قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة واحد

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة واحد

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي) للكاتبة آية محمد رفعت مقدمة واحد

تناغمت بخفةٍ ودلال لتعتلي عرشها الذهبي، وتزداد في حدتها مع الهَاجِرة لتسفخ سطح اليخت الأبيض الذي يتوسط المياه، فيهتز بخفةٍ واستسلام للأمواج العاتية التي تنساب من أسفله، وازداد صوتها ليوقظ من تحتل الطابق الأول من اليخت، بدأت بتحريك أهدابها بانزعاجٍ، فبدات الرؤيا مشوشة بالبداية، ومن ثم بدأت تتضح شيئًا فشيء، فوجدت ذاتها بغرفةٍ يكسوها اللون الابيض المريح للأعين ويطوف بها زجاج شفاف كشف لها المياه والأسماك التي تسبح بالقاع، انكمشت تعابيرها في صدمةٍ ولسانها يردد بدهشةٍ:.

أنا فين؟ عدي!
لفت آية يدها حول رأسها وهي تحاول تذكر أي شيء، فهاجمها أخر مشهد ختم ذاكرتها المشوشة.

مكنش له لزمة تيجي معايا يا حبيبي، أنا كنت هروح مع السواق وخلاص.
قالتها آية بحرجٍ لابنها الذي أصر على أن يوصلها بنفسه، فالتفت تجاهها ليمنحها نظرة دافئة من عسلية عينيه، وابتسامة تسللت لطرفي شفتيه:
ازاي بس يا أمي، محدش هيساعدك وانتي بتشتري لبس ابن عمر غيري.
منحته ابتسامة مشرقة وربتت على كتفيه بحنانٍ:
ربنا يخليكم لبعض.

تابع عدي قيادته بسرعةٍ معقولة كونه يعلم اضطراب والدته من قيادته، وفجأة انتبه لحالتها الغامضة، رفعت آية يدها لتحتضن جبينها بألمٍ، تحاول محاربة ذلك الصداع المقبض الذي يضرب رأسها منذ الصباح، أبطئ عدي من سرعة السيارة وهو يتساءل بلهفةٍ:
ماما أنتي كويسة!
هزت رأسها بتأكيد وهي تردد بهبوطٍ حاد:
أنا بس آآ، دايخة، آآآه.

قطعت باقي كلماتها بصرخةٍ مزقت قلب عدي الذي صف سيارته على أحد طرفي الطريق، ثم حرر حزام امانه وهبط مسرعًا ليفتح باب السيارة المجاور لها فساندها بقوةٍ ذراعيه المفتولة وسألها بخوفٍ:
حاسة بأيه؟
أغلقت عينيها وهي تحاول محاربة ما يعتليها من هبوطٍ حاد، وحينما فشلت بذلك ارخت رأسها فوق صدره، فضمها عدي إليه وهي يصرخ بفزعٍ:
ماما!

وأعدل من وضعية جلوسها ثم فرد المقعد لتتمكن من الاسترخاء، وهرع لمقعده ليتجه بها مسرعًا على أقرب مشفى.
مرت الدقائق عليه ببطءٍ شديد وهو ينتظر خروج الطبيب ليطمن قلبه، وما هي الا ثوانٍ حتى خرج من غرفتها، فاسرع تجاهه بخطاه المتزن وهو يتساءل باهتمامٍ:
طمني يا دكتور.

منحه ابتسامة عملية وهو يخبره:
متقلقش المدام بخير..
عبست ملامحه وهو يهمس ساخرًا:
مدام!، تقريبًا أنا اللي كبرت بالعمر!
وبتر ابتسامته الساخرة بثباتٍ قاتل:
طيب اللي حصلها ده حصلها من أيه؟
شرح له حالتها بإيجازٍ:
اجهاد شديد خلى ضغطها يوطى فعملها الدوخة والاغماء، الممرضة بتعلقلها محلول وهتفضل هنا لحد بكره عشان في محلول تاني الصبح وأدوية لازم تاخدها عشان نطمن بنفسنا ان الضغط اتظبط.

صرفه على مضضٍ، وكأنه عفريت يصرف بكلمةٍ:
تمام، اتفضل.
وما أن غادر الطبيب حتى ولج عدي للداخل، فوجدها تتمدد على الفراش وآبرة المحلول مندث بأوردتها، جذب احد المقاعد ثم قربه منها وهو يردد بابتسامةٍ ماكرة:
أنتي ممتنة ليا ان أنا اللي صممت أوصلك والا لو كان ياسين الجارحي اللي بدالي هنا كانت المستشفى كلها هتتساوى بالأرض.
ضيقت عينيها بدهشةٍ وهي تحاول الاستقامة بجلستها:
ليه بتقول كده؟

ضحك وهو يخبرها:
الدكتور بيعاكس وفاكرك مراتي، خوفت اهد الصورة العشرنية اللطيفة اللي رسمها ليكي وأقوله انك والدتي.
ضحكت بصوتها كله ثم قالت بسخريةٍ:
أعمى النظر مش شايف وشي ملان تجاعيد ازاي!
تفحص وجهها بثباتٍ شديد وبرزانة مخيفة تساءل:
فين ده!
منحته ابتسامة مرحة:
عدي أنت عمرك ما كنت بكاش زي عمر!
ابتسم فافتكت وسامته التي ترق قلبها لترسل لها تذكرة بملامح معشوقها، فقال بجديةٍ:.

السن مش مقياس يا أمي، انتي جميلة بكل حاجة، قلبك الطيب وابتسامتك وحب مساعدتك لأي حد.
وبحدةٍ استطرد:
وده سبب وجودنا هنا النهاردة، انتي تقريبًا مش رحمة نفسك مع نور ورحمة بعفاريتها.
تعالت ضحكاتها وهي تخبره بشوقٍ:
متقولش انا ياسين ورحمة ولادك وحلا بنت عمر وحشوني أوي.
امتعضت ملامحه حينما تذكر ما حدث له صباح هذا اليوم على يد ابنه المشاكس ذو السادسة أعوام:
متفكرنيش بمصايب الواد ده، بيستفزني!

ضحكت حتى أشرق وجهها المنطفئ:
نفس اللي بيعمله معاك نفس اللي أنت كنت ومازلت بتعمله مع ياسين.
تجعدت جبينه بتذمرٍ:
انا مش بعاند ياسين الجارحي الا لما أحس إنه بيفرض عليا قرار وعايزني أرضى بيه وأنا مبتسم!
منحته نظرة متعصبة فعدل حديثه باستهزاءٍ:
أوكي، بابا.

انتفضت آية برعبٍ حينما صدح هاتفها من الحقيبة الموضوعة على الكومود الصغير لجوارها، فجذب عدي الحقيبة ثم أخرج الهاتف ليتفحص اسم المتصل وهو يردد بجمودٍ:
السيد الوالد وكأنه حاسس إننا فاتحين سيرته!
وأعطى الهاتف لها، فألقته بوجهه برعبٍ وكأنه يقذفها بقنبلة مؤقتة، جذب الهاتف وهو يردد باستهزاءٍ:
والله ما انا عارف مستحملة الشخص ده ازاي!
عادت لوعيها فلكزته بصدره بعنفٍ:
ولد عيب!

ضحك بصوته الرجولي الجذاب وهو يشير لها بسخطٍ على حالتها المضحكة:
حاضر، هحاول!
ثم أشار لها على الهاتف:
أرد ولا أيه!
أشارت له بنعم وعادت لتنفي سريعًا، فرفع احد حاجبيه ليحدجها بنظرةٍ أثارت غضبها فعادت لتلكزه مجددًا بغيظٍ:
بلاش حركة باباك دي أنا مرتبكة من غير حاجة.
تهدل حاجبيه وهو يسألها بنفاذ صبر:
حبيبتي أرد عليه ولا تردي، لو رن الرنة التانية هيجرالك حاجة!

وكأنها تحاول الا تفقد هيبة امومتها أمامه، ففعلت وأخبرته بصوتٍ خافت كالابن الذي يحتمي بابيه ذو القوة والنفوذ الأكبر:
لو عرف اني تعبانه هيعاقبني عشان نبهني كذه مرة من سهري مع نور ومليكة بس اعمل أيه نور حملها التاني ده مش مستقر ومحتاجاني جنبها!

اعترض عما قالته:
البنات كلهم جنبها، حضرتك مصرة تبذلي مجهود كبير بين الاتنين والاولاد ومصممة في وجود الطباخ إنك تطبخي بنفسك، وقتك وصحتك كلهم على القصر بالي فيه وأكيد تعصبه عليكي لانه خايف على صحتك.
انتهت المكالمة الأولى، فجحظت عينيها في صدمة حينما دق للمرة الثانية، فقالت بتوترٍ: رد عليه وقوله اني بشتري أي حاجة لحد ما نرجع القصر.
ابتسم ببرودٍ وهو يخبرها:.

كنت اتمنى أعمل كده بس للأسف الدكتور قالي ان حضرتك مينفعش تخرجي غير بكره الصبح لحد ما ضغطك يظبط
كادت بالأعتراض فأسرع بالاشارة الصارمة لها، لتستمع لباقي حديثه:
عادي احنا ممكن نخرج وترجعي القصر ويغمي عليكي تاني قدامه ويعرف اللي عندك وساعتها نخوض أنا وهو حرب للمرة اللي مش فاكر عددها أنا تحت أمرك.

انكست رأسها بحزنٍ وهي تحاول ايجاد حل لتلك المعضلة، هز عدي رأسه بغضبٍ ثم ردد بنزقٍ:
فيها أيه لما أرد عليه وأقوله ان حضرتك تعبانه شوية!
رفعت رأسها تجاهه وهي تشير برعبٍ:
لاااا بلاش يا عدي أنت اعمل زي ما بقولك قوله اننا بنشتري حاجات وهنتاخر.
وعاد ليرن هاتفها للمرة الثالثة، فضغط على الزر الجانبي ليبدد مكالمته تحت نظراتها المنصدمة، فقالت بصوتٍ مرتعش:
أيه اللي عملته ده يا عدي!
قال وهو يعبث بأزرار هاتفها:.

هبعتله رسالة، انتي متعرفيش ياسين الجارحي عامل زي المخابرات اكيد هيعرف من صوتي إن في حاجة.
بالرغم من ارتباكها الا أنها ابتسمت على حديثه، فلم يرزقها الله بزوجًا يحمل صفات معقدة فحسب بل أرسل لها نسخة متطابقة وناهيك حينما يتحد كلًا منهما الآخر!

شعرت بذلك الوقت بترخي أجفانها استجابة للمحلول والأدوية، فتمددت على الفراش بسكينة، وأخر ما رأته عينيها تمدد عدي لجوارها، وفرده للغطاء على جسدها بحنان، حتى حينما ولجت الممرضة لتضخ لها المحقن الغليظ باوردتها بعدما انتهى المحلول وجدته يضمها لصدره وكأنها ابنته، وها هي الآن تستيقظ بتلك الغرفة الغريبة، والأغرب من ذلك وجود تلك الاسماك التي تشير لها بأنها على متن سفينة بعرض المياه، بحثت عما ترتديه بقدميها، ونهضت وهي تتطلع لذاتها بالمرآة في صدمةٍ مريبة حينما وجدت ذاتها ترتدي بيجامة قطنية وشعرها مفرود من خلفها بحريةٍ، أسرعت تجاه الخزانة القريبة منها وهي تحاول البحث عما ترتديه، وصوتها يعلو برهبةٍ:.

عدي!
وجدت حجابها وملابسها معلقة بالخزانة، فارتداهما سريعًا ثم خرجت لتتسلق الدرج الخشبي الفاخر للطابق الثاني من اليخت وهي تنادي بقلقٍ:
عدي احنا فين؟
معايا.
كلمة مختصرة نطق بها من يجلس على أحد المقاعد القريبة من تراس اليخت، وقدميه مسنود على المقعد المقابل له ومن فوقهما حاسوبه الذي يجذب عسلية عينيه بالتطلع إليه، اندهشت مما يحدث حولها وبصوتٍ خافت همست:
ياسين!

ترك عنه الحاسوب ثم سحب قدميه ببطءٍ قاتل، وانتصب بوقفته من أمامها بجسده الرياضي الذي مازال يهتم يتقويته بالرياضة والتدريبات، حتى وإن أصبح جدًا لأكثر من حفيدًا، انتظرته يبدى بالحديث بخوفٍ، فمنحها السكينة حينما لبى نداء عينيها الساكنة:
كنتي فاكرة أن الحوار اللي رتبتيه انتي وابنك هيعدي عليا!
ودنا منها حتى بات يقف قبالتها وهو يسترسل ساخرًا:
ولا فاكراني مش هميز من الرسالة مين اللي كتبها؟

ازدرت حلفها الجاف بتوترٍ لحق نبرة صوتها المرتعشة:
الموضوع بسيط وأنا مكنتش عايزة أخضك.
احتدت نظراته تجاهها وزوى حاجبيه مثلما فعل عدى منذ قليل:
أي حاجة تخصك وتمسك ميبقاش موضوعها بسيط.
واستطرد ساخرًا رغم ثبات نبرته واستقامة جسده:
بتتحمي في ابنك وفاكرة إنه هيحميكِ!
أجابته بانفعالٍ شبه مخادع لما تحاول اخفائه:
محصلش حاجة لكل ده، أنت مكبر الموضوع ليه!
اعترض على تهاونها بما يراه هام، فردد بثباتٍ:.

الموضوع كبير لوحده، انتي مبقتيش فايقالي ولا يفرقلك غير احفادك!
أخفت ضحكاتها وهي تتساءل باستغرابٍ:
وده شيء يزعلك؟!
بصوته الهادئ أجابها:
لما تيجي على نفسك وصحتك عشان أي حد مهما كانت مكانه يزعلني، وأنا حذرتك قبل كده.
نفثت عما بصدرها بيأسٍ:
طيب انا جيت هنا ازاي!
رفع حاجبيه بسخطٍ:
قولتلك ألف مرة مفيش حاجة تخفى، على ياسين الجارحي!

ثم دنا منها بخطواتٍ واثقة، جعلتها تتأهب لما سيفعله فدنا منها، فتراجعت برعبٍ وصوتها الخافت يهمس:
ياسين احنا مبقناش صغيرين لكده.

تسللت البسمة الماكرة على شفتيه، حتى حاصرها بين عمود الدرج العلوي وذراعيه، لتبقى سجينة لتلك العينين التي أبت تركها، وحينما أرادت الهروب لتنجو بدقات قلبها التي مازالت تلتاع شوقًا ورغبة بوجوده، أحكم ببده خصرها النحيف ليجبرها على الرضوخ لقوته، فرفعت عينيها لتجابهه فانخضع أخر حصن تمتلكه له، انحنى على رقبتها ليهمس بصوته الرخيم:
غلطتي ولا لا يا آية؟

أغلقت عينيها بقوةٍ وهي تشعر بأنفاسه تقترب منها فتأججها، فعاد ليهمس مجددًا:
عقابك هتنفذيه وهنا.
وابتعد ليلقي نظرة تنتظر لرؤية تأثير كلماته عليها، فوجدها ترمقه بنظرةٍ مذهولة وهي تردد:
عقاب أيه؟
تركها ثم تراجع ليضع كلتا يده بجيب سرواله الأسود ليجيبها بثقةٍ:
هنفضل هنا فترة بعيد عن جو القصر والازعاج اللي فيه.
ثم تعمد الاقتراب منها مجددًا وهو يستطرد بمكرٍ:
هتعوضيني عن كل لحظة بعدتي فيها عني!

وتركها واتجه لحاسوبه مجددًا، فرمشت بعينيها عدة مرات وهي تحاول استيعاب ما قاله للتو، فلحقت به ثم جلست على المقعد المقابل لها لتخبره بصدمة:
ازاي وولادة نور بعد عشر أيام.
أجابها دون ان يرفع عينيه عن حاسوبه:
جوزها جنبها وهيعرف يتصرف كويس.
اعترضت قائلة:
بس يا ياس...

بترت كلماتها حينما رفع عينيه عن حاسوبه ليحدجها بنظرةٍ جعلتها تبتلع باقي جملتها وتنسحب للأسفل بغيظٍ، بينما اكمل عمله الذي كد منذ الصباح لينتهي منه اليوم ليتفرغ إليها بتلك الفترة، فوجد رسالة على حاسوبه فتحها وهو يقرأ محتوياته بنظراته الثاقبة.

«حضرتك مش مضطر تكون قاسي عليها أنت عارف اد أيه هي بتحب تشيل المسؤولية وتساعد اللي حوليها، انا محبتش التصرف اللي عملته بالمستشفى ده وبالرغم من كده متكلمتش بس ده مش معناه أني مأيد حضرتك باللي عملته، ومتنساش انها تعبانه ومش حمل ضغط نفسي!».

ضيق عينيه العسلية بمكرٍ ومن ثم عبث بازاره لياتيه رده القاسٍ:
«أنت مش هتبقى حنين على مراتي أكتر مني، وأفضلك تفوق للمقر وللصفقة اللي هتدخلها وتبطل تشغل دماغك باللي يخصني، ».

وأغلق ياسين اللاب ووضعه جانبًا وهو يرتشف قهوته بهدوءٍ غريب لا يمس لتعصب أصابعه التي تجيب عدي منذ قليل، يكفيه وصوله للمشفى وحمله لها رغم سكون نومها، والآخر يقف أمامه ويتابعه بضيقٍ ومع ذلك لم يستطيع إيقافه، استرخى ياسين برأسه على مقعد السباحة المطول وأغلق عينيه بترقبٍ لما سينفجر بعد دقائق، وبالفعل أتى ما تخيله بثماره حينما صعدت آية من الأسفل ودنت منه وهي تردد بعصبيةٍ:.

أنا عايزة أفهم أحنا هنعمل هنا أيه، هفضل طول اليوم وشي في وش المية ولا أيه بالظبط، رجعني القصر يا ياسين أنا مش حابة أغير جو!
قال ومازالت عينيه مغلقة:
مفيش رجوع.
كزت على أسنانها بغيظٍ، ثم دنت لتجلس على المقعد المجاور له وهي تحاول أن تستميله:
طب قولي احنا هنعمل أيه هنا من غير الاولاد!

فتح عينيه ثم مال برأسه تجاهها، فمنحها نظرة أقسمت بأنها أحيت كل ذرة شباب بداخلها، ثم رفع يده ليحيط بها وجهها القريب وأصابعه تلهو بخصلاتها المتمردة من أسفل حجابها الذي مازالت تحتفظ به، وبحركةٍ سريعة أبعده عنها، ثم قرب وجهها منه، فاستند بجبينه على جبينها وهو يهمس بعشقٍ يستهوى مشاعر قلبه العاشق:.

هنسترجع كل لحظة حب جمعتنا، هاعترفلك أد أيه أنا بحبك، وازاي بعد السنين دي حبك عنده القوة إنه ينتصر على جوارحي ومشاعري، هعرفك يعني أيه أنانية لما تعيشي ليا أنا وبس، ومتقدريش تفارقيني لأننا مع بعض ولبعض..
ومرر يده على شفتيها وهو يسترسل بحبٍ:
مش حابة تكوني معايا بعيد عن كل ده!

منحته ابتسامة سكنت لحصاره القوي، فصمها لصدره ثم انحنى ليحملها إليه، فشددت من ضمه مثلما يفعل هو، وصوته الرجولي العميق يهمس لها بسهامه الحارقة:
وحشتيني.

اسلمت له مفاتيحها وسمحت له بعودة سكنته، فحملها بين ذراعيه ثم هبط بها للغرفة السفلية التي يحيطها البلور الذي عكس شعاع الشمس وبددها شعلة العشق التي مازالت لم تنطفئ حتى بعد تلك السنوات، تغلبها مشاعر شاهدة على قصة حبهما الاسطورية التي خلدت بين حوائط قصر الجارحي.

غردت السماء بقرص شمسها المتوهج لتعلن عن يومٍ جديد ولحظة من لحظاتهم المنفردة والخاصة بهم، استغل غفلتها بين أحضانه، فطبع قبلة صغيرة على جبينها ثم تسلل من جوارها، وجذب المنشفة وما يراه من ثيابٍ تناسبه، خرج ياسين ثم اتجه للأعلى، فخلع عنه التيشرت الأبيض ثم ألقى بذاته بالمياه ليسبح بين أحضانها ببراعةٍ وحرفية، ومن ثم عاد ليغوص بأسفل المياه مجددًا وعندما يشعر بحاجته للهواء يصعد لسطحها، إلى أن انتهى فاستند بجذعيه على حافة اليخت فاستند حتى صعد الدرج الصغير المتصل بطرفيه، فجذب المنشفة ليجفف عنه قطرات المياه ومن ثم أبدل ملابسه، انتابه رغبة بتناول قهوة بالصباح مثلما اعتاد، فحك ذقنه وهو يحاول التوصل لحل يريحه، فاتجه للمطبخ الصغير وشمله بنظرةٍ متفحصة، ومن ثم جذب البراد وملأه بالمياه ثم وضع قطعة من السكر بالفنجان بعدما وضع البن باسفله وما أن انطفئ المؤشر حتى سكب المياه أعلى البن والسكر وهو يردد ساخرًا:.

أخرتها بعمل بنفسي القهوة، عظيم!
ورفع الفنجان ليتذوق ما اعده، وسرعان ما أبعده عنه بملامح ممتعضة، ثم همس بتقززٍ:
معتقدش هكررها تاني!

وهبط ياسين للأسفل بعد اتخاذ قراره الحاسم، ففتح باب الغرفة واقترب من الفراش ليوقظها حتى تساعده باعداد فنجانه الصباحي اليومي، ربع يديه أمام صدره ثم مال بجسده على الحائط وهو يتأملها بحبٍ، كانت تنام بعمقٍ، وكأنها لم تنال تلك الراحة منذ عهدٍ كاملٍ، فانحنى بقامته تجاهه ثم احتضن بيده أصابع يدها، ومرر يده فوق خصلات شعرها بحنانٍ أبعده عن ذلك القرار بايقاظها، فجذب الغطاء وتمدد لجوارها ثم جذبها لتغفو فوق صدره، ويده تضمها اليه بعشقٍ اتبع نبرته الساخرة:.

ياسين الجارحي مستعد يستغنى عن حاجات كتيرة عشانك مش بس القهوة!
ورفع يدها إليه ليطبع قبلة رقيقة على بطن يدها، ثم استند بذقنه على خصلات شعرها التي ينعم برائحتها التي تميزها أنفه لسنواتٍ، وأغلق عينيه ليسمح لذاته بالانجراف خلف مشاعره ليتذكر أول ليلة جمعتهما معًا، اول لحظة احتضنت بها الروح رفيقتها، وغرد القلب عشقًا لتؤامه، اليوم الذي اقتدات فيه مشاعره وتدفقت لتغلب رغباته وجوارحه..

ذهبت ذكرياته لذلك اليوم الذي قضاه معها بأيطاليا، أول ليلة وأول دقة اختلج بها قلبه لأجلها هي، ربما ساقته رغباته تجاه الزوجة الخائنة الأولى، ولكن تلك المرة شعر بأنها امتلكته روحًا وجسدًا، ثمة شيئًا أصابه من قربه منها، وكأن قلبه من قرع دفوف الحروب، ربما ظنت بأنه ضعف من أمامها لأنها تشبه زوجته الأولى ولكنه انغلب وانساق خلف مشاعره، ابتسم ياسين وهو يتذكر كيف واجه نفسه بالمرآة يومها، حينما انهى حمامه ووقف يتطلع لانعكاسه وهو يردد بغضبٍ قاتل:.

ازاي عملت كده! ازاي مقدرتش أفوق نفسي من اللي كنت فيه!
وشدد على شعره البني بعصبيةٍ بالغة:
لا، مش انا الشخص ده، أنا ميحركش مشاعري الرغبة ولا واحدة ست!

كاد بالجنون بذات اليوم وهو يؤنب ذاته مما ارتكبه، منحها الوعد بالا يقترب منها، فقط يحتاج لمساعدتها بمعرفة الحقيقة وما يخفيه عنه يحيى والآن هو من يتم أسره رويدًا رويدًا حتى باتت تمتلك قلبه قبل جسده المتلهف لقربه، مازال يتذكر كيف حلف بعدها بالا يسمح لها بالابتعاد، حبه لخوض ذلك الشعور مجددًا دفعه لعشقٍ أذاقه لوعة حتى تلك اللحظة..

عاد من شروده والابتسامة مازالت مرسومة على وجهه، فانحنى برأسه ثم حك أنفه بأنفها ليجبرها على الاستيقاظ لتشاركه صباح هذا اليوم المميز، فتحت آية عينيها بانزعاجٍ وهي تحاول النوم مجددًا، فتسلل لمسمعها صوته الرخيم:
مش كفايا نوم بقى يا هانم، فطاري 8الصبح والساعة 10حاليًا، هفضل جعان كده كتير؟
تململت بفراشها وهي تفتح عينيها بتكاسلٍ، اتبع نبرتها الدافئة:.

يوم واحد يفطر فيه ياسين الجارحي متأخر مش هيحصل حاجة يعني!
ابتسم وهو يحملها عن الفراش، ثم فتح باب الحمام ودفعها بداخله، وقال بثباتٍ جاهد لجعله مخيفًا لها:
متخلنيش أقلب، أنا كده لطيف، ثوانِ وتكوني جاهزة.
اغلقت الباب وهي تصيح بضيقٍ:
الثواني خلصت في قفل الباب يا ياسين!
واستطردت وهي تخلع المئزر عنها لتتجه للمسبح:
ده جواز ده يا ربي ولا سجن ميري!
فتح الباب وظهر برأسه من خلفه وهو يحذرها بخشونة:.

مستعد أجي أجاوب على كل اسئلتك للصبح يا حبيبتي.
جحظت عينيها في صدمةٍ، فاغلقت المئزر وهي تصيح به بانفعالٍ:
أيه اللي بتعمله ده!
واغلقت الباب من خلفه بالمزلاج، فاتاها رده ساخرًا من الخارج:
مش هستنى كتير أنا!
وتركها وصعد للطابق الثالث من اليخت، فتفقد اتجاهاته، ثم اتجه لحاسوبه فاستغرق ثلاثون دقيقة ليشرف على ما يحدث بالمقر وحينما تأخرت باعداد الطعام، هبط للأسفل ليرى ماذا تفعل؟

كانت ترتدي مريول المطبخ وتقف أمام المقلية، فوضعت القليل من الزبدة وخفقت البيض لتصنع الامليت المفضل لديه، ابتسم وهو يتابعها بنظراته الثاقبة، فمالت بجسدها لتجذب التوابل الحارة ورغمًا عنها انفلت منها فأسرع ياسين بحمله قبل أن يسقط ارضًا، اتسعت حدقتيها دهشةٍ لوجوده جوارها، تجاهل ياسين نظراتها ثم فتح البرطمان الصغير ووضع القليل منه فوق البيض، ثم عاد ليقف محله، فالقى نظرة متفحصة على الخضار والسكين الموضوع على قطعة الخشب المسطحة، اقترب ليجذب السكين ثم حاول جاهدًا قطع الخيار بتناسقٍ مثلما يقدم إليه، فطرق السكين بقوة على منتصفها فتطايرت نصها للأعلى واستقرت أرضًا أسفل قدميه، توقف عما يفعله وعينيه تضيق بغضب لسماعه ضحكاتها المكبوتة وفجأة انفجرت بالضحك حتى أدمعت عينيها، فألقى السكين بعنفٍ واستدار ليكون مقابلها يحدجها بنظراتٍ قاتلة، اتبعها نبرته الشرسة:.

أنا غلطان أني بقلل من هيبتي وبساعدك..
والقى المنشفة عن يديه وهو يشير لها بحزمٍ:
دقايق والأكل يكون جاهز، أنا فوق.

وتركها وصعد للأعلى، فما أن تأكدت من صعوده حتى انفجرت بالضحك مرة أخرى، فأتاها صوته الخشن يخبرها:
محتاجاني في حاجة!

كبتت ضحكاتها بلا رجعة وأسرعت باعداد طبقه المفضل وكوبًا من عصير البرتقال الشهي وبالطبع لم تنسى طبق السلطة التي يحرص بتناوله، وضعت آية الطعام على الطاولة المتحركة، ثم ضغطت الزر فتنقلت من الطابق الثاني للثالث، بينما صعدت هي الدرج لتصل إليه مع لحظة وصول الطعام، فنقلته على الطاولة الاساسية، ترك ياسين الحاسوب ثم نهض ليجلس على الطاولة وبدأ بتناول ما أعددته بصمتٍ، قطعته عي حينما قالت بترددٍ مما ستخبره به:.

ياسين.

لم يأتيها رده بل استكمل تناول طعامه بهدوءٍ تام وكأنه يعلم ما ستتفوه به، عادت لتناديه مجددًا:
ياسين احنا لازم نرجع أنا في حاجات كتيرة محتاجة اعملها، وأهو قضينا ليلة هنا نرجع بقى..
الثبات يقتل جوار هذا الفتاك الرزين، تركها تخبره ما ارادت ولم يجيبها او يرمش له جفن، فاستفزته بما يعني له:
طب وشغلك؟
رفع عينيه عن طبقه، وقرب الشوكة منه، فتناول ما بيده وهو يردد بثقةٍ:.

متخافيش عليا، أنا أقدر احرك الدنيا كلها من مكاني هنا.
ذمت شفتيها بيأسٍ، فابتسم بخبثٍ وهو يردد قائلًا:
براڤو استسلمي وثقي ان العقاب اللي ياسين الجارحي بيفرضه هو لوحده اللي بيمتلك بدايته ونهايته.

وتركها ونهض ليتمدد على الأريكة وهو يتابع نظراتها المغتاظة بانتشاءٍ عحيب، منحته نظرة متعصبة، ففتح ذراعيه وهو يشير لها بالاقتراب والتمدد لجواره، تجاهلته وهي تحدجه بغيظٍ ثم اتجهت للأسفل تبحث عن حقببتها علها تجذب هاتفها لتطمئن عليهم بالقصر، تكبدت عناء وهي تحاول إيجادها، فقلبت الغرفة رأسًا على عقب وحينما لم تجدها جلست على الفراش وهي تهمس بخفوتٍ:
راحت فين دي!

عبث بحقيبتها بابتسامة ماكرة، فأفرغ محتوياتها من أمامه، فجذب انتباهه دفتر وردي اللون ختمت عليه بقلمها «لحظاتٍ خاصة»، ضيق عينيه باستغراب وجذبه ليتفحص ما به وقبل أن يفتح أول صفحاته اهتز هاتفها ففتحه ليجد عدة رسائل من عدى، فما أن قرأ محتوياتها حتى اشتعلت مقلتيه بغضبٍ شرس يموج بالأفق بين تحدي سيصعب عليهما!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة