قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا لا تشبهين أحدا للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

نوفيلا لا تشبهين أحدا للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

نوفيلا لا تشبهين أحدا للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

آه والله زي مابقولك كدة، إيناس صاحبتي اللي بلغتني وقالتلي إن صاحب النادي طرده منه وحرمه من دخول النادي هو وأي فرد من عيلته.
معقول!

معجبوش ياستي اللي عمله معاكي وسمعه كلمتين انما ايه في الجول، وبعدين طرده، علي فكرة اللي اسمه طاهر ده طلع فعلاً حكاية، فلوس وعلاقات مقولكيش، ان صاحب النادي يطرده هو وعيلته حاجة مش سهلة لكن قصاد انعدام الأخلاق مترددش ثانية واحدة، النادي كله ملوش سيرة غير الموضوع ده أصلاً.
لسة الدنيا بخير زي ماقلت.
ذكرتها عبارتها بحديثها مع جهاد فوجدت نفسها تردد كلماته بعقلها..
ربنا خلق مابينا ناس مش بتشبه حد من البشر.

بيبقوا شبه الملايكة
انتِ من الناس اللي ربنا بيحبهم
اللي بيحبه ربنا مفيش حاجة في الدنيا تضره او تسبب له حزن
عايز يقولك ان الدنيا مهما ضاقت بيك ياابن آدم فأنا جنبك ومش هتخلي عنك أبداً مهما حصل.
عادت من شرودها تستمع لصديقتها التي قالت بحماس:
الراجل ده بصراحة الكل بيتكلم عنه وعن أخلاقه وعن فعله الدايم للخير، ماشي علي نهج والده الله يرحمه ووالدته المعروفين في المجتمع الراقي بأخلاقهم العالية وكرمهم الحاتمي.

مش قصدك جواد الجمال؟أنا فعلا سمعت عن والده كتير من بابا الله يرحمه وانه من الأوائل اللي رفضوا استيراد البن أو غشه وعشان كدة اشتري أرض في البحيرة وقرر يزرع البن في مصر، ولان بذور القهوة وأوراقها مبتحبش الشمس عمل حاجة اسمها الزراعة المظللة، يزرع البن يعني تحت شجر المانجة عشان توفر الضل للبن وفعلا نجح وبدأت الناس تقلده، في توشكي وفي محافظة القليوبية كمان.

أهو ابنه بقي مكمل وراه، اتوسع في شغله وخلي اسم عيلته علامة تجارية للي عايز يشرب بن حقيقي مظبوط وبسعر بيضارب بيه كل الأسعار العالمية، ده غير ان كافيهاتهم مالية البلد وكل واحد فيهم ماشي زي التاني بأعلي مستوي خدمة، أنا سمعت انه زارع في كل كافيه عيون ليه بتعرفه لو فيه أي تقصير ووقتها عقابه بيبقي عالمي.
ماجد دايماً ياخدني لكافيه من كافيهاتهم، الحقيقة بشرب هناك فنجان قهوة مشربتوش في أي مكان تاني.

اللي مزعلني ان الواد مز كدة ولا ممثلين السينما ولسة عازب لحد دلوقت، مش عارفة أهله ساكتين عليه ازاي مع انه وحيدهم؟هي البنات راحت فين طيب؟ مفيش واحدة قادرة توقعه في حبها وتدخله عش الزوجية، طب يقولولي بس وأنا أتصرف.
ابتسمت ريم قائلة:
واحنا مالنا ياديجا؟ وبعدين ماتركزي شوية مع يحيي ولا ناوية تغيري؟
اتسعت عيناها باستنكار قائلة:.

أغير ايه بس؟ ده يحيي اللي في الحتة الشمال، ساكن ومقيم كمان، أنا بس نفسي أخدم لو مش لاقي عروسة أجيبله.
اتسعت ابتسامة ريم وهي تهز رأسها في يأس.

أصبحت الآن أدرك سر تجنبي الحضور إلي هذا المكان، أخشي اقتراباً منه يعلقني بروح طيبة توسمتها فيه، بات اللقاء بشخص كهذا يرعبني وكيف لا أرتعب ولم أعد حرة لأكون مع صديق قد يتسلل لقلبي دون ارادة مني؟لا تنكر أيها القلب ولا تستبعد مخاوفي فلم تره سوي مرة واحدة ولم تتحدث إليه سوي مرتين وها أنت من وقتها ولا يمر يوماً دون أن تردد كلماته وتستعيد الحنان والاهتمام بصوته، تقارن بينه وبين هذا الجالس جوارك فيخسر الأخير وتنتابك الحسرة، حتي أنك تتساءل عن مكانه الآن وهل يراك؟ أتراه قريباً؟ اذا ما الذي يؤخره؟

أفاقت من أفكارها علي صوت ماجد الذي أغلق هذه المحادثة التي كان يجريها وهو يقول بحماس:
أهم جايين ياستي، قلتلك هايدي متقدرش ترفضلي طلب، هنقعد شوية ونقوم نروح النادي نكمل قعدتنا.
مش هقدر ياماجد أنا ورايا تدريب...
قاطعها قائلاً بحنق:.

تدريب ايه بس اللي يخليكي تفوتي فرصة زي دي؟ انا مش عارف فايدته ايه التدريب مادام في الآخر مش هتعزفي؟فلوس بتترمي في الأرض وخلاص وبعدين انتِ لازم تشوفيني وأنا بكسب أصحابنا كلهم في لعبة الكريكيت.
أنا مبشوفش ياماجد.
قالتها بسخرية مريرة جعلت ماجد يقول بسرعة:
أنا آسف ياريم أكيد مقصدش.
ولا يهمك.
تأمل ماجد المكان قائلاً:
تعرفي أحلي حاجة النهاردة في المكان ده ايه؟إن الجرسون المستفز ده مش موجود.

انتبهت لكلماته تعقد حاجبيها متسائلة عن سر غيابه، كانت تتوقع ان يحمل لها هذا الخبر ارتياحاً ولكنه علي العكس جعلها تتوجس خيفة من اجابة سؤالها حين أردف ماجد بنبرات متشفية وهو يقول:
إمبارح قابلت مدير المكان، طلع جار مؤنس صاحبي وصديق والده، عرضت عليه مبلغ عشان يطرد الجرسون ووافق، عشان تعرفي بس ان محدش ممكن يقف قصادي من غير ماياخد جزاؤه واني دايما بكسب في الآخر.

وتفتكر لما قطعت عيش الغلبان ده وخليته دلوقت بيدور علي شغل عشان يقدر يجيب أكل وعلاج لوالدته تبقي كسبت؟ أكيد خسرت وخسرت كتير كمان.
قال ماجد بضجر:
وأنا مالي ومال قصصه دي، ياستي غلبان زي مابتقولي كان مشي جنب الحيط وموقفش قدام أسياده، علي فكرة ياريم انتِ قلبك رهيف قوي وعشان كدة الناس بتعرف تستغلك، الحمد لله اني موجود دلوقت في حياتك عشان أوقف كل واحد عند حده وأحميكي من النصابين دول.
همست بحنق:.

احمي نفسك الأول.
أشار للنادل قائلاً:
بتقولي حاجة؟
نهضت تقول بعصبية:
بقول اني لازم اقوم أمشي عشان اتأخرت عن التدريب بتاعي اللي انت شايفه ملوش لازمة لكن أنا شايفاه مهم جداً في حياتي، ابقي سلملي بقي علي هايدي وشيري وقولهم كان نفسها تكون معاكم بس قلبها رهيف ومش هتستحمل تشوفني خسران قدام الكل.
انا مبخسرش أبداً.
النهاردة هتخسر، سلام ياماجد.
ابتعدت يتابعها بعيون متسعة من الصدمة قبل أن يقول بحنق:.

بتقولي اني هخسر في وشي، ريم الظاهر اتجننت، مش عارف اتعصبت عليا كدة ليه؟كل ده عشان كنت السبب في طرد الجرسون؟ وإيه يعني؟ ماقلتلها هو اللي وقف قصادي وكان لازم أعلمه الأدب، مثاليتها دي تخنق والله، لولا فلوسها وزن خالتي كنت كبرت منها خالص واتجوزت هايدي أو حتي شيري الاتنين فرافيش كدة وحلوين، مش خنيقة زي ناس، والله ماانا عارف شايفة نفسها علي ايه، أمال لو مكنتش عامية؟
بتقول حاجة يابيه؟
وانت مين انت كمان؟

انا الجرسون، حضرتك شاورتلي.
آه، طب روح هاتلي قهوة مظبوط بسرعة، عايز خدمة فوق المستوي، أنا مش هستني حضراتكم اليوم بطوله عشان تجيبولي القهوة، مفهوم؟
هز النادل رأسه قائلا:
تحت أمرك يافندم.
وما ان ابتعد قليلاً حتي قال حانقاً:
والله لو عليا هجيبلك قهوة فيها ملح ولا سم هاري، مش كفاية قطعت عيش الراجل السكرة اللي ملحقش يتهني بالوظيفة، كمان بتكلمني وكأني بشتغل عندك، صحيح تيوس معاها فلوس.

أمسكت هاتفها للمرة التي لا تدري عددها تبغي إتصالاً ترغبه وتخشاه في نفس الوقت، تركت هاتفها تزفر بحنق، قلبها مشغول عليه، تتساءل كيف حاله الآن وكيف حال والدته؟ هل وجد عملاً آخر أم مازال يبحث؟ أكان لزاماً علي ماجد أن يتسبب في طرد هذا المسكين؟هل كانت السبب حقاً في طرده؟ترغب في الاطمئنان عليه وفي نفس الوقت تخشي اقتراباً يحمل العديد من العلامات الحمراء...

ولكن هل ستقف هذه العلامات أمام قلباً رحيماً كقلبها لا يتخيل مجرد التفكير في أن هناك سيدة الآن ينتابها الألم ولا تجد العلاج؟ هل ستدير ظهرها عنه لمجرد أنها تخشي ماشعرت به تجاهه حين تحدث معها علي الهاتف؟ هل هي ضعيفة إلي الحد الذي لا تستطيع عنده التحكم في مشاعرها وتحجيمها؟ لقد نهضت من كل عثرة بقوة ارادتها، قاومت مخاوفها وعادت لحياتها وهوايتها رغم كل التحديات والصعوبات، لذا لا يجب أن تدع شيء كخوفها التعلق بروح جهاد الطيبة وقلبه الحنون يقف في طريق الخير الذي انتهجته دوماً، لذا حسمت قرارها وأمسكت هاتفها تبحث صوتياً عن اسمه تتصل به بسرعة قبل أن تغير رأيها، رن هاتفه فارتفعت وتيرة خفقاتها خاصة حين أجاب علي الفور قائلاً بصوت بدت اللهفة في نبراته:.

ريم، قصدي آنسة ريم، أنا مش مصدق نفسي.
قالت بارتباك:
ازيك ياأستاذ جهاد، أنا آسفة لو بتصل بيك في وقت متأخر...
قاطعها قائلاً:
انتِ تتصلي في أي وقت.
صمتت للحظة قبل أن تتمالك نفسها مجدداً بعد أن أربكتها كلماته، تقول بهدوء:
الحقيقة أنا عرفت انك اترفدت ظلم واني كنت السبب في رفدك.
انتِ السبب؟!ازاي؟ قصدك ايه؟
قصدي يعني ان ماجد خطيبي هو اللي كلم المدير عشان يرفدك بعد الموقف الأخير وخناقتك معاه.

آه بقي هي الحكاية كدة؟ وأنا اللي استغربت قراره الغريب ده رغم اني كنت شغال كويس وتقييمي كان مرتفع، للأسف الدنيا دي بقت ماشية بالواسطة واللي ليه سند محدش بيدوس عليه.
السند هو ربنا يا أستاذ جهاد، لما البني آدم بيبقي كويس وربنا راضي عنه مبيضروش، بيبقاله في كل ابتلاء حكمة يمكن احنا مبنشوفهاش، أكيد شغلك في المكان ده مكنش خير ليك، وحكمة ربنا انك تكون في مكان أحسن.

وفين المكان اللي ممكن يقبل بواحد زيي معندوش خبرة ولا ليه قرايب في مناصب مهمة؟
انت خريج ايه؟
تجارة وادارة أعمال وبتقدير امتياز كمان.
ما شاء الله وليه متعينتش معيد؟
قلتلك ماليش واسطة.
وانا قلتلك واسطتك ربنا، هو اللي ممكن يسخر لك اللي يساعدك ياأستاذ جهاد، أنا ليا صديقة عمها عنده شركة استيراد وتصدير هخليها تكلمه وأكيد هتشتغل بإذن الله، أعتقد شغلك بمؤهلك أفضل كتير من شغلك في الكافيه ولا إيه رأيك؟

صمت من جانبه جعلها تعض بأسنانها طرف شفتها السفلي خشية ان تكون جرحت كبرياءه وأهانته دون قصد لتقول باضطراب وقلق:
أستاذ جهاد أنا...
قاطعها قائلاً:
انتِ مفيش زيك ياآنسة ريم، واحدة غيرك مكنتش اتأثرت باللي حصل ليا ولا فكرت فيه أو قلقت وحبت تساعد واحد زيي.

قلتلك اللي زيي كتير ياأستاذ جهاد، وبعدين تفتكر هعرف ان والدتك معتمدة عليك ومفكرش فيها وفي علاجها، هي صحيح مالها؟ أنا ممكن أدخلها المستشفي تتعالج علي حسابي.
والدتي مستحيل تقبل حاجة زي دي، عموماً حالتها مش مستدعية دخولها المستشفي، بالراحة وبالعلاج بتبقي تمام، أنا هبلغها سلامك وسؤالك عنها، صدقيني ده أكتر من كفاية عشان يسعدها.
تمام، هتصل بيك بكرة عشان تروح الشركة وتقابل آنكل رأفت.
هستني اتصالك.

أستاذ جهاد.
نعم.
هل شعرت بأن حروف الكلمة تضخ في قلبها حناناً تشبع به الأخير حتي أن خفقاتها باتت دافئة كصوته.
نفضت مشاعرها وهي تقول:
مش محتاج أي حاجة؟
لو قصدك فلوس فمستورة الحمد لله أما بسؤالك واهتمامك جبرتي خاطري وأسعدتيني هحتاج ايه تاني؟

وكأني أقرأ مشاعري بين كلماتك التي تمنحني شعوراً جديداً نتج عن مزيج من الاهتمام والحنان افتقدتهما منذ وفاة والدي فعادا إلي مع دلوفك لحياتي، تُري هل أدع قلبي يهنأ بما يشعر أم أحذره للمرة الألف من مغبة الإعتياد ثم الغياب ولوعة الفراق؟
أفاقت من أفكارها علي صوته يناديها باسمها فقالت باضطراب:
أنا مضطرة أقفل دلوقت، تصبح علي خير.
تلاقي الخير.

أغلقت الهاتف وهي تغمض عيناها ليس تجاهلاً في جوف ظلام تسكنه ككل مرة ولكن رغبة منها في استرجاع كل كلمة وحرف داروا بمحادثتها معه، تسترجع كل المشاعر التي أحست بها، لم تشعر قط بالراحة والاطمئنان مع أحد كما تشعر بهم حين تتحدث معه، تتمني لو طال الحديث وطالت تلك الأحاسيس ولكن دوام الحال هنا محال والاقتراب لهيب لا ترغب بلظاه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة