قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الأول

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الأول

نوفيلا ياسمين للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الأول

خطوة واحدة تستطيع أن تخطيها لكي تقضي على عدوك، إجعله يقع في الحُب، وقِف بعيداً وراقب كيف سيدمر نفسه بنفسه.

يعقوب إنت عملت إيه؟
همست بأعين زائغة وقد اصفر وجهها وشحب وهي تجلس القرفصاء بجانبه أمام الجثة!
لم ينبس ببنت شفة، بل كان مصعوقاً، مذهولًا، مبهوتًا أكثر منها، كمن زاره ملك الموت دون أن يقبض روحه.
سألته بأنفاس مجهدة ونبرتها تخبو وتضعف.
ليه قتلتو يا يعقوب ليه؟

ضحكة خافتة نمت على ذهولة هربت من بين شفتيه الجافتين بعدم استيعاب وهو يحملق بينها وبين الجثة!
تمالكت نفسها ووقفت بأعصابٍ تالفة وبالكاد استطاعت الوقوف وتركته، ، تركته وهربت من الباب الخلفي للقصر عِندما تناهى إلى سمعها صوت إنذار سيارة الشرطة و احتكاك الإطار بالأرضية في الخارج بعنف عقب ذلك مداهمه الشرطة للمنزل.

تناهى إلى سمعه صوت خُطى أقدام تتسارع سعيا للوصول إليه، وثانية، اثنتين، ولم يشعر بنفسه سوي وهو يُدفع على الأرض ويسقط على وجهه إثر ركله عنيفة تخص ضابط زاخرا بالقوة أصابت منتصف ظهره.
جثم فوقه وقام بتكبيل يديه خلف ظهره بالأصفاد بعنفٍ جلى، تلاه وقوفه وجره خلفه إلى الخارج مثل القاتل، بل كان القاتل نفسهُ!

صرخ المحقق به بعصبيه وهو يضرب جدار المكتب بقبضته بقوة والاستحقار يشِع من عينيه صوب هذا القاتل كحفنة من التراب لا قيمة له.
مش هتعترف قتلتو ليه برضو؟
مش هتكلم غير قُدام المحامي بتاعي.
قالها ببرود وهو يزوره بنظرة عابرة دون إهتمامٍ يُذكر، وعاد يحدق أمامه في العدم مطبقا على كفيه بقوة وأسنانه تكاد تسحق داخل فمه من عصبيته المُطلقة.
شاويش بركات..

صرخ بقوة وقبل أن ينهي قوله كان المدعو بركات يمتثل أمامه ليستطرد بطريقة فاذة.
خدو ارميه في الحجز لحد مانشوف هنعمل ايه مع أمه.
غامت عيناه في سوادٍ قاحل، ورفع نظره إليه ب شرٍ عظيم أرهبه قبل أن يتم سحبه من ذراعه إلى الخارج بقوةٍ دون أي مقاومةٍ منهُ البتَّة.
لكن لم يكظم غضبه ويصمد، بل كانت الكلمات تطِّن داخل أذنيه تمزق أوصاله، هل يعرف أمه حتى! هذا تعدي غير مقبولٍ لديه.

دفع كتف الشاويش بغتة وهو يزمجر، ولم يسعفه سنه الكبير فترنح بعيدا وعاد يعقوب ركضا إلى المكتب ورفع قدمه على الكرسي الذي دعمه في قفزته فوق المكتب ليستقر على ركبتيه قابضا على ياقة ذلك المستفز كاللص وعينيه تستعر بنيران الغضب.
شهق بتفاجئ وكتم أنفاسه وشحب لونه وماكاد يتنفس حتى ضرب يعقوب جبهته بجهته بقوة أدت إلى سيلان الدماء من أنفه وهدر بعنف هزَّ أركان المكتب.
هندمك على آخر كلمة قولتها.

ودفع برأسه بعيداً دفعةً قوية أدت إلى سقوطه مع كرسيه المنزلق أرضًا.
وغادر مع الشاويش الذي هرول إليه بخوف وأعاد مسك ذراعه بقوة، ليستوقفه قول الضابط الصارخ يأتي من خلفه وهو يمسك أنفه النازف.
وحيات أمي هخليهم يقطعوك تحت.
ارتفع جانب شفتيه بسخرية وتابع سيره دون أن يلتفت ويهشم وجهه كي لا يظن أنهُ اتستفزه أو أخافه حتى، فليقترب أحدهم منهُ في الأسفل وسوف يمزق جسده إلى أشلاء ويتجرع من دمائه.

فك الشاويش قيده في الوقت الذي فتح به الحارس بوابة الزنزانة الحديدية ودفعه داخلها بقوة وأوصد خلفه.
سار خطوتين وقبل الثالثه وجد ثلاث رجال يحومون من حوله كما يحصل في العادة ويتفحصون أي مسجون جديد يهِل عليهم.

شملوه من أعلاه لأخمص قدميه بتفحص ورفع أحدهم يده وإمتدت إلى كتف يعقوب لكنها لم تصل ولم يسمع بعدها سوي صوت طرقعة عظام تُسحق تلاها صرخة رجل مدوية وهو يجثو على ركبتيه بملامح متقلصة بألم وذراعه يتعرض للكسر.
دفعه يعقوب خلفه وتركه يسقط متأوها متلويا من الألم، وجال بنظراته المستوحشة المتجهمة عليهم جميعهم بانتباه محفزاً نفسه للأسوأ والغضب يتأجج بين جنبات صدره، ف هم من سيجلبون هذا لأنفسهم.

بنيته القوية، جسده المفتول، قامته المهيبة، نظراته المحتدة الثاقبة، تصلب فكه وثباته، وهالة الثقة التي تحوطه أثارت الرجولة داخلهم، زادت تسليتهم ورغبتهم في كسر أنفه وجعله خادما إليهم لأجل أن يذلوه ليل نهار.
بدأوا بالتقدم والإقتراب بتباطؤ متحلقين حوله ك ضباع جائعة، والروائح الكريهة تنبعث منهم، والندوب تملأ وجوههم المتعرقة القبيحة.

بادر أشجعهم بالهجوم عليه مكورا قبضته كي يسدد إليه لكمه صخرية تعلقت في الهواء من قِبل يعقوب معتصرا تلك القبضة براحة يده قبل أن يركله بين قدميه ويفقده قوته ثم ضرب جبهته بجهته بعنف مسببا اهتزاز جسده كاملا بذبذبةٍ، ثم لكمه بشراسة يشفي به غليله ولوي ذراعه حد الكسر، ثم دفعه على الأخر الذي كان يتقدم بتروي كالفهد شتت تريكزه، وما لبث أن قفز عليه سطحه أرضا واعتلاه وأخذ يكيل إليه اللكمات يمينا ويساراً بجنون وغشامة حتى تطايرت الدماء من فمه، وسالت من أنفه وتشنج بين يديه.

انتزعوه من فوقه نزعاً دون أن ينجحوا في تهدئه الوحش الكاسر داخله وصدره ينقبض وينبسط بقوة، قيدوه وشلوا حركته من الخلف وتقدم واحد منهم ب مطواة ذات شفرة حادة لامعة يمررها على ذقنه بإبتسامةٍ خبيثة لم تكتمل عِندما التف يعقوب برأسه وبصق في وجه ذلك الذي يقبض على ذراعه الأيمن ثم ضرب أنفه برأسهُ وتحرر منهُ وتمكن من رفع قدميه في الهواء وركل صدر المتقدم منهُ رنحة قبل أن يقترب حتى.

تكالبوا عليه وتكدسوا ف جأر بغضب وعاد بظهره إلى الخلف وهو يرفع ذراعيه مقاوما بكل ما أوتي من قوة وهم حوله كالنمل المتسارع لحمل الطعام.

ومع ذلك الزحام وكثرة الحركة في الغرفة أزاحوا معهم المطواة فأتت أسفل حذائه، شعر بها وهو يلهث بإنفعال والادرينالين يتدفق في أوردته، فقاتل بشجاعة حتى النهاية، قِتال مُغوار وأخذ في الركل واللكم بهمجية دون مهابة وهو يزأر دون توقف حتى تراجع البعض، وتحينت الفرصة لديه لينحني إلى الأسفل كالغريق والتقط المطواة من الأرض ووقف باستقامة يلوح بشفرتها أمام وجوههم القبيحة وهو يلهث وكلا من جبينه وجسده يزخان عرقا بغزارة، وعروقه نافرة من فرط الإنفعال، وعيناه دامية مرعبة، فابتعدوا كالقطيع يحملقون به بحذر وأعين زائغة ومازالوا متحلقين حوله يسيرون في حلقة لا تنتهي، لكن الإصرار في إخضاعه مازال يشِع في أعينهم والخطر لن يزول وهم يلتصقون به ك حشرة البرغوث كاتمين أنفاسه بإختناق بسبب رائحة قذارتهم المشابهة لحظيرة الخنازير.

صرخ بهم بصوتٍ جهوري وعيناه تنضخانِ بشرا عظيم وهو يُصدِر ذراعيه المفتولين أمامه باحتماء والشفرة في كفه وخط العرق يسير من أعلى جبينه المقطوب حتى فكه المتشنج.
اللي هيقرب هقسمه نصين فاهمين يا شويه(، ).
كفاية يا رجالة ده تبعي.
التفتوا جميعاً على صوته العميق المهيب، يجلس في الزاوية بشموخ وثقه كأنهُ يجلس في قصره، أسفل النافذة الوحيدة التي ينبثق منها ضوء النهار داخل تلك الزنزانة المشابهة لقارعة الطريق.

رد المترأس ذلك الهجوم باعتراضٍ جلي.
بس ده ضرب..
قُلت تبعي كُل واحد يرجع مكانه.
هدر الكينج بثَّ الرُعب داخله جعله يبتعد عن مجال يعقوب ولحِق به الجميع وعادوا إلى الجلوس على الأرض الاسمنتية ومنهم على الأغضيه البالية.
نظر يعقوب صوب ذلك الصوت المألوف مستطلعا، يتفقد ملامحه باهتمامٍ شديد، سُرعان ما تبدل الوجوم وزال الانفعال ولاحت على شفتيه إبتسامة عابثة، يا إلهي من سخرية القدر التي يواجهها.

تنفس براحة اكبر، وتراخت أعصابه المشدودة، وأنزل ذراعيه، و إبتسم بجانبيه وقذف المطواة من يده، وخلل أنامله داخل شعره الرطب إثر العرق، وعدل سترته باهظة الثمن لكن وجد بها تمزيق، فخلعها وقذفها على أحدهم لتصتدم بوجهه ثم بصق بجانبه والقصد عليهم بالطبع، وتقدم منهُ بثقة وهيبة لا حصر لها.

جلس أرضاً بجانبه بهدوء، وأسند مرفقيه فوق ركبتيه وحدق في العدم والأفكار تتزاحم في عقله، والمقوله الأصدق والأكثر تعبيراً عما يعتمل صدره الآن تدور في ذهنه ولم تكن سوي، اللعنة على جنس حواء.
كُنت عارف انى هشوفك هنا.
قالها الكينج وهو يخرج لِفافة تبغ رخيصة بيضاء لم يستخدمها يوماً لكن مكوثه هنا تلك الأيام القليلة جعلته يستخدمها.
إشمعنا!

سألهُ ببرود، أبيا النظر إليه وهو من شهد على الزج به خلف الجدران، ليس خوفا أو خجلاً، بل كي لايري نظرته المتشفية لأنهُ لحق به.
ابتسم الآخر بسخرية وهو يمد إليه سيجار وهتف بخيبةٍ.
من ساعة ما شوفتك معاها وانا عارف إن اخرتك هتكون على ايدها.
زاره بنظرة بلغ العداء بها حد الطعان غير مُتقبل حقيقة ماحدث وهدر بغضب.
مين قال إن دي أخرتي؟
وزفر بحدّة ودفع يده من أمامه واستطرد هادرا بسأم.
ومبشربش القرف ده!

قهقهة الكينج ووكزه بمرفقه بتسلية يحثه على أخذها عن طيب خاطر
مشي نفسك عارف انك بتشرب البُني ودي مش هتلاقيها هنا.
أخذها على مضض ووضعها فوق أذنه والتزم الصمت هنيهة قطعه سؤال الكينج بمكرٍ مدروس.
صح إنت جيت ازاي؟ هتعرف تخرج بقي؟
لفظ بتهكم و برود و مشاعر الكره والتحدي التي يحملها ناحيته تسيطر عليه، صحيح أنه يصبح عدوه في بعض الأحيان لكن في الخارج، أما هُنا وبموقفٍ كهذا وجب أن يكونا صديقين.

بالبوكس يا كينج جيت بالبوكس.
قهقهة بسخرية وهو ينفث دخانه وهتف من بين أسنانه بدون تسلية بتاتا.
الحب خلاك سخيف كمان مش ضعيف بس.
اعتلى ثغره ابتسامة مميتة منعقفة قبل أن يعتدل و يتخلي عن راحة ظهره وهسهس بخطورةٍ وتحذير يسطوان على صوته وهو يتراشق معهُ نظرات ملتهبة لشخصٍ جريح.
ولا عمري كُنت ضعيف، ولا مخلوقة على الأرض قدرت تضعفني، ولو قُلت كده تاني هقتلك إتفقنا؟

قهقه مجدداً باستفزاز و نظرة ماكرة خبيثة لاحت على معالم وجهه تخبره أن يتوقف عِند هذا الحد لأنهُ أصبح مُثيرًا للشفقة بسبب محاولته اليائسة لحفظ ماء وجهه أمام خبيث مثل عوض.
سأله بنوعٍ من التعجب ملؤه المكر وهو يضيق عينيه مشيرا إلى كليهما.
بس مش ملاحظ ان اللي خد ياسمين واللي مخدهاش هما الاثنين في مكان واحد.
حدجه بنظرة تمثل الجحيم داخلها، ورد ببرود.
وممكن الاثنين يبقو واحد فجأة برضو ايه رأيك؟!

ضحك الآخر بمتعة وهزَّ رأسهُ نافيا وهو ينفث دخان سيجاره.
لا مش هينفع، انا هخرج بعد كام يوم وهخرجك معايا تيجي؟!
ليه؟
سأله بنوعٍ من الإرتياب لم يخفيه عنهُ بنظراتٍ متفحصة مدققة لمعرفة مدى جدية هذا العرض لأنهُ غريب أن يخلصه ويحرره! لن يصل كرمه إلى هذا الحد على الأقل معهُ هو!
ابتسم ابتسامة مبتسرة شيطانية قبل أن يقول بسخرية غلَّفتها برائه عظيمة.
عشان هقتل ياسمين لاني متضايق منها جامد أوي..

ابتسم يعقوب واضجع على الحائط وأراح رأسهُ فوقها وأخذ يضحك بصخب أدى لإغلاق عينيه وتجعد بشرته، وجسده يهتز بذبذبات خفيفة من وقع تلك الكلمات على مسامعه.
هزَّ الكينج رأسهُ بسخرية، فهو يعلم أن يعقوب لن يقتل الفتاة التي يُحبها حتى إن لم تبادله الحُب، إنه يحيا بمنطق غريب لا يفهمه، وفي كثير من الأحيان يعيش ك همجي بلا قيود نهائيا ويستطيع أن يقتل دون أن يرف له جفن!

في كلا الحالتين لن يجعله يقتل حقا لأنه يعرف أنه لن يقدم على فعل هذا من البداية، هو فقط يجمع نقاط ضعفه من ناحية ياسمين لأنه لم يكن يمزح قط عِندما قال سيقتلها.
لكن يعقوب نطق بنبرة مجردة من المشاعر الإنسانية، بما يبس الكينج لثوانٍ قبل أن يبتسم بخبث.
أنا هقتل ياسمين اقتل أنت تايسون.

أومأ الكينج بإعجاب وسأله بهدوء وهو يعدل جلسته لأنه وكما يبدو أن الحديث سيطول كما أخبرته معالم يعقوب بعد وقع هذا السؤال عليه.
احكيلي حصل ايه؟

كانت البادية، البداية المشؤومة، رؤيتها في ذلك اليوم الملعون بعدما كانت نهايته وشيكة.
رياح عاصفة، واتربة ملوثة تحوط المبني تشوش الرؤية، ضرباتٍ قوية ك دوي المتفجرات، ذبذبات عنيفة كأن زلزال مئة ريخت يهز أركان المكان، جُثث متفرقة ملقية أرضاً مفارقة للحياة، الدماء القانية تسيل، وصوت الأعيرة النارية قائم، زجاج مهشم، شظايا متناثرة، أمطار من الرصاص تنطلق دون توقف.

تطاير زجاج النوافذ وتناثر فوق جسديهما وهما يجثوان أسفل النافذة بإحتماء يلقمان مسدساتهما بتأزم دون توقع قدوم طرف ثالث معهم مخربا الوضع.
اهتز أركان المنزل إثر تبادل الإطلاق الناري واختراق الرصاص النوافذ والأبواب الضعيفة بعض الشيء بالتتابع دون ترك فرصة لهم للهجوم او التصدي إليهم بسبب الأعيرة النارية المميته.

أنهي يعقوب تلقيم مسدسه بسرعة ورأسهُ تكاد تلامس الأرض من شدة إنحائه العاجز، عدل جلسته ببطء وهو يتنفس بأنفعال وصدره ينقبض وينبسط، وأنامله تشتد فوق مسدسهُ وهو يسند رأسهُ على الحائط يعد إلى ثلاثة بهمس، وبغته رفع جسده وصوب على رأس أحد الرجال المتقدمين بشراسة ارداه قتيلا، وجال بنظره سريعة عليهم راصدا أماكن البقية بصعوبة بسبب الأتربة، واختفي أسفل النافذة.
عرفوا منين دول إننا هنستلم النهاردة؟

كان سؤال تايسون المتأزم معهُ، وذراعه الأيمن الذي يرغب في بتره عما قريب.
اجابه وهو يرفع جسده وصوب تجاه الجالس في السيارة الخارجية يضرب عليهم بتركيز شديد.
إنت عارف الكينج لما بيشم إن في حاجة جديدة ده اللي بيحصل.
بس في بينا اتفاق؟
احتج معترضا وهو يرفع كفه يصوب عبر النافذة بتلقائية دون رؤية أحد.
توحشت ملامح يعقوب وهدر ببرود وهو يزحف إلى النافذة الأخرى على ذراعيه.
ده اخر واحد ممكن تصدقه.

توقف إطلاق النار فجأةً، وتنبهت حواسهما إثره وسارعا إلى الركض صوب الباب الخلفي للهرب.
لكن استوقف يعقوب جثث رجاله والرجال الآخرين كأنهم خاضوا حربا كانت على أشُدِها وإنهزموا بها، لقد مات الجميع حتى رجاله اللعنة عليه ذلك الكينج سيمزق من لحم رجاله و يطعمها إلى الكلاب.

انحني وحمل حقيبة الأموال الساقطة أرضاً وكاد يذهب لكن استوقفه رؤية حقيبة المخدرات الخاصة بالطرف الآخر، فانحني وأخذها بعد تفكير لم يتخطي ثانية، لقد مات الجميع على أي حال وسيحترق المنزل بها وهذا قاسٍ.

وضع مسدسه في حزام بنطاله بإبتسامةٍ ساخرة متجهمة أشد التجهم، لقد كسب في الحالتين ولم يخسر شيئاً، بعض الأرواح القليلة لن تضر، فهم يعلمون بالفعل أن حياتهم لم تعد ملكهم إن عملوا معهُ ووافقوا على شروطه، في النهاية انتهي أجلهم ولا مفر من الموت، الشيء الوحيد الثابت لديه، لا حزن على الأموات لأن وقته الافتراضي انتهي في هذه الحياة، فقط يأمل أن لا يكون الجحيم من نصيبهم.

أعطي الحقيبتين إلى تايسون صاحب الجسد الضخم، والطول الفارع والملامح الخشنة القاسية وسارا معًا إلى الخارج.
ساور الشك يعقوب ووقف ينظر من النافذة على بُعد بتفكير! ف لمَ هذا الهدوء القاتل في الخارج عدي من صوت الرياح؟
اتسعت عيناه وصرخ فجأةً يحث تايسون على الركض بعد أن تم قذف قنبلة من النافذة حطت. أرضا.
اجري.

ركضا الإثنين تجاه الباب القريب بسرعة البرق، خطى الإثنين خطوة واحدة خارج الباب لينفجر المنزل من خلفهم ويتطاير جسديهما من قوة الدفع ويسقطان أرضاً على وجوههم فوق الأتربة.

تأوه يعقوب وهو يرفع جسده بألم والدخان المنبعث من المنزل المدمر يخنق كليهما والحرارة تصهرهما كذلك، وقف وهو يلعن من بين أنفاسه الهادرة ومال ينظف ملابسه السوداء من الأتربة بكفه الغليظ ثم اتجه صوب دراجته النارية وغمغم محادثا تايسون الذي كان يستجمع نفسهُ.
خُد الشُنط وسلمها وانا في الكبارية هخلص شوية حاجات.

وعقب قوله بأن استقل دراجته النارية السوداء اللامعة المصنوعة من الفولاذ الأسود ذات الإطارات المدببة وانطلق بسرعة البرق، يقود بجنون كالعادة.

داخل أحد الملاهي الليلية..
في أحد الغرف خلف الكواليس.
دلف صاحب الملهى إلى غُرفتها خصيصاً كي يلقي محاضرته المعتادة.
ياسمين خلي الليله تعدي على خير وبلاش مشاكل في حد مُهم برا..
نظرت له بطرف عينها ونطقت تقول بتكبر وببرودٍ شديد
زباينك ايدهم طويلة وأنا هنا رقاصة وبمزاجي وانت عارف كده كويس ماتجيش دلوقتي تستعبط عليا عشان الفلوس؟!
حاول استمالتها بهدوء كي تمر الليلة.

ياسمين! عارف انك مش للبيع وانا موافق انا مش بطلب اكتر من انك تلاغي بس.
استوحشت ملامحها ورشقته بنظرةٍ متدنية ونطقت بحدّة ومقتٍ شديد مهددة.
لما بلاغي بيفهموا غلط للأسف و بيمدوا ايدهم وده لو حصل تانى همشي وهسبهالك مخدرة وانت عارف ان أد كلمتي!
أومأ موافقاً بإذعان كأنه هو من يعمل لديها قائلا بإنصياع
ماشي يا ياسمين براحتك محدش هيكلمك.

ورفق قوله باستدارته وترك الغرفة وغادر، ل تبصق خلفه بتقزز وهي تخلع مئزرها الحريري الأبيض، وبقيت بملابس الرقص العارية المُكونة من صدرية حمراء أظهرت شق صدرها وبعضاً منهُ، تتدلى منها خيوط مطرزة لامعة، ووضعت ب سُرتها فصٌ لامع، ومن الأسفل كانت ترتدي تنورة طويلة حمراء مشقوقة من الجانبين، مُطرزة من الأعلى وتُزين كاحلها بِ خلخالٍ يصدر رنين كُلما تحركت.

في الخارج لدي ذلك المنزعج، صديق التجهم الذي لا يفارقه بتاتاً،
كان يجلس على طاولة في منتصف الصالة، كي يرى كل شيء بوضوح، شارد الذهن، يضجع بأريحية فوق الكرسي يستنشق من لفافة التبغ البنية خاصته بعمق، مُراقباً الدخان المُحلق بأشكالٍ وهمية، يفكر في الخائن المسؤول عن ما حدث، بالتأكيد أحدًا من رجاله.

زفر ببرود وأخرج لِفافة التبغ بسبابته وابهامه من بين شفتيه، وسحقها داخل المطفأة سحقاً وعاد يضجع عكِر المزاج، يحدق في المسرح، على الفرقة الموسيقية المثيرة للشفقة التي تعزف موسيقى قد ولّي عهدها، جذب إنتباهه صياح أحدهم من الطاولة المُجاورة إلى أحد النادلين الحاجبين عنهُ الرؤية، كان بمثابة طردٍ له و ابعاده عن مجاله.
لأ بقي دلوقتي ياسمين هتطلع و عايز أتفرج عليها بمزاج.

التفت برأسهُ ونظر إليه يعقوب بتفحص، وبفضولٍ كاذب سأله وعيناه تمر على الجموع بسبب تكدس الصالة الليلة كأنهم بانتظار شخصية مهمة، بالتأكيد هُناك عرض.
حلوة ياسمين دي؟!
قضم الأخر شفتيه برغبةٍ تثير الاشمئزاز في النفوس، بينما يهز رأسهُ بقوة بملامح مُعبرة، قائلا بثمالة وعدم اتزان.
حلوه؟ إلا حلوه يارتني كنت جازمة في رجليها..

ارتفع حاجب يعقوب مستنكراً أمنيته القذرة التى تصيب بالغثيان وهزّ رأسهُ بسخرية وأخرج لفافة تبغ أخري يستنشقها مع وصول مشروبة الخاص أعشاب طبيعية المشروب الذي أجبر عليه بسبب مغصه الكلوي، فمن العجيب أن يرتشف مثل هذه الاعشاب هُنا والأغرب أن يصنعوه بطاعة إليه، فهو ليس شخصا عاديا كي يتجاهلون طلبه!

ارتفعت الأصوات، وزادت الهمهمات مع وصول فراشة الملهى، صعدت على المسرح بخطواتٍ حثيثة متهاديه، ترفع رأسها بشموخ مُغلف بثقة لأبعد الحدود، تستمع إلى تلك الصيحات بإسمها وابتسامة ساخرة حانقة تعتلى ثغرها ضد الجميع، هي لاتكره الرقص بل تُحب أن ترقص، لكن ليس أمام أشباة رجال، أقذر فئة في المجتمع، تترك العنان لنفسها، تتحرر وتخرج طاقتها السلبية، تشعر أنها حُره تُحلق بعيدا بين النجوم، لايُهمها إن تفرسوا في جسدها أو إن أهانوها بطلبهم منها أن تدفئ فراشهم الليلة، ولا بمن سيدفع مُقابلها أكثر، ولا تلتفت إلى تلك الهمسات البذيئة، هي فقط تُحب أن ترقص، فالرقص هو الموصل إلى مبتغاها.

أسقطت الوشاح الملحق بالملابس من يدها وهي تحرك يدها بطريقةٍ ملتوية كالثعبان الزاحف أمام وجهها، تحدق بتركيز من خلف يدها على الطاولة التي يترأسها يعقوب في المنتصف، بعينيها البنية الكحيلة الآسرة، ثم استدارت.

نفث الدخان بتباطؤ وشفته العلوية ترتفع بسخرية بارزة أنيابه وهو يشملها بنظراته التقيمية بدءا من ظهرها الذي تُحركة بليونة، غير مُتجاهل ذلك الوشم، الخاص بالزهرة السوداء على طول ظهرها، صب تركيزه على رقصها وتمايلها برشاقة وخفة، فأعجبته بعد رقصها المثير بالطبع فالرقص يأخذ المركز الأول بالتأكيد.

سقط نظره على كاحلها الذي يتحرك بثلاثة، وأطرافها التي لا تتكئ سوى عليها فقط أثناء رقصتها وتمايلها وتحركها فوق المسرح ك فراشة رقيقة رشيقة تبتسم دون تعب وارهاق.

سقط نظرها على الهدف وهي تستدير فابتسمت ابتسامة عابثة متغنجة، وساقتها قدميها إلى تلك الطاولة و مازالت ترقص وتتمايل بكتفيها، ارتفع حاجب يعقوب الأيسر متأثرا بالمفاجأة وظل متجهما عِندما وضعت قدمها على فخذه، وصعدت على الطاولة، تستأنف رقصتها تحت هُتاف الغائبين السكارى بحماس، وحملقته في جسدها من الأسفل وهي ترقص بجرأةٍ أكبر!، ابتسم بتسلية وبدي أنه سيستمتع اليوم، ف قذف ماتبقي من لفافة التبغ فى مشروب الأعشاب خاصته وعزم على جعلها تندم.

صعد فوق الطاولة ورقص معها تاركا مسافة بينهما في بادئ الأمر، وهي لم تمانع ورقصت معهُ وهي تبتسم مرحبة مُحبذة ما يحدث قبل أن يقبض على خصرها ويقربها إلى جسده حد الإلتصاق وتتحول الرقصة إلى رقصة بذيئة قذرة.

انتفض قلبها داخلها وتملصت وهي تضرب صدره بقبضتها وتجلي الخوف على ملامحها، وتمكن الذعر من قلبها من أن يكون مخمورًا، وجالت بعينيها على الحراس باستغاثة كي ينقذونها من براثنه لكن للأسف هما أقل من أن يخوضوا شجارا معهُ.

تلَّوت بقوةٍ والاشمئزاز يغمرها، ويديها تزدادان قوةً فوق صدره الضخم، لكن لا حياة لمن تنادي، إنه حائط أثري يصعب هدمه، تابع رقصته باستمتاع متلذذا بمقاومتها الواهية وملمس بشرتها الناعم الذي يرتجف بعض الشيء، ونظر إليها لتتقابل اعينهما.

عيناها الواسعة المتشبعة بالخوف، وحاجبيها الصهباوين المنعقدين بتعبيرٍ مُستغيث يتطلب المساعدة، ف قدمها هو بنفسه والسخرية تشع من عينيه وملامح الإستبداد تسيطر، ويديه تتتراخا فوق خصرها، وما إن شعرت بهذا حتى لاذت بالفرار ونزلت عبر الكرسي وركضت إلى الداخل مباشرةً بعد سماع صياحه المتهكم الممزوج ببعض الاستصغار في طريقها للداخل.
خايفة من الشغلانة يبقى متشتغليش يا حلوة.

ضحك البعض وازدراه البعض الآخر، فقام أحد المنفعلين بسبب إنتهاء المتعة البصرية بشتمه بلفظٍ مُقذع، فركل كوب الأعشاب الزجاجي بدوره تزامن مع انتهاء الرجل، أصاب رأسهُ وتهشم به تلاه تحذيره الهادر.
المرة الجاية هقطع وشك.
في حاجة يا بوص؟
جذب انتباهه ظهور تايسون هُنا وهو ينزل عن الطاولة فسأله بجمود.
بتعمل ايه هنا؟
وصلت الحاجة وجيت ادور على البنت دي، خالد باشا عايزها حية أو ميتة.

اجابه وهو يناوله صورة فتاة في نهاية حديثة.
ناظرها يعقوب بوجوم دون التأثر بالصدفة الغريبة وسأله وهو يلقي عليه نظرة باردة.
عايزها ليه؟
مقلش.
أومأ يعقوب بتفهم ووضع الصورة فوق صدر تايسون وربط فوقها بخفة وقال بابتسامة مبتسرة.
لقيتها تعالي ورايا.

أومأ وذهب خلفه وتوجها مباشرةٍ إلى المسؤول عن المكان، الذي كان يدور حول نفسه في غرفته كطائر جريح يفكر في رد فعل ياسمين عِندما يدخل إليها! ستترك المكان لا محالة بسبب التطاول معها، فهو عاجز الآن ماذا يفعل؟!
دفع يعقوب الباب ودخل، بل هجم ك مداهم أفزعه جعله يلتفت إليه شاحبا ليأمره دون تبادل التحيات حتى.
فين أوضه الرقاصة؟

تفصد جبينه عرقا وهو يبتسم في وجهه بتأزم، أمام معالم وجه يعقوب الخالي من أي تعبير يُذكر فثأثأ يقول.
مو، موجوده، إتفضل.
ساقهما إلى غرفتها وهو يبلع ما بجوفه بقلق وتوتر حتى وصل إلى الوجه الصحيحة ودخلوا.
في إيه وايه اللي دخلكم هنا بالطريقة دي؟!

صاحت بغضب وهي تقف عن الكرسي الملحق بتسريحتها باهتياج عِندما تم الهجوم عليها افزعوها، وقد دثرت جسدها داخل المبذل فوق ملابس الرقص العارية التي تبرز جسدها البض الهش بسخاء.
أشار يعقوب إلى صاحب الملهي بإيماءة بسيطة من رأسه ليخرج ويتركهم ثم أخرج يده من جيب بنطاله ولوح إلى تايسون بسبابته من فوق كتفه أن ينصرف وثوانٍ قليلة كانت الغرفة خالية عدي منهما فقط.
تنفست بإختناق وهمت بطرده بحدةٍ وشراسة لا حصر لها.

إنت واقف بتعمل ايه اتفضل برا!
جابت عيناه جسدها بشمولية، لأنه لم يمعن النظر جيداً في الخارج، والوقاحة تنضح من عينيه الثاقبة المدققة، كأنها لا تستر شيئا بينما كل شيء مخفي عن عينيه، لكن نظراته العميقة المدروسة التي تنفذ إلى طوية البشر جعلتها ترتاع منهُ وتضم طرفي المبذل الحريري على صدرها أكثر بأناملها النحيفة بحركة مرتبكة أشد الإرتباك.
طفق يقول بعدم فهم وهو يأخذ شهيقا طويلا يملأ به صدره المتضخم.

برا ليه؟ أنا ضيف!
اكفهر وجهها وعادت تقول بتهديد وهي ترفع حاجبيها الصهباوين بخطورة.
بقول برا بدل ما..
ما إيه قولي هتعملي ايه؟
قاطعها بصوته الرخيم بسؤاله المستفز وحاجبه الأيسر الكثيف يرتفع بتحدي وهو يبتسم ابتسامة مستبدة جعدت أسفل عينيه وأبرزت أسنانه المنضودة، فكانت ابتسامة شبه مسمومة.

نفرت عروقها من قوة شدها على المئزر غضباً وهي تكز على أسنانها تحت مرأى من عينيه الداكنة التى ملؤها المكر لتهتف بمقتٍ وسأم.
بقول برا..
لاحت ابتسامة عابثة زينت أعلى شفتيه وطفق يقول بكل صدق وسلاسة.
عشان بس نوفر كل الوقت ده بدل أخرج ومتخرجش وانا واحد مشغول دايما، إنتِ عجبتيني ودخلتي دماغي وأنا عايزك تمام؟

امتقع وجهها و ارتعدت دواخلها وهي تنظر إليه! لا بل كانت تحملق به بشحوب كأنهُ جثة أو هي التي باتت جثة! وبعض الأصوات من الماضي كانت تعلو داخل أُذنيها.
طالعها باهتمامٍ بارد منتظراً ردها عليه عوضا عن التيبس هكذا؟
كاد يتحدث لكن هزت رأسها واستردت نفسها مستعيدة رباطة جأشها وتبدلت في برهة.

من شخصٍ حانق غاضب مشمئز، إلى آخر مُبتسم مُرحب مُستطلع وهي تجلس على كرسيها واضعة قدم فوق الأخري، فتظهر ساقها مع فخذها كاملا بسبب شق ثوبها، سائلةً باستفهام وجدية وحاجبها الأيسر يسبقها.
وايه اللي يخليني أوافق؟
إبتسم ببرود دون أن تهتز به شعره أو حتى يُلاحظ هذا السخاء الذي تفضلت به عليه كأنهُ سيركع أمام جمالها الإلهي سائل اللعاب يترجاها أن تأتي معهُ؟ معتوهة لا تفهم!

هتف بثقة وعدم إهتمام كأنها هي من تطلبه للفراش وهو ينظر إليها بنظرة ثابتة فاحصة متفرسة.
عشان أنا ميترفضليش طلب.
وده عرض دايم ولا ليلة واحدة؟
سألته بفضولٍ استشف به السخرية وهي تضجع على الكرسي بأريحية أكثر دون أن تعبأ بما يظهر من جسدها أمام نظراته المتبلدة الخالية من الرغبة.
أتاها رده الوقح وعيناه تسطعان بومضاتٍ من نفاذ الصبر.

أنتِ وشطارتك ده متوقف عليكِ إنتِ، يوم، اتنين، اسبوع، شهر كله متوقف عليكِ ومتخافيش هدفع كويس.
حدجته بنظرة تضاهي نظرة إثنين بلغت العداوة بينهما حد الطعان قبل أن تسبه دون تروٍ أو تبّصُر طافحةً بالوقاحة.
إنت واحد (، )و(، ).
لم تتبدل ملامحه الجامدة، أو تأثر حتى بفلس، فقط طرف بعينيه الواسعة ورموشه الطويلة الجلابة للهواء قبل أن يحك منحدر أنفه مشاطرا الرأي لها بسخرية.

جايز فعلا، ها تيجي ولا أخلي رجالتي يجيبوكي؟
كان قوله أدعى على الضحك والسخرية لدرجة أنها ابتسمت باتساع كأن الماثل أمامها حب حياتها.
أخرج برا.
قالتها وعاطفة الاحتقار البالغة مبلغ التقزز والاشمئزاز تسيطر عليها.

رشقها بنظرة أدق مع ابتسامة مسمومة، وتقدم منها بخطواتٍ مدروسة لتبهت ويصفر وجهها لكنها وقفت بثبات رغم الخوف ورفعت رأسها بشموخٍ لا يليق براقصة ملهى بتاتا! فعليها أن تخجل من نفسها وتختبأ من نظراته ولا تكون كثيرة التبجح والتعالِ إلى هذه الدرجة المخزية!، إنها تجعله يستحقرها ويراها بشكلٍ غاية في التدني، حقيرة كذرة رماد.
مال على أذنها وهمس بوقاحة ورائحة عطرها الياسمين ينفذ إلى أنفه.
مش هقسي عليكِ متخافيش.

بصقة، أتته إجابتها ب بصقة في وجهه وهو يرتفع بثقة وابتسامة ساخرة تلاشت وتربع الجحيم محلها.
هزّ رأسهُ بتفهم وابتسامة مميتة تعلو ثغرة قبل أن يطبق على عنقها الطويل البِض بعنف خانقا إياها خنقاً دون مُزاح، مراقباً عينيها الجاحظتين بقوة، وصدرها الذي إهتز بعنف، وإنفراج فمها مطالبةً بالهواء، ببرود دون التأثر ولا الإكتراث.

ابتسم بلطف كأحد المختلين وسألها بأعين متسعة معاتبًا إياها ك طفلة صغيرة وقوة ضغطه تشتد على عنقها حتى إختفى لون بشرتها البيضاء وبدأت تزرق.
متعرفيش إن كده عيب؟ محدش علمك؟ ها؟
ناظرته بأعين دامية وشفتيها المزرقتان ك جثة تتحرك ببطء عقارب الساعة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة والجحيم تراه في عينيه،
ليجذبها إلى الأمام بعنف وقبضته لم تتخلى عنها بعد، ومال يمرغ أنفه في شعرها يسمح اللعاب المقرف الذي التصق على وجهه.

تأكد من نظافته ثم رفع رأسهُ مبتسما بجفاء، ودفعها عنهُ أسقطها أرضاً وخطى فوقها وسار إلى الخارج بينما يقول بعتسفٍ.
هجيلك تاني تكوني اتعلمتي.
وتركها تسعل وتستعيد الحياة ولونها الطبيعي، وخرج إلى تايسون الذي انتبه وسار خلفه بتعجبٍ بسبب خروجه وحيدا دونها! فسأله بتلجلج.
اتصل بالباشا أقوله لقيتها؟
طالعه يعقوب بعمق إلى مايقارب الدقيقة سابحاً في أفكاره قبل أن ينفي بلهجة آمره لا تمت للنقاش بصلة.
لأ.

و ارتدى خوذته واستقل دراجته النارية وأشعل المحرك وكاد ينطلق لكن فضوله أوقفه وجعله يخلع خوذته وبدي عليه التفكير.
مرَّ تايسون من جانبه متجها صوب السيارة لكي يذهب لكن هتاف يعقوب بإسمه أوقفه.
توقف وامتثل أمامه فسألها باستفهام.
بيدور عليها ليه؟
ألقي تايسون كل ما بجبعته دون أن يُفكر.
بيقول إنها بنت صديقة وبيدور عليها بقاله سنين عشان يرد دين عليه لدرجة إنه مُستعد يكتبلها كل أملاكه.

رفع يعقوب حاجبه الأيسر وسأله باهتمام شوَّبه بسخرية.
ده كان في وعيه هو بيقول كده؟
هزّ رأسهُ نافيا وقال.
لا كان شارب بس مشاعره كانت حقيقية وقتها، وهو فعلا بدأ في الإجراءات عشان ينقلها بعض أملاكه وانا اللي عملت كل الإجراءات.
رد متهكما وهو يسأله ببعض الحدة بسبب تصديق مثل هذا القول كأنه لايعرف رب عمله متجاهلا بقية الحديث.
مشاعره! وده من امتى؟
برر بهدوء وهو يهز كتفيه.

حاجة متتصدقش بس البت مختلفة بالنسباله وبقالي شهور بدور وبيسألني كل يوم عليها.
بتدور من أمتي؟
من شهرين.
سأل بدون تعبير.
ومقولتش من بدري ليه؟
لأنك كنت مشغول وشايل الشغل كله بس فشلت ومعرفتش أوصلها فا قولتله وطلبت أني أطلب مساعدتك.
أومأ بتفهم وقال بعد تفكير دام ثوانٍ معدودة.
تمام، قول للرجالة يجيبوها النهاردة..
أومأ بطاعة ليسترسل وهو يرتدي خوذته.
الڨيلا بتاعتي.

وعقب قوله بمغادرته وتخليف اتربه إثر احتكاك الإطار بالأرض بعنف، مُزِجت بالدخان الملوث.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة