٍ مليء بالأفاعي كُلٌ ينهش في جسدك الضعيف والمسكين، فتُحارب أنتَ تارةً، وتستلم تارةً أخرى تحت ضعفٍ من الحياة القاسية!
الساعة الثالثة عصرًا و رائف يستيقظ الآن لتوه على شعوره بهزاتٍ عنيفة من يدٍ ما، فرَّق جفنيه بصعوبة ونظر للفاعل بنظرة ناعسة مُنزعجة، ليجدها نرجس التي تُطالعه بوجهٍ يغلي من شدة الغضب، استند على مرفقيه بكسل وسألها باستغرابٍ ناعس: مالك يا نرجس واقفة فوق دماغي كدا ليه؟
ردت عليه نرجس بصوتٍ غاضب بعد أن تربعت أمامه على الفراش: أنت تقوم وتفوقلي وتصحصحلي كدا وتقولي معناته إيه الكلام اللي قولتهولي إمبارح قبل ما تنام دا، يعني بعد الشحتفة والعياط والمناديل دي كلها تقولي رأفت عايش؟ أنت بتشتغلني يا رائف؟
نظر إليها بإنزعاج وعاد لينام مرة أخرى ساحبًا الفراش فوق رأسه وقال: هنام ولما أصحى هشرحلك كل حاجة.
سحبت الفراش من فوق رأسه وأجابته بسخط: مفيش حاجة اسمها لما أصحى، أنت تقوم دلوقتي وتفهمني كل اللي حصل بدل ما أنزل أجيب بنت عمك الحرباية دي من شعرها.
نفخ بغيظ واعتدل وهو يُتمتم بضيق: وإيه دخل المخروبة بنت عمي دلوقتي؟ أنتِ عايزة إيه يا بنتي الله يهديكِ؟
احكيلي كل حاجة، واللي حصل حصل إزاي وخبيت عليا ليه؟
مسح بيده على وجهه بضيق وهو يُردد بضجر: ما هو أنا فعلًا ماكنتش أعرف إنه رأفت عايش، أنا لقيت اللي بيكلمني وبيقولي أنا رأفت وتعالى على المكان الفُلاني عايز أقابلك، في الاول فكرته حد بيستظرف وشتمته وقومت قافل في وشه، لكنه رن تاني فعلًا روحتله ولقيته عايش، دا بعد الشحتفة والعياط والمناديل اللي بتقولي عليهم.
قطبت نرجس جبينها بتعجب وعادت تتسائل: طب وإيه اللي حصل؟ والجُثة؟ والكفن؟
تنهد بعمقٍ قبل أن يجذبها له لتُجاوره على الفراش، ثم احاط بها من خصرها يضمها له وبدأ بشرح كل ما حدث عقب اتصال رأفت به: أنا لما روحتله المكان اللي هو فيه كانت إيده متجبسة ووشه فيه شوية خدوش وكدمات.
عودة للماضي.
سارع رائف بالذهاب إلى هذا المكان حيث أخبره المُتصل، قلبه يطرق ما بين أضلعه بعنف والدموع مُتحجرة داخل مقلتيه، لا يُصدق ما استمع عليه لكنه في نفسِ ذات الوقت ويتمنى لو كان حقيقة، أكمل السير حتى وصل إلى منطقة زراعية مليئة بالزروع وبالمنتصف يوجد منزل صغير مُكون من طابق واحد، اتجه إليه سريعًا وطرق جرس المنزل وانتظر لثوانٍ مرت كالدهرِ حتى فُتِحَ الباب وظهر من خلفه رأفت، تجمدت نظرات رائف عليه وعيناه تُطالعانه بعدم تصديق، ولم تمر سوى ثوانٍ وكانت قبضته تستقر على وجهه موضع ذقنه تمامًا!
تأوه رأفت بعنف وعاد خطوتين للخلف أثر الضربة التي تلقاها، وضع يده مكان لكمة رائف وبعدها ابتسم قائلًا بسخرية: وأنت كمان وحشتني يا حبيب أخوك.
لم تمر سوى لحظاتٍ قبل أن يجد رائف يندفع له ويُعانقه بقوة شديدة، عكس من خلال هذا العناق خوفه وهلعه وحُزنه العتيق عليه، لم يشعر بدموعه التي هبطت من هول سعادته، ليُبادله رأفت العناق بحنانٍ شديد وحُبٍ أخوي صادق، تلاه حديثه المُمازح له:.
كنت عارف إن دي هتكون ردة فعلك، طول عمرك غشيم.
ابتعد عنه رائف وجذبه من عنقه مُتجهًا به إلى إحدى الأرائك ثم دفعه بعنف، ثم اتبع فعلته بقوله المُتوعد المصبوغ بالغضب: اترزع هنا واحكيلي كل حاجة بدل ما أكسر دماغك قسمًا بالله.
نظر إليه رأفت فوجد وجهه يميل إلى الحُمرة من شدة الغضب والإنفعال، لذلك بدأ في سرد كل ما حدث بادئًا حديثه بقوله:.
الموضوع باختصار إني سمعت أمي وأبويا بيتفقوا إنهم هيبوظوا فرامل العربية في اليوم اللي هتروح تحصَّل فيه البضاعة بتاعة الأراضي، كانوا عايزين يتخلصوا منك بأي طريقة، معرفتش وقتها أعمل إيه ولا أتصرف إزاي، لو روحت قولت لجدي ممكن يطرد أمي وأبويا من البيت، ومهما عملوا للأسف الشديد هيفضلوا أهلي، وقتها أنا جيت وقولتلك إني هروح أنا وأحصَّل البضاعة، معرفش أنا كنت بفكر إزاي ولا هعمل كدا ليه، كل اللي أعرفه إن غضبي كان عاميني وصدمتي في أمي وأبويا كانت كبيرة، وفعلًا ركبت العربية وطلعت بيها والفرامل طلعت مش شغالة، الفكرة كانت في حد ذاتها انتحارية ووقتها فُوقت في وقت متأخر وللكارثة اللي حطيت نفسي فيها، محستش بنفسي غير وأنا بفتح باب العربية وبنط منها، واديني متخرشم زي ما أنت شايف كدا.
صدمة رائف مما يستمع إليه كانت تُشبه صدمة رأفت في البداية أيضًا، قلب الأخير عيناه بملل حينما استمع لصراخ رائف عليه باهتياج: يا حيوان كنت هتموت نفسك علشاني؟ أنت مُتخلف يالا! عارف أنا حسيت بإيه لما فكرتك مُت بجد؟
قلَّب رأفت حاجبيه معًا وهو يسأله بمشاكسة: حسيت بإيه يا روحي؟
جز على أسنانه بغيظ وطالعه بغضبٍ أعمى، آه لو يشعر بذلك الإحساس المقيت بالفقد! لِمَ فكَّر بفعل هذا مُجددًا، ظهر الأسى والضيق على وجه رائف فتحدث رأفت بحبٍ أخوي صادق علَّه يُبدد من تلك الطاقة السلبية التي تُسيطر على صديقه:
وبعدين لو مش هضحي بعمري عشانك هضحي بيه عشان مين؟
وألاقي فين كِتف يسندني من بعد كتفك يا صحبي؟
كان ذلك رد رائف المُعاتب عليه، فوقف رأفت من مكانه واتجه إليه لمُعانقته بحب، زفر رائف بارتياح وبادله العناق قبل ان يضربه بقبضته على ظهره بقوة أثناء قوله المغتاظ: بعد كدا فكَّر في الحاجة قبل ما تعملها مليون مرة، متبقاش عامل زي البقرة كدا!
عودة إلى الوقت الحاضر
استفاق رائف على صوت نرجس التي تقول باستنكار: تصدق وتؤمن بالله! عجايب الدنيا سبعة، من ساعة ما دخلت البيت دا وأنا شايفاهم بقوا تمانية.
تعالت قهقات رائف الذي ضمها إليه أكثر وهتف من بين ضحكاته: خليها تسعة، ودا عشان أنا لقيت الأمان معاكِ أنتِ بس.
ابتسمت بحنوٍ بالغ وأحاطت بخصره بقوة شديدة تتمتع بعناقه الدافيء، رفعت رأسها إليه حينما توقف عن الضحك وتسائل بجدية: نرجس عاملة إيه؟
كان يتحدث بصيغة الغائب مما جعله تسأله بتعجب وهي تزوي ما بين حاجبيها باستغراب: نرجس مين؟
الجاموسة.
دفعته وانتفضت مُبتعدة عنها وهي تُصيح به باستنكار: جاموسة لما تنطحك، أنا غلطانة إني قاعدة معاك، هنزل أنكد على مرات عمك وبنت عمك أحسن.
قالت كلماتها بغضب ثم تركته وغادرت الغرفة بخطواتٍ مُغتاظة، تاركة صوت ضحكاته تتعالى بانطلاق قبل أن يُناديها بعلو: استني بس يا صفرا.
لم يكن الكتمان ليمتاز بالإيجابية أبدًا، بل تشعر بأنك كفراشة حبيسة داخل قفص مليء بنيرانٍ حارقة تنهب جناحيك الرقيقان حتى يُصبحا رمادًا، فتنحسر أنت ما بين التقدم أو العودة وتظل واقفًا بالمنتصف تنتظر مَن يُنقذك من براثن الموت.
كان مازن جالسًا في غرفته الموجودة بالمصحة ينتظر قدوم بدران إليه لمُداومة جلساته النفسية معه، لقد تماثل للشفاء تمامًا كما أخبره بدران ليلة أمس، هو هُنا منذ خمسة أشهر تقريبًا، واليوم قارب على التحرر من قفصٍ سُجِنَ داخله بدون إرادته، وبالرغم من ذلك الإنجاز والنجاح إلا أنه لا يشعر بتلك الفرحة المُفترض شعورها، فلقد احترقت سعادته مع احتراق جسد عائلته منذ شهور فبات كل شيء من حوله كفُتات!
انفتح باب الغرفة على مصرعيه فجأة بطريقة جعلته ينتفض في مكانه فزعًا، وظهر من خلفه إحداهن تلوك العِلكة داخل فمها بطريقة أثارت اشمئزازه وهي تتحدث بكلمات غير مفهومة بصعوبة فهمها:
حضرتك الأستاذ مازن الأمير مش كدا؟
رمقها مازن بسخطٍ ورد عليها بوجهٍ مُتجعد من القرف ونظراتٍ حذرة: والله على حسب، يعني لو حد تاني عايزني فآه أنا، ولو أنت اللي عايزاني فأنا معرفش حد بالإسم دا.
رفعت له طرف شفتيها باستنكار وتحدثت بسوقية وهي تُشيح بيدها أمام وجهها: ودا إيه أصله دا؟ ما تخلص يا جدع أنت وجاوب على قد السؤال، الله!
أثارت طريقة تحدثها معه غضبه وبشدة، لذلك انتفض من مكانه وتحرك خطوتين تجاهها أثناء صياحه بها باستنكار: ما تتكلمي عِدل يا ست أنتِ هو أنتِ تعبانة في دماغك؟ وبعدين أنتِ مين ومين اللي سمحلك تدخلي هنا؟
رمقته بعينين حادتين ومن ثَم صاحت بتشنج: أنت بتزعقلي أنا؟ مبقاش غير المجانين هما اللي يزعقولي؟
كلمتها أصابت نقطة سوداء بداخله يفعل ما بوسعه لدفنها، لكن بوقاحتها المُنفرة تلك عرته أمام ذاته وتيقن من عدم إجتيازه لتلك المرحلة بعد، شعرت الأخيرة بالذنب حيال كلماتها التي بان أثرها على وجهه، فاقتربت منه أكثر حتى باتت على مقربة منه وقالت بندم:.
يوه أنت زعلت! أنا مقصدش على فكرة، وعلى العموم أنا الدكتورة المُتألقة ندى السيد، هشرف على حالتك من أول النهاردة.
كل ما حدث في كفة، وما تقوله تلك البلهاء الآن في كفة وحدها، اتسعت عينايّ مازن بذهول ومرت لحظات دار فيها الصمت القاتل بين كليهما، حتى قطعه مازن بصراخه عليها مُعترضًا بقوة: دكتورة مين وحالة إيه؟ أنا عايز دكتور بدران حالًا.
حاولت ندى التحلي بالصبر الغير موجود وتحدثت قائلة بترفع: على فكرة أنا جلساتي هتعجبك أكتر من دكتور بدران، حتى القَعدة تبقى طرية وحلوة كدا!
رفرف بأهدابه أثناء مُطالعته لها بذهول، تناسجت العيون بمشاعر مُبعثرة ليس لها أي معنى، فقط النظرات هي من تتحدث والسكوت يملأ الأركان، قاطع خلوتهما قدوم إحدى المُمرضات تنهج بقوة ومن ثَم نظرت إلى ندى وتحدثت بعتاب:.
كدا يا ندى خليتيني أدوَّر عليكِ في العنبر كله؟ هاتي الدفتر اللي في إيدك دا وتعالي معايا عشان ترجعي أوضتك.
اكتست عيون ندى بالحزن وأردفت أثناء نظرها ل مازن التائه بينهما: بس أنا لسه مخلصتش الجلسة مع المريض بتاعي!
نظر مازن إلى المُمرضة التي ترتدي ثياب عملها وسألها بتعجب وأنظاره مُتعلقة على ندى: هي مين دي؟
ردت عليه المُمرضة مُبتسمة بخفة: دي ندى مريضة في الأوضة اللي جنبك.
لوى مازن شفتيه بسخرية ووجَّه حديثه تلك المرة إلى ندى التي تلوك العلكة بنفس الطريقة المُقززة وقال: بقى جاية وعملالي فيها دكتورة وبتقولي عليا أنا اللي مجنون؟ دا أنتِ وقحة صحيح!
توقفت عن مضغ العلكة وطالعته بحنق قائلة: أنا هطلع قُريب على فكرة بطَّل قلة زوق!
أردفت بكلماتها وهي تُسدد له نظراتٍ نارية قبل أن تبتعد وتتركه لترحل تحت ضحكات المُمرضة التي تبعتها، فيما أشار مازن لذاته بذهول بعد ذهابها وردد: بعد دا كله وأنا اللي طِلعت قليل الزوق؟ وقحة.
أخذ مروان قيلولة صغيرة كما يقول كانت مدتها خمس ساعات تقريبًا قم استيقظ ليؤدي فريضته ومن داخله عازم كل العزم على إنهاء شيءٍ ما قرره، انتهى من الصلاة ثم اتجه إلى خزانته لينتقي منها بعض الثياب الشتوية المنزلية المُريحة، ومشَّط خصلات البُنية التي استطالت قليلًا وخرج من غرفته.
لمح بعينه شقيقته التي أغلقت الهاتف على فالفور عقب رؤيتها له، فطالعها بهدوءٍ قبل أن يقترب من الأريكة التي تجلس عليها واقفًا أمامها مُباشرةً، ومن ثم قال بوعيدٍ صريح: لو عِرفت إنك بتعملي حاجة غلط من ورايا عقابك هيكون عسير معايا صدقيني.
حاولت أخذ أنفاسها والثبات وهي تقول بصوتٍ مُتلعثم: وه. وهو أنا هكون بعمل إيه يعني؟
رمقها بنظراتٍ أربكتها قبل أن يهتف بشك: معرفش اسألي نفسك، بس أنا عليا حذرتك علشان متجيش تزعلي وتقولي إني محذرتكيش قبل كدا.
قال كلماته ثم اتجه إلى الخارج، تاركًا نظراتها المزعورة تتبعه بخوفٍ واضح، وعقب إغلاقه للباب انهارت مُقاومتها وضمت نفسها لتبكي بصمت، تُحاول بشتى الطُرق أن تجد طريقة مُناسبة لتخرج من المأزق الذي ورطت نفسها بها بعد عِنادها مع شقيقها.
السخط، الغضب، الغيرة، الإستنكار، كل تلك المشاعر تتملك زهراء التي تُطالع بدران الجالس أمامها صامتًا ومن داخله يود لو يضحك بشدة، قضمت زهراء أظافرها في محاولة منها للتحلي بالهدوء الواهي، لكن كل محاولاتها قد ذهبت هباءًا حينما لمحت ابتسامته التي لم يستطيع مُداراتها وتحدثت تُعنفه بصراخ:
هو أنا مش قولت هخلي بدران يشوفلها دكتورة نفسية هي اللي تعالجها؟ هتعالجها أنت ليه؟
أسميها غيرة دي؟
تسائل بها بعبثٍ ظاهر وسعادة خفية أثناء مُراقبته لانفعالات وجهها الغاضبة والتي كادت أن تنفجر من شدة الحنق، ضربت بيدها على الطاولة أمامها وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه دون إجابته، وبما تُجيبه وهي بالفعل تشعر بالغيرة، ذلك الإحتراق المُصاحب لروحها منذ أن أخبرها بمُهمته لمُعالجة تسنيم كأي طبيب نفسي يكاد أن يَخنُقها، لقد سيطر عليها بدران كُليًا وتعلقت به كالدُمية، ليس إعتيادًا كالسابق، وإنما عشقًا!
استمعت إلى تنهيدته الرقيقة التي أطلقها من بين شفتيه، وبعدها قال طالبًا منها بلين: خلاص متبقيش قموصة كدا وبُصيلي!
لم تستمع لحديثه، وإنما ظلت على نفس حالتها تقطب جبينها بضيقٍ منه قراره بمُعالجة تسنيم، هي لا تَشُك به بتاتًا أو حتى ب تسنيم، لكنها غريزة تمتلكها كل أنثى على ما يخصها، وهو لها ولن تتقبل بأقل من هذا، حوَّلت أنظارها له حينما بدأ يشرح لها بهدوء:.
حالة تسنيم أنا مش هشرف عليها على طول، لكن الدكتورة اللي أنتِ رشحتيها ليهم مسافرة وهتيجي بعد أسبوع، فأنا في الفترة دي اللي هتابع حالتها بنفسي وبعد كدا هنقل الحالة للدكتورة رضا، فهمتي يا ستي؟
لانت معالم وجهها وانفكت عقدة حاجبيها وهي تُجيبه بترفُع: أنا أصلًا ماكنتش متضايقة عادي، اعمل اللي يريحك.
ابتسم بخفة حينما أخفت عذوبة وجهها عنه مرة أخرى، تغار ولا تريد الإعتراف، تلك الناذلة تود تعذيبه بعشقها أكثر وهو الذي يتلوى في نيران حُبها، آه لو تعلم بأن عيناه لا ترى سواها، وأنه يستطيع تمييزها من وَسط الملايين من النساء، فروحهما مُتصلة وقلبيهما مُتشابك، انحنى قليلًا وأمسك بالحقيبة التي أتى بها إلى منزلها واخرج منها شيئًا واضعًا إياه أمامها على الطاولة وهو يقول بترقب:
شوفتي جيبتلك إيه!
كلماته جذبت انتباهها على الفور، هو لم ينساها بالرغم من تلك الظروف الصعبة التي تمر بها العائلة، تضخم فؤادها بمشاعر كاسحة حينما أبصرت قوالب الشيكولاتة التي جلبها إليها خصيصًا، التمعت عسليتاها بالعسلِ الصافي وهي ترفع أنظارها إليه بفرحة عارمة لم تُظهرها شفتاها، فمط شفتيه مُهمهمًا وهو يقول:
اممم. معنى كدا إنك لسه زعلانة؟
تصنعت اللامبالاة وهي تنظر إلى أظافرها بتجاهل زائف، فالتقط شيئًا آخر من الحقيبة ووضعه أمامها ثم تسائل: طب وكدا؟
نظرت لِمَ وضعه وتلك المرة لم تستطع السيطرة على ابتسامتها الخفيفة التي زينت ثُغرها حينما رأت قطع المارشيملو الموضوعة في أكياس شفافة مُغلقة، تتنوع ألوانها ما بين البيضاء والوردية، فكانت الهمهمة من نصيبها تلك المرة وهي تقول بدلالٍ فِطري:
سامحتك شوية.
ابتسم لعبثها فأخرج آخر شيء من الحقيبة والذي كان عبارة عن مظروف مُغلق ووضعه أمامها قائلًا: حيث كدا خَلي دا معاكِ ومتفحهوش غير لما تحسي إنك مسامحاني بجد.
يعني أفتحه دلوقتي؟
نبست بها بلهفة وهي تلتقطه بأصابعه، فتعالت قهقاته بمرحٍ ومن ثَم غمزها بمكرٍ قبل أن يهب من مكانه واقفًا: اتقلي طيب!
تصبغت وجنتاها خجلًا ووقفت معه مُتسائلة بوجل: رايح فين؟
لملم أشيائه من على الطاولة وقال بعد أن رفع أنظاره لها: يادوب أمشي عشان أروح أطمّن على حمزة في المستشفى وبعد كدا أطلع على المصحة.
أومأت له بحنوٍ قائلة: خلي بالك من نفسك، سلام.
ابتسم لها بحب وفؤاده يضرب بين أضلعه سعادةٍ من تطور علاقتهما إلى هذا الحد، ثم أجابها برقة: سلام يا زوز.
ما كان لشيءٍ أن يُسيطر على المشهد بكاملة إلا نظرات التحدي والقسوة، وقف صفوت والد تالين أمام حازم مُسددًا له نظراتٍ قاسية بشراراتٍ حارقة وهو يهتف بحقد: لو كنت أعرف إن نهاية بنتي على إيدك كنت قطعتها قبل ما أديهالك.
امتلأ وجه حازم بالسخرية وارتسمت ابتسامة جانبية مُتهكمة على جانب ثُغره قائلًا: وأنا لو أعرف إن بنتك بالوساخة دي ماكنتش اتجوزتها.
اشتعل فؤاد صفوت الكُرهِ الذي أعماه عن فجور ابنته وتقدم منه حتى أمسك به من تلابيب قميصه الأبيض، قائلًا وهو يهزه بعنف: صدقني أنا هدفعك تمن عملتك دي قُريب أوي، وحق بنتي هجيبه منك بس بعد ما أشوف الحسرة على وشك يابن خيري.
كان حازم على علمٍ تام بجبروت عمه وقذارته التي ليس لها حدود، هو على استعداد لبيع أبيه من اجل مصلحته الخاصة، إذن فإنه لن يأخذ بصلة قرابته معه أي اعتبار، بل سيأخذ بثأر ابنته حتى ولو كانت هي الماجنة! لكن حازم ليس بالقليل هو الآخر ويمتلك نفوذًا قادرة على إحراق صفوت في تلك اللحظة دون أن يخشى عواقب فعلته، فما كان عليه سوى تحديه بقوله الماكر:
صدقني مش هتلحق يا عمي، أنا سابقك بخطوات كتيرة أوي.
ضيَّق صفوت عيناه بغضب لعله يستشف ما يُخفيه خلف حديثه المُبهم، وبعد لحظاتٍ تسائل بقنوط: قصدك إيه بكلامك دا؟
اتسعت ابتسامة حازم بانتصار ونظراته المُتشفية التي يُلقيها نحو صفوت تزداد تدريجيًا تزامنًا مع قوله الصريح: هتعرف قصدي لما أخرج بكرة من هنا.
سطَّر الشر معالم وجه صفوت الذي رمقه بوعيد، وما كاد أن يُضيف كلمة أخرى حتى هبَّ حازم من مكانه وتحدث مُبتسمًا باصفرار: فرصة سعيدة يا عمي أتمنى متحصلش تاني!
وقف صفوت أمامه بدوره وعيناه تُرسِل له إشارات تهديد صريحة لم يُعطي لها الأخير بالًا، لم يجد بُدًا من الوجود أكثر هُنا أمام كُتلة الإستفزاز تلك، فرحل من امامه وغادر تاركًا حازم يتبعه بنظراته، شردت عيناه بعدها وتنهد بثقل وهو يسير مع الشرطي إلى سجنه وتمتم مع ذاته بشرود:
كل دا لازم يخلص في أسرع وقت وغلطي لازم أصلحه.
حينما يطغي الحُب على المشاعر تُصبح المفاهيم أجمل وأرق، الأمر يُشبه الهرة الوليدة التي تُربى على يدِ والدتها الحنون، فيُصبح العالم بأكمله مُتمثل في والدتها، وهو كذلك. لقد تمثلت كل مشاعرها في حمزة، تُخبره بأنها «خائفة فيُبادله بأنه «سيُطمئنها»، وهي لا تريد سوى الأمان معه.
سارت رضوى في رواق المشفى مع شقيقها إلياس بعد أن ذهبا للطبيب المُشرف على حالة حمزة ليُطمئنهما على حالته، فأخبرهما بأن مؤشراته الحيوية في تقدم مستمر وجروحه بدأت بالتعافي، وصلا إلى الغرفة المحتجز بها فرأوا هارون وحنان وبدور جالسون أمام غرفته يتبادلون الأحاديث الهادئة، تقدما منهما كُلًا من إلياس ورضوى أكثر حتى باتا أمامهم مُباشرةً، ألقى إلياس التحية على الجميع بود، بينما رضوى اتجهت لتُعانق كُلًا من حنان وبدور بودٍ شديد، وهُما بادلاها العناق بنفسِ الشعور كذلك.
إحنا لسه جايين من عند الدكتور دلوقتي يا حج وطمنا على صحة حمزة، بشرنا إنه هيقوم قريب بإذن الله.
تفوه إلياس بتلك الكلمات موجهًا إياها ل هارون، ولم يبخل عن عينيه بتسديد نظرة عابرة ل بدور التي كانت تستمع لحديثه بتلهف واضح، في حين تنهد هارون باطمئنانٍ واضح وتمتم بعدها بالحمد والسكينة، لمح بعينيه عمران الذي يُشاور إليه للقدوم، فنظر إلى إلياس قائلًا بود: طب استأذنك يابني لدقايق جاي تاني.
أفسح له إلياس الطريق على الفور للسير، وللحق هو استغل تلك الفرصة ليتقدم من بدور التي كانت تُتابعه هي الأخرى، فاستغل إنشغال حنان مع رضوى وتقدم منها خطوتين قائلًا دون أن يتعدى حدوده: الدكتور قالي إن اخوكِ قرَّب يفوق، بعدها بيوم هكون جايب أهلي ونكتب الكتاب على طول يا ست حلويات!
طالعته باندهاشٍ جَلي فيما تابع حديثه وهو يغمزها بمشاكسة: أصل محدش بيصبر عَ الحلويات يا ست حلويات.
نبس بجُملته العابثة ثم ابتعد تاركًا إياها تُتابع أثره الراحل بذهول، وفي تلك اللحظة يُمكننا القول بأن هذا ألطف ما قد حدث لها منذ فترة كبيرة!
الجميع يَدين لي باعتذار، أنتِ الوحيدة التي تُدين لي بعناق!
اطمئن مصعب على حالة شقيقه ولن يُنكر انشراح قلبه حيال الأخبار السعيدة التي ألقاها الطبيب فوق مسامعهم عن تَحسُّن حالة حمزة، قرر بعدها النيل من كل مَن أذاه وأوصله لِما فيه الآن، لكن قبلها ليُسعِد فؤاده بالاستماع إلى صوتها.
وعلى الجانب الآخر، كانت روان قد انتهت من تصفيف خصلات شعرها بعد أن أخذت حمامًا دافيء أراحت به جسدها، ارتدت بيجامتها السوداء الشتوية وجلست على فراشها مُتدثرة أسفل لحافها لتنعم بدفئه، كان الجو باردًا في تلك الأثناء وصوت عواصف الهواء تُثير في نفسها الرعب الغريزي من شدتها، انتبهت إلى إهتزاز الهاتف بين يديها وأنارت شاشته باسم مصعب، وتلقائيًا ارتسمت ابتسامة هائمة على ثُغرها قبل أن تُجيبه برقة:
آلو!
وبدون أي مقدمات كان يردف باشتياقٍ غير مُفتعل: وحشتيني.
تصبغت وجنتاها بالإحمرار خجلًا، ثم أسبلت جفناها للأسفل وكأنه يراها، قبل أن تُجيبه بردٍ منطقي من وجهة نظرها: ما أوحش الله لك قبرًا.
تعالت ضحكاته بانطلاقٍ وقد توقف عن الإندهاش من ردودها التي تُثير نفسه الحانقة أحيانًا، لكنه بدأ يعتاد مُتيقنًا أن خلف كُتلة الغباء تلك براءة تُبدد أي شعور بالضيق أو بالغبطة، هي حالة نادرة لم ولن يجد مثلها في حياته وقد أوقعها قدره الرائع في طريقه، توقف عن الضحك بعد لحظات ومن ثَم سألها بحنان:
قاعدة بتعملي إيه دلوقتي؟
اعتدلت في مكانها بحماسٍ وشددت من إحاطة جسدها باللحاف الثقيل ثم بدأت بقص ما فعلته طيلة اليوم منذ أن استيقظت حتى هذه اللحظة، وللغرابة لم يشعر بالضيق أو بالملل، وإنما كان يستمع إليها بصدرٍ رحب وأذانٍ صاغية، وكيف يَمِّل منها وقد أختارتها روحه كأنيسٍ للأبد! بينما هي أنهت حديثها بقولها المُترفع:
وبعد كدا بقى صليت العصر وأخدت شاور وعملت Skin care وقاعدة دلوقتي على السرير تحت البطانية، بس كدا.
فيه حد عاقل يسيب الجو الجميل دا ويقعد تحت البطانية!
مطت شفتيها بعدم رضا وتمتمت قائلة بهمسٍ وكأنه ستُخبره سرًا: أصل بصراحة بخاف من الأجواء دي، بتقبضني وبحس إني مش مرتاحة، بحب المطر آه لكن مش بحب صوت الهوا بعدها، بحسه كإنه بيقولي إن مفيش فرحة دايمة وإن الحُزن والخوف هيفضل ملازمنا بعد كل فرحة أحنا بنعيشها.
كان يستمع لنبرتها الخائفة بوجل وإشفاق، تلك الرعشة التي اصطبغت بصوتها أثارت شيئًا ما بداخله وكم ودَّ لو يُعانقها الآن ليُطمئنها، وكان رده على حديثها: انزليلي تحت أنا مستنيكِ.
قطبت جبينها بدهشة وسألته باستغراب: أنزلك فين؟ أنت تحت بجد؟
أومأ برأسه وكأنها تراه وأتبع فعلته بقوله اللين: أيوا بجد، يلا انزلي بقى ومتتأخريش.
انتفضت من مكانها وتركت مضجعها مُتوجهة نحو نافذتها بسرعة، لتلمح سيارته الرمادية تقف أسفل منزلها بالفعل وهو يجلس داخلها، اتسعت ابتسامتها حتى كادت أن تشق وجهها وهي تلوح له بيدها بسعادة طفلة صغيرة قد رأت والدها بعد طول غياب، بينما هو أشاح لها بدوره وهو يضحك ضحكات خفيفة أثناء مُراقبته لإختفائها من أمامه، يبدو بأنها هابطة إليه الآن.
وعلى عكس ما ظنَّ فإن روان قد تأخرت قرابة العشر دقائق، هز رأسه بيأسٍ وهو يهمس لذاته بأسى: وأنا كنت هستنى منها إيه يعني؟
جذب انتباهه صوت صرير البوابة الحديدية تُفتح وظهرت هي من خلفها بابتسامتها الحيوية التي بددت من ضيقه تمامًا وكأنه لم يكن! لكن ما جذب انتباهه بحق هو الكوبين الحاملة إياهم بين يديها وهي تتقدم نحوه، مال بجذعه ليفتح باب السيارة لتدخل بدورها، وبعد أن جلست واستقرت بمكانها سألها مُستغربًا:.
إيه دا؟
مدت يدها له بكوبٍ فانتشله منها بعد أن قالت مُبتسمة: موكا.
تذوقه أمام عيناها وهي ترمقه بانتباهٍ لتستمع إلى رأيه، أطلق مصعب همهمة لذيذة من بين شفتيه وهو يُغمض عينيه باستمتاع، فخرجت ضحكة سعيدة منها وهي تتذوق خاصتها هي الأخرى أثناء إحاطة يدها للكوب لتنعم بدفئه، فرَّق مصعب جفنيه وناظرها بإعجاب قبل أن يغمزها قائلًا بمشاكسة:
يا ولا يا زعيم.
اصطبغت وجنتاها بحُمرة خَجِلة وأسبلت عيناها للأسفل وهي تبتسم، فيما حاول هو تغيير الموضوع وهو يرفع عيناه نحو السماء التي بدأت تُطلق أصوات صاخبة جعلت الجالسة جانبه تنكمش على ذاتها بخوف، ابتلعت روان ريقها بقلق ونظرت ل مصعب الذي يُطالعها بانتباه، قائلة بصوتٍ ظهرت فيه رعشته:
مصعب خلينا ندخل أنا خايفة.
وبعد جُملتها بدأت الأمطار تهطل بقوة موازية لصوت الرعد وأنوار البرق التي ترسم خطوطًا مُلتوية في السماء، استند مصعب بمرفقه على المقود واستند بذقنه على كفه قائلًا وهو يُطالعها بنظراتٍ مُلتمعة هائمة:
يعني ندخل ونسيب الطبيعة الخلابة دي لمين؟
حوَّلت أنظارها القلقة إليه فيما أكمل حديثه بنبرة أكثر رقة بعد أن أغلق نافذة السيارة: يعني مطر واجواء شتوية وأنتِ! مفيش أجمل من كدا.
لانت ملامحها قليلًا وقل صخب تنفسها وهي تُعانقه بنظراتها، ولأول مرة تستطيع رؤيته كعاشق هائم لا يُبصر سواها، لأول مرة تستمد قوتها منه، لأول مرة تشعر بحديثه يخترق حصون فؤادها بمثل تلك القوة! لقد غرست قدماها بوحل عشقه ولا مفر للأبد، قُيّد فؤاديهما بأصفادٍ غير مرئية وحبٍ ليس له حدود! وما عليهما سوى الاستسلام لذلك السجن طالما هو موجود.
أخرجها من شرودها به وهو يبتسم ابتسامته الآسرة مُتسائلًا بلين: تيجي نخرج نقف تحت المطر أنا أسحب خوفك وأنتِ تفضلي تُبصيلي!
أخفضت روان رأسها خجلًا وأجابته ضاحكة بخفة: لما نتجوز نبقى نعمل اللي إحنا عايزينه، دلوقتي أي حاجة هنعملها هتبقى بحساب.
إشمعنى دلوقتي! ما كنا ماشيين حلو!
تمتم بها بضجر، فرفعت أنظارها تُطالعه وهي تقول بكلماتٍ ذات مغزى: ما قولتلك كل حاجة بنعملها بحساب يابن الحج هارون!
فهم ما تقصده فضحك بخفة وهو يستكمل تجرع مشروبه بعد أن قال ضاحكًا: طيب يلا اشربي عشان تطلعي يا حجة روان.
مرَّ يومان بهما صار كل شيء روتينيًا باردًا، لكن اليوم مُميزًا بعض الشيء، الليلة ستتم تسنيم عامها الرابع والعشرون لكنها مازالت خائفة وترتعد من فكرة مواجهة العالم الخارجي لها، خاصةً بعد شجارها الأخير ليلة أمس مع بدير، كان شجارًا عاصفًا أطاح بكسور قلبها أكثر ونثرهُ لفُتات صغيرة، لذلك قرر الفتيات جلب لها كعكة كبيرة والإحتفال بعيد مولدها في المنزل، وتلك المهمة كانت على سارة ومي اللتان ذهبا الآن لجلب الكعكة.
الساعة التاسعة مساءًا والأجواء شتوية لكن لا بأس، اتجهت مي إلى أحد المحلات لشراء الزينة، و سارة اتجهت إلى المحل المقابل لشراء الكعكة، مرت دقائق معدودة وخرجت سارة من المحل حاملة عُلبة كبيرة بُندقية اللون تحتوي على كعكة نصفها من الشيكولاه والنصف الآخر من الكريمة المخفوقة والمُزينة بقطع الفواكه اللذيذة، رأت على مرمى بصرها شقيقتها في المحل المُقابل مازالت تنتقي الزينة، فوضعت العُلبة جانبًا واستغلت عدم وجود الكثير من المارة وبدأت بتعديل حجابها المُشعث.
لحظاتٌ مرت حتى توقفت يداها في مكانهما وتجمدت بصورة مُرعبة حينما رأت أمامها زوج والدتها يقف أمامها ويُطالعها بنظراتٍ مُرعبة، ارتعشت كل ذرة في جسدها وهي تعود للخلف الخطوات التي يتقدمها نحوها، وازداد هلعها أكثر حينما همس بفحيح بصوته القاتم:
وأخيرًا طِلعت من السجن عشان آخد حقي من حُثالة زيك.
انتظارك للنجاة من شر أفعالك من المُحال، وكما يُقال دوام الحال من المُحال.
هبط فادي من شركته واجم الوجه ومُكفهر الجببن، صعد لسيارته وانتظر بها دقائق لا تعد ثم انطلق بها بسرعة رهيبة، لا يعلم لِمَ كل شيء يتمرد ضده تلك الأيام، وخاصةً بعد خروج أخيه حازم من حبسه بعد أن تم الإفراج عنه وأُغلقت القضية على أنه كان يُدافع عنه شرفه وأن زوجته لم تكن سوى زانية!
أخرج هاتفه وطلب رقم ذكرى وانتظر حتى تُجيبه، لكنها في كل مرة تغلق الهاتف في وجهه بكل برود مما يُزيد من احتقانه وغضبه أكثر، لم يتبقى على عقد قرانهم سوى شهر واحد وهي مازالت لا تُطيق النظر في وجهه، نفخ بغيظ وسار بسيارته في طريقٍ مُظلم كحالِ البلدة في كل ليلة شتوية، لكن قطع طريقه سيارة خرج منها أربعة رجال ضخام واتجهوا إليه بخطواتٍ سريعة، ولم يكد يستوعب ما يحدث حتى باغته أحدهم بضربة قوية على رأسه من عصاه الغليظة، وأول شيء أتى بباله حينها قبل أن يفقد الوعي هو أن صفوت بدأ بانتقامه من العائلة!
لا يعلم كم من الوقت مر عليه وهو فاقدًا وعيه، فتح عيناه بألم وهو يشعر بصداع رأسه يكادُ يفتك به، وما استطاع تمييزه هو وجوده في مكانٍ مُظلم ومُكبل على كرسي صغير مُتهالك، وأمامه يجلس أحدهم واضعًا قدمًا فوق الأخرى لكنه لم يستطع تَبيُّن ملامحه، دقائق مرت في صمتٍ مُريب حتى استعاد عافيته تدريجيًا، وبعدها هبَّ ذلك المجهول من مكانه مُتجهًا إليه وهو يُمسك في يده عصى خشبية غليظة.
اتسعت حدقتي فادي بهلعٍ ثم سأله بصوتٍ آجش يظهر عليه رُعبه: أنت مين وعايز مني إيه؟
والإجابة أتته على هيئة ضربة قوية من عصاه هبطت على جسده الهزيل مما جعله يطلق صرخات قوية من شدة الألم، كان يصرخ ويُنادي بكلماتِ الإستغاثة حينما تحول الضرب إلى غِلٍ وحقدٍ شديدين، مما جعل فادي يتوسله بصراخٍ باكٍ:
عايز مني إيه؟ سيبني أبوس إيدك، إلحقوني.
اتسعت ابتسامة الواقف أمامه بشرٍ وهو يهمس له بفحيح: هيلب يور سيلف يا روح أمك.