قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والأخير

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والأخير

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والأخير

عندما يتعرض الإنسان لصدمة مفاجئة، لم يضعها في توقعاته، يصيبه الجمود الذي قد يؤدي إلى إنهياره كلية، هنا يجد نفسه بحاجة إلى إيجاد تلك القوة بداخله ليجمع شتات نفسه ويواجه تلك الصدمة، ليستعيد ذاته من جديد.

كنت في تلك الحالة من الصدمة التي شلت أطرافي ليجمع شتات نفسي رؤيتي لأبي وهو يتجه إلى أمي وعلى وجهه إرتسمت ملامح الشر، تركت يد خطيبتي وهرعت إلى أمي أقف أمامها لأكون بينها وبين أبي الذي قال بغضب:
وليكي عين تيجي تورينا وشك تاني يافاجرة، حاسب من وشي يازفت الطين إنت.
لأقول متوسلا: يابابا إسمعني أرجوك. ماما...
قاطعنى مصدوما: ماما!

لتنتفض ملامحه غضبا وهو يستطرد هادرا: إياك أسمعك بتقول الكلمة دي تاني، إنت متعرفش الست دي عملت إيه في أبوك.
قلت برجاء: مظلومة، والله مظلومة.
نقل أبي بصره بينى وبين أمي قائلا بسخرية: مظلومة مش كدة؟ آه الظاهر إنك شفتها قبل كدة وإتكلمتوا كمان، قلتيله إيه ياتحية، خدعتيه زي ماخدعتيني زمان بملامحك البريئة دى.

نظرت أمي لأبي بألم قائلة: قلتله الحقيقة ياسعيد، الحقيقة اللي قلتهالك زمان وأنت مصدقتهاش ورميتني في الشارع زي الكلاب. بس هو صدقني. تعرف ليه، لإنه مش ظالم زيك.
قال أبي بغضب: ظالم، أنا ظالم! عايزاني أرجع من السفر ألاقي عاصم في شقتي مع مراتي نص الليل وتقوليلي ظالم.؟
سرت الهمهمات مجددا بين الحضور لينتبه أبي لهؤلاء الناس فصرخ بغضب: اطلعووو برة. برررررة.

أسرع الجميع بمغادرة المكان فيما عدا عمي صلاح وصافيناز، لتترك أمي يد وردة وتتقدم بإتجاه أبي قائلة:
قلتلك زمان وهقولهالك دلوقتي تاني.
خاف من ربنا ياسعيد!
أنت من جواك مصدقني وعارف إن عاصم مظلوم وإنه جالي البيت لما حد إتصل بيه وقاله إني تعبانة أوي ولوحدي.
جه يطمن علية ويوديني لدكتور عشان أنت مسافر وأنا مليش حد.

طالعها أبي بسخرية امتزجت بالغضب قائلا: عشان انتي لوحدك ولا عشان خايف عليكي لإنه بيحبك ياست هانم.
عقدت حاجبي وأنا أستمع لكلمات أبي لتقول أمي بمرارة: مشاعره مش ذنبي ولا لية دخل بيها، إنت اللي دخلت أصحابك البيت وعرفتهم علية. خليتهم يشوفوا عيشتي معاك، فيه منهم اللي أشفق عليا ومنهم اللي حبني ومنهم اللي طمع فيا وهددني لو مبقيتش ليه هيفضحني ويبعدني عنك وعن إبني.

لتنظر إلى عمي صلاح قائلة بسخرية: مش كدة ياصلاح؟
تطلعنا جميعا إلى عمي صلاح بصدمة بينما ظهر على ملامحه الإضطراب وهو يقول: وأنا. يعني. هعرف منين ياتحية؟
أطلقت أمي ضحكة ساخرة وهي تتقدم نحوه قائلة: مش هتقدر تمثل البراءة عليا أنا ياصلاح، لإنى عارفاك كويس!

تعبان بيتلون عشان ينول أطماعه وبس، ياما حاولت معايا وكنت بصدك وفي آخر مرة قلتهالي، قلتلى لو مجيتيش ياتحية بإرادتك هجيبك غصب عنك، ماهو ياتستسلمي يا هبعدك عن إبنك وجوزك بفضيحة تعيشك عمرك كله موطية راسك في التراب، مش ده كان كلامك لية؟
صرخت صافيناز قائلة: كدابة. الست دي كدابة.
لأصرخ بدوري هادرا: صافي! مسمعش صوتك خالص، مفهوم؟

طالعتني بصدمة، فلأول مرة تراني غاضبا حانقا، لأول مرة أصرخ بوجهها بتلك الصورة، ليقول أبي بصوت غاضب:
ماترد عليها ياصلاح؟ قولها إنها بتكدب وإنها ست خاينة ملهاش أمان وبترمي بلاها على الغير.
إلتفتت تطالع أبي قائلة بسخرية: ميقدرش، تعرف ليه؟

لتخرج من جيب فستانها رسالة رفعتها أمام الجميع قائلة: عشان أنا مش كدابة. والرسالة دى فيها الدليل على كلامى، الرسالة اللي بعتهالي في الكابريه اللي بشتغل فيه واللي كاتبها بخط إيده وبيقوللي فيها إني خدت جزائي لإني مسمعتش كلامه وأبقى أخلي الشرف ينفعني.
إقترب أبي من أمي بسرعة يختطف الرسالة من يدها، يفتحها وعيناه تجريان على سطورها بصدمة قبل أن يطبق عليها قبضته وهو ينظر إلى صلاح قائلا بغضب:.

آه يا ياندل ياحقير!
تراجع صلاح وهو يقول بإضطراب: إستنى بس ياسعيد، إفهمني أنا كنت...
قاطعه أبي وهو يخرج سلاحه من جيبه يوجهه إلى صلاح وسط شهقاتنا قائلا: إنت إيه ها؟
صاحبي اللي وثقت فيه طول عمري وأتاريه خاين حقير كان عايز مراتي، وبيستغفلني.
أسرعت صافيناز لتقف بين أبي وهذا الصلاح، بينما أسرعت بدوري أبعد أمي وأنا أشير لوردة بأن تأخذها بعيدا الآن بينما أقول لأبي:.

يابابا متضيعش نفسك عشان واحد حقير زي ده، ميستهلش الرصاصة اللي هتطلع من مسدسك.
إلتفت إلى أبى قائلا بغضب: أنا سجنت عاصم عشان حبها و فكر فيها، تفتكر ده هسيبه كدة من غير ماأقتله؟ تبقوا بتحلموا.
قال صلاح بقوة: لازم تسيبني لإنك لو قتلتني الدوسيه اللي فيه كل بلاويك هيروح للنيابة بكرة الصبح وهتروح في داهية ياسعيد ياراوي.

نظرت إلى أبي الذي إضطربت ملامحه ثم نظرت إلى صلاح الذي ظهرت ملامح الانتصار على وجهه لأعود بنظراتي لأبي قائلا:
بلاوي إيه دى يابابا؟
ضحك صلاح ضحكة مقيتة ساخرة ثم قال:
ماتقوله ياسعيد، قوله إنك بتاجر في السلاح وإن العبد لله هو اللي سندك طول السنين اللي فاتت دى بعلاقاته ومنصبه.
تطلعت إلى أبي بصدمة، ثم نظرت لأمي ووردة اللتان طالعتاني بشفقة، فعدت لأنظر لأبي متوسلا وأنا أقول:.

رد عليه يابابا، قوله إن الكلام ده كله كدب. أبوس إيدك متكسرنيش أكتر من كدة.!
أطرق أبي برأسه قائلا بإنكسار: امشى ياصلاح من وشي، مش عايز أشوفك تاني، إمشي قبل ماأغير رأيي وأدفنك في مكانك.
طالعنى صلاح بنظرة ساخرة قبل أن يبتعد مع إبنته، يتجهان للخارج، فناديتها قائلا بغضب:
صافيناز.
إلتفتت لتواجهني بإبتسامة شامتة لأقول بصرامة: إنتي طالق.!

إتسعت عيناها بصدمة بينما عقد صلاح حاجبيه بغضب قبل أن يجذب يد أمي ويحيط رقبتها بذراعه وهو يخرج سلاحه من جيبه يوجهه إلى رأسها وسط صدمتنا جميعا وهو يقول:
بتطلق بنتي ياابن تحية، مش بالسهولة دى على فكرة.
توترت ملامحي وأنا أنظر لأمي بقلب هلعت دقاته، ثم أنظر لوردة التي كانت تشهق باكية وهي تنظر إليها برعب إرتسم على ملامحها، بينما تحفز أبي وهو يوجه السلاح بدوره إلى صلاح الذي إستطرد قائلا:.

إزاي مفكرتش في الفلوس؟ إزاي نسيتهم؟ إنت هتكتب كل ثروتك لية ياسعيد وحالا. ياإما هقتلها.
قال أبي بغضب: وتفتكر ان موتها أو حياتها يفرقوا معايا ياصلاح؟
قلت بصدمة: بابا! انت بتقول إيه؟
بينما إبتسم صلاح بسخرية موجها حديثه لأبي قائلا: ميفرقوش معاك إنت، لكن يفرقوا مع أكرم ولا إيه ياأكرم؟
لأقول لأبي متوسلا: اكتبله اللي هو عايزه يابابا، خليه يسيب أمي. أرجوك.

تجاهلني أبي ليزداد سخطي، تجاهلت أبي وأنا أقترب من صلاح الذي يمسك أمى قائلا: طيب سيبها وخدني أنا بدالها.
لتصرخ أمي قائلة: لأ ياابني، ابعد. أبوس إيدك، أنا كدة كدة ميتة بس إنت لازم تعيش.
اغروقت عيناي بالدموع وأنا أنظر إلى عمق عينيها قائلا: بس أنا من غيرك مقدرش أعيش ياأمي.
ليقول صلاح بسخرية: قطعتوا قلبي والله، على فكرة بقى مبحبش المسلسلات الهندي دى، فلموا مسلسلاتكم عشان أنا خلقي ضيق.

سمعت أبي يقول بحنق: إبعد عنه ياأكرم. إسمع الكلام ياولد.
تجاهلته كلية وأنا أتوقف أمام صلاح تماما، أقول بحزم: قلتلك سيبها وخدني، أمي مش هتفرق مع بابا في حاجة لكن أنا هفرق، آخر سلالته وأمله في إنه يكون له حفيد، صدقني مش هتخسر لو كنت أنا بين ايديك بدالها.

ظهر على ملامحه التفكير للحظات، ليترك أمي ويمد يده ليجذبني بدلا منها، في تلك اللحظة التي سددت إليه لكمة على وجهه فتراجع مصدوما حاول أن يرفع السلاح بوجهي ولكني ركلته من يده ليقع على الأرض. ثم إشتبكنا بينما تعالت الصرخات داخل المنزل وكلينا يوسع الآخر ضربا، حتى إستطعت تطويقه بذراعى والتغلب عليه لأنتفض ورصاصة تخترق كتفي تجبرني على الإبتعاد عنه، طالعتها بضعف، تلك التي كانت تقف مرتجفة تمسك بسلاح أبيها، قبل أن يخترق قلبها رصاصة أبي لتسقط صريعة على الفور بينما يصرخ صلاح مبتعدا عني ومتجها إليها يرفعها من على الأرض باكيا بحرقة. أسرعت أمي إلى تتبعها وردة تقول أمي بلوعة:.

قلبي ياابنى، الرصاصة جت فين؟
ربت على يدها بضعف قائلا: أنا كويس متقلقيش.
قالت وردة وهي تتفحص جرحي بلهفة: الجرح سطحي ياخالتي، اطمني.
لتنظر إلى عمق عيناي بعيون دامعة وهي تقول: هتبقى كويس ياأكرم. متقلقش.

إبتسمت إبتسامة باهتة ثم تطلعت في حزن إلى تلك الفتاة التي سقطت صريعة يحتضنها أباها المكلوم، يبكي كما لم أراه يبكي من قبل، بينما يقف أبي مصدوما، متجمدا في مكانه كالتمثال، لتتسع عيناي بقوة وأنا أرى عمي صلاح يمسك بسلاحه مجددا ينهض ويوجهه لأبي فنهضت بسرعة متجاهلا ألم كتفي وأنا أحاول الوصول إليه لأمنعه، نجحت بالفعل في الوصول إليه ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن اطلق بضع عيارات نارية بإتجاه أبي أسقطته صريعا على الأرض، ركلت سلاحه من يده وأنا أسدد إليه بعض اللكمات التي أنهكت جسده وكادت أن تزهق روحه، ليغشى عليه، تركته وأنا أسرع إلى أبي، أرفعه من على الأرض قائلا بلوعة وانا أرى إصاباته الخطيرة:.

بابا!
إبتسم بوهن قائلا: أول مرة أسمعك بتقولها من قلبك ياأكرم، سامحني ياإبنى أنا غلط في حقك كتير.
لينظر بإتجاه أمي التي اقتربت منا بدورها تساندها وردة، مستطردا: غلطت في حقكم كلكم، سامحيني ياتحية، انتي بالذات غلط في حقك كتير، سامحوني كلكم. أنا عايز أموت وأنا مرتاح.
قلت متوسلا: بلاش الكلام ده يابابا، انت هتبقى كويس.

طالعني قائلا بوهن: طول عمرك مبتعرفش تكدب ياأكرم، أنا خلاص لحظاتي في الدنيا معدودة، عشت ظالم ومقدرتش أحس بظلمي غير دلوقتي وأنا خلاص بودع الدنيا. الدنيا. غريبة أوي مش كدة، بنعيش فيها جبابرة طماعين، عايزين كل حاجة وفي الآخر بنخرج منها من غير ولا حاجة، ياريتني كنت زيك ياإبني، مكنتش...

صمت أبي وهو يشهق بقوة قبل أن يسكن جسده تماما ويغمض عيناه، لأدرك أنه فارق الحياة فصرخت في ألم ثم أجهشت بالبكاء، وجدتها تجلس بجواري تسحبني إلى حضنها لأفرغ دموع ألمي وضعفي على صدرها، تسحب مني وجعي رويدا رويدا نبضاتها، لأستكين بين ذراعيها ويعود إلى رشدي، فسمعتها تهمس بضعف: دلوقت بس مسامحاك، مسامحاك ياسعيد.

تململت في مكاني مترقبا، متلهفا لرؤية عروسي، فاتنتي ذات العيون السوداء كالليل السرمدي، تلك التي شاركت قلبي مع أمي، فمنحتاني ماإشتقت إليه دوما، العائلة.!

رأيتها قادمة من بعيد، تصطحبها أمي بإبتسامة حانية تشع من عينيها السعادة وهي تسلمها إلي، إرتعش قلبي فرحا لمرأى أحب إمرأتين إلى قلبي تتجهان نحوي، اقتربت منهما، أمسك يد وردة بحنان فطالعتني بعشق، قبلتها في جبهتها ترتعش دقاتي فرحا، ثم ابتعدت أطالع حمرة وجنتيها الرائعتين لأبتسم بحب غامزا لأمي التي غمزت لي بدورها، ثم إتجهنا إلى المأذون لعقد القران.

أصبحت زوجتي. وردتي الجميلة الرقيقة، تطلعت إلى بخجل فطالعتها بإبتسامة حانية قبل أن أنظر إلى أمي القادمة نحوي بحب، تلك السيدة التي أنارت حياتي في هذا العام المنصرم بحبها، فبعد أن تعافت من تلك العملية الجراحية التي أجريت لها، عادت إلى من جديد، وأعادت النبض إلى قلبي بطيبتها، مسحت بيدها الحانية هذا الألم القابع في صدري وعوضتني هذا الحرمان الذي سكن أضلعي.

لقد توفي أبي منذ عام، شعرت بالألم لفقدانه رغم أنه لم يكن لي يوما أبا، ولكنني وجدت روحي تتمزق حزنا بالرغم من ذلك، سامحته بالتأكيد، فقد ولدت من جديد في هذا اليوم الذي عادت فيه أمي لحياتي. لأشعر بالتسامح. التسامح مع الحياة.
شعور بالسعادة يغمرني الآن...
السعادة أن تحب بصدق، دون خوف.
أن يتحرر هذا الطفل بداخلك فتنطلق ضحكاته دون رادع.
أن تتقبل ضعفك وبشريتك التي قد تخطئ أحيانا
أن تسعدك كلمة، لحظة. لقاء.

وقد كانت سعادتي في لقائها هي. أمي!
قبلت وردة ثم ضمتني فشعرت بالسكينة، همست في أذنى: مبارك ياابني، النهاردة أسعد يوم في حياتي.
أغمضت عيني على دموع السعادة، لقد تحقق حلمي اخيرا وأشرقت حياتي بوجودها، لم أعد أشعر بالخواء، لم أعد أشعر بالضعف، لم أعد أشعر بالحزن ولم أعد بالتأكيد يتيما، في حضرة أمي.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة