قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والعشرون

رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والعشرون

رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي والعشرون

غبي مَن يُضيع الفرصة مرتين، وهو انتهز حظه تلك المرة وطلب الزواج بها، طالع هارون ابنه عمران بيأس وهو يهز رأسه بقلة حيلة، لقد تأكد بأنه السبب حينما تأخر العريس عن ميعاده المُحدد، وما زاد شكه؛ هي ابتسامته العريضة التي كانت مُرتسمة بوضوح على وجهه حتى كادت أن تخترق أذنيه!

طالع إلياس. عمران بتعجب، بينما جميع أخوات عمران طالعوه بخبثٍ دفين، و عمران ينتظر على أحر من الجمر جواب رؤوف الذي سيُعتبر نقطة الفصل بينه وبينها، غافلًا عن جنة وعينيها الجاحظتين بصدمة، لكن لم يُبالِ بها الآن، وإنما ركَّز أبصاره على رؤوف الذي طال صمته بطريقة مُقلقة، لذلك تدخّل هارون وقرر مُساعدة ابنه في مطلبه وقال برزانة:.

طبعًا يا رؤوف إحنا كنا هنتقدم من كام يوم بس عرفنا إن جنة متقدملها عريس عشان كدا قولنا نستنى شوية، وبما إن العريس مجاش فأنا طالب إيد بنتك جنة لابني عمران.
ومع قول هارون الأخير، رفع عمران أنظاره إلى جنة وغمزها بمشاكسة، مما جعلها تهرب بأنظاره منه وفؤادها يطرق بصخب.
تقدمت ذكرى من يعقوب حتى توقفت بجانبه، ثم مالت عليه وهمست بضيق: أنت مقولتليش ليه؟
هز كتفيه بجهلٍ وهو يُجيبها: وهو أنا كنت هعرف منين؟

طالعته باستغراب، فبرر لها بضحك ونظراتٍ مُشاكسة: أصل إحنا عيلة متربتش وبناخد قراراتنا من دماغنا، وأهو اللي قدامك دا جزء بسيط من عدم التربية.
وضعت يدها على فاهها لتمنع صعود ضحكتها، فضرب كتفه بخاصتها وهو يقول بعبث: حلاوتك يا حِلو.

أدارت وجهها عنه ثم انتبهت لبقية الحوار، فيما استرعى صمت رؤوف قلق عمران أكثر، وارتسمت خيبته جلية على محياه حينما أردف رؤوف بسخط: لأ طبعًا، هو إيه اللي عايز تتقدملها، هو لعب عيال ولا إيه؟
حاول عمران التبرير بقوله: يا عمي اسمعني، أنا فعلًا كنت هتقدملها، لكن احترمت إن فيه عريس جايلها وقولت أستنى، وبما إن العريس مجاش يبقى إيه اللي يمنع بقى؟

هز رؤوف رأسه بالنفي وهو يردف بإصرار: قولت لأ يعني لأ، أنا متفق مع ناس معرفش إيه ظروفهم ولا إيه اللي منعهم من إنهم ييجوا، مينفعش أسحب إيدي منهم كدا من غير أي مُبرر.
حوَّل عمران أنظاره الراجية نحو أبيه، فسدد له نظرة مُطمئنة بمعنى أنا سأحُلها، لذلك توقف هارون من مجلسه ونظر ل رؤوف مُردفًا بهدوء:
تعالى يا رؤوف عايزك في كلمتين لوحدنا و عمران معانا.

ظهر الاعتراض على وجهه، لكنه ذهب بعد أن رأى إصرار هارون على الحديث، وبالفعل دخل ثلاثتهم إلى إحدى الغُرف بعيدًا عن الجمع، تاركين الجميع ينظرون لأثرهم بحيرة.
وقفت صفاء بجانب ابنتها ثم تحدثت بصوتٍ خفيض لم تسمعه سوى جنة وكذلك رضوى التي تُجاور شقيقتها: لو مش عايزة قولي وأنا هتصرف، مفيش حاجة هتحصل غصب عنك مهما حصل.

ترقبت والدتها ردة فعلها، والتي لم تكن سوى ابتسامة خجولة ارتسمت على ثُغرها، لتضحك صفاء بخفة وهي تردف بتمني: يبقى على خيرة الله، ربنا يهدي أبوكِ بس وميفضحناش.
قلقت جنة حيال حديثها، لكنها صبَّرت روحها القلقة بأن هارون صديق أبيها وسيُقنعه على أي حال.
وبالقرب منهم. كان كُلًا من حمزة ورضوى يتبادلان النظرات، منها الحانقة، ومنها الساخطة، وأحيانًا المُغتاظة، وأحيانًا أخرى المُشاكسة!

ضربه بدران في معدته بقوة مما أدى إلى تسديد نظرة نارية من عين حمزة إليه، فتحدث بدران بتهكم: طب لو راجل افضل بُصلها كدا لحد ما أبوك ييجي، أقطع دراعي إن ما خزَّق عينيك بالعصاية اللي ماسكها.
دفعه حمزة بعيدًا وهو يُتمتم بضجر: بقولك إيه غور من هنا، هو مش أنت دكتور؟ روح عالج مصعب بقى.
لوى بدران شفتاه ساخطًا أثناء قوله الحانق: أنا دكتور نفسي.

بلا نفسي بلا نفسك، متخرج من طب أنت ولا مش متخرج؟ يبقى تشتغل أي حاجة بقى.
هكذا وضَّح حمزة حديثه، فطالعه بدران باشمئزاز وقال قبل أن يبتعد عنه: هقول إيه! ما أنت جاهل.
وبجانبهم. كان صدر أحدهم يشتعل، والمقصود بأحدهم هو إلياس، لا يعلم ما الذي يُضايقه الآن، عريس شقيقته وقد رحل، إذن لِمَ يختنق الآن!
تنهد بحرارة وبعدها شعر بمن يُجواره، التفت برأسه ليجد يعقوب قد وقف جانبه وتسائل بتعجب: مالك مش على بعضك؟

رد عليه إلياس بضيق: واللهِ ما أنا عارف، بس يمكن عشان عارف إنها ممكن تصيب المرادي وبابا يوافق على أخوك.
قطب يعقوب جبينه بتعجب ومن ثَم تسائل: ودي حاجة تزعلك؟
أجابه إلياس بما يحرق فؤاده: جدًا. تزعلني جدًا، جنة دي مش بس أختي، أنا بعتبرها بنتي، وشعوري دا زاد من ناحيتها لما عِرفت إن عندها كانسر وممكن تروح مني في أي وقت.

أخرج ما في جبعته، ثم استطرد الحديث قائلًا بغيظ: وبعد دا كله يجي أخوك الحلوف وعايز ياخدها مني؟ لأ أنا مش موافق.
أنهى حديثه مُربعًا كِلا ذراعيه أمام صدره وعلى محياه يظهر الوجوم واضحًا، ضحك يعقوب بخبثٍ ثم تصنَّع الجدية وهو يقول: لأ فعلًا معاك حق، أنا لو مكانك مش هوافق، أصلًا أخويا عمران دا ميتآمنش.

انتبه له إلياس بسرعة وثبت أنظاره على يعقوب علَّه يلمح مزاحه، لكن تعابير وجهه كانت جادة للغاية، لذلك تسائل بريبة: ليه؟
لأ يا عم دا مهما كان أخويا برضه ومينفعش أفضحه.
تشنج وجه إلياس بسخط فأصرَّ عليه بقوله الناقم: ما تنجز قول يا يعقوب أخوك ماله؟ بيضرب حُقن صح؟

أحمق هو ليُصدقه، هذا ما همس به يعقوب لذاته وهو يُطالعه باستنكار، فدفعه بعيدًا وهو يردف بحنق: والله ما حد مضروب في دماغه غيرك، غور يالا أنا أخويا دا أشرف من الشرف.
وهُنا اكتملت الرؤية ل إلياس الذي طالع يعقوب بنزق، يبدو أنه يسخر منه!
يركض الفؤاد خلف أنيسه، مهما قررت الجموع التفريق بينهما.

ترك بدير الجمع واتجه إلى أحد المنازل الموجودة بالمنطقة، وقف أمام أعتابه وطرق بيده عدة طرقات أضفى بها لحن مرح، انتظر لثوانٍ حتى فُتِح الباب وظهرت من خلفه تسنيم التي تسائلت بتعجب فور رؤيته: بدير؟ بتعمل إيه هنا؟
ابتسامة مُراوغة ارتسمت على فاهه وهو يُجيبها كما أجابها أول مرة: بتقولك أمي هاتي بصلتين.

تذكرت أول حوار دار بينهما، مما أرغمها على الإبتسام غصبًا، راقبها بدير بتوقٍ وفؤادٍ يخشى التعلق، لكنه أزاح خوفه خلف ظهره وقرر السير خلف مشاعره، لاحظت تسنيم نظراته فربعت ذراعيها أمام صدرها وتسائلت بخبث رغم الخجل الذي اعترى داخلها:
ويا ترى بقى الحج هارون عارف إنك موجود هنا؟

سؤالها أخرجه من غفلته، بل أخرجه من شروده وتحديقه بها، استغفر في البداية ثم أجابها بجدية أثناء مُحاولته لتحاشي النظر إليها: أيوا على فكرة عارف، وباعتني عشان أخدك أنتِ والبنات عشان تيجوا معايا.
تعجبت من حديثه فتسائلت: نيجي معاك فين؟
النهاردة قراية فاتحة عمران أخويا، وهو بيعتبركم بناته فبعتني أخدكم عشان تحضروا معانا المُناسبة دي.

كانت تلك إجابته البسيطة، ورغم ذلك أشعرتها بالسعادة، لذلك تحدثت بفرحة ظهرت جلية على صوتها: الله بجد؟ طيب استنى عشر دقايق هدخل أقول للبنات ونلبس ونيجي.
أومأ لها مُبتسمًا بهدوء، ثم أضاف: هستناكم قدام البيت عشان تاخدوا راحتكم، سلام.

تفوه بها ثم تركها ورحل جالسًا أمام المنزل، وعقله يعود للحوار الذي دار بينه وبين أبيه منذ عدة دقائق، وذلك عندما طلب منه هارون أن يذهب ليأتي بالفتيات في نفس الأثناء التي كان يُحاول بها عمران إقناع رؤوف، حينها احتلت الدهشة وجهه وسأله بذهول:
طيب مش لما يوافق الأول!
أتته إجابة هارون الواثقة حينها: اسمع الكلام وملكش دعوة أنت بس، أنا عارف بعمل إيه كويس، وأخوك بادر كمان راح يجيب بدور عشان تيجي.

استفاق من شروده على صوت تسنيم التي هبطت أولًا وعلى وجهها يرتسم ابتسامة واسعة، كانت ثيابها عبارة عن بنطال واسع من اللون الزيتي ويعلوه كنزة بيضاء لامعة، كان مظهرها جميلًا وراقيًا للغاية، لكنه نظر بعدم رضا لخصلاتها التي أظهرتها من أسفل حجابها، لذلك تشدق بمقت:
ما تداري شعرك يا عسل!
انمحت ابتسامتها ورفعت يدها تلقائيًا تتلمس خصلاتها الظاهرة، وبعدها سألته بريبة مُغلفة بالحزن: شكلي وحش؟

وبدون تجميل رد عليها: جدًا.
احتل اليأس محياها فتمتمت بحرج وتلعثم: ط. طيب هدخل أشوف البنات اتأخروا ليه.
أومأ لها مُدعيَّا اللامبالاة الشديدة، بينما هي دلفت للمنزل مرة أخرى قاصدة غرفتها، ثم نظرت لمظهر حجابها، لتقوم بخلعه كُليًا وأتت بقطعة قماشية سوداء ووضعته أسفله لتُخفي كامل خصلاتها، ثم ارتدت فوقه الحجاب، نظرت لنفسها برضا، والتقطت مُلمع شفاه قريب من لون شفتيها ثم وضعته على مهل.

لكن مهلًا! لِمَ هي مُهتمة به وبرأيه بتلك الطريقة! سؤالٌ دار بعقلها ولم تجد له إلا إجابة واحدة، مما جعلها تبتلع ريقها بريبة وهي تهمس لذاتها برعب: استرها عليا يارب.
تمتمت بها قبل أن تستمع إلى نداء شقيقتها يأتي من الخارج، هرولت مُسرعة إليهم فوجدتهم قد سبقوها بعدة خطوات، ولم تنتبه إلى بدير الذي مال عليها قليلًا وهمس مُراوغًا: أهو كدا البدر اكتمل.

غزا الإحمرار وجهها وشعرت بالسخونة تسري بين أوردتها، فلم تشعر بنفسها إلا وهي تُسرع بخطواتها لتلحق بالفتيات هروبًا منه، احتلت الابتسامة وجهه وهو يُراقبها، لا يعلم كيف ومتى أصبح يُحِب قُربها، لا يعلم لِمَ انجذب إليها من الأساس، لكن في نهاية المطاف، يبدو بأنه سقط في دوامة العاشقين.
مَن يُحيطه الظلام؛ يهلك، ومن يخشى الفراق؛ يتألم، حتى مَن اعتاد القلق؛ يخاف.

شعورٌ بالخوفِ يجتاح تالين عقب علمها بحملها، اعتادت أن تكون أفعالها طائشة، لكن طيشها سيُهلكها تلك المرة، خاصةً لو علم أبيها الجريمة التي فعلتها، وهي حملها لطفلٍ داخل أحشائها من ابن عمها، انتفضت من مكانها بفزع حينما فُتِح باب غرفتها على بغتة ورأت أمامها فادي بمعالم وجهه الغاضبة، طالعته بحذرٍ فاقترب هو منها بغضبٍ بسرعة وكأنه يلتهم الأرض من أسفله، ثم أمسك بها من ذراعها حتى كاد أن يغرز أظافره في لحمها، وبعدها همس بفحيح من بين أسنانه:.

اللي في بطنك دا هينزل.
تكوَّن العرق على جبينها رغم الأجواء التي مالت للبرودة من حولها، ثم أجابته بحلقٍ جاف وصوتٍ ظهر عليه الخوف الشديد: جربت والله، بس الدكتورة قالتلي حالتي متسمحش ولو عملت كدا حياتي هتبقى في خطر.

ترك ذراعها بعصبية وعَلى صوت تنفسه تزامنًا مع وجوم معالم وجهه، دلكت تالين مكان ضغطة يده بألم وأنظارها مُثبتة عليه تنتظر ردة فعله، مرت دقائق كان الصمت هو سيد الموقف وأنفاسهما هي ضيف الشرف، حتى قرر فادي الخروج عن صمته أخيرًا بقوله الناقم:
يبقى حازم هيصلح غلطته ويتجوزك.
ردت عليه بيأسٍ وهي تهز رأسها بالنفي: لما قولتله قالي إنه ملهوش دعوة و.

قاطعها بقسوة وأنظاره تُخرِج شررًا: مش بمزاجه ولا بمزاجك، الصحافة والإعلام لو شموا خبر بالمصيبة دي كلنا هنروح في ستين داهية، وأنا معنديش إستعداد إن اللي بنيته في سنين يضيع بسببكوا ولو مهما كان التمن.
أومأت له بصمت وعادت الدموع لتتسلل داخل مقلتيها، لقد أذنبت وها هي تدفع ثمن ذنبٍ اقترفته بخضم إرادتها.

مرت عشر دقائق أخرى وكل ذلك يُحاول هارون وعمران إقناع رؤوف بالداخل، أتى خلالهما جميع الفتيات التي رحبت بهم ذكرى بود وقامت بتعريفهم إلى رضوى كذلك، و بادر جلب شقيقته بدور التي ما إن رأت أخواتها، حتى احتضنتهم جميعًا باشتياق، خاصةً والدتها التي تفتقر لحنانها تلك الأيام تحديدًا.

كان إلياس يُتابعها خِلسة من الحين للآخر، هبطت عيناه إلى بروز معدتها الذي بدأ يتشكل بالتدريج، لينفخ بضيقٍ مُضاعف ثم همس بصوتٍ مسموع نسبيًا: دول جايين كلهم ينكدوا عليا النهاردة!
تسائل بدران بتعجب: بتقول حاجة يا إلياس؟
أجابه بسخط وهو يكاد أن يذهب الآن ويُشعِل النيران بأجسادهم جميعًا من شدة حنقه: مبقولش. مبتنيلش. مبتزفتش.

اعتاظ بدران من صراخه عليه بتلك الطريقة فدفعه من كتفه أثناء حديثه المُتشنج: ياخويا عنك ما قولت. عنك ما اتنيلت. عنك ما اتزفت. أنت هتقرفنا معاك ليه؟ من الصبح عمال تُفرك وإحنا نقول معلش تعبان في دماغه، لكن لو تعبان بجد يا حبيبي تعالى العيادة وأنا هعالجك.
طالعه إلياس بمقط من طرف عينيه، ثم أجابه بقرف: أنا مش هرد عليك يا تربية ديرتي.

سدد له بدران نظرة مُشمئزة قبل أن يُبعد أنظاره عنه تجاه باب المنزل، ليلمح عمه عوض قد أتى ومعه أفراد عائلته، كذلك رأى مروان قادمًا ومعه والدته وشقيقته كذلك، وقف إلياس من مكانه ليُرحب بهم، وبعدها تحدث ببلاهة:
هو الفرح النهاردة وأنا معرفش؟ طب على الأقل استنوا الراجل اللي جوا دا يوافق.
رد عليه يعقوب بثقة وابتسامة جذابة: هيوافق.

استغرب إلياس من ثقته العمياء تلك، بينما عوض جلس على الأريكة العريضة بعد أن استند على عصاه الخشبية وأردف بمُباركة: ألف مبروك، عقبالكم كلكم إن شاء الله.
وعلى مقربةٍ منهم، كانت أنظار فاطمة شقيقة مروان لا تهبط من على إلياس، تعلقت حدقتيها به وبواسمته الجذابة، رجلٌ يجمع بين الملامح الشرقية الأصيلة، بالإضافة إلى تلك النكزة التي تُزين جانب وجهه حينما يضحك، لقد أُعجبت به وبجدارة.

في تلك الأثناء، خرج الثلاثة رجال من الغرفة تحت أنظار الجميع المُترقبة تحت قناع الصمت، ليقطع رؤوف ذلك السكوت بقوله الهاديء وهو ينظر ل جنة المُتوترة: أنا موافق.
اتسعت الابتسامات بعدم تصديق وعَلى صوت المُباركات ينهال على الجميع من طرف العائلتين وسط فرحة وسعادة عارمة، فارتفع صوت رضوى فجأةً تُطلق الزغاريد التي دوت صداها في أرجاء الحارة بأكملها، ثم اتجهت ناحية شقيقتها واحتضنتها بقوة وهي تهمس لها:.

ألف ألف مبروك يا حبيبة قلبي.
أجابتها جنة باستحياء مُغلف بعدم التصديق: الله يبارك فيكِ يا حبيبتي.
وكذلك اتجهت إليها ذكرى تُعانقها بعد أن أبعدت رضوى، وقالت بمزاح: هتبقي أختي وسِلفتي في نفس الوقت، خافي مني بقى عشان هبقى حربوءة.
ضحك الجميع على قولها، فيما صفقت رضوى بحماس وقالت بتلقائية: الله يعني فيه خطوبة قُريب وهرقص!

وهُنا اتسعت عيني حمزة على آخرهما، وتذكر حينما كانوا صغار، عندما كانت تقوم بتجميع صِبية المنطقة وهو منهم لترقص أمامهم وتُريهم مهاراتها الخارقة بالرقص، جز على أسنانه بغيظ وتمتم مع ذاته وهو يُسدد إليها نظرات مُستاءة:
صبرك عليا يا شمامة يا رقاصة أنا هربيكِ.
وعقب حديث رضوى عن الخِطبة، تحدث هارون برزانة وهو يُجاور شقيقه عوض على الأريكة: لأ مش هيبقى فيه خطوبة، هيبقى كتب كتاب على طول يوم الجمعة الجاية.

احتلت الدهشة معالم وجه الجميع فيما برر عمران قائلًا: عشان علاجها وهتبقى محتاجة وجودي جنبها، فمش هينفع أفضل داخل خارج كدا طول النهار، لكن لما تبقى مراتي الوضع هيبقى أفضل بكتير.
أمسكت جنة بذراع ذكرى وهمست بدوار: هيغمى عليا مش قادرة أستحمل.
خافت ذكرى على شقيقتها ظنًا منها بأنها جادة في حديثها، بينما جنة أكملت الحديث قائلة: بقى حتة الحلويات دا هيبقى جوزي؟ دوخت.

دفعتها ذكرى بضجر وهي تتنفس براحة: يا شيخة غوري خضيتيني.
ومن بعد حديث عمران هذا لم يُسمَع سوى صوت إلياس الصارخ الذي هب من مكانه هاتفًا باعتراض وهو يكاد أن يفقد صوابه: لأ. كتب كتاب لأ. مش هتاخدوا أختي مني يا شوية صعاليق، مش كفاية خدتوا الأولى! عايزين تاخدوا مني التانية كمان! لأ أنا مش موافق، وأقولكم حاجة كمان! ذكرى هتطلق وهتيجي تقعد جنب إخواتها، أنا معنديش بنات للجواز.

وعقب انتهائه من حديثه، اتجه إلى جنة يضمها إلى أحضانه، وكذلك فعل المثل مع ذكرى التي ضحكت بعدم تصديق على أفعاله الجنونية تلك، وأنهى ذلك بقوله الصارم: اخواتي هيفضلوا معايا ومش هيروحوا في حتة، إمشي ياض أنت وهو من هنا.
تشنج وجه كُلًا من يعقوب وعمران والبقية يضحكون، فذهب يعقوب إلى إلياس وأمسك بيدِ ذكرى يجذبها نحوه وهو يقول بسخط: هي مين دي اللي هتفضل معاك؟ سيب إيد مراتي يالا.

شدد إلياس من ضمها إلى صدره وتحدث رافضًا ما يُقال: وسَّع كدا. وسَّع كدا. محدش من إخواتي منقول من هنا إلا على جثتي.

وبعد خمس دقائق، كان الجميع يقرأون الفاتحة بصوتٍ هامس تحت أنظار إلياس المُغتاظة والذي أجلسه والده رغمًا عنه، كانت الوجوه تكتم ضحكاتها بصعوبة على معالم وجهه التي يظهر عليها القنوط، خاصةً تمتمته الغير مسموعة التي كان يتحدث بها لذاته من الحين للآخر، فرجحوا بأنه لربما يسبهم وهذا أكبر إحتمال صحيح تقريبًا.

انتهوا وتعالت المُباركات والسعادة مُتبادلة بين العائلتين والبقية، فخرجت روان عن صمتها وتحدثت بابتسامة مُتسعة وأخرجت كاميرتها من حقيبة يدها وقالت بحماس: المناسبة السعيدة دي محتاجة صورة.

نظر لها الجميع بتعجب في البداية، لكن فكرتها قد نالت إعجابهم وبالفعل بدأوا بالإرتصاص، فتوقف جميع الشباب بالخلف نظرًا لطولهم الفارع، وأمامهم مُباشرةً وقف كِبار العائلة من الرجال والنساء، والصف الأخير والأمامي توقف به الفتيات جميعًا وعلى أفواههم ترتسم ابتسامة مُتسعة، فثبتت روان كاميرتها وعادت لمكانها مُسرعة، وبعد ثلاث ثواني التقطت الكاميرا الصورة، والتي كانت رائعة ومليئة بالحُب والأُلفة بالرغم من بساطتها.

مرت ساعة أخرى وانقضى الوقت في جو أسري جميل، وقرر الجميع العودة إلى منازلهم أخيرًا، كانت الساعة الحادية عشر مساءًا، فصعد هارون وزوجته إلى الأعلى، وكذلك عوض ونعيمة، و بثينة وفاطمة صعدا بعد أن أخبرهم مروان بأنه سيظل مع أبناء عمومته قليلًا.

أوصل بادر الفتيات إلى منزلهم بأمرٍ من والده بالرغم من تقارب المسافة، وبالفعل صعدوا إليه بإرهاقٍ وكأن أجسادهن تطلب الراحة، لكن سارة وقفت ولم تصعد، ثم اقتربت من بادر وتحدثت بحذر:
هو أنت زعلان مني؟
تسائلت لمُلاحظتها لوجومه أغلب الوقت، تحاشى النظر إليها وتسائل بهدوءٍ زائف: ليه بتقولي كدا؟

شبكت كفيها معًا بتوتر وتحدثت باهتزاز متبوع بدموعها: مش عارفة، بس حاساك متغير من ناحيتي من ساعة اللي حصل، أنا والله مليش ذنب.
ينقصه دموعها ونبرة صوتها الباكية التي أربكت أوردة فؤاده العاصية ودقاته المُذنبة، فرد عليها بإختصار قبل أن يتركها ويذهب مُسرعًا: أنا عارف إن ملكيش ذنب، ولأ أنا مش زعلان منك، عن إذنك.

تركها وغادر مُتجهًا نحو منزله، رحل وهي تتبعت أثره بأعيُن دامعة، فيما أغمض هو عيناه وهمس لذاته بيأس:
كنت عارف إن قلبي عاصي وأنا مش حِمل ذنب الحب.

تلك الجُملة لم تصعد هباءًا، وإنما بعد أن شعر باهتياج فؤاده فور رؤيتها، صوتها يعزف على أوتار قلبه سيموفينية جميلة يتلذذ بها، وحُزنها ينتج لحن حزين يتألم لأجله، يُقاوم عيناه وألا يخضع للنظر إليها، ويُحارب عقله حتى لا يُفكر بها، كل ذرَّة به تقف ضده من أجلها، وهو لا يُريد أن يكون عاصيًا في حُبها.
عيناها، شُعاعٌ من النور يُهدى به التائه وَسَط الظُلمة.

أبدل كُلًا من يعقوب وذكرى ثيابهما، دخل يعقوب لأخذ حمام دافيء يُريح به تعب أعصابه، بينما ذكرى جلست على الفراش بإنهاكٍ يصحبه النعاس، لكنها ابتسمت بخفة عندما تذكرت أحداث اليوم وغيرة شقيقها عليهما.

وهذا الشيء ليس جديد عليهم، فالمعروف عن إلياس بأنه يغار على شقيقاته بدرجة مُخيفة، يتذكر حينما قام بكسر ذراع أحد زملائه في المدرسة عندما قام بمعاكستها، وقطعه لصداقته مع رفيق عمره حينما رفع عيناه على رضوى، كذلك شراسته في التعامل مع أي ذكر من العائلة عِند تعامله مع جنة، بالنسبة له فشقيقاته خط أحمر يُرفَض تجاوزه.

قاطع شرودها خروج يعقوب من المرحاض مُرتديًا كامل ثيابه البيتية وهو يُجفف خصلاته بعناية، وبالرغم من ذلك ظهر التعب جليًا على وجهه، قطبت جبينها بقلق واقترب هو منها، وقبل أن تتحدث وجدته يرمي برأسه على قدمه ويُغمض عيناه بإنهاك، توترت فعليًا منه، لكنها رمت كل هذا خلف ظهرها وتسائلت بريبة:
مالك يا يعقوب؟
رفع يعقوب عسليتاه يُطالعها بطريقة أربكتها، ثم أجابها بابتسامة جذابة أرغمتها على النظر إليه أكثر: حِبيني.

ابتسمت على إجابته التي اعتادتها مؤخرًا، فسألته بنبرة مُمازحة: أنت مكونتش بتتحضن وأنت صغير، ولا إيه؟
أجابها نافيًا: لأ كانوا بيحضنوني، بس أنا عايزك تحبيني.
حديثه يُربكها ويُخجلها حقًا، فقررت استعمال مبدأ قلب الطاولة وأردفت بمشاكسة: طب ما تحبني أنت الأول!
وإجابته التالية كانت الصدمة بالنسبة لها، وذلك حينما ثبتَّ عيناه على خاصتها وأردف هائمًا: ما أنا بحبك.

انحسرت أنفاسها عن الخروج، وتصاعدت الدماء إلى وجهها بقوة، حتى أن أطرافها باتت مُجمدة، وكأنه ألقى عليها تعويذة منعتها من الإستكمال، رمى سِحرًا جمدها بصدمة، سِحر خاص به هو.
قرر رفع الحرج عنها وأكمل حديثه ببراءة: زي أمي.
وجدت أصابعها الطريق إلى خصلاته تجذبها نحوه، فتأوه بقوة ونظر إليها بغيظ وهو يُصيح: براحة يا ست أنتِ!

وبالفعل لانت أصابعها قليلًا عن خصلاته وظلت تُدلك خصلاته برقة كما يُحب أن تفعل دائمًا، وذلك بعد أن تمتمت بشماتة: أحسن، عشان تبقى تعدل كلامك بعد كدا.
يعني لا كدا عاجبك ولا كدا عاجبك، أعمل لسيادتك إيه يا ست ذكرى؟
ردت عليه بمراوغة وهي تهز كتفيها بجهل: واللهِ اللي يرضي ضميرك يا معلم يعقوب.
وعلى بغتة اعتدل هو جالسًا على الفِراش وقال بابتسامة شغوفة: ضميري بيقولي أحضنك دلوقتي.

ولم يُعطي لها الفرصة للإعتراض وجذبها عُنوة لأحضانه تحت مُقاومتها الضعيفة في البداية، لكنها ثوانٍ ما استسلمت لدفيء عناقه، اطمئنت، وكل ما تُريده في تلك الفترة هو الإطمئنان، دفن وجهه بين ثنايا عُنقها مما دب القشعريرة بجسدها، بادلته العناق ولأول مرة تشعر بفؤادها يطرق بصخبٍ بين جنبات صدرها لأجله، يصرخ مُطالبًا القُرب دون وجود أي حوائل أو عزولات، بحنانه ورُقيه واحترامه لمواجعها؛ استطاع أن يأخذ حيزًا لا بأس به داخلها، استطاع أن يُعلِّق به الفؤاد أكثر، أغمضت عيناها براحة وهي تستشعر إحاطة ذراعيه القويتين لها، وكأنهما حِصن منيع لمن يقترب منها!

مرت خمس دقائق وهما على حالتهما تلك، حتى خرج هو من أحضانه وتسائل بنبرة غير بريئة بالمرة: حُضني حلو؟
ربكتها لم تجعلها تُركز على وجهه، وإنما هربت بأنظارها منه وأومأت له على استحياء وهي تبتسم بخفة، لكن ابتسامتها انمحت فجأة عندما أكمل حديثه قائلًا: مجربتيش البوسة أنتِ بقى.

وبالفعل اقترب، لكنها فزع من صراخها وهي تنتفض بعيدًا وتقول بنبرة مُتلعثمة: ها! لأ بوسة إيه! إحنا هنخيب ولا إيه! دا إحنا حيالله متجوزين.
ردد جُملتها الأخيرة بتشنج واضح: حيالله متجوزين؟ بجد والله؟
أومأت له تُؤكد له بجدية، فباغتها بقذفه للوسادة في وجهها، أعقبها حديثه الحانق: طب غوري بقى، دا أنا لو متجوز دكر بط كان هيبقى ليه منفعة عنك.

تخصرت في مكانها وهي تُطالعه بنارية، ثم تسائلت بسخط: والله! قصدك إيه يا أستاذ يعقوب؟
رد عليها قائلًا: مش قصدي حاجة يا نِن عين الأستاذ يعقوب.
رمش بأهدابها عدة مرات، وقالت بعد أن زعزع ثباتها بحديثه الماكر: مفكر إنك كدا ثبتني بقى وبتاع!
ضيَّق نظراته الخبيثة، فزفرت باستسلام أثناء اقترابها من الفراش مُجددًا: ماشي معاك حق أنا اتثبت.

علت ضحكاته بصخبٍ وحاولت هي منع ابتسامتها من الظهور لكنها لم تستطع فشاركته الضحك، تمدد على ظهره وجذبها لتنام على صدره ويداه تعرف الطريق إلى خصلاتها، ثم هتف من بين ضحكاته: نامي نامي ربنا يهديكِ.
لا بُد أن نكون أقوياء خاصةً لو كُنا في معركة باسم الحب.

تمدد بدران على فِراشه ناظرًا للقمر المُكتمل من نافذة غُرفته المُطلة على إحدى الأراضي الزراعية في الجزء الخلفي من المنزل، تذكر اليوم مُحاولاته المُستميتة لتجاهل زهراء طيلة اليوم، كان هذا الصعب بذاته على نفسه المُغرمة بها، لكنه أخذ عهدًا على نفسه ألا يميل مُجددًا، بل سيجعلها هي مَن تميل أولًا.

وبالأعلى في نفس التوقيت، كانت زهراء تتأفف من الحين للآخر بعد رضا، لا يُعجبها ذلك الوضع بتاتًا، تجاهله لها يقتلها، ولامبالاته حانقة، وبرغم سخطها ذلك إلا أنها حزينة، تشعر بفراغٍ يملأ حياتها بدون مُشاكساته أو اهتمامه بها.

اعتدلت صارخة على الفراش وتفكيرها المُفرط به يُزعجها، لذلك قررت أن تُبادر تلك المرة بمُحادثته، علَّها تقطع ذلك الصمت المُميت بينهما، انحنت على الكومود الموجود بجانب فراشها ومن ثَم مدت يدها لالتقاط هاتفها، ثم فتحت مُحادثته وكتبت بها:
بدران أنت صاحي!
ظهرت علامتان صح وبعدها بثانية تحولت إلى الأزرق ورأت بأنه يكتب، اتسعت ابتسامتها بحماسٍ لكنها ثوانٍ ما انمحت حينما رأت جوابه والذي كان:
لأ.

إجابة مُختصرة كادت أن تؤدي إلى إصابتها بالشلل أو ما شابه، لكن ما لا تعرفه بأنه أغلق الهاتف كُليًا بعدها حتى لا تُهاتفه مرة أخرى!

مسافاتٌ قضاها في الهرولة للوصول إليهم وإنقاذهم، لكن كُلما حاول الإقتراب يشعر ببُعد المسافة أكثر، يشعر بابتعادهم عنه عندما يخطو إليهم، يُحاول إنقاذهم من خطرٍ سيقضي عليهم، من وحوشٍ مُفترسة على وشك التهامهم، لكنه تعثر في خطواته، ودُفِنَ وجهه في الغبار، حينها استمع إلى صوت صرخات حادة، وحينما رفع رأسه ينظر إليهم، وجد تلك الوحوش قد فتكت بهم!

استفاق بادر من نومته يشهق بفزع من نومته ومُتعرق الجبين، نظر حوله بعدم إدراك فوجد ذاته في غرفته، تنفس بعنفٍ ومشاهد من ذلك الكابوس تتردد داخل ذهنه بتكرار، ورغمًا عنه تكونت الدموع داخل حدقتيه وهو يتذكر أصدقائه الذين فارقوه معًا، حادثة مُريعة وبشعة ظلت مُتعلقة داخل عقله ترفض تركه، يتألم بها كل يومٍ تقريبًا ولا يُنطق بها، هبَّ من على فِراشه بعد أن نظر لساعة الحائط فوجدها الثالثة صباحًا، لذلك قرر أن يُصلي القيام وينتظر حتى الفجر.

دخل إلى المرحاض وغاب لدقائق ثم خرج يُجفف ذراعيه ووجهه بالمنشفة، ثم بدأ بالصلاة في جوف الليل، يتضرع للمولى بكلِ كيانه، يشكوه ألمه وحُزنه، يرجوه بأن يمحي آلامه ويُخفف أوجاعه ويُريح فؤاده، يدعوه بجنةٍ عرضها السمواتِ والأرض، يتمنى أن يكون من أهلِ السماء لا الأرض، يقابل النبي الكريم ويُعانقه شوقًا وحُبًا، بث اشتياقه إلى الخالق، أفرغ كُل ما بجبعته للمولى، وشعر كذلك بالراحة تسري لفؤاده الجريح.

‏في النفس من الهموم والآلام والشواغل ما لا يغسلها ولا يبقى لها أثرًا إلا مناجاة الله في الأسحار، تحت هدوء الليل، وسكون النفس، وصفاء الذهن، أهل قيام الليل أهل صفاء ونقاء، وسعادة وهناء، كن معهم واهجر السهر مهما كانت الظروف والشواغل، ذُق مثلما ذاقوا ولا تؤخر، واحزم واعزم واصبر ثم أبشر.

أنهى بادر صلاته ومعه دعائه لأصدقائه براحة وسلام نفس، لكن بدرت لذهنه تلك التي ظل يُفكر بها لأيامٍ وليالٍ كثيرة، تذكر خوفها ورعشتها، احتياجها له في أصعب الأوقات، وثقته العمياء بها، ضعفها زعزع نقطة ما بفؤاده، وبالرغم مِن أنه لم يفعل بها ذنبٍ، خاف أن يكون قد اقترف سيئة دون قصد، لذلك رفع كفه ودعى للمرة الأخيرة بكل رجاءٍ، وكإن كل جُزيئة من جزيئات جسده تدعو معه بتضرع:.

ويسيلُ دمعي على خداي بحسرةٍ، وصِدقي بعفوكَ يا رحيم عظيم، فإن أذنبتُ وعصيتُكَ غفلةً، فاغفر لي ذنبي وأنت أرحمُ الراحمين.
وقف من على سجادة صلاته ثم تنفس بعمقٍ وكأنه يستنشق راحته، ثم زفر بتنهيد حارة وكأنما يطرد ضيقه وحُزنه، وبعدها اتجه إلى المطبح لصُنع مشروب ساخن يُساعده على تهدأة أعصابه حتى آذان الفجر.

رحل قناع الظلام الذي كان يُزين السماء مع بزوغ أول أشعة شمس تدللت في الأرجاء، اقتحمت غُرف ومنازل الجميع تفرض عليهم وجودها غصبًا، لكن ما أزعج تلك النائمة هي صوت الطرقات القوية على باب منزلها، تأففت بدور بضيق ثم هبت من مكانها وهي تُتمتم بسخط:
روحوا ربنا يبتليكم بمصيبة.

تفوهت بها قبل أن تنتفض من مكانها وترتدي ما يستر خصلاتها، ثم اتجهت نحو باب المنزل لتفتحه بعصبية، لكن حل محلها الذهول وهي تلمح أمامها زوجها يقف بوجهٍ مُتهجم، مما جعلها تتسائل بعد تصديق: عادل!
وهُنا أدركت أن الدعوة قد التصقت بها، فلا يوجد مصيبة الآن أكبر من زوجها.
دفعها عادل بغلظة جانبًا ثم مر بجانبها وهو يتحدث بسخرية: آه ياختي عادل، إيه مكنتيش عايزاني أخرج ولا إيه؟

توقع صمتها، لكنها تحدثت بصراحة مُطلقة وهي تُغلق الباب مُجددًا: لأ وأنت الصادق، كنت عايزاك تتأدب.
استدار لها بعنف، فتجاهلته واتجهت نحو الداخل لغرفة نومها مُجددًا لتنعم بقِسطٍ من الراحة، تابع أثرها بحقد وحينما اختفت من أمامه اتجه إلى هاتفه يلتقطه ثم هاتف أحد الأرقام وانتظر قليلًا حتى أتته الإجابة، نفث دخان سيجارته التي أشعلها قبل القدوم إلى هُنا:
عايزك في مصلحة أنت وكام واحد كدا من الرجالة.

انتظر قليلًا ليستمع إلى حديث الطرف الآخر، وبعدها تمتم نافيًا بشرود: لأ مش عايز دم، أنا عايز أأدب واحد من معارفي مش أكتر.
تمام هستنى ردك وأنا هقولك على المطلوب بالظبط، والمبلغ اللي أنت عايزه هيكون حاضر قُدامك وقتي.
اتفقا معًا ثم أغلق الهاتف وتابع دخان لفافة تبغه بعينٍ تُقسم بالدمار والانتقام لرد كرامته المهدورة.
ما أبشع أن يستيقظ الإنسان على فاجعة!

والفاجعة الكُبرى التي استيقظت عليها تسنيم هي استفاقة حسن من غيبوبته المؤقتة، أغلقت الهاتف مع المُمرضة التي أوصتها بتوصيل الأخبار إليها وهي تتأفف بضيقٍ وعصبية، دخلت عليها ياسمين بعد أن ذهبت لوضع أطباق الفطور الفارغة في المطبخ، ثم تسائلت بتعجب:
مالك مش على بعضك من الصُبح ليه؟
حسن فاق.

إجابة مُختصرة وصغيرة لكنها تسببت في شحوب وجه ياسمين التي طالعت شقيقتها بخوف، شعرت بأنفاسها تثقل وهي تسألها بعدم تصديق: مين قالك؟
ردت عليها تسنيم بهدوءٍ عكس غضبها: المُمرضة اللي بتشرف على حالته هناك، قولتلها إن أنا قريبته وعايزة أتطمن عليه وتبلغني لو حصل أي تجديدات حصلت في حالته، ومن شوية لقيتها بتكلمني وبتقولي إنه فاق.
أنهت حديثها وهي تتنفس بعنفٍ، ثم أكملت: مش كان مات وريحنا من قرفه بقى!

تسللت الدموع إلى عيني ياسمين بكثافة حتى ملأت حدقتاها، مما جعل تسنيم تتنهد بضيقٍ من خوفها المَرضي من حسن، اتجهت نحو ثم عانقتها بقوة وهي تقول بتصميم: متخافيش مش هيقدر يعملك حاجة.
وبنحيبٍ أخبرتها ياسمين برعب: هيقتلني.
نفت حديثها وقالت بقوة: مش هيقدر يعملك حاجة صدقيني، أنا واثقة إن نهايته قربت، وقربت أوي كمان.

قطع حديثهما دخول مي شقيقة سارة عليهما وقالت وهي تنظر إلى تسنيم: عمو هارون باعتلك وعايزك تروحيله دلوقتي.
استغربت تسنيم في البداية، ورغم ذلك أومأت لها تهز رأسها بالإيجاب قائلة: حاضر خمس دقايق وهروحله.
تركتهم مي ورحلت بهدوء مثلما أتت بهدوء، واتجهت نحو غرفة الصالون الرئيسية التي تجلس بها شقيقتها سارة، جلست بجانبها وكالعادة تجاهلتها، لتتحدث مي برجاء:.

بالله عليكِ كفاية خصام بقى يا سارة! أنا والله عِرفت غلطتي ومش هكرره تاني، بقالك شهر مش بتكلميني ولا حتى بتبصيلي، بلاش تبعدي عني زي ما الكل بِعد عني.
حديثها زعزع ثبات شقيقتها الواهي، حاولت أن تظل على موقفها لكن صوت مي الذي اهتز ببكاء في نهاية حديثها جعل فؤادها يلين، وبالرغم من ذلك لم تلتفت لها، بل عاتبتها بقسوة وتسائلت دون النظر إليها:
ولو اللي حصل اتكرر تاني؟ لو شوفتك في حضن وا.

قاطعت مي حديثها بلهفة وهي تقترب منها حد الإلتصاق أثناء إمساكها بذراعها برجاء: واللهِ ما هيحصل أبدًا، هي لحظة ضعف وغباء مني ومش هتتكرر تاني أبدًا والله.

تلك المرة قررت العفو عنها، فنظرت إليها لتجد الندم الشديد يرتسم على وجه شقيقتها ووجها مُغرق بالدموع الكثيفة، فلم تجد مفرًا سوى أن تحتضنها، فهي رغم قسوتها وجفائها معها الأيام المُسبقة، فقد اشتاقت إليها وللحديث معها حد اللعنة، تشبثت مي بأحضانها وشددت من عناقها وهي تهمس بندم:
أسفة والله. أنا أسفة.

قبَّلت سارة خصلاتها بحنان وتحدثت بحب: خلاص يا حبيبتي أنا مسامحاكِ، المهم بس أنتِ تكوني عرفتي غلطك واتعلمتي منه.
اتجهت تسنيم إلى منزل هارون بعد أن استدعاها، وما إن خطت قدماها أعتاب المنزل، حتى استمعت إلى صوت صياح حنان الحانق التي تصرخ بيأس: يابني إهدى بقى واخرج من المطبخ، أنت دوخت اللي خلفوني.

فأتاها بعدها صوت بدير الذي تحدث بحنق: هو فيه إيه ياما أنتِ موراكيش غيري؟ ما تسيبيني أعمل اللي أنا عايزه وأنا مش هاجي ناحيتك!
وضعت تسنيم كفها على فمِها تمنع صعود ضحكاتها بصعوبة، وانتبهت بعدها إلى مصعب الذي خرج من غرفته يستند على عكازه، وما إن رآها حتى أشار ناحية الشُرفة وتحدث مُبتسمًا: روحي للحج هتلاقيه مستنيكِ في البلكونة وسيبك من الأهطل اللي جوا دا.

أومأت له وهي تضحك بخفة، وبالفعل اتجهت إلى الشُرفة فوجدت هارون يجلس بها على مقعد أمام طاولة خشبية صغيرة، وبجانبه يجلس حمزة يحتسون أكواب الشاي، حمحمت بخفة قبل أن تدخل عليهم وقالت مُحيية إياهم: سلام عليكم!
أجابوها بود: وعليكم السلام.
وبعدها أشار هارون جهة المقعد المُقابل لهم وتشدق بخفوت: اتفضلي اقعدي يا بنتي.

سارت تسنيم عدة خطوات إليهم ثم جلست أمامهم، واستمعت باهتمام إلى هارون الذي بدأ حديثه دون مُراوغة: طبعًا أنتِ مفكرة إن إحنا ناسيين نعرف مين اللي ضرب عليكم نار وعمل فيكم كدا، بس طول المُدة دي أنا كلفت ابني حمزة يعرف مين اللي ورا اللي حصل، وفعلًا قِدر يوصل للفاعل، وهو واحد اسمه حسن طارق عاشور.
أومأت له تسنيم وتمتمت ببساطة: أيوا ما أنا عارفة.

ظهر الإستغراب جليًا على وجه هارون، بينما تشنج وجه حمزة الذي أردف باستنكار: نعم يا عنيا؟ هو إيه اللي ما أنا عارفة.
ردت عليه وهي تشرح له مقصدها: قصدي إن أنا كنت مستنية منه يعمل كدا أصلًا، ومش هيسكت ولا هيهداله بال غير لما يقتلني ويخلص عليا.
انضم إليهم مصعب والذي استمع إلى نهاية الحديث، وتسائل مُتعجبًا: ليه! وإيه علاقتك أصلًا بواحد مجرم زي حسن عاشور؟
لإنه ببساطة ابن عمي.

ارتسم الذهول والاندهاش على وجه الجميع، وخاصةً حمزة الذي لم يكف عن التحقيق في قضيته طيلة الفترة الماضية، لذلك وقع قدح الشاي من بين يديه ثم تحدث بانتباه: لأ أنتِ تركزي معايا كدا وتحكيلي كل حاجة من أول ما بدأت لحد اللحظة اللي إحنا فيها دي.

طالعته تسنيم بتردد للحظات، قبل أن تحسم أمرها وتبدأ بقص كل شيء على مسامعهم، تحت ذهول البعض، وصدمة البعض الآخر، لم تجد مفرًا من الإنكار أو المُداراة، وإنما قررت أن تُصرِّح لهم عن كل ما حدث حتى لا يطالها الأذى هي وشقيقتها مُجددًا.

مرت ساعة ولم يتغير أي شيء سوى بأنها تقوم بالحديث وهم يتبادلون معها الأسئلة والحوار وهكذا، وحينما انتهت؛ ارتسمت ابتسامة ماكرة على ثغر مصعب الذي تحدث بخبث: لأ دا كدا فل الفل أوي.
هتعملوا إيه؟

تسائلت بها تسنيم بقلق، لتأتيها الإجابة من حمزة الذي طمأنها بقوله: لأ هنعمل إيه دي بتاعتنا إحنا بقى، المهم أنا مش عايزك تخرجي برا الحارة خالص، وهوصي كام واحد كدا يقفوا على مداخل ومخارج المنطقة عشان يشوفوا مين اللي داخل ومين اللي خارج، وإما نشوف أخرتها مع الباشا.

أومأت له براحة وقد هدأ توترها قليلًا حِيال حديثه، وبعدها حوَّلت أنظارها إلى هارون الذي تحدث بحنوٍ بالغ: مش عايزك تخافي ولا تقلقي، أنتِ هنا زي بنتي وتحت حمايتي، وولادي هما إخواتك لو احتاجتي حاجة متتردديش لحظة إنك تطلبيها منهم.
لمعت عيناها بامتنانٍ بالغ وهي ترد بشكر: حقيقي يا عمو ربنا يخليك، أنا مش عارفة أشكرك إزاي والله العظيم.

خَلي بالك من نفسك هو دا شُكرك ليا، وزي ما قولتلك متتكسفيش مننا إحنا كُلنا عيلتك.
أومأت له مُبتسمة بامتنان، ثم وقفت من مكانها وتحدثت باعتذار: عن إذنك بقى همشي عشان أطمن أختي، سلام عليكم.
عليكم السلام.
اتجهت نحو الصالون فوجدت حنان تسير خلف بدير الذي يُمسِك إحدى الصحون بيده وتقول بسخط: ما هو أنت مش هتخلص على كل أكل البيت وعايزني أسكت، أنا لو بعلف جاموسة كان طِمر فيها الأكل.

تجعد وجهه بوجوم، وما كاد أن يُجيبها حتى لمح تسنيم تقف وتُتابعهم بابتسامة واسعة، اقترب منها وهو يُمسك صحن الطعام مُتجاهلًا والدته التي كادت أن تنفجر منه وعزم عليها بقوله: تعالي كُلي معانا.
كادت أن ترفض، لكنها لاحظت الشيء الغريب الموجود بالصحن، لذلك تسائلت باستغراب: إيه دا؟
أجابها بحماسٍ وبدأ بالشرح لها وكأنه يشرح لها مسألة علمية: دا بلح بالسمنة البلدي.

لاحظ الاستغراب على وجهها، فسارع يقول على عجالة: دا طعمه تُحفة متستغربيش، تعالي جربيه بس.
ورغم شوقها لتعرف مذاقه، إلا أنها رفضت بأدب وهي تقول: لأ شكرًا مش عايزة.
فأصر عليه بقوله المُبالغ: يا شيخة أعدم نظري لو ماكلتيش.
وعقب حديثه شعر بقبضة قوية تُمسك به من تلابيب ثيابه من الخلف، وصوت أبيه يصعد بغلظة: ما أنت فعلًا هتعدمه يا حبيبي.

نظر بدير لأبيه بهلع فحاول أن يشرح له بسرعة: استنى افهمني بالله عليك يا حَج وما تتهور.
انتشل هارون الصحن الذي بيده ثم أعطاه ل تسنيم التي طالعته باستغراب وتحدث قائلًا: خدي يا بنتي الطبق دا ليكِ أنتِ والبنات ومتجيبيهوش غير وهو خلصان.
حاولت الإعتراض، فقاطعها بصرامة: بقولك خُديه وامشي.
وهُنا صاح بدير بصراخ: لأ أنا كنت بعزم عليها بس، دول آخر شوية بلح هنا.

دفعه هارون بضجر وهو يقول باشمئزاز: يا شيخ أنا قِرفت منك، كل ما أشوفك ألاقيك بتاكل يا إما قاعد قدام التليفزيون أو على الكمببوتر، أنت عايز تشلني!
أشاح بدير بيده ودخل إلى غرفته وهو يُتمتم بغضب مُتجاهلًا كل حديثه السابق: عاجبك كدا يعني لما إديتها البلح كله!
قبل ما حدث منذ قليل، تسلل مصعب من خلف أبيه وقرر السير قليلًا، لكن تخفى من أنظار جارته أم بخيت،.

سار براحة بعيدًا عن منزله بخطواتٍ وئيدة بسبب قدمه المُصابة، ظن بأنه سيجد الراحة بعيدًا عن المنزل، لكن أكبر أرق قد تمثٌَل أمامه الآن عندما قابل روان التي اقتربت منه بابتسامة واسعة وسألته بحماس: مصعب باشا عامل إيه؟
أجابها ساخرًا: والله أنا كنت كويس، بعد ما شوفتك بقيت مش أحسن حاجة.
وبضحك ردت عليه قائلة: يارب دايمًا.

وتلك المرة لم يمنع ذاته أكثر من الضحك، بل علت ضحكاته وهو يهز رأسها بيأسٍ عليها، فهي وبالرغم من غبائها، إلا أنها مازالت نقية وبريئة من الداخل، وهذا ما جذبه لها.
خرج من شروده على صوتها المُتحمس حينما قالت بغرور: على فكرة طنط حنان هتعملك الكُربنة اللي أنا جيبتهالك في الزيارة، عشان تعرف إن فضلي وخيري عليك بس.

إلتوى ثُغره بابتسامة مُتهكمة وهو يشكرها: لأ كتَّر خيرك والله، مش عارف من غيرك كنت هاكل إيه! أعتقد كنت هفضل جعان وكحيان مش لاقي آكل.
طالعته روان بتأثر وتحدثت بثقة: لأ متقولش كدا، طول ما أنا معاك مش هخلي نفسك في حاجة.
وتلك المرة غمزها بمشاكسة أخجلتها وهو يهتف: يا ولا يا زعيم!
كست الحُمرة وجهها، فتهربت من نظراته قائلة بعجالة وهي تهتف من أمامه: ن، نسيت الجاموسة على النار، ق. قصدي اللحمة.

هتفت بها ثم هرولت من أمامها تاركة صوت ضحكاته يصعد رغمًا عنه، هدأ قليلًا لكن الابتسامة لم تُفارق شفتاها وقلبه لم يتوقف عن الطرق، ليرفع كفه يُربت على صدره موضع فؤاده وهو يهمس له وكأنه يُحادث شخصًا ما: إهدى كدا أومال! أومال لو مبتحبش واحدة غبية كنت دقيت إزاي؟

استدار للخلف عله يلمحها لكن أثرها كان قد اختفى، لكنه رأى أخيه يعقوب يسير بملامح وجه غير مقروءة ومُتعجبة، وحينما وصل إليه سأله باستغراب: ماشي تكلَّم في نفسك ليه؟
رد عليه يعقوب بقوله: فيه ست ساكنة جنبنا جديد أول ما شافتني فضلت تقولي بسم الله ما شاء الله إيه الرجالة الحلوة، طول بعرض بعضلات وعيون ملونة عسلي وبعد كدا سابتني ومشيت.

ابتلع مصعب ريقه بصعوبة وهو يهمس بحسرة: عيني عليك وعلى شبابك يابني! الله يرحمك يا ضنايا.
ليه هو في إيه؟
تسائل بها بتعجب، ليرد عليه مصعب بالنفي حتى لا يُزيد خوفه: لأ مفيش حاجة، المهم أنت اقرأ المعوذتين وارقي نفسك وكله هيبقى زي الفل.
وبالرغم من عدم فهمه لشيء، إلا أنه أومأ بالإيجاب، فاستمع إلى سؤال شقيقه الجاد بعدها: المهم أنت رايح فين؟

رد عليه يعقوب وهو ينظر لساعة معصمه: رايح أحصَّل البضايع من التُجار، المهم خلي بالك من ذكرى وابقى شوفها لو عايزة حاجة عشان أنا احتمال كبير اتأخر النهاردة.
ربت مصعب على كتفه وهو يقول بثقة: متخافش عليها هي مع إخواتها.
ابتسم له يعقوب بامتنان قبل أن يقول بتوديع: يلا سلام دلوقتي، لا إله إلا الله.
مُحمد رسول الله.

مر اليوم سريعًا وأنزل الليل ستاره، وتجلببت السماء بجلبابٍ كثيفٍ من الظُلمة، وحتى الآن لم يعود يعقوب إلى المنزل!
نظر ذكرى لساعة الحائط لتجدها قد تعدت الثانية عشر ليلًا، تآكل فؤادها قلقًا عليه وحاولت الاتصال عليه مِرارًا وتكرارًا لكن لا إجابة، لذلك حسمت أمرها بالهبوط إلى الأسفل والاستعانة ب هارون.

وفي نفس التوقيت، كان يعقوب يسيرُ في طريقٍ مُظلم يتأفف من انتهاء شحن بطاريته، شعر بحركة غير مُطمئنة في المكان الساكن من حوله، لذلك قرر الإسراع في خطواته حتى يخرج من تلك المنطقة إلى أخرى مُتكدسة بالسكان ليضمن سلامته.

لكن ليس كل ما يتمناه المرء يحدث، فلقد ظهر أمامه شابين ضخمين الجُثة يحملان بين أيديهم سلاح أبيض حاد، حاول الهروب والعودة للخلف حيثما جاء، فوجد آخران يُشبهان اللذان أمامه ويُمسكان بأيديهما آلات حادة ضخمة، ابتلع يعقوب ريقه بقلق وعقله لم يُسعفه في تلك اللحظة للتفكير، لن يستطيع المُقاومة فالكثرة تغلب الشجاعة دائمًا، لذلك. يبدو أنه وقع في ورطة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة