قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن

«لا أحد يحب المقارنات، لأنها تجعلك تدرك قيمتك الحقيقة وهي صفر ».

أجابها بنزق وهو يرفع كوب المياه بين أنامله يرشف منه.
ماترديش عليا بسؤال!
ابتسمت بلطف وأسندت وجنتها فوق قبضتها، وقالت بإبتسامة متسعة بعد أن توقفت عن تناول الطعام وتواصلت معه بعينيها اللامعتين.
بس انا بجد نفسي أسمع إجابتك ممكن؟
رفع حاجبه الأيسر، ورد وهو يستند بذراعيه فوق حافة الطاولة.
جاوبي إنت الأول!

تنهدت واضجعت على المقعد بأريحية مطلقة، ثم قالت بهدوء وهي تعقد يديها أمام صدرها، وأجابت ببعض الكلمات البسيطة الغامضة بالنسبة إليه.
أنا محدش يعرف يخدعني يا يعقوب.
أبتسم ولا يعرف السبب، أكان يسخر بسبب خداعها الذي تم وانتهى الأمر وأخذت المقلب الأعظم في حياتها!، أم إنها ابتسامة تعجب بسبب ثقتها التي نطقت بها عبر سيل كلماتها شوشته وأثارت فضوله أكثر.

خطط إلى سؤالها بكل هدوء عن مصدر تلك الثقة، لكن خانه لسانه وخرج سؤالا آخر كان يفتك بعقله طوال الأيام السابقة.
ياسمين بقيتي رقاصة إزاي؟
ضحكت بخفة وأشرق وجهها ولمعت عيناها فجأة وبدأت وصلة كذبها المتقن بغصة، ومرارة الحنظل تطغى عليها بسبب الكذب الذي تمنت لو كان حقيقة، لأنه لو كان لما أصبحت على ماهي عليه الآن.

إسمع يا سيدي، زي ما قولت قبل كده إن ناس اتبنتني، والحقيقة إنهم ربوني احسن تربية، ودخلوني مدارس مستوي وجامعة برضه لحد ما خلصت دراسة، وكنت بروح اسهر معاهم لما بيخرجوا يرفهوا عن نفسهم في الكباريهات وكده..
وصمتت وابتسامة ساذجة لاحت على محياها وتابعت قصتها الخرافية التي ألفتها الآن.
كنت بتفرج عادي وقبل كده هفني الشوق وقومت رقصت وحبيت الموضوع.

لم يقتنع كليا بما قالت، بل وحملق بها لدقائق صامتا والشك ينضح من عيناه ثم سألها بشك مستنكرا تلك القصة.
واهلك؟ وشهادتك عادي كده تبقى رقاصة؟!
ضحكت وأخذ جسدها في الاهتزاز وهي تمسد جبينها، مخفضة الرأس، وصوتها يعلو وينخفض بوتيرة غير ثابتة، لقد صدقها حتى إن شك لكنه صدق في النهاية وسأل!

تعجب ضحكها، وجعد حبينه كشرة غاضبة سائمة، بلغ مبلغها من الغضب أنه كاد يركل ساقها من أسفل الطاولة، كي تخرس وتخفي ابتسامتها الجميلة المستفزة تلك.
اعتذرت بأسف وهي تضع يدها على شفتها، ورفعت غرتها بأناملها النحيفة إلى الخلف قائلة.
معلش يا يعقوب اصلي افتكرت حاجة كده آسفة.
أومأ على مضض وسألها بجدية.
وصاحب الكبارية محاولش يتحرش بيكي؟

كان سؤالا جامدا أكثر من كونه جدي، حملها على الضحك فضحكت بنعومة وخللت أناملها في شعرها تزيحه إلى الجانب ليلمع ويشتعل أسفل ضوء الشمس الذهبية وهي تقول.
فيلم عربي اوي كده، بس مش ده اللي حصل، بالعكس عمره ماعملها ولا هيقدر يعملها ده أنا أقطع له إيده.
وسكتت في انتظار سؤاله الثاني وهي تنظر إلى معالمه بتدقيق وخبث، لتضيف فجأة منفعلة عندما إكتمل الحوار داخل عقلها، واسترسلت سيل حديثها مضيفة.

لما عجبته والصالة ولعت عرض عليا الشغل بمبلغ كبير جدا جدا يعني والحقيقة وافقت عشان كده بس!
سألها بجفاء.
مادية حقيرة يعني؟!
أجابت بهدوء وهي تهز كتفها.
لو شايفها كده عادي مش هتفرق.

أومأ بتفهم ولم يطيل معها الحديث، لأنه سأل على شيء محدد وأجابته ولا يريد أن يتطرق إلى التفاصيل، وقد ارتاح ذلك القابع في يسار صدره قليلا فقط إن صح التعبير، فهناك شعاع أمل بسيط أنها لم تدنس ولم تسير على طريق المجن، هي راقصة فقط وقد اتخذته كنوع من الترفيه والتسلية ومصدر لجلب الأموال لنفسها لا أكثر كما قالت، هذا إن كانت صادقة.
وبالنسبة لخالد!

سأل باستفهام تواري خلفه الكثير من الانزعاج ليأتيه ردها بسؤال مجددا.
ماله عمو خالد؟
قال بدون تعبير وبنبرة تزخ إنزعاج.
مش ملاحظة إن علاقتكم وطيدة زيادة عن اللزوم بالنسبة لواحد لسه عارفاه من شهر؟!
ابتسمت بعبث وسألته بمكر وهي ترفع كتفيها بحركة لطيفة كفتاة خجولة.
بتغير عليا يا روحي؟
زفر بيأس وهو يهز رأسه، ثم قال بقنوط ولأول مرة تستشف من حديثه نبرة صادقة تمثلت في قوله هذا.
انا قلبي عليك مش أكتر!

ردت بتبلد مع اقتضاب ملامحها تعبيرا عن رفضها، لأي مبادرة لطف قد تصدر منه تجاهها قد تحول بين هدفها الأوحد.
قلبك تقيل يا يعقوب.
ضحك وهو يضع أنامله فوق شفته العلوية، مؤكدا على قولها بعنجهية، مسلط النظر عليها.
عندك حق.
حدجته بنظرة نارية لن تفيدها ولن تقدمها معه خطوة أو تؤخرها، فطفقت تقول بعد أن أعلنت راية الإستسلام وسمحت لنفسها بأخذ هدنة معه، قائلة بذات التبلد وابتسامة مبتسرة تخصه وحده تعلو ثغرها الرقيق.

انا بقول الأحسن إننا نكمل اللي باقي حبايب من غير تطاول لا بالإيد ولا باللسان لحد ما كل واحد يروح لحاله وصدقني انا هختفي من حياتك ومش هتشوفني تاني!
عقف كلا حاجبيه وقال مستفهما.
ومين قال إني عايزك تختفي! والأهم وقت ايه اللي باقي! مش المفروض إنك بنته وهو مش هيفرط فيكي؟ معقول هتفرطي إنت؟

باغتته بهجومها بذلك السؤال وهي ترفع حاجبها بتحد عوضا عن الرد، كما تعلمت تماما، أن وسيلة الفوز بمحادثة ما تحتم عليك الهجوم.
وأنت ياتري بقي هتفرط فيه ولا هتبقي عليه؟
رد بعدم فهم بسبب قولها المبهم.
تقصدي إيه؟
تبسمت وهي تخفض رأسها ساخرة بأسف شديد، وأناملها تداعب حافة الكوب الزجاجي بسبابتها.
عيب العقرب بنفسه يسأل السؤال ده!
قست ملامحه وهدر محذرا.
ياااااسمين
همست بتسلية كأنها تتحدث داخل أذنه بدلال.
يعقوووب!

زفر بحنق ووقف وكاد يذهب لكن استوقفته بقولها الجاد الجامد.
اللي يخون الراجل اللي شغال معاه بقاله سنين من غير مايحس بأي ذنب، مش من حقه يسألني إزاي هفرط بسهولة! كل واحد فينا عنده أسبابه وأهدافه ومقتنع بيها تماما ودي حاجة ترجع لينا.
إبتسامة ساخرة شقت شفتيه واكتفي بالصمت، فلايملك ما يقال!، لكن ما تضمره إلى قاتل والديها كان يثيره لكي يعرفه.
سألها السؤال الأخير وهو يشعل لفافة تبغ.

لما تلاقي فريد هتعملي إيه يا ياسمين؟
تبدلت معالم وجهها كليا وتراشقت معه نظرات قوية ثابتة، عدائية كأنها الجحيم حتى ظن لوهلة أنها ستقف من مكانها وتضربه!، هذه ليست ياسمين ذات الوجه المشرق البشوش بتاتا!
مسدت جيدها بكفها ببطء، ومطت شفتيها وقالت بنبرة خاوية باردة كأنها تتهجى حروف اسمه.
هقتله.
ضحك بسخرية وهو ينفث الدخان أمامه وسألها باستخفاف.

وإنت فاكره بقى إنك هتعيشي في سلام وإنت قاتلة؟ فاكرة إنه إحساس جميل يعني؟! وحطي تحت تعيشي ميت خط لأنك مش هتعرفي تنامي أصلا!
قال جملته الأخيرة بانفعال شديد، يقاوم شعورا دفين بالندم يقمعه داخله من سنوات طوال، محمل بألم ينخر العظام، وكم من تقريع الضمير الذي ينغص عليه حياته. ، مازال هناك بصيص أمل دفين داخله قد يدفع بحياته للأحسن وقد تسوء أكثر، لكن الآن فقط يريد منعها هي لكي لا تعاني معاناته.

اخرجته من صفونه ب ردها المتعجب الباسم.
ومين قال اني بعرف أنام يا يعقوب؟ بالعكس أنا مش هنام مرتاحة غير لما أقتله وروحه تطلع قدامي! ده حلمي وأمنيتي فاهم يعني إيه؟
قال بجمود.
وبعدين؟ هتدخلي السجن.
ردت بلامبالاة وهي تهز كتفيها.
ولا تفرق إن شاء الله أموت بعدها بس يموت هو الأول.
سألها بحدة.
متعرفيش عقاب القتل في الدين؟
تعجبت أيما تعجب، وابتسامة شاردة علت محياها بينما سؤالا مهما لاح في خلدها أخرجته بلا تردد.

إنت اللي بتتكلم عن القتل يا يعقوب؟
هز رأسه بأسف والألم يرتسم على تقاسيمه تداخل معها ابتسامة معبرة، فلم يتراءى إليها غيرها وما كان لها سوى أن تظن أنه يسخر وهذا حثها على القول بنبرة حزينة مبالغة في الحزن.
طبعا ليك حق تضحك! دي أقل حاجة ممكن تعملها.
وكأنها كانت تحادث نفسها وهو لم يفهم المغزى من ذلك القول؟،
هل قصدت أنه لا يملك قلبا كي بواسيها! أم أنه أقسي من أن يفعل؟!

ظل يحرق في سجائر لفترة من الوقت والصمت يطغى عليهما، هي شاردة في مصيرها الذي كررته والذي لن تتوانى عن فعله قط، مهما كلفها الأمر، وواجهتها صعوبات قد تحول بينها وبين هدفها.
وهو دعس لفافة التبغ بسبابته وابهامه داخل أحد الأطباق الفارغة لعدم توفر منفضة زجاجية، ثم قال بهدوء وجدية لن يسبق أن رأتها.
هي لم ترى الكثيرتقريبا.
ياسمين إنت ممكن تبدأي من جديد!

لاتعرف أكان هذا سؤال أم أمر؟، كما لم يعرف أكان يسألها كي تجيبه بما يتوق إلى سماعه، أم يأمرها بما يريد تحقيقه أيضا، في النهاية طريقها سوف يسوقها إليه في الحالتين وهذا مايبتغيه.
فاق من شروده على ملمس كفها الناعم يحط فوق ظهر يده الخشن، عقبه سؤالها ب ود والبريق يتلألأ في عينيها، وبيدها تداعب ظهر يده وكأن بينها وبينه عمار.
أني بداية تقصدها؟ بدايتي معاك؟

سحب يده من أسفل كفها، وهو يبتسم بسمة لم تصل لشفتيه سائلا بعدم فهم.
بدايتي معاك؟ هو في حاجة بتجمعنا غير التسلية؟!
أطلقت تنهيدة طويلة مبعبرة، حملت بطياتها الكثير والكثير من الإحباط الحقيقي الذي استشعرته الآن معه، بسبب عدم أي تقدم! فما الخطب معه أو معها!، لم هي دائمة التأثر به على عكسه؟، هو ليس الرجل المثالي وحلم جميع الفتيات بالتأكيد لكن هي تنجذب إليه!
سألته بخفوت واستحالت ملامحها للحزن.

أنا بالنسبالك إيه يا يعقوب وياريت بكل صراحة.
أجابها بالصراحة المطلوبة دون أن يزين قوله.
رقاصة لا أكتر ولا أعلى.
تعمد استبدال اللفظ بآخر، فهي قابلة للتدني حسب قوله ونجح بإيصال مقصده هذا.
ضحكت بنعومة وهي تومئ بخيبة، تعجبت لها وتعجبت من نفسها أكثر بسبب تلك المشاعر المرهفة التي تتولد داخلها ولمن؟، الشخص الخطأ، والأسوأ والذي تعهدت للإنتقام منه أشد الإنتقام.

كان يتطلع إليها دون أن يحيد بنظره قط، وهي كانت تخفض رأسها تناظر أناملها التي تعتصرها، والصمت الكئيب يسطو على المكان، عدي من صوت صهيل الحصان الممتع بالنسبة إليها.
ازدردت ريقها، مبتلعة طعم العلقم الذي علق في حلقها، والدموع طفرت في عينيها، ثم طلبت بنبرة خرجت مهتزة.
عايزة أركب الحصان.
رفع بصره إليها وحاول قراءة معالم وجهها بينما يقول بهدوء.
مش هينفع عشان رجلك وممكن تقعي ولحد دلوقتي منعرفش هي فيها إيه.

قالت بضيق وهي تقف.
يهمك أوي؟
لم يرد عليها واكتفي بالحملقة فاستطردت بعصبية.
كويسه مفيهاش حاجة هي اتلوت بس ولو مش هتساعدني هركبه لوحدي.
وعقبت قولها بسيرها تجاه الإسطبل المجاور للمنزل ب عرج بين والحزن يغمرها، هي الغبية التي خانتها مشاعرها أولا، تتساءل إن كان يكن ولو قدر بسيط من المشاعر الصادقة لها، كيف ستكون تصرفاته؟

فتحت الباب الحديدي باندفاع ووجلت، وتجولت تعرج بين الأحصنة التي تعد على أصابع الأيدي، فأعجبها روعة الأبيض وشموخه، تقدمت منه وإبتسامة رقيقة تزين ثغرها.
تردد في ملامسته في بادئ الأمر، لكن تشجعت ومسحت على وجهه طولا باستمتاع ونعومة وهي تتهامس معه بخفوت شديد، لم يصل إلى مسامع ذلك الذي يقف خلفها يراقبها، عاقدا يديه أمام صدره بشيء من التأمل.

فتحت الباب وأخرجتها من حظيرتها وهي تبتسم بحماس شديد، وسعادة بسبب استجابته وتحركه معها بهدوء وسلاسة، أوقفته أمامها واستعدت لإمتطائه ورفعت ساقيها على السياج لكن وبثانية شعرت بنفسها فراشة تحلق، وقلبها يخفق بعنف بفعل يده التي رفعتها من خصرها وأجلسها على ظهر الفرس بصمت، ثم أمسك لجامه لفه حول كفه وسار بهما إلى الخارج يأخذها جولة به حول المزرعة.

هتفت بروعة، بعد نصف ساعة من التجول والابتسامة لا تفارقها وشعاع الشمس الدافئ يمسها ينير وجهها ويزيدها افتتنان.
بجد المكان هنا حلو أوي ومريح جدا.
إكتفى بإيماءة بسيطة دون أن يجمل أحد العبارات، ويظل يرددها ويثني على المكان طوال الوقت لأنه محتجزا هنا.
نظرت إليه بطرف عينها وسألته بنزق.
معندكش أي تعليق على المكان؟
قال بغرور وتعال.
حلو مش بطال.
لوت شدقها ممتعضة، ولم تعقب على قوله ف قلة الحديث معه خيرا.

بعد دقائق من السير، وتأمل الطبيعة بصمت وهدوء، عدي من صوت حافر الفرس، و أغصان الشجر التي تنكسر أسفل قدمي يعقوب، طفقت تقول بتمني.
تعرف يا يعقوب إني نفسي ابني ملجأ.
لم يأتيها رد، بينما ارتفعت زاوية شفتيه لآخرها دون تعقيب.
تأففت بصوت خفيض قبل أن تسأله بضيق.
مش بترد عليا ليه؟
قال بجمود.
إنت بتقوليلي أصلا ليه؟ أنا مالي أنا تبني ولا متبنيش!

غلت الدماء داخل عروقها من فرط الضيق، بسبب تبلده معها وهي تتنفس بحدة ثم قالت باحتدام.
طيب أسفين لحضرتك رجعني بقي زهقت.
هز كتفيه بلا مبالاة، و استدار على عقبية ساحبا معه الفرس عكس الإتجاه وعاد صوب المزرعة.
زفر بضيق وانعقف كلا حاجبيه عندما عاد ووجد الطاولة على حالها دون أن تترتب أو يتم حمل الأطباق إلى الداخل ف جمجم بغضب.
فين البهايم اللي هنا؟
قالت بنزق وهي تقفز من على ظهر الفرس لتنزل.

وهتفضل معتمد على البهايم كده كتير!
تفاجئ وسارع بإلتقاطها، عبر لف ذراعه حول خصرها بسرعة، رافعا جسدها عن الأرض قبل أن تلامسها بقدمها المصابه، جعلها تستقر فوق قدمه بحركة ناعمة ممتزجة ببعض الخشونة جعلتهما متلاصقان.

اختلج قلبها وطالعته بمقلتيها المهتزتان بتذذب وهي تضغط ب راحة يدها على ذراعة الصلب تحضه على ما لا تعرف كنهه بعد!، صانعة تواصلا بصريا عميق وملامحه تحفر في ربوع ذاكرتها، ورأسه قد بدأت في الإنحناء إلى شفتها المكتنزة في قرب حميمي أعادها في تلك اللحظات إلى حدث أمس الذي لا يفارقها.
مساء، أمس..
أكدت كي لا تترك مجالا للشك.
طبعا جوزي وأنا مراتك مش كده؟
ابتسم بخبث وهو يقف وهتف مؤكدا وهو يحل أزرار قميصه.

طبعا جوزك.
حثته على الإقتراب بلا حياء أو خجل وهي تراقبه بتسلية.
طيب تعالي بقي.
أوي أوي إنت تؤمري.
قالها وساقيه تسوقانه إلى السرير، سحبها من كاحلها بغته جعلها تشهق بخضة، سطحها وجثم فوقها وقيد ذراعيها أعلى رأسها بثوان معدودة دون أن تستوعب ماحدث، لكن أنفاسه الحارة المحمومة التي كانت تضرب بشرتها الحساسة التي انصهرت أسفله جعلتها تدرك حجم المصيبة التي أوقعها لسانها بها.
بتقولي حاجة بقي؟

سألها بعبث، مراقبا ووجها القارب للشحوب وتذبذبها ومفاجئتها لاستجابته السريعة.
لجم لسانها، وعجزت عن الرد، ولم يسعفها جسدها الذي أحكم حصاره أسفله، لتهمس ببعض الرجاء الذي لم يسمعه قبلا.
سيبني يا يعقوب.
مش ده طلبك؟
سألها بسخرية وهو يطالع وجهها المحتقن ولايعرف أكانت غاضبة أم أنها على وشك البكاء.
أعادت بثبات من بين أسنانها لم يخفي رجفه نبرتها وتخوفها منه.
سيبني يا يعقوب.

والعجيب أن قبضته ارتخت على ذراعيها، وتحرك مبتعدا ببطء دون النبس بكلمة إعتراض أو عند، جعلها تتعجب وخرج سؤالها الفضولي رغما عنها، الذي عجز لسانها عن كبحه أكثر.
بسهولة كده؟
إبتسم بجانبية، وهمس وهو يعود للانحناء عليها ورائحة التبغ تلفها، وطرف شفتيه يلامس شفتها العلوية كانت بمثابة قبلة سطحية أطاحت بثباتها وهو يقول.
الحاجات دي مش بتتاخد قفش يا مشمشة وأنا عايزك تتبسطي.

ماتبسطني كادت تنفلت من بين شفتيها تلك الكلمة بعد أن عجزت عن كبح جماح مشاعرها أكثر، ولوهلة كادت تلبي نداء دواخلها وتطلب منه البقاء بحجة تلك الورقة التي بلا قيمة إلى حد ما.
حرر ساعديها ورغم هذا ظلا ثابتين خلف رأسها كأنه مازال يثبتها، وداعب وجنتها الخوخية بأنامله الباردة مسببا في انكماشها وتغضن ملامحها، هامسا بخفوت شديد وعينيه تلمع بشيء من الجدية.
متبقيش تطلبي حاجة إنت مش قدها تاني يا مشمشة إتفقنا!

أومأت بحركة متباطئة متكاسلة، والحمرة تتصاعد وتدرج فوق ووجنتيها خجلا، ليبتعد عنها ومن ثم ترك الغرفة بأكملها إليها.
انتصبت جالسه كالمصعوقة، وتحسست وجهها بكفيها وصدرها ينقبض وينبسط بقوة، وعينها تتدحرج في أرجاء الغرفة الخالية منه بزيغ، تحاول استيعاب أن هذا حدث أم إنه من نسج خيالها!

مسحت وجهها بكفها بحدة، وتبدلت ملامحها واكفهرت أيما اكفهرار وهي تستعيد ذلك المشهد مرارا وتكرارا، حتى أصبح جسدها ساخن ضمائي موشكة على الفتك بالجميع والانفجار ك بركان.
صرخت بجنون، صرخة ذات دوي هائل، تردد صداها في أرجاء الغرفة وانسابت إلى مسامعه في الخارج وهي تشد شعرها، جعلته يضحك بصوت رنان في الخارج وهو يضع يديه داخل جيب بنطاله ويتكئ بكتفه على الحائط.

سمعته، تناهي صوته إلى مسامعها، فهبت من فوق السرير كزوبعة، وركضت إلى الباب لا تنوي إليه خيرا بتاتا.
فتحت باب الغرفة بقوة أدت إلى صفعه، وجذبت يعقوب من ياقته بقوة أدخلته معها وصفقت الباب خلفهما، دفعت جسده إلى الحائط بعنف جعل ابتسامته تتسع ويرتفع ثغرة بجانبيه، عندما وضعت ذراعيها حوله من الجانبين محاصرة له، وهمت بسؤاله بغضب وهي تقف على أطرافها كي تصل إلى طوله وجها لوجه.
بتضحك على إيه؟

طالعها بصمت وهو يبتسم من ذلك القرب مستمتعا أيما أستمتاع بسبب فعلتها، وعينيه تجيل على ملامحها الدقيقة الناعمة ونواجذة تظهر أكثر، أربكها فازدرت ريقها وانخفض كتفها المستقيم وأراحت أطرافها على الأرض، وعادت قصيرة تؤلمها رقبتها بسبب طوله الفارع وبسبب طول حملقتها به كذلك.

طال صمتها مع حملقتها المتأمله الصامته، فضرب أرنبه أنفها بسبابته بعبث، سائلا بكلمة مكونة من ثلاثة أحرف بسيطة وهو يرفع كلا حاجبيه بشك متجاهلا ما يخبره به حدسه عن سبب تلك التصرفات.
إيه؟
بلعت مابحلقها الجاف، وهربت الحروف، وتلعثم اللسان، وقبل أن ترد شعرت بنفسها، ترفع وتجذب وتثبت هي على الحائط محله وجبهته تلامس جبهتها، يتقاسمان الأكسجين نفسه، وتتضارب أنفاسهما الحارة.

أوصدت عينيها، وبادر وسأل بهمس، ببحة رجولية وقبضته تضغط على خصرها بحركة مدروسة وبأنفه يبعد بعض الخصيلات المتمردة عن وجنتها.
إنت عايزة إيه؟
لم تقوى على النطق ولا الحركة، بل فتحت عيناها بكسل وثقل وهي تهز رأسها بحركة غير ملحوظة، من المفترض أن تعبر عن رفضها ونفي كونها تحتاج لشيء ما، وفي الحقيقة هي لا تحتاج سواه.
طال قربه، وطال صمتها، وأستكان قبل أن يهمس بشغف.
مش هتردي يا مشمشة؟

ثأثأت تقول بضعف متهدجة الأنفاس وهي تطرق برأسها كي يبتعد.
ع، عا، يزة، أنام.
أومأ بتفهم، وحررها وابتعد عائدا إلى الخلف، فلم تدعمها قدميها اللينة التي لم تحملها أكثر، فكادت تسقط أرضا لكن قبضته الفولاذية التي التقطتها حالت هذا، وبدورها أسندت يدها على صدره المعضل وعيناها تبوح بالكثير.
استنكر حالتها هذه وسألها بسخرية فاذة لم يرغب أن تخرج بهذا الشكل المهين.
فين قوة وكبرياء ياسمين؟

شعرت بالأهانة جراء تلك السخرية، وتري أنها تستحق لتسليم مقاليدها إليه، لكنها مازالت متحكمة قليلا ولم تسلم كليا بعد، لكن السخرية آلمتها أكثر من أي سخريتة أخري، كانت هذه الأقوى من بين الجميع.
طفرت عيناها بالدموع، وبلعت غصة مؤلمة دون أن تجرؤ على رفع نظرها إليه، بل كانت تعد أزرار قميصه شاعرة بالانهزام، بلعت غصتها بمرارة، وهمست بنبرة مرتجفة قبل أن تزداد حالتها سوء وتبك.
عندك حق وعايزة أنام من فضلك ممكن؟!

أي انفصام لعين هذا الذي يجعلها تتحول من تلك الأنثى الناعمة التي لا تحتمي سوي به إلى تلك البغيضة المستفزة المنفرة؟!
إبتعد بضيق لم يخفيه وخرج وصفع باب الغرفة خلفه بعنف، انتفض جسدها بقوة وكانت الإشارة لترك العنان إلى عبراتها تنهمر بغزارة كيفما شاءت.

تقدمت من الفراش، تجر قدميها خلفها وعيناها تفيض من الدمع، تحتضن ذراعيها باحتماء والبرودة تزحف إلى أوصالها، ودثرت نفسها أسفل الغطاء رغم لطف الطقس، وضمت ركبتيها إلى صدرها، وأجهشت في البكاء بقوة وعنف، كأنها خاضت عراكا قضى على كل عظمة سليمة بجسدها.

لا يجب عليها أن تحول عن هدفها الأساسي بتلك الطريقة!، لا يجب عليها أن تضل طريقها!، لا يجب عليها أن تحمل مشاعر إلى ذلك الحيوان!، لا يجب لأنها ستؤذيه سواء أحبته أم لا!، هي بالفعل تحبه، وستطوله أذيتها ولن تتراجع مهما حدث بينهما لن تتراجع.
الحاضر..

نفخ يعقوب في وجهها، جعل شعرها يرفرف وابتعد ضاحكا وهو يفلتها لتفتح عيناها وتستيقظ من أحلامها الوردية وعادت لأرض الواقع، وللطاولة المبعثرة التي مازالت تحمل الفطور.
مسدت رقبتها بخجل، ونظرت حولها بارتباك وغمغمت بضيق كي تواري تذبذبها.
فين الحيوانات اللي شغالين هنا ها؟

استدار يعقوب على عقبيه ينظر إليها وكلا حاجبيه مرتفعان، وابتسامته ابغضتها لا تفارق ثغره تجعلها تفقد صوابها أكثر، ألم تكن تلك كلماته التي اعترضت عليها من ثوان؟
فأعاد قولها مقلدا إياها بسخرية.
وهتفضلي معتمدة على الحيوانات دول كتير؟
تنهدت بقوة، وتقدمت ب عرج وجلست على الكرسي أمام الطاولة، وأشرت بيدها على الكرسي المقابل وهي ترفع نظرها إليه كي يجلس وتتحدث معه قليلا، بجدية لأجل القرار الأخير.

أذعن وجلس مقابلها، واسند ذراعيه على الطاولة ونظر إليها مباشرة، منتظرا فيض حديثها الذي تنطق به معالم وجهها من شدة رغبتها في البوح به.
يعقوب بجد بقي هتفضل معتمد على الحراس دايما كده؟
هز رأسه بعدم فهم وسأل باستفهام.
وضحي أكتر مش فاهم؟

عضت جانب شفتها السفلي بقوة، تزامن مع إبعاد شعرها المشع خلف أذنها بارتباك وهي تتحرك في جلستها بإنفعال وقالت ب ثرثرة كأنها خجلة من سماعه لتلك الكلمات، بنوع من السرعة لكنه فهم لأن حواسه كانت متنبه إليها وقرأ حركة شفتيها بتركيز.
يعني، أقصد، إنك لما تتوب وكده هتكون لوحدك وهتخدم نفسك أو حبيبتك هتخدمك مش كده؟!

خيم صمت عظيم المكان، عدي من إحتراق أعصابها وتوترها من عدم رده، عندما طال شروده وحملقته في وجهها بجمود، دون الرمش مرة واحدة ضاعف قلقها.
هي فقط ماذا تظنه كي تسأله هذه الأسئلة؟، إنها تتمادى معه أكثر من اللازم!
حك طرف حاجبه الأيسر وهو يبتسم باقتضاب مجيبا بما تريد وبما لا تريد باستفاضة وتهكم.

ياسمين إنت فاكراني إيه؟ حبيبتي! وتخدمني؟ من كل عقلك فاكره إن هيكون عندي حبيبة في يوم من الأيام! وحبيبة إيه دي اللي تخدمني؟
ضرب جبهته كأنه نسي الأهم وتابع حديثه بأسف مصطنع.
تقصدي رقاصه مش لاقيه حد يلمها
ولا واحدة شمال؟
تلون وجهها بألوان قوس قزح، وازدرت ريقها وقالت بتردد وهي تخرج الكلمات بتلعثم وصعوبة.
أق، أقص، أقصد، إنك هيجيلك يوم وتبطل وتتوب و..
قاطعها باستهجان كأنها قالت لفظا مقذع.

أتوب! أتوب! وهل أنا شخص ممكن يتوب؟!
ابتسمت بلا بأس ولانت ملامحها، وامتدت يدها في تردد إلى كفه ولامسته بنعومة، قائلة برفق وعيناها تلمع وتفيض بالكثير.
ليه لأ يا يايعقوب ونبدأ من جديد ونرمي كل ده ورا ضهرنا!
سحب كفه من أسفل يدها دون ترفق، أدي إلى اصطدام كفها ب سطح الطاولة بقوة، وتابع سيل حديثه الجامد المستخف، وهو يشعل لفافة تبغ وينفث دخانه بوجهها.

ضهرنا! ضهرنا مين؟ أنا وإنت مثلا؟ إنت فاكره إنك حاجة بالنسبالي ولا هتكونى حاجة؟ حد هيألك كده يعني؟
لم ترد، وظلت مسلطة الأنظار عليه دون ابداء الكثير من التأثر على ملامحها، بينما داخلها كانت تنكوي كيا إزاء كلماته المهينة ونظراته المستهدفة التي تذبحها ذبحا، ليستطرد وهو يلوح بأنامله التي تحتضن لفافته البيضاء بعدم إهتمام قاصدا السخرية التي لطالما نجح بإيصالها.

ياسمين إنت فترة كام يوم وتنتهي وهتيجي غيرك! والحقيقي كان نفسي أتسلى معاك بس إنت اقل من كده.
ووقف عن الكرسي، ومال عليها بنصف جسده العلوي، وضرب جانب رأسها بسبابته ك شخص غبي مسترسلا بقسوة.
فاهماني ومستوعبة ولا بعد كام ساعة هتبدأي كلامك اللي مالوش لازمة و محاولاتك المثيرة للشفقة عشان أعبرك؟

ضغطت على أسنانها من الداخل، وضمت قبضتها بجانبها بقوة حتى إبيضت، وارتفع صدرها بثوران، وطفرت عيناها بالدموع، ورفعتها إليه محملقة به بنظرة معبرة لن ينسى الشر الذي كان ينضح منها أبدا، ولا الوعيد والإصرار ولمعه الحقد الذي لمحها بذلك البريق، قبل أن تنزل تلك العبرة الوحيدة التي سيبك أمامها أضعاف مضاعفة.

نبض قلبه بحزن لأول مرة وهو يراقب تلك العبرات والخيبة تكسو ملامحها، في الطبيعي أنه يتلذذ برؤية أي شخص يبك بفضله، فالتعذيب أكثر ما يجيده ويحبه، لكن الآن هناك شيء بداخله يبغض ذلك الشعور المتلذذ برؤيتها تبك.

أبعد تلك الأفكار المشوشة عن رأسه، وبدد ذلك الشعور بالأسف ورفع جسده وانتصب واقفا، وقبل أن يحرك لسانه للنطق، تمالكت نفسها واستعادت رباطة جأشها والحرقة تكوي حلقها، ووقفت وقالت بإبتسامة رقيقة وكأن شيء لم يكن.
عندك حق يا يعقوب، إنت الصح ودايما كنت صح.
أومأ بتفهم وهو يكتف ذراعيه أمام صدره، لتستطرد متوعدة لكن بلطف.
ربنا يقدرني يا يعقوب وأردلك كل اللي أنت بتعملو قول أمين.
أبتسم وقال بهدوء.
أمين.

أومأت بتفهم وقالت وهي تقف.
أنا هتمشي شوية.
وعقبت قولها بتحركها من أمامه وسيرها دون أن تسمع موافقته، كأنها كانت تخبره لا تستأذن، وهو لم يمانع لأنه فعل ما يكفيها، ولأنه مدرك تماما أنها لو كانت فتاة عادية لكانت احتجزت نفسها في غرفتها وظلت تصرخ وتبك بعويل بسببه.
فتركها تتجول قليلا وحدها، ظنا أنها حول المزرعة دون الإبتعاد، فلم يراقبها أو يتبعها لأنه لم يخطر له قط أنها قد تتركه وتذهب نهائيا.

مساء..
لقيتوها؟
صرخ بهم بجهور ارعبهم وهو يدور حول نفسه داخل غرفة الجلوس أمام المدفأة المنطفئة والأفكار تتزاحم وتعصف برأسه السيئة منها قبل الجيدة.
تشجع أحدهم وأجاب بثبات.
لأ مل، آآآآه
لم يكمل وتأوه بقوة دون أن يقدر على الإنحناء أمامه عندما ضربت كتفه الأيمن إحدى التحف الصلبة أصابته، تبعها زمجرته الغاضبة وقوله باهتياج شديد مهددا.

مفيش حاجة اسمها مش لاقينها! تجيبوها من تحت الأرض ولو مظهرتش الليلة ماتلوموش إلا نفسكم.
وترك المزرعة وغادر بحثا عنها في القرب، والأماكن التي من المفترض أن تمر بها من هذا الطريق، فكان يتقفى أثرها ويسأل، لكن اختفى هذا الأثر في مكان معين ولم يراها أحدهم في القرب، وكاميرا المراقبة كانت معطلة وهذا من حسن حظها.

سوف يجن! فأين ستذهب بقدمها الملتوية هكذا؟ ومن سيفكر أن يعيلها وهي لا تملك سوى الثياب التي ترتديها!، ولم الذهاب دون سابق إنذار فهو لم يكن ليمانع فكرة تجولها بأي مكان في الخارج معه، لكن لم الهرب؟، هل جرحها وذهبت تطلب العون لتضربه! أم أنها غضبت غضبا شديدا وشعرت بالإهانة وتعاقبه؟، أم أنها تحاول ترك
مساحة له كي يكتشف إن كان يحبها أم لا؟، هذا مبتذل!
لكنها نجحت وأثبتت.

بعد مرور يومين..
يومين عصيبين، شديدا السواد، وشديدان السوء على ثلة الحراس بسبب الضرب المبرح الذي يتلقونه من يعقوب كل ليلة، كلما أتته نوبة غضب تعصف بالجميع قبله، لا يستطيع التحكم بها، فهم لا يعرفون أين يجدون تلك الفتاة!، فهي خلاصهم الوحيد من بطشه الذي يطول أكبرهم قبل أصغرهم، وبعودتها سيهدأ رئيسهم قليلا وتنقشع تلك الغمامة السوداء عنه.

فهو قضى اليومين يبحث عنها كالمجنون، يحرق في سجائر لا تعد ولا تحصى حتى ظن من رآه أنه فقد عقله وسيلحق به صدره المسكين المتروس بالنكوتين القاتل، علاوة لعدم شربه للمياة كالبشر، ولا أخذ الدواء بانتظام، وخاصرته كانت تنبض بألم من حين لآخر، وسبيلها كان التجاهل.

أطفأ لفافة التبغ بعصبية وهو يسحقها أسفل أنامله بقوة قهرية وصدره يتضخم بعنف، لم يخفي هالاته السوداء، ولا احمرار عينيه الشديد إثر الأرق، وهندامه المبعثر جراء التفكير العميق.
فهو يئس من إيجادها، يبدو كمن يتعلق بآمال واهية، كفتاة عقيم تنتظر الإنجاب بشغف!

ولج أحد الحراس ركضا مهرولا إليه بلهاث، ويبدو على معالمه القليل من السعادة والحبور وهو يستعد لإلقاء الخبر السعيد المنتظر بحماس، يضاهي حماس عروس زفافها اليوم.
ناظره يعقوب ببرود أثلجه وهو يرفع رأسه، بقسوة تنضح من عينه، تضاهي صلابة ملامحه ولذاعة كلماته، وقبل أن يبادر تحدث الحارس بسعادة والفرحة تتراقص في نبرته اللاهثة.
ل، ل، قيتها، لقيت ياسمين.

اتسعت عينا يعقوب وهب واقفا من محله وجذبه من حاشية ردائه بعنف سائلا بنبرة جهورية.
فين؟
أجاب وهو يلتقط أنفاسه.
في الكبارية، الكبارية اللي جبتها منه بترقص، واللي عرفته انها رجعت هناك من يومين.

أفلته يعقوب وبدي مشدوها، والكلمات تطن في أذنه كأنه ألقاها عليه صارخا، كيف لم يفكر في الملهي الذي أتت منه؟، وكيف تفعل؟، فهو يكاد يحرق الأخضر واليابس لأجلها وهي ترقص!، يكاد الحراس يفقدون حياتهم لقلة الكفائه وهي ترقص أمام السكارى؟، ستندم أشد الندم.
كشر عن أنيابه، وقست ملامحه وهو يضغط على فكه من الداخل مع هزة بسيطة من رأسه متوعدة، سيريها كيف تهرب منه.

وانطلق وغادر المزرعة وخطواته تحفر الأرض حفرا، في طريقه إلى الملهى الذي سيهدم فوق رأسها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة