قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا نيران في خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

نوفيلا نيران في خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

نوفيلا نيران في خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

وصل مروان اللحظة التي غادر بها الفتي وقال من بين أسنانه لظهرها المتصلب أمامه ليتأكد بأنها تعلم بوجوده:
-انتي واقفة بتهببي أيه هنا!
عضت شفتيها واغمضت جفونها بقوة وهي تستشعر سوداوية حروفه قبل ان تستعيد رباطة جأشها وتستدير ببطء تحسد عليه مقررة مجاراة الوضع بقولها:
-ايه ده مروان، انت بتعمل ايه هنا!
مال رأسه لليمين بنفاذ صبر وأردف بغضب:
-انا سألتك سؤال؟ بتعملي أيه هنا يا منار، متختبريش صبري!

طالعت أنظاره بتحدي وانف مرفوع لتجيب:
-ليه في حاجة؟
اقترب منها خطوة مهددة وهو يشير بيده في وجهها:
-في إنك خرفتي وواقفة في نص الفرن بتبيعي للناس!
لمعت عيونها بانتصار لأنها أثارت اهتمامه وجنونه أخيرًا كما أثار جنونها بتجاهله فعلى الأقل استطاعت إخراجه من صمته حتى لو كان بدافع الغضب، تنهدت بملل واعتيادية وهي تشير حولها:
-زي ما انت شايف اهو حاجة تسليني!

دلفت سيدتان مسنتان فأشارت لهم منار للمنضدة المفروشة بالمخبوزات قبل ان تعيد وجهها نحوه بابتسامة قاتلة:
-على العموم شكرًا لاهتمامك وسؤالك!
اعاد ابتسامتها بطريقة مرعبة هزت ثباتها ليقول بهدوء حاد:.

-الاستهبال حلو أكيد، بس مش معايا يا منار، بصي هو اختيارك أنا على أخري ومش شايف غير سواد قدامي فمعاكي خمس ثواني بالظبط قبل ما انسى انك في الشارع و اخدك من شعرك اللي فرحانة بيه ده و اطلعك شقتنا فوق وانتي ومبررك بقى، هنتكلم ولا هقتلك أول ما يتقفل علينا باب!

تسمرت مكانها في ذهول وارتبكت ملامحها بشكل ملحوظ لتهمس متوترة:
-متتكلمش معايا كده أحسن لك، أنا مش صغيرة!
مال بجسده نحو اذنها كي يتجنب الفضائح قد المستطاع وخبط أصبعه بجانب رأسها ليقول بحده:
-اثبتي علي موقف مش انتي بردو الصغيرة اللي اتحوزت العجوز المهكع...
طالعته بصدمه وعجزت عن الإجابة وهو يتلاعب بكلماتها ولكنه أكمل بعنف:.

-علي العموم هوفر عليكي التفكير انتي صغيرة وعقلك أنتهت صلاحيته وانا اللي هعيد إنتاجه من دلوقتي!
-انا...
حاولت التحدث فأوقفها بأن هتف بغضب غير قادر علي تمالك أعصابه:
-يلا!..
انتفضت بذعر ولكنه لم يتوقف ووجه حديثه للسيدات محاولاً تنظيم انفاسه المفرطة من غيظه:
-لو هتاخدوا حاجه اتفضلوا عشان هنقفل!

امسك بذراع منار يدفعها بجواره إلى الخارج وجز علي اسنانه وهي تحاسب السيدتان، دفعها للخارج بإهمال وهم لغلق الباب حين أتي الصبي الخاص بالمخبز أخيرًا لتقول منار بصوت مهزوز:
-متقفلهوش مجدي هيوقف لحد ما الحاج هلال يجي!

لم يجادلها او يلتفت نحوها بل اكتفى بجرها خلفه إلى الداخل، علت دقات قلبها بذعر وهي تتابع العرق يتصبب من وجهه الأحمر وأسفل رقبته ليبلل ياقة قميصه، كدليل قوي على قسوة انفعالاته في تلك اللحظة.

علا صوت تلاحق أنفاس ظافر وشروق على الصمت حولهم وكلاهما نائم بين ذراعي الأخر بعد رحلة متبادلة من غرام عذب المذاق، استدار على جانبه ليقربها منه اكثر ويقبل فمها بقوة وجوع وكأنه لم يتناول وجبة دسمة مصدرها هي، لكنه تفاجأ بها تكشر وجهها وتدفعه بخفة حتي ابتعد عنها وخرجت من بين ذراعيه، بدأت تلملم ثيابها وترتديها سريعًا فتساءل بذهول:
-رايحه فين؟
-رايحه لولادي طبعًا!
-أفندم؟

اعتدل بنصف جسده العاري ليضيف بحدة:
-يعني ايه مش فاهم!
زاد احمرار وجهها الأحمر من الأساس لتقول بتلعثم:
-انا لسه زعلانة على فكرة ومتفتكرش إنك باللي عملته ده هتضحك عليا!
ارتفع حاجبيه في ذهول ليقول بنبرة حانقة:
-نعم يا أختي، أنا اللي عملت!
استدارت نحوه بحده وهي ترتدي أخر قطعة من ثيابها لتتهمه:.

-أيًا يكن يعني، انا مش هسامحك غير لما تفتح قلبك ليا وتفهم إنك متجوز ومفيش أسرار بين راجل و مراته وتراعي مشاعري ولا انت فاكرني لعبة في إيدك!
دفع الغطاء بحدة وهم بارتداء ملابسه هو الاخر ليردف بلهجة غاضبة:
-واللي حصل بينا ده مش في بند الاهتمام والمشاعر؟!
وضعت ذراعيها حول خصرها لتقول بإصرار متجاهلة مقصده عن عمد:.

-ده غير انك اخترت تتجاهلني ومعبرتنيش انا او عيالي، بذمتك في اب ينام من غير ما يطمن على عياله!
اندفع ليقف امامها متهمًا بحدة:
-انهي عيال دول، اللي مش طايقني وخلوكي تغضبي!
-انت اللي خلتني اغضب متجبهاش في العيال الي ميوعوش لحاجة!
دافعت في غضب وابتعدت للخارج ليهتف:
-عيال ده احنا العيال...
اتبعها بانزعاج ليقول وكأنه تذكر امرًا للتو:
-وبعدين تعالي هنا افهم ايه من اللي حصل ده، انك كنتي بتستغليني!

ارتبكت وهي تلتقط حجابها بجوار باب المنزل لتقول بتلعثم:
-ده مش أنا طبعًا!
-اومال أمي!
-لا بنتك هي اللي عملت كده!
طالعها باستنكار ليقول:
-استغفر الله العظيم واتوب اليه، انتي هتكفرينا يا ست انتي!
جزت على أسنانها بخجل واضح لتدافع وهي تفتح الباب:
-انت وحشت اللي في بطني عشان كده لعبت في دماغي!
ضحك بسخريه ليقول بتهكم:
-طيب والله حلو جدًا إن في حد انا بوحشه!

ضيقت عيونها التي لمعت بدموع لا مبرر لها لتقول:
-طبعًا ما أنت أهم حاجة عندك بنتك وعيالك!
ضرب كف على الأخر بذهول ليقول بنبرة مجنونة:
-لا إله إلا الله، هو انا مش من شوية كنت مفتري ومش بهتم بعيالي دلوقتي بقيت مش مهتم غير بعيالي، ده ليفيل جديد للنكد عشان ابقى معاكي على الخط بس!
ارتعشت شفتيها لتهطل دموعها وهي تقول:
-متشكرة يا محترم!
جذب ظافر ياقة ملابسه وكاد يمزقها بنفاذ صبر ليقول بلهجة مشتتة:.

-أنتي بتعيطي لية دلوقتي، أنا كلمتك يا ستي!
أجابته ببحه وبكاء مكتوم وهي تتجه للخارج وتفتح الباب بعنف:
-لا مبتتكلمش كفاية أنك حارق دمي انا واللي في بطني طول الوقت، عن اذنك!

لم يجيبها وقد استوقفهم مشهد صعود مروان الجاذب لزوجته خلفه دون أن يلقوا السلام حتى، جاور ظافر زوجته وتبادلا الأنظار بتساؤل وتعجب قبل ان تتخلي شروق عن فضولها وتتذكر غضبها وتتركه متجهه إلى أعلى، عبث ظافر بخصلاته بغيظ قبل ان يقرر توجيه جام غضبه على مسبب المصائب في حياتهم.

استيقظ يزيد بخضة على صوت طرقات قوية بعد أن غفي لا شعوريًا ما أن وصل إلى البيت، صاح وهو يستعيد توازنه:
-طيب طيب في إيه، انا جاي اهوه!
ليتمتم في حنق واضح وثقة:
-انا عارف الخبطة الغبية دي، استر يارب!
فتح الباب ليدلف ظافر الغاضب وهو يطالع هيئته الناعسة ويهتف بحده:
-طبعًا نايم ومش في دماغك الدنيا، يارب نص برود الراجل ده ومراته في حياتي عشان هتجلط!

قال جملته الاخيرة وهو يرفع كفيه للسماء فيتأفف يزيد قائلاً:
-ماتهدى ياعم الطوفان وبراحه عليا!
اغلق يزيد الباب عندما توجه ظافر بصمت الي احد المقاعد يجلس ثم رد عليه بتعب:
-وهتيجي منين الراحة، يزيد أنا هتجن بجد مش عارف استحمل الوضع ده، العيال وحشوني ومفيش كلب فيهم سأل فيا!
ضحك يزيد فرماه ظافر بنظرات حارقة محذرة فتنحنح قائلاً:.

-طيب اهدى بس، وبعدين أنا عايز أعرف ايه التحول اللي حصل لعيالك ده، مش انت كنت بتشتكي انهم على طول خايفين أن شروق تسيبكم لو انت زعلتها، أيه اللي حصل!
ضرب ظافر علي ساقه اليسرى ليقول بنبرة مغتاظة:
-الثقة حصلت، الثقة إنها مش هتسيبهم خلى خوفهم ينتهي وفي الأخر بعد ده كله يقلبوا عليا أنا، أنت لو شوفت الواد الصغير كان بيبصلي ازاي كنت قومت ضربته بالحزمة علي وشه!

انهي جملته بغل ليحمحم يزيد محاولًا تلطيف الوضع بقوله:
-وحد الله يا ابني ده عيل صغير، أنت من امتى وانت عنيف كده!
-من ساعة ما اكتشفت ان كل هم البشوات امهم لكن ابوهم اللي بيتعب ويشقى مش مهم!
ضحك يزيد ليخبره برزانه غير معهودة:
-يا ظافر يا حبيبي كل الأطفال في الفترة دي بيتعلقوا بمامتهم...
ثم صمت لتعود إليه روحه المرحة بقوله:.

-وبعدين ابن مين أنت في مصر عشان عيالك يحبوك هاه، ده الزبله ابني لو فتح عينه شافني ومشفش امه الدنيا بتتشال وتتحط ويبقى علي صرخه واحدة كأنه شاف تنين او بيعاقبنا مثلاً!
وضع ظافر يده على وجنته وهو يتفحص صديقه بتأني ليقول بابتسامة مشاكسه:
-لازم يتصرع لما يشوف الخلقه دي!
مال جانب فم يزيد ليرد عليه بنبرة متهكمة:
-ملقوش في الورد عيب!

ضحك ظافر ثم فرك عينيه بارهاق وساد الصمت المريح بين الاثنان قبل أن ينتفض ظافر بفكرة ليخبره بعيون لامعة:
-جتلي فكرة هايلة، أنا هعرف ازاي اخليهم يبعدوا عن امهم عشان اقدر اصالحها!
وقف يزيد هو الأخر ليضيف بحماس:
-حلو أوي!
-أهم حاجة ترجع مراتك وبطلوا استعباط إلا لو عايزها نبقي فوق وأنا بصالح مراتي!
أخبره ظافر بحزم وهو يشير بأصبعه في وجهه فضاقت عيون يزيد لمقصده وتساءل:
-طيب ومنار؟

ابتسم ظافر بمشاكسه ليؤكد:
-لا أنسى صاحبك اتجنن خلاص ومن خبرتي اللامتناهية اقدر أقولك إنها مش هتطلع من بيتهم تاني قريب!

لوى مروان ذراعها وقرص على أذنها بغيظ ما أن أغلق باب منزلهم ليهتف بحدة:
-انطقي قصدك أيه باللي بتعمليه ده!
تأوهت بغضب أكثر منه آلم لتصيح هي الأخرى:
-الله وأنا كنت عملت أيه يعني ده عمل إنساني!
-أيه وجعتك!
سأل مروان بسخرية وهو يكبل ذراعيها أمامها ويجرها للداخل نحو المطبخ فسألت بذعر وهي تثبت قدميها بالأرض:
-انت واخدني المطبخ ليه؟
حرك يده الأخرى في حركة تدل على الصبر وهو يقول من بين أسنانه:.

-متخافيش مش هخلص عليكي دلوقتي!
-حوش حوش وده من ايه ان شاء الله يا مسكر، انا محدش يقدر يتعرضلي!
قالت بسخرية تناقض الخوف الفائح من جسدها فأقترب إليها ليقول بهدوء مريب:
-مسكر؟ حلو أوي يبقي انا فكرت صح لما قولت هبتدي بقص لسانك!
دفعته بخضه وركضت للخلف خطوات قليلة لترد بحدة:
-بطل تخوفني انا مش عبيطة ولا عيلة صغيرة!
اقترب خطوتين وهو يحرك ساعده للأمام بشكل دائري ويخبرها:.

-حلو أوي يعني انتي ست ومكلفة ومسئولة مش كده!
نظرت له بصمت ولم تجب فصاح بصوت عالي أفزعها:
-انطقي يا ست الستات، اديني مبرر لوقفتك في الفرن كده قدام اللي يسوى واللي ميسواش!
-ماله الفرن ان شاء الله، ما انت جايبني من هناك ولا بقى وحش دلوقتي وبنتعاير بيه!
هز رأسه بعدم صدق وقال:.

-انتي مصدقة اللي بتقولي ده؟ هاه فهميني ليه على طول بتفكري بالطريقة دي ومش عايزة تفهمي إن وضعك اختلف، فرن ولا شركة حتى أنا مش هقبل ان مراتي تشتغل!
هتفت هي الأخرى بمدافعه وهي تقترب خطوة مهاجمه منه:
-ومين قال اني كنت بشتغل انا وقفت بدافع إنساني الواد اتأخر و الحاج هلال كان لازم يروح يقبض الحواله عشان علاج مراته ولا هي القيامة قامت يعني!

اقترب منها هو أيضًا حتى صارا وجهًا لوجه وقال بغضب يرفض تبريد الدم المشتعل في عروقه:
- هو انتي راجل؟
-انا بمية راجل!
ردت بإصرار وعناد، فأبتعد عنها حتي لا يفقد اعصابه ويصفعها مثلاً وقال:
-ليه كل تصرفاتك بتدل إنك مش حاسة إنك متجوزة راجل!
صاحت بعنف وهي تشد خصلاتها بتمرد:
-انا مش بفكر كده طبعا!
-انتي مش بتفكري اصلاً!

صاح بنفس العنف ثم صمت يحاول استعادة هدوءه دون جدوى فكل خلية داخل جسده تنتفض وتفور بجنون منذ رآها في المخبز تشاحن رجل أخر غيره، شعوره بالغيرة يسيطر على تفكيره ويرفض اعطاء فرصة للعقل، قطعت منار تفكيره حين همست بنبرة خافته:
-انت اللي رافض تحسسني بأني ست!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة