قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

نوفيلا يتيم في حضرة أمي للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

كنت أجلس في الظلام، أحاول أن أجمع شتات نفسى المبعثرة منذ أن عرفت حقيقة الماضى التي أخفوها عنى، أمى خائنة. تحطمت تلك الصورة التي رسمتها لها طوال أعوام عمرى التسعة والعشرون، وتحطم معها كياني المهترئ، سمعت طرقات على الباب ثم دخول أحدهم، الذي أشعل الضوء فوضعت كفى على عيني أمنع عنهما هذا الضوء الذي آلمنى.

سمعت صوت سعال عمى صلاح، صديق والدى ورئيس التحرير لتلك الجريدة التي أعمل بها والذي قال بحنق: مش معقولة ياأكرم، انت بتهزر ياإبنى، الأوضة معبأة بالدخان.
سمعته يفتح النافذة فرفعت كفى عن عيني وأنا أحاول التأقلم مع الضوء فرأيته قادما نحوى يستطرد قائلا: ممكن بقى أعرف قاعد في الضلمة كدة ليه، ومبتجيش الشغل ليه ياأستاذ؟

لم أقوى على مواجهة نظراته فأشحت بناظري عنه وأنا أنهض من السرير أمسك علبة سجائري من على الكومود وأسحب منها سيجارة لأجده ينزعها منى قائلا في غضب: رد علية ياأكرم، ومتستفزنيش.

جلست مجددا على سريري وأنا أجد نفسى بلا طاقة، وكأن كيانى يتداعى كلية، فلم أقوى حتى على الإعتراض، أو التفوه بكلمة. وجدته يجلس بجوارى يربت على كتفى قائلا بهدوء: مالك بس ياأكرم، فيك إيه؟ لو مكنش باباك مسافر، كنت قلت ان هو اللى مزعلك بالشكل ده.
رفعت إليه عيون غشيتها الدموع وأنا أقول: بابا، ياريته كان بابا. تعرف إيه عن ماما ياعمى؟

إنتفض واقفا بإرتباك، ممررا يده في شعره قائلا بتوتر: اللى انت تعرفه ياإبنى، مامتك ماتت من زمان أوى، الله يرحمها بقى.
نهضت هادرا بغضب: لأ. أمى مماتتش وانتوا كلكوا كدبتوا علية.
وجدته يطالعنى متفحصا وهو يقول: جبت الكلام ده منين ياأكرم؟
منحته ظهرى وأنا أحاول أن أبدوا متماسكا وانا أقول: ده. ده إحساسى ياعمى وإحساسى عمره ما كدب علية.

لم أدرى لم كذبت حينها، ولم أخبره أنى قابلتها، ربما لخشيتى أن يخبر والدى بمكانها فيؤذيها، فهو قادر على فعل ذلك دون أن يطرف له جفن، لأدرك في تلك اللحظة أنها تربض في قلبى رغم كل شيئ، ورغم أنها لا تستحق، ولكنها تظل تلك الأم التي أشعر بالخوف عليها رغما عنى.

إلتفت ليواجهنى قائلا ببرود: انت عايز تفهمنى ان كل اللى انت عامله في نفسك ده، حبستك جوة أوضتك بالأيام والسجاير ودقنك دى، واهمالك لشغلك ولخطيبتك، وانك كمان تقول على والدك وعلية كدابين. بسبب إحساس عبيط ياأكرم.

طالعته بصمت ولم أستطع التفوه بحرف. ليقول عمى صلاح بهدوء: بص ياإبنى، أنا هقولك كلمتين وبس، خلى الماضى في حاله، إنساه ومتفتحش فيه عشان لو فتحته هتبقى بتفتح باب من جهنم هيحرق الكل وأولهم إنت. مفهوم ياأكرم؟
كدت أن أعترض ولكنه رفع يده أمامى مرددا بحزم: مفهووووم؟

وجدتنى أخضع مجددا كما عشت عمرى خاضعا، أومئ برأسى بإستسلام ليربت على يدى قائلا: أيوة كدة، يلا بقى قوم احلق دقنك دى وخد شاور وفوق، أنا هستناك تحت عشان نروح المكتب تشوف شغلك المتأخر ده، وبعدها هنروح على البيت عندى نقعد شوية، وحشت صافى ياسيدى وعايزة تشوفك. اتفقنا؟

أومأت برأسى فربت على كتفى ثم غادر الحجرة، أتابعه بعيني، ثم زفرت بقوة وأنا أفرك وجهى بيدي، أحاول أن أنسى كلماتها التي ترددت في أذني، وصورتها التي لا تفارق مخيلتى، دون جدوى.

فى مكان بعيد، في إحدى حوارى القاهرة، كانت تحية تحاول الخروج من باب تلك الشقة الصغيرة التي تسكن فيها بينما تقف وردة أمامها تمنعها قائلة بتوسل: عشان خاطرى ياخالتى، بلاش تنزلى النهاردة، انتى لسة تعبانة.
قالت تحية بنفاذ صبر: ابعدى عن الباب ياوردة وسيبينى أنزل، أنا زهقت من القعدة في البيت والرقدة في السرير، وخلاص بقيت كويسة.

قالت وردة: لأ. انتى لسة تعبانة، أبوس إيدك بلاش النهاردة، استنى لبكرة، حتى تكونى بقيتى أحسن وتقدرى تنزلى، عشان خاطرى ياخالتى، لو نزلتى النهاردة هاخد أجازة من الشغل وهنزل معاكى.
اتسعت عينا تحية قائلة: تنزلى فين ياوردة؟ ده على جثتى، أنا وعدت أمك الله يرحمها مخلكيش تهوبى ناحية هناك أبدا.
قالت وردة بحزن: الله يرحمها، خلاص يبقى تقعدى النهاردة ولما تتحسنى ابقى انزلى.
قالت تحية بحيرة: بس...

قاطعتها وردة قائلة: من غير بس، ياتقعدى ياهنزل معاكى، اختارى ياخالتى.
تنهدت تحية بإحباط قبل أن تقول: هقعد ياوردة. هقعد.
ابتسمت وردة بسعادة قائلة: هو ده الكلام، هروح بقى أعملك أحلى كوباية عصير لأحلى توحة.

ثم أرسلت لها قبلة هوائية بادلتها إياها قبل أن تغادر وردة، لتبتسم تحية قائلة: ربنا يخليكى لية ياوردة وميحرمنيش منك، مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه وأعيش إزاي، الله يرحمك ياسعاد، آوتينى في بيتك وشغلتينى، كنتى سندى لما عدمت السند، وفي الآخر هديتينى بوردة وهي فعلا وردة. وردة جميلة وسط صحرا عايشة فيها. كان عندى أمل ألاقى إبنى في يوم من الأيام بس مع الأسف لما لقيته اتحول الأمل لسراب، موجوعة أوى ياسعاد، ووجعى تاعبنى وللأسف وجعى ملوش دوا وآخرته الموت، والموت علينا حق.

لتسقط من عينيها دمعة أسرعت بمسحها حين تناهى إلى مسامعها صوت وردة وهي تقترب منها قائلة بمرح: عصير اللمون وصل لتوحة العسل.
لترسم تحية على وجهها إبتسامة، جاءت على الرغم منها، باهتة.
قالت صافيناز بملل: يابابا أنا زهقت منه، ده واحد كل حياته شغله وبس، ممل أوى، لا بيحب الخروج ولا الحفلات ولا السهر. ودايما ساكت وكأنه مجبور علية أو مش طايقنى.

قال صلاح: بس وحيد أبوه وبكرة يورث كل فلوسه اللى هتبقى فلوسك. ياهبلة أكرم طيب ولما هتتجوزيه هيبقى من إيدك دى لإيدك دى، هتشكليه زي ماإنتى عايزة، وهتبقى حرة وانتى معاه، حتى لو مبيحبش الخروج والحفلات هيسيبك تخرجى وتعملى اللى انتى عايزاه ومش هيخنقك ولا يخلى نفسك في حاجة. ده عريس الكل بيتمناه ويحلم بيه ولا نسيتى نورسين بنت خالتك اللى كانت هتموت عليه.

إبتسمت صافيناز قائلة بعيون تلمع: فاكرة طبعا وفاكرة كمان إنى فزت عليها.
لترفع يدها اليمنى تشير إلى بنصرها قائلة: ودبلته بقت في إيدى أنا. ولا إيه؟
إبتسم صلاح قائلا: بنت أبوكى بجد، انتى من ناحية وأنا من ناحية، وقعناه بس ياريت بقى نخلص من الموضوع ده لإن أبوكى قرب ينكشف ووضعه المالى يبان وساعتها ياحلوة سعيد نفسه اللى هيرفض الجوازة دى، وهنضيع كلنا.

أمسكت صافيناز بيد والدها قائلة: مبقاش صافى يابابى ان مكنش أكرم يتجوزنى في أقرب وقت. اطمن.
إبتسم صلاح وهو يشد على يدها. قائلا: طب يلا ياقلب أبوكى نخرجله، إتأخرنا عليه وأنا ماصدقت عرفت أجيبه معايا.
أومأت برأسها قائلة: إسبقنى إنت وأنا هغير هدومى وأحصلك.
أومأ برأسه مغادرا، بينما أسرعت هي لخزانة ملابسها تنتقى من بينهم فستانا عارى الكتفين، ليبرز جمالها الذي تدركه جيدا وتدرك كيف تستغله، تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة