رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني عشر
تجلس في مكانها بضجر منذ أن أتت إلى هنا، ترى الطلاب في دخول وخروج ومستمر، وهي تجلس كأنها نكرة، نفخت وصال بغيظ ثم نظرت حولها علها تجد شيئًا لتسليتها، لكن في نهاية المطاف لم تجد سوى السكون، فالمكان مُفرع من حولها إلا من ذلك المكتب البالي والذي يحتوي على الكثير من النقود، قطع هدوءها صوت هاتفها، لتُجيب بفتور عندما رأت أن المتصل لم يكن سوى أحمد: ألو يا أحمد! خير!
أتاها صوته الآجش عبر الهاتف مردفًا: عملتي إيه!
أجابته بعصبية عند تذكرها ما حدث منذ قليل: معملتش حاجة يا أحمد، لسه هاخد كام ملطوش من الفلوس الكتير اللي كانت في الدرج لقيته جاي عليا وخد كُل الفلوس ووداها البيت ورِجع تاني.
سبة نابية صعدت من ثغره أدت إلى نفورها من حديثه المقرف، لتستمع له يُكمل حديثه: حاولي بأي شكل يا وصال نخلص من اللعبة دي، عابد ابن عمي لو عرف اللي فيها ممكن يودينا في داهية احنا الإثتنين.
لم تتوتر أو تتلعثم فقد مرت بكثير من تجارب الإحتيال كتلك، لذا كان مُعتادة على الأمر، أجابته ببرود: هحاول وأشوف يا أحمد.
سمعت صوته المتعصب وهو يهدر بها: يعني إيه تحاولي وتش...
وقبل أن يُكمل حديثه أغلقت الهاتف بوجهه مردفة بضجر: هي ناقصة قرفك على المِسا!
جلست عدة دقائق أخري تحاول إشغال نفسها بأي شئ، وجدت امرأة في أواخر الأربعينات تدخل عليها، ذات جسد سمين بعض الشئ وملامحها تكسوها الإنكسار، سألتها وصال بتعجب عن هويتها: انتِ مين يا حاجة!
همست لها تلك السيدة بصوت خافت حزين: لمؤاخذة يا بنتي. أنا عايزة أقابل الأستاذ عابد.
بس هو عنده مجموعة دلوقتي يا حاجة، ممكن تستني عشر دقايق هنا وهو قرب يخلص.
أومأت لها دون أن تتفوه ببنت شفة ثم جلست على المقعد الفارغ بقلة حيلة، تابعت وصال يأسها بتعجب، ينتابها الفضول لمعرفة ما جعلها بذلك الحزن البادي للعِيان، كانت السيدة تهمس ببعض الكلمات التي لم تفهمها وصال، لكنها التقتطت منها جملة واحدة ظلت تُكررها عدة مرات جعلت جسدها يقشعر منها خوفًا ورهبة: حسبي الله ونعم الوكيل في الظالم، حسبي الله ونعم الوكيل في الظالم.
كان لأثر حديثها ردة فعل مبالغة في جسد وصال، أحست بأطرافها ترتعش وجسدها بات باردًا، لا تعلم ما الذي أصابها، لكنها تتيقن من صدق إستجابة دعواتها.
مرت دقائق قليلة خرج بعدها الطلاب وهم يتحدثون بأصوات عالية، منهم مَن يتشاجر ومنهم مَن يضحك، ومنهم مَن يتحدث بصوت عالٍ، ليخرج بعدهم عابد الذي ما إن لمح تلك السيدة حتى ذهب إليها مبتسمًا بخفة: إزيك يا أم محمد.
نهضت من مكانها لتقف أمامه مباشرةً، مردفة بصوت خفيض: بخير يا ابني والحمد لله.
لاحظ عابد تلك الحالة الحزينة التي بها فظن بأن لديها بعض المشاكل بالمنزل كعادة أي منزل لذلك لم يُعقب، تشدق بعتاب موجه إليها: بس أنا زعلان وليا حق عندك يا أم محمد.
نظرت له بلهفة وهي تُجيبه: يقطعني، زعلان من إيه بس يا أستاذ.
يعني يرضيكِ محمد بقاله كام يوم مش بيجي الدرس ولما ابعتله مع حد ميردش عليا!
أخفضت رأسها للأسفل بحرج، لا تعلم بما تُجيبه فهذا هو ما جلبها من الأساس، مدت يدها ببعض النقود ناظرة له بأسى: ما هو دا الموضوع اللي جيالك عشانه يا أستاذ عابد، اتفضل دي فلوس الشهر اللي فات واعذرنا لو كُنا اتأخرنا في دفعها، بس انت عارف الظروف، و، وبالنسبة ل محمد فهو مش هيجي تاني لأن ظروفنا متسمحش لينا ندفع فلوس الدروس دي كلها.
أشفق عليها ولكن لم يُعقب، هو لا يحب أن يُشعر من أمامه بأنه قليل حتى لو عن طريق الخطأ، رمقها عابد بنظرة معاتبة، ثم أبعد النقود من أمامه، قائلًا بصرامة مصطنعة: خلي فلوسك معاكِ يا حاجة وابعتيلي ابنك المرة الجاية بدل ما أجي أنا أجيبه من قفاه، واعتبري محمد زي أخويا الصغير ومش هاخد منه فلوس.
نفت تلك الفكرة برأسها: لأ يا أستاذ عابد احنا مبنشحتش، أنا مش عايزة حظ يعطف عليا ولا على ولادي.
حاول بشتى الطرق إقناعها بحديثه محاولًا الضغط عليها: ياستي مين قالك إني هعطف عليكي، اعتبريه دين عليكِ ولما محمد يشرفنا ويبقي دكتور هروح أكشف عنده ببلاش، وأنا واحد مستغل.
نظرت له بإمتنان حقيقي، تعلم ألاعيبه ليجعلها توافق على طلبه، ومع إصراره وافقت، لتقول بنبرة مليئة بالحب: روح يابني ربنا يباركلك، ربنا ما يوقعك في ضيقة ويرزقك بولاد الحلال.
شكرها بود حقيقي فهو يحتاج لتلك الدعوات خاصةً تلك الأيام، ذهبت من أمامه وهي تُمطره بسيل من الدعوات المحببة لقلبه والتي تُشرح فراده فرحًا.
كانت وصال تتابع الموقف وعقلها شارد، شتان المعاملة بينها وبينه، هو يُخرج الأموال في سبيل الله، وبالمقابل هي تنتوي بالنصب عليه، ولأول مرة تعقد مقارنة بينها وبين ضحيتها، عقلها مشتت الآن، وتعابيرها باتت غير مفهومة، أتُكمل ما انتوت فعله لآخره! أم تعود لرشدها! في الحقيقة هي لا تعلم.
حانت إلتفاتة من عابد ل وصال الشاردة به، ولا إراديًا جذبته عيناها اللامعة مرة أخري، تمتم مع نفسه بضيق بصوت وصل لمسامعها: أستغفر الله العظيم.
اشتعل رأسها غضبًا منه، فكلما يراها يستغفر ربه وكأنها شيطان لا يُطاق، لا تعلم بأنه يفعل ذلك لتجنب وسوسة الشيطان، ومنعًا لإرتكاب المعاصي، انتهى دوامها هذا اليوم، لتُمسك بحقيبتها بغضب متجهة للخارج بخطوات سريعة.
نظر لأثرها بتعجب هامسًا: مالها دي!
تقذفنا الحياة من شاطئ للآخر، لتلتقطني أمواج البحر بمآساتي، لتظل عالقة كالغراء، فيعجز عن محوها، وأعجز أنا عن نسيانها، فلم يكن عليّ سوى أن أرضى بواقعي وأجد من يمكنه إزالة آثار ألامي.
تجهز كلًا من ريان و غزل لكشف الحقيقة وإظهار برئتهم، سار الإثنين بهدوء مريب ليس من عادتهم، كلًا منهم يفكر بما يمكنه فعله، فهم بين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم هاربين من العدالة بتهمة لم يرتكبوها، تغربوا وابتعدوا وهربوا حتى تسنح لهم الفرصة لكشف الحقيقة، تخطوا مسافة كبيرة حتى وصلوا إلى المدينة، وأمامهم كان يوجد قصر سليم المنشاوي، سبب كل هذا العناء، اشتعلت أعينهم وأصروا أكثر على الإنتقام، نظر ريان ل غزل بملامح مُبهمة ثم أردف بغموض: سليم المنشاوي هدف مش سهل، مسنود من ناي كبيرة أوي، ناس حيتان بتقتل من غير رحمة، كل خطوة هناخدها لازم نكون واخدين حظرنا، هنحط أسوأ الإحتمالات قدامنا، واللي هي إننا في أي لحظة ممكن نتقفش ونتقتل.
كان هيبة الموقف مسيطرة على غزل، نعم هي تدَّعي القوة لكن بالنهاية هي أنثي تخاف وتخشى، هي ليست ضعيفة، لكن إحتمال موتها تبث بداخلها الرعب الشديد، ابتلعت ريقها بتوتر بعدما استمعت لحديث ريان، ثم همست بخفوت: إيه! نموت!
استشعر ريان من نبرة صوتها الخوف، وهذا طبيعي في موقفهم هذا، فإن لم يستبسلوا ويدافعوا عن حقوقهم لن يكون هناك سوى خيارين لا ثالث لهم: إما أن يظلوا طوال حياتهم هاربين، أو سيقضوا الباقي من عمرهم داخل جدران السجون المتعفنة، التفتت لها ثم طالعها بحنان، تلك النظرات التي يرميها إليها تُشعرها بالحنان، ثم تحدث وإبتسامة رقيقة تتشكل على ثغره: متخافيش، طول ما أنا معاكِ مش عايزك تقلقي، لو حصل أي حاجة أنا ممكن أفديكِ بروحي.
حدجته بنظرات ممتنة ثم سألته بوجل: ليه!
أجابها ومازالت تلك الإبتسامة الحنونة تتشكل على ثغره رغم نبرة الحزن التي غلفت حديثه: عشان هعمل اللي معملتوش زمان، لما كانت مراتي قدام مني والعربية خبطتها قدام عيني وأنا واقف مش قادر أعمل حاجة.
التمعت عينيها بالدموع تأثرًا، شكرته ممتنة وهي تُحدق به بنظرات جهلتها: أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا ريان، واحد غيرك كان ممكن يسيبني ويمشي ويقول نفسي، بس انت معملتش كدا، انت فعلًا راجل اللي من حق ابنك ومراتك الله يرحمها يفتخروا بيك.
كلماتها البسيطة والتلقائية أدخلت السرور على قلبه، فرِح ك طفل صغير استمع لمدح والده به، وهكذا كان هو، قلبه برئ ونقي رغم خبثه كرجل ناضج ماكر.
كاد أن يُجيبها فتوقف عن الحديث لرؤيته لسيارة سليم المنشاوي تخرج من يلته ومتجهة ناحيتهم، فتح عيناه بصدمة ظنًا بأنهم كُشفوا، أمسك بيد غزل مسرعًا ثم اختبئا في ركن هادئ وضيق بعيدًا عن أنظار المارة، انقبض قلب غزل لتُغمض عيناها بفزع مُنتظرة مصيرها، لكن ما حدث كان عكس توقعاتهم، فقد مرت السيارة من جانبهم دون أن تقف، تنفس ريان الصعداء هامسًا بإرتياح: الحمد لله. مشفناش.
تفحص وجهها بذلك القُرب المُهلك لكليهما، نظر ريان لملامح وجهها الهادئة بإسترخاء، وتلك هي المرة الأولي التي ينظر بها لتفاصيلها عند مسافة لا تتعدى السنتيمترات، وهي كذلك، عيناه كانت جذابة خلابة تدفعها للنظر بها أكثر.
وعى ريان لوضعهم الحرِج لتعود تلك الإبتسامة العابثة تتشكل على ثغره، كم يستمتع برؤية غضبها لمداراة خجلها، لاحظت هي تلك الإبتسامة اللي تمقتها، لتبتعد عنه وهي تُحدجه بحدة وكأنها تقرأ ما يدور بدهاليز عقله.
ابتعد عنه بخطوات عصيبة ليضحك بملئ فاهه على حنقها، هو برئ لم يفعل شئ، لما كل هذا الغضب إذًا!
استدارت له لترفع سبابتها بوجهه مُحذرة إياه بتعنيف: مفيش حاجة تضحك على فكرة، وانت. انت قليل الأدب.
توقف عن الضحك ليُشير لنفسه بصدمة وعدم تصديق: أنا قليل الأدب! دا أنا أهلي كانوا بيخلوني أصلي بيهم وأبقى الإمام.
رفعت حاجبها بإستنكار وكأنها تقول له حقًا! ليؤكد لها وهو يهز رأسه ببراءة: إيه مش مصدقاني!
هزت رأسها بالنفي، لتتحول ملامحه فجأة للبرود مجيبًا إياها وهو يسبقها بعدة خطوات: معاكِ حق، يلا بينا.
نظرت لأثره بدهشة حقيقية من تحوله المُفاجئ، بالطبع هو يُعاني من إنفصام الشخصية وما شابه، تمتمت لنفسها بهمس قبل أن تلحقه: دا عبيط دا ولا إيه!
بعدما أنهى أحمد حديثه مع ووصال ثار وماج بسبب تجاهلها له، هبط على الدرج بخطوات سريعة، لكنه توقف فجأة عندما كاد أن يصطدم بشخص ما، ازدادت وتيرة أنفاسه وعلت نبضات فؤاده عندما رأى تسبيح، محبوبته النقية الجميلة، خفت غضبه، وتفتت عصبيته لظهورها، تشكلت بسمة عفوية على ثغره عند رؤيتها بهذا المظهر الجذاب، كانت ترتدي ثوب واسع يغطي جميع جسدها من اللون الأزرق، وخمار يصل لخصرها من اللون الأبيض، ابتسمت له بمجاملة عند رؤيته قائلة برقة كادت تقتله: ازيك يا أحمد!
ولا إراديًا أجابها بوله: بقيت أحسن لما شوفتك.
سيطر عليها الخجل وحمحمت بحرج من إجابته الوقحة بالنسبة لها، اصطنعت الإبتسام قبل أن تهم بالذهاب: يارب دايمًا، عن إذنك هطلع أنا بقا.
سد عليها الطريق بلهفة مانعًا إياها من الصعود وتركه وحده يُعاني من إبتعادها مرة أخري، نظرت له بتعجب وبعض من العصبية، ليُبرر لها موقفه سريعًا: ليه ما تستني، احنا بقالنا كتير مقعدناش مع بعض.
انمحت تلك الإبتسامة التي يُحبهها من على وجهها، ليحل محلها الصرامة، قطبت جبينها وهي تُجيبه بجدية مُتحاشية النظر إليه: مينفعش يابن عمي، انت من محارمي ومينفعش اقعد معاك لوحدي.
في إيه يا تسبيح!
صعد ذلك السؤال من فم عابد الذي أتى من الخارج للتو، ليدلف بخطوات بطيئة وهو يُحدج أحمد بنظرات مُتفحصة، لتُجيبه شقيقته بهدوء: مفيش حاجة يا عابد، أحمد ابن عمي كان بيسلم عليا مش أكتر وهطلع دلوقتي.
لم يُوجه عابد أي حديث لإبن عمه لعلمه بغيرته الشديدة منه منذ الصغر، أمسك بيد أخته ثم رمى نظرة أخيرة تجاه أحمد الذي يُطالعه بغضب يُحاول أن يُخفيه بقدر الإمكان: عن إنك يابو حميد.
أفسح له أحمد الطريق، ليمر من جانبه عابد وشقيقته التي رمقته بنظرات غاضبة محتقرة، تألم من ذلك متوعدًا داخله أكثر بأنها لن تكون سوا له هو.
اقترب كُلًا من ريان و غزل من القصر المُلغم بالحراس، وقبل أن يبدأوا مهمتهم ذهبوا لشراء الماسكات التي سُتغطي وجوههم مانعة أي شخص من رؤية وجوههم في حال إن كُشف أمرهم، مشوا عدة خطوات تجاه القصر يُراقبون حركات المارة من حولهم، التفت ريان من الناحية الأخري لتنفيذ الخطة التي اتفق عليها كلاهما، قام بجمع بعض الأوراق الكثيرة ثم قام بإشعالها بالقرب من بوابة القصر التي يقف أمامها الحراس، عندما تأكد من صعود الدخان الكثيف من قام بالإختباء خلف أحد الأشجار الضخمة التي تُزين المنطقة قبل أن يُكشف أمره.
وعلي الناحية الأخري، رأت غزل إبتعاد الحراس عن البوابة الرئيسية يركضون جهة الحريق، هرولت هي للداخل واضعة يدها على قلبها بخوف، هي لأول مرة تخوض تجربة مُميتة كتلك، لذلك دلفت للحديقة الواسعة مسرعة، رأت ريان يأتي خلفها ركضًا وهو ينهج بفرط، ثم أمسك يدها وهرول بها للداخل.
توقف كلاهما خلف أحد الحوائط عندما رأوا حارسان يقفان أمام باب ال يلا الداخلي، همست غزل بخوف وصدرها يعلو ويهبط أثر ذلك المجهود: هنعمل إيه دلوقتي!
التفت ريان حوله بحذر، ثم جذب بعض الحجارة الكبيرة نسبيًا ليوجهها إلى حائط كبير مرتطمًا بها بقوة فجذب إنتباه الحارسان، جذب الحراس أسلحتهم ثم وجهوها تجاه مصدر الصوت ليذهبا لرؤية من الدخيل، أكمل ريان ركضه ممسكًا بيد الأخرى، لتتحدث غزل بضحك وهي تركض: أول مرة أعرف أنك بتفهم والله.
التفت لها ينظر لها بضجر، ثم تحدث بغيظ: لو مسكتيش هرميكُ ليهم يقتلوكِ واخلص منك.
نظرت له بإستنكار حقيقي لقوله، منذ قليى كان يقول بأنه مستعد أن يفديها بروحه، والآن يُهددها بتسليمها إليهم! كم أنه حقير وحنون بذات الوقت.
وقفا في بهو القصير الكبير، نظرت غزل حولها بإنبهار، كانت تري تلك الأماكن في التلفاز فقط، لم تظن أنها موجودة في الحقيقة، كان كل شئ كبير وجميل ومنظم، كان اللون الأبيض والذهبي يغلب على أساس المنزل، كيف لرجل حقير مثل سليم المنشاوي أن يتنعم بكل ذلك الثراء، سخرت من نفسها وكأنها لا تعلم بأنه يقتل الأبرياء للحصول على كل تلك الأموال لبناء مثل تلك القصور.
استمعا لصوت يأتي من جهة ما، ليختبئا خلف الأريكة الكبيرة، شبَّ ريان برأسه بحظر ليري مصدر الصوت وسط ذهول غزل التي ودت لو تنقض عليه وتبرحه ضربًا لغبائه، عاد لمكانه مرة أخري ليُلاحظ نظراتها الحارقة، ليسألها بهمس: مالك بتبصيلي كدا ليه!
تحدثت وهي تجز على أسنانها بغيظ: مشوفتش في ذكائك بجد، عايز تودينا في داهية؟
بشوف صوت مين دا عشان منتقفش.
وطلع صوت مين يا فالح!
أجابها ببساطة: الخدامة.
لم تجيبه بل حاولت تنظيم أنفاسها المتعصبة حتى لا تقتله الآن، رأى ريان سلم موجه للأعلى ومن فصاحته وذكائه المعهود عَلم بأن غرفة سليم المنشاوي بالأعلي.
صعد كلاهما للأعلى بخفة بعد أن دلفت الخادمة للمطبخ مرة ثانية، وجدوا أمامهم ممر طويل به عدد ثلاث غرف، وعلى الفور علمت غزل أن الغرفة الأخيرة هي ل سليم المنشاوي، سألها ريان بتعجب: عرفتي إزاي!
رفعت رأسها للأعلى بغرور وعنهجية متشدقة بتكبر: حِسي الأنثوي هو اللي قالي.
تشنج وجهه بإستنكار وهو يُجيبها: أنثوي! جبتيها منين دي!
نظرت له بطرف عينها لترى ملامح وجهه المستهجنة، لم تجبه بل خطت للأمام، اغتاظ من تجاهلها ليمسك بباقة من الظهور البلاستيكية الموجودة على أحد الأرفف ثم قذفها بإتجاه رأسها لتُصيب الهدف.
تأوهت بصوت خفيض تحكمت به قدر الإمكان، ثم نظرت له بغضب، ليتجه ناحيتها ومن ثَم يسبقها: أنا الراجل يعني أنا الأول.
همست بحقد وهي تراقب أثره: حقير وقليل الذوق.
ذهبت خلفه مباشرةً حتى وصلوا إلى نهاية الممر، وقفا أمام الباب ولكن قبل أن يمد يده ويفتحه نظر لها آمرًا إياها بنبرة جادة: لو حصل أي حاجة اجري وصوتي وقولي بيتحرشوا بيا عشان ينقذوني.
نظرت له ببلاهة لما يقوله، هل هذا أحمق أم ماذا! بل هي الحمقاء، كان يجب عليها أن تعتاد على تصرفاته تلك، لما هي مُتعجبة الآن!
فتح ريان الباب ببطئ حذِر، ليدلف للداخل بخطوات مُتمهلة، وبالفعل وجدوا أن الغرفة خاصة بعدوهما اللدود سليم المنشاوي، فقد كانت تحتوي على صورة كبيرة تحتل الجانب الأيمن من الحائط، جعدت غزل جبينها وهي ترى ابتسامته المقيتة: أعوذ بالله. بني آدم يسد النِفس.
خطَّى ريان للداخل ثم وقف أمام درج كبير مُشيرًا ل غزل إلى أحد الأركان مُردفًا: دوري انتِ هناك وأنا هدَّور هنا، بس بسرعة قبل ما نتمسك ونتشلفط.
أومأت له مُسرعة ثم ذهبت لتبحث عن بعض الأوراق التي من الممكن أن تُدينه، بينما ريان قام بفتح أحد الأدراج وظل يُقلب بين أوراقها والمستندات، توقف فجأة ليستدير لها ثم سألها بتعجب: هو احنا بندور على إيه!
توقفت عن البحث ثم فرغت فاهها بصدمة، هل يسأل حقًا عن ماذا يبحثون أم أنها تتخيل! تأكدت عندما أعاد السؤال مرة أخري ببلاهة أشد جعلتها تقف متصنمة للحظة تُحاول إستيعاب ما يُقال، تمتمت له بدهشة: احنا بندور على أي حاجة تثبت برائتنا. أو أي حاجة ممكن ندينه بيها ونكشف أعماله المشبوهة، انت بتتكلم جد!
تشكلت إبتسامة بلهاء على ثغره وفرحة غريبة لم تفهم معناها سيطرت على محياه، عادت لما كانت تفعل وعقلها منشغل بهذا الغبي، فمن الممكن أن يوقع بهم في مشاكل لا تُحصى.
مرت بضعة دقائق وهم يبحثون في الأوراق ولسوء حظهم لم يجدوا ما هو مهم، اتجه ريان ناحية خزانة ملابسه ليُفتش بها، قام بفتحها لتظن غزل بأنه سيبحث بداخلها، لكن حدث عكس توقعاتها، فقد أمسك بإحدى البدل الرسمية من اللون الأسود ثم ذهب للمرآة ليراها، تشكلت ابتسامة راضية على ثغره، ليلتفت ل غزل التي تتابعه بحاجب مرفوع: إيه رأيك! آخد دي ولا الرصاصي!
وضعت يدها على قلبها لتُسيطر على ضيق التنفس الذي أصابها، لم يُعطي لها بالًا بل ذهب ناحية الخزانة مرة أخرى ليأخذ تلك البدلة رصاصية اللون ناظرًا لمظهره أمام المرآه.
لاحظ حالتها تلك ليذهب إليها بقلق مردفًا بفزع: مالك!
نظرة حارقة ألقتها إليه وهو كالعادة لم يفهم ما ترمي إليه، كادت أن تجيبه لكن شعرت بشئ يوضع على رأسها وصوت آجش غليظ يسأل: انتوا مين وبتعملوا هنا إيه!