قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا نيران في خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا نيران في خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا نيران في خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

ارتفع حاجبي مروان ليقول بهدوء نسبي وهو يستند على قطعة من الأثاث خلفه:
-انا مش بحسسك إني ست؟، طيب اتكلمي وطلعي اللي في قلبك يمكن افهمك!
كانت أنفاسها مضطربة بخوف طفيف لما سيحدث بعد اعلانها لما تشعر به ويخالجها منذ شهور ولكنها ضربت كل التوتر في عرض الحائط وقالت:
-انت اللي رافض تخلف مني!
تفاجأ مروان ورمش أكثر من مرة يحاول استيعاب ما ترمي إليه ليقول متعجب وهو يشير إلى صدره:.

-انا رافض اخلف منك، لا ده أنتِ أكيد اتجننتي رسمي!
أصرت علي موقفها واقتربت منه تحصر جسده الكبير بين جسدها الصغير و قطعة من الأثاث خلفه وردت عليه مؤكدة:
-ايوة جنني عشان تبرر أفعالك، مش من يوم ما اتجوزنا وانت على طول رافض اننا نخلف دلوقتي ومأجل!
-مأجل اسمها مأجل الخلفة فترة مش رافض الخلفة منك!

قال وهو يحرك ذراعيه في ذهول من تفكيرها ولكنها اتهمته وهي تميل للخلف وتمرر سبابتها امام جبينها في حركة أشلت تفكيره للحظة بأنها تردح له فعليًا:
-ضحكتني يا عيوني اسمها مأجل عشان مش عايز تخلف مني عشان عارف اننا مننفعش لبعض واننا مش هنكمل صح ولا لا!

فرغ فاه مروان عندما اتبعت جملتها بمثل أقل ما يقال عليه بذئ، لا يصدق ما يطلقه لسانها السليط كمسجون بلا سجان، ساد الصمت بينهم دقائق لا يزال مروان في حالة من العجز عن الرد عليها فما فعلته للتو يتطلب ردًا من نوع أخر بعيدًا عن الكلام لكنها اتخذت صمته كموافقه على اتهامها وأكملت:
-ماترد عليا ولا كنت فاكرني هبلة وصغيرة بجد ومش هفهم دماغك!

ضاقت عيون مروان وفكر جديًا ما الذي يمنعه عن تربية تلك الوقحة، ثم ارتفع جانب وجهه في سخرية ليقول:
-انتِ ودي تيجي بردو صاحبة العقل الخارق هفتكرها هبله وصغيرة؟ لا وبجد مستغربة انا مأجل الخلفة لية!
-مأجلها لية؟
-عشان مش هجيب عيال امهم متخلفة لسة متربتش عشان تعرف تربيهم، ولسة مكملتش سن الرشد اللي مستنيه عشان كل كلمة هتنطقيها من بعده هتتحاسبي عليها...
انفرج فمها بأستنكار لتجيب:.

-سن رشد ايه انا عقلي يوزن بلد من دلوقتي ثم مين دي اللي متعرفش التربية!
-ولا شوفتي في حياتك ساعة واحده تربية حتى!
رفعت قدمها بغل لتسقط فوق قدمه وسط ذهوله وهي تهتف بأعتراض وغضب:
-أومال اتجوزتني لية!
-عشان اتنيلت و حبيتك!
صرخ بغضب وهو يميل ليحملها على أكتافه وقد فقد جام سيطرته علي الذات أخيرًا فصرخت مستنكرة:
-انت بتعمل ايه نزلني حالًا بدل ما ابهدلك!

-ده انتِ مش هتشوفي بهدلة وبس لا ده انتِ مش هتشوفي الشمس بعد عمايلك دي!
ظلت تضرب قبضاتها على ظهره باعتراض حتي وصل إلى الغرفة البعيدة في المنزل، انزلها وحاول تركها وحيدة والخروج فلمعت عبنيها بفهم لمقصده وهتفت:
-المفروض انك هتحبسني ولا ايه مش فاهمة!
اقترب منها بطريقة مرعبة وهو يقبض كفه انام وجهيهما قائلًا:
-اختاري احبسك ولا أمد إيدي عليكي واقطع لسانك!
-محدش يقدر!

هتفت بها بأنف مرفوع وحاولت تخطيه فأوقفها يجذبها للداخل قائلًا بحزم:
-لو رجلك خطت برا الاوضة دي مش هيحصل طيب عشان تبقي فاهمة!
-انت بتعمل ليه كده، مش من حقك!
-اومال حق مين؟ لو مش حق جوزك إنه يربيكي عشان مش متربية يبقي حق مين هجيب واحد من الشارع يربيكي!
-انا متربية غصب عنك وانت مش ابويا عشان تتعامل معايا كده.
هز رأسه بتفكير وهو يلتقط أنفاسه العالية ليخرج هاتفه مقررًا:.

-صح يبقى أنا اتصل بأخوكي وهو يجي يشوف أخرتها معاكي!
اتسعت عيناها بذعر واوقفت انامله من التحرك علي شاشه الهاتف قائلة:
-انا برفض اللي بتعمله ده عشان تبقى فاهم!
اخرج كفه من بين اصابعها بحدة ليقول:
-ما هو انا مبقتش فاهم فهجيب اللي يفهمني!
عضت منار علي شفتيها وظهر الخوف بشكل واضح على وجهها لتقول بنبرة باكية أخيرًا مستسلمة للذعر داخلها:
-عشان خاطري يا مروان متتصلش بيه!

اخرجه صوتها الباكي من إصراره فترك الهاتف لحظة وتفحص ملامحه ودموعها المتلألئة داخل مقلتيها فقال بنبرة مرهقة:
-بتعيطي لية؟
-عشان هيضربني وهو ايده تقيلة اوي!
-محدش يقدر يضربك!
قال مروان باستنكار من أفكارها، فأكملت بإصرار:
-يبقى أنت عايز تجيبه عشان تتلكك وتطلقني!
ضرب مروان الهاتف علي جبينه بنفاذ صبر وقال من بين اسنانه:.

-أبوس إيدك بطلي تفكري عشان اعصابي على أخرها، أنا قولت هطلقك؟ ما اهو أنا لو عايز اطلقك كنت طلقتك في لحظتها لما كنتي واقفة بتتمرقعي في الفرن!
علا صوت بكائها وأخفضت أبصارها بخجل للأرض دون إجابة فزفر مستغفرًا الله قبل ان يقول بهدوء مصطنع:
-لما أنتِ عارفة إنك غلط بتقاوحي لية؟
-انا اسفة!
قالت بين شهقات بكائها بخفوت فقطع الخطوة الفاصلة بينهم يحارب رغبته في ضمها إلى صدره قائلًا:.

-أنا مش عايزك تتأسفي يا منار، أنا عايزك تفهمي إني بحبك وعمري ما هعيش من غيرك، أنا عايزك تطلعي الأفكار الغريبة اللي كل يوم بتفاجأيني بيها دي!

فاجأته عندما انهت الشعرة الفاضلة بين جسديهما وأحكمت ذراعيها حوله في خوف من فقدانه وأخفت وجهها وبكائها في قميصه دون أن تجيب، زفر بحدة وهو يستغفر الله ويطلب عفوه عنه ثم أخذ يربت على ظهرها بحنان ويخبرها بكلمات طيبة تحتاجها بشدة في هذا الوقت حتى هدأت حده بكائها، دقائق ورفع ذقنها أخيراً ثم همس بنبرة حانية:
-تعالي أغسلي وشك!

هزت رأسها بصمت تام واتبعته وبعد ان جفف وجهها بالمنشفة أمسك يدها مرة أخرى وجذبها نحو الأريكة بالخارج وأجلسها بجواره، حمحم بتفكير في طريقة يبدأ بها حديثة في أسلوب مناسب لها ثم استطرد بهدوء:
-سؤال مهم، اللي حصل إنهارده، حصل لية؟
رمشت عدة مرات ومررت طرف كمهل على أنفها الأحمر قائلة بارتباك:
-مش عارفة؟
أغمض عيناه وقال بهدوء:
-ده سؤال ولا إجابة!

-مش عارفة، أنا مكنتش أقصد اني أقف من الأول بس لما لقيتك استعبطت كنت عايزاك تاخد بالك مني و تصالحني وخلاص!
-اصالحك؟ انتِ اللي غلطانة اصلًا وغضبانة من غير سبب!
قال سريعًا بصوت عال قبل أن يصمت حتي لا يخرج عن إطار هدوءه، فقالت مؤكدة:
-لا بسبب ولا نسيت الحيوانة اللي كانت بتلف عليك ومكلفتش نفسك تقولي!
امسك مروان يدها ليؤكد:.

-اديكي قولتي حيوانة، ومن غير زعل انتي شايفة نفسك عاقلة أوي هاجي اقولك علي حاجه زي دي وانتِ هتعديها!
رمقته بنص عين لتقول معترضة:
-مش مبرر على فكرة!
ابتسم تلقائيًا رغمًا عنه ليقول:
-خلاص يا ستي، أنا أسف وغلطان، حلو كده؟
هزت رأسها بنعم قبل ان ترتمي بأحضانه فاستوقفها قائلًا:
-استنى بس الموضوع كبير أوي سعادتك!
نظرت له بعيون بريئه ليتنهد وهو يسمح لها باحتضانه قائلًا:
-بس مفيش مانع نكمله وأنتِ في حضني!

-خلاص بقى هو لازم!
كادت تهرب ضحكته من محاولتها للهرب من العقاب وتثور حين يقول طفلة، حمحم ثم أكمل بجدية:
-لازم نتكلم عشان نفهم بعض، يمكن الغلط الاكبر عندي إنك وصلتي للأفكار دي ولازم نقعد ونفهم أكتر طبيعة علاقتنا اللي أنتِ مش فهماها!
تأففت ولكنها لم تعترض فأستكمل حديثة قائلًا:.

-بصي يا منار أنا لما قولت نأجل الخلفة كان عشان خاطرك أنتِ مش عشان خاطري انا، لو عليا انا واحد كلها سنتين ويبقى عندي اربعين سنة!
عدلت رأسها على صدره ونظرت له بتساؤل فهز رأسه بموافقة على مطلبها الصامت بالشرح مستكملًا:
-انا كنت عايزك أنتِ تعيشي حياتك الأول سنتين أو تلاته عشان متجيش بعد كده تكرهيني وتندمي انك اتجوزتيني في يوم، الأطفال مسئولية وتضحية وهم كبير لازم نكون قده!

ابتعدت عن صدره في اعتراض لتقول مستنكرة:
-أنا عمري ما اكرهك او اندم أني اتجوزتك، أنت أحسن وأحن راجل في الدنيا وعمري ما كنت احلم انك تتجوزني!
ابتسم ليقول بمشاكسة:
-الله، ما أنتِ بتقولي كلام زي الفل اهوه، أومال روحتي اتقمصتي مع شروق لية و ومفتكرتيش الحاجات دي وقتها!
ابتسمت بخجل وغضت شفتيها ثم قالت بتلعثم:
-هي كذا حاجة في بعضها خلوني زي المجنونة ومش حاسه غير انك بتضيع مني!

تفحص وجهها بدقة قبل ان يمرر إبهامه علي وجنتها بحنان قائلًا:
-حلو نركز على الحتة المهمة دي كان في ايه في بالك وصلك او وصلنا لكده!
نظرت لأسفل بحرج فرفع وجهها نحوه يشجعها علي الحديث بطلاقة لتستكمل:
-أنا كنت عايزة نونو زي شروق و سلمى كنت عايزة احس إني ليا لازمة وإني ام...
قاطعها متسائلًا:
-ومقولتيش لية؟
-أقول ازاي وانت قايل مش هنخلف دلوقتي!
-وهو انا كلامي سيف خلاص أخلاقك منعتك في دي إنك تعترضي؟

صمت حين حدجته نظرة غاضبة فتنهد قائلًا:
-تمام مش هجادلك كملي وبعدين!
قال بنبرة سلسلة كي لا يتحول نقاشهم إلى شجار فردت عليه سريعًا:
-وكمان انت فضلت تعمل حاجات غلط وتحسسني إنك بتصرف عليا وعلى اخويا!
-أحسسك إني بصرف عليكي؟ ما انا بصرف عليكي فعلًا!
ضاقت عينيها بحنق وقالت بحدة:
-انت فاهم قصدي!

-ماشي يا ستي، لكن إيه بصرف على اخوكي دي، بطلي سودويتك دي من ناحيته، الراجل بيشتغل وبيبني نفسه ايه المشكلة لما اضمنه مرة أو اتنين!
سأل متعجب من حدتها نحو شقيقها رغم علمه بأنها تكن لشقيقها حب كبير فأجابته بصدق:
-معنديش مشكلة معاه ده اخويا بس إحنا حكايتنا من الأول بدأت بسوء تفاهم ومش عايزاه يبقى فاهم إنك مجرد راجل غني بنستغله وأنا خايفة عليك!

احاط دقنه بأصبعين وسبابته يتحرك علي وجنته بتفكير ليقول بثقة:
-لا متخافيش عليا أنا مش غبي وبفهم الناس كويس أوي واعتقد كون اخوكي يعدل الفكرة دي من دماغه أو لا فدي مهمتك انتِ!
حركت رأسها ويداها بعدم فهم فأكمل:
-انتِ اللي تقدري تحسسيه انتِ بتحبيني وسعيدة معايا بجد ولا مجرد راجل غني بتستغليه!
شعرت بتغير طفيف في نهاية جملته فرمشت في تفكير تحلل الوضع التي وقعت به قبل ان تقول بخفوت:.

-أنا بحبك أنت وعمري مافكرت في فلوس انا بتكلم على أساس موقف حصل وكنت عايزة اطلعنا منه كده!
مرر كفه بحنان علي خصلاتها يعيدها خلف اذنها قبل أن يرد عليها بنبرة صادقة:
-زي ما أنا بحبك بجد وعمري ما فكرت ان كنتي فقيرة او غنية، لازم تفهمي إن مجرد تفكيرك كده إهانة لشخصي كله مش لمشاعري بس!
وضعت يدها فوق كفه المحتضن لوجنتها وحركت رأسها لتقبل باطن يديه قائله بنبرة حرجة:
-أنا أسفة!

اقترب منها يقبل وجنتها بحب يكفي لغمرهما سويًا ثم قال بلهجة صادقة:
-أنا اللي أسف إني موضحتش ليكي كل الحاجات دي!
لكنه أبتعد فجأة ليقول بحاجب مرفوع:
-الحمدلله صفينا كل الأمور اللي عملت أزمة في حياتنا، نرجع بقى لمشكله قلة الأدب واللسان الطويل!
احمر وجهها لتقول بابتسامته خجلة:
-انت اللي اجبرتني على فكرة، أنا من يوم ما اتجوزتك ما غلطش غلطة انت اللي بتجبرني اطلع اسوء كوابيسي!

-ده اسوء كوابيسي أنا يا حبيبتي مش كوابيسك أنتِ، الأسلوب اللي اتعاملتي بيه معايا مرفوض نهائي أنا لولا إني مراعي المرحلة الزفت اللي إحنا فيها كنت بسطرت بوقك بلسانك ده!
عضت على شفتيها بدلال وهي تمرر كفها الصغير على أعلى ساقه وبالأخرى على صدره بقلة حياء لا تفشل في إذهاله وقالت بصوت هامس لعوب جزئيًا:.

-أنا كلي ملكك يا سيد الناس أعمل اللي انت عايزة فيا مش هقولك لا، حقك عليا لو لساني ده يتجرأ عليك انا اقطعه بنفسي!

ظل يطالعها في صدمة من قدرتها الخارقة علي تحويل مشاعره لما يحلو لها في لحظة، وجزء داخله منقسم بين ضحك و بكاء علي حاله وعلي قدرتها في إخراج أسوء الالفاظ من فمها ثم سرعة قدرتها على ترتيب كلمات ساحرة تبخر غضبه وتبدله بشوق عارم لها، خرج من أفكاره على حركة شفتيها الرقيقة كجناحي فراشة على جانب فمه، ثم التقت أبصارهم ثوان ليميل نحوها يخطفها في قبله متناسيًا كل ما خطط له من عقاب، بادلته منار نفس عمق مشاعره وقبضت على طرفي قميصه تقربه منها، تحركت يديه بدون أذن منه ليرفعها وتستقر فوق ساقيه قبل أن تمارس أنامله حقها في إحراق جسد زوجته بنار العشق، تحركت أصابعها سريعًا لخلع ملابسه عنه في لهفة لقربه لكنه قبض على كفيها وهو يميل بها علي الاريكة ويثبتها أعلى رأسها قائلاً بوعد مستتر بين أنفاسه المتقطعة:.

-أول درس لإصلاح الذات هو التحكم في الانفعالات!

حاولت تركيز انظارها الغائمة نحوه وهي تطالعه كأنه مجنون لا تستوعب نصف جملته أو موقفها من وضعهم، ارتفع جانب شفتيها في حركة غريبة وقبل ان تتساءل أو تعترض، كان يغطي شفتيها بشفتيه مرة أخرى، استسلمت غير مهتمة بأي تبرير مستسلمة لكل ما يريده أو يرغب به حتى ولو لم تفهم نصف ما يرمي إليه، فهي على ثقة بأنه سينقلها في دوامة عاطفية عميقة وخطيرة بشكل يستحيل فيه علي أحدهم أن يتحكم في انفعالاته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة