قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

- مين ده يا رقية، أوعي تكوني..
شهقت عفت في صدمة عندما لمحت تلك الحلقة الذهبية التي تحتضن أصبع رقية، على الفور أخفت رقية يدها في توتر خلفها، وهربت الكلمات من على طرف شفتاها.
- اتخطبتي يا صاحبتي ومفكرتيش تقوليلي، ايه خايفة أحسدك، على إيه ده أنا حتى جربت حظي قبل كده.
هزت رقية رأسها في سرعة كبيرة، ترفض حديث عفت:
-لا أبدًا، هو بس الخطوبة جت بسرعة.

حركت عفت رأسها نحو حمزة وهو يقف على بعد مسافة منهم، وشملته بنظرة سريعة وهي تقول بنبرة غامضة جهلت رقية تفسيرها:
- مبروك يا حبيبتي، وعلي كده بقى عن حب.
حركت رقية رأسها مرة أخرى في نفي قاطع، وكأنها تبعد عنها اتهام أو وصمة عار قائلة بنبرة سريعة:
- لا أبدًا، أنا بتاعت الكلام الفارغ ده بردوا، ده يبقى صاحب شهاب خطيب أيسل أختي وجه اتقدم رسمي وخطبني.
شهقت عفت في صدمة مردفه:.

- ده يبقى صاحب شهاب، شهاب خطيب أختك اللي ياما كلمتيني عنه، وعن أخلاقه، أخلاقه اللي كانت تشبه المخفي على عينه طليقي، انتي محرمتيش، مستفدتيش من درسي يا رقية، ده أنا ياما كنت أتصل أعيطلك وأحكيلك، وأقولك كان بيعمل فيا إيه هو وأهله.

حركت رقية بصرها ببطيء بعيدًا عن عفت وعن حديثها الذي أصابها بالتوتر والقلق، وتحديدًا عندما عادت تلك الهواجس مجددًا تغزو عقلها بعدما كانت تسيطر عليها بأسواط من الحكمة، لتستطيع استكمال حياتها مثل باقي الفتيات، إلا أن حديث عفت أيقظ لديها عنفوان كرامتها الذي أخمدته منذ قليل عندما وضعت يدها على هديته، وتقبلتها بعد إهانته لها، ولكن كانت كلمات صديقتها أحد من السيف عليها، فعادت مرة أخرى لها واستمعت بتركيز، رغم محاولات قلبها المستميتة للنظر مرة أخرى نحوه، وخاصةً إن كان يراقب ما يحدث بينهم عن كثب.

- أنتي روحتي فين، خليكي معايا، اهربي يا رقية، قبل ما تتدبسي في تلات عيال زي، وأبوهم ابن الجزمة يهرب من مسؤوليتهم.
بللت رقية طرف شفتاها قبل أن تنطلق في إعطاء مبررات لها:
- بس حمزة مش زي طليقك، حمزة مالوش أهل، ولا كمان بخيل زيه، ولا...
قاطعتها عفت في سخرية وهي تقول:.

- وهو ده كل معرفتك عن الصفات الوحشة في الراجل، لا يا حبيبتي ماهو ممكن يكون بتاع بنات، او ملاوع زي شهاب خطيب اختك، وبعدين ده انتي هبله اللي مالوش أهل ده ممكن يكون متجوز عرفي ولا حاجة.
اتسعت عيناها في انفعال بعدما دب الرعب قلبها من تلك الفكرة، فقالت لعفت:
- إيه متجوز عرفي.
- مين ده.

انتفضت رقية على صوت حمزة بعدما اقترب منهما جدًا، ووجهه يحمل العديد من الأسئلة التي بالتأكيد توترت بسببها عفت، وحاولت إنهاء لقاءها مع رقية سريعًا.
-دي، دي واحدة صاحبتنا جوزها طلع متجوز عرفي، يلا سلام يا رقية نتكلم بعدين.

غادرت عفت في عجالة، بينما وقفت رقية أمامها تنظر في نقطة ما بشرود، شرود أوقعها في فجوة سلبت معها أنفاسها وأفكارها، وأيضًا ذكرياتها معه، علها تحاول إيجاد وسيلة للنجاة بعيدًا عن أفكار عفت عن الزواج والرجال تحديدًا.
قطب حمزة ما بين حاجبيه مفكرًا بحالتها تلك، وتحديدًا بعفت صديقتها تلك الفتاة التي أثارت لديه الفضول والقلق نحوها.

زفر بخفه ثم خرج من دائرة أسئلته وهو يحرك يده أمام وجهها يحاول جذب انتباها، حتى انتبهت له أخيرًا ولكن عينيها أبت أن تترك طريق الضياع الذي رسمته بعقلها أثناء انغماسها في تخيلاتها.
- يلا بينا نروح.
هتفت بها بصوت متحشرج مختنق، قاتم، اندلع بسببه ضيق حمزة وهو يقول:
- في إيه يا رقية مالك، من وقت ما قابلتي صاحبتك دي وأنتي متغيره.
هزت رقية رأسها تحاول استعاده ثباتها معه، فقالت:.

- مفيش، المهم أنت كنت محتاج نعمل حاجه كمان، ولا نروح، أنا بصراحة تعبت ومحتاجه أروح.
حدق بها مستغربًا، لقد تبدل حالها بطريقة عجيبة، حتى أن ابتسامتها التي كانت تزين ثغرها، اختفت وظهر مكانها جمودها مجددًا، جمودًا أصبح متأكدًا أن تلك الفتاة غريبة الأطوار هي السبب به.
تحرك في صمت دون أن يهتف بكلمة أخرى، ودفن باقي حديثه بجوفه حتى إشعار أخر...

حل الليل سريعًا، وهي مازالت في فراشها، تحتضن وسداتها الصغيرة، تغلق عيناها في تفكير بعدما امتلأ عقلها بالعبث والأشياء المرهقة، كلمات عفت تتردد بلا انقطاع بذهنها، كلما حاولت الابتعاد عنها تعود مجددًا لتلك النقطة التي تخنقها، وتقيدها بحبال قوية تمنعها من السير خطوة واحدة للأمام، وقعت في حيرة وضياع، إلى متى ستظل هكذا؟!، ومع كل ذلك العجز والضعف، كان قلبها ينطق بكلمات لم يقوى لسانها على التفوه بها.

تخبطت هنا وهناك في أرض قاتمة، كحال سواد عقلها وأفكارها، أما داخلها فكان مُكتظًا بالمشاعر المرهقة، مشاعر تعيق حياتها التي تحاول التقدم بها عندما قررت أن توافق على خطبتها من حمزة.
كانت في بادئ الأمر تظن أنها ستلجم قلبها، ولن يستطع سلب مشاعرها نحوه، ولكنها كانت مخطئة، فمنذ أول لقاء بينهم، وهو استطاع أن يكتنفها في رحم الحب، ظهر على ثغرها شبح ابتسامة وهي تعود بذاكرتها لليوم الذي رأته به أول مرة.

جلست فوق الكرسي بجانب أختها، وهي تتأمل ديكور الكافية الجديد المالك لأحد أصدقاء شهاب، بعدما أصر شهاب على مجيئهم، إصرار غريب وخاصةً حينما أبدى بفرحته عندما وافقت على دعوته.
افتتاح صاخب لم يجذب انتباها، بل ساعد على نفورها من ذلك المكان، على عكس أيسل وسعادتها وهي تراقب الشخوص من حولهم، وكأن سعادتها مثلاً مرتبطة بقليل من الأغاني ذات النغمات الصاخبة ووجود شهاب معها.

تقدم منهم أحد العاملين، وبدء في تقديم المشروبات، لاحظت القهوة الساخنة التي وضعت أمامها فقالت متعجبة:
- أنا مطلبتش قهوة!
قال شهاب بهدوء:
- أنا اللي طلبتلك علشان عارف إنك بتحبيها.
رمقت شهاب بنظرة جليدية ثم هتفت بنصف ابتسامة مستفزة:
- غريبة أول مرة تفكر صح.
هز رأسه بتفهم وداخله يغلي من طريقتها المستفزة، ولكنه أظهر لها البرود والسخافة:.

- اممم م أنا طلبت لينا عصير فرش، وأنتي قهوة علشان عارف إن مالكيش في الفرفشة.
شعرت بمرارة وغصة بحلقها وخاصة عندما لمحت تلك النبرة التهكمية التي كانت تتخفى خلف بروده معها.
تجاهلت حديثه، وحولت بصرها نحو أيسل هامسة:
- هقوم أدخل الحمام، ثواني وهاجي.
نهضت أيسل على الفور معها بعدما لاحظت تلك العبرات المختنقة بمقلتيها.
- اجاي معاكي.
منعتها رقية بشيء من الحدة لم تستطع إخفائها قائلة:.

- خليكي مكانك، واعملي في حسابك هخرج من الحمام، نمشي على طول.
ثم حولت بصرها نحو شهاب بتحدٍ:
- وابقى خليك انت يا شهاب، كمل شرب العصير لوحدك.
أنهت حديثها بابتسامة سمجة استطاعت في تفجير بركان من الغضب لدى شهاب، بينما ضغطت أيسل فوق قدمه وهي تهمس له بعتاب:
- لو سمحت يا شهاب خف شوية على رقية.
- أنتي مش شايفه كلامها ليا وطريقتها وفي الاخر انا اللي غلطان، اسكتي بقى علشان على أخري منك ومنها.

كتمت أيسل اعتراضها وهي ترمقه بضيق ثم حولت بصرها تراقب دخول رقية إلى داخل الكافية.
ولجت رقية وهي تبحث بعينيها المتوهجة عن المرحاض، قبل أن تنفجر في البكاء أمام الجميع.
ومن شدة توترها دخلت في ردهة طويلة دون أن تلاحظ أن هناك أخرى بجانبها صغيرة تحتوي على مرحاضين..

بحثت بين تلك الغرف المغلقة عن أي علامة تدل على مرحاض ومخزونها من الصبر بدء بالنفاذ، حتى شعرت بأنفاس خلفها مباشرة، فالتفتت في سرعة وهي تضع حقيبتها أمامها في محاولة منها للتصدي لأي شيء قد يهاجمها..
رفع شاب طويل القامة يده لأعلى، لديه من عضلات صدره البارزة ما يكفي لخفق قلب الفتيات، أو ربما يكمن السر في تلك العيون البنية والجذابة في آن واحد.
حمحمت بحرج وقالت في ارتباك:
- أنا كنت بدور على التواليت.

ابتعد بجسده عن الطريق ليسمح لها بالمرور وهو يشير نحو الاتجاه، متحدثًا بصوت رخيم وجذاب:
- الطرقة التانية مش دي.
أنهى جملته بنصف ابتسامة مع ذاك الحاجب المستقيم، وشعره الكثيف والانسيابي ليلائم هذا الوجه وسيم الملامح.

شكرته بهمس وانطلقت تخرج من تلك الردهة، لتبتعد عنه وعن جاذبيته الغريبة التي جعلتها تغوص بملامحه دون حرج، وكانت تلك أول سابقتها مع صنف الرجال بأكملهم، حسنًا ستدفن تلك الملامح في طي النسيان وتخرج من ذلك الكافية بلا عودة له مجددًا.
خرجت في ارتباك جلي على ملامحها الجميلة وتقدمت من أختها، تحثها على النهوض، متجاهلة غيظ شهاب منها.
- ما تقعدي يا رقية، أيسل عاوزة تقعد معايا.

ضغطت رقية فوق يد أيسل، قائلة بهمس كاد أن ينفجر منه نيران تلتهم بها وجه شهاب المستفز:
- يلا علشان أنا على أخري من خطيبك والمكان ده.
حركت أيسل رأسها بالموافقة، ثم قالت لشهاب في تردد:
- معلش يا شهاب، هكلمك، متزعلش.
تقدم منهما ذلك الشاب الذي ودت رقية دفن ملامحه منذ قليل في سراديب النسيان، فتوترت بشدة وكأنها على حافة هاوية تجذبها لأسفل للوقوع صريعة تحت سطوة عيناه.

- رايحين فين، أنا لسه جاي أشوفكوا محتاجين حاجة.
ابتسم شهاب في ثقة وفخر اندهشت له رقية وهو يشير نحو صديقة مردفًا:
- ده حمزة صاحبي ومالك الكافية.
ثم انطلقت يده في سلاسة وهو يشير نحو رقية وأيسل:
- دي أيسل خطيبتي، ودي أختها.

واكتفى بذلك دون أن يعرفها باسمها، فاغتاظت منه ولكنها سرعان ما استطاعت في رسم ملامح الجمود على وجهها، وتجاهل حديثه عندما رفعت وجهها للأعلى قليلًا وكأنها تحارب للحفاظ على كرامتها أمام ذلك المجهول، ولكن ما جعلها تهتز وينهار ثباتها، هو يده الممدودة أمامها مع ابتسامة صغيرة قائلًا:
- زي ما شهاب قال، أنا حمزة، وأنتي..

نظرت ليده الممدودة أمامها بتفكير سبب له الأحراج، ولكن مع لكزات أختها جعلتها ترتبك وتمد يدها نحوه، تصافحه بخجل وهي تقول بنبرة رقيقة ناعمة:
- أنا رقية.
- مبسوط إنك شرفتي المكان.

حتمًا ستنهار ويده تقبض على يدها بذلك الشكل الذي حثها على البكاء الآن، لِمَ وما حدث، هي حقيقةً لا تعرف، كل ما تتمنى أن يحدث الآن هو الهرب من عيناه التي مازالت تدقق النظر بملامحها وكأنه يبحث عن شيء ما، أبعدت يدها عن يده في سرعة وأخفتها خلف حقيبتها، وهي تحول بصرها نحو أختها تتمنى أن تفهمها وتساعدها على الخروج من ذلك المكان، و لكن كما توقعت جلست أيسل اللعينة مرة أخرى تحت إصرار شهاب، ودعوة ذلك المدعو حمزة للجلوس معًا، خابت آمالها في الهروب، كما انهارت سيطرتها على الأمور وانجذب انتباها نحوه، تسترق النظر إليه في لحظات بالتأكيد ستحفر داخل ذاكرتها بعد الخروج من ذلك الكافية.

عادت من شرودها على تلك النقطة وهي تضحك بشدة على سذاجتها، وساذجة ما تظنه أو ما تتمناه، كل ما فكرت فيه تحول لسراب، فكانت تظن أن الطريق بينهما مقطوع، وأنه لن يطال عينيها مرة أخرى، ولكن لا تدري متى وُصل هذا الطريق المقطوع بينهما وازداد متانة حتى صار يومها لا يكتمل إلا برؤيته..

نهضت بخفة وهي تبعد ذلك الغطاء عنها، وبصرها يجوب بالغرفة بحثًا عن هديته، فمنذ لقاءها بالصباح وهي لم تفتحها، اللعنة على عفت وحديثها الأرعن ذلك أوقعها في حالة من الخمول الحزين.

فتحت الحقيبة ثم دست يدها بها تلتقط منها صندوق صغير مخملي، ومعه حيوان يشبه الفيل صغير ولونه أزرق مبهج، أسعدها كثيرًا وابتسمت له ابتسامة عريضة، ولكن فضولها اتجاه ذلك الصندوق دفعها أن تفتحه في لهفة، وما إن وقعت عيناها على ذلك السلسال الصغير والذي يتعلق به قلب صغير فضي اللون يحاط به فصوص لامعه وبراقة زادت من جماله انتفض قلبها له، أخرجته من الصندوق ثم وضعته على رقبتها وهي تنظر في المرآة بفرحة كبيرة.

أما بالخارج...
جلست أيسل بجانب والدتها تراسل شهاب للاطمئنان على حاله وخاصةً غيابه عنها طوال اليوم، وهو أمر غريب بالنسبة لعلاقتهم، إلا أن صوت والدتها انتشلها من هاتفها وهي تقول:
- أيسل متعرفيش أختك مالها؟!
زفرت أيسل بحرارة حارقة وهي تجيبها:
- تقريبًا كده قابلت عفت، وانتي عارفه بقى بتتحول إزاي بعد ما بتشوفها.
تأففت زينات في ضيق:
- ربنا ما يسامحها عفت الموكوسه عقدت البت وهي لسه في بداية شبابها.

انتبه محمد على حديثهم، فأبعد عيناه عن التلفاز وسأل في ريبة:
- مالها عفت دي يا زينات.
أجابته أيسل بضيق مماثل لوالدتها:
- دي واحدة مطلقة وعقدية اوي يا بابا.
حدق فيها مستغربًا ورد قاطب الجبين:
- أيوه وإيه علاقته بأختك يابنتي!
تنهدت زينات بقوة وهي تجيبه بوضوح:.

- دي تبقى السبب في اللي بنتك وصلت له، صاحبتها من أيام الجامعة كانت مخطوبة لواحد بتحبه واتجوزته، وهو وأهله بهدلوها وطلعوا عينها، وبنتك طبعًا كانت معاصرة كل ده، زائد ان وقتها كان في كام قصة بردوا لكام واحدة من صاحبتهم جوازهم كلهم فشل، بنتك بقى اتعقدت وكرهت الجواز والرجالة كلهم، والله لولا إنك أبوها كانت زمانها كرهتك بالمرة فوق البيعة.

فلتت ضحكة عالية من أيسل، فحذرتها زينات بعيناها وخاصةً مع تجهم ملامح والدها، فسعلت أيسل وهي تحاول الشرح لوالدها أكثر باستفاضة:
- بص يابابا هي طبعًا رقية محكتش لينا حاجة عن كدة، بس انا وماما بنفهم، أول ما تكلم عفت عفريت بيركبها وتكره الرجالة، من الأخر عفت بتقعد تحكيلها بلاوى جوزها بيعملها فيها.
قاطعها والدها في حيرة وهو يسألها:
- وهي أختك شخصيتها ضعيفة لدرجاتي علشان تتأثر بكلام البت دي.

- لا، بس كل القصص اللي حواليها كده، طبيعي تتأثر، وخصوصا أن مرة سمعت عفت بتنصحها متتجوزش، وتفضل كده.
ضرب محمد كف بالآخر متعجبًا لِمَ يسمعه:
- وهي دي اسمها نصيحة، دي بتأذيها.
هتفت زينات في حسرة شديدة:
- شوفت أهي عفت دي سبب كل حاجه فيها دلوقتي، أنا ما صدقت أبعدها عنها، وأقنعتها متعزمهاش على الخطوبة تظهر تاني في حياتها.

قطب محمد ما بين حاجبيه بتفكير، فعم الصمت المكان بعد حديث زينات والذي بكل بساطة كان يحتوي على الحل المناسب للخروج من تلك المعضلة، فصاح هو برزانة:
- بس أنتي قولتي الحل، زي ما البت دي بتحاول تشد رقية بكلامها، أنتي كمان تقفي من الناحية التانية بالمرصاد، اتكلمي مع بنتك خليها تحب خطيبها، قربي منها أكتر علشان متفكرش تشتكي لواحدة زي عفت، والتانية تخليها تكرهه أكتر.

أومأت أيسل برأسها وهي تقول في حماس مؤكدة حديث والدها:
- بابا صح، انتي قدرتي تقنعي رقية تبعد عن عفت اكتر من تلات شهور وهي كانت لحد ما هاديه وطبيعية بدليل أنها وافقت بإرادتها تتخطب لحمزة، أنا وأنتي هنحاول نبعدها عن عفت الكلب تاني، ونقربها من حمزة لغاية ما تتخطى المرحلة دي يا ماما.
حولت زينات رأسها ما بين أيسل ومحمد في تفكير، فساعدها محمد على الوقوف وهو يقول:.

- ادخلي يلا اتكلمي معاها، شوفيها عامله إيه، قربي منها يا زينات هو أنا اللي هقولك.
عقدت زينات حاجبيها بضجر وهي تتجه نحو غرفة رقية بخطوات سريعة:
- ماشي، هعمل اللي عليا، ربنا يستر ما تصدني.

مازالت تجلس أمام المرآة وأصابعها تقبض فوق السلسال بلطف وكأنها تخشى المساس به، هذا الشيء الصغير اختطف قلبها ومشاعرها، وجوده حول عنقها يشعرها بأنها مازالت تحيا في غرام كانت تتوق له، قلبها يحتاج فقط أن يتحرر من قيود الخوف، ويتخلص عقلها من الهرج والمرج الذي أصبح مسيطرًا عليه في الآوانة الأخيرة، أما مشاعرها فكانت تتلهف لتنغمس في ضلوع من اعترف قلبها بحبه، لم يكن العشق في قاموسها، بل كان أمرًا صعب الحدوث، ولكن هو أتى ودمر جميع معتقداتها، معتقدات أوقعتها في حالة من الجمود العاطفي، متناسية أن ذلك القلب الذي ينبض بضلوعها له الحق بأن يحيا بكلمة لطيفة وبسمة هادئة ونظرة تلهب مشاعرها.

أجفلت من شرودها على دخول والدتها المفاجئ، فنهضت على الفور تستقبلها بابتسامة مهزوزة:
- تعالي يا ماما.
لمحت زينات السلسلة فقالت بانبهار وهي تقترب من رقية في لهفة:
- الله إيه السلسلة الحلوة دي.
مدتها رقية نحوها وهي تقول في خجل اكتسح ملامحها:
- حمزة اللي جبها ليا.
- الله جميلة، تتهنى بيها يا حبيبتي، حمزة زوقه جميل جدًا.
لم تسطيع السيطرة على ابتسامتها، فظهرت بوضوح وخاصةً عندما أثنت والدتها على ذوقه الفريد.

- مسألتيش يعني يا ماما، إيه مناسبتها.
أشارت والدتها بلامبالاة رغم أن داخلها كان يتلوى لمعرفة سببها، ولكن لن تضغط عليها وخاصةً إن كانت تقف معها في بداية طريقهم، طريقًا بالتأكيد يملؤه عقبات ونوائب عديدة..
- لا مش عاوزة أعرف، وبعدين متهايلي أنه مش شرط يا حبيبتي أن الخطيب يهادي خطيبته بسبب، بالعكس هي بتكون محبة ومودة، وممكن يكون شاف السلسلة دي وافتكرك علشان كده جبهالك.

نظرت رقية لسلسلة مرة أخرى تلمسها برقة وهي تبتسم في حنو، عندما لاح بذهنها فكرة أن ذلك الشيء البراق يذكره بها، هذه النقطة تحديدًا انتفضت دقات قلبها تطرق بعنف، واضطربت أنفاسها ومشاعرها، ولكن ما جعلها تتوتر هو حديث والدتها التالي والذي كان يرسل لها رسائل مبطنة لعلمها بشخصية ابنتها وردود أفعالها غير المتوقعة:
- الأهم أنك تكوني شكرتيه، وعبرتي له عن امتنانك عن حاجة زي دي، متكونيش خليتي الموضوع يعدي كده.

تخبطت رقية بين جنبات عقلها وهي تسألها في ترقب:
- ليه بتقولي كده؟!
نهضت والدتها ثم تقدمت منها حتى وقفت أمامها ونظرت في عينيها مباشرةً وهي تجيبها بهدوء:
- علشان عارفكِ، وفاهمة دماغك، حمزة مش ملزوم أنه يجيبها ليكي، بس أنتي واجب عليكي تشكريه وتحسسيه كمان إنك فرحانة بيها، حمزة طيب وابن حلال وباين عليه بيحبك وبيحترمك، ياريت متضيعيش فرصة زي دي من إيدك، أنا هسيبك بقى تفرحي بهديتك.

استدارت والدتها نحو الباب في سعادة، عندما قرأت شيء من الرضا يحتل عيون ابنتها..
- على فكرة جبهالي علشان كنت زعلانة منه.
أبعدت زينات أصابعها عن المقبض، ثم التفتت ببطء وهي تقول بابتسامة:.

- وماله، دي حاجة تفرح أكتر، هو كده بيشتري خاطرك وزعلك، وبعدين هي الحياة كده، انتي شوية تزعليه وتتأسفي، وهو يزعلك ويهاديكي، الحياة عمرها ما كانت وردي يا حبيبتي، بس أقولك طعم السكر بعد المُر بيبقى حلو أوي، أكيد هديته خليتك
تنسي زعلك منه، مش صح.

صمتت وهي تحرك رأسها بإيماءة بسيطة بعدما ابتلعت باقي الحديث بجبعتها، فهي لا تود أن تسرد تفاصيل حدثت بينهما، فما بينهما سيظل دائمًا داخل منطقتها المحرمة، خرجت والدتها وتركتها أمام خيارين، أما أن تظل في تلك العتمة التي فرضتها معتقدات بعض صديقاتها، أو تسلك نحو نور أصبحت تتشوق له، أيهما ستختار، وهل سيظل قلبها معلق هكذا، لا تعرف، كل ما تعرفه الآن هو أن ترسل له رسالة تعبر عن امتنانها بهديته التي أعجبتها كثيرًا، دون أن تدري أنها وبتلك الرسالة خطت أولى خطواتها المعلنة في العشق والغرام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة