قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث

لا يموت أحدهم من قلة الحب، ولا من هجران الحبيب، أو انشطار القلب! تلك فكرة عقيمة، أنت تموت فقط عندما تظمأ حد الموت ولا تجد ما تروى به جوفك.

توقف بالدراجة النارية أمام بوابة القصر ذا اللون الأبيض المزود بنقوشات ذهبية منقمة باحترافية.
ترك الدراجة مع الحراس الجامدون في الخارج ووثب معها سيرا على الأقدام.
سارت خلفه بخطوات متعثرة وهي تمسح المكان بنظراتها بتدقيق وتفحص دون أن تخفي انبهارها بجمال القصر وعلوه الشاهق المشابه إلى القصور التي كانت تراها فقط في أفلام الأميرات الكرتونية.

تأملت الحديقة المزهرة لثوان بعدم تصديق وزهور الياسمين تتمايل مع نسمات الهواء أمامها بدلال، محافظة على جمود ملامحها، وانعكاس ضوء الشمس ينير عيناها ك نهر عسل صافي يعلو أمواجه خيوط ذهبية، انتقلت بنظراتها تحدق في البجعة البيضاء المتوسطة نافورة المياه الرخامية والمياه تتساقط من فمها ببطء.

في الوقت الذي التفت إليها ليقطب جبينه بتعجب شديد بسبب ملامحها الجامدة بشموخ وترفع وهي تجيل المكان بنظرات أكثر دقة وشمولية، وكان هذا عجيبا بالنسبة إليه!
تفحص الحديقة بتدقيق باحثا عن شيء لم يراه قبلا كي يسبر أغوار عقلها بهذا الشكل!، صحيح أن روعة الحديقة لا يضاهيها روعة كأنها سقطت في النعيم، لكن هذا غير مفهوم!

ابتلعت ريقها بارتباك عندما رصدت نظرته ثم سارت خلفه طواعية، ولن تقول بخوف لأنها بدأت تطمئن منذ أن وطأت قدميها القصر، فهو لن يقتلها هنا بالتأكيد، ولم يبيت نيته على أذيتها! لو أراد لتركها للكلاب تنهشها! هو وكما تظن فقط كان يرعبها ويحذرها.

ماذا إن أراد أن يتمم زواجة العرفي هنا؟، توقفت قدمها في الهواء قبل أن تحط على أرضية القصر بوجه شاحب جازعة مرتبكة أيما إرتباك! ربما يقتلها بعد أن يحصل على مبتغاه ومايحدث ماهو إلا تمويه كي تنبهر؟!

نظرت إليه وهو يتقدم إلى الداخل موليا ظهره إليها بعد ان تخطي الباب، لتنظر خلفها بأعين زائغة ثم حركت قدميها بتروي مع التفاته مقتضب الجبين، فاتسعت عيناها بقوة وركضت هاربة تلوذ بالفرار هابطة الدرج درجة درجتين فثلاثة حتى كادت تكتفأ على وجهها ويلتوي كاحلها من سرعتها وارتعاد قلبها، فيجب أن تذهب من هنا قبل أن تندم.

ضحك يعقوب بملء فمه بسخرية مراقبا ابتعادها ركضا عبر الحديقة بعنجهية، ثم هز رأسه بسخرية وتابع سيره إلى الداخل، تقدم من الخان وأخذ كوب زجاجي شفاف من جانب زجاجة الخمر وملأه مياه وارتشفه دفعة واحدة ووقف يعد بهمس إلى ثلاث.
ومع نطق الرقم الأخير وجد ياسمين أرضا أسفل قدميه إثر دفعها العنيف من قبل الحارس.
لوح إليه يعقوب آمرا بالمغادرة وهو يراقبها باستمتاع كيف تئن من الألم ثم هتف بغرور.

ماتحاوليش تهربي لاني هجيبك.
نظرت إليه بسخط والغيظ يفتك بها، وعيناها تطلقان لهيب مشتعل متحدي وهي تقف استفزته، فرفع حاجبه بخطورة تضامنت مع يده التي هوى بها أعلى كتفها بقوة أسقطها محلها على ركبتيها مباشرة لتطلق صوتا متألم، ليأتي دروه محذرا إياها بقسوة وتعنت بصوت أجش.
ولا تبصي كده عشان هخزقلك عينك المرة الجاية.
تساقطت عبراتها بمهانة والألم يفتك بكتفها فرفعت يدها تمسده وهي تشهق صارخة به بجنون.

إنتو عايزين مني ايه انا مليش دعوة بيكم وماعرفكمش؟
انعقف كلا حاجبيه وسألها بنبرة مستخفة متدنية.
تاني؟ هنعوز ايه من رقاصة؟
ارتفع جانب شفتيها بتهكم وبدي التقزز على ملامحها بينما تقول بنبرة أقرب إلى ساقطة حقيقية وهي ترفع رأسها إليه.
اللي كل الرجالة بتعوزو يا عنيا.

ابتسم بتسلية وومضت عينيه بشراسة ك أسد جائع بينما يسألها بنبرة ساخرة ذات مغزى، غامزا بوقاحة بعد أن بدأت تظهر الجانب الخاص بالراقصة في شخصيتها، هذا إن كانت تملك شخصية حقا.
وهو عندك؟
امتقع وجهها من كم الوقاحة والفجور المتدفق في نظراته قبل كلماته، ثم صرخت به بثوران وهي تعتصر قبضتيها حتى ابيضتا، والدماء تغلي داخل عروقها.
متعايرنيش عشان انا رقاصة، وإنت فاسد!
قوس شفتيه وتصنع قلة حيلة بقوله.
أنا اتولد كده!

ردت بصوت مكتوم ثابت رغم العصبية المفرطة ووجها شديد الأحمرار الذي يضاعف من متعته، ويزيدها جمالا.
وأنا اتولدت رقاصة!
قالتها بنفس الثقة والتكبر اللذان لا يتماشيان معها مطلقا، ليأتي دوره في افحامها بقوله الوقح.
ليه مامي كانت (، )؟

وإلى هنا ولم تتحمل الإهانة أكثر فا هبت واقفة وحفزت نفسها على ضربه، وجهزت دفاعتها وامتد كفيها إلى وجهه تخدشه بأظافرها لكن توقفت بمنتصف الطريق وتحجرت أناملها، واختنقت عندما قبض على رقبتها بقوة ك دجاجة تم القبض عليها، مهسهسا بتحذير وهو يجذبها أمامه حتى تلاصق صدريهما وأنفاسه الساخنة تلفح بشرتها تلهبها، بتحذير أخير نافذ لن يتكرر، وعيناه تغيمان في سواد قاحل يبتلعها و تكاد تموت خنقا.

لو اتكررت تاني إيدك هقطعهالك يا حشرة.
وحررها بنهاية حديثة تاركا إياها تلتقط أنفاسها بصعوبة وهي تسعل باختناق، وعيناها تدمعان تلقائيا، وجلس على أريكة وثيرة ينتظر رب عمله الذي بدأ يمل منه هو الآخر.

كاد تبك وتصرخ قهرا بسببه، فهو من أمس لا يتركها في سلام لكنها تماسكت، وظلت واقفة محلها تنتحب بصمت وهي تطرق برأسها وتعتصر أناملها وقبضتها بقوة، بينما على الدرج الرخامي كان خالد الصواف ينزل وهو يستنشق لفافة التبغ بمتعة، بين أصابعه المزدانة بالخواتم الذهبية، يرتدي بنطال خامة الجينز لونه أبيض وفوقه قميص وردي، ويزين رثغه ساعة ضخمة ذهبية، بشوش الوجه، مرح الشخصية، شعره أسود كثيف يتخلله بعض الخصلات البيضاء، فمن يراه لن يشك لحظة أنه ذلك الفاسد الكبير.

ابتسم وتقدم من يعقوب بنظرات فخر وامتنان تصله تعزز من قوته وغرور فوق غروره المريض، مال على المنضدة وأطفأ لفافة التبغ في المنفضة، ببعض التعب وهو يمسد فوق قلبه المتعب، وفتح يديه على مصراعيها وعانق يعقوب بحنان أب فخور يحتفي بتخرج إبنه الوحيد.
حمدالله على السلامة يا سندباد.
ابتسم يعقوب مجاملا وهو يفصل العناق هاتفا بخشونة.
الله يسلمك يا باشا.
ربت على ذراعيه بقوة و اعتزاز وهتف بفخر.
دايما رافع راسي.

اضطر إلى مجاملته مجددا وهو يبتسم إبتسامة مبتسرة.
تربيتك يا باشا.
ابتسم بوقار وبداخله يثني على نفسه قبل أن يلفظ بفخر ويسأله عنها بلهفة.
ونعم التربية، ها لقيتها طمني؟
أومأ وأشر عليها خلفه وتنحى جانبا ليمر خالد الذي ومضت عينيه بلهفة وهو يتقدم منها بخطوات متسارعة كأنه وجد إبنته الضائعة بعد سنوات فراق مضنية.

كففت عبراتها وانكمشت خوفا وهي تراه يقترب بحماس متقد، ومن دون مقدمات أحاط عضدها لترتجف بخوف ثم سألها بجزل وهو يبتسم بعدم تصديق.
ياسمين ممدوح الهناوي.
عزمت على النفي بهز رأسها ب لا لكنها وجدت نفسها تومئ بدون وعي، باضطراب وعيناها تسير على وجهه المجعد قليلا بحكم سنه ولم تكد تطرف حتى وجدت نفسها بين أحضانه يضمها بقوة وإحتواء شديد يكاد يهشم أضلعها من قوة ضمه، وذقنها تستقر على كتفه طارفة بأهدابها بعدم فهم.

فغرت فمها بتعجب وهي تجيل بنظراتها المتحيرة في أرجاء القصر الطاغي عليه الفخافة المذهبة للعقل، والتحف الذهبية الخالصة، توقفت بنظرها على يعقوب المتجهم، الذي يقف يكتف يديه أمام صدره يشاهد ما يحدث بعدم رضا!، ينقصه فقط أن يخبره أنها إبنته كي يتنهي يومه السيء بخبر أسوأ.
راقتها نظراته الغاضبة والغير راضية كثيرا وأشعرتها بقليل من التحسن لأنها تموت غيظا وقهرا منه.

فصل العناق وداعب وجنتها بإبهامه بحنان، وطفرت عيناه بالدموع رغما عنه وهو يحثها على السير معه كي تجلس ويتحدثان براحة أكبر.
جلس بها على الأريكة المقابلة ليعقوب ليجلس يعقوب هو الأخر ويضجع على ظهرها بأريحية ويمدد ذراعيه على مسندها الخلفي واضعا ساق فوق الأخرى مترقبا نوعية الحديث الذي سيدور.
أحتضن خالد كفها بين يديه وهتف بندم شديد متمنيا أن يعود بالزمن لكي ينقذ والديها.

أنا آسف يابنتي، مكنتش موجود عشان أحميكم من شره، يا ما حذرت ممدوح وقولتله فريد بيكرهك وهيغرقك بس مسمعش مني، أنا تفاجئت لما رجعت من السفر وسمعت الأخبار وعرفت إن البيت اتحرق وكله مات، فضلت أدور على أمل إني ألاقي حد حي بس ملقتش وفقدت الأمل! بس..
توقف سيل حديثة عندما شهقت بحرقة وأجهشت في البكاء وهي تطرق برأسها وأخذ جسدها في الانتفاض بقوة، وومضات من تلك الليلة المشؤومة تطاردها تؤرقها وتفسد حياتها.

إقترب بجسده بجانبها وضمها بإحتواء شديد وهو يسند ذقنه على قمة رأسها ويديه تمسحان على ظهرها علها تهدأ وتكف عن تعذيبه وتذكيره بتقصيره في حق صديقه.
التوي ثغر يعقوب وهو يراقبهما ببرود دون ذرة تأثر، رب عمله مكره يضاهي ثعلب! وتلك الساقطة ذات الوجوه المتعددة المتلونة ك حرباء، لا يصدق حرف من كليهما.
رفعت وجهها وهي تشهق بإختناق وتابعت تخبره بالحلقة المفقودة وكيف نجت من الحريق المهول.

المطافي جت ولحقتني أنا وأخويا الصغير ونقلونا المستشفى، بس هو كان ميت مستحملش الخنقة ومعرفوش يعملوله حاجة، بعدها لما بقيت كويسة وبخير ودوني ملجأ وبعد سنة جت واحدة وطلبت تتبناني وكان معاها جوزها.
طالعها بأسى ثم امتدت يداه يكفف عبراتها بإبهامه برقة بالغة وضمها إلى صدره مواسيا بحنان.
أهدي يا حبيبتي أنا هنا جنبك ومش هسيبك أبدا انا عيلتك ومحدش هياخدك تانى متخافيش..

وحول نظراته إلى يعقوب سائلا باهتمام وقبضته تشتد من حولها.
لقيتها فين يا يعقوب؟
ألقي عليها نظرة عابرة باردة محملة بالبغض، قبل أن يقول بلكنة ساخرة.
في مكتبة، شغالة في مكتبة بتبيع كتب.
استشفت السخرية التي تعمد اظهارها ورفعت رأسها وسلطت مقلتيها الحمراوتين تجاهه بحقد حمل بطياته الكثير من الوعيد، وعيد ضمرت خلفه شرا عظيم لن يناله غيره.

تبادل معها النظرات باستخفاف وعدم اكتراث لتغيب عيناه داخل عيناها في حرب باردة انتشله منها قول خالد.
هات كباية ماية يا يعقوب.
نظر إليه بعدم فهم وعقله توقف عن استقبال مثل هذا الأمر الذي سيجعل منه أضحوكة.
فأعاد خالد بصوت مرتفع نسبيا عندما خيل إليه أنه لم يسمعه جيدا.
يعقوب هات كباية ماية بقول!
نظر إليه بدون تعبير كأنه تعرض للشتم، وظل جامدا دون يحرك ساكنا، هل سيخدم الحشرة هذه في نهاية المطاف؟!

سعلت باختناق مفتعل وهي تطرق برأسها وابتسامة خبيثة تزين ثغرها لم يبصرها أحد لكنه أحس بها، فراقبها خالد بجزع وهتف بعصبية مغلفة بتلهف.
يعقوب ماية!
تحرك من محله ببرود أشد من برودها عندما أوهمته أنها ستعطيه الدواء وهو يشد على نواجذه، ثم أولاهم ظهره ووقف يبحث عن كوب زجاجي خاص بالمياة لأن ما يراه أمامه يخص الخمر فقط.
سأله خالد بتوتر وهو يمسد فوق ظهرها
إتأخرت ليه؟
إحتج وقال بقلق مصطنع كأن الوقت ينفذ.

مفيش كبايات ماية هنا!
رد مزمجرا
هات أي حاجة بسرعة.
أومأ بإبتسامة ثم بصق داخل الكوب وهو فارغ، وملئه بالمياه وتقدم منها بأسف وقدمه بقلق هامسا يسمع نفسه فقط.
بالهنا.

أخذه خالد وناوله إليها، فارتشفته دفعة واحدة دون أن تتردد أو تفكر أنه يبيت نية سيئة، وضعتها فوق المنضدة بأعصاب تالفة ووجه متورد يميل للون الأحمر من فرط الإنفعال ليسقط نظرها تلقائيا على يعقوب الذي كان يبتسم في وجهها بلطف غريب لا يصدر منه إليها على الأقل!
جلس محله وأخرج لفافة تبغ يسلي نفسه بها بعد وصله استمتاعه برؤيتها تشرب المياه.
مسح خالد فوق كفها بحنان وهتف برفق ورقة.

من النهاردة هكون في ضهرك وهحميك بروحي، فريد هاربان برا مصر وانا بدور عليه وقريب هجيبه وهجيبلك حقك ولحد الوقت ده هتفضلي عايشة معايا في القصر وتتصرفي زي ما أنت عايزة.
طرفت بارتباك وعلت وتيرة أنفاسها، تستوعب كم المعلومات التي قالها وتصريحه بمكوثها معه هنا ببساطة!
همست بخفوت وهي تكفف عبراتها بظهر كفها برقة.
بس أنا مش عايزة أعيش هنا!

أحتضن وجهها بين كفيه وهتف بصدق وعينيه تلتمع بحنان أبوي خالص لا يترك مجال للشك بأنه يريد بها سوء، مطمئنا هدير قلبها المسكين.
بس أنا مديون لأبوك بحياتي ومقدرش أسيبك كده! لازم كل الناس تعرف إنك مش لوحدك وعندك أب، ولو على الناس اللي اتربيتي معاهم انا هتصرف ومحدش هيتعرضلك.
ابتسم وتابع سيل كلماته وهو يلفها ويحتضنها بنظرات حانية دافئة لأقصي حد.
ده انا حتى هعمل حفلة كبيرة أوي عشان كل الناس تحضر وتشوفك.

لاح التردد على ملامحها وهي تهز رأسها بخفة دون اقتناع، فضغط على وجنتها برقة وتوسلها بإلحاح.
عشان خاطر أهلك عشان خاطرهم خليك معايا، انا أمان ليك.
طالعته باهتمام ممعنة النظر داخل عيناه المشعة بإلحاح صارم وآخر حنون، فأومأت بانصياع بأعين دامعة وهي تعبث في أناملها بارتباك، ليفرك يعقوب ذقنه بتفكير وهو يتفرس النظر إليهما بعمق.

ابتسم خالد برضا ورفع كفه خلف رأسها يقربها منه فتأوهت بقوة وهي تنخفض بجسدها بتلقائية، ليسألها بجزع وهو يقرب رأسها يتفحصها.
حصل ايه مالك؟
تأوهت ورفعت أناملها تتحس مؤخرة رأسها بخفة وبطء متذكرة ارتطامها بحوض الاستحمام إثر صفعته القاسية ك قلبه المتحجر، هامسة بإبتسامة باهتة.
ده أنا اتخبطت بس محصلش حاجة.
أومأ بتفهم وحول نظراته إلى يعقوب وطلب منه بهدوء وهو يرتكز بنظراته فوق رأسها.
يعقوب هات علبة الإسعافات.

تجهمت ملامحه وتراشق معها نظرات باغضة متوعدة وهو يقف وذهب يبحث عن علبة الإسعافات.
لاحظ خالد الحرب التي على أشدها بينهما، وانتظر ابتعاده عنهما بترقب، ثم سألها بهمس وهو يربت على وجنتها.
حد عملك حاجة أو اذاكي؟ يعقوب اتعرضلك؟
هزت رأسها بنفي وهي تضغط فوق جفنيها وتضم شفتيها كي لاتنفلت الكلمات منها رغما عنها من حنقها عليه، فهي لاتريده أن يأخذ حقها لأنها ستأخذه بنفسها.

لم يصدق هذا الرفض لأنه لاحظ خوفها الشديد وجزعها المصحوب بشحوب وجهها عندما إقترب كأنها أتت مكبلة وتجر كحيوان بعد قهر جسدي وإيذاء مبرح أوهنها.
فعمد على طمأنتها بشروعه في الحديث برفق وتأن.
متخافيش منه محدش يقدر يأذيك وأنت معايا قوليلي لو كان عمل فيك حاجة؟
جاهدت لرسم ابتسامة صادقة على محياها قبل أن تقول بشفتين مرتعشتين بمرح لم يصدقه.
متخافش محصلش حاجة انا وقعت إمبارح عادي وأنا ماشية.
علبة الإسعافات.

قالها يعقوب بعد أن توقف امامهما ووضعها فوق المنضدة، فتناولها خالد على عجالة ولم يكد يخرج محتوياتها حتى صدح صوت رنين هاتفه.
أخرجه من جيب بنطاله باهتمام تلاه وقوفه سريعا بسبب أهمية تلك المكالمة وأوصى يعقوب بمداواتها بدلا عنه.
شوف الجرح يا يعقوب معايا مكالمة مهمة وبعدين طلعها أوضتها فوق.

ارتفعت زاوية شفتيه بسخط وأطلق سباب لاذع من بين شفتيه الغليظتين عائدة على رب عمله، وصل إلى مسامعها لتتقلص ملامحها باشمئزاز إثره!
ظل جامدا ولم يتحرك فطفقت تقول قولا مبطن حمل معنيين أحدهم آمر كي يقترب ويضمد جرحها، وآخر عابر كأنها تنتظر أن يبدأ هو ذوقيا منه دون أمر.
راسي بتوجعني!

كشر عن أنيابه وتقدم بخطوات جحيمة نحوها فبلعت ريقها ببطء متصنعة الثبات وداخلها ترتجف، وظلت على جمودها وصلابة نظراتها الشفافية ك سم قاتل حقرت من شأنه تحقيرا دون النبس بحرف.
صر على أسنانه بعصبية وحرك فكه بصلابة وهو ينحني يلتقط قطنة، وأفرغ فوقها بعض المطهر ووضع ركبته اليمني بجانبها يدعم نصف وقفته لينفذ عطره إليها، ثم أمرها بجفاء غلب عليه السخط بسبب نظرها إليه بثقب مما أدى إلى رفع رأسها.
وطي راسك.

رفعت حاجبها بتحدي وهتفت بنزق.
مش هوطي أقف عدل توصلها.
وعقبت قولها برفع ساقيها وقامت بفردها فوق زجاج المنضدة واضجعت بظهرها على الأريكة بأريحية دون أن ترى النظرات النارية التي تكاد تحيلها رمادا من قوتها.

ثانية، اثنتين، وانتفضت بقوة، بوجه شاحب مع هروب صرخة مذعورة من بين شفتيها كتمها بكفه الذي أطبق على فمها والقطنة تدخل به، والكف الأخر كان يقبض على فخذها بجرأة من فوق فستانها الكريمي، بشراسة وغضب قاتم قبل أن يهدر بسطوة مشددا على كل حرف يخرج منه.
أوعي تفكري إنه هيحميك مني ولا هيمنعني لو عايزك فاهمة؟

هزت رأسها وهي تتحرك بهيستيريا تحاول الهرب والابتعاد عن قبضته التي تزداد خشونة على بشرتها الرقيقة، متابعا سيل كلماته الفظة حارصا على تذكيرها بدنوها الذي لن يتغير أبدا في نظره.
فوقي يابت إنت رقاصة يعني أقل مما تتخيلي.
وشملها من أعلاها لأخمص قدميها بدونية اشعرتها بالمهانة وبقدرها البخس قبل أن يبعد كفه ويقذف القطنة التي تذوقتها من يده ويمسك ذراعها بعنف اوقفها معه وسحبها خلفه وهو يهدر بسخرية.

قال أداوي جرحها قال إمشي.
سارت خلفه بخطوات شبه راكضة متأوهة وهي تهز ذراعها بعنف كي تفلت من قبضته لكن كان هذا بمثابة حلم، توقف أمام غرفة في الطابق الثاني وفتح بابها صفعا بقوة، ودفعها داخلها بعنف لتلفت إليه بشراسة وصدرها ينقبض وينبسط بقوة، مرتكزة بنظراتها الحارقة عليه مستعدة لألقاء سيل من السباب اللاذع لكنه هدر قبلها بتهديد.

الورق اللي مضيتي عليه ده بيثبت إنك ملكية خاصة ومهما حاولتي مش هتعرفي تهربي مني..
وتبدل العنف لتملك شديد فجأة متابعا بصوت رخيم تضامن مع لين ملامحه الباردة التي لم توحي بشيء سوى الجمود.
إنت بتاعتي.
وصفق الباب خلفه وغادر.

بصقت خلفه بقوة ووقفت تعض على أناملها كاظمة غيظها وشعرها مبعثر حول وجهها، كابحة صرختها العصبية وهي تدور محلها كمن فقدت عقلها حديثا، وهدير أنفاسها يعلو، وهي تفكر بتشوش وزخم من الأفكار الخطيرة تتدافع على عقلها دون ترو.

اسدل الليل سدوله، وانتشر الظلام الكثيف في صفحة الأفق، وتهادت النجوم حول القمر، وتردد صوت تغريد الكروان الغناء.
في فيلا يعقوب..
جبتوه؟
سأل يعقوب تايسون وهو يسير معه إلى القبو الخاص بالتعذيب الذي قضت ياسمين ليلتها داخله تبك، فأتاه رد تايسون الهادئ.
من ساعتين والرجالة بيروقوه جوا.

أومأ يعقوب بتفهم وهو يفرك يديه معا أثناء ركل الباب الحديدي ودخوله إليه، فتلك هي الفقرة المفضلة، الإمساك بخائن فلا متعة تفوق هذه المتعة، التلذذ بخوف فريستك.
توقف في منتصف الغرفة المظلمة التي يضيئها فقط نافذة صغيرة عالية يتسلل عبرها شعاع شمس بسيط، يضع يديه داخل جيب بنطاله مسلط الأنظار على الخائن المقيد الذي يبك مكانه ويعافر للهرب من الكلاب التي تنبح وتحاول الوصول إليه باستماته كي تأكله.

صرخ الرجل باستغاثة وهو يلتقط أنفاسه المسلوبة متوسلا للرحمة.
إرحمني يا سندباد كنت محتاج فلوس، هعمل اللي أنت تؤمرني بيه بس إرحمني.
طالع يعقوب الكلاب ببعض الضيق وهو يعقف شفتيه وطفق يقول وهو يلتفت إلى تايسون كأنه لم يسمع أي شيء.
بفكر أجيب أسدين بدل الكلاب إيه رأيك؟
رد وهو يجيل بنظراته على القبو ومساحته.
حلو بس محتاجين مكان أكبر من ده شوية.

أومأ بتغطرس وتقدم من ذلك المسجي أرضا بخطوات ساحقة، وحماسه الشيطاني يتجلى على معالم وجهه، وجلس القرفصاء أمامه ويداه مازالت في جيب بنطاله، ليناشده الخائن بأنفاس متلاحقة برجاء عله يرحمه.
مستعد أعمل أي حاجة بس إرحمني ياسندباد.
طالعة بأسف مصطنع قبل أن تتبدل إلى نظرات جحيمية غاية في السواد ارعبت الآخر، وهمس بنبرة ترتعد لها القلوب.
أنا العقرب.
وتلا قوله بوقوفه وإلقاء أمره دون رحمة.
عشو الكلاب.

جحظت عيناه وصرخ وحاول الزحف وهو يضم ساقيه متلويا ك دودة محله وهو يراقب فك وثاق الكلبين وإندفاعهم عليه.
لا لا لا لاااااااااا.

في غرفة يعقوب في الأعلى.
خلع قميصه وقذفه على طول يده بعدم إهتمام، وظل ببنطاله وجذعة العاري وإتجه إلى الفراش مطالبا ببعض الراحة.
أبعد الغطاء وألقي بنفسه على السرير بقوة لينتفض بقوة أكبر متأوها بألم بعد شعوره بتلك الحرقة وإختراق قطعة الزجاج ظهره العاري.

وقف يتنفس بعنف، يطالع الفراش بتجهم وعينيه تسير على مكان نومته، ليبصر قطرات الدماء البسيطة التي اصطبغت بها الملاءة البيضاء، وتحرك وتقدم من المرآة واستدار يوليها ظهره وحملق بها لكي يتفحص ظهره وخط الدماء الذي يسير طولا.

لعنها تلك الوغده وتوعد إليها أشد الوعيد وأنامله تمتد من فوق كتفه وانتزع قطعة الزجاج القريبة ببرود بملامح جامدة، وعاد يبحث عن قطع أخرى حتى يجمع بقية الكوب، لقد عرف الآن فقط أين إختفى الزجاج من المرحاض.

تجلي النهار وبرز شعاع الشمس الدافئة يشق ظلمة الغرفة، وتطفلت العصافير وغردت أمام نافذة الأميرة النائمة، لكنها لم تستيقظ رغم هذا.
تبادل الهمسات النسائية، وصوت وقع الأقدام ذهابا وجيئة في الغرفة، الطاقة المنبعثة الدالة على انشغالهم وعملهم على قدم وساق في أجواء مشحونة بالتوتر، كان كل هذا كفيلا لإيقاظها بعد أن اكتفت من النوم لأنهن من ساعة تقريبا في الغرفة ولم تشعر.

فارقت بين جفنيها ببطء وهي تتقلب ببعض الانزعاج، ثم انتصبت جالسة نصف جلسة عندما تناهى إلى سمعها الغمغمات، واستندت بظهرها على جزع الفراش، ومن ثم ناظرت الجميع بأعين نصف مغلقة مستعجبة وهي تستجمع تركيزها.
صباح الخير ياهانم
قالتها احدى الخادمات بعد أن توقفت بمحاذاة السرير، تحمل صينية الطعام منتظرة إشارتها كي تضعه أو تذهب.

أومأت إليها ياسمين بتفهم وهي تعدل جلستها، ثم تناولت الصينية من يدها ببطء بسبب نعاسها ووضعتها فوق ساقها، وشرعت في تناول الطعام بشعر مبعثر، وعيناها تجيل على الفتيات وهي تلوك الطعام داخل فمها، إحداهن تحمل مساحيق التجميل، والأخرى ترتب مجموعة من الفساتين التي من المفترض أن تختار من بينهم لأجل حفلة الليلة المفاجئة.

أنهت الطعام في وقت قياسي ثم سألت الخادمة التي تقدمت تحمل الصينية من فوق ساقها بعدم فهم بسبب معاملة الأميرات هذه وهي تهذب شعرها المبعثر بكفها.
هو في إيه؟
ردت عليها رئيسة الخدم من الخلف، التي كانت تراقب الوضع بتدقيق.
النهاردة في حفلة معمولة على شرفك ياهانم والباشا طلب نجهزك على أكمل وجه.

أطلقت آهة خافتة وهي تومئ بفاه فاغر وعيناها تسقط فوق الفستان الأحمر المخملي عاري الكتفين المعلق بجانب اشقائه، كان ضيق من الأعلى حتى خصرها، وينسدل بعدة طبقات شيفونية منبعجة فوق بعضها، ب ذيل طويل، وبه شق من الجانب يصل إلى منتصف فخذها.
لاحظ الجميع نظراتها المصوبة نحوه بتدقيق فسألتها إحداهن بلطف.
عجبك؟
أغلقت فمها بسرعة وأومأت دون تردد وقالت وهي تأشر عليه بسبابتها
هلبس ده.

فبجانب أنها عاشقة إلى اللون الأحمر، لون الإغراء والأنوثة، فإنه يذهب عقل الرجال كذلك، وعقل كل من سيراها به، فهي آسفة للدمار الذي ستسببه طلتها.
قامت من فراشها وولجت إلى المرحاض تأخذ حماما دافئا برائحة الياسمين، ولم يخلو من التدليك والدلال الذي تحلم به كل فتاة.

مساءا داخل القصر..
المرحلة الأولى البداية..
حيث كان صوت البيانو الرقيق اللين يمتزج مع صوت الكمان الكلاسيكي الراقي بنوع من الحنان والألفة، فكان صوت الموسيقي هو المستقبل الأول للضيوف بسبب نفاذه للنفوس واختراقه للقلوب.
المرحلة الثانية..

وهي تصادم الكؤوس، وتبادل الضحكات المجاملة والأخرى الرسمية، والهمهمات المتخابثة، والتكشيرة العابثة، وسط أجواء الحفل الفخم الكلاسيكي، والضيوف الثقال الأثرياء من علية القوم، منهم رجال الأعمال، ومنهم من الشرطة، ومنهم الشخصيات المهمة مجهولة الهوية للبعض ومعروفة للبعض الآخر، وفي زاوية وحيدة بعيدة تستطيع منها شمول المكان ومراقبة كل شخص، ومايحدث من حركات وإشارات مبهمة. ، كان هو كالأسد المتربص يجلس يراقب، يدرس، يضع إحتمالات، ويتوقع خيانات، أكثر المجالات قذارة، اليوم معك وغدا يخونك، كما يفعل تماما.

حدق في ساعة معصمه السوداء، وبدأ بالعد إلى عشر بهمس وهو يسلط نظره فوق الدرج، هذا الوقت المحدد الذي من المفترض أن تطل فيه أميرة القصر.

وكان واحد، إثنان، ف ثلاثة، وأربعة و سقطت يد فوق كتفه الأيمن أوقفته عن العد، مع ضغطة فوق سترته السوداء اللامعة جعلت من يعقوب يلتفت خلفه إلى ذلك الذي يبتسم باتساع وإستفزاز في آن واحد ولم يكن غيره الكينج أحد تجار المخدرات المشهورين في مجالهم، متواريا خلف مجموعة من الشركات ك خالد تماما لكنه ليس متواريا كل التواري، لأنه شخص مشهور لدى الشرطة بخلاف خالد مازال سجله ابيضا نظيفا.

ارتفع حاجب يعقوب الأيسر مع طرف شفتيه بسخرية مرحبا بدون سرور.
أهلا بالكينج!
ضيق الكينج عينيه وقال بتسلية.
مش باين خالص إنه أهلا!
أشعل يعقوب لفافة تبغ بنية وأغلق قداحته الفضية وهتف بخشونة وهو ينفث الدخان في الهواء.
بتتنطط في منطقة مش منطقتك ليه؟
أجابه بتسلية.
مش عليك وأنت عارف، أنا جالي أخبار إن العقرب موجود في المكان فا حبيت أعلم عليه.
رفع يعقوب كلا حاجبيه وسأله بنوع من الجهل المتقن.
العقرب؟ مين العقرب؟

ضحك الكينج بملء حلقه مستمتعا وهو يطوح برأسه إلى الخلف هاتفا بمكر.
وعشان عارف إنك ماتعرفهوش جيت أعلم عليه بس هرب زي ما أنت هربت، وحك طرف حاجبه وسأله متعجبا هذا الهجوم عوضا عن الشكر.
بس ليه زعلان ده أنت حتى مخسرتش حاجة بالعكس! مفيش شكرا ياعمو؟
ضحك يعقوب بصوت ساخر كان مرعبا أكثر من كونه مرحا.
وياترى الشكر ده شكر عادي زي البني آدمين؟

قهقه الكينج وطفق يقول بتسلية وهو يضع يده على كتف يعقوب ليدفعها يعقوب بحدة استوقفت الكينج عن قول ما أراد وأخذ يحدق بكفه بوجوم، ويصر على أسنانه بقوة، وأنفه تكاد تطلق دخانا، وفمه نارا من الغضب، لكن سرعان ما ضم قبضته إلى جانبه وابتسم بعصبية وشرع في الحديث وكأن شيء لم يكن.
تعجبني نباهتك يا سندباد، متقلقش مش عايز حاجة، كل المطلوب بس نتعاون عشان نمسك العقرب.
سأل يعقوب بنبرة عميقة وهو يفكر مليا بعمق.

ماله العقرب مضايقك في حاجة؟
ارتشف الكينج كأسه دفعة واحدة وهدر بازدراء.
مكملش يومين في السوق ونازل واكل وطالع واكل ومحدش يعرف هو مين؟ وطالما مش هيظهر نفسه ننهيه قبل ما ياكل السوق أكتر من كده.
تراقصت ابتسامة سخرية على فم يعقوب وسأله بنبرة نرجسية مستمتعة.
موافق هساعدك وننهيه بس إزاي؟
ربط الكينج على كتفه وهمس بخبث شيطاني.
وريني شطارتك بقى يا سندباد.

ابتسم باتساع حتى بدت نواجذه وومضات من الخداع والغدر يسطعان في عينيه، فمن المفترض أن يبحث عن نفسه الآن وينهي نفسه كي يرضي الكينج!
أطفأ لفافة التبغ في المنفضة وهو يقول من بين اسنانه بوعد.
هتنبهر يا كينج.
أنا انبهرت فعلا!

قالها الكينج مشدودا بصوت منخفض وبدي التأثر في نبرته، فتعجب يعقوب ونظر إليه ليجده شاردا متأملا وعينيه معلقة بعيدا، فاستدار على عقبيه عندما تناهى إلى سمعه همهمات نسائية، وصيحات انبهار، وأخرى تغزل، ورقابهم تكاد تنفصل عن جسدهم! فنظر إلى حيث ينظرون، فإذا بقلبه يختلج ومقلتيه تهتزان وهو يبصرها تنزل الدرج جنبا إلى جنب مع خالد بدلال انثوي فطري، بخطوات متهادية كانت تسير كأميرة، ترفع رأسها بشموخ، بهيئة ناعمة مثيرة كليا تستدعي سيل لعاب الرجال عليها، تترفق خالد وعيناها تمر على الحضور في علو وابتسامة رقيقة مرحبة، تزين ثغرها ك ملكة ترحب بشعبها بترفع.

ظلت ملامحه جامدة صلبة رغم التذبذب وهو يراقب نزولها بتدقيق وشمول من بداية ذيل فستانها الذي يجر خلفها على الدرج، وصولا إلى شق فخذها بناظرية ل تسود عينية ويتوقف قليلا على خصرها في هدنة، ومن ثم تابع الحملقة صعودا إلى صدرها ومنه إلى عنقها المرمرى المزين بقلادة قرمزية لامعة، وجهها المصطبغ بتبرجها الرقيق عدي من أحمر شفاهها الفاقع وعينيها المظللة والمرسومة بدقة، وأما شعرها المتوهج كان مصفف بعناية شديدة مسترسلا كخيوط برتقالية، ومسدولا خلف ظهرها بنعومة.

تجولت بين الحضور مع خالد الذي بث بها ثقة غير متناهية إنتلقت منه إليها مباشرة، فكانت تعرف عن نفسها بلباقة أميرة، وتألق سيدة مجتمع راقي كأنها سيدة القصر.
تلاقت أعينهما معا أمام محفل من الناس، تجمد الجميع حولهما لبرهة من الزمن، وتوقف الضوء فوقهما دون أن تحيد بؤبؤي عينيها عن خاصته، وخاصة عن تلك الملامح الرجولية الشرسة، وعيناه المتفرسة بجسدها بكل جرأة ووقاحة، تموجان في قسوة شديدة مرعبة.

توقفت أمامه والإبتسامة تزين ثغرها، وفعلت مالم يتوقعه عندما رفعت يدها وأمسكت ياقته السوداء بأناملها النحيفة ومالت برأسها تقبل وجنته بقوة وهي تطرف بنعومة، جعلت وجنته اليسرى تصطبغ بحمرتها الفاقعة وهي تهمس بخفوت شديد ودفء أنفاسها يلفحه.
نورت حفلتي يا سندباد.

تجمد مشدوها لثوان دون أن يستوعب فعلتها!، ثابتا ك تحفة دون التحرك وأنفاسها الدافئة تداعب مسام بشرته عن قرب كأنه يعانقها، فلم يترك نفسه للخيال ولا للشعور بل إرتفعت يده مباشرة إلى ظهرها ليلامس إبهامه بشرتها من فوق سحاب فستانها تضامن مع همسة حارة بجانب أذنها خالية من الغضب، الحقد، الوعيد، والأهم لا يضمر خلفها أي شر ولا ينتوي بها سوء.
أميرة الحفلة بنفسها!

تعمقت النظر داخل عينيه أكثر والإبتسامة تزين ثغرها والضوء يسلط فوق وجهه وحده ليكون كتابا مفتوحا أمامها لكنه فارغ ذات صفح بيضاء لم توضح النظرات الباسمة المسمومة المتجلية على وجهيهما المحتفية كذبا والمتسلية خداعا.
كاد يتحدث لكن تدخل الكينج وتعريفه بنفسه وهو يمد كفه قطع سيل الكلمات التي لم تخرج بعد.
الكينج.
ابتسمت بجانبية وتركت ياقة يعقوب واستدارت بكتفها وصافحته بلطف قائلة بحفاوة.
أهلا وسهلا تشرفنا.

إنحني وقبل يدها بلباقة أمير وهو ينظر داخل عيناها الواسعة الباسمة ثم إقترح عليها بنبرة راغبة.
تسمحيلي بالرقصة دي؟
اتسعت ابتسامتها وأومأت بخفة مرحبة محبذة، وألقت نظرة خاطفة على يعقوب تلتقط من خلالها إشارة على الرفض أو رغبته هو في مراقصاتها، لكن ملامحه كانت جامدة أكثر من اللازم وهو يحدق بهما بدون تعبير.

فتركته وابتعدت مما أدي إلى تعلق يده في الهواء ثوان قبل أن يتدارك نفسه ويدس يده في جيب بنطاله وجوزة حلقه تتحرك ببطء إزاء بلع لعابه، مراقبا سيرها مع الكينج ببطء وهي تحمل طرف فستانها الطويل بيدها المتحررة والأخرى كانت في يده يسير بها وسط الحضور وهو يرفع يدها بفخر كأنه فاز باليانصيب حتى استقرا في المنتصف وانطفأت الأضواء وعلا صوت الموسيقى الكلاسيكية وبدأ العزف الحقيقي.

أشعل يعقوب لفافة تبغ، ووقف يستنشقها بحركة عصبية نافثا دخانها في الظلام ليتراقص أمامه ك رقصتهما معا ووضوح دورانها والتفاف فستانها الأحمر المنعكس في مقلتيه القاتمة.

أفرط في التدخين، وأفرط في العصبية التي لايستخدمها على غير العادة، تحت أنظار خالد المتفحصة الذي لم يحيد عنه منذ أن نزل إلى هنا، ولم يغفل تفصيلة من التصرفات التي صدرت عنه إزاء ما يراه، وردات فعله وتشنجات قسماته التي لم ينتبه إليها ولم يسيطر عليها وخصوصا عندما إنتهت الرقصة وأنارت الأضواء وهتف الكينج بأعلى صوته وسط الجموع وهو يركع على ركبتيه أمامها.
تتجوزيني؟

أي زواج هذا الذي يتحدث عنه العاهر ورؤيته إليها لم تتعدى النصف ساعة حتى! أأبله هو أم مقتنص للفرص؟ لأن من يضيع إمرأة في مثل حسنها أحمقا كبير بالتأكيد.
لقد إشتهي يعقوب القتل الآن، وتراقصت شياطينه أمامه، ولن يحدث شيء إن فعل صحيح! فرائحة الدماء عالقة في أنفه وهذه هي المرحلة الثالثة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة