قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر

رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر

جاء النهار مُعلنًا عن بداية جديدة، يومٍ جديد، ومشاعر جديدة تبدأ في النمو.

استيقظ ريان المُتسطح على الأرض بكسل، اعتدل مكانه بروية ليجد غزل تنام مُستندة على الحائط من خلفها، رأى ملامحها المُسترخية بعد يوم مُتعب طويل ليلة أمس، نظر لها مُطولًا، رغم أنها فتاة عادية إلا أنها تُيقظ به العديد والعديد من الشاعر، لا يعلم أهي إعجاب أم ماذا! لم يُنكر شعوره بالإنجذاب تجاهها، ففي النهاية هو رجل، والرجال يعشقون الأنثى القوية، وهي جذبته بقوتها، وحنانها.

تململت غزل لتفتح عيناها ببطئ من أثر ضوء النهار، وجدته يجلس بجانبها ويُطالعها بنظرات شغوفة، عيناه الرُمادية تلتمع من أجلها، مهلًا هل قالت من أجلها!
رسم إبتسامة صغيرة على ثغره، ليهمس بصوت آجش من أثر النعاس: صباح الخير.
ردت عليه بتوتر وخجل: صباح النور.
غمز لها بمشاكسة وخبث، فلقد راقه إرباكها وبشدة: دا صباح القمر والجمال.

خجلت من إطراءه عليها بتلك النبرة الصريحة، لتُخفض عيناها بحرج ولم تُجبه، راقه خجلها ليتنهد بخبث أخجلها أكثر، همست بصوت خفيض للرد عليه: الله يسترك.
تحولت ملامح وجهه إلى الإستنكار مُرددًا: هو دا اللي ربنا قدرك عليه! أنا غلطان.
كتمت ضحكتها بصعوبة، حتى عند غضبه يبدو كالطفل الصغير، ما هذا!

مشوْا كثيرًا حتى وصلوا إلى الطريق الرئيسي، ظل أمامهم الكثير حتى يصلوا إلى وجهتهم، التمعت عيني ريان بحماس عندما وجد بائع غزل البنات أمامه، هز ذراع غزل بتلهف ليقول لها بعدما نظرت له بتعجب: عايز حلاوة شعر من اللي هناك دي.
قالها وهو يُشير تجاه الرجل الذي يبيع حلاوه، لتُردد بتعجب ضاحك: حلاوة شعر!

اتسعت إبتسامته وهو يهز رأسه بنعم، لتغمض عيناها بيأس من طفولته اللذيذة تلك، تحسست جيب بلوزتها الطويلة لتجد به بعض العملات القليلة، ثم ذهبت تجاه البائع وهو خلفها، اشترت خمسة أكياس من غزل البنات، لتُعطي أربعة منهم له، وهي أخذت واحدًا.
نظر لها بضجر وهو يُكشر وجهه لتسأله بريبة: في إيه!
التقط منها الكيس الذي أخذته هي متشدقًا بحدة: دا بتاعي، وبعد كدا متخديش حاجتي من غير إذني، مفهوم!

ثم استبقها بعدة خطوات غاضبة تاركًا إياها تنظر له ببلاهة حقيقية، هي من اشترت تلك الحلوى من الأساس! هل هو أبله أم ماذا!
نظرت له بغيظ ثم ذهبت خلفه بخطوات مُسرعة كي تلحقه، صائحة بصوت عالي حتى يصل لمسامعه: على فكرة أنا اللي شرياها ومن خقي أخدهم كلهم.
جعد وجهه بقرف وكأنها نكرة ثم أردف بإشمئزاز: يلا يا بت من هنا، شحاتة وبجحة كمان! أنا في حياتي مشوفتش وقاحة زي كدا!

تشنج وجهها من إتهامه لها قائلة بصراخ: بقا أنا وقحة! والله أنا مشوفتش برود زيك كدا يا أخي.
الله يسامحك.
أردف بها ببرائة وهو يَهم بإلتهام آخر قطعة من الكيس الذي معه، لتقف أمامه مُدعية الحزن: طب هات دي، أنا حتى مكلتش أي حاجة من إمبارح.
تبًا لمشاعره الحمقاء وطيبته الزائدة، هي باتت تؤثر به وبقوة، لذلك دون تردد أخذ قطعة صغيرة جدًا من حلواه تكادُ لا تُذكر ثم أعطاها لها دون حتى أن يُفكر.

تشنج وجهها بإستنكار، ألتلك الدرجة هو كريم! أيُعقل! ردت له تلك القطعة الصغيرة مرة أخرى ثم سبقته بخطوات غاضبة وهي تُتمتم بغيظ: أما راجل معفن بصحيح! أبقى أنا اللي جيباله الطفح ومش هاين عليه يديني كيس!
أما هو نظر لأثرها بتعجب حاد، أهذا هو خطأه! قرر أن يعطف عليها ويُعطيها جزءً من غزل البنات وبالنهاية ترميها له بل وتغضب منه أيضًا! همس مع نفسه بتعجب: أنا عملت إيه!

جميعُ التضحيات للشخص الخاطئ تُصبح أخطاء، وجميع من حولك يحسبُك منافقًا وانت تُصلح الآراء.
كان أحمد يجلس ويُفكر في ما يمكنه فعله ل تسبيح لينالها، هو يحبها قُضي الأمر، وستكون له حتى لو فعل أكثر الأشياء قذارة، لن تكون لغيره، هي له منذ الصغر، هكذا وسوس له شيطانه.

تعتبره كأخ، وليس من الممكن أن تحسبه كصديق، هي متدينة كثيرًا، وبالنسبة له هي مُعقدة، لم يُحبذها هكذا، تبدو له كأكثر الأمور تعقيدًا، يجب أن يكون حذر في التعامل معها من الآن، وإن لم يحصل على مراده ويجعلها زوجته برغبتها، سيتجه إلى أكثر الطرق إيلامًا، حتى لو كانت ابنة عمه، فكل شئ مسموح في الحب والحرب.
ارتدى ملابس عادية ثم نظر لهاتفه، ف وصال لم تُحدثه منذ أكثر من أسبوع، ماذا حدث لها! هل تأقلمت مع عابد!

ومع ذِكر لسيرة إبن عمه اشتعلت عيناه بالحقد، لطالما كان هو أكثر إحترامًا، تدينًا، أخلاقًا، نجاحًا، ومجهودًا، وأخير! ا كِسبه للمال بطريقة سهلة بالنسبة له، لم ينظر للمجهود الذي يفعله طوال اليوم مع الطُلاب، هو فقط ينظر للنتيجة المُرضية، وهي المال.
طلب رقمها وانتظر لثوانٍ حتى أغلقت الهاتف بوجهه، ليجز على أسنانه بغيظ وهو يتوعد لها تلك المرة، يجب أن يظهر أمامها كي يخبرها بطريقة غير مباشرة بأنه هنا.

هبط الدرج بعد أن خرج من منزله وملامح وجهه عابسة بشدة، لكن ارتخت عندما وجدها هي، تسبيح بثوبها الواسع الفضفاض وخمارها الطويل، كانت آية من الجمال والبراءة، وقف أمامها بإبتسامة واسعة مردفًا: ازيك يا تسبيح!
حاولت التغاضي عن اسلوبه المرة المُسبقة، لتُجيبه بهدوء مُتحاشية النظر إليه لتجنب المعاصي: الحمد لله يا أحمد.
حاول خلق أي أسلوب للحديث، لذلك تسائل: كنتِ فين!

أشارت للمشتريات التي ابتاعتها مُجيبة إياه: كنت بشتري شوية حاجات لماما.
كاد أن يتحدث لكنها قاطعته بإحترام: مش هينفع وقفتنا دي، عن إنك هدخل شقتنا.
وبالفعل تركته يقف مُسددًا لها نظرة نارية لم تلحظها هي بسبب غضها لبصرها عنه، استأذنت منه بإحترام لغلق باب المنزل، ثم دلفت للداخل، كانت منزعجة منه بشدة، هي بالأساس لم ترتاح له ابدًا، بسبب تلك الأفعال التي كان يُحرضها على فعلها قبل توبتها.

نعم، وهل كنتم تظنون بأن تسبيح ولدت بثوب الإحتشام هذا! بلى عزيزي القارئ، بل كان يُضرب بها المثل في قلة الحياء والخجل، لم تترك فعلًا شنيعًا إلا وقد فعلته، وشاء الله بأن يحجب عن عيناها تلك الغشاوة لترى أفعالها الشنعاء «سنذكرها لاحقًا»، ومن بعدها قررت التوبة والإلتزام وخلع ثوب المعاصي، ومن بعدها أصبحت تسبيح مثالًا للفتاة ذات الأخلاق الرفيعة.

هذا هو اليوم السابع للعمل معه هنا، وفي كل يوم تأتي وتجلس نفس الجلسة هكذا، نفخت وصال بغيظ ناظرة حولها بتأفف، بات الوضع مُزعج لها، فكرت مرارًا في أخذ النقود والهرب بعيدًا، لكن هناك شئٌ يمنعها، وما زاد الطينُ بَلة هو أخذه لمفاتيح الدرج الموجود به النقود، لذلك بات يصعب عليها حتى أخذ المال.

دخل عليها بكامل أناقته وهو يرتدي بنطالًا أسود من الجينز، وقميصًا من اللون السماوي، لكن ما أثار حفيظتها وودت لو تنفخر من الضحك؛ هو ذلك النعل الذي يرتديه في قدمه، وللحقيقة لم تمنع نفسها من ذلك، بل قهقهت ضاحكةً تاركة إياه ينظر لها بذهول وإستنكار.
بتضحكِ على إيه!
تحدثت من بين ضحكاتها بصوت متقطع: بقا الشياكة دي كلها وفي الآخر تلبس شبشب!

أكملت ضحكاتها المرتفعة ليُحدجها هو بغضب مُردفًا بسخط: طيب تصدقي بالله! خسارة فيكِ الخبر اللي أنا جايبهولك.
أثارت كلماته حفيظتها لتصمت بسرعة ثم نظرت له بإنتباه متشدقة: خبر إيه!
ادَّعى الغضب فصمت ولم يُجيبها، فألحت عليه بالسؤال وتلقائيًا أمسكت بيده: عشان خاطري قول خبر إيه!
نفض يديه عنها مُسرعًا ثم استغفر ربه بصوت خفيض وصل إليها: استغفر الله العظيم.
جرباء هي أم ماذا! هكذا حدثت نفسها بغل وضيق.

لتجده هو يتحدث مُتحاشيًا النظر لها: بما إني لقيت إنك ملكيش لازمة وقاعدة زي قرد قطع كدا، قررت إنك تبدأي تدي دروس للأطفال الصغيرة وأهو بالمرة أستفيد منك!
أهذه طريقته المهذبة في الحديث! كادت أن تتحدث بغضب لكنه تركها وهرول بإرتباك نحو الداخل، لا يعلم ما تلك المشاعر التي تلبسته عندما أمسكت بيده! ماذا سيحدث إن أمسكت بوجهه! أو ربما قبلته!

استغفر مجددًا بصوت عالٍ ليُبعد وسوسة الشيطان تلك عن عقله، ثم نهر ذاته: استغفر الله العظيم، إيه هخيب ولا إيه!
بينما هي فكرت في عرضه، ولحدٌ ما نال إعجابها وبشدة، لذلك قررت أن تُبلغه بموافقتها عن الخروج لها مرة أخرى.

استد بكر على المقعد الذي خلفه يُفكر في حديثه ابنته إهداء عن طرد خطيبها مُهاب، هو بالأصل لم يكن موافقًا على خطبتها في ذلك السن الصغير بالنسبة له، لكنه وافق تحت إلحاحها الغير مبرر، تنهد مطولًا منتظرًا شهاب للقدوم، فقد اتصل به منذ قليل عندما علم بأنه على علم ودراية بكل شئ.

طرق على الباب اصحبه دخول شهاب بملامح وجه مُتبسمة كما في العادة، لطالما كان هو مصدر للضحك في هذا المنزل الكبير، تمتم بخفة وهو يُشير للمقعد: اقعد يابني.
جلس شهاب منصتًا بإنتباه لعمه: خير يا عمي! فيه حاجة حصلت!
هز بكر رأسه بالنفي قائلًا: أنا عايزك في كلمتين على طول، مهاب اتطرد من شغله ليه!
تصنع الجهل مُردفًا بطيبة زائدة استنكرها بكر: وأنا هعرف منين يا عمي!
يا ولا دا أنا اللي مربيك يا سهُنة.

ضحك شهاب يملئ فاهه، هو يعلم بأن ألاعيبه لن تنطلي على عمه، لذلك أردف بجدية: مُتهم هو وبعض الموظفيين صحابه بقضية إختلاس من الشركة اللي شغال فيها.
صُدم بكر بشدة من حديثه، فهو رغم رفضه له إلا أن مُهاب كان يُظهر لهم الإحترام، أو عفوًا كما يدَّعي! ردد خلفه بعدم تصديق: إختلاس!

أكد له شهاب حديثه، ثم استطرد حديثه قائلًا بصرامة: وبصراحة إحنا مش هنآمن لبنتنا إنها تكمل حياتها مع واحد حرامي زي دا! آااه أحنا من عيلة محافظة ومش هنسيب بنتنا تضيع.
حامت نظرات المكر بعين الآخر، ثم ربت على قدمه ببرود مستطردًا حديثه: آه عايز تبوظ الجوازة زي ما حاولت تبوظها الشهر اللي فات صح!
سعل شهاب وهو يتجرع الماء، ثم أردف بتوتر: ها! أبوظ الجوازة!

مالك مستغرب كدا ليه! فِكرك إن مهاب مجاش يشتكي منك! وأنا اللي سكت لإني عارفك كويس وعارف إنت كنت بتفكر في إيه!
وُضع شهاب في موقف حَرج للغاية، يبدو أنه كُشِف وانتهى الأمر، تلعثم في الحديث وتلك المرة ظهر ذلك على وجهه: ق. قصدك إيه يا عمي!
مش قصدي حاجة يا روح عمك، روح شوف مصالحك وذاكر بدل ما تعيد السنة، والمرة دي لا هتطول لا سما ولا أرض.

وكأنه كان في قفص وتحرر منه الآن، ليهرول من أمام بكر مُسرعًا وضربات قلبه تزداد في الخفقان، هل يعلم عمه حبه ل إهداء! أم أنه يلعب على وتره الحساس فقط لا أكثر!
وحين خروجه وجد إهداء تجلس على الأريكة وتُشاهد المسلسل التركي الذي تعشقه، ودون أن يدري وتلقائيًا تمتم ببلاهة: غزال والله، غزال وطايح في قلبي.

استمعت لصوته من خلفها، فإعتدلت بفزع، فكاد أن يتحدث مرة أخرى، فوجد كف بكر يلتصق بعنقه من الخلف، متشدقًا بحدة: مش قولتلك اطلع لأبوك يا بغل!
تلعثم قائلًا: أصل. أصل. أصل.
علي فوق.
صرخ بها بكر ليهرول شهاب مسرعًا للأعلي وهو يكادُ يبكي من حظه العثر الذي يمنعه عنها، تلك الجميلة الشرسة التي ستُصبح يومًا ما، زوجته!

اتصال أعقبه آخر حتى وصلوا إلى مقر الشركة الكبيرة، نظروا لها بدهشة وأعين مُنبهرة، فقد كانت كبيرة وفارهة بشدة، شركة سليم المنشاوي، الرجل الأقذر على الإطلاق، قابل كُلًا من ريان و غزل رجل مجهول الهوية، أعطاهم بعض الحقائب ثم ذهب بهدوء مثلما جاء.
نظرت غزل ل ريان ببلاهة ثم قالت بتعجب وهي تُفتش في تلك الحقائب: إيه الهدوم دي! هنعمل بيها إيه!

وقفوا بعيدًا عن الأنظار قليلًا، ليأخذ ريان حقيبة أخري ويرى محتوياتها، وجد بها هاتف صغير ورُزمة من النقود وبجانبهم حجز لغرفة في فندق مُعين! تحدث بتعجب كبير: ليه الحاجات دي كلها.
وما كاد أن يسأل المزيد من الأسئلة حتى وجد الهاتف يصدر رنينًا مرتفعًا، ورقم غير مسجل، أجاب بحيرة: ألو!
أجاب الطرف الآخر وبهدوء وثقة: معاك منير المنشاوي.

قطب ريان جبينه بغضب ثم تحدث بحدة: احنا متفقناش على كدا، احنا اتفقنا إننا هنتقابل مش هنتكلم في التليفونات!
وبهدوء أشد أجابه منير مُتنهدًا براحة: دلوقتي مش هينفع تدخلوا، الأمن موجودين في كل مكان، هتاخدوا التذاكر دي وهتلاقوا حجز موجود بإسم منير المنشاوي قضوا فيه اليوم وبليل الساعة عشرة هتلاقيني برن عليك، جهز نفسك على الميعاد دا.

أغلق ريان الهاتف بحنق، ثم نظر ل غزل التي توجه له النظرات الفضولية، ليبدأ بقص كل ما أخبره إياه الآخر، مطت شفتيها بتعجب ثم أردفت بريبة: أنا خايفة، حاسة إن فيه حاجة غلط في الموضوع.
أكد لها إحساسها ثم ضغط بأسنانه على شفتيه مردفًا: وأنا كمان، بس مقدمناش غير الحل دا، هنستنى لحد بليل ونشوف كدا.
أومأت له بهدوء ثم اتجهت معه ناحية الفندق المذكور ليقضوا به يومهم الغامض.

دخله براحة عشان محدش ياخد باله.
كانت تلك الكلمات تصعد من فم لوچي التي كانت توجه حديثها ل مدثر لإدخال ذلك القط الصغير لداخل المنزل.
أدخل مدثر القط وهو ينظر حوله بحذر، خاف أن يُكشف أمرهم فيكونان مُعرضان للعقاب من قِبل كبار العائلة، دلفوا للغرفة ببطئ ثم أغلقوا الباب متنهدين براحة، آه لو تعلم العائلة بما فعلاه لربما يقتلوهم أو يبيعوهم في سوق الرقيق.

هذان الطفلان، أو عذرًا ليسوا بأطفال إطلاقًا، بل هؤلاء الشياطين قاما بسرقة قطة جيرانهم بعد أن رأوها، أحبت لوچي تلك القطة كثيرًا وودت بإمتلاك مثلها، لذلك وبدون تفكير أخذها مدثر ليُعطيها إياها كهدية، أو بمعنى أصح سرقها.
جلسا على الأريكة ثم افتتحا قناة الكرتون التي يحبونها، لينسجما في المشاهدة، ولحسن حظهم التقطت عقولهم بعض كلمات ومعاني اللغة العربية الفصحى، ليبدءا في التحدث بها.

ابتسم مدثر إبتسامة خبيثة ل لوچي ثم احتضنها مردفًا: نجحت الخطة يا فتاة.
ابتسمت لوچي بسعادة وهي تُبادله العناق: نعم يا أخي، لقد نجحت الخطة.
قررا أن يُكملا اليوم وهم يتحدثان الفصحى، مُتأثرين بقناة سبيستون التي تعرض الكرتون.
جعد مدثر جبينه بغضب ثم أردف بحدة: أخي! ما هذا الهراء يا فتاة! أنا زوجك يا معتوهة القلب والنظر!

أسبلت عيناها بحرج واحمرت وجنتاها خجلًا، ثم تمتمت بصوت خافت: حسنًا، انت زوجي لا تغضب عزيزي.
ربَّع يداه بغضب طفولي ثم نظر للناحية الأخرى دون أن يُجيبها، أحست بالندم الشديد يتخللها رغم صغر سنها، لذلك وقفت أمامه مردفة بإعتذار: لا تكن قاسيًا يا «دوسي»، انت تعلم بأني أحبك لا داعي للغضب.

وللمرة الثانية لم يُجيبها، فتشكلت طبقة رقيقة من الدموع على عيناها وبكت، لم يستطيع أن يكون قاسيًا لتلك الدرجة، لذلك أحتضنها برقة ثم ربت على خصلات شعرها الناعمة: حسنًا لا تبكِ، تعلمين أنني أحبكِ يا لُبابة القلب.
مسحت دموعها ثم ضحكت بخجل؛ ليقرصها من وجنتاها قائلًا بمشاكسة: ها قد سطعت الشمس مجددًا عند رؤيتي لإبتسامتكِ عزيزتي.

كل هذا كان أمام أعين كلًا من فارس و زهر اللذان أتيا منذ بداية الحديث، نكزت زهر زوجها في جانبه، ليتأوه بصوت مكتوم ثم سألته بغضب: انت عمرك جيتلي وقولتلي يا لبابة القلب! انت مش بني آدم على فكرة.
قالت جملتها ثم نظرت له بحدة قبل أن تذهب من أمامه بغضب، أما هو فقد نظر لأثرها بدهشة، أهذا كل ما همها بالأمر! ألا يهمها إبنتها الفاسقة التي تحتضن مدثر الآن! بل وتلومه أيضًا!

اشتعل الغضب في رأسه ثم ذهب تجاه مدثر ويُمسكه من ياقة ملابسه رافعًا إياه أمام وجهه: بتعمل إيه هنا يلا!
شهقت لوچي بصدمة وكأنه أمسكها في وضع مُخِل بالجُرم المشهود، قائلة بعدم تصديق: بابي!
صرخ بها فارس بحدة ثم أشار لها للخارج: روحي لأمك لحد ما أجي أربيكِ يا روح أبوكِ.
استنكر مدثر وهو يُرفص بقدمه في الهواء: لو سمحت يا عمي متزعقش لمراتي، أنا مسمحلكش!

اقترب منه فارس ليهمس بجانب أذنه بخطورة: انت لو مسكتش هقتلك وهقطعك حِتت حِتت، وهعبيك في أكياس سودة، وارميك للكلاب، انت سامع ولا لأ.
ابتلع مدثر ريقه بريبة حتى كاد أن يتبول على نفسه، ليقول بتلعثم وحدة ل لوچي: لما عمو فارس يقولك كلمة تسمعيها انتِ فاهمة!
ضربه على مؤخرة عنقه ناهرًا إياه: متزعقش لبنتي أنا بس اللي أزعقلها.

هز مدثر رأسه مسرعًا، وما كاد فارس أن يتحدث حتى استمع لمواء قط يأتي من جانبه، شهق بصدمة عند رؤيته لذلك القط لينظر إليهم بإتهام: مين جاب القطة دي هنا.
أشار مدثر بسرعة ناحية لوچي مُلقيًا عليها الذنب بأكمله: لوچي هي اللي حابت القطة وسرقتها من عند الجيرات وقالتلي مقولش لحد عشان جدو مش يزعقلها، وأنا فضلت أزعقلها وأقولها بلاش بس هي مش سمعت كلامي.

فتحت لوچي عيناها على آخرهما بعدم تصديق ثم أشارت له وهي على وشك البكاء: والله يا بابي ما أنا، دا هو.
أشار لها فارس بصرامة للخروج صارخًا بها: روحي لأمك.
وبمجرد ما أنهى حديثه وجدها تهرع من أمامه بخوف مُتجهة لغرفة والدها، أما هو فقد نظر ل مدثر هامسًا له بهسيس مرعب: لو شوفتك مقرب لبنتي تاني انت حر، سامع!

هز رأسه دون جدال، فأنزله فارس على الأرض ليهرول من أمامه، ويخرج من المنزل بأكمله، بينما وقف فارس ينظر لأثره وللغرفة القاطنة بها زوجته بسخط مُتذكرًا حديثها الحانق منذ قليل عن قوله لا يقول لها يا «لبابة القلب»، همس داخله بإستنكار: بقا مدثر جاي يقطع عليا أنا!
أنهى حديثه ثم اتجه ناحية غرفته لمصالحة زوجته الغاضبة وتربية ابنته الفاسقة من جديد.

حلَّ المساء ليستيقظ كلا من ريان وغزل من غفوتهم القصيرة التي نالوها عند ذهابهم للفندق، تجهزا للذهاب لمقر الشركة بالتواصل مع منير الشناوي، تنهدا بإرهاق شديد، فها هم اليوم سيبدآن بالبحث عن دليل برائتهم.
جاءت رسالة نصية قصيرة على الهاتف، ليقرأها ريان بصوت عالٍ: «تعالى على العنوان دا هتلاقيني مستنيك، الشقة اللي في الدور التاني»، (منير المنشاوي).

هاجت غزل صارخة بغضب: يعني إيه! هو بيلعب بينا!
شد ريان على خصلاته بقوة، هم في وضع حرج الآن، ومع وسط صراخها ثارت تائرته صارخًا بها هو الآخر: يعني أنا كان في إيدي إيه وأنا اعمله! ما أنا قدامك أهو بحاول أدور وبعمل اللي أقدر عليه، أعمل إيه تاني!

جلست مكانها شاعرة بالضيق يطبق على أنفاسها، تسللت الدموع إلى عيناها، ومن ثم سقطت من مقليتها لتبدأ الهطول بالتتابع، حكَّ جبينه بغضب، موقفهم صعب وهو يعلم ذلك، لكن ما الذي يجب عليه فعله، هو يقوم بأقصى ما لديه لأثبات برائتهم.

جلس بجانبها ثم أمسك بيدها لتنظر له بوجه باكٍ حزين، تمتم بحزن: أنا أسف، مكانش قصدي أتعصب عليكِ، بس أنا بني آدم وبيجي عليا وقت بكون عايز أصب غضبي على حد، والحد دا كان انتِ، حقك عليا متزعليش.
هزت رأسها وهي تمسح دموعها مردفة بصوت خافت: أنا مش زعلانة منك، عارفة إنك مكنتش قاصد، أنا بس زعلانة على الوضع اللي وقعنا فيه سوا، خايفة بعد دا كله تعبنا ميجيش بفايدة.

تردد كثيرًا لفعلها، لكنه حسم أمره وامتدت يده لإزاحة دمعاتها، ثم أردف بصوت خافت يملؤه الطمأنينة: اتفائلي خير، ربنا كبير ومش هيسيبنا مظلومين كتير، براءتنا هتظهر بشكل أو بتاني، خليكِ واثقة في دا.

حديثه طمأنها كثيرًا، ريان هو الجزء اللطيف في محنتها، تارةً تشعر بأنه طفل يحتاج لمن يرعاه، وتارةً أخرى تشعر بأنه رجل يسهل الإعتماد عليه، وهذا المزيج يجذبها تجاهه، والأكثر هو حنانه، ابتسمت له متمتمة بهمس: شكرًا.

ابتسامة لطيفة تشكلت على ثغره، ليُحثها بالنهوض للذهاب حيث ما ينوون، خرجا من الفندق بثياب مختلفة، ونظرًا لأنهم في فصل الشتاء، ارتدا قبعات الملابس لتُخفي ملامح وجوههم، أوقفا سيارة تاكسي ثم صعدا بها ممليين على السائق العنوان المطلوب.

بعد نصف ساعة، وصلت السيارة إلى وجهتها، ليُعطي ريان للسائق النقود المطلوبة ثم وقفا أمام البناية الشاهقة، لوهلة أحست غزل بإنقباضة في قلبها، لكن إمساك ريان بيدها وتسديد نظرة حنونة واثقة لها بددت كل ذلك.
صعدا درجات السلم بهدوء وريبة، ووقفا عند الدور الثاني، وجدا الباب مفتوحًا، يبدو أن منير الشناوي في إنتظارهم، فتحوا الباب على آخره ثم دلفوا للصالون لتتجمد أقدامهم من هول ما رأوه.

منير المنشاوي يسقط صريعًا على الأرض غارقًا في دمائه، وهناك بعض الأوراق متناثرة من حوله، ثوانٍ واستمعوا لصوت صافر الشرطة تنطلق في الأنحاء، يبدو أن النهاية اقتربت!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة