قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل العاشر

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل العاشر

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل العاشر

«كالصبار أنت يتجنبك البعض، ويهفو البعض لإمتلاكك، تجرحين من يقترب بقوة، وتسكني مع من يرعاكي، وسرعان ما تدللي وتبدي نعومتك ك برعومة صغيرة نبتت وسط أشواك تحيط بها طوال الوقت. ».

أشرقت شمس صباح جديد تمس بشعاعها الذهبي النافذة، تتراقص على طول جسدها المدثر أسفل الغطاء، ووجهها مدسوس في وسادة ناعمة.

كان ممدا جوارها، يسند ظهره على جذع الفراش، ويمسح على شعرها بكفه بخفة وخصلاته الرطبة الداكنة تتهدل أعلى جبهته، يرتدي بنطال خامة الجينز أبيض ويعلوه قميص مزركش تركه مفتوحا، مزين ببعض الرسومات والألوان المبهرجة، قميص من القمصان المصنفة لديه بأنه أحد أسوأ القمصان التي قد ارتداها يوما، لقد اشتراه بنفسه، اختاره لأجلها، لأجل اليومين، سيكون استثناء لكل الأشياء التي لم يفعلها من قبل سيفعلها الآن، ولن يضجر ويزدري بل سوف يستمتع إن أمكن.

لقد استيقظ مبكرا وذهب للتسوق جارا رجاله خلفه كالسيدات لابتياع الطعام والملابس، ملابس جديدة إلى كليهما، ثم عاد وأخذ حماما وطلب منهم ترتيب الفوضى وتنظيف المكان، وأشرف على الفطور الشهي الذي ينتظرها لكنها نائمة بعمق وكأنها لم ترى السرير لأيام.

فتساءل هل من الممكن أنها كانت تفتقده وتفكر به كثيرا اليومين المتواليين؟!، هذا مستبعد قليلا لكن لم لا؟ لقد اعترفت بحبها بالفعل! ليس متأكد إن كانت واعية وهي تخبره بكم المشاعر المرهفة هذه أم لا لكنها قالت وانتهي الأمر، وهذا وضع غير مرجح أن تتفوه بالترهات أثنائه بتاتا.

تنهد بعمق وثني ذراعه متوسدا إياه خلف رأسه، يحدق في السقف ويده الحرة تتحرك على أنحاء وجهها بنعومة ممتنعا عن إغلاق عينيه، لأنه كلما أغلقها يستعيد أجواء أمس الحميمية بكل كيانه ووجدانه، وهو لا يريد أن يكون لتلك الذكري ذلك التأثير عليه، لكنها حقا لها ذلك التأثير وليست هي فقط، بل وصاحبه الحدث نفسه، تأسره مكبلة إياه بأغلالها بإحكام.

ابتسم بجاذبية مطلقة، وحرك رأسه للجانب ينظر إليها من علو عندما أحس بتلك القبلة الناعمة كملمس أجنحة الفراشة تطبع على باطن كفه، ارفقها قولها الناعم الناعس وهي تضم قبضته إلى صدرها.
صباح الخير.
رد بصدر منشرح.
صباح الياسمين.

اهتزت مقلتيها بتأثر وعقيق عيناها البني تأسران سوداوية، رفعت نفسها لتكون مقابلة، فأحاط خصرها وقربها منه أكثر فكان الغطاء ما يفصل بين صدريهما، والابتسامة لاتفارق وجهه وكله آذان صاغية يستمع إلى قولها الذي غلب عليه الغبطة وبريق آسر يتألق في عينيها.
مش مصدقة اني شيفاك بتضحك!
اتسعت ابتسامته حتى بدت نواجذه وكادت شفتيه تلتصق بأذنه، وهمس بشغف يمس شغاف القلب وهو يميل على شفتيها.
وانا مش مصدق انك بتاعتي.

ورفق قوله بقبلة ناعمة استقبلتها منه بتناغم لم ينهيها سوي صوت معدتها الفارغة.
فصل القبلة وضحك تضامن مع قهقهتها الناعمة وهي تسند جبينها فوق جبينه، ليهمس بنبرة تزخر رقة وحنان وعينيه لا تحيد عن عيونها الناعسة وبإبهامه كان يلامس شفتها السفلية.
قومي خدي حمام وبعدين نفطر.

أومأت وهي تغمض عيناها ثوان قليلة تستعيد القليل من ثباتها، من إضرام تلك المشاعر في كيانها، قبل أن تطلق زفيرا بأنفاس متهدجة وصدرها ينقبض وينبسط بتذبذب، ثم أخذت شهيقا أطول مفعم بالسعادة والإيجابية، مزج برائحته النفاذة كذلك.
تحركت للقيام لكن أحست بيديه الغليظتين تلتفان حولها، وتم حملها كالعروس من قبله وأوصلها بنفسه إلى حوض الاستحمام.

ما يحدث معها ضرب من ضروب الخيال ولم يطرأ سقف توقعاتها قط، بل تظن أنها محتجزة بأحد أحلامها الوردية المستحيلة.
مط ذراعيه وهو يتثاءب وتحرك للخروج من الغرفة، لكن صدح رنين الهاتف، تقرب من الفراش والتقطه بهدوء ليطلق زفرة نافذة عندما رأى هوية المتصل فأجاب على مضض.
باشا.
أتاه رده المقتضب وهو يضم قبضته بغضب.
متصلتش يعني لازم أنا اتصل!

حك يعقوب طرف حاجبه وهو يعتصر الهاتف بأنامله بقوة عوضا عن ضربه في الحائط، لأنه سأم وضاق ذرعا من تلك الأوامر وذلك الأسلوب الذي طالما تجاهله لكن ليس بعد الآن لأن صبره نفذ.
كنت لسه هتصل يا باشا بس سبقتني صباح الخير.
تجاهل خالد القول وكأنه لم يسمع وسأله بملل.
هترجعو النهاردة امتي؟
أجابه وهو يخرج من الغرفة.
مش النهاردة لأن ياسمين عايزة تقعد يومين كمان.

ارتفع كلا حاجبي خالد وسرعان ما انعقفا في ذات الوقت بشك والحيرة تتجلى على معالم وجهه، شعورا بالغدر ينبعث من كلمات يعقوب حملت بطياتها رائحة الخيانة.
تمام ماشي أهم حاجة تكون مبسوطة وخلي بالك منها.
أجابه بتلقائية بنبرة مفعمة بالحياة.
في عيوني يا باشا!
ابتسم خالد باصفرار وأمره بقوة قبل أن يغلق.
كلمني قبل ما تمشي من المزرعة.
ورفق قوله بإغلاق الهاتف بغيظ، ثم.

قذفه على الطاولة وجسده يستعر بنيران الغضب ومن ثم صاح بإسم أحد حراسه بصوت مرتفع مفزع كأنه في خطر محدق!
امتثل أمامه بسرعة مجيبا طائعا فأمره بعصبية.
تطلع دلوقتي على المزرعة، ترصد كل تحركات يعقوب وياسمين، تعرف هما بيعملو ايه بالظبط من غير ما حد ياخد باله منك مفهوم؟
مفهوم يا باشا.
قالها بانصياع وانصرف.

فاضطجع خالد على كرسيه بعد انصراف الحارس، وحك طرف ذقنه بشرود والشك يمد جذوره عميقا داخله ويتمكن منه رويدا رويدا، مقتضب الجبين، منعقف الحاجب، متمتما بوعيد.
يا ويلك لو طلع اللي في دماغي صح يا يعقوب وبتفكر تغدر.

المزرعة..
في الحديقة في الأسفل..
كانا يجلسان محاذيان لبعضهم البعض، أمام الطاولة الدائرية المصفوف فوقها أطباق الفطور برتابة من مختلف الأصناف.

قبلت وجنته بنعومة وهي تدس لقمة مغمسة بالعسل في فمه وهي تبتسم بافتتان، فمضغها بإبتسامة رائعة ورفع كفها وقبله ثم شابك أصابعهما معا، وتابع تناول الطعام بالأخري، فوضعت مرفقها على الطاولة واسندت وجنتها فوقه وهي تميل برأسها للجانب متأملة له بعاطفة، والبسمة تشق وجهها دون ترك مجال للشك بأنها ليست عاشقة!، بل إنها عاشقة متيمة حد النخاع.

مسحت على شعره بحنان وهي تراقبه بحب استوقفته عن تناول الطعام، بل ونظر إليها في حاله من الذهول وعدم الاستيعاب ل كم اللطف والرقة المنبعثة منها تجاهه هكذا!
كاد يتحدث لكنها ملأت كوب بالمياه وقدمته إليه آمره حازمة.
يلا إشرب الكباية دي، عشان هديك زيها كمان عشر دقايق وخد الدوا بانتظام.
نفي وأبعد كوب المياه عن مرماه مغمغما بلا مبالاة.
مش بشرب مايه وسط الأكل!

امتدت يدها إلى وجنته مداعبة عازمة على إقناعه بكل لطف وحنان.
حبيبي لازم تشرب مايه كتير وتهتم بصحتك أكتر من كده، وتحاول تبعد فكرة الخوف من العملية عنك عشان لازم تعملها!
طرف بأهدابه وهو ينظر إليها دون أن يسمع أي كلمة بعد نطقها ل حبيبي! هل اللقب سيكون ليومين هو الآخر؟!
تنهد وسألها بذهن مشتت وهو يهز رأسه وبدي متعطشا لقول يروي ظمأه.
هفضل حبيبك لحد امتى؟

تألقت ابتسامتها المغوية المتغنجة على طرف شفتها وهمست بشاعرية.
طول العمر لو حابب يا يعقوبي.
ضحك بخفة وسحبها من معصمها لتستقر بثانية على فخذيه ضاحكة وهي ترفع ذراعيها تلفها حول رقبته، وبدوره أعاد غرتها خلف أذنها بنعومة، وأبعد بعض خصلاتها المبعثرة ببطء الحاجبة عنه رؤيتها وبدى عليه الاستمتاع بما يفعل، لتطلب بدلال وهي تسند وجنتها فوق وجنته.
عايزة اركب الحصان يا يعقوب ممكن؟
ورجلك؟

سألها بريبة وهو يرفع كلام حاجبيه، لتجيبه بلطف وهي تتحسس حاجبه الأيسر الكثيف.
بقيت أحسن دلوقتي ومش هقع مش وأنت معايا؟
قالت الأخير بغمزة تحضه على الموافقة دون تفكير وقد كان، فكيف سيرفض بعد قولها هذا؟

اطعمته بنفسها وهى تجلس على قدمه، وجعلته يرتشف الكثير من المياة عنوة، وقد فعل المثل واطعمها هي أيضا الكثير بيديه، في اجواء طغت عليها الرومانسية والتناغم المطلق كأنهما في عالم آخر، في هدوء مريح للأعصاب، مثل عروسين يقضيان شهر العسل، بعد قصة حب عظيمة تغنى بها البعض، وتمنى أن يحيا مثلها البعض الآخر، ثم وبعد انتهائها أخذها واتجه صوب الاسطبل.

هتركب أنت كمان؟!
سألته باستفهام، بأعين مبتسمة وهي تراه يخرج جواده الأسود من الحظيرة، الذي يمتطيه كلما أتي إلي هنا، يمسح على وجهه برقة حال وقوفها أمامه بسكون كأنها تألف وجوده معها.
أردفت بإعجاب وهي تمسح على عنق جوادها الأبيض الشامخ برقة، وعيناها معلقة على الأسود الخاص به.
مالهوش اسم؟

ابتسم بجاذبية وقال وهو يتكئ بكتفه على الحائط خلفه قائلا بهدوء، ومقلتاه الماكرة تشملها من أعلاها لأخمص قدميها بنظرات رجولية بحتة غير بريئة بالمرة تثير المرأة الناعمة بداخلها.
عمرها ما كان ليها اسم، بس اتسمت دلوقتي بس.
رفعت حاجبها وزاد فضولها الذي أسفر عنه سؤالها باهتمام.
هي بنوتة؟

ضحك مجلجلا جراء قولها وهو يهز رأسه بخفة، فهو لم يعتاد تلك اللطيفة المتفوهة بكل ماهو جميل ورقيق من تلك الشفتين الهلاميتين التي تزيد ضرام رغبته بها بعد، لا يتماشى معه بتاتا، لكنه يستمتع بما يحدث والأهم أنه سعيد، قلبه المتعطش للسعادة والفرحة، والذي ظل يهفو لسنوات لأجل مثل هذا الشعور بالحب والحنان ظفر به أخيرا، لكن وكالعادة لن تكتمل فهما يومين فقط!، هل من العدل أن يعيش يومين في عامه الواحد؟

سألته بمرح وهي تلوح بيدها أمام وجهه.
يعقوب سرحت فى ايه؟
لم ينتبه إليها فصرخت بإسمه اجفلته.
يعقوب!
رفع رأسه سريعا وهتف بتيه.
هااا، مفيش، مفيش، يلا بينا.
وعقب قولها بإمساك لجام الفرسين بكفه وسحب كليهما معه إلى الخارج.

سارت بالقرب منه و ترفقت ذراعه واسندت رأسها فوقه بإبتسامة رائعة اتسعت للأذن عندما أرهفت سمع سيل كلماته الأخيرة التي نطق بها، وتردد صداها داخله وتم قذفها على لسانه بقصد أسرها أكثر إن كانت تلك الحيل المحببة، والألاعيب تنطلي عليها كبقية الفتيات.
سميتها ياسمين.

ضحكت بعذوبة وقفزت فرحة وقبلت وجنته بنعومة أنثوية، ثم دارت حول نفسها بسعادة وهي تبسط كفيها ناظرة إلى السماء، أشعلت نار الافتتان بعينيه جعلته ورغما عنه يبتسم دون أن يحيد بنظراته المتيمة عنها.

اتسعت عيناه ولمعت والبسمة لا تفارقه، وهي مستمرة في الدوران حول نفسها ضاحكة بسعادة إنتهى ب ركضها بعيدا عنه وسط الأرض الزراعية المنقسمة إلى نصفين أحدهما مسمد والأخر ملؤه العشب، و تنتهي بنخيل منتشر يبعد عنهم كثيرا، فلا يستطيعان تقدير المسافة ولا حصرها برقم معين.
ضحك وصاح بصوت مرتفع متعجب.
تعالي اركبي يا مجنونة.

توقفت عن الركض لاهثة، واستدارت على عقبيها بسرعة ليلتصق شعرها على صفحتي وجهها مرفرفا بنعومة بفعل نسمات مداعبة وهي تنظر إليه، تحثه على الإتيان خلفها بأصبع السبابة وعيناها تنضح بمكر شديد، فتلقي الإشارة وقفز فوق فرسه وانطلق إليها ك جندي باسل وسط حرب قامت على ساق دون أن يردعه رادع.

عادت تركض بأقصى سرعة والهواء يلفحها ويلفها كما أدركها يعقوب ولفها بيده ورفعها من خصرها تحت صراخها بحماس، وأجلسها أمامه على ظهر الفرس أثناء ركضه بهما دون توقف.

قهقه وترك لجام الفرس، وطوق خصرها بذراعيه دافعا بجسدها لصدره، وأخفض رأسه يقبل نحرها فأعادت رأسها إلى الخلف تستريح على كتفه مغمضة العين، لاهثة وخفقات قلبها تتزايد، ويدها ترتفع وتمتد إلى عنقه من الجانب متسللة إلى شعره مداعبة، حتى تبدل الوضع ومالت برأسها أكثر مكنته من شفتيها لتبدأ معركة اخرى من نوع آخر.

بعد ساعة وبعيدا عن المزرعة..
كانت جواده مربوط الوثاق حول نخلة، وملابس ياسمين ملقية بجانبه، بينما هما ممدان في الأرض على بعد خطوات قليلة منها.
كانت ياسمين ترتدي قميصه ذلك المزركش الذي لا يتخطي فخذيها، تتوسد ذراعه الممتد أسفل رأسها تحدق في السماء الصافية بصمت وهي تلعب في اطراف شعرها المبعثر الذي أفسد تصفيفته، تنهد بصوت مسموع وحرك رأسه ودس أنفه في شعرها وذراعه الأخر يحتجز خصرها بتملك.

انفرجت شفتاها عن ابتسامة ناعمة، وحركت كفها وضغطت فوق يده القابضة على خصرها بتلك القوة والتملك المنبعث من كل أفعاله المحسوسة والتي تكاد تتحول إلى كلمات منطوقة لكنه يأبى أن يحرك لسانه بها.
همست بحنان يزخ إهتمام وهي تحرك رأسها للجانب تنظر إليه بهيام قد يذيب جبل من جليد.
كلمني عن نفسك يا يعقوب، عايزة أعرف عنك كل حاجة.

تنهد بقوة وانامله تغلغلت شعرها وهو يميل برأسه عليها ويده تتحسس بشرتها بنعومة وبالأخص نحرها، وطفق يقول بشرود وهو يحدق في نقطة وهمية أمامه.
أنا خريج تجارة و..
توقف وذوي ما بين حاجبيه
شعورا بانتفاضتها سهوا تعبيرا عن مفاجأتها بتلك المعلومة الغريبة جدا!
استرعاها السمع، وتمتمت بشرود وهي تضغط على كفه تحضه على التكملة بإسهاب.
كمل يا يعقوب متوقفش.

تابع سيل حديثه وابتسامة ساخرة من الماضي الغابر تشق شفتيه معيدة إياه إلى أعوام مضت كان بها شخصا خيرا.
اتخرجت واشتغلت في مجموعة «الصواف» محاسب، كنت شاطر ونشيط جدا واترقيت بسرعة، والكل كان بيتكلم عن كفاءتي ونشاطي لحد ما طلب خالد يقابلني وبعدها كل حاجة اتغيرت.

لم تقاوم رغبة المعرفة، ولا لهفة استكشاف الحقائق الخفية، فرفعت نصفها العلوي وبسطت كفها بجانبها فوق الطين الجاف، وتهدلت خصلاتها المتوهجة فوق كتفها الأملس جراء سدول طرف القميص من فوقه وسألته باستفهام.
بس ايه اللي خلاك تتبدل من محاسب محترم، لراجل عصابات بيتاجر في المخدرات والسلاح؟
جدتي..

قالها بتنهيدة مثقلة، خرجت من أعماقه مصاحبة بهالة من الحزن المدمر، وقنوط قاتل ينخر عظامة على حد سواء، وصمت مطولا يحدق في السماء، وتبدلت تقاسيمه مئة وثمانين درجة كأنه يقاوم شيئا حاول الهروب منه وعدم تذكره لسنوات طوال، لكن نال منه في نهاية المطاف، وعادت الذكريات تتدفق وتسري ك سريان المياه داخل الينبوع.
استرد بنبرة متألمة يعبر عن نوائبه وأحزانه، مفضيا عما يعتمل صدره لها هي فقط.

كان عندها تليف في الكبد، ومكنش قدامي غير حلين، يا اسيبها تموت، يا أطلب المساعدة من خالد عشان تزرع كبد، وهو استغل حاجتي للفلوس وجرني معاه في شغله عشان أجمع تكاليف العملية.
وهز كتفيه بقلة حيلة ولوى شدقه متابعا بلا بأس وبلا ندم.

بس وبقيت سندباد، والحقيقة اني حبيت الموضوع، انك تكون بتكسب ملايين، ومحدش بيتحكم فيك، بتدي أوامر مش العكس، متداري والبوليس ميعرفش عنك اكتر من انك محاسب بسيط ومع الوقت بقيت مدير الحسابات وبتروح شغلك كل يوم!، كل ده مغري، مغري بطريقة تخليني اعمل لنفسي شغل لوحدي واغطي على اي حد!

توقف وتطلع إلى ملامحها الآسفة كأنها تواسيه، بسبب ظروف حياته ومال آل عليه وضعه كي لا يفقد عزيزا، فلم يجد بدا إلا أن يصبح مجرم عن طيب خاطر، بل وعمد على قيمه الأخلاقية ومبادئه ودثر كليهما لأنه لم يجد فائدة ترجي منهما، وسار مع الطيار متعلقا بخيوط الإجرام المتشابكة كبيت العنكبوت الذي أخذ يتعمق داخله أكثر فأكثر ويوما بعد يوم، بل وبات يتحدث بفخر وجهارا دون إبداء ذرة شفقة، كأن ما يفعله ليس بالأمر الجلل، وكأنه انسلخ عن طبيعته البشرية.!

فعندما تعجز ولا تجد من يمد لك يد العون فتضحي فاقدا للأمل، وفجأة تلوح واحدة في فلكك وتبدأ في التقرب إليك رويدا رويدا، فلا يكون لك سوى أن تتشبث بها بكل ما أوتيت من عزيمة وإصرار، فلن تلتفت في هذا الوقت إلى ماهية الشخص وتبحث لتعرف كنهه قط، ولن تتساءل إن كان خيرا أم سيء!، بل ستكون ممتن، ولسوف تتوجه ملكا وتتخذ منه بطلك القومي الذي إنتشلك من ضياعك، في حال أنه مجرم!، لكنه كان بطلا آنذاك.

قرأ معالم وجهها وظن أنها تفكر في كونه ذلك الشخص الذي انقطعت به السبل ليكون مجرما ويتخذ من الإجرام واجة له دون أن يخجل من نفسه، لكن نفي هذه الافتراضات، ب هزة من رأسه تضامنت مع تبدل ملامحه الراغبة في إقناعها أنه ليس بهذا السوء، وقد امتد كفه إلى وجنتها يتحسسها بنعومة وهو يبرر بصدق.
مش طمع ولا خيانة، شعور السلطة والقوة شعور عظيم مقدرتش اتخلى عنه.
هل هذا دافعه حقا؟ هل يمزح معها الآن؟!

طرفت بشده وهي تحملق به بسكون، ثم سألته مستنكرة وهي تشيح بوجهها عنه بضيق.
وده ايه علاقته بالقتل والإجرام؟
مسد جبهته بتأزم وقال بكل برود كما هي عادته في الحديث.
مش هكذب واقول مقتلتش لاني قتلت كتير، بقتل دفاع عن النفس، وبقتل الخونة، و ساعات مش بصيب في مقتل بس بيموتوا من النزيف.
ابتسمت بمرارة وهي تضم شفتيها، ومن ثم ضحكت بسخرية ضحكة باردة لم تكبحها أرفقها قولها المستهجن.

يعقوب إنت بقيت وحش! مش حاسس بقيمة اللي بتقوله ولا بتصرفاتك؟ إنت مجرم في نظر رجالتك اللي بتمارس عليهم سلطتك وقوتك الجبارة يعقوب بيه!
باغتها بسؤاله بصوت عميق وهو يضعها نصب عينيه مغيرا دفة الحديث.
وإنت.
تمتمت بخفوت وهي تزدرد ريقها بارتباك وعيناها تتحاشاه.
أن، ا إيه؟
وضح أكثر.
أنا في نظرك إيه؟

أطلقت زفرتها بأريحية لأنها كانت تتوقع سؤالا أصعب وأكثر خطورة من هذا، فتبسمت بنعومة ثم قالت برقة وهي تقرص وجنة ذلك المجرم المستوحش الذي وصفته من هنيهة.
مجرم طبعا، والإجرام بيقولك يا عمنا.
ورفقت قولها بضحكة مرحة وهي تتطلع إليه بحب، ولم يخفي عليها الضيق الذي تسلل إليه وتجلي على تلك الملامح الجذابة بسبب صراحتها المفرطة الممزوجة بالمرح كي تواري مرارة الحقيقة.

وتابعت بشاعرية وهي تضع أناملها أسفل ذقنه الخفيفة لكي ينظر إليها.
وأشطر حد ممكن يخطف قلبي.
تهللت أساريره وافترت شفتاه عن ابتسامة جذابة نبعت من أعماقه ارفقها ضمه إليها إلى صدره في عناق طويل ساحق محمل بالمشاعر الملهبة التي تعيث في صدره.
قبل وجنتها وفصل العناق برفق وسألها بحنو.
اللي بيقتل بيبقي مجرم؟
أومأت بخفة دون أن تحيد عن ملامحه الآسرة ليستطرد.
طيب لسه عايزة تقتلي اللي اسمه فريد ده؟

هبت من مكانها كمن مسه جن ودارت حول نفسها كأم مفجوعة، ثائرة وملامحها متغضنة بالألم، رافضة كل الرفض لأي قول قد يحول بينها وبين هدفها ورغبتها الوحيدة في تلك الحياة، فكل تلك السنوات لن تذهب هدرا لأجل قلب يضخ عاطفة غوغاء ستقتلها، ومشاعر عقيمة تستطيع التحكم بها!، ستحرص أشد الحرص على أن تكلل مهمتها بالنجاح وإن كلفها هذا حياتها.

سألته باهتياج وهي تلوح بيدها ليرتفع كم قميصة الواسع مظهرا بداية ذراعها حتى مرفقها، علاوة لإرتفاعه عن فخذها إثر حركتها.
مش بتقول حاجة ليه كمل!
اعتلي ثغره ابتسامة شبه ماكرة يملؤها العبث وعينيه تزور ساقها الناعمة بنظرة خبيثة أربكتها، وجعلها تتقهقر إلى الخلف حافية القدمين بخطوات مبعثرة عندما وقف بجزعه العاري وأخذ يتقدم منها بتلك الهيئة الجذابة والمكر يتراقص في مقلتيه الخبيثتين.

ظلت تعود بخطواتها إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بالنخلة خلفها، تضامنت مع شهقة هربت من بين شفتيها اكتملت في جوفه عندما باغتها بتلك القبلة الخاطفة التي اقتنصها من شفتيها محتجزا إياها بذراعيه الممتدان حولها كي لا تهرب.

انهي القبلة بنعومة دون أن يرفع رأسه، يتقاسمان الهواء بينهما، وشعرها يتطاير بفعل أنفاسه اللاهثة الدافئة، رفعت نظرها إليه وقلبها يتقافز داخلها حبا وهياما وليس خوفا وذعرا، وهي تحملق به بأعين ناعسة متأملة متسائلة عن كيفية تحوله بتلك الطريقة! إنها بحاجة أن تظل بالقرب لأشهر وربنا سنوات أو عمرها بأكمله وليس يومين!
همس بالقرب من أذنها ببحة رجولية.
مينفعش ناعمة زيك تلوث ايدها بالدم.

بس ينفع تلوث شرفها مش كده؟
رغبت في إلقاء تلك الجملة في وجهه كما لم ترغب من قبل، لكن طمست تلك الجملة داخلها وتركتها تهيم في طي الكتمان، فتلك الأجواء الشاعرية كانت ستفسد سريعا قبل مرور اليومين إن تفوهت بهذا، وهذا مرفوض لديها لأنها تريد أن تقضيهما بسعادة ولتحدث كل المشكلات، وتقابلها كل العقبات فيما بعد، وهي من الاساس لا تكترث بفداحة ما فعلت لأنه كان برضا تام منها ورغبتها المحققة.

ابتسمت بهدوء وأجابته وهي تسند رأسها على النخلة كي يتثنى لها رؤية تلك الملامح بوضوح أكبر.
كان نفسي افرحك وأقولك اني موافقة بس أنا مصممة وهقتله حتى لو كانت اخر حاجة هعملها في حياتي، إلا لو
قالت الأخير بطريقة ملتوية مواربة وهي تنظر إليه بتركيز جعلت منه يتساءل بفضول.
إلا إيه؟
أجابت بإبتسامة لطيفة وهي تتحسس كتفه بأناملها بخبث.
إلا لو فيه سبب قوي يخليني أتخلي عن كل حاجة!
سألها باهتمام محفزا نفسه لم توقعه.

زي ايه؟
قالت بمكر واناملها ترتفع إلى ذقنه.
اتجوز مثلا، أبدأ من جديد كده يعن، آآآآه..
تأوهت في منتصف حديثها بألم عندما اعتصر خصرها بقبضته بضراوة ساحقا عظمها دون تردد وهدر بوحشية واللهب يتأجج بين جنبات صدره.
تتجوزي! إنت بتاعتي!
ابتسمت رغم الالم الذي ينبض به خصرها وهتفت بنعومة وهي تسبل جفنيها ويديها تلتفان حول عنقه بحميمة.
خلاص اتجوزني إنت!
اهتزت مقلتيه وخفف قبضته على خصرها وقال بجدية.
إحنا متجوزين!

ردت متهكمة منفعلة واناملها تداعب أطراف شعره بنعومة غريبة مخالفة لم تحس به وتطمسه في نفسها.
مين دول اللي متجوزين؟ إنت مصدق الورقة اللي ميعرفش حد عنها حاجة غير احنا الاتنين بس! ده إحنا محصلناش العرفي حتى!
سألها دون تردد شوشها ولم تفهم غرضه من السؤال.
عايزانا نتجوز يعني؟
طرفت بتفاجئ وامتنعت عن الإجابة خشية السخرية، لأنه وربما يمزح أو متشوق لمعرفة رد فعلها فقط لا أكثر.

احتضن وجنتيها بنعومة وهمس وكرر سؤاله بحنو.
عايزانا نتجوز!
ازدردت ريقها بصعوبة وهزت رأسها نافية رافضة العرض قبل أن يعرضه حتى، وانزلت يده برفق وتخطته وسارت مبتعدة واحتجت بالطقس قائلة.
يلا نرجع عشان بردانة.
استدار على عقبيه يراقبها بثقب ويعرف أنها تتهرب منه، فأي صقيع هذا والشمس مازالت في كبد السماء!

ارتدت بنطالها القماشي ثم خلعت قميصه وهي توليه ظهرها لتظهر زهرتها الموشمة بوضوح على طول ظهرها، فأحب أن يصرفها عن التفكير في أي شيء قد يؤرقها وينزع يومها فسأل باستفهام.
عملتي الوشم ده امتي؟
أجابت وهي تستدير على عقبيها مع قذف قميصه إليه.
من سنتين.
سألها مستفهما وهو يمسح طول ظهرها بناظريه بتدقيق.
وقدرتى تستحملي الوجع؟
ابتسمت بسخرية وقالت وهي تعقد طرفي قميصها القصير على بطنها فوق سرتها.

انا استحملت وجع اقوي من الوجع ده بكتير مش هتفرق..
وأثناء حديثها كانت تفك وثاق الفرس من حول النخلة وامتطتها وانطلقت بها من أمام يعقوب دون أن تتوقف لأجله، فصاح باستنكار.
ايه هتمشي وتسيبني في نص الطريق؟
ردت عليه بصياح مماثل وهي تلتفت إليه برأسها، رافعة حاجبها الأيمن وشعرها يتطاير حول وجهها بروعة تستدعي رسمها ووضع صورتها في أحد المتاحف.
دي عادتي بسيب دايما في نص الطريق.
ابتسم وقال بغرور وتعال.

مش انا يا ياسمين اللي اتساب مش أنا.
وانهي قوله بإطلاق صفير معين يعرفه فقط هو والجواد، فأطلقت صهيلا مرتفع ما أن سمعت صوت الصفير الذي ألفته، ومباشرة ارتفعت عن الأرض بحوافرها بقوة أسقطت ياسمين من فوقها، تزامن مع صراخها بهلع لتحط أرضا بقسوة على الطين الجاف.
تأوهت بألم وتحركت للوقوف لكن صوت ضحكته المجلجلة المتشفية جعلتها تغمض عيناها بنفاذ صبر وهي تسبه بداخلها هذا اللعين، وبسبب أشاعة الشمس كذلك.

تقدم منها وتوقف أمامها حجب عنها أشعة الشمس، وبسط كفه إليها عارضا المساعدة بملامح لينة حانية، فوضعت ذراعها فوق جبهتها وهي تطالعه بنصف اعين، ليحرك كفه يحثها على الاستجابة والوقوف معه وقد ابتسمت حتى برزت أسنانها المنضودة، وامتد كفها إليه ووقفت معه برفق تحول لجذبة قوية من قبله لتقع بين أحضانه، ف هم بسؤالها قبل أن تبتعد عندما رأي بوادر الضيق بدأت في التجلي على وجهها، ومزاجيتها الغريبة التي تنقلها من فرحتها العارمة لقنوط ذليل يفرض نفسه عليها.

زعلتي عشان فكرتك؟
هزت رأسها بنفي وهي تثبت نظرها خلفه ومقلتاها تهتزان باضطراب متهربة من النظر في عينيه، فأمسك ذقنها يحثها على النظر في عينيه وسألها بأسف.
كلامي زعلك؟
ابتسمت بخفة وهي تهز رأسها نفيا وأناملها تمتد إلى وجنته تداعبها بنعومة مفصحة بالحقيقة.
انا منستش عشان تفكرني، كل الموضوع اني مش عايزة اشغل دماغي اليومين دول بس.

تبدلت ملامحه لشيء من الرفض والاستنكار، لكنه كان يبدو كالأبله وهو يحملق بها بتيه، دون أن يستوعب بعد أن كل هذا سينتهي غدا وكأنه لم يحدث قط!
أبعدت غرته عن جبهته متلمسة بشرته برقة وهي تبتسم ومن ثم سألته بنعومة.
هو مش يومين برضو؟

كان الصمت حليفه وعقله بصدد التفكير في شيء ما وهو يتابع الحملقة، والأفكار الغريبة تنهال عليه تحضه على الإقبال وتنفيذ ما لم يفكر به يوما، كما لن تتوقعه هي الأخري، ربما يغشي عليها إن عرفت فيما يفكر الآن.

استفاق من شروده على صوت دبيب الفرس وعدوها بياسمين تاركة إياه خلفها مرة أخرى يهيم في بحران من الشك، سرعان ما تبعثر وتلاشى وابتسم وضم شفتيه للصفير لكنه امتنع وتوقف يراقب ظهرها الذي يبتعد شيئا فشيء، ثم بعثر شعره وحرك ساقه وعاد خلفها سيرا على الأقدام.
وصل أخيرا بعد خمسة عشر دقيقة، وجدها تجلس على أرجوحة صدئة آيلة للسقوط في زاوية الحديقة، شاردة تحدق في العدم بهدوء غير معهود، وتعقد يديها أمام صدرها.

تقدم منها بخطوات حثيثة دون إحداث صوت، وجلس بجانبها فجأة فاهتزت الأرجوحة بقوة جعلها تشهق بتفاجئ أثناء وضع يده على كتفها العاري بابتسامة وهو يحمحم دافعا بكتفه إلى الجانب مع إزاحة جسده حتى التصق بها، وابتسامة هادئة تزين ثغره كأنه لم يفعل شيئا، مثبتا كاحله في الأرض ويهتز بالأرجوحة بخفة غير منتبه على صوت صريرها المتصدع.

حركت ياسمين رأسها للجانب تنظر إليه باستفهام، ونظر هو بدوره بحنو يستمليها بتلك المشاعر الغير منطوقة، حركت شفتيها للحديث و ما كاد صوتها يخرج حتى شعرت بنفسها تهوي وتسقط إلى الخلف، فصرخت بذعر وتشبثت بقميص يعقوب الذي كان يضحك بتفاجئ ورفع رأسه ينظر إلى أعمدة الأرجوحة وكان هذا آخر ما رأته قبل أن تشعر بظهرها يصطدم بظهر الأرجوحة الحديدي، ورأسها تستقر على العشب، وهو بجانبها يجلجل بضحكات متفرقة وعيناه معلقة عليها كأنهما مستلقيان بشاعرية أسفل القمر.

كانت عازمة على إسماعه وابلا من التقريع لكن تلك الضحكة النادرة المتفردة التي تجعل قلبها يتقافز داخلها، وتأخذها إلى عالم آخر أجبرتها على مراقبته بإبتسامة حانية دون أي نية لأن تحيد بنظراتها الوالهة عنه، والألعاب النارية تنطلق داخلها.

توقف عن الضحك وتنهد بعمق وعقد العزم على شيئا ما سيغامر ويفعله لكن غدا، إقترب بجسده منها ودس ذراعه أسفل رأسها لكي تتوسده وقد فعلت ودفنت رأسها في حنايا رقبته وأمتدت يدها إلى وجنته تداعبها بنعومة، واستكانت تبحث عن الأمان والطمأنينة.

أغمض عينيه دقائق يستمتع بتلك المداعبة الناعمة، راغبة في المزيد من الياسمين، خلل أنامله داخل شعرها مداعبا وذقنه تلامس جبهتها، فقام بطبع قبلة رقيقة على قمة رأسها، ومال يستنشق رائحة شعرها الذكي المنعش في كل وقت وحين.
همس بسؤاله بانتشاء.
مش جعانة؟
توقفت أناملها عن الحركة فوق وجنته وأجابت بسؤال آخر.
إنت جعان؟

أومأ بخفة وعينيه تسير على تقاسيم وجهها المشرق الوضاء متأملا، فهو لم يراها بهذا الجمال من قبل! يبدو أنها مكانتها بدأت تشغل حيزا كبيرا داخل قلبه، وانعكاس دواخله تجاهها يفرض عليه الكثير ويبدل نظرته كذلك، إنه مشدود إليها ولا يستطيع منها فكاكا.
اقترحت عليه بتحبب راغبة بفعل هذا.
تحب اطبخلك حاجة من ايدي؟
ضيق عينيه وسألها بشك.
بتعرفي تطبخي؟
أجابت بثقة وهي تقرص وجنته.
طبعا هوريك تعالي يلا.

وعقبت قولها بوقوفها وسحبه خلفها إلى المطبخ، وهي ترغي وتزبد معلنة عن كم هي طباخة ماهرة ستجعله يذوب في جمال طعامها أثناء سيرهما إلى الداخل.

توقف خلف الحاجز الرخامي يراقبها عن كثب، كيف تقف على أطرافها ورأسها تدور، وتلك الخصلات المبعثرة المتوهجة تترامي على ظهرها بانسيابية تثير في نفسه رغبة القفز الآن ولملمة كل هذا من على ظهرها ببطء وتمهل يذيب، فهي تبحث عن شيئا ما باهتمام لا تستطيع الوصول إليه بينما هو يبحث عنها هي.

عزم أمره ووثب إليها، توقف خلفها ومال عليها يسأل بعبث دافعا بجسده عليها، ويديه تمتد إلى خصرها محاصرا إياها بينه وبين المطبخ المعلق ونصفه المستقر أمامها.
بتدوري على حاجة؟

همهمت باهتمام وهي ترتفع بجسدها أكثر وتشرأب بعنقها، فأومئ لنفسه بخفة وهو يضم شفتيه ثم لاح المكر على محياه، وفارق بين كفيه وطرقع أصابعه ومط ذراعيه، وبغتة أمسك كفها بيد والأخرى حملها من خصرها وأجلسها فوق كتفه الأيمن فأصبحت أمام الضلفة التي لم تطلها وجها لوجة، طرفت بذهول وحركت رأسها تنظر إلى أسفل تحديدا وجهه الباسم مستعجبة السرعة فهي حتى لم تقوي على أن تشهق من المفاجئة.

ضحكت بنعومة وهي تهز رأسها، وقرصت وجنته ثم همت بفتح الضلف بالتناوب تبحث داخلها فلم تجد ما تريد وطلبت بهدوء.
مفيش فوق نزلني.
أومأ بطاعة، وقام برفعها وقذفها كأنه يتعامل مع فطيرة فسقطت في أحضانه ضاحكة متشبثة في رقبته بعدم إستيعاب لتصرفات ذلك الرجل حقا!، فمن المستحيل أن يكون هذا يعقوب نفسه!
شاركها ضحكاتها وهو يضرب جبهته بجبهتها بخفة، ضاما خصرها بتملك وتساءل بمرح.
بتدوري على ايه؟

ومضت عيناها بمكر ونبضت تلك الابتسامة الغير بريئة بالمرة على شفتيها وأجابت دون تردد وهي تبعد يده بتوجس.
بدور على خيبتك يا يعقوب.
وعقبت قولها بركضها إلى الأعلى تلوذ بالفرار منه، لكن حانت منها التفاته على الدرج، غمزته من خلالها بعبث رفقها إيماءة معبرة من رأسها تحضه على اللحاق بها وتابعت صعودها.

طرفة، عقبها ابتسامة بلهاء وعيناه تلحقان بها، فربما تكون تلك الجملة أسخف ما سمع يوما لكنها لاتبدو بتلك السخافة بالنسبة له!، بل تستحق أن يلقنها درسا طويل ويستعيد حقه منها، لقد بدأت الحرب، وركض خلفها إلى غرفة النوم كي ينتصر في تلك الحرب، فياسمين جعلت حياته تأخذ منحنى آخر جنوني أصبحت تجري فيه حياته.

مساء..
في قصر خالد.
القي خالد الصور الحميمية المفعمة بالمشاعر التي ترجع لعصفورين الحب على الطاولة، ووقف يشعل سيجاره الغليظ وهو يتنفس بعصبية واهتياج، كل شيء يسير عكس مخططاته حتي يعقوب خذله وسقط بشباك وسم تلك الحية، ولم يأتي بخبر قتلها عن طريق الخطأ من فرط استفزازاها! بل غرق معها ولن يأخذ بيده، بل سيخلي عنه.

أطفأها فجأة عندما شعر بانقباض وألم قلبه، فجلس يلتقط أنفاسه بصعوبة ويهدأ من روعة وصاح بإسم تايسون بصوت مرتفع مفزع.
امتثل أمامه في ثوان معدودة مجيبا.
أوامرك يا باشا..
ثم سأله بقلق عندما رآه يحل أزرار قميصه باختناق.
إنت كويس؟
لم يأته رد وبقي واقفا لدقائق معدودة يراقبه حتى تحسن حاله قليلا وشرع في الحديث سائلا بنبرة خبيثة.
مزهقتش من كتر الأوامر وجه. الوقت إنك تأمر!
ابتسم تايسون ونوق الحديث.

العفو يا باشا مين يتجرأ يأمر و حضرتك موجودة؟
رد خالد بنزق وهو يقلب عينيه فلا وقت لتملقه الآن.
يعني عايز ولا لأ؟
راقه الحديث، فأجابه بتلهف وهو يبتسم بخفة.
تحت أمرك في اللي حضرتك تؤمر بيه.
أومأ خالد برضا، وحين فجأة استوحشت ملامحه، وكشر عن أنيابه وأمره بنبرة منتقمة غير قابلة للنقاش انبعث منها شرا عظيم، حمل بطياته ضيرا لن يصيب سواهما.
يعقوب وياسمين تخلص منهم.

فيجب نزع فتيل تلك الحرب لتبدأ وقد أخذ خطوته بالفعل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة