قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السابع

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السابع

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السابع

أنت كما أنت، لم تتغير حياتك بعد، تستيقظ صباحا بعد مواجهة عنيفة مع أحزانك ليلا، وخوض حربا على أشدها مع البكاء، وطلب الاحتواء من وسادة صماء، ثم تغفى متمنيا أن تتغير حياتك البائسة؟!، العيب عيبك يا فتى أنت البائس لا حياتك!

أغلق الطرف الآخر الهاتف بابتسامة سعيدة وهرول إلى رب عمله يخبره سريعا بحماس متقد.
جالنا بلاغ عن عوض شكري يافندم.
تفاجأ الآخر وحثه على التحرك بسرعة منفعلا.
ولسه هنا؟ بسرعة اتحرك لازم نمسكه المرادي.
أومأ إليه برسمية قبل أن يتحرك باندفاع ليؤدي عمله بتفان، ليتمتم رئيسية بعد أن خرج وهو يضجع على مقعده.
وأخيرا هتقع ياكينج.
سؤال بسيط..

لم تم تسمية عوض بالكينج، والإجابة غاية البساطة، لأن الشرطة لم تنجح في القبض عليه يوما، رغم كل البلاغات التي تقدم ضده ينجح في الفرار في آخر خمس دقائق، لاتستطيع الشرطة أن تدينه بأي شيء لأن سجله وتاريخه وتاريخ عائلته وعمله نظيفا كليا لا تشوبه شائبة، ومنزله أرقي من أن يتم تخبئه المخدرات داخله، سنوات مديدة قضتها الشرطة في البحث والتقصي والمداهمات عليه ولا يصلوا لشيء لكن تلك المرة ربما يتم الإمساك به متلبسا بالجرم المشهود.

ياسمين؟ ياسمين! متنفعش دي مختلة عقليا مش طبيعية!
أبدي يعقوب اعتراضه الشديد بعد سماع إقتراح عوض في أن يجعلها تدس السم إلى خالد في الطعام.
تنهد الكينج وبادر بالحديث لكن يعقوب من استرسل في موجة إعتراضه المنفعل الذي تعجب منه.
ومعندهاش سبب يخليها تعمل كده أصلا ده بيعاملها معاملة الأميرات!
أبتسم الكينج وقال بوجوم.
متخافش غير من دول يا سندباد، انا عرفت من مصادري أن خالد كتبلها بعض أملاكه.

وابتسم بسخرية وتابع بنزق.
البشر طماعين بطبعهم، واحنا ممكن ندخل في دماغها انه كاتبلها كل حاجة والعائق الوحيد عشان تورث وجوده صدقني ساعتها مش هتتردد لحظة تقتله لأنها هتكون مسعورة في الوقت ده.
لم يبدو أن يعقوب اقتنع لأنه بالفعل أخبرها أنها تنازلت إليه عن كل شيء سيصبح ملكها، فما الدافع لكي تفعل؟ هي سوف تفضحهم فقط هذا ما تجيده.

قرأ الكينج ماتجلي على ملامحه واقترح شيء آخر لأن يعقوب ربما يعرف ما لايعرفه هو ويكون محق برفضه.
لو مش هينفع بالطريقة يبقي نخليها على عماها وتموته من غير ما تعرف وتلبسها هي لأن محدش عايش معاه غيرها.

بدي هذا الإقتراح ألطف إلى يعقوب وسيوفر عليه الكثير، ويتخلص من الإثنين في ضربة واحدة وهذا أفضل، ورغم هذا لم يبدي اللهفة والرضي التام وعمد على سؤاله المستفهم، الذي استدعى التصفيق لنفسه بسبب اللطف والطيبة المفاجئة.
بس ليه الغدر وأنت مفيش مشكلة بتجمعكم سوي!
أتته إجابته بتبلد وقسوة.
خالد رفع عليا سلاحه في بيتي ودي حاجة مش بسامح فيها.

شهقت ب خضة عندما سمعت صوت دوي صافرة الشرطة يتردد من بعيد، جحظت عيناها ونظرت من النافذة بفزع والسيارات تتضح إليها أكثر فأكثر، وضعت كفها على وجنتها بصدمة وهي لا تستوعب فعلتها، لقد أتو مبكرا عما ظنت! وسيتم القبض على الجميع بسببها، حاولت جمع أفكارها وسط هذا الصخب والتوتر لكي تخرج من هنا، بتشوش والضوء الأحمر يقترب صوب السيارة!

حولت بصرها تجاه الحارسين بانفعال، ووتيرة أنفاسها تعلو، لتجدهما يتبادلان أطراف الحديث قبل أن يلتفتان إثر الصوت المفزع بالنسبة إليهم، تنبهت حواسها وانحنت داخل السيارة وفتحت الباب الخلفي وخرجت متسللة منحنية الظهر كي لا تدركها الأبصار تاركة الباب مفتوحا خلفها.

اقتربت من الدراجة النارية خاصة يعقوب متسللة منحنية وشعرها يرفرف حول وجهها، بخطوات متلاحقة سريعة وحذائها يصدر صوتا بفعل الحصى الصغيرة التي تدعسها، تناولت الخوذتين بين يديها فور وصولها وركضت إلى الداخل، سمعت صوت ضجيج خلفها لكنها لم تلتفت خوفا مما سترى.

تقدمت من الحراس المتصلبين وتخطت العاملين لدي يعقوب لأنهم يعرفون هويتها بالفعل، أما حراس الكينج فكانوا العائق الوحيد وقد دفعها أحدهم من كتفها دون الحديث فارتدت إلى الخلف، كادت تصرخ لكن صدح صوت اطلاق ناري من الخلف، تأهب الجميع وإلتفتوا حولهم وهم يخرجون مسدساتهم الملقمة جيدا، لتصيح بأعلى صوتها كمن تنادي والدها كي يستمع إليها.
يعقوب، يعقوب خليهم يعدوني.
أبتسم يعقوب في الداخل وتضامن معه.

موافق وك، إيه ده؟
قالها وهو يهب واقفا عندما سمع صوت طلق ناري متوقعا الغدر من الكينج.
قال الكينج بنبرة عادية وهو يلوح بيده كي يطمئن.
تلاقي حيوان مفترس ظهر لأن المكان مهجور هنا.
لم يقتنع يعقوب، بل ونظر خلفه نظره خاطفة أدركت الحراس المصفوفين خلف الباب وعاد بنظره إلى الكينج لتتسع وهو يتساءل إن كان ما لمحه صحيحا أم لا! كاد يلتفت لكن صوتها المستنجد لم يترك له مجال للشك أنه يهذي بل ثقب طبله أذنه.

يعقوب خليهم يعدوني، يعقوب!
لاحظها الكينج أيضا فوقف من مكانه ورحب بها وهو يلوح للحراس لكي يتركوها تلج.
أهلا بالياسمين نورتي.
تجاهلته بل ولم تستمع إليه البتة، وهرولت إلى يعقوب لاهثة بوجه شاحب، وهتفت سريعا من بين أنفاسها المتلاحقة وهي تناول يعقوب الخوذة بيد، وبالأخرى شابكت أناملها معه وضغطت عليها تحثه على الذهاب معها.
يلا نمشي بسرعة يا يعقوب البوليس هنا.

عقف كلا حاجبيه وهو يوزع أنظاره بين وجهها البادي عليه التأزم، وبين كفها والخوذة بتعجب وريبة ملاحظا حالتها الغريبة!، فهز رأسه بعدم فهم وهو يناظرها ببرود، لتصرخ بفقدان صواب عندما لم يتحرك من مكانه.
هيتقبض علينا يلا البوليس برا؟!
لم يصدقها قط، بل ونزع يده من يدها بحنق وسألها بتهكم.
ووصل لهنا إزاي؟
صرخت به بعصبية وهي تضرب قدمها أرضا بعنف.
أنا اللي بلغت.
قلب عينيه تضامن مع رفع طرف شفتيه بسخرية وزجرها بحدة.

بطلي سخافة بقي وارجعي العربي..
قطع سيل حديثه سماع تحذير الشرطة في أحد المكبرات الصوتية بعدم المقاومة، وبدأ التراشق بالأعيرة النارية ودوى الأصوات العنيفة.
فاتسعت عينيه وسألها من بين أسنانه وعيناه تستعر ب نار الغضب وأنامله توصم الخوذة وتكاد تخرقها.
ليه عملتي كده؟
تقلصت ملامحها في ندم، وبررت بأسف وهي تأشر على الكينج.
أنا مجبتش سيرتك بلغت عن عوض شكري بس، يلا نمشي يا يعقوب!

أحس عوض بتلك اللحظة كأن أحدهم قذقه ب سطلا من الماء المثلج سقط فوق رأسه، وهو يسمع تصريحها بوضوح وهي تأشر عليه بكل تبجح دون مهابة!، فماذا فعل لها كي تبلغ عنه؟!
فغر يعقوب فاه بصدمة فاقت صدمة الكينج غير مستوعب فعلها؟ فإن أرادت الانتحار لم تكن لتقدم على هذا؟ عوض لن يرحمها إن نجي من هذا!

إلتفت يعقوب ونظر إليه لبرهة يحاول قراءة تقاسيمه الباردة حد الشحوب، ليستشف الحال الذي أصبح عليه بعد سماع المصيبة، ثم انتقل بنظره إلى ياسمين، فكانت ترجوه وتتوسل بنظراتها كي يذعن ويذهب معها.

هرولة سريعة، رفقها تأوهات مكتومه، تزامنت مع تراشق الأعيرة النارية، وزمجرة رجولية، تناهي كل هذا لسمعة، فقام باللعن من بين أسنانه وأمسك كفها بقوة وركض بها إلى الباب الآخر الذي يقع مكانه خلف الكينج مباشرة، وهرب بها تاركا الكينج متحجرا مكانه مع هذا الكم من المخدرات وحده.

تحتم على عوض أن يستعيد وعيه في تلك اللحظات، عوضا عن ندمه بقية العمر وهو خلف القضبان، وصرخ باهتياج لمن تبقى معه في الغرفة من رجاله بأعين دامية مخيفة.
اتحركوا يا بهايم وشيلوا البضاعة دي وكتوا من هنا؟!
إلبس الخوذة عشان محدش يشوفنا. أخبرته وهي تفلت يده وارتدت خاصتها، فكاد يضربها بها في وجهها من فرط الغضب الأهوج الذي تلبسه، تلك الكارثة المتنقلة لا يجد ما يردعها به!

زفر بحنق وارتداها بالفعل لأنها محقة، ووقف خلف الحائط وهي خلفه يراقبان الفوضى التي عمت، والدوريات التي تأتي وتزحم المكان داعمة وعيناه تكاد تخرج على دراجته النارية المصفوفة وسط الفوضى!
أخذ شهيق طويل وهو يخرج مفتاح الدراجة من جيب بنطاله متخذا قراره بالمخاطرة، وطفق يقول بهمس لا يكاد يسمع بسبب الخوذة وهم بإمساك يدها.
إحنا هنمشي عادي كأننا مش من هنا.

اتسعت عيناها وهزت رأسها برفض مستنكرة قوله بتلك البساطة، وتحركت شفتيها للإعتراض لكن كان قد سحبها وسار بها وسط الزحام وتكبيل البعض من رجاله وهو يصب كامل نظره وتركيزه على دراجته، عازما على الوصول إليها مهما كلفه الأمر، بهيئتهم تلك المشابهة لكائن فضائي متجول يمتلك رأسا غليظة.
اقفو عندكم!

شهقت بخوف، وانقبض قلبها، وضغطت على قبضته وتباطأت خطواتها، فدعمها عبر ضم أناملها بقوة أكبر أوقفت سير الدماء في عروقها وابيض كفها، وتضاعفت سرعته واتسعت خطواته دون الإلتفات ورؤية المنادي كأنه لم يسمع من الأساس.
قولت أقفو عندكم.
قرن قوله الصائح بإطلاق رصاصة في الهواء كي تخيفهم ولكي يتوقفان وقد حدث بالفعل، وتوقفا لثانية.

هو يستعد للفرار وهي رعبا، فحرك رأسه للجانب وهتف آمرا ب بغلظة وجدية شديدة وهو يحرر قبضتها وحثها على فعل الأكثر خطورة من خلال نظراته.
إجري.

جحظت عيناها وشهقت عندما ركض وتركها، ورغما عنها انساقت خلفه وراحت تسوقها ساقيها ولحقت به بكل سرعتها بلهاث دون الإكتراث، قفز فوق الدراجة وانحني محتميا عندما تم الإطلاق عليه، وأدار المفتاح وأشعل المحرك سريعا وهو يتنفس بعنف، لتقفز خلفه بسرعة وتحوط خصره بقوة غير مسبوقة منتظرة إقلاع رحلة الطيران التي سيأخذها إليها، و واحد، واثنين، وثلاثة. ، كان قد إنطلق بها بسرعة خاطفة ك سرعة البرق، والوقوع في الحب إن أمكن، وقد انطلقت خلفه سيارة شرطة مطاردة.

لعنها وضاعف سرعته وأمرها بصوت مرتفع.
اقلعي الخوذة وارميها على العربية بتاعتهم.
شهقت ونفت بقوة وهي تتحدث بصياح كي يسمع.
لأ هيلاقوا عليها بصماتي مش هعمل كده.
صرخ بها بجنون وهو يحرك رأسه وكاد يفتعل حادث.
لو معملتيش كده هرميك من على الموتوسيكل في نص الطريق!
رفضت بإصرار وهي تتشبث بخصره ثم اقترحت متحذلقة.
خلاص هرمي بتاعتك إنت!

لم يرد عليها من فرط الغباء الذي تتحدث به، وتركها تخلع خوذته بيدها واناملها تلامسها بدون أي إعتراض أو خوف، وقامت بقذفها على السيارة أدت إلى شرخ زجاجها الأمامي من قوة دفع الهواء وجعلتها تترنح وتتراجع إلى الخلف، ليضاعف هو سرعته دون ترو وتبصر، ومقلتاه معلقة في المرآة الجانبية يراقب مايحدث خلفه، فكاد يصطدم بشاحنة نقل كبيرة بسبب توقفها فجأة وتوقف حركة المرور خلفها.

صرخت ياسمين وأغمضت عيناها بقوة وهي تدس رأسها بظهره بتلك الخوذة آلمته، في حال ضغط على المكابح بقوة وهو يصر على أسنانه بعنف حتى توقف على بعد خطوة من تلك السيارة فقط.

زفر براحة وأحس بحبيبات العرق المتدفق من جبينه، والتقط أنفاسه بأريحية ثم زمجر بغضب، ودفعها بظهره للخلف كي تبتعد وتحرك ببطء بين الفراغات البسيطة وسط السيارات التي تكفي مرور دراجة، وزعيق الأبواق متأرجحا بدراجته يمنة ويسرة كي يضيع وسطهم ويصعب الوصول إليه، و نظره معلق على المرآة الجانبية يراقب ما يحدث خلفه مجهم الوجة.

توقفت السيارة في الخلف ولم تتقدم بسبب الازدحام، لكن هذا لم يمنع أنهم قاموا بالتبليغ عنها وتم إعطاء كامل مواصفاتها ورقم اللوحة كي يتم الإمساك بهم الليلة.

نجح بالهرب والخروج من ذلك الازدحام وتابع طريقة بظفر وسرعته تتضاعف، ولم يتخطى دقائق على هذا الوضع حتى أبصر من على بعد ذلك الكمين الذي يستقبله، جأر بغضب وضغط المكابح بقوة وهو يستدير بالدراجة كي يعود قبل أن يلفت النظر ويثير الشك!، أدى إلى احتكاك الإطار بعنف في الأرضية، صرخت ياسمين بخوف وهي تتشبث شتت انتباهه فغفل واستدار برأسه إليها، وبثانية كانا يتدحرجان على الأرض بعنف والدراجة تسبقهم حتى استقرت في الأرض والإطار كان لايزال يدور مكانه.

تأوه يعقوب بقوة وهو يحرك رأسه، بضعف وملامحه تتقلص بألم شاعرا بحرقة في ظهره إثر التجلط الذي أصاب جسده من قوة احتكاكه بالأرض، وأحس بأن رأسه تم سحقها ب صخرة ضخمة والأجراس تقرع داخلها، ويداهمه دوار عظيم ويراهن أنه ينزف!، رفع نصف جسده وهو يبسط كفيه فوق الأرض وتأوهاته تتعاقب خروجا من فمه داعما نفسه للوقوف كي لا يسقط، سار بعدم إتزان يبحث عنها بوهن يجر قدميه خلفه بعرج بين حتى أبصرها بعيدة عنه ببعض خطوات مسطحة دون حراك.

تقدم بعرج وهو يتحامل على آلامه كي يصل ويهرب قبل أن يصلوا هم إليه، سقط على ركبتيه أمامها ليتناهى لسمعه أنينها وهرطقتها بالكلمات الغير مفهومة، رفع رأسها على ذراعه بتعب وأبعد عنها الخوذة التي حالت بين سحق رأسها في الطريق ومن الجيد أنها لم تنزعها، ومن ثم سألها بقلق وهو يتوجع.
إنت كويسة؟
همست بتثاقل وهي تحاول تحريك جفنيها بوهن.
رجلي، رجلي..

كاد يتحدث لكن سمع صافرة الشرطة تقترب! نظر إلى ساقها سريعا ثم وقف ورفعها معه من خصرها وجسدها يتراخى أكثر فأكثر كالهلام بين يديه فكادت تسقط وهو معها كذلك، لكنه تماسك وهو يضغط على أسنانه من الداخل بعصبية، وتحامل على ساقة السليم وجلس القرفصاء عليها وحملها على ظهره ووقف وأحاط خصره بساقيها ورأسها تستقر على منكبه، وشعرها يلامس وجهه، وذراعيها يتدليان من فوق كتفه، وسار في طريق معاكس مهرولا بها وهو يراقب الطريق الخاو بعين زائغة.

كان الطريق طويل لا ينتهي، ولا يسير به الكثير من السيارات ومن العجيب أن تتواجد الشرطة هنا لكن فهم أنها أتت من أجله.
لوح إلى سيارة أجرة ميكروباص ذات إثني عشر كرسي فارغة كانت تأتي باتجاهه، وقفت أمامه وقبل أن يسأله السائق عن وجهته عبر النافذة فتح يعقوب الباب وأنزل ياسمين وحطها على المقعد الأمامي وجلس بجانبها وطلب منه الاستداره والعودة سريعا.
لف لف وأنا هحاسب على العربية.

أذعن إليه بسبب هيئته الواهنة، واتساخ ملابسه وحمل تلك الفاقدة للوعي بحالتها المذرية! عرف أن خلفهما شييء ما، أو يهربان من شيء، واستدار يقود على مهل ليعود صوت الشرطة يصدح من جديد.
نظر السائق إلى المرآة الأمامية وحدق بالشرطة عبرها، ثم انتقل بنظراته على يعقوب الذي تنبهت حواسه بينما كان يحاول إفاقة ياسمين بعصبية.
نظر يعقوب خلفه من زجاج السيارة الخلفي ثم طلب متعجلا من السائق.

بسرعة ياسطا ولما يقابلك شارع ادخله ونزلنا.
أومأ السائق وفهم ما يحدث، وأسرع من طريق آخر مختصر يعرفه جيدا، به سيارات كثيرة مشابه حتى أضاعته الشرطة، وتوقف بهما في موقف السيارات.
ترجل يعقوب عندما شعر أنهما لاذوا بالفرار، ثم ساعد ياسمين التي بدأت تستيقظ نسبيا فى النزول دون أن تضغط على ساقها.

ترجلت معه وهي تتأوه، فوضع يده أسفل فخذيها والأخرى خلف ظهرها ولفت هي ذراعيها حول رقبته وانزلها بجانبه، أسندت رأسها على صدره بوهن وهي لا تقف باتزان، فأحاط خصرها وضمها إليه وهو يخرج حفنة من النقود من جيب بنطاله وجبينه يتفصد عرقا لأنه وبطريقة ما فهم من نظرات السائق والطريق الذي قطعه أنه ساعده في الهرب. ، فقال بامتنان غير مسبق قبل أن يغلق الباب خلفه.
شكرا.

أومأ السائق وقاد مبتعدا، ليهتف يعقوب سريعا وأوقف أحد وسائل النقل السريعة.
توك توك.
توقف أمامه وصعد مع ياسمين وبدأ ب شرح ووصف الطريق إليه، لكي يوصله إلى وجهته البعيدة متمنيا أن يصل بخير دون أن يتعطل بهم وسط الطريق.
أخرج هاتفه بقلق ودعى بهمس لنفسه أن يكون سليم على حالته ولم يتم سحقه، فوجد به كسر لم يؤدي إلي تدميره كاملا ويمكنه إجراء مكالمة أيضا، فهم بالإتصال بخالد سريعا.
أتاه صوته حادا متعصبا.
إنت فين؟

قال بهدوء وهو يمسد جبهته بألم ورأس ياسمين تستقر على كتفه.
مع ياسمين رايح بيت المزرعة عشان البوليس بيطاردنى.
تنهد خالد ببعض الارتياح ثم هدر سائلا بعصبية.
وإيه اللي خلاك تاخد ياسمين معاك مكان زي ده!
زفر بضيق وقال بازدراء مسيطرا على أعصابه كي لا ينفجر في وجهه.
هي اللي أصرت تيجي وكنت هخرجها بعد العملية وكانت بعيد خالص عننا!
أتاه رده المتهكم أشد التهكم.

وعشان كده البوليس جه لحد عندي بسبب العربية اللي واخدها فيها.
سأله باهتمام.
وعملت إيه؟
جلس على كرسيه الجلدي الوثير واضجع بأريحية وقال بوقار وثقة.
العربية دي مسروقة من شهر إنت متعرفش؟
أبتسم يعقوب بعبث وحذا حذوه قائلا.
لا عارف طبعا، وعشان كده بقول إن كاميرات المراقبة اللي محطوطة في طريق (، ) عطلانه وطبعا المتوسيكل إنت عارف عمري ما ركبته ولا بعرف أسوق.
ضحك خالد وجاراه في الحديث وقد فهم المغزى.

طبعا عارف من غير ماتقول، المهم تخليك كام يوم في المزرعة لحد ما الدنيا تهدى.
أكيد ياباشا.
كاد يغلق لكن سأله خالد.
عرفت اللي حصل؟
أجابه يعقوب بجهل.
لا!
فقال بتشفي ونبرته تنم على سعادته الدفينة.
الكينج اتقبض عليه.
أوصد يعقوب جفنيه بقوة وهو يسبها سباب مقذع، ثم فتح عينيه وسقط نظره عليها مراقبا وهانها، إنها ميتة لا محالة إن استطاع الخروج من السجن.

وصل المزرعة، بعد ساعة وسط الظلام الدامس عدي من أعمدة الإنارة المصطفة على طول الطريق، ونسمات الهواء المداعبة بعض الشيء بسبب الفراغ من حولهم، بل كانت رياح شديدة تضرب جسديهما بسبب استقلاله وسيلة المواصلات المجردة من أي باب أو نافذة كي تحميهما من الهواء الطلق.

كان صوت صهيل الأحصنة يملأ ويتردد في المكان، ترجل من ال توك توك وحملها على ظهره وسار بها إلى البوابة الرئيسية وهو يصيح بالحراس كي يفتحوا الباب إليه.
أتوا مهرولين وسبقه أحدهم إلى باب المزرعة الداخلي وتم فتحه إليه، ناول أحدهم ياسمين وآلامه تتضاعف وأمره وهو يضعها بين يديه.
طلعها فوق وتعالى.
أومأ بطاعة ورفعها إليه أكثر كي لاتسقط فأطلقت تأوها قوي جعلت يعقوب يهدر بعنف وهو يصفق الباب خلفه.
براحة ياحيوان.

اعتذر بأسف ثم صعد بها بخفة وبالغ في انتباهه عليها، بينما يعقوب اتجه صوب المطبخ يبحث عن علبة الإسعافات الأولية وسط الفوضى والأتربة بتعب، فالمكان يحتاج إلى التنظيف لأنه مغطى بالأتربة.

وجدها أخيرا بعد عناء البحث والسعال البسيط وطبقة من الأتربة كانت تغطيها، فتناول قطعة قماش مجففة من على الطاولة ونظف علبة الإسعافات بسرعة واهمال، وصعد إلى الغرفة بعدها عبر السلم الخشبي الذي كان يسمع من يصعد فوقه صوت دبيبه.

فتح الغرفة بهدوء تضامن مع خروج الحارس ونزوله إلى الأسفل بسرعة، وثب يعقوب وأغلق الباب خلفه، سقط بصره مباشرة على السرير الذي تفترشه بجسدها وملابسها المتسخة، اقترب وجلس قبالتها ثم سألها بقلق ويده تمتد وخلع حذائها الرياضي بخفة.
حاسة بإيه؟
قالت بألم وهي تسند راحة يدها على السرير دعمتها في انتصابها وجلوسها نصف جلسه، ثم أشارت إلى موضع الألم.
رجلي مش عارفة!

تحسس كاحلها برفق ولين وهو يسألها بصوت يضعف ويخبو بسبب آلامه هو.
هنا الوجع؟
أومأت بألم وهي تنظر إليه بأعين دامعة، فأراح ساقها على الفراش بخفة، ثم فتح علبة الإسعافات وقام بتدليك موضع الألم بكريم مسكن بنعومة ورفق أثناء تأملها إليه بسكينة، وقام ب لفها برباط ضاغط وقال بخفوت والوهن تمكن منه، وبالكاد كان يفتح عينيه وانفاسه تخرج ببطء.
الصبح هتكونى كويسة.

أومأت بإبتسامة وله حمقاء لا تعرف كيف صدرت منها، ومتى امتلكتها لكنها كانت لأجله لأنه استحقها في هذا الوقت.
تلاشت البسمة عندما رأت خط دماء يسيل على رقبته، فاختض قلبها وسألته بقلق وهي تقترب ورفعت يدها إلى رقبته.
يعقوب إنت كويس؟ أنت بتنزف!
دفع يدها قبل أن تصل إليه كانت بمثابة صفعة، وحمل علبة الإسعافات ووثب إلى المرحاض لكي يضمد جرح رأسه.

خرج بعد دقائق يلف شاش طبي حول رأسه، بعد أن قام بتنظيف قميصه من الأتربة وغسل وجهه، وتقدم منها بنظرات لا تنم على خير البتة جعلتها تجزع، وقف على مقربة منها بأعصاب مشدودة وسألها بنبرة باردة صقيعية ارعبتها.
بلغتي ليه؟
أجابت بصدق دون مواربة وهي تبعد شعرها خلف أذنها ببطء مستفز.
كنت بهزر معاك.

كادت تصيبه ذبحة صدرية من ردها، وكبح نفسه عن القفز فوقها وإشباعها لكمات تدميها حتى الموت، وتمالك نفسه وسألها بابتسامة مخيفة وهو يكشر عن أنيابه ويده تمتد إلى مسدسه في خصره.
تسمحيلي اهزر معاك!
ابتسمت بروعة وقالت مرحبة محبذة.
طبعا.
أومأ بإبتسامة تلاشت وحل محلها الوجوم، والقسوة تخط وجهه ثم صوب بمسدسه على رأسها!، فشهقت بخضة لم تكتمل عندما أطلق عليها دون سابق إنذار أو تردد!

مرت الرصاصة من جانب رأسها مباشرة، ولو لم تكن ثابتة وتحركت لكانت اخترقت جمجمتها!، إستقرت خلفها داخل الحائط عقبها سؤاله بسماجة شوبت بتهكم وهو يبصرها تضع يدها على قلبها برعب حقيقي، بأعين جاحظة مشدوهة والدموع متحجرة في عينيها، وصدرها ينقبض وينبسط بقوة، متيبسة محلها، والدموية غادرت وجهها وتشابهت بالموتى.
إيه مش عاجبك هزاري؟

حاولت النطق لكنه أطلق مجددا على المنبه الموضوع على الكومود المحاذي إليها، دمره أدي إلى صرختها وانتفاضتها من مكانها وهي تضع يدها على أذنها بذعر، وهدر بعنف أرعد فرائصها.
انطقي!
نطقت عندما أستطاعت بحلق جاف مجدب، بنبرة غلب عليها المرارة وشفتين مرتعشتين وهي تلقي عليه اللوم.
بتهزر! هتموتني وبتقول بتهزر؟
صرخ بها بقسوة وهو يركل ساق الكرسي الخشبي الملحق بالتسريحة القديمة.

وإنت عملتي إيه؟ مش كنا هنموت بسبب تخلفك؟ أهو اتقبض عليه مبسوطة؟!
انهمرت عبراتها بخوف، وقلبها مستمرا بالقفز داخل قفصها الصدري بألم، وردت صارخة.
أحسن مبحبش الراجل ده.
ضحك بملل وهو يشد على خصلات شعره بقوة، ودمائه تغلي من فرط الغضب، لم يغضب؟ فلتذهب إلى الجحيم هي من ستموت.
هدأ من حدته قليلا، وقال من بين أسنانه مصطنعا اللا مبالاه لكي لا تكون جاهلة بمصيرها الذي تكرر بناء على أفعالها.

ده لما هيخرج هيقتلك وهيمثل بجثتك!
سخرت بتهكم وهي تكفكف عبراتها بضيق.
لما يخرج بقي ده اتقبض عليه في قضية مخدرات مش عشان رمي منديل في الأرض!
رد عليها بحدة بسبب محدودية تفكيرها.
وإنت فاكرة إنه هياخد حكم وهيتسجن مش كده؟ ده إيده طايلة وهيخرج.
زمت شفتها وقالت ببراءة وهي ترفع عيناها اللامعة إليه آسرة له.
إنت هتحمينى.
ماذا تقول هذه؟ لقد كان يخطط للتخلص منها مع الكينج أي حماية هذه التي تطمع بها؟!

تجاهلها وزفر بعنف وقد فاض به منها ومن تصرفاتها الغبية، وجلس على الكرسي يضم رأسه بين كفيه، يحملق في الأرض وهو يفكر بشرود في كيفية قضاء الوقت هنا معها دون قتلها والتطاول عليها بالضرب، لأنه لايملك سببا وجيه يجعله يتحمل تلك الغليظة.
شاكسته عندما طال صمته، قائلة بعبث وهي تتحرك وتفسح إليه مكان بجانبها.
ماتيجي جنبي.

اخترقت الكلمات أذنيه خرقا، جعلته يرفع رأسه ملبيا هذا النداء، ينظر إليها ببرود ثلجي لتعيد بإلحاح وهي تبتسم بدلال.
يعقوب تعالي جنبي بدل ما أنت قاعد كده؟
سألها بغضب.
أجي فين؟
قالت بلطف وهي تطرف وتمسد على السرير بكفها.
جنبي إنت مش جوزي؟
رفع كلا حاجبيه وأعاد بخطورة.
جوزك؟
أكدت كي لا تترك مجالا للشك وهو تغمزه.
طبعا جوزي وأنا مراتك مش كده؟
ابتسم بخبث وهو يقف وهتف مؤكدا وهو يحل أزرار قميصه.
طبعا جوزك.

حثته على الإقتراب بلا حياء أو خجل وهي تراقبه بتسلية.
طيب تعالي بقي.
أوي أوي إنت تؤمري.

صباح اليوم التالي..
نزل الدرج الخشبي وهو يرتب شعره الكثيف بأنامله بنعاس لم يفارقه كان ولا يزال يتثاءب ورأسه يؤلمه قليلا، تناهى إلى سمعه صوت دندنة ناعمة غير واضحة مزجت مع صوت الأغنية المرتفع في الأسفل.

توقف على بداية الدرج، ونظراته مصوبة في اتجاه واحد شاخصة كأنها السهام، لاتهتز أجفانه ولا ترتعش رموشه، يبصرها وهي توليه ظهرها وتتمايل بدلع وتغنج بخفة بسبب قدمها المصابة، وتربط قميصها ذات الأكمام حول خصرها، تغني بوضوح تزامن مع تمايل خصرها مع الموسيقي وذراعيها العاريين تتلوى بهما في الأعلى.
قالوا الجمال سمار احتاروا السمر فيك، والبيض قالوا النهار أجمل مافيه عنيك.

راقصت كتفيها مع تطويح رأسها وتناثر شعرها وبعثرته وهي تتابع بإبتسامة جذابة.
حبيتك أخر الأمر وهحبك طول العمر، بحبك باستمرار وهحبك طول العمر! يا أجمل مافى البيض وأحلى مافي السمر..
تبدلت ملامحها بتأثر وتابعت بشجن وهي تضع يدها على قلبها وحركتها تتباطأ.
بحب بكل براءة وبراءة وخوف، والتقطت لوحة كانت توضع على الخان، وضمتها إلى صدرها ودارت حول نفسها في حلقات وشعرها يرفرف حول وجهها متابعة بشجن.

بحب بكل معاني الهوى وانا قلبي عليك ملهوف، بحبك آخر الأمر وهحب..
توقفت مع استدارتها إلى الخلف لتبصره يقف يشاهدها وهو يكتف يديه أمام صدره، ويبدو على ملامحه التسلية ويبتسم باتساع!

ضرب شعرها وجنتها إثر التفاتها السريع وتيبسها محلها، طالعته وهي تلهث وصدرها ينقبض وينبسط، وخط عرق بسيط كان يسيل من رأسها نزولا إلى صدرها المكشوف بفضل كنزتها السوداء الطرية ذات الحمالات الرقيقة! لكن ما الخطب مع تلك النظرة في عينيه؟!
أجلت حنجرتها وهتفت بصوت خفيض مرتبك.
ص، باح، الخير.
رد بلطف، ببحة رجولية غير إعتيادية.
صباح الروقان.
ابتسمت مجاملة، وقالت وهي تشير بيدها إلى الخارج.
الفطار جاهز تحب ناكل؟

أومأ وتحرك من مكانه وتقدم منها.
أحب أوي يلا بينا.
وختم قوله بوضع يده على كتفها العاري، وساقها إلى الخارج بلطف دون دفع أو خشونة في التعامل!

الجو هنا لطيف أوي بس المكان محتاج اهتمام وتنضيف أكتر من كده!
قالت بعد أن استقرت على المقعد في الحديقة مبدية إعجابها بالجو اللطيف في العاشرة صباحا، قبل أن يشوب الجو حرارة الثانية عشر ظهرا.
شرعا في تناول الطعام بهدوء وتناغم، كعروسين سعيدين وكأن النزاع والشجارات الدائمة بينهما لم تحدث يوما قط.

توقف عن الحركة وصب كامل تركيزه معها، مسلطا نظره عليها أثناء تناول الطعام وشرود الفكر بادي علي معالمه، وعقله يزخ بالكثير من الأفكار، وسؤال لحوح لا يغادر عقله يحضه على سؤالها وقد فعل.
ياسمين لو طلع كل اللي إنت فيه ده عبارة عن خدعة هتعملي ايه؟
بلعت اللقمة وهي ترفع رأسها بإبتسامة غريبة لم تتراءى إليه يوما وسألت هي بعبث.
تعمل إنت إيه لو طلع كل اللي إنت فيه ده خدعة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة