قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل السابع

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل السابع

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل السابع

الأم هي تلك الشمس التي تسطع في سمائنا فتنير جنبات حياتنا المظلمة.
هي تلك التي تجلب الماء إلى صحرائنا القاحلة فتروي عطش تلك المشاعر التي جفت دونها.
هي ذلك النبض الذي يمنحنا الحياة...
الأم هي الوطن الذي تدرك أنه حين يحتضنك فأنت بلاشك تعيش بأمان.

إبتسمت وأنا أنهض أطالعها بحنان قائلا: الوقت إتأخر ولازم أمشي، عشان ألحق أجهز نفسي.
تأملتني بعيون غشيهم الحزن قائلة: لسة مصمم تتجوز خطيبتك رغم إنك مبتحبهاش.
جلست مجددا وأنا أقول بألم: مش كل اللي بنتمناه بنقدر نحققه ياأمي ومش كل حاجة بنحبها بتكون لينا.
نظرت إلى عيني بعمق وهي تقول: بس أنت في إيديك تخلي اللي بتحبه يبقى ملكك ياضنايا.

أدركت أنها سبرت أغوار قلبي، ومن سواها قد يفعل؟ فمنذ أن بكيت بين أحضانها أطلب الغفران ومنذ أن منحتني إياه وأنا أشعر بأنها تنفذ إلى أعماق روحي فتمنحها السكينة التي لطالما تقت إليها.
أطرقت في حزن أتحاشى نظراتها وأنا أقول: قلتيها قبل كدة لية. هتكون أحسن مع غيري
مدت يدها ترفع ذقني لأواجه نظراتها قائلة: وطلعت غلطانة.
طالعتها بحيرة قائلا: لو عرفتني هتكرهني، صدقيني.

أنا إنسان مشوه من جوة، من غير ملامح ولا شخصية. إزاي بس هسعدها وأنا مش قادر أسعد نفسي.
قالت بهدوء: لسة مصمم تعيش ضحية، لسة مش قادر تشوف نفسك زي ماأنا وهي شايفينك. لسة مصمم تضيع زي ماضعت انا قبلك بإستسلامي لقدري. مش قادر تشوف إن الإنسان ممكن يتحدى مصيره ويغيره لو حابب. مش قادر تعرف إنك أقوى من الدنيا كلها لو بس تآمن بقوتك.

تنهدت قائلا: حتى لو سمعت كلامك وحاولت أغير مصيري، ذنبها إيه البني آدمة اللي إسمها إرتبط بإسمي أسيبها قبل الفرح، الناس هتقول عليها إيه؟ مبقاش ينفع ياأمي، المصير إنكتب بحروف مش ممكن تنمحى غير بالدم.
طالعتني بعجز لأحاول الإبتسام وأنا أقول مستطردا: ميهمكيش، جايز اللي بيحصل يكون خير ليا، خطيبتي حلوة وبنت ناس. مش يمكن أحبها؟

تجاهلت نظرة الشك في عيون أمى وأنا أنهض قائلا: ياأمي إفهميني، مش جايز لما أرضي والدي بجوازى منها يرضى عني وأقدر أوصله حقيقة اللي حصل زمان، للأسف والدي كان مسافر ورجع النهاردة عشان الفرح وإلا كنت عرفته أد إيه ظلمك، بس أكيد هعرفه بعد ماأرجع من أسبوع العسل. ماهو مش هينفع يبقى شهر عسل والعملية بتاعتك إتحددت الأسبوع اللي جاي.

طالعتني بحزن فقبلت يدها قائلا: عشان خاطري ياأمي إبتسمى مش حابب أفارقك وإنتى زعلانة كدة، كان نفسي تكوني معايا النهاردة. بس للأسف الدكتور منعك من الإجهاد. إبتسمي بقى. عايز أمشي.
لم تبتسم فقلت لها متوسلا: عشان خاطري.

رسمت على وجهها إبتسامة أدركت أنها باهتة، رسمتها فقط على وجهها لإرضائي، زادت تلك الغصة بحلقي وأنا أقبلها في جبينها قبل أن أغادر الحجرة لأقف متجمدا وأنا أرى وردة تقف على عتبة الباب تطالعني بعيون منتفخة لأدرك أنها كانت تبكي منذ قليل، شعرت بقلبي يتحطم ويتناثر إلى فتات، كم وددت لو كان الأمر مختلفا، كم تمنيت لو كانت هي عروسي التي ستزف إلى بعد قليل، ولكني أدرك أنها أمنية مستحيلة، كحبي لها تماما.

تسلل إلى مسامعي صوتها الرقيق وهي تقول بصوت متهدج النبرات: ربنا يوفقك ياأكرم، ويسعد قلبك.
كيف ستتحقق تلك الدعوة وسعادتي هنا، معكما؟ أتخلى عنها رغما عني وأدعها ترحل للأبد.
قلت بصوت متهدج النبرات: خلي بالك من أمي.
أومأت برأسها ودموعها تترقرق في عينيها قائلة بهمس: في عينيا!
عيناك.
، آه من عيناك.
، تلك العيون التي تطارد أحلامى وواقعي.
عيون في مثل عتمة الليل ولكنها تنير ظلمات قلبي حين تتمثل أمامي.

أستودعك ربي عسى أن يمنحك تلك السعادة التي تمنيتها لي.

تأملت ملامحها ربما لآخرة مرة ثم فررت من أمامها كي لا أضعف فأترك كل شيء وأمسك يدها هي فقط، بينما تساقطت دموعها وهي تودعني وتودع معي قلبا أحب بصدق.

قالت تحية بحزن: يابت بطلي بكا بقى، وجعتي قلبي.
قالت وردة وهي تمسح دموعها بكمها في ألم: مش قادرة ياخالتي، مش قادرة أمنع دموعي، كل ما أتخيل إنه النهاردة هيبقى ملك واحدة تانية، واحدة هتحبه وتاخد بالها منه غيري، واحدة هتديله كل اللي كان نفسي أديهوله بس للأسف مقدرتش. مقدرتش أكون من نصيبه ولا هو بقى نصيبي.

قالت تحية بألم: حاسة بيكي يانور عيني، لو كنت اتمنيت لأكرم عروسة مكنتش هتمنى غيرك إنتي، وردة. البنت اللي ربيتها على إيدي، جمال وأدب وأصل، هيلاقي زيك فين بس؟
قالت وردة بمرارة: لقاها ياخالتي متقلقيش عليه، خطيبته حلوة أوى وبنت صحفي كبير، يعني مال وجمال وأصل.
عقدت تحية حاجبيها قائلة: بنت صحفي كبير، إسمها إيه خطيبته دي؟ وعرفتي شكلها منين ياوردة؟
ده لا حابب يتكلم عنها ولا يوريني حتى صورتها.

نهضت وردة واتجهت إلى تلك الخزانة في الحجرة لتخرج منها إحدى الجرائد ثم تتجه بها إلى تحية قائلة بحزن:
إسمها صافيناز، خبر فرحهم منشور في جرايد النهاردة ومنزلين صورهم كمان.
كانت تحية تفتح الجريدة بسرعة لتقع عيناها على الخبر، تتسع عيونها في صدمة وسط حيرة وردة، ثم مالبثت أن رفعت عيونها إلى وردة قائلة بتوسل:
هاتيلي هدومي ياوردة، بسرعة.
قالت وردة بدهشة: هدومك! ليه. رايحة فين ياخالتي؟

نهضت تحية من السرير وهي تقول بصرامة: رايحة أمنع مصيبة. مصيبة ياوردة.

كنت واقفا في مكاني أتأمل الحضور بقلب حزين، أشعر بأني على وشك إرتكاب أكبر خطأ في حياتي، ولكني لم أحرك ساكنا لأمنع نفسي، بل تعلقت عيوني بخطيبتي التي تألقت بذلك الفستان الأبيض تتجه نحوي ويدها في يد أباها يصطحبها إلى عروسا، وجدتني أتقدم بإتجاهها مرغما وعيون والدي مسلطة علي، يرمقني مترقبا، أمسكت يدها بيدي، لم أستطع تقبيل جبينها كما كان من المفترض بي أن أفعل بل أخذت بيدها متجهين إلى مكان جلوس العروسين، أشعر بحنقها، ولكنني حقا لم أبالي.

فجأة توقفت خطواتي وأنا أسمع صوت أمي يصدح في المكان وهي تقول بحزم: الجوازة دى مستحيل تتم.
لألتفت فأجدها تقف في منتصف المنزل تستند إلى وردة التي طالعتني بألم امتزج بحيرة، بينما سرت الهمهمات في المكان ووالدي يتبادل مع عمي صلاح نظرات غاضبة قبل أن يسلطا نظراتهما على أمي، لأدرك أن القادم لا يبشر بالخير، لا يبشر بالخير أبدا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة